حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2010

داليا البحيري:

لا أتحدى زملائي .. والأدوار التفصيل لها حسابات تجارية غابت بعد ولادتها

القاهرة ـ من محمد عاطف*

·         بعد غيابك عاما منذ ولادتك لابنتك قسمت اعتذرت عن أكثر من عمل .. ما السبب؟

* غيابي يعني عودتي بقوة ليشعر المتفرج بشوق لي .. وبالفعل عرضت عليّ أعمال كثيرة اعتذرت عنها لعدم تناسبها معي .. فأنا أحب ان أعيش العمل والشخصية وأجدها تتغلغل بداخلي وإن لم يحدث ذلك من القراءة أعتذر.

·         هل تفضلين انفراد اسمك في العمل وترشيح شباب بجوارك لتكون الأضواء مسلطة عليك بمفردك؟

* أعمالي السابقة مليئة بالنجوم معي .. وحاليا في 'ريش نعام' معي عمرو واكد ومادلين طبر وأحمد فؤاد سليم وزكي فطين عبد الوهاب وكلهم نجوم في أدوارهم .. وأفضل البطولة الجماعية .. وأفلامي ومسلسلاتي من هذه النوعية، لأن الجماعية لها بريق في العمل الفني .. بينما الانفراد بالعمل لممثل واحد أو ممثلة فإنه يحتاج الى سيناريو خاص به أبعاد معينة وطريقة في الكتابة تلزم بوجود شخص واحد داخل الأحداث.

·         يقال انك لا تمثلين إلا الأدوار التفصيل التي تكتب لك .. ما صحة ذلك؟

* هذا الكلام عار من الصحة .. لأن العمل الفني له حساباته المختلفة، خاصة الجوانب التجارية التي يدرسها المنتج ثم يقرر هل يتولى إنتاج العمل أم يعتذر عنه .. فإذا وافق عليها فالفكرة تكون جيدة ويتم تنفيذها .. بهذا الأسلوب يتم النظر بموضوعية للعمل من دون أي اعتبار لمسألة التفصيل والجاهز.

·         بعض زميلاتك غضبن من جملة ترددت على لسانك إنك تتحدين الجميع بمسلسل 'ريش نعام' ما سر هذا التحدي؟

* لم أقل لأحد إنني أتحدى زميلاتي أو زملائي لأن كل فنان يجتهد جدا في عمله .. وكيف أتحدى وأنا لم أشاهد أعمال الزملاء .. فهذا خطأ واضح ولم أتفوه بمثل هذه الجمل الحادة .. لكن لدي ثقة في مسلسلي لأن فكرته جديدة عن امرأة ثرية جدا وينحدر بها الحال الى الفقر الشديد .. لم أر هذا الاتجاه في مسلسل من قبل.

·         بعض النجوم يرون ان الدراما تحرق نجومية السينما كيف تنظرين الى هذه المقولة؟

* أراها مسألة جيدة للممثل فالأفلام تعرض على الفضائيات فور انتهاء الموسم السينمائي وخلال طرح الفيلم الجديد بدور السينما نلاحظ عرض أفلام البطل على الفضائيات ومع ذلك لا يقل شباك التذاكر، مما يؤكد ان الجمهور يبحث عن العمل الجيد لذا طالما اختيار الممثل لمسلسل قوي فإنه يساعده على ترويج نفسه سينمائيا والجمهور يبحث عن أعماله في أي مجال لأنه حقق النجاح في الدراما التلفزيونية.

·         لكن هناك بعض النجوم اتجهوا للدراما بسبب الأزمة السينمائية الحالية .. ما تعليقك؟

* هذا صحيح لأن الأزمة الاقتصادية لها تأثير قوي ولذا اتجه معظم النجوم الى الدراما وهو أمر ليس عيبا طالما كما قلت انه يختار الموضوع المناسب .. وارى ان السينما حاليا تختار أعمالها بدقة وبها الجديد دائما.. لكن الأزمة الاقتصادية العالمية أثرت عليها كثيرا .. وأتمنى ان تعود صناعة السينما الى قوتها من جديد لتدور عجلة الإنتاج وتقدم الجديد والمتطور.

القدس العربي في

30/08/2010

ما ملكت ايمانكم':

كل النساء زانيات و'الخلافة' سقطت لكن العرب لم يتقدموا!

ميساء آق بيق 

تاريخ مليء بالمؤامرات والدسائس والقتل القائم على المصالح، ووسط كل ذلك تجد دائماً يهودياً..!

