حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان كان السينمائي الدولي الثالث والستون

يوميات مهرجان كان السينمائي

«الخارجون عن القانون» لرشيد بوشارب يذكرك بـ«العراب»

كان: محمد رُضا

فيلم رشيد بوشارب الجديد «الخارجون عن القانون» أشبه بفيلم «غانغستر» من أي شيء آخر. تشاهده فتتذكر عنف سيرجيو ليوني في «حدث ذات مرة في أميركا»، وعصابة فرانسيس فورد كوبولا في «العراب». لكنه في الوقت ذاته فيلم يقحم المشاهد في الدراما التي ينسجها ممسكا على قبضة الأحداث وغير وجل حيال إظهار قناعاته: فرنسا كونت فرقة بوليسية إرهابية باسم «اليد الحمراء» لاقتناص ما وصفته بالإرهاب الجزائري الذي كان حينها يحاول تأييد جبهة التحرير الجزائرية عبر إثارة مقاومة في البلد المحتل. النتيجة هي عمل في منتصف الطريق بين الجدوى والفوضى. حكاية ثلاثة أشقاء يُنزعون صغارا من أرضهم في الجزائر، وعلى كبر يموت الأب، ويقنع أحدهم (سامي بوعجيلة) والدته بالهجرة إلى فرنسا بينما كان أحد شقيقيه يحارب في الجيش الفرنسي في فيتنام في الخمسينات. وشقيقه الآخر كان يقضي مدة عقوبة في السجن. المحارب يعود (بعين مشوهة) مقتنعا بأن ما كتب النصر للفيتناميين ضد الفرنسيين هو تكاتفهم، والثاني يخرج من السجن مؤمنا بأن الكفاح المسلح طريق الاستقلال الجزائري. كلاهما سوف يؤسس حركة مسلحة، بينما ينصرف الأول الذي جاء بوالدته من الجزائر إلى الأعمال التي يمكن لها أن تمنحه نوعا آخر من القوة: أنشأ ملهى وناديا للمصارعة، لكنه مد أخويه بالمال حين لزم لكي يشتريا السلاح.

في المقابل هناك الكولونيل الذي حارب أيضا في فيتنام (برنار بلانكان) الذي يقف على فشل البوليس الفرنسي في الحد من أفعال تلك المجموعة، فيتدخل مؤسسا «اليد الحمراء» بتمويل وموافقة حكومية، وهدفها التصدي بالعنف والإرهاب ذاته للجزائريين. جزء كبير من هذا الفيلم يدور حول حروب متبادلة، لينتهي بموت بعض الإخوة وانطلاق الثورة، ثم يختتم المخرج فيلمه بلقطات وثائقية للجزائريين (في الجزائر) يحتفلون بعيد الاستقلال.

ويبدو مع الفيلم الشعور بأن الاستعمار إنما يخلق نواة الحركات التحررية، وأن الجزائريين عانوا في الجزائر وخارجها من عنف الفرنسيين حتى من قبل أن يحملوا السلاح (أحد المشاهد الأولى هو لمظاهرة جزائرية سلمية يفتح عليها البوليس النار ويقتل أعدادا كثيرة من المواطنين فيها)، وضده أن المخرج لا يملك أسلوبا خاصا به، بل يرصف المشاهد كما لو كانت صفعات من الكلمات والصور. طريقة الأفلام التي لا تريد أن تترك للمشاهد مجال الاستقبال الهادئ والمستقل، بل تندفع في محاولتها تكوين الرأي له. المواقف على أهميتها تمر عابرة مصحوبة بمنحى تقريري لا يؤلف دراما ولا يمنح الشخصيات إلا الظاهر من المشاعر على نبلها.

