حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان الخليج السينمائي الثالث ـ 2010

أيام يوسف الأخيرة في مهرجان الخليج السينمائي يدين تسليع الإنسان

دبي – من سماء عيسى وعبدالله حبيب

مع التألق الباهر لفعاليات الدورة الثالثة من مهرجان الخليج السينمائي، وضمن حضور كمّي وكيفي يكشف بجلاء عن أهمية ونجاح هذه التظاهرة الثقافية السنوية، عرض يوم الأحد الفيلم الروائي البحريني الطويل "أيام يوسف الأخيرة" (64 دقيقة) من إخراج محمد جناحي الذي من إنجازاته السينمائية السابقة فيلم "كاميرا"، وإخراجه للفيلم الروائي الطويل المتميز "غبار" الذي عرض في الدورة السابقة من المهرجان، والذي يقول بعض المهتمين بالشأن السينمائي في المنطقة ان عواصف "غبار" لجنة التحكيم قد هبَّت عليه من الجهات الأربع.  أنتج الفيلم بميزانية مكرهة على التقشف إسحق عبدالله، وصوَّره باقتدار واضح سمير بوجبيري، وكتب موسيقاه الملائمة أحمد جناحي ومحمد حداد (نجل الطود الشعري البحريني الشامخ قاسم حداد)، ومنتجه باحترافية حسين العرادي، ومثَّل فيه عبدالعزيز عبدالملك، عبدالله مشعل، فهد الزياني، إسحق عبدالله، بروين عطيه، وأخيراً وليس آخراً "قسِّيسنا الأب" عبدالله السعداوي عميد مسرح "البانتونايم" في الخليج.  والفيلم "مبني على" (نفضِّل هذه العبارة على "مقتبس من") رواية تحمل نفس العنوان للكاتب البحريني المعروف عبدالقادر عقيل.  وقد شيَّد هذا البناء في شكل سيناريو المبدع البحريني الاستثنائي أمين صالح الذي لم يتألق في الكتابة الأدبية فحسب، بل ان جهوده التأسيسية قدَّمت أيادٍ بيضاء للثقافة السينمائية النوعية في الوطن العربي عبر إعداده وترجمته لبعض من أمهات الكتب السينمائية التي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر "النحت في الزمن" لشاعر السينما أندريه تاركوفسكي، وكتاب مشيَّد من عدة مصادر بعنوان "عالم ثيو أنجيلوبولوس السينمائي:  براءة التحديقة الأولى" الذي صدر مؤخراً عن دار الانتشار العربي ووزارة الثقافة والإعلام في البحرين.

يرينا الفيلم قصة ثلاثة أطفال تضعهم الحياة في مأزقها المعيشي والروحي من دون معين سوى خالهم الذي لا يراهم إلا نادراً بحكم عمله في البحر (ومثل شخصيات الفيلم لا نراه بدورنا ولا نعلم عنه شيئاً أثناء غيابه)، وذلك بعد أن فقدوا أمهم، وقبل هذا الفقد اختفى والدهم في ظروف غامضة.  أبطال الفيلم، إذاً، هم الأطفال الذين أدوا أدوارهم بتلقائية وموهبة في إدانة لتسليع وتغريب (من "الاغتراب") حياة الإنسان في الخليج روحياً ومعيشياً.  ينتمي الفيلم إلى نوع سينمائي يزداد حضوره في السينما العالمية كانت السينما السويدية قد ابتدعته ثم طورته السينما الإيرانية وهو "النظر إلى العالم بعيني طفل" المختلف تماماً عن "سينما الأطفال". ورغم ان الفيلم ينتهي بموت يوسف – وهو أصغر الأطفال – بعد حياة قصيرة وشاقة وحزينة إلا انه ينأى عن الإبتزازات الميلودرامية الرخيصة بحيث أنه يجعل قلبك يبكي وروحك تنتحب من دون أن تفكر عينك في ذرف دمعة واحدة؛ فهو بهذا المعنى فيلم "موشيتي" (نسبة إلى خالدة المخرج الفرنسي روبير بريسون "موشيت").  كما انه مما يحسب للفيلم انه على الرغم من طابعه الشعري والروحي الشفاف فإنه يضع الأشياء في سياقها الفعلي على أرض الواقع، إذ ان ثيمات والفقد والاغتراب الوجودية لا "تتجردن" (من "التجريد") ولا تتغافل عن الحقيقة الاجتماعية الموضوعية المباشرة كما في تعرية الفقر والإشارة الصريحة إلى ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال الذين تجبرهم ظروفهم المادية على العمل.