هذا الانطباع يتولد عند مشاهدة مسلسل سقوط الخلافة، عمل كتبه يسري الجندي وأخرجه محمد عزيزية وقام ببطولته في دور السلطان عبد الحميد الثاني النجم عباس النوري بمشاركة نخبة من الممثلين السوريين والمصريين.

المؤامرات تدور في الكواليس والأروقة بين الجميع، والمؤامرة تتطلب كي تنجح شخصاً من الداخل يساعد في تنفيذها وحبكها جيداً. هكذا سقطت الدولة الأموية ثم العباسية والأندلسية وغيرها، بالمؤامرات والدسائس مع جانب من الضعف والهوان. المناهج المدرسية مرت على الفترة العثمانية مرور الكرام، ما درسناه ونحن تلاميذ كان مختصراً مبهماً برؤية من جانب واحد، 'العثمانيون أتراك جاءوا من أواسط آسيا واحتلونا أربعة قرون وزادوا في تخلفنا'.

هكذا اختصرت المناهج أربعمئة عام، وأنهتها بإعدامات جمال باشا الملقب بالسفاح، ولأننا كنا في عمر المتلقي رسخ الكلام في أذهاننا، 'العثمانيون كانوا سبب تخلفنا'، بعد أن كبرنا وأصبحنا قادرين على أن نرى ونسمع ونقرأ أكثر ونراقب، بالأخص من انخرط في الدراسات الأدبية والتاريخ ثم الصحافة، أصبح لسان حالنا يقول: ترى هل كنا متطورين عندما جاء العثمانيون ليحولوا تطورنا تخلفاً؟ ولقد أخرجت الثورة العربية في بدايات القرن العشرين الأتراك بعد أن سيطر على حكمهم حزبا الاتحاد والترقي وتركيا الفتاة، وهذا كان منذ مئة عام، هل تطورنا؟ على حد علمي فإن أمتنا في أواخر العهد العباسي كانت ممزقة ومشتتة وغارقة في بحور من الظلام والجهل والبدع وفوق كل هذا لحقت بنا في إسبانيا شر هزيمة سكبت أنهاراً من الدماء في محاكم التفتيش، ومن نجا منها صار لاجئاً في المغرب، كان وضع الأمة الإسلامية أو العربية (سمّها ما شئت) يندى له الجبين، ومن يدري لو أن العثمانيين لم يدخلوا رافعين لواء الإسلام في وقت كانت الشعوب يحركها الدين، هل كانت ستقوم لنا قائمة وسنبقى نحن من ذرية أولئك؟

أتوقع أن يقول قائل الآن انني من أصول تركية ودفاعي عن الأتراك يأتي من هذا المنطلق، لكنني لم أعرف بلداً لي غير سورية، أما كلماتي فتأتي من تفكير عقلاني يترافق مع بعض الاطلاع.

مسلسل 'سقوط الخلافة' ساعد في إنجازه التقارب التركي من المنطقة العربية في الوقت الراهن، لكنه كان ضرورياً ليجلي الغبار ولو قليلاً عن تلك المرحلة، ساهمت في ذلك الوثائق التي أثبتت وقوف السلطان عبد الحميد المتين ضد محاولات هرتزل انتزاع وعد بأرض فلسطين، من هنا اكتملت خيوط المؤامرات بعد أن كانت قبلها تدق عنق السلطنة من جهة روسيا ومن جهة صربيا وفرنسا وبريطانيا لتكتمل بتولي يهود الدونمة الحكم مع إبقاء صورة شكلية للسلطان وباسمه بدأوا يعملوا فتكاً وتتريكاً في الأمة التي رفضت التخلي عن لغتها (كان العرب حينها غيورين على لغتهم وليسوا كما هم الآن) فقامت الثورة ودارت دورة الزمن بانتهاء الحرب العالمية الأولى. إنه ليس درساً في التاريخ، إنه لفتة شكر لمن عمل على إنجاز المسلسل، فلا سبيل هنا لإخفاء جهود المخرج الملحوظة في عمل فني جيد. ولا أدري إن كان جيداً أم محزناً أننا نعرف كيف تنتهي أعمال مثل 'سقوط الخلافة' و'أنا القدس'، فالحقيقة دائماً هي الأكثر ألماً. وبمناسبة الحديث مجدداً عن 'أنا القدس' لا بد من التوقف لحظة عند الأداء الجميل والتلقائي الذي برز فيه الفنان فاروق الفيشاوي، كانت مفاجأة رؤيته يتقن اللهجة ويرفقها بعفوية شديدة في تجسيد دوره في المسلسل.

