حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان كان السينمائي الدولي الثالث والستون

في سادس أيام المهرجان السينمائي

أفلام تكشف عن التاريخ وأخرى عن السياسة على شاشة «كان»

كان (فرنسا): محمد رُضا

في اليوم السادس من أيام المهرجان ارتفع النبض بشكل ملحوظ عمّا كان عليه منذ بداية هذه الدورة التي انطلقت في الثاني عشر من الشهر.

في صباح هذا اليوم تم عرض فيلم «بيوتيفول» لأليخاندرو غونزاليز إياريتو ليليه قبل انتصاف النهار الفيلم المنتصر لجان - لوك غودار وصحبه (للفيلم مخرجون آخرون) وهو «اشتراكية - فيلم». وفي المساء، وللصحافة قبل سواهم في اليوم التالي، فيلم عبّاس كياروستامي «نسخة مصدّقة».

ليس المهرجان ناعسا أو متثائبا إلى هذه اللحظة، بل إن معظم الأفلام المختارة حتى الآن تنزلق يمينا ويسارا في الوجهة التي تُؤمل لها. يبدأ عرض الفيلم بتوقّعات كبيرة، وبعد قليل تنزوي تلك التوقّعات مع كل عثرة يواجهها الفيلم أو كل اختيار غير صائب يتّخذه المخرج في فيلمه.

بمراجعة الأيام الماضية يتبدى أن «روبين هود» الذي ليس سوى فيلم افتتاح مبرمج للعرض هنا وفي نحو سبعين دولة على وجه الأرض في يوم واحد، ولا يزال أحد أفضل الأفلام التي تم عرضها، ليس نتاجا فنيّا خالصا، لكن فيه من الجهد الفني ومن التجديد في الرؤية التاريخية للموضوع ما يجعل معظم الأفلام التي عُرضت بعده تبدو كما لو كانت مشروعات غير منتهية بعد.

واحد من الاستثناءات القليلة فيلم الفرنسي المخضرم برتران ترفنييه «أميرة مونبنسييه»، إنتاج فرنسي - ألماني مشترك مأخوذ عن رواية مدام لا فاييت المنشورة في القرن السابع عشر عن أحداث تبدأ في منتصف القرن السادس عشر حين كانت فرنسا مشتعلة بنيران حرب دينية بين البروتستانت والكاثوليك. لكن إذا ما كان فيلم ريدلي سكوت إعادة صنع تاريخ، في أحد جوانبه، فإن فيلم ترفنييه هو إعادة إثبات تاريخ. والأول بينهما معذور إذا ما غيّر من الصورة التقليدية التي صاحبت كل أفلام روبين هود - باستثناء فيلم رتشارد لستر «روبين وماريان» - باحثا عما لم يتم الكشف عنه سابقا، أما المخرج الفرنسي فإنه يترجم على الشاشة عملا أدبيا لم يسبق لأحد أن تناوله من قبل، وإذا ما تم، فإنه لم يستحوذ على أي حضور فعلي. ليس لأن المخرج وكاتبي السيناريو عمدوا إلى الالتزام بروح الرواية وجوهر أحداثها الكاشفة (توصف بأنها أول دراما نفسية عصرية في التاريخ الفرنسي) بقدر ما اشتغل المخرج الفرنسي على الصورة ذاتها. كل شيء هنا يحمل بصمة واقعية تنتمي إلى ذلك العصر من تصميم المناظر إلى الديكورات ومن تصميم الإضاءة إلى الملابس مرورا بسياسة التعامل التي يمارسها المخرج مع الكاميرا، من حيث الحركة ومواصفات اللقطة والعدسة المستخدمة.

والتاريخ لم يكن حكرا على هذين الفيلمين. المخرج الصيني جيا جانكي قدّم في إطار تظاهرة «نظرة ما» فيلمه الجديد «أتمنى لو كنت أعلم» الذي يشبه جدّا فيلمه السابق «مدينة 24» من حيث كل شيء. جانكي يمزج المقابلة بالوثائقيات وهذه بما تسجّله الكاميرا اليوم وكل شيء ببعض التفعيل الدرامي المحدود. تركيبة نجحت في لفت الأنظار إليه حين قدّم فيلمه السابق ذاك. لكن عوض تطوير ملكيّته، إذا لم يكن تجديدها، نراه هنا يسرد ما لديه بنفس الحياكة والتركيبة جاعلا من عمله نسخة أمينة جدّا للفيلم السابق.

