حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رحيل الكاتب أسامة أنور عكاشة

الشهد والدموع

بقلم: عبدالله السناوي

في ذروة الوهج خُيل إليه أنه في سباق مع الزمن، الذي قد يضن عليه بدوام الموهبة والقدرة على كتابة التراجيديات وإثارة الدهشة والإمتاع.. تملكته في نهاية الثمانينيات خشية أنه قد لا يتمكن من أن يحلق عالياً مرة أخري إلى حيث لم يسبقه أحد.. كان قد بدأ لتوه في كتابة الجزء الثالث من ملحمة «ليالي الحلمية».. وكان النجاح مدوياً بصورة غير مسبوقة وشوارع القاهرة تبدو خالية أثناء عرض حلقاتها.. وظن أن بوسعه أن يعطي كل ما لديه مرة واحدة، فأخذ يكتب نصوصاً تليفزيونية وروائية ومسرحية وسينمائية في نفَس واحد.. كأنه يسابق الزمن، وبداخله شعور عميق أن الوهج قد ينطفئ، وأنه إذا لم يكتب الآن، فربما لا يتمكن من الكتابة مستقبلاً بالمستوي ذاته، الذي خلب مشاعر الرأي العام.

وأثار حوارات معمقة حول الأفكار التي طرحتها عن تاريخنا الحديث والمحطات الرئيسية فيه.. ولكن ظنونه لم تكن في محلها.. كانت موهبته استثنائية وفريدة، أسست للكتابة الدرامية باعتبارها أدباً رفيعاً، أو فرعاً جديداً من الأدب ـ على ما قال وقتها الدكتور «يوسف إدريس».. وهذا المعني دفع «محمود السعدني» إلى أن يصفه بـ «المعلم»، الذي يسيطر على الدراما ويدفع بها إلى ذري عالية ورفيعة، ويطلق طاقات الإبداع والتألق في فريق العمل، ويعيد اكتشاف المواهب الفنية، كأنها تمثل للمرة الأولي.. وفي آخر أعماله التليفزيونية «المصراوية» عاد «أسامة» إلى أجواء «الحلمية» ولكن في ريف الدلتا، لا في حي شعبي، وفي أزمان أخري سبقت ثورة (1919).. وهو عمل ملحمي قيمته الفنية عالية، لكن لم يتسن له أن يحصل على ما يستحق من اهتمام ومشاهدة.

في «المصراوية» تبدت ـ مرة أخري ـ مواهب «عكاشة» في كتابة المونولوجات الدرامية العميقة والمؤثرة التي تتجلي فيها مواهب الممثلين وقدراتهم الفنية، كأنه في الكتابة الأخيرة قد عاد إلى كامل لياقته الفنية في الدراما التليفزيونية.

قلق «أسامة أنور عكاشة» الإنساني والفكري والفني، وخشيته من سباقات الزمن، من أسرار تألقه من مرحلة إلى أخري.. هو كاتب في حالة قلق دائم ومراجعة دائمة، التساؤلات تسبقه إلى أعماله، محاولاً أن يكتشف الإجابات في عمق التجربة الإنسانية، من داخل أبطاله، وهواجسهم.. التي تتماهي ـ أحياناً ـ مع هواجسه هو شخصياً.. ويتبدي ذلك بأوضح صورة في مسلسل «أرابيسك»، فسؤال الهوية القلق عند بطله («حسن» ـ الذي جسده «صلاح السعدني»: «من نحن بالضبط: «عرب.. أم فراعنة.. أم أوسطيون.. أم «بزرميط»؟) يلخص أزمة «أسامة أنور عكاشة» نفسه، فقد بدت الأمور أمامه متناقضة واعتقاداته لا تتسق مع ظاهر التطورات حوله، خاصة مع أزمة احتلال الكويت.. راودته الشكوك في سلامة الفكرة القومية والانتماء للعروبة.. والأسئلة القلقة عكست محنته، التي التقطها مبدع آخر هو الشاعر «سيد حجاب» في أغنية من ألحان «عمار الشريعي» تصاحب تترات بداية ونهاية المسلسل: «ويرفرف العمر الجميل الحنون.. ويفر ويفرفر بدقة قانون.. وندور نلف ما بين حقيقة وظنون».. إنه القلق الذي يعترف بأنه كان هناك عمر جميل وحنون، وأنه يفر منا ويضيع، ونضيع معه ونتخبط بين الحقيقة والظنون والشكوك.