الرأي والرأي الآخر

ينبري أحد المعلقين على هذه الزاوية منتقداً زميلة كتبت انطباعاتها عن بعض المسلسلات فيقول: بأي حق يتحول الجميع إلى نقاد ويحمّلون الأعمال الفنية أكثر ما تتحمل؟ وأنا أسأل: عندما يكتب شخص ما في السياسة ماذا يكون؟ وعندما يكتب آخر في الاقتصاد ماذا يكون؟ وعندما يكتب ثالث في الرياضة ماذا يكون؟ يكون كاتباً في المقام الأول، أنعم الله عليه بملكة الكتابة فتحولت الكلمات مطواعة لترجمة أفكاره. إن عدم قدرة البعض على نقل ما يدور في رؤوسهم إلى مقالات لا تخوّلهم الحق في الحجر على آراء الآخرين، ألم يئن الأوان كي ننفتح على بعضنا البعض ونتقبل الاختلاف في الرؤى ووجهات النظر؟ يعز عليّ أن يتهمني شخص من أبناء بلدي بأني لا أنتمي حقاً إلى الوطن لمجرد أني عبّرت عن وجهة نظري في أعمال درامية، المساحات الصحافية تتسع للجميع، والبيّنة على من ادّعى.

من هنا أنطلق في وصف عمل احتوى كل مصائب الدنيا ومشاكل الحياة والعيوب الاجتماعية والأخلاقية والنفسية والفكرية، حمل اسم 'ما ملكت أيمانكم'، الفتيات جميعهن فقدن عذريتهن ومنهن الحامل سفاحاً، والرجال يتخذون كل الوسائل الخادعة لنيل مرادهم، والمال موظف في خدمة الانحلال، ومن كان خاطباً أو مخطوبة على علاقة بشخص آخر غير خطيبته أو خطيبها، والمتزوج يعاني من عدم القدرة على التعايش مع الواقع، وأستاذ المدرسة ببساطة بعد زمن قضاه مدرساً يُتهم بالتحرش الجنسي ويُفصل من عمله، والناس تحولوا إلى وحوش! ربما يكون الشخص المتوازن الوحيد في المسلسل هو زوج ليلى، شخص واحد ضمن مجموعة كاملة تائهة في بحر متلاطم الأمواج من الأمراض النفسية والعصبية والاجتماعية، إنه وصفة طبية كاملة للتسبب في الكآبة أكثر من ذلك المليء بالدموع والذي يُسمى وراء الشمس.

أكثر المسلسلات واقعية

المسلسل الواقعي الوحيد بامتياز الذي عُرض على جميع الشاشات الفضائية في شهر رمضان المبارك ليس عملاً كوميدياً أو اجتماعياً أو تاريخياً بل هو إنساني، إنه مسلسل معاناة أهل باكستان من تبعات الفيضانات الجارفة التي أودت بحياة المئات وتأثر بنتائجها الكارثية الملايين ومحت آلاف القرى والمنازل من على وجه الأرض. هل تابع أحد هذا المسلسل؟ كم شخصاً اقتطع من وقته دقائق ليتأمل كيف يمكن أن يتحول مصير الإنسان في ليلة ليلاء إلى دمار وتشرد وعذاب ومعاناة، كم شخصاً كلّف نفسه عناء التوجه إلى أحد صناديق التبرع للمساهمة ولو بجزء يسير من مدخوله لمساعدة هؤلاء المنكوبين؟ صحيح أن بعض الحكومات أرسلت مساعدات إلى الباكستانيين لا أعلم كم وصل منها فعلاً للمنكوبين، لكن ذلك لا يكفي لهذا العدد الهائل من المتضررين. ما ذنب هؤلاء أنهم ابتلوا بأشخاص أكثر فساداً من الموجودين بين ظهرانينا؟ ما ذنبهم أنهم ابتلوا بفقر مدقع بث الجهل فيهم حتى بات من السهل تسييرهم نحو حركات متشددة؟ ما ذنبهم أن الدول الكبرى القريبة والبعيدة تتقاطع مصالحها في بلادهم مع مصالح الفاسدين منهم؟ أليس هذا المسلسل هو الأكثر واقعية بالنسبة لنا والأكثر قرباً لظروفنا التي نعيشها؟

كاتبة من سورية

القدس العربي في

30/08/2010

 

الانتاج الضخم صار تباهيا بالديكور والاكسسوارات وعدد الكومبارس:

أسعد الوراق يخلع مجده القديم!

