حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان كان السينمائي الدولي الثالث والستون

دهشة في كان بعد إعلان الجوائز

كان- أمير العمري

كثير النقاد وخبراء السينما الموجودون في مهرجان كان شعروا بنوع من الدهشة والإحباط عقب إعلان نتائج المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة لمهرجان كان السينمائي مساء الأحد.

هذه المسابقة تستقطب الأنظار عادة بسبب الأسماء الكبيرة لمشاهير الإخراج والتمثيل الذين يشاركون في أفلامها.

في الدورة الثالثة والستين من المهرجان، شارك 19 فيلما تتنوع وتختلف فيما بينها، من فيلم التعبير الذاتي عن العالم، إلى الفيلم السياسي، إلى الفيلم الخيالي إلى الفيلم التاريخي، وغير ذلك.

وكان التوقعات قد انحصرت خلال الأيام الأخيرة من المهرجان (الذي يستغرق 12 يوما) في خمسة أفلام هي على وجه التحديد: "عام آخر" للبريطاني مايك لي، و"عن البشر والآلهة" للفرنسي زافييه بوفواه، و"جميل" للمكسيكي أليخاندرو جونزاليس إيناريتو، و"نسخة موثقة" للمخرج الإيراني عبس كياروستامي، وأخيرا "الشعر" للمخرج الكوري لي تشانج دونج.

لم تخرج الترشيحات عن هذه الأفلام، وربما يكون البعض قد راهن على إمكانية حصول البريطاني كن لوتش على جائزة الإخراج أو التحكيم الكبرى، لكن أحدا لم يتوقع أبدا حصول فيلم "العم بونمي الذي يمكنه تذكر حيواته الماضية" Uncle Boonmee Who Can Recall His Past Lives وهو الفيلم الذي يحمل أطول عنوان بين أفلام المهرجان كلها، على السعفة الذهبية أي على الجائزة الكبرى للمهرجان الشهير. والفيلم من إخراج المخرج التايلاندي أبيشتابونج ويراثيكول. وهو معروف هنا في كان، فقد سبق أن حصل في 2002 على جائزة أحسن فيلم عرض في قسم "نظرة خاصة" هو فيلم "صديقك الأبدي"، وفي 2004 حصل على جائزة لجنة التحكيم في المسابقة عن فيلمه "مرض استوائي".

والفيلم الجديد يتناول موضوعا يدور حول العلاقة بين الروح والجسد، وبين الحياة والموت، من خلال تلك الفكرة المعروفة عما يسمى بـ"تناسخ الأرواح"، أي انتقال الروح من جسد إنسان إلى جسد إنسان آخر أو حيوان بعد الموت، وهي فكرة تميل أساسا، إلى الإيمان بالخلود الإنساني وإن اختلفت الأشكال.

هنا في هذا الفيلم يقدم المخرج التايلاندي عالما يمزج بين الحقيقة والخيال معا، فهو يصور لنا كيف أوشك صاحب ضيعة في ريف تايلاند الخلاب، على الموت، بعد أن اشتد به المرض. وقد اجتمع حوله أقاربه يودعونه، ولكنه بدأ يغيب تماما عنهم ويرى زوجته التي توفيت وهي في سن 19 سنة، تعود روحها تتجسد وتجلس مع الجالسين حول المائدة، شابة كما كانت، وكأنها توقفت عن التقدم في العمر كما تقول له بالفعل، كما يرى روح ابنه وقد تجسدت على هيئة غوريلا، لكنها غير مجسمة تماما بل تبدو مثل كائن كرتوني، لها عينان حمراوان تشعان ببريق فيه الكثير من البراءة والدهشة. ثم نعرف أيضا أن البقرة التي ظهرت في بداية الفيلم ما هي إلا روح من الأرواح السابقة لبطلنا نفسه، عادت أيضا تذكره بالماضي وتجتمع مع الحاضر والقادم، تمهيدا لذلك الانتقال السلس للبطل المريض، من عالم الأحياء البشر إلى عالم آخر، في صورة أخرى.

الفيلم بسيط ولا يعتمد كثيرا على الحبكة المثيرة، كما لا يستخدم فيه مخرجه الإمكانيات الحديثة في المؤثرات الخاصة، ولكن عالمه يلامس عالم المخرج تيم بيرتون الذي رأس لجنة التحكيم في مهرجان كان، وقيل إنه شخصيا، كان وراء منح هذا الفيلم السعفة الذهبية.

بهذا يكون الفيلم التايلاندي قد تجاوز الفيلم البديع لمايك لي "عام آخر" الذي خرج من السباق خالي الوفاض كلية، بل إن الجائزة التي راهن الجميع على أحقية فوزه بها وهي جائزة أحسن ممثلة لبطلة هذا الفيلم الممثلة البريطانية التي تألقت في دورها، ليزلي مانفيل، ذهبت لدهشة الجميع، إلى الممثلة الفرنسية جوليت بينوش التي تقوم ببطولة فيلم "نسخة موثقة" لعباس كياروستامي.

ولاشك أن بينوش أدت دورها بإجادة، لكن المقارنة بينها وبين ليزلي مانفيل، تأتي بالتأكيد لصالح الأخيرة، خصوصا وأن بينوش تؤدي دورا أسهل كثيرا، كما أنها أيضا الممثلة "الرسمية" لمهرجان كان هذا العام، فقد حمل الملصق الرسمي للمهرجان صورتها. ولذا قد يبدو الأمر وكأنما المهرجان يكرم نفسه!