هذا القلق الفكري والفني هو الذي ارتقي بأعمال «عكاشة» إلى مصاف التراجيديات الكبرى، فالقلق طبيعي وغير مفتعل، وإخلاصه لفنه والحقيقة معاً نزع عن مثل تلك الأعمال روح الخفة أو الدعاية.. هو رجل لديه أسئلة تقلقه، ويبحث عن إجابات تقنعه بوسائل الفنان.. لكن الأسئلة تظل تراوح نفسها وتضغط على روحه، فلا إجابات يقينية أو أخيرة.. يهاجم في مقالاته الفكرة العروبية، ولكنه يعترف بأنه عروبي بالثقافة، ويهاجم العروبة السياسية، ولكنه يلتزم برمزها الأكبر في القرن العشرين «جمال عبدالناصر»، كانت مشكلته أعمق من أن تلخصها عبارة واحدة.. أو استخلاص يكتب على عجل.. هو رجل غاضب على ما آلت إليه مصر.. ويراجع بعض اعتقاداته، يسأل حائراً، ويحاول أن يجيب، ثم ينظر مرة أخري في إجاباته.. والمثير للالتفات في ظل ذلك كله أنه ظل وفياً لـ «جمال عبدالناصر».. وهذه مسألة تستحق التوقف أمامها.. فالعلاقة فريدة وعميقة، وتكاد أن تكون بالنسبة إليه شخصية.. وقد روي بنفسه قصة لها مغزاها.. فقد كان في أواخر الستينيات غاضباً على نظام «جمال عبدالناصر»، وعلي الأسباب التي أدت إلى الهزيمة العسكرية الفادحة، وكان يحمّله شخصياً مسئولية ما جري.. وذات مرة كان يردد، مع مجموعة من أصدقائه الشخصيين، مثل هذه الانتقادات أثناء التجوال في حي «مصر الجديدة»، وفجأة مر بجوارهم موكب الرئيس، فإذا به يجري وراء سيارته، مع أصدقائه الذين كانوا ينتقدون «عبدالناصر» بعنف ظاهر قبل لحظات، هاتفين باسمه من قلوبهم: «ناصر.. ناصر».. وظلت تلك المشاعر العميقة تصاحب «عكاشة» حتى نهاية الرحلة.. تغيرت الدنيا وانقلبت حسابات السياسة والمصالح بعد أن راحت أيام «جمال عبدالناصر»، ولكن لم تغادر هذه الصورة مشاعره أبداً.. كان مستعداً لنقد جوانب جوهرية في تجربة «جمال عبدالناصر»، بل ونفيها بصورة كاملة وحادة، مثل توجهاته القومية العربية، ولكنه لم يكن مستعداً، أو متقبلاً، على أي نحو، أو بأي أسلوب، الانتقاص من قدر «عبدالناصر» نفسه، فالقضية هنا تختلف، فـ «عبدالناصر» يمثل عنده صورة الأب، قد تختلف معه، قد تراجع بعض مواقفه، ولكنه يظل يمثل لك معني الوجود.. ومن مفارقات القصة أن «محمد حسنين هيكل» كان المحاور الرئيسي لـ «عكاشة» في ظنونه وشكوكه، وما بدا أنها اعتقادات جديدة.. والعلاقة بينهما عميقة إلى حد أن بعض أصدقاء «عكاشة»، ممن يعرفون ثقل تأثير «هيكل» عليه إنسانياً، طلبوا ـ قبل ثلاثة شهور ـ تدخله لإقناع «عكاشة» بالعودة لتناول العلاج الضروري، وكان «عكاشة» قد توقف من فرط الألم واليأس من الشفاء عن أخذ هذا العلاج وعندما دعاه «هيكل» للعودة إلى تلقيه استجاب على الفور.. ولكنه شك في أن يكون نجله الأكبر «هشام» نقل حالة الامتناع عن تلقي العلاج إلى توءمه الفني «محفوظ عبدالرحمن».. وشك في أن يكون لي صلة بتدخل «هيكل».. ولكن «محفوظ عبدالرحمن» علق ملخصاً الأجواء الإنسانية بجملة واحدة: «كلنا بنسمع كلامه».

