حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان كان السينمائي الدولي الثالث والستون

العراق في «كان»

قيس قاسم

ألعاب الحرب القذرة

يجد زملاء المهنة العرب، من صحفيين ونقاد سينما، في الأفلام التي تعرض في المهرجانات الغربية الكبيرة مثل البندقية وبرلين وكان، وفيها بعد عربي، مادة كتابية حيوية، يتفاعلون معها بقوة، كونها تمس مجتمعاتهم والمشاكل الآنية التي تعيشها بلدانهم. وأكثرها اثارة للإهتمام تلك التي تتناول الحالات السياسية الساخنة، كقضية العراق مثلا. فالعراق مازال في صدارة الاهتمام السينمائي العالمي. وقبل أسابيع قليلة عرض فيلم «المنطقة الخضراء» لباول غرينغراس وفي الدورة الـ63 لمهرجان كان عرض فيلمان عن العراق: الأول للمخرج الأنكليزي كين لوتش وعنوانه «الطريق الايرلندية» والثاني شريط المخرج الأميركي دوغ ليمان «لعبة عادلة».

الفرق بيننا نحن العراقيين وزملائنا في هذه الحالة، انهم يجدون في هذه الأفلام مادة للكتابة وقدراً من الانفعال، أما نحن فنرى فيها بلدنا وما يعيشه. نرى فيها أنفسنا. ولهذا كان الذهاب لمشاهدة هذه الأفلام فيه نوعا من التوجس والترقب، وفيه أيضا قدر من الحزن! فـ«كان» المدينة الساحلية الرائعة تفرض حالتها عليك، فرح أناسها وزوارها طاغ. ورؤية العراق من خلال السينما موجعة.

والدقائق القليلة التي يستغرقها العرض تكفي لاثارة المقارنة بين حالتين ومكانين. وما شفع لنا في هذه الحالة ان السينما لعبت دور المذكر، فنوهت من خلال مخرجين غربيين قادت بلدانهم الحرب مباشرة (بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية) بأن ما جرى كان بسبب سياسات قادتهم وادارات حكوماتهم، وأن ويلاتها ارتدت على مواطنيها أيضا. فالفيلمان تناولا آثار الحرب والطريقة التي تم التحضير لها والتي الحقت الأذى بالكثيرين، ومنهم العميلة السرية للمخابرات الأميركية فاليري بليم ويلسون وزوجها السفير السابق جوزيف ويلسون كما ذهب فيلم «لعبة عادلة».

الفيلم سجل الوقائع الحقيقية التي حصلت لهما، والتي سبق أن نشرتها فاليري في كتاب حمل العنوان نفسه، كشفت فيه التخطيط المسبق للحرب والدعاية المبرمجة التي اتبعتها المخابرات الأميركية، والتي شددت على حصولها معلومات موثوقة تؤكد امتلاك نظام صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، وما تشكله من خطر مباشر على الولايات المتحدة والعالم بأسره. هذه اللعبة التي صار العالم يعرفها ويعرف أن الخطة الموضوعة لاحتلال العراق معدة مسبقا، وان أسلحة الدمار كانت ذريعة مفتعلة، يعود إليها دوغ ليمان عبر قراءة بصرية يسجل من خلالها موقفا من تلك الحرب ومن ادارة بوش التي اعتمدت الكذب وسيلة لتحقيق ما تريد، وأظهرت قساوة في تعاملها مع الذين يقفون ضدها، حتى لو كان عميلا نشطا ومخلصا من عملاء مخابراتها أو سفيرا سابقا خدم بلاده طويلا. لقد كشف مقال كتبه جوزيف ويلسون في جريدة «نيويورك تايمز»، كذب ادعاء ادارة بوش من أن صدام قد حصل على معدات تدخل في صناعة الأسلحة التدميرية من إحدى الدول الأفريقية. والمقال مبني على رد فعل لما توصل اليه السفير (الممثل شون بن) وبتكليف غير مباشر من زوجته (الممثلة ناعومي واطس) التي أقنعته بالقبول بإعداد دراسة ميدانية حول ما إذا كان صدام حسين قادرا على تأمين ما كان يحتاجه لصناعة اسلحة خطرة من ذلك البلد الأفريقي.