لغوياً عمد الفيلم في سرده للقصة إلى إجراء تحالف حميم بين الصورة والموسيقى (داخلية وخارجية) عوضاً عن الاتكاء على الكلام، كما انه تخلص من "السارد الأوحد العالم بكل شيء" عبر تنقل ذات (بمعنى subject) السرد بين الأم والولد في "حكي" المزق القليلة المتناثرة أساساً حول الأب الغائب أصلاً.  أما أسلوبياً فقد اعتمد الفيلم بصورة موفقة على اللقطات المتوسطة المعيارية الثابتة أو الفضفاضة قليلاً بمستوى البصر وغالباً من وجهة النظر (إلا قليلاً حيث ترتفع الوجهة البصرية للكاميرا إلى أعلى قليلاً كما في اللقطة التي تدلف فيها الأم إلى حجرة أولادها كي تطمئن إلى نومهم؛ فالارتفاع البصري النسبي لآلة التصوير هنا يوازي رؤيتها إلى أطفالها "من فوق" في حنان الأمومة الغامر).  ويلي ذلك اللقطات المقربة الفضفاضة قليلاً أيضاً التي غالباً ما تأتي بمصاحبة وجود قضبان في الكادر – الرمز الكلاسيكي للحواجز والاستحالة – بين وجه الشخصية والكاميرا؛ بمعنى أن الوجه البشري المُقَرَّب ليس متروكاً لِحَالِهِ هنا ولكنه مرهون بظرفه النفسي.  يلي ذلك استعمال "لقطات الاثنين" (tow-shots) و"لقطات الفعل وردة الفعل"   (shot –reaction-shot)  التي لم يذهب المخرج إلى تبجيلها أكثر مما ينبغي كما يحدث في السينما الأمريكية.  باختصار، ينبغي التأكيد على انعدام اللقطات البانورامية والواسعة في الفيلم حتى في الأماكن الجديرة بذلك كما في الفضاءات المفتوحة مثل الشوارع والميادين بل حتى أمام البحر اللامحدود نفسه (إلا في حالة يتيمة – بكل معاني الكلمة -- سيرد الحديث عنها لاحقاً في مشهد رقصة الموت).  وقد أدى ذلك إلى نقل المناخ "الكلاستروفيبي" الداخلي ليوسف في أيامه الأخيرة إلى المُشاهد وهو يرقب أفوله بتدريجية سريعة بلا أية فضاءات تسعفه أو تسعفنا.  كما ان الفيلم استخدم بحذر مدروس تقنيتي الحركة البطيئة والتسريع (اللذين أصبح استخدامهما أقرب إلى المجانية والاعتباط عوضاً عن الضرورة الفنية في العلاقة بين الشكل والمضمون في كثير مما نشاهد).  ومن الأمثلة القوية للحركة البطيئة قيام أحد الأطفال الثلاثة (محمد) الثلاثة بالقذف الغاضب ببرواز زجاجي يؤطر صورة والده الغائب إلى الجدار فينكسر، حيث تتكثف في هذه اللحظات لدى المشاهد الأسئلة والتأملات المتعلقة بهذه الحالة الإنسانية (أو اللاإنسانية) الناتئة التي تدفع بطفل إلى ما دفعته إليه.  ومن أمثلة حذق التسريع هرولة أخوي يوسف وخاله في ممرات المستشفى بحثاً عن الصغير بعد إصابته في حادث سير، فالتسريع هنا مواز لحالة القلق المتلهف لدى الشخصيات.

ولا بد من تخصيص فقرة لأقوى مشاهد الفيلم؛ أي مشهد الرقصة الموتيَّة الجارحة التي أداها عبدالله السعداوي (خال يوسف) برجلين عاليتين على الشاطىء بعد ان علم من الطبيب بإصابة يوسف بسرطان المخ الذي لن يمنح الصغير سوى قليل من الأيام الأخيره.  ما هو مهم هنا هو مفارقة فضاء الحدث – البحر – حيث كان الخال قد أخبر الصغير في مشهد سابق بأن الماء هو أصل الخلق كله ليكون هنا مرتبطاً بالموت الوشيك.  وما هو مهم هنا كذلك ان المشهد يبدأ بقرع طبل لا نعلم مصدره (بل ان الكثيرين لا بد أن يكونوا قد خمنوا انه جزء من الموسيقى التصويرية الخارجية) لنكتشف بعد قليل ان المصدر "داخل الشاشة" وهو طبل يقرعه شاب يروِّح عن نفسه على الشاطىء في لحظة دخول عبدالله السعداوي إلى المشهد الحتفي.  وما هو مهم هنا أيضاً ان الشاب قارع الطبل يتفرج على السعداوي وهو يرقص في الوقت الذي نتفرج فيه على الشاب والسعداوي فتتحقق فكرة "المشاهدة المزدوجة" (double spectatorship) التي تختلط فيها أبعاد العلاقة بين الذات والموضوع.  وما هو مهم هنا أيضاً حدوث "مزج إحلالي صوت-بصري رمزي" (symbolic audio-visual dissolve):  فصوتيَّاً يحل قرع الطبل مزجيَّاً في آخر المشهد بموسيقى تصويرية آتية من خارج الشاشة في نفس الوقت الذي يحدث فيه مزج إحلالي بصري بين رقصة السعداوي المغدورة ومشهد الشمس وهي تغرب خلف المدينة في لقطة واسعة إيذاناً بغروب حياة يوسف.