ولم يحصل الفيلم الفرنسي الكبير "عن البشر والآلهة" على السعفة الذهبية، وكان في رأيي يستحقها، ولكن لجنة التحكيم منحته الجائزة التالية في أهميتها مباشرة بعد السعفة، وهي الجائزة الكبرى للجنة التحكيم.

والفيلم درس حقيقي في البلاغة السينمائي، وهو يجسد تفاصيل العلاقة بين مجموعة من الرهبان الكاثوليك في دير بقرية جبلية بالجزائر، وبين سكان تلك القرية، في معالجة شفافة رقيقة، تمهيدا للحدث الذي نعرفه جميعا أي تعرض الدير في التسعينيات لاعتداء من جانب أفراد ينتمون إلى ما يعرف بالجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر واختطاف الرهبان وإعدامهم بعد ذلك دون أي مبرر رغم ما يقدمونه من أعمال الخير للمحيط السكاني الذي يقيمون في إطاره.

ويعد الفيلم من أكثر الأفلام التي تعاملت باحترام وتقدير كبيرين مع الدين الإسلامي، وتصوير ذلك التعايش الجميل بين الثقافات، والدعوة إلى الحب والتسامح وعمل الخير، وذلك بأسلوب شفاف يعكس رهافة حس وتمكن من اللغة السينمائية الرفيعة.

وحصل فيلم "الشعر" (من كوريا الجنوبية) على جائزة أحسن سيناريو. وكان البعض كما أشرت، يرشحونه للحصول على السعفة الذهبية. وبطلة هذا الفيلم امرأة تجاوزت الستين من عمرها، تريد أن تعبر عن نفسها من خلال الشعر، فتذهب لتعلم الشعر، ويكون الدرس الأول أنها يجب أن تنظر إلى الأشياء من منظار مختلف عن نظرتها العادية، وأن تبحث عن الجمال حتى في القبح. والفكرة أدبية تماما، وربما كانت لها جاذبيتها على الورق، لكن رأيي أن المخرج لي تشانج دونج لم ينجح في نقلها إلى لغة السينما بطريقة تثير الوجدان و الخيال، بل بطريقة آلية باردة خالية من الحرارة والسحر الذي تخلقه لغة الشعر. لكن التوازنات التي تحكم عادة قرارات لجان التحكيم، أدت إلى حصوله على تلك الجائزة.

جائزة أحسن ممثل كان الجميع يتوقع أن يحصل عليها الممثل الاسباني خافيير بارديم الذي أدى بتفوق كبير، دور رجل يعيش على هامش الحياة في الأحياء العشوائية من برشلونة، وهو مشرف على الموت بعد تفشي داء السرطان في جسده، يحاول ترتيب أمور أطفاله قبيل رحيله. وقد جاء أداء بارديم مؤثرا، يذكرنا بأدء العملاق الراحل أنطوي كوين.

غير ،ن لجنة التحكيم رأت أن تمنح هذه الجائزة مناصفة بين بارديم، والممثل الإيطالي إينيو جيرمانو الذي قام ببطولة فيلم "حياتنا"، وهو دور رجل يسعى إلى الصمود بعد وفاة زوجته الشاب فجأة أثناء الولادة، ويحاول أن يدبر أمور أبنائه الثلاثة الصغار الذين أصبح فجأة مسؤولا عنهم.

ومن الواضح أن اللجنة انشقت حول الممثل الأجدر بالحصول على الجائزة بين بارديم وجيرمانو، مما أدى في النهاية إلى تقسيمها فيما بينهما.

ومن مفاجآت الجوائز أيضا حصول فيلم "رجل يصرخ" للمخرج التشادي محمد صالح هارون على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وهي جائزة فرعية صغيرة لكن قيمتها أنها تفتح الأبواب أمام صاحبها للحصول على تمويل لفيلمه القادم. والفيلم على أي حال، لم يكن أفضل أفلام مخرجه، وقد أنتج بالتمويل الفرنسي.

أما المفاجأة الحقيقية فقد تمثت في حصول الفيلم الفرنسي "جولة فنية" على جائزة أحسن إخراج، وهو فيلم يدور حول منتج عروض فنية فرنسي، يصطحب مجموعة من راقصات التعري الأمريكيات، في جولة في أرجاء فرنسا، بينما يعاني من تدهور شديد في حياته الشخصية، فهو أيضا مسؤول عن إعالة ثلاثة أطفال، منفصل عن زوجته، مدين لجهات عديدة يتهرب منها، يتشبث بفكرة "الغرابة" في العروض التي يقدمها أملا في النجاح. والفيلم على أي حال، ليس أفضل الأفلام التي شاهدناها من ناحية الإخراج، وربما يتفوق عليه كثيرا الفيلم الإسباني "جميل"، والفيلم الأوكراني"أنت مرحي"، والفيلم الإيطالي "حياتنا".

السينما الفرنسية بهذه النتائج تكون قد حصلت على جائزتين مهمتين، وخرجت السينما البريطانية بدون ولو حتى جائزة التمثيل النسائي، وكذلك الفيلم الأمريكي الوحيد في المسابقة وهو الفيلم السياسي "لعبة عادلة" الذي رشحه البعض للحصول على أحسن سيناريو، كما رشحت نعومي واطس بطلته لجائزة أحسن ممثلة.

الجزيرة الوثائقية في

24/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)