محمد منصور 

حتى الآن، وقد اقترب العمل من منتصفه، لا يبدو أن مسلسل (أسعد الوراق) بنسخته الجديدة التي وقعها هوزان عكو كاتباً ورشا شربتجي مخرجة، قد استطاع أن يدخل معادلة البقاء في الذاكرة، التي حسمتها النسخة القديمة من هذا المسلسل الخالد، الذي تربع على عرش كلاسيكيات الدراما السورية بجدارة، وظل حاضرا في وجدان السوريين حتى بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود ونصف على إنتاجه.

فأسعد الوراق الجديد، التائه في حارة دمشقية مصنوعة بأناقة ديكورية لم تخف لمسات صانعها النافرة، لم يستطع أن يمتلك ذلك الحضور الفني والدرامي المتكامل الذي حظي به العمل القديم، بدءاً من حميمية الأجواء المكانية وليس انتهاء بشارة العمل، التي لخصت ببراعة فنية ملهمة، كيفية تحول هذا الإنسان البسيط الساذج إلى ولي من أولياء الله الصالحين في نظر الناس البسطاء، عبر سلسلة من التحولات القدرية التي كانت تعصف بمسار حياته، وتتقاذفه صعوداً وهبوطاً لتجعل منه أمثولة في الإنسان البسيط النقي الذي يشغل حياة المجتمع ويفجر تناقضاته الموروثة.. في حين جاء العمل الجديد ليحول هذه الكثافة الدرامية في بلورة الشخصية وصناعة معادلاتها الدرامية والفكرية، إلى جزء من بانوراما اجتماعية مفبركة، لا يبدو أسعد الوراق، سوى خط من خطوطها الممدودة باسترسال باهت، وشخصية من شخصيات كثيرة تتصارع على رقعتها الدرامية، وكل واحدة منها توحي بين الحين والآخر بأنها صاحبة البطولة الدرامية وحاملة قيم هذا الصراع!

مقارنة تطرح نفسها

السؤال الذي يطرح نفسه إزاء قراءتنا الأولية للعمل: هل ثمة ضرورة لمقارنة العمل الجديد بنظيره القديم؟ والجواب بالتأكيد نعم... فكل مشروعية العمل الجديد مؤسسة على نجاح وخلود المسلسل القديم. الشركة المنتجة قالت إنها تريد إعادة إحياء كلاسيكيات الدراما السورية القديمة، والمخرجة صرحت بأنها استفادت من أجواء العمل القديم، ونجما (أسعد الوراق) القديم، استحضرا في العمل قسراً وفي أدوار ثانوية لا تليق بهما للتمسح بحضورهما على الشارة... فسمي الفنان الراحل هاني الروماني بـ(وجع الغياب... أسعد الوراق القديم)، وسميت منى واصف في الشارة أيضاً بـ(عقد الماس العتيق)... في إشارة رمزية لأغنية (يلبقلك شك الألماس) التي غنيت لها في المشهد الختامي من العمل القديم... إذن كل شيء مؤسس على شهوة استحضار نجاح المسلسل القديم، الذي أنتجه التلفزيون السوري عام 1975 والتمسح به... وبالتالي أية محاولة لصرفنا عن مثل هذه المقارنة على اعتبار أن العمل الجديد شيء مختلف لا يجمعه مع القديم سوى الأصل الأدبي (قصة الله والفقر لصدقي اسماعيل) هي محاولة لذر الرماد في العيون، ينبغي عدم الإنصات لذرائعها!

وحتى لو أردنا أن نحتكم في معيار النجاح إلى الأصل الأدبي، فسنجد أن النسخة الجديدة من (أسعد الوراق) أبعد ما تكون عن كثافة ودرامية القصة العظيمة التي كتبها الأديب صدقي اسماعيل في (74) صفحة من القطع المتوسط، وحولها السيناريست الراحل عبد العزيز هلال إلى مسلسل في سبع حلقات، كان من أنجح تجارب استلهام الأدب في الدراما التلفزيونية، بينما جاء هوزان عكو ليحولها إلى مسلسل فيما يقرب من ثلاثين حلقة... فكان كمن مدد ملعقة من شراب التوت المركز في عشر ليترات من الماء!