لم يكن «عكاشة» سوي نفسه، أخلص لفنه، وأخلص لتاريخ بلده، وأخلص لأمته العربية، حتى لو انتقدها بعنف، وحاول أن ينفي أي صلة سياسية بها، فالإخلاص ـ هنا ـ يتجاوز بكثير الشعارات السياسية المباشرة.. فهو أسس للدراما العربية، ولعب دوراً جوهرياً في تشكيل الوجدان العربي العام خلال العقود الثلاثة الأخيرة، كما لم يفعل أديب أو روائي عربي آخر.. وبعض النقد العنيف هو من فرط الحب والإحباط فيه.. ورغم هذا النقد العنيف، فإن «أسامة أنور عكاشة» احتفظ بقيمته الكبيرة كحارس صلب وكمؤرخ درامي بارع لتاريخنا الحديث السياسي والوجداني معاً.. فيه شيء من أستاذه «نجيب محفوظ»، إخلاصه لفنه لا يقارن على أي وجه مع ما يكتبه للصحف أحياناً، فالإبداع قضية أخري، ورسالة لا تهاون فيها، قد تختلف مع آرائهما السياسية، هذا لا يهم كثيراً، ولكنك لا تمتلك غير أن تعترف ببصماتهما العميقة على تجربتك الإنسانية والوجدانية.

لـ «نجيب محفوظ» بالذات تأثير خاص على مسيرة «أسامة أنور عكاشة»، فقد مضي على طريقته بأدوات مختلفة ورؤى جديدة في الكتابة الدرامية للتاريخ المصري الحديث، وحاول أن يعيد اكتشاف التاريخ بالدراما.. وعلي نهج «ثلاثية نجيب محفوظ» مضي «أسامة» في كتابة «ليالي الحلمية» ـ تاريخ عائلة وتاريخ مصر، وصعود وسقوط نظم وطبقات، ولكن «أسامة» بدا أقرب إلى الناصرية في قراءته للتاريخ المصري ومفاصله الرئيسية فيما بدا «محفوظ» أقرب إلى القراءة الوفدية للتاريخ.. كلاهما ارتبط بحقبة ثورية مختلفة، وفيما كان «مصطفي النحاس» هو الأب عند «محفوظ» كان «عبدالناصر» له المكانة ذاتها عند «عكاشة».. الذي تبدت في أعماله أجواء حنين لحقبته وعصره، حتي وإن اختلف مع بعض أطروحاتها ومواقفها.. ومن أبرز هذه الأعمال: «رحلة السيد أبوالعلا البشري»، كأنه المؤلف نفسه ـ «دون كيشوت» جديد تصدمه التحولات في المجتمع والخلل الفادح في القيم التي تحكمه.. وفي «ضمير أبلة حكمت» و«زيزينيا» و«وقال البحر» بدت الأجواء سكندرية، وتجلت في صلب العمل الدرامي أجواء فلسفية عن حركة الأيام وتحولات العصور والبشر، وشيء من الزواج الاستثنائي بين البشر والحجر والبحر.

