حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان الخليج السينمائي الثالث ـ 2010

بائع زلابية في الخبر وحلاق في عمان أنظف من ثري في صنعاء

ولافرق بين آل الارياني وآل الزنداني

نبيل الصوفي

بعد متابعتي عبر قناة العربية تقريرا عن مهرجان الخليج السينمائي تحدثت فيه شابة سعودية بأناقة غاية في الاحترام عن أفلامها وأصدقائها الشبان منكرة أن تكون هناك معوقات أمامهم كسعوديين! قرأت منى الزميلة منى صفوان عن معركة الزواج المشتعلة حاليا في بلدنا المنهك.

اتفقت مع غالب ماكتبت الأستاذة بنت صفوان البنا، لكن استفزني ذكرها "السعودية" بتلك الصيغة التي لاتزال تنظر للجارة من خلال الاطار الذي كان يحكم تقييمها منذ تأسست وحتى مابعد الذكرى المئوية للتأسيس، ثم صدمة الـ11 من سبتمبر التي كانت كارثيتها هز العالم من مركزه الدولي، لكنها بعد ذلك -هدت- ولاتزال تهد، أبراجاً لطالما صدر السعوديون منها المشاكل لأنفسهم ولمن جاورهم ولكل العالم العربي والاسلامي دينا ودنيا.

بداية فليس هناك مجتمع مسئول عن انحدارنا الاجتماعي والثقافي كالجارة التي امتلك مواطنوها المال ليكون سلاحهم لتجريعنا "المر"، من رسم صورة مشوهة عنا في العالم من آسيا الى أدغال أفريقيا، وصولا الى تشويهنا أمام أنفسنا والعبث داخل بلداننا من مصر الى المغرب ثم أخيرا اليمن.

لقد تشاركت الثقافة الدينية الوضعية التي نبتت في قفر نجد، ومشروع الدولة المتخلف اجتماعيا، وعقدة نقص المتسعودين الذين واجهوا تطرف الدولة الاداري ضد مواطنيتهم بالاخلاص للتربية الاجتماعية المتخلفة للأسرة السعودية، فصنعت مجتمعة أسوأ إفساد اجتماعي معاصر، حتى أنه لم يدخل السعوديون بلدا إلا ظهر الفساد في بره وبحره. وكارثية هذا الفساد تتجاوز تمويل تجارة الرق الجنسي (بالدعارة سواء بالساعة أو بعقود تمليك مختلفة التسميات)، إلى تجذير الرؤية السعودية المتخلفة تجاه كينونة المرأة والعلاقة بينها والرجل، ومايتعلق بالتصورات الانسانية عن الجنس والفن والاختلاط والمال والصداقة والحب والزواج والسهر والاحتفالات والتجميل والأناقة، وماهو العيب ومن هو المعاب اجتماعيا ودينيا.. وهذا هو الفساد السعودي الذي أفسد دنيانا أما التشدد السلفي -وهو سمة التدين النجدي الممول رسميا هناك- فهو تشدد عقلي، ومن ناحية يمكن التفاعل معه ومعالجة أضراره على الدين وهذا ما حدث خلال عامين فقط منذ حادثة سبتمبر حين قرر الحكم ذلك، ومن ناحية أخرى فهو تشدد غير مميز أخلاقيا في ظل فساد التصور الاجتماعي، لذا لم يكن هناك فرق جوهري بين سعودي غير متدين يقضي اجازته في "بانكوك" وآخر "داعية" سافر لبناء مسجد في "لاجوس"، واليوم بين شخص يسمي دعارته زواجاً سياحياً في "إب"، وآخر لايوقف سيارته إلا في النسخة الليلية من النادي الديبلوماسي بعدن.

لقد عمم السعوديون علينا جميعا تصورا ذهنيا قاسيا أجدبت بسببه الحياة العامة، وماعاد لنا سوى مساجد تصيح ليل نهار ضد المختلف من تلك التصورات أو محلات دعارة!، أما مابينهما فلاشيئ، إلا هامش لاقيمة له يستظل من السياسة والنشاط السياسي.

ويمكن الاستناد الى المجتمع العدني الذي كان يعيش انفتاحا على الفن والثقافة وهو انفتاح مسئول مثله مثل انفتاح المجتمع الاماراتي وقبله الكويتي أو البحريني، لكنه صار اليوم مستفزا من متنفساته، فأي أسرة عدنية لم تعد تعرف الحياة على الشاطئ وصار "نشوان" مكان غير محبب، وليس هناك صالة سينما واحدة محترمة وتحول أقدم فندقين في الجزيرة العربية "كريسنت والصخرة" إلى مجرد وكر مشبوه تتجمع حوله سيارات القادمين من بلاد الحرمين.