التشويش على دراما الشخصية

ترك هوزان عكو شخصية أسعد الوراق بكل حضورها الطاغي، وكل ما حُمّلت به من أفكار وتحولات ورموز، وراح يشتغل على الشخصيات الأخرى، على القصص الفرعية التي ذكرها صدقي إسماعيل في قصته الطويلة بشكل عابر، كي يبرز جوانب في شخصية بطله كالطيبة واللهفة والتأثر السريع بمآسي الآخرين... في حين تابع عكو هذه القصص الفرعية، وجعل لها تفرعات أخرى لدرجة أنها شوشت على حضور أسعد الوراق درامياً، وحولته إلى شخصية تغيب وتحضر... تتألق وتنطفئ في زحمة الأحداث والحكايا. لم يرد في قصة (الله والفقر) ذكر للفرنسيين، فشخصية (عبد الحي) التي يستشهد أسعد الوراق وهو يقاتل معها في نهاية المسلسل، كانت شخصية متمردة ضد الحكومة وليست ثائرة ضد الفرنسيين، لكن الكاتب عبد العزيز هلال، جعل تمردها ضد الفرنسيين في إشارة عابرة كي يخلق لديها تعاطفاً أكبر لدى المشاهدين... والكارثة أن كاتب سيناريو العمل الجديد التقط هذه الإشارة العابرة أيضاً من المسلسل التلفزيوني القديم لا من الأصل الأدبي، وجعل من القتال ضد الفرنسيين محوراً أساسياً متشعباً، فيه الكثير من الجولات والصولات والمعارك والهزائم والانتصارات... ففرغ العمل من فرادة مقولاته التي تطرح أسئلة فلسفية معقدة عن الفقر وعن الناس البسطاء والدين والإيمان والإلحاد والعدالة الإلهية.

وإلى جانب ذلك ثمة خطوط أخرى لشخصيات استحضرت لملء الوقت، كشخصية (أيمن بيك) الذي ينتقل بنا بين أجواء السوق والغيرة من الحمالين الذي يرأف والد زوجته (عدنان بيك) بهم، وبين أجواء السهر في بيوت العاهرات والراقصات، في مشاهد مستعارة من أجواء مصرية، إنما برؤية أشد ابتذالاً وسوقية، وأقل ظرفاً بالتأكيد!

الدراما السورية قديماً وحديثاً، حافلة بالعديد من الأعمال الجيدة والرديئة التي تتحدث عن النضال ضد الاحتلال الفرنسي، وتصور أشكاله بواقعية موثقة، أو حكائية مفبركة فيها الكثير من الجنوح نحو العنتريات.. لكن ليس فيها سوى أعمال نادرة جداً، تطرح الأسئلة التي تطرحها قصة (الله والفقر) وما تحمله من دعوة حقيقية للتغيير على أيدي الناس البسطاء.. وبالتالي كان الجنوح بالعمل نحو ذلك الموضوع، خياراً أفقده فرادته، وجعل من المسلسل القديم الملتصق بأسئلة النص الأدبي والجريء في تناول محظوراته، شاهداً على الفشل الدرامي للعمل الجديد الذي أضاع البوصلة والتوجه!

السر في المناخ

والمشكلة برأيي ليست فقط في الخيار الحكائي السهل الذي اختاره كاتب السيناريو، كما يبدو لنا حتى الآن، بل هي في المناخ، فالمناخ الفني الذي أفرز رائعة (أسعد الوراق) في السبعينيات، حين كان الكاتب يكتب النص في العدد الذي يشاء من الحلقات التلفزيونية، من دون أن يتقيد بثلاثين حلقة من أجل العرض في رمضان، والمناخ الذي كانت تدرس النصوص فيه جيداً في بروفات طاولة ممتدة تقرأ فيها السيناريوهات بدقة، وتختمر فيها الملاحظات، ويعمل الجميع من أجل تقديم دراما يتألق فيها الهم الإنساني، وتبرز فيها أسئلة الأصل الأدبي بكل كثافتها وإشكالياتها، ليس هو المناخ ذاته التي تعيشه الدراما التلفزيونية السورية اليوم بالتأكيد.... حيث يعتقد بعض المخرجين والمنتجين أن الدراما هي حارات ضخمة تبنى، ومعارك بطولية تنفذ، وبيوت دمشقية واسعة تملأ بثرثرة النجوم واستعراضات الكاميرا المحمولة والتقنيات الحديثة... ولهذا كان الخيار الخاطئ هو التجرؤ على العبث بنص مختلف، لا يسمح به السائد اليوم، وإن سمح فلن يكون سوى نسخة مشوهة وممسوخة عن أصالة وبساطة وعمق العمل القديم الذي لا ينسى.