وتضمن تقريره صعوبة حدوث مثل هذا الشيء بعدما تأكد بنفسه ومن خلال زيارته الى ذلك البلد واتصالاته بالعديد من المقربين من ادارته. وحتى تتستر على الحقائق التي انكشفت تعمدت المخابرات حرق أوراقه من خلال الكشف عن عمل زوجته كعميلة سرية تعمل لصالحها، بغية تحطيم سمعتها والتقليل من مصداقية زوجها وما كتب. لقد أثارت هذه اللعبة وسائل الاعلام التي ظلت تطارد الزوجة وخلقت القضية مشاكل عائلية كادت تعصف بالبيت الزوجي. ولولا شجاعتهما واقدامهما على نشر الحقيقة لكانا ضحية سهلة لآلة المخابرات الجهنمية.

الفيلم عانى من نقص كبير في تنفيذه على مستوى مطابقة الأمكنة العراقية والشخصيات الرئيسة التي لعب فيها ممثلون مصريون وعرب منهم خالد نبوي (لعب دور عالم ذرة عراقي) فظلت اللكنة العراقية مشكلة قائمة والشخصيات غير مشدودة دراميا، على عكس شغل كين لوتش الذي راعى في فيلمه «الطريق الايرلندية» (اسم أطلقه الجنود على واحد من أخطر شوارع العاصمة العراقية) كل هذه التفاصيل، وقدم بشكل مقنع الشخصيات العراقية ولهجتها. كين لوتش قدم الحرب من داخل بريطانيا وبالتحديد من ليفربول حيث يعاني العائد لتوه من العراق فيرغوس (مارك وماك) من توتر شديد بعد وصول جثمان صديق طفولته فرانكي (الممثل جون بيشوب). لقد عانى فيرغوس من عقدة الذنب لأنه أقنع صديقه بالالتحاق بالعمل في احدى الوحدات الخاصة العاملة في العراق مقابل راتب شهري مغر يزيد عن عشرة ألاف باوند استرليني، كما فعل هو قبله. يبدأ لوتش حكاية الصديقين بالعودة الى نشأتهما واللحظة التي حلم بها فيرغوس وهو على ظهر سفينة بالبحث عن المغامرة حول العالم، بعدما ترك مقاعد الدراسة. ورغم اقتراب حبكة الفيلم والمعالجة البصرية لها من أفلام المغامرة فإن لوتش يذهب بعيدا ليكشف عن الجرائم التي كانت هذه الوحدات ترتكبها ضد المدنيين والأبرياء في العراق، وربما كانت هذه من الأسباب التي أدت الى مقتل صديقه الطيب. فالصور المسجلة على الهاتف المحمول ساعدت فيرغوس وزوجة صديقه راتشيل على البحث عن الأسباب التي وقفت وراء مصرعه خصوصاً وأن الشركة والمسؤولين لم يزيدوا شيئا الى تفاصيلها مكتفين بترداد العبارة الآتية: لقد تواجد في المكان الخطأ وفي اللحظة الخطأ.

لكن الحقيقة ستتضح بمعونة مهاجر عراقي يجيد العمل على الحاسوب وتقنياته لينقل شريطا مصورا يظهر فيه فرانكي وهو يتجه نحو سيارة مدنية أطلق زملاءه النار على ركابها وأردوهم قتلى. وعندما يفتح فرانكي الباب يرى طفلا مقتولا فيصرخ إنه طفل! ثم ينتهي المشهد المصور. ترى هل قتله الجنود المرتزقة الانكليز أنفسهم بعد رد فعله القوي. حول هذا السؤال يمضي فيرغسون لتقصي الحقيقة التي تنتهي بتصفيته قادة الشركة انتقاما من موت صديقه. دخل «اللعبة الايرلندية» الى المسابقة قبل أيام من بدء الدورة ولهذا توقع الكثيرون أن يخرج بجائزة ما، لكن النتائج لم تأت مطابقة، ومع هذا فإن جائزة لوتش الحقيقية ستأتيه من خارج المهرجان. ستأتي من مشاهديه الذين عرفوه مخرجا مهما وشجاعا عاد هذه المرة ليحاكم سياسة بلير وينتقد مشاركة بلاده في حرب ألحقت الأذى بالعراقيين والبريطانيين أنفسهم، ولم تجلب لبلاده سوى الكراهية والعنف الداخلي. 

الأسبوعية العراقية في

06/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)