كان «أسامة» مشغولاً في أعماله بتراجيديات الصعود والسقوط، وفلسفة الحكم ونوازع البشر فيها (عصفور النار مثالاً).. هو فنان عنده حنينه الخاص، ولديه في الوقت ذاته استشراف لما قد يأتي غداً.. وفي «الراية البيضا» تتجلي عبقرية الاستشراف بصورة تدعو للدهشة، فقد لمس بعمق فكرة تدهور قيمة الجمال في بلادنا تحت وطأة سوقية الطبقات الصاعدة الجديدة، (التي تمثلها في المسلسل «فاطمة المعداوي» ـ التي لعبت دورها «سناء جميل»)، داعياً إلى عدم رفع الرايات البيضاء أمامها، وكان رمز الممانعة عنده شخصية (الدكتور «مفيد أبوالغار» ـ الذي لعب دوره «جميل راتب»).. ومن مفارقات ما جري عند محاولة هدم مستشفي الشطبي الجامعي بالإسكندرية أن الدكتور «محمد أبوالغار» كرر الموقف ذاته الذي استشرفه «أسامة».. وبدت الوقائع متقاربة بصورة مذهلة: هدم مستشفي تاريخي في الواقع يقابل هدم فيللا لها قيمة أثرية بالمسلسل، أستاذ جامعي وطبيب له وزن دولي يتصدي لهدم المستشفي وكشف الذين يقفون وراءه يقابل سفير سابق في الخارجية بالمسلسل.. وعندما سألت «عكاشة» عما إذا كان يعرف الدكتور «أبوالغار» قبل كتابة المسلسل، أجاب على الفور «لا.. عرفته بعد ذلك» لافتاً إلى تلك الحقيقة: «مصر لم تعدم أبداً مثل هذه الشخصيات.. انظر حولك ستجدها».. فيما بعد كتب «أسامة» عن الواقع الذي بات أبشع من الكوابيس التي يتصورها خيال فنان أو أديب.. وبسبب صدقه الفني والإنساني لم تكن رحلته سهلة، فقد شنت عليه حملات ضارية في «أخبار اليوم» لمنعه من كتابة فيلم عن حرب أكتوبر، بدعوي أنه ناصري، سوف ينحاز إلى «عبدالناصر» ضد «السادات»، وكان ذلك افتراء استباقياً على أديب كبير بوصلته الوحيدة الوطنية المصرية.. وعندما يغيب اليوم فإن مصر تفقد أحد أركان ما تبقي من قوتها الناعمة في وقت تتآكل فيه بصورة فادحة مكانتها وأوزانها واحترامها في محيطها، كأن الرحلة مع نهايتها فيها شيء من الشهد والكثير من الدموع.

العربي
الأحد 30 مايو 2010

صوت العراق في

29/05/2010

 

أسامة أنور عكاشة .. جدل لا يموت وأوراق قديمة في الفكر والحياة

محيط – سميرة سليمان 

"الأمل كالإنسان، يولد ويعرف أن مصيره الحتمي هو الموت ومع ذلك ينسى ويبتسم" شيعت أمس الجمعة من مسجد مصطفي محمود جنازة صاحب هذه الكلمات الكاتب المصرى الشهير أسامة انور عكاشة عن عمر يناهز 69 عاما بعد معاناة كبيرة مع المرض وتضاعف مشاكل في القلب والرئة . وكان آخر ظهور للراحل في عزاء الكاتب محمود السعدني، حيث بدا على عكاشة وقتها التأثر بشدة لرحيل أحد أصدقائه المقربين.

كتب يوما "بدأت الكتابة الأدبية قبل الدرامية، وكانت فشل قصة حبي هي التي دفعتني أن أصبح أديبا وأخرج مشاعري على الورق" ، وقد ولد الكاتب بمدينة طنطا عام 1941، والتحق بكلية الآداب قسم الدراسات الإجتماعية والنفسية بجامعة عين شمس والتى تخرج منها عام 1962.

فـور تخرجه من الجامعة عمل إخصائيا إجتماعيا فى مؤسسة لرعاية الأحداث ثم عمل مدرسا فى إحدى مدارس محافظة أسيوط ثم إنتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة بكفر الشيخ وبعدها فى رعاية الشباب بجامعة الأزهر، الى أن جاء عام 1982 ليغـير مجرى حياته تماما حيث قدم إستقالته من العمل بالحكومة ليتفرغ للكتابة والتأليف .