ليس هذا انحيازا متزمتاً للماضي، فالدراما السورية تقدم الآن أعمالاً جيدة أيضاً، لكن معايير الجودة اليوم، التي تتفنن في الشكل والتقنيات وضخامة الإنتاج، لن تستوعب عملاً بكثافة وإشكالية (أسعد الوراق). صحيح أن رشا شربتجي قدمت رؤية بصرية خاصة في العمل، وبذلت جهداً طيباً في تحقيق أجواء لافتة، وخصوصاً على صعيد الإضاءة والظل واللون وحركة الكاميرا... لكنها مع الأسف، فشلت في تلمس مأزق النص الجديد، ولم تنتبه إلى التهميش الذي أصاب الشخصية المحورية فجردها من مجدها الدرامي الراسخ، وحولها إلى شخصية باهتة في عمل ينتمي تارة إلى دراما البيئة الدمشقية التقليدية وأخرى إلى بطولات مقاومة المحتل الفرنسي. والأدهى من ذلك أنها انساقت وراء مبالغات النص في فبركة معارك يبدو فيها الجنود الفرنسيون، وكأنهم وسائل إيضاح للتدريب على إصابة الهدف، أو تعليم أصول الصيد!

جهود تمثيلية ضائعة!

وفي خضم هذا كله، بدت مهمة الفنانين تيم حسن وأمل عرفة هي الأصعب بالتأكيد... فقد قاربا دورين شكلا علامة فارقة في مسيرة الفنانيْن اللذين أدياهما... دور (أسعد الوراق) الذي أداه هاني الروماني فكان دور العمر بالنسبة له، ودور (منيرة) التي أدته منى واصف... فكان علامة لا تمحى في ذاكرتها وذاكرتنا. احترم تيم إنجاز زملاءه المخضرمين، وسعى لابتكار كاركتر مختلف، لم يقلد فيه هاني الروماني ولم يتشبه به... بذل جهداً يشكر عليه، وبنى تفاصيل معقدة في الأداء، لكن ما بلغه من نجاح كان أقل مما بذله من جهده... فقد غرق الأداء في سكونية طاغية، جعلته يقبع في الظل وينسى ما إن يغيب عن الكاميرا... فكأنه كان كاركتر ممثل مساعد وليس بطلا رئيسياً يحمل دراما العمل، وكان أداء أمل عرفة، صورة أخرى عن التحدي الشجاع لصورة أداء خالد قدمته منى واصف... لكن أين حضور منيرة القديم في رقعة درامية مضبوطة ومشغولة بعناية، من ضياع منيرة الجديدة المشتتة الحضور في هذه الرقعة الدرامية المبعثرة بانشغالات عقيمة أخرى... إن ذاكرة الزمن وكثافة انفعالات العمل القديم كانت تظلم جهدها في النهاية.

ولم يكن حال العناصر الفنية الأخرى من ديكور وموسيقى متفوقاً وللأسف، رغم التقدم الذي شهدتهما الدراما السورية في هذا المجال... فأين سحر استخدام الأصوات البشرية الكورالية وتعبيراتها الأخاذة عن شخصية أسعد الوراق المضطهدة والمطحونة مما نسمعه هنا، وأين جماليات اللمسة الواقعية في ديكورات لبيب رسلان على فقر إمكانياتها وخشونتها، من اللمسة النافرة في ديكورات حسان أبو عياش رغم نجاحاته المحققة في تقديم الحارة الدمشقية.

إن (أسعد الوراق) في صورته الحالية هو ابن المناخ الفني الحالي تماماً، حيث يتحول الأدب العميق إلى حكاية، وحيث الإشراف الدرامي تسمية بلا أثر، والإخراج رؤية في كل شيء إلا قراءة عثرات النص، والإنتاج الضخم عقلية استثمار وتباه بالديكور والملابس وضخامة الإكسسوار وعدد الكومبارس!

ناقد فني من سورية

القدس العربي في

30/08/2010

 

مسلسلات 'فك وتركيب' وكوميديا على ذوق ربات البيوت!