يدور الفيلم حول ما عاناه أولئك الذين جاء بهم المخرج للإدلاء بشهاداتهم خلال ما سُمّي بـ«الثورة الثقافية» في سبعينات القرن الماضي. كلٌّ يروي ما يتذكّره والحدث الذي عايشه والقتلى المقرّبين إليه الذين سقطوا في هلوسة آيديولوجية جائرة.

إذ يجلس الشاهد على الكرسي لكي يمنح الكاميرا شهادته، وتتركه الكاميرا لترينا بعض ما يتحدث هو فيه. الإحساس والمشاركة كانا رائعين في فيلم جانكي السابق، لكنها هنا ليست سوى تكرار يطغى على المشاعر ويحوّل المادة إلى حديث أكثر منه صورة.

إلى ذلك، ثمّة فيلمان متشابهان على أكثر من صعيد ومختلفان في الوقت نفسه إلى أقصى مدى. إنهما فيلم أليخاندرو غونزاليس أياريتا «جميل» وفيلم جان - لوك غودار «اشتراكية فيلم». وأول ما يجمع بينهما انشغالهما بهموم الإنسان حول العالم، طبعا كل بأسلوب صاحبه المتميز.

فيلم جان - لوك غودار لا يصلح للتأويلات. قليلون يستطيعون تحليله. ممعن في قراءته الخاصة لما هو سياسي وما هو غارق في النظريات الاجتماعية والاقتصادية. لا يحلل ماهية الاشتراكية بل يبحث عن غيابها، وفي الوقت نفسه يطرح القضايا العالقة التي لم تحلّها الحروب الأوروبية ومنها الهولوكوست، ويميل أكثر من مرة على القضية الفلسطينية من باب تأييد جارف ونقد مبطَّن لإخفاق أوروبا في إيجاد حل عادل. مع أي فيلم لجان - لوك غودار، باستثناء تلك التي حققها حتى أواخر الستينات، تبحث عن العلاقات والصلات بين اللقطة والتي تليها، وعن سياسة المخرج حيال استخدام الصوت ويبقى بحثك بلا نتيجة حتمية. هنا ستجد أن عليك أن تضيف محاولة الربط بين الكلمات: ما هو منطوق بالفرنسية ليس مطبوعا بالكامل في الترجمة وعن قصد. العناوين الإنجليزية عبارة عن كلمات غير موصولة، وحين سُئل المخرج عن السبب قال: «الهنود الحمر لو أرادوا الحديث بالإنجليزية لتحدثوا هكذا».

* سينما وسينمائيون

* الليالي العربية التي بدأت بحفلة أقامتها قبل أيام «الهيئة العامة للثقافة والفنون» ومركزها أبو ظبي، امتدت الآن لتشمل حفلة أخرى كبيرة أقامتها «مؤسسة دوحة السينمائية» وتميزت بضخامتها الكبيرة وكان من بين حضورها الكثيرين المخرج مارتن سكورسيزي الذي كان حضر الدورة الأولى التي أقيمت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

* مهرجان دبي السينمائي أبرم اتفاقا مع مهرجان «بيروت دي سي» اللبناني لتبادل الأفلام. بموجب هذا الاتفاق سيعرض مهرجان دبي المجموعة الكبيرة من الأفلام الشبابية التي يعرضها «بيروت دي سي» ويسهم في استقبال وفود وورش عمل.

* يقول المخرج الفرنسي برتران تفرنييه إنه كان يبحث عن قصة حب كبيرة حين اتصل به أحد المنتجين وبعث له بسيناريو «أميرة مونبنسييه»: «وجدتها أكثر من رائعة». من ناحية أخرى انضم المخرج المذكور إلى المخرج الجزائري الأصل رشيد بوشارب المناوئ للحملة التي يقودها السياسيون ضده بسبب فيلم بوشارب الجديد «خارجون عن القانون». وقال تفرنييه ساخرا: «جائزة خاصة يجب أن تُمنح لأولئك السياسيين الذين ينتقدون ما لم يشاهدوه بعد».

* الممثلة دايان كروغر التي شوهدت في فيلم كونتين تارانتينو «أوغاد مغمورون» في «كان» الماضي وافقت على بطولة فيلم حربي ثان فرنسي الإنتاج يتعامل والحرب الأفغانية تحت عنوان «قوى خاصة».

* حل فيلم «روبن هود» أولا في أوروبا وثانيا في الولايات المتحدة بعدما انطلق للعروض في اليوم التالي لافتتاحه دورة «كان» لهذا العام. الفيلم التاريخي لم يستطع التغلب على منافسة شديدة من فيلم الكوميكس المكلف «آيرون مان 2».

أفلام اليوم

 Another Year ***

* عام آخر إخراج: مايك لي أدوار أولى: جيم برودبنت، روث شين، لسلي مانفيل.