قـدم أسامة أنور عكاشة مجموعة من الأعمال الأدبية أهمها مجموعة قصصية بعنوان" خارج الدنيا" عام 1967 صادرة من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، و رواية "أحلام فى برج بابل" عام 1973، مجموعة قصصية بعنوان "مقاطع من أغنية قديمة" عام 1985 و رواية "منخفض الهند الموسمى " عام 2000 ، و رواية "وهج الصيف" عام 2001، كما قام بتأليف عدد من الكتب منها كتاب "أوراق مسافر" عام 1995 ، وكتابى "همس البحر، تباريح خريفية" فى نفس العام ، وكان عكاشة يكتب مقالا اسبوعيا في صحيفة "الأهرام" المصرية.

بعد بدايته الأدبية التي لم تحقق له الشهرة اتجه إلى الدراما التلفزيونية، وجاءته الفرصة الأولى من خلال قصة قصيرة تم تحويلها إلى سهرة تلفزيونية من إخراج علوية زكي، ثم اختار السيناريست كرم النجار قصة أخرى له وهي "الإنسان والجبل" وأخرجها فخر الدين صلاح، وفي ذلك الوقت شجعه الأديب الكبير سليمان فياض على كتابة السيناريو، وبحماس من المخرج فخر الدين صلاح قرر انتاج سباعية عن قصة وسيناريو وحوار أسامة انور عكاشة بعنوان "الإنسان والحقيقة: التي حققت له الشهرة.

فكر صادم

ارتبطت شخصية الراحل بكثير من الجدل، فقد تعرض عكاشة مرارا لانتقادات بسبب مواقفه السياسية،  فلأنه "ناصري" التوجه أخذ منتقدوه عليه دفاعه عن فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وانتقاداته لفترة حكم الرئيس أنور السادات من خلال تطورات الأحداث في مسلسلاته خاصة "ليالي الحلمية" ، وقد اعتاد الرد على هذه الانتقادات بأنه ليس مؤرخا ولكنه كاتب يقدم رؤية، ورغم "ناصريته" المعروفة إلا أنه طالب بحل جامعة الدول العربية وإنشاء "منظومة كومنولث للدول الناطقة بالعربية" مبني علي أساس التعاون الاقتصادي !

أيضا تسببت تصريحاته حول شخصية "عمرو بن العاص" الصحابي الجليل ونعته بأوصاف تقلل من شأنه ، وتفاقمت الأزمة أكثر بعدما أعلن عكاشة عبر برنامج "القاهرة اليوم" الذى بثته قناة "أوربت" الفضائية بعد تصريحاته الصحفية على الهواء مباشرة تمسكه برأيه !.

دراما الحياة

كتب عكاشة دراما الإنسان الملتحمة بالحياة، فتحدث في كتاباته عن فقد الهوية والحب الضائع التي تتحكم به القيم المادية، وعن الفساد وأوجاع العرب، والمقهورين والخارجين على قوانين الحياة.

وعن أبطال أعماله يقول عكاشة: ".. أشخاصى هم الناس العاديون الذين نراهم يوميا فى الشارع، فى إحدى المرات سألنى أحد القراء من أن أين أنتقى أسماء شخصياتى.. قلت له أنتقيها من الشارع. أنا لا أخترع أسماء، ولا أخترع شخصيات أو أحداثاً، أنا أنهل من الواقع "، وعرف عنه عشقه الشديد لمدينة الإسكندرية المصرية الساحلية على الرغم من أنه لم يولد بها، لكنه يقيم بها بصورة شبه متواصلة وينجز بها أهم أعماله .

له اكثر من أربعين عملا دراميا، وكانت شهرته مع مسلسل "الشهد والدموع"، ومن أهم أعماله الدرامية " المشربية"، " ليالى الحلمية"، "ضمير أبلة حكمت"، "زيزينيا"، "الراية البيضا" " الحب وأشياء أخرى" وآخر اعماله "المصراوية"، كما كتب عكاشة بعض المسرحيات الناجحة منها مسرحية "القانون وسيادته"، "البحر بيضحك ليه"، "الناس اللى فى التالت".