عار الدراما ودراما 'العار' ورحلة البحث عن عريس في الكتب الصفراء

القاهرة ـ من كمال القاضي

أكثر ما يفسد الفنان أن يعطي لنفسه ولموهبته كل الصلاحيات، فيتصور أنه قادر على تجسيد كل الأدوار، الكوميدية والتراجيدية وما بين بين، وغالبا ما يؤدي هذا الادعاء الى الفشل الذريع فلا يتحقق مما يزعمه الفنان في نفسه شيئاً، اللهم الا انصراف الجمهور عنه، فيقعد عاطلا من الموهبة والانتشار وهنا تكون نهايته والعياذ بالله، ليس هذا بالطبع ما نتمناه لنجومنا ولكن هو النتيجة الحتمية المترتبة على معطيات عدم الدقة وسوء اختيار الأدوار ونظر النجم والنجمة لقدراتهما بغرور يفوق إمكانياتهما وملكاتهما الحقيقية، ونحن في هذا المقام لا نفعل الاستثناءات التي يمكن أن تجمع بين الميزتين، ميزة الأداء الكوميدي والأداء التراجيدي، فهناك أمثلة واضحة تمتعت بهذه الخاصية مثل توفيق الدقن واستيفان روستي وكمال الشناوي، ومن العناصر النسائية كانت الفنانة عقيلة راتب وإحسان القلعاوي وسهير البابلي والنجمة الكبيرة شادية، ولكن يظل الأمر رغم تعدد النماذج كسرا للقاعدة، حيث كل فنان مؤهل لما هو له ووفق هذا المقياس يجب على كل من يدخل تجربة جديدة أن يختبر قدراته أولا، الكلام عن الأداء الكوميدي يأتي على خلفية ما زخمت به الشاشة الرمضانية من صنوف المسلسلات وطوابير الممثلين والممثلات في محاولات يائسة وبائسة لانتزاع الضحكات بالقوة من أفواه المشاهدين بدعوى السخرية من واقعهم المرير والمساهمة في معالجة قضاياهم، الأمر الذي لا يمت للحقيقة بشيء، لأن ما يقدم من حكايات وروايات لا يبدو كونه مغازلة للشارع واستثمارا لمأساة المطحونين من البشر والضحك عليهم وليس إضحاكهم، مشكلة العنوسة مثلا قدمت في حوالي عشرة مسلسلات وأكثر من فيلم خلال العامين الماضيين ولم نلحظ أي اختلاف أو تجديد فيما يعرض الآن على الشاشة الصغيرة وتجسده نجمات كبيرات، ولعل المسلسل المعروض حالياً تحت عنوان 'عايزة اتجوز' يضعنا أمام المشكلة الإبداعية ويبلور لنا الأزمة التي يبدو أنها تفاقمت فأصبح الجهر بها علنا بشكل عار من الفن دليلا عليها، ونقصد بالأزمة هنا أزمة الإبداع وليس أزمة العنوسة، فهي أقل ضررا من تلك الفجاجة وما يترتب عليها من اختلاق المواقف الكوميدية من دون الاتكاء على مضمون حقيقي يرقى بالمستوى الدرامي والأداء التمثيلي للأبطال الذين يبذلون جهدا مضنيا للإضحاك من دون جدوى، لاسيما البطلة هند صبري رغم رصيدها الوفير من الأعمال السينمائية وتميزها الواضح في كل ما أسند إليها من أدوار على اختلاف تنويعاتها ومستوياتها والتي كانت بالطبع خالية من مسحة الكوميديا، على عكس المسلسل المذكور بسماته وخصائصه وتأثراته بكوميديا الست كوم الافتعالية وأداء أبطالها الثقيل، فما يهدف إليه المسلسل سابق الذكر 'عايزة اتجوز' من تسليط الضوء على مشكلة من أهم المشكلات الاجتماعية لم يتحقق منه شيء، وإنما المبالغة الشديدة حولت القضية الحيوية الكبرى الى مهزلة وبات المحتوى وطريقة الأداء غير الاحترافية لا يليقان إلا بجمهور ربات البيوت اللاتي يأخذن من العمل مشكلة الظاهر ويضحكن على الحركات والإفيهات فقط من دون النفاذ الى المعنى الحقيقي، وهذا الحكم في الاستقبال الجماهيري للعمل لا يمكن تعميمه على كل ربات البيوت، فبينهن من الناضجات الكثيرات