بريطاني (مع تمويل أميركي جانبي) - المسابقة

* يطلب المخرج البريطاني مايك لي من ممثليه أن يكونوا عباقرة. هم، في كل أفلامه كذلك أو قريبين جدا من ذلك. إنه لا يكترث لممثل ليس لديه هويته الخاصة ولا يكترث لمن لا يبذل في سبيل تقديم ما هو منفرد ضمن المسار الجماعي للشخصيات التي يوفرها. يريد ممثلا ذكيا لامعا يفكر جيدا وينفذ جيدا. وأبطاله في هذه الدراما الاجتماعية هم كذلك.

إنه عن اثني عشر شهرا من حياة زوجين (جيم برودبنت وروث شين) وابنهما المحامي (أوليفر مولتمان) الذي لا يبدو أن لديه نية لبناء حياته الخاصة بعيدا عنهما. الزوج توم (والزوجة جيري - بلا مزاح) وصل إلى سن التقاعد كعالم جيولوجي ويمضي أوقاته سعيدا مع زوجته وفي حديقته التي يعتني بها ويستقبل من حين إلى آخر زوارا من الأقارب والأصدقاء. كل شيء يبدو عاديا وسارا في اللمحات الأولى، لكن ما يجلب ظلالا داكنة إلى تلك الحياة حقيقة أن بعض أصدقائهما يعانون أوضاعا عاطفية تزداد سوءا من موسم إلى آخر (يقسم المخرج فيلمه إلى أربع فصول) خصوصا ماري (لسلي مانفيل) التي تعاني الوحدة وتبحث عمن يشاركها الحياة، وخلال ذلك تدمن شرب الكحول. لاحقا تضع عينها على المحامي الذي لا يعيرها ما تطلبه من اهتمام، ثم يفاجئها يوما بتعرفه إلى المرأة التي قد تصبح شريكة حياته.

أفلام مايك لي آسرة برسمها الشخصي للحياة العادية. أبطاله عادة ما يعكسون حالات من التأزم النفسي والعاطفي الذي يمر أمام العين آسرا لصدقه ومنسيا بعد حين بسبب من ضعف القصة ومواقفها. وهذا الفيلم يحتوي هذه المعادلة تحديدا. ما ينقذ الفيلم من الحبكة المحدودة والفراغ الناتج عن عدم وجود أحداث حقيقية هو تلك الملاحظات التي يبثها الفيلم عن شخصياته بواقعية شديدة. والمخرج لم يكن لينجح في بثها لولا حسن اختياراته من الممثلين. يبقيهم موقع رصده وينجز من خلالهم البورتريهات التي يريد المتجانسة مع معالجته لما لديه من مفارقات وخطوط درامية صغيرة.

في ذلك كله هو مخرج ناجح بقدر ما هو مخرج لا يمل تكرار مواصفاته وعالمه. بعض أفلامه يرتفع عن هذا الفيلم بسبب حياكة درامية أقوى لكنها جميعا تبقى مثيرة وصادقة في رسمها الحياة الخاصة للجيران العاديين الذين اكتشفوا فجأة أنهم وحيدون ومنعزلون ولم يكتشفوا بعد أن مصيرا كهذا لا يمكن تغييره .

O Estranho Caso de Angelica (The Strange Case of Angelica) ***

* قضية أنجليكا الغريبة إخراج: مانويل دي أوليفييرا أدوار أولى: ريكاردو تريبا، بيلار لوبيز دي أيالا، آنا ماريا ماغالهايز.

البرتغال - إسبانيا - البرازيل - خارج المسابقة

* هناك ذلك المشهد الذي يسقط فيه إسحاق (ريكاردو تريبا) منهكا حين انطلق راكضا من البيت الذي استأجر فيه غرفة إلى البراري مناديا بأعلى صوته: «أنجليكا». يركض في الشارع الرئيسي ثم يدلف في أزقة بين البيوت في تلك البلدة الصغيرة قبل أن يركض فوق هضبة خضراء حيث يقع مغشيا عليه.

المشهد التالي لسيارة إسعاف منطلقة. الثالث لإسحاق وقد تم نقله غرفته، وها هي ربة المنزل (آنا ماريا ماغالهايز) وهي تقول: «لا أصدق أن الإسعاف عاد بإسحاق إلى البيت عوض أن يأخذه إلى المستشفى». لكن في الواقع هذا الأمر قابل للتصديق لسبب واحد فقط: المخرج دي أوليفييرا في السنة الثانية بعد المائة الأولى من العمر وإذا أراد أن يلتزم بالواقع وينقلنا إلى المستشفى للمشهد النهائي المذكور، فإن ذلك سيتطلب جهدا بدنيا منه ارتأى أن يوفره لاستكمال فيلم آخر في المستقبل القريب.