كما تجدر الإشارة إلى آخر لقطات الفيلم:  لقطة محمد (الأخ الأكبر ليوسف الذي أصبح راحلاً الآن) الذي ليس من قبيل المصادفة انه هو نفسه من كان قد قذف بالبرواز الحاضن لصورة والده الغائب في المشهد الذي أشرنا إليه سابقاً وهو يهم الآن بقذف حجر غاضب باتجاه آلة التصوير التي يتموضع الجمهور في مكانها ليتجمد الكادر قبيل انطلاق الحجر من عقاله.  بلى يا محمد:  نحن – المجتمع/ الآباء الحرفيين والمجازيين – نستحق ذلك الحجر العادل من تلك اليد لأننا لم نمد يد الحنان إلى يوسف ذي الحياة القصيرة في أيامه الأخيرة.

ومع ذلك فإن الفيلم قد لا يخلو مما تنبغي إثارته كنقاط تتعلق بالـ "verisimilitude" (أو الإمكانية الفعلية لحدوث الشيء في الواقع الموضوعي وشكل ذلك الحدوث على الشاشة)، غير ان الميزانية المتقشفة للفيلم وموقف أمين صالح من الواقعية" الذي لا يمكن وصفه بالحماس الشديد قد تتكفلان بالإجابة عن ذلك.  وبعد نهاية العرض أجري حوار بين أمين صالح والممثلة بروين عطية (التي قامت بدور الأم) والجمهور حيث مما قاله كاتب السيناريو انه تعمد عدم الكشف عن ملابسات وأسباب اختفاء الأب لأن الشخصيات لا تعلم تلك الملابسات والظروف، وعلى الجمهور أن يعيش نفس الحالة مع الشخصيات.   

من جهة أخرى تم عرض الفيلم الروائي الطويل "إبن بابل" للمخرج العراقي الشاب محمد الدراجي الذي كان فيلمه الروائي الطويل الأول "أحلام" قد حصد ذهبية الدورة الأولى من المهرجان.  ويأتي فيلم "إبن بابل" الذي أنتج في العام الفائت باعتباره تعميقاً لتجربة سينمائية متميزة؛ بمعنى انه يكمل "أحلام"، فهو يسير معه على نفس الخطى التي يوسعها ويعمقها من الخلال الذهاب أبعد في فضح فظاعات الديكتاتورية في العراق والتي ملأت بلاد الرافدين العريقة والجميلة بالبؤس والخراب والدمار والحروب والمقابر الجماعية التي لا تزال حتى اليوم تنكشف مقبرة تلو أخرى.

اعتمد الفيلم على فكرة بسيطة وعميقة لكن المخرج شحنها بالأسى وبتفصيلات رحلة تقوم بها امرأة كردية مع حفيدها من الشمال العراقي في عملية بحث شاقة ومضنية عن ابنها وأب الطفل الذي اختطفته السلطات العراقية منذ اثني عشر عاماً ماتت خلالها زوجته وكبر طفله الوحيد، ولم تعد الأم تعرف أي شيء عن وجوده حياً أو ميتاً.  بهذا المعنى فإن الفيلم ليس رحلة للبحث عن رجل مجهول المصير فحسب، بل انه أيضاً "حكاية استعارة مجازية رمزية"  (allegory)[مع الاعتراف بعدم دقة الترجمة] في رحلة خلل تفاصيل دمار شعب بأكمله جراء حروب مقامرة وطائشة وخاسرة وقمع دموي قاده النظام الديكتاتوري العراقي.