ومقابل إزدهار الخطاب المتشدد -تنافس عدن تعز قديما وإب وصنعاء مابعد الجيل الأول في عدد يمنيي القاعدة-، فإن ثقافة الانفتاح تشهد موتا سريريا، بسبب حساسية المجتمع العدني الذي لم يجد سلطة راشدة تدافع عن الحياة الدنيا لتحكم فيها كالتي حظيت بها الامارات مثلا أو حتى البحرين ولاحتى جدة السعودية نفسها، ففضل العدنيون الانكماش وغادر فنانوهم في مختلف الفنون البلاد بالمرة، أو تنازلوا عن مكانتهم الاجتماعية إن لم يغيروا من أسمائهم وحرفتهم، وصارت فنادق محترمة ترفض استضافة نساء، ولايشعر زوجان بحصار دعي وهما يدخلان أو يخرجان في فندق بحجة أو المحويت لكنهما يكادان يعلقان على رقابهما عقد الزوج في فنادق عدن.

والفضل في كل ذلك للمال السعودي الذي مول ثقافة متخلفة صدرتها الأسرة السعودية، ثقافة منغلقة دينيا تحرم كل شيئ، ومتخلفة دنيا تتعامل مع كل الحياة باعتبارها "خلاعة".

وبجملة اعتراضية يجب الاعتراف بأن هذا الانتاج السعودي للفعل او الثقافة لم يحدث كل هذا التأثير القبيح إلا لانحطاط وعي الجزء المحافظ من نخبتنا الحاكمة في مصر واليمن وغيرهما، ولامسئولية أخلاقية للنخب المنفتحة، ففيما يسابق الجزء الأول السعوديين في الفعل، تنازل الجزء الثاني عن تصوراته بالجملة والمفرق. وهو مالم يحدث في البحرين مثلا، فرغم أن السعوديين عاثوا فيها فسادا فان المجتمع هناك حمى نفسه من تأثير هذا الانحلال في تعامله مع الحياة، وساند الرجل والأسرة هناك المرأة لتبقى منفتحة فاعلة وهو ما منع السعوديين من خلط هذا بهذا، وبقت دور السينما البحرينية مزارا حتى للأسر السعودية التي تجد البحرين متنفسا محترما رغم الغزو اللاأخلاقي من غالب زوار البلد من السعوديين أيضا.

ولم تعرف حضرموت مثلا- وهي الأكثر والأبكر اختلاطا مع السعوديين- الوجع الذي أصاب الحديدة أو لحج.

وفي الوقت الذي تراجع فيه الكويتيون عن الانفتاح المبكر -أتحدث عن الانفتاح السلوكي المعبر عن وعي حضاري وليس التغرير بادعاءات لاقيمة لها كما هو حاصل في قطر أو اليمن من نخب عليلة-، فقد أسس الرجل العظيم في هذه النقطة الشيخ زايد بن سلطان -تغمده الله بواسع رحمته- فضاء جديدا حمى بلاده من النسخة السعودية للتطور من جهة، ومن جهة أخرى جعلها قبلة حياة، والحياة ليست فقط التي لاتقيد الحريات الشخصية بل التي تحدث الرؤية العامة للمجتمع ليحسن استخدام هذه الحرية في انتاج حضارة وليس في التنقل بين البارات ودور الفساد.

ولقد صارت الامارات اليوم موئلا للسعوديين والسعوديات الذين ينقشون وجها حضاريا لبلدهم يختلف تماما عن الوجه الفاسد الذي قلت إنه سبب لنا المرارة.

غير أن هذا التشدد، وبما أنجزه من تطرف في الفعل عبر تنظيم القاعدة الذي أنتجه التدين السعودي والسياسات الأمنية المصرية، يحاصر اليوم بتحولات لايجوز أن نعمى عن النظر لها خاصة أنها ترى بالعين المجردة وعلى كل المستويات في هذه الدولة المهمة عربيا واسلاميا ليس بسبب "مكة" ولا "المدينة" بل بسبب أموالها وتطلع نخبتها السياسية والمالية المشروع للعالم.