وشارك الكاتب الراحل في العديد من المحافل العربية والدولية الخاصة بمجال الأدب والكتابة الدرامية، كما حصل على عديد من الجوائز والأوسمة من أبرزها جائزة الدولة للتفوق في الفنون من وزارة الثقافة المصرية عام 2002، وجائزة الدولة التقديرية عام 2008 ، كما حصدت أعماله الدرامية العديد من الجوائز في الكثير من الاستفتاءات واستطلاعات الرأي الجماهيرية، وأيضا فاز بجائزة نجيب محفوظ للتأليف الدرامي في مهرجان الإعلام العربي.

حال البلد

وصف أسامة أنور عكاشة في إحدى حواراته الصحفية التعديلات الدستورية بـ "كذبة النظام السوداء" على المصريين، وقال: "إن التعديلات كذبة كبيرة وسوداء ضحك بها النظام على المصريين، ولن تسفر إلا عن إحباطٍ وفشلٍ كبيرين، والهدف الرئيسي منها هو خدمة أغراض شخصية، حتى لو استخف النظام بعقول المصريين"، وكان يرى ان مصر تعيش الآن عصر انحطاط عام فى كل المناحى وعلى كل المستويات فى الاقتصاد والأدب والفن والسياسة والأخلاقيات وكل شي.

أيضا كان متألما من تردي الحالة الثقافية بمصر وعن ذلك قال:  "هناك مؤامرة تُحاكُ في الظلام لتهميش الثقافة المصرية وإحلال ثقافة تيار السلفية، وخاصًة هذا الفصيل الذي يتلقى الدعم من معاقل الوهابية"، وقال أيضا أن السلطة تكره المثقف بسبب طبيعته النقدية، والمثقف يكره السلطة الديكتاتورية، ولذلك هناك تنافر بين المثقفين والسلطة، وهناك مثقفين باعوا أنفسهم وضمائرهم للسلطة.

أسرار حياة

أصدر الكاتب مختار أبو سعده كتاب مؤخرا بعنوان "أسامة أنور عكاشة ..أسرته وحياته"، متناولا حياته في فصول منذ ولادته حتي صراعه مع المرض.

يتكون الكتاب من عشرة فصول يروي خلالها أبو سعده مشوار حياة عكاشة وما يتخللها من محطات هامة، بدأت من وفاة والدته وهو لم يتجاوز السبع سنوات من عمره، كما تناول حياة تلك الطفل، ونشأته، ومسقط رأسه، وعلاقته بوالده الذي تصور عكاشة وهو صغير أنه السبب في وفاة والدته المريضة بمرض القلب بعد أن تزوج من أخرى .

ينتقل الكتاب في الفصول التالية إلي محطات مختلفة، كحياته الجامعية في كلية الاداب جامعة عين شمس، التي اعتبرها الكاتب أن عكاشة قضاها تائها علي مقاهي الجامعة، ثم بعد ذلك تخرجه عام 1962وعمله كمدرس فترة وجيزة من الزمن .

ويؤكد أبو سعدة أن الإسقاطات السياسية ورصد التغيرات الإجتماعية في المجتمع المصري ظلت ملمحا أساسيا في كتابات عكاشة الدرامية، كما اهتم باظهارها في عديد من مسلسلاته.

عاش أسامة أنور عكاشة رحلة طويلة مع المرض، أفرد أبو سعدة لها الفصل الأخير من كتابه، والتي بدأت في أمريكا بإجراء عملية القلب المفتوح، وبعد أن تخطي محنته الأولي سرعان ما وقع في محنة جديدة وهي إصابة إحدي كليتيه بالتلف مما أدي إلي استئصالها، لكن صراعه مع المرض لم يتوقف عند هذا الحد، حيث أصيب بعدها بسرطان في كليته الثانية ليستأصل نصفها.