مثل فيلمه السابق «بلديون» يستخدم المخرج أبطاله الثلاثة، رشدي زم وسامي بوعجيلة وجمال دبوس. ليست لدى المخرج إدارة صارمة على أولئك الممثلين، لكن لديه العين التي تكتفي حين تقتنع بأن هذا هو الأداء المطلوب. أفضل هؤلاء - إذا كان لا بد من التفضيل - هو الممثل بوعجيلة، الذي يؤدي دور الأخ الأصغر الذي اشتغل لقضيته من وراء حاجب. ممثل لا يستطيع استخدام يده اليسرى لإصابة ما بها، وهذا ما يمنح شخصياته انتباها خاصا رغم أنه لا يستخدم عاهته لإثارة عطف أو حتى للفت نظر ما يساعده على ترك بصمته من دون كثير جهد وبتلقائية واضحة.

* الفيلم: «الخارجون عن القانون» - إخراج: رشيد بوشارب - أدوار أولى: رشدي زم وسامي بوعجيلة وجمال دبوس - فرنسا/ المسابقة

* «لعبة عادلة» ينقذ السينما الأميركية من بعض تداعياتها في العراق

* «هل قابلت صدام؟ هل صافحته حقا؟ هل نظر في عينيك وقال لك سوف أقتلك؟» هكذا يصيح شون بن في وجه محدثه الذي تبنى الرواية الرسمية للبيت الأبيض وأخذ يتحدث عن نوايا صدام حسين تدمير الولايات المتحدة في فيلم جيد الصنعة إلى حد مقبول، ومرضٍ تجاريا، وينتمي إلى كل تلك الأفلام التي خرجت من هوليوود لتدين واشنطن.

على الرغم من صعوبة الاعتقاد أن فيلم «لعبة عادلة» هو أفضل فيلم أميركي استطاع «كان» المجيء به إلى المسابقة تمثيلا للسينما الأميركية، فإن ذلك لا يغير في الجوهر شيئا. عمل يحتاج إلى التأييد بعد فشل الأفلام الأميركية التي تناولت الحرب العراقية ولو في الخلفية (كما يفعل هذا الفيلم) وتعثر إيجاد شركة توزيع له، إلى أن تقدمت شركة «سمت» واشترته قبل افتتاح المهرجان بأسبوع واحد. بصرف النظر عن هذا كله وحقيقة أن معظم المشاهدين العرب الموجودين هنا (نقادا وكتابا وصحافيين) اعتبروه رديئا، فإن فيلم دوغ ليمان هو أفضل عمل له إلى اليوم، لكنه ليس بالجودة بحيث يمكن اعتباره وفيلمه جديرين بالسعفة حين توزع قريبا.

الفيلم يدور بأكمله حول قضية عميلة الـ«سي آي إيه» فاليري بلام ولسون (ناوومي ووتس)، التي كانت بصدد استخدام أميركية من أصل عراقي (ليزاز شارهي) لإقناع أخيها حامد (خالد النبوي في دور جيد وإن كان صغيرا) بالكشف عما يمكن كشفه من أسرار العراق النووية مقابل تأمين هروبه من العراق وذلك سنة 2003، أي قبيل قصفها واحتلالها من قبل الجيش الأميركي.

في الوقت نفسه، كان زوجها السفير السابق جوزيف ولسون (شون بن) لدى النيجر يكتشف أن أحدا لم يبع النظام العراقي آنذاك اسطوانات نووية (تسمى بالكعكة الصفراء) كما تزعم الإدارة الأميركية حينها. وهو عاد إلى الولايات المتحدة، وأصر على كشف الحقيقة متهما الإدارة بالتلاعب وإعداد العدة لضرب العراق بصرف النظر عن عدم وجود ما تدعي وجوده من قوى نووية. صوته يصل إلى واشنطن، ويؤثر ذلك سلبا على عمل زوجته التي تفاجأ بأن السرية خلعت عنها وباتت معروفة حول العالم كعميلة للـ«سي آي إيه». تحاول إنقاذ حامد وعناصر أخرى، لكن إدارة الـ«سي آي إيه» تمنعها من الصلاحيات، والمحنة تنتقل من العمل إلى البيت حيث تحاول فاليري إقناع زوجها بالكف عن الحديث عن كذب الإدارة الأميركية. وثمة مشهد جيد آخر في هذا الصدد هو المواجهة بينهما حين يصرخ في وجهها «أنا لم أكذب، البيت الأبيض هو الكاذب». ولاحقا تلتقي بأبيها الذي حارب في فيتنام وهو يعرف ما لا تعرفه بعد عن اللعبة التي يمارسها السياسيون.