إن المجتمع السعودي -وقد قلت في قريب ماضيه مالم يقله مالك في الخمر- يخوض اليوم جدلا مع نفسه، مع أمراضه، مع مشاكله.. جدلاً يتجاوز القرارات الرسمية والتوجهات الملكية -وإن كانت تدعمه ولو بغض الطرف عنه-، جدلاً تقوده طبقة عريضة من سعوديين يتصرفون بكل مسئولية، وفي أغلبها بعقلانية وبترو وبقدر كبير من مراعاة التعقيدات التي صنعها الماضي القريب وأولها العبث بالماضي القديم للأمة برمتها، ولكن بمثابرة لاتبرر لمن ليس التغيير والتحديث والتطوير لديهم إلا خطاباً لتسهيل الفساد الشخصي، أو الذين يضخمون المخاوف من ردة فعل المجتمع ليستروا عمق تخلفهم ورفضهم للتغيير والانفتاح.

وتشترك نخبة عريضة من الأثرياء وأهل العلم والثقافة بكل مستوياتها الذين حصلوا على أرقى مستويات التعلم في العالم أو تشبعوا بثقافة تاريخية عميقة وتربوا في بيوت تدين اما متشدد أو متسامح، في إنجاز تحولات مذهلة..

بنظرة للمكتبة السعودية يمكن إدراك الفرق بين يوم هذا المجتمع وأمسه، وبينه وبين كل المجتمعات العربية الأخرى، كل المجتمعات بمافيها المجتمعات المنفتحة الأخرى.

من السعودية التي لم تعودنا إلا على كتيبات مزركشة تحرم كل شيئ، وتقتات من كل أزمة في كل زمان ومكان لتلزمنا بانتاج تلك الأزمة، من ذلك المجتمع الذي كان لأمرائه فعل مايشاءون ثم الخروج بقداسة دينية ليؤمونا في ديننا، اليوم عشرات ومئات الانتاجات الثقافية والفقهية والأدبية والفنية، في مواضيع مختلفة.. تناقش بجرأة أعقد المسائل التي لا نجرؤ نحن حتى المرور بجانبها.. هاهي وزارة العدل اليمنية -وهي التي تتعرض لأسوأ هزيمة في قضية زواج الصغيرات- تجد نفسها اليوم حانبة مع لبس النساء، ولسن أى نساء إنهن قاضيات، طبعا كونهن قاضيات أعتبره مفخرة لأشخاصهن وأسرهن ولنا جميعا حيث يعني امتلاكهن أرقى أدوات إدارة الحياة، فالقانون يتعامل مع أرفع قدرات الإنسان التي خلقها الله فيه كالعقل والسلمية والمدينية والحوار والخلاف المنطقي بغض النظر عن مقصد الخيرية أو الشر.

من السعودية -اليوم- رجالا ونساء من نجوم العالم العربي في الاعتدال العام.. في الخطاب، في السلوك.. في الفكر، في الرياضة، في الموسيقى والأغنية.. وغالب نجوم الامارات الفنية إما سعوديون-سعوديات، أو من اليمنيين المجنسين هنا أو هناك.. وهم لا احترام لهم هنا، بالتأكيد تعرفين -يامنى- اليمنية "أروى" التي أبهرت الدنيا بطلتها المشرفة في قناة سعودية هي الإم بي سي وهي تدير نقاشات جماهيرية بكل حنكة معرفية وسلوكية.. ويمكن لك وانت الآن من ساكنات مصر حيث تعيش "أروى" أن تسأليها وتخبرينا عن قصتها مع مراكز عليا في اليمن البلد التي تصر هي على التفاخر بالانتماء لها.

وأدعوكم، لمراقبة النقاشات الدينية التي يخوضها سعوديون مع بعضهم في أعقد المسائل.. فيما لم يعد هناك أى رأي آخر في غالب البلدان الأخرى. كمافي قطر والامارات والبحرين والكويت تتقدم المرأة السعودية اليوم بثبات مع نساء أرفع الأسر مكانة إدارية هناك.. ومن لم تتمكن من النجاح في بلدها ترسلها أسرتها الى أي دولة مجاورة أو بعيدة، وهناك تقدم تجربة مشرفة للغاية فيما بناتنا حتى لو خرجت فإنها تفعل فقط بجهد شخصي تظل معه تكافح القريب قبل البعيد.

دعك من زواج الكبيرات أو الصغيرات التي كانت فرصة لاحداث جدل عن الزواج برمته في مجتمعنا وماذا يعني لبنت 10 سنوات أو لام 44، وللذكر أو الأنثى، فهذه ليست معركة سعودية أبدا. فالرجل السعودي اليوم أفضل من اليمني بآلالف المرات تجاه بنت بلده، حتى الساقط منهم "يخرأ بعيد" وعفوا لهذه اللفظة التي تفسد رائحة النقاش.