تصل الرحلة إلى نهايتها المأساوية بعدم الحصول على أية معلومات عن مصير الأب المفقود، وبإصابة الأم بالجنون وموتها  في رحلة العودة الخاسرة، وبآفاق مفتوحة للطفل وهو يعود إلى مسقط رأسه في كردستان.  وبذلك فإنه ليست هناك أدنى صعوبة في إدراج الفيلم ضمن عداد الأفلام الكبرى التي انتشرت مؤخراً وأخيراً في الشرق للكشف عن تراجيديات الإنسان في هذه الرقعة من الأرض جراء تحمله أعباء الأنظمة الديكتاتورية كما في تركيا وإيران والعراق، ويعد وثيقة إبداعية وتاريخية معاً لانهيار حضارات الشرق العريقة بسبب صنيع الاستعمار الأنجلو-أمريكي من جهة، وعلى يد الديكتاتوريات العسكرية من جهة أخرى. 

وبعد انتهاء الفيلم دار حوار طويل بين الجمهور وفريق عمل الفيلم الذي حضر معظمه من العراق إلى دبي، حيث تحدث المخرج عن الصعوبات المادية التي واجهها من أجل إنجاز الفيلم، مضيفاً ان هذا هو العرض الأول للفيلم الذي يسعى إلى عرضه قريباً في العراق.  ومع الأسف الشديد تحول الأمر بعد ذلك إلى نزف سياسي عراقي؛ فقد اعتبر البعض ان المخرج قد بالغ في تشويه صورة النظام السياسي العراقي البائد، بينما انتهز آخرون الفرصة للنيل من صدام حسين وبث مواجعهم من دمويته متحدثين عن وقائع فعلية لفقدهم أقاربهم جراء بطش الحقبة الصَّدَّاميَّة.

وتستمر أيام الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائي المشرقة، وتتواصل لياليه الملاح.

عمان العمانية في

13/04/2010

 

من عروض مهرجان الخليج السينمائي

فيلم باستيل عن الفنان العراقي الممتحن بمشاكل بلده

محمد موسى من دبي 

يخطو فيلم "باستيل" للمخرج للعراقي لؤي فاضل والذي عرض بالامس في مسابقة الافلام التسجيلية للدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائي ، والذي يختتم يوم الاربعاء القادم ، خطوة جديدة عن معظم الافلام العراقية التسجيلية التي صنعت بعد حرب عام 2003 ، وتعرضت للعراق وحياة ناسه بعد الحرب ، فالفيلم يرافق فنان تشكيلي عراقي شاب في رحلة عمله ، وبحثه عن افكار جديدة لاعماله الفنية ، والتي تركز على موضوعات الحرب ، والخسائر البشرية والروحية التي احدثتها.

ويقدم الفيلم حوارات طويلة ، تخلو من السياسية ، مع الفنان "النحيل" ، والذي لا تفارقه السيجارة ، والمشغول دوما باضافة شيء ما ـ الى اعماله الفنية الغير منجزة ، والتي استوحى الكثير منها ، من احدى قرى النفايات في العراق ،وهي احدى الظواهر الحديثة في المجتمع العراقي ، اذ ظهرت بمناطق مختلفة من العراق ، قرى يعيش سكانها على ما يصلهم من نفايات الآخريين ، والتي يجدون فيها ما يوفر لهم او لحيواناتهم ، مايكفي لحياة شديدة القسوة ، وكما قدمها الفيلم.

وبين مكان عمل الفنان العراقي ، والقرية العراقية ، يتنقل المخرج ليسجل بدون حوارات احيانا ، صور لا تختلف كثيرا عن تلك التي تعرضها التلفزيونات لقرى بائسة اخرى في افريقيا او اماكن اخرى من العالم. كذلك يسجل الفيلم حوار بين الفنان التشكيلي واحد اطفال القرية ، والذي تركت عائلته مكانها الاول بسبب العنف الطائفي ، لتستقر هناك ، في القرية ، بعيدا عن المدارس او الحياة المدنية . يعود الفنان العراقي في حواره مع الطفل الى مدرسته الاولى ، والتي بدت بعيدة كثيرا ، خلف تلال القمامة.

ويعرض الفيلم ، بعضا من اعمال الفنان العراقي ، ومنها عمل فني عن اصدقاء الفنان ، والذين قضوا في احدى انفجارات العاصمة العراقية بغداد .

واذا كانت افلام من هذا النوع ، اي تلك التي تسجل عذابات الفنانين اثناء العملية الفنية ، شائعة كثيرا في السينما التسجيلية العالمية ، تندر هذه الاعمال في السينما العربية والعراقية.

موقع "شريط" في

13/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)