فيلم ليمان لا يحاول الحديث في السياسة، ولا يحتاج لأن يتحدث فيها لأنها في صلبه. دراما سريعة التناول أحيانا أكثر مما يجب، تمر على كل المسائل المهمة بيسر، وتبقي خيط التشويق فاعلا. ليمان أنتج لبول غرينغراس (مخرج «منطقة خضراء») أفلاما، وهو ينطلق في سياسة تصوير مماثلة وإن أخف حركة من تلك التي يقدم غرينغراس عليها في أعماله. وإذا ما كان «منطقة خضراء» تعامل مع الـ«سي آي إيه» والإدارة الأميركية أيضا، فإن الاختلاف هو تبرئته الـ«سي آي إيه» من كل ذنب. أما في «لعبة عادلة» فهي شريك في اللعبة التي مارستها الإدارة الأميركية، علما بأن الأحداث واقعية تماما وشهدتها أروقة الولايات المتحدة السياسية خلال تلك الفترة.

الفيلم أيضا نموذجي لشون بن الذي لا يختلف موقفه من سياسة واشنطن عن سياسة الشخصية التي يؤديها هنا.

* الفيلم: لعبة عادلة - إخراج: دوغ ليمان - أدوار أولى: ناوومي ووتس وشون بن - الولايات المتحدة/ المسابقة

* مراحل سينمائية لـ«جان ـ لوك غودار»

* كما كان متوقعا، أثار فيلم «جان - لوك غودار» من النقاشات ما لم يثره أي فيلم آخر، ويأتي عمله هذا في أعقاب سلسلة أعمال شهدت تطورا كبيرا في فهمه للسينما وممارسته له.

هناك الفترة الأولى (1959 - 1968)، وهي فترة التعاطي مع السينما عاشقا (ولو بشروطه).

الفترة الثانية (1968 - 1972) وهي الفترة التي سبر فيها غور «تسييس السينما».

الفترة الثالثة (1979 وإلى اليوم) هي التي تلت بلوغ نفي السياسة المباشرة وعودته إلى السينما كمفكر سياسي ومبتدع لغة فنية تصاحبها.

إنه من السهل بمكان كبير البحث في السياسة (والمقالات الباحثة في هذا الشأن وحده بالمئات). لكن من الصعب الكتابة عن الفن في سينما غودار. فالفن عنده هو ممارسة حياة في الفيلم وتطبيعها بالموقف السياسي العام. مكمن الصعوبة هو ترجمته الصورية لما يريد قوله وأسلوبه في القول. مفتاح كل شيء غوداري في الواقع هو تبني وممارسة مفهوم «سينما المؤلف» إلى الحد الأقصى. التعريف العاري من التكلف لما هو «سينما مؤلف» وما هو سينما، يكمن في أن المفهوم يشمل أولئك المخرجين الذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن عملية إبداع الفيلم كتابة وتنفيذا وما بعد. إنه ليس المخرج الذي ينفذ رؤية آخرين بل رؤيته الخاصة وبنفسه. لذلك، بينما كانت هوليوود وسواها تنظر إلى ألفريد هيتشكوك وهوارد هوكس وأورسن ويلز على أساس أنهم مخرجون جيدون يمكن الاتكال عليهم لإنجاز أفلام جيدة حسب المطلوب، كان نقاد «كاييه دو سينما» ينظرون إليهم كمؤلفين لأعمالهم حتى ولو كانت سيناريوهات أفلامهم مكتوبة من قبل آخرين. التواصل في توفير الرؤيا الخاصة للشخصيات، للعالم، للتكنيك، كاف لمنحهم هذه الصفة الاستثنائية.