لم يتجاوزوا ماوصفته في بداية مقالي.. لكنهم يتحركون اليوم كالصاروخ قياسا بنا الذين لازلنا نتحرك كالصاروخ ولكن في الاتجاه المعاكس.. لم يعد عندنا فرق اجتماعي بين آل الزنداني وآل الارياني.. لا فرق بين السلوك الاجتماعي لعبدالعزيز عبدالغني -وأتحدث عنه هنا كأحد مثقفي الليبرالية وليس كسياسي، وبين الشيخ زعيط بن معيط..

حين حضرت عرس نجل الدكتور ياسين سعيد نعمان قبل أشهر قلت له وأنا أسلم عليه: يادكتور أنا في عرس قبيلي يقرح قريح، ضحك بأدب دون أن ينتبه لحدة نقدي.. فأعدت النقد وقلت له: سننتظر النسخة اللحجية من العرس.. فتحدث عن صنعاء ولست أدري هل كان يقصد معنى المثل "حكم بني مطر في سوقهم" أم كان فعلا يرى الأمر بشكل إيجابي. واشارتي لصفة القبيلي في السؤال ليست احتقارا بل في إطاره المعرفي بوصفه مستوى متدني.

وأي من مشايخنا يمكنه أن يسخر من لبس البنطلون في تعز أو يحرص على التمنطق بالجنبية والمسدس في حر عدن، لكنه أمام ربع قصر سعودي يكون متخففا من كل هذا النخيط الغبي.

بالتأكيد يتاح لمثل منى فرصة الاطلاع على حفلات الأمراء والأميرات والأثرياء من السعوديين، وربما اذا اتفقت معي أن الزواج ليس مجرد يوم عابر بل مرآة لقاع المجتمع وسقفه.. ستجيبني هل هناك فرق في اليمن بين أعراس مذحج الأحمر ووعد باذيب، بين فلان من بني هائل سعيد أو حتى شاهر عبدالحق وصاحب البقالة الذي بالكاد يدفع ايجار المحل. لا أتحدث عن المظاهر والبذخ، فالأهم أن كلنا زنن وجنابي وجاكتات في كل الفصول وكل المدن، حمى أو برد، ليلاً أو نهاراً.. زنة وكوت هو اليمني اليوم في الموت والفرح.. في الليل والنهار.. في البيت والشارع.

هل قرأت كم مليارات ينفقها مجتمع الجارة على التطيب والعطور والتجميل ونحن نتضارب على معنى لعن الملائكة للمتطيبة، ونحول الحديث والرسول الى داعية للروائح الكريهة.. خليك من الحديث عن الفقر كسبب لفساد الروائح في أجسادنا.. فمن يستثقل إنفاق 200 قرش على تحسين رائحته يشتري قاتاً يوميا بأضعاف ذلك على الأقل ثلاث مرات.. بل هناك مليونيرات في بلدنا أقل أناقة بعشرات المرات من العامل اليمني الذي يبيع الزلابية في شارع في الخبر أو خياط في الرياض. وهناك كبار "مرة" اذا أجلستهم بجوار صاحب صالون حلاقة من عمان ستفتضح ثقافتنا وما نردده من حضارة أو من حاضر.

صحيح النقاش السعودي حامي عن الاختلاط وقيادة المرأة للسيارة لكن في الحياة العامة لايجلس المتناطحون حول الأمر بين الناس، وفيما يكون الرجل السعودي في ماخور سيئ في مكان ما، فإنه حين يكون مع زوجته أو أخته يتحلقون حول النقاشات العامة رجالا ونساء، رأيتهم بأم عيني أسراً عدة من مختلف المستويات والأعمار.. أقول مكتملين مش رجال من هنا وامرأة من هناك.. كل تارك نصفه في مكان وجاي يتشدق عن حريته هو في الادعاء.

سيدتي، سيتجاوز السعوديون أنفسهم.. سيعيدون بلدهم للمقدمة دالة حضارية راقية.. ونتمنى لهم أكثر من ذلك وأسرع.. وسنظل نسير للوراء.. نسير لافرق بين عضو في الاصلاح او الاشتراكي آو المؤتمر.. كلهم متنازلون عن النظر لأنفسهم في المراية الشخصية..

كلهم واحد في الغالب..

وفقط يختلفون في الموقف من كرسي الرئاسة لأنه بس لم يسعهم كلهم. وهذا لايعني التقليل منهم أحزابا وافراداً، فعاد صراعاتهم متنفس قليل لنرى الشتم والشتم الآخر، وليس الشتم عيب طالما كان وحده الذي يمرر التنوع والتعدد للمجتمع، وربما حين يمل منه السياسيون يبحثون عن نقاط أكثر قدرة على اختبار تنوعهم فعلا.

nbil21972@hotmail.com

نيوز يمن في

15/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)