لكن براعة دي أوليفييرا هي أنه على الرغم من هذا الشطط فإنه يؤلف من المشهد الأخير ذلك نهاية لطيفة ومناسبة حسيا ودراميا. إسحاق ينهض من الفراش ويدفع بالطبيب جانبا لكنه يقع مجددا وفي لحظة يهبط عليه ملاك أنجليكا ويأخذ روحه منه. حين يقف الطبيب على قدميه يجد إسحاق جثة هامدة.

قد لا يعجب «قضية أنجليكا الغامضة» لكثيرين من هواة السينما حتى المتعبين بملاحقة أفلام أربابها وفنانيها، لكن هذا لا يمنع أن المخرج البرتغالي يستحوذ دائما على ما يثير الإعجاب من دون جهد يُذكر. هذا الفيلم يوضح كيف يمكن بقصة لا يزيد سمكها عن نحافة بطلها إسحاق، ولا تعلو أكثر من قامته، صنع فيلم تضحك له وتعيش حالة شخوصه جيدا.

القصة هي عن إسحاق المصور الفوتوغرافي اليهودي الذي يعيش في تلك البلدة المسيحية الصغيرة (يتوقع أن تكون كاثوليكية تبعا للكنيسة السائدة) الذي يُطلب منه، ذات ليلة ماطرة أن يتوجه إلى منزل عائلة ارستقراطية لالتقاط صور لامرأة شابة اسمها أنجليكا (بيلار لوبيز دي أيالا) التي ماتت فجأة بعد زواجها. حين كان يلتقط الصور يراها من خلال العدسة وهي تفتح عينيها وتغمز له. المفارقة هنا هي ذات لون غرائبي. ربما فعلت ذلك وربما لم تفعل. إذا ما فعلت ذلك، ها هو الفيلم يدعوك لقبول ما يدور، وإذا ما لم تفعل، وما حدث هو وهم مفاجئ أصاب إسحاق، فإن الأحداث لن تتغير إلا من حيث أن كل ما سيحدث يقع في هلوسته. في كلتا الحالتين، هذه الخامة الغرائبية ستستمر وصاحبنا يصبح أسيرا لها في ما تبقى له من عمر. أحيانا يستيقظ من حلمه معها وأحيانا هما الحلم بعينه. وذات مرة تتبدى بالأبيض والأسود فتلتقطه وتطير به من شرفة المنزل ليلا إلى السماء لكنه يسقط منها ويصيح ويفيق من نومه.

صاحبة البيت قلقة عليه وباقي السكان يخشونه. وهو لا يأكل، بل لم يعد يعيش. والكثير من غدواته وروحاته هو ما بين منزله ومنزلها والمقبرة التي دُفنت فيها.. وهذا هو كل الفيلم بالفعل. إنه بسيط في كل شيء: عقدته وحبكته وموضوعه. كذلك في بعده ورسالته والأهم في سرده وأسلوبه. دي أوليفييرا هنا، كما في معظم أفلامه في السنوات العشر الأخيرة على الأقل، صاحب سينما صافية من الشوائب التقنية. يصور ما يريد ويقتصد في المونتاج من دون أن يطول في التصوير أو في الشرح. وهو ينجز، خلال ذلك، نتائج لا بد من الوقوع في حبها وإن بدت غير صالحة لهذا العصر (أو العصر غير صالح لها).

من حين إلى آخر في هذا الفيلم تلتقط كاميرا سابين لانسلين الجميلة مشهدا ليليا لتلك المدينة الصغيرة على الشاطئ الآخر من نهر عريض. وديعة وجبلية وتنتشر فوقها أضواء المساكن والسيارات. هذه اللقطات بمثابة استراحة. فواصل تربطنا إلى المكان لا لجماله أو جمالياته، بل للأرض التي تربطه.

الأرض الذي يحتفي بها المخرج في خط ثانوي من الفيلم حين ينطلق إسحاق بصورة محمومة لتصوير عمال يفلحون في الأرض مستخدمين معاولهم كما الطريقة القديمة في الزراعة. ملاحظة لا تفوت الفيلم ويريدنا أن نلحظ وجودها فيكررها على لسان إحدى الشخصيات. ما لن يكون سهلا تفسيره ربما هو السبب الذي من أجله جعل المخرج المصور يهوديا في بيئة غير بيئته واقعا في هوى فتاة مسيحية (ولو ميتة). هو بالتأكيد يعرف الجواب، لكن سؤاله لن يكون سهلا.

الشرق الأوسط في

18/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)