غودار ذهب إلى ما هو أعمق من ذلك وأبعد، إذ ترجم أفكاره على نحو بعيد جدا عما يسهل قبوله لدى الطرف المنتج، ويسهل قبوله عند المشاهد (حتى العاشق للسينما والراغب في فصلها عن مجرد الغاية في الترفيه).

السينما التي كانت في بال غودار، من «نفس لاهث» مرورا بـ«حياتي لكي أعيش»، «ويك – إند»، «حييت يا مريم»، «شهوة»، «تحري» وحتى فيلمه ما قبل الأخير «موسيقانا»، هي السينما التي يعتقد فعلا أنها الأجدر بالإقدام بصرف النظر عن الوجهة السياسية التي تعتنقها. الوجهة السياسية هي موقف ووجهة نظر، لكن العمل السينمائي هو الاقتناع بأي سينما على المخرج توفيرها ولماذا. بالنسبة لغودار وجد أن السرد الحكواتي لا ينتمي إلى السينما إلا عبر كونه مصورا. الفن السينمائي، بكلمات أخرى، من الأهمية بحيث إنه يستحق شروطا مختلفة تجعله بعيدا عن أن يكون امتدادا للقصة وامتدادا لأي فن آخر.

انتقال غودار في أي فيلم من أفلامه من مشهد يتحدث فيها اثنان، إلى مشهد لساحل البحر، ثم العودة إليه أكثر من مرة، لا يهدف فقط إلى تمييز سينماه بلقطات تتداخل من دون أن يكون لها معنى في العقل المعتاد على الربط تقليديا بين فصول الحكاية، بل إلى خلق العمل المجسد لتلك الغاية في ابتكار سينما مختلفة لسينما مختلفة. وغودار في كل هذا لا ينسى سكب قدر من الرهافة الشعرية فيما يقوم به (خصوصا في السنوات الخمس عشرة الأخيرة).

كل أفلام غودار في السنوات التي تلت «ولادته الثانية» تعبر عن الرغبة في خلق سينما غير السينما. لكن فيلمه المجزأ إلى فصول بعنوان «تاريخ السينما» هو الذي يحتوي على الكثير المركز من آرائه في السينما وأي سينما هي التي يتبنّاها. واحدة من نقاط بحثه في ذلك الفيلم هي السخرية من القول إن ولادة السينما بدأت عام 1858، عندما أقدم الأخوان لوميير على إقامة أول عرض بيعت فيه التذاكر للجمهور. عنده التاريخ بدأ قبل الحركة الصناعية ذاتها، إذ تم التمهيد له بالحاجة إلى التعبير عبر قنوات الإيصال المختلفة ومنها التصوير والتمثيل والكتابة.

غودار في الوقت ذاته لا ينسى الخصائص التي تميز السينما. إنها الفن المصاحب الوحيد لما يحدث في العالم. المسجل لروحه وآلامه وأفراحه وكل أحداثه. إنها الروح الموازية لأرواحنا من حيث إن الفيلم الذي تم إنتاجه سنة 1905 مثلا، لا يزال يستطيع سرد حالات وعادات وأفكار صُوّرت في حينها، بينما عليك - في فعل الكتابة الروائية أو في فعل العمل المسرحي - العودة إلى هناك في زيارة تنتهي ولا يمكن تكرارها إلا بإنتاج جديد. المسرحية لا يمكن لها أن تتكرر على المشاهدين بعد سنوات بالطريقة نفسها وبالممثلين أنفسهم وبالوقت نفسه الذي حدثت فيه إلا إذا تم تصويرها وعرض الفيلم لاحقا.

إنه من المهم ملاحظة أن قراءة غودار من أفلامه تتطلب إلماما به قبل الإقدام على مشاهدتها. الكثير من حسنات فيلم ينجزه لن تبدو كذلك إلا بمثل ذلك الإلمام، وهو إلمام يتجاوز ما يرصفه هواة الكتابة السياسية التي يجدون من السهل بمكان كبير التشريح وإلقاء النظريات من دون البحث في التفاصيل الفنية التي لولاها لما عنت تلك النظريات شيئا حتى من غودار نفسه.

الشرق الأوسط في

22/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)