والغالبية لهن نظرة نقدية صائبة وذائقة فنية حساسة، ومن ثم فإن الاستهانة بهن على النحو الذي يقدم لهن من صنوف الكوميديا المعطوبة أمر خارج اللياقة، فالعنوسة وإن كانت تؤرق قطاعا كبيرا من الفتيات لكنها لا تدفعهن الى هذا الابتزال وتضييع الوقت والجهد في الخرافات واقتفاء اثر الكتب الصفراء، كما فعلت البطلة التي قطعت أشواطا في البحث عن كتاب 'كيف تصطادين عريسا؟' بعد أن ضاقت بها سبل البحث والتقصي وفقدت الأمل في الحصول على فرصة مناسبة للفوز بشريك الحياة بطريقة كريمة، إن ما يؤخذ على أنه معالجة ساخرة هو في واقع الحال امتهان للفتاة المصرية وفضح لواقع ليس واقعها وإن تشابه قليلا من حيث الشكل العام ما يمكن ان يقوله السيناريست والمخرج وما تجسده البطلة هند صبري بشأن عنوستها المزمنة ليس هذا القول بالطبع ولننظر لما قدمه سينمائيا المخرج محمد أمين حول ذات القضية لندرك ان وظيفة الفن الأساسية تكمن بالدرجة الأولى في القدرة على الايجاز وبلاغة التعبير واللغة الرمزية الدالة على المعنى وليس بالمط والتطويل وعدد الحلقات يكون التأثير والإبهار، حتى إن اختلفت طبيعة السينما عن الدراما التلفزيونية ستظل هناك قاعدة ثابتة للكتابة لا يخرج عنها الفن الجيد.
'
أزمة سكر' واحد من المسلسلات الكوميدية أيضا لكن المتميز والفارق فيه هو الأداء التلقائي لأحمد عيد بطل الحلقات وما يضفيه من خفة ظل حقيقية تتخلق من الأحداث وتأتي تلقائية وليست قسرية، فالكوميديا هي الحرفة الأساسية للنجم الذي تمرس كثيرا عليها وأجاد أداءها رغم التراوح في ظروف شخصية سكر الاجتماعية والنفسية والمستويات المتعددة لها، مما يصعب المهمة على عيد في بعض الأحيان، مسلسل آخر يمكن التوقف عنده، خاصة ان القصة سبق تقديمها في السينما بنفس الاسم 'العار' وقام ببطولتها نجوم لهم ثقلهم الفني والجماهيري وبغض النظر عن تفاصيل الحدوتة المعروفة سلفا فإن أصعب ما يواجه أبطال المسلسل أحمد رزق ومصطفى شعبان وشريف سلامة وعلا غانم أنهم سيوضعون في مقارنة مع نور الشريف وحسين فهمي ومحمود عبدالعزيز وإلهام شاهين أبطال الفيلم الذي قدم منذ أكثر من ربع قرن على الشاشة الكبيرة وحصل على العديد من الجوائز، وللأسف الشديد حتى تاريخ كتابة هذه السطور وعرض الحلقة الحادية عشرة المقارنة ليست في صالح المسلسل، على الرغم من ألاعيب التحوير والتدوير في الأحداث ومسار الشخصيات، لأن الفارق بين الأصل والمستنسخ سيظل قائما وهذه طبيعة الأشياء والمسلسلات والأفلام ولا عزاء لصناع دراما العار أو عار الدراما.

في أحد الشهور الرمضانية من السنوات الماضية قدم التلفزيون رواية 'رد قلبي' في حلقات مسلسلة بنفس شخصيات الفيلم الشهير، إنجي وعلي وحسين والريس عبدالواحد والبرنس علاء ولكن بأبطال مختلفين أذكر منهم نرمين الفقي في دور إنجي ومحمد رياض في دور علي، ومع كل الاجتهاد والإجهاد للأبطال الجدد حدثت المقارنة وجاءت النتيجة سلبية وخرجت الفنانة القديرة مريم فخر الدين حينئذ تحتج على إنجي التلفزيونية مستنكرة أن يكون هناك نظير لدورها التاريخي أمام العظيم شكري سرحان، على حد وصفها، أخشى أن يتكرر الاحتجاج من جانب أبطال فيلم 'العار' ولا يجد أبطال المسلسل ما يدافعون به عن أنفسهم.

القدس العربي في

30/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)