"همس البحر"

في هذه المجموعة القصصية يبحر عكاشة بعيدا في النفس البشرية قائلا أنها " مثلها مثل "طيبة" القديمة وقد أوصد أبوابها في وجه "أوديب" لا يسمح له بالولوج إلى أن يجيب على السؤال "اللغز"، وقديما قال سقراط جملته الجامعة المانعة "اعرف نفسك" وما أشقها من رحلة للمعرفة وما أجدرها بالمحاولة" .

في قصته "خطاب" يتحدث عكاشة عن الفساد المستشري في المصالح الحكومية حيث يحكي عن خطاب يبدأ بهذه العبارات " سيدي المدير العام: ستجد هذه الرسالة في بريدك الخاص ذات صباح وتقرؤها بينما تحتسي قهوة الصباح"،  ويضيف كاتبها أنه لن يذكر اسمه لأنه لا يملك الشجاعة الكافية لذلك، فالخطاب قد يدفع المدير العام إلى التنكيل به واضطهاده وربما التآمر لفصله وإلقائه في الشارع، وعن دافعه لكتابة هذه الرسالة يقول مخاطبا المدير: ".. لابد من وجود أحد يصدقك القول تلك مسئولية اخلاقية لا أستطيع الهرب منها وأنا أرى كل يوم صفوفا من المنافقين تنتظر أمام مكتبك وهذه هي الكارثة التي حتمت عليّ ان أكتب إليك لأضع مرآة الحقيقة أمام عينيك ترى فيها نفسك على حقيقتها".

ويتابع صاحب الخطاب: ".. أنت يا سيدي وبلا منافس أسوأ رئيس عمل شهدناه طوال سنوات عملنا بهذه المؤسسة، وأنت يا سيدي لا تعرف مرءوسيك ولا تجيد الحكم عليهم ودائما تقرب الفاشل وتكافئه وتبعد القادر المتمكن، مقياسك الوحيد هو مدى ما يتمتع به الموظف من قدرة على تملقك وتوفير الخدمات الخاصة لك، إن أمنية واحدة تسكن صدر كل مرءوسيك وتتصدر قائمة أحلامهم أن يصبحوا ذات يوم فيقرأوا خبر استقالتك أو إقالتك أو نعيك".

وفجأة كما تحكي القصة عن صاحب الرسالة: "..توقف القلم في يده وقد أحس بالنعاس يثقل أجفانه وقال لنفسه سأكمله غدا، ونهض إلى فراشه كان يعرف أنه لن يكمله أبدا مثل عشر خطابات سابقة كتبها وأجل تكملتها إلى الغد ولكنه كان يحس بالراحة والسلام عقب كل مرة".

كما كتب عكاشة الشعر ، وفي قصيدة بعنوان "حدثتني" يقول:

حدثتني الزهرة ذات صباح

همست في أذني بكلمة سر

قالت أن اليوم هو الموعد! لم أفهم

ذاكرتي كانت قد غابت عند الفجر

لكن الزهرة تعرف..تتذكر

في اليوم السابق كان لقاء

درجت أقدامنا عند الشاطئ

غاصت في الرمل الناعم

واغتسلت بمياه البحر

الزهرة ما زالت تتحدث

وانا ما زلت أفكر

ما زلت أحاول فك الطلسم

هل كان الأمس حقيقة؟ أم أنه لم يأت بعد؟

أذهب وأراجع أوراقي

لا أجد رسالة لا أعثر على يوم له تاريخ الأمس

هل ضاع اليوم؟

همست لي الزهرة! لم أسمع ما قالت

والشمس تطل

تتبخر قطرات كالدمع

تنتفض وريقات الورد

تعلو أصوات العالم وطنين النحل

والزهر ما زالت تتحدث

وأنا ما زلت أفكر

ما زلت احاول أسمع

لكني لم أفهم حرفا غير الكلمات الأولى

اليوم يحين الموعد

موعد من؟ وأين يكون؟ وكيف يحل

الزهرة ما زالت تتحدث

وانا لا أعرف لغة الزهر

شبكة محيط في

29/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)