حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الستون

«الأسبوعية» في مهرجان برلين:

«عسل» تركي

قيس قاسم

«الأسبوعية» في مهرجان برلين

المقاربة بين بغداد وبرلين تشتد وأنت تقف وسط ساحة بوستدامر بلاز، حيث النقطة الفاصلة، أو هكذا كانت يوما، فاصلة بين برلينين، شرقية وغربية. المقاربة يفرضها التاريخ، ولهذا يزداد اليوم  في العراق الحديث عن التجربة الألمانية. هناك في تلك الساحة تستعيد التجربة معناها: فالمانيا التاريخ والمعرفة تحولت يوما الى رمز للهمجية على يد هتلر، والعراق بكل عمقه الحضاري هو الآخر صار بلدا مخيفا على يد دكتاتور أخرق اسمه صدام. ألمانيا نهضت بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية والعراق ينتظر أن يستلهم العبرة من نهوض بلد سويت مدنه بالأرض وقسمت عاصمته ونبذ اسمه، ثم عاد ونهض بعدما ترك ماضيه الأسود خلفه وراهن على قوة الحاضر فعادت ألمانيا قوية، استعادت سمعتها الحضارية.

ساحة بوستدامر بلاز شاهدة على عودة الوعي الى أمة قررت اختيار المستقبل. في هذه المساحة من الجغرافيا يتلمس المرء صحة الخيار. فالمدينة المنفصلة لم يعد رمز فصلها موجودا وما تبقى من الجدار نسيه الناس وصار شيئا من الماضي، والعمارة القديمة جاورتها هندسة حديثة تنتمي الى ما بعد الحداثة، والفن أخذ قوته من نبل رسالته والسينما أحد تمظهرات الوجود القوي للأفكار الطليعية. وفي الساحة وما جاورها اكتست الحركة طابعا فنيا. «دب» المهرجان في كل مكان و«أفيشات» الأفلام في كل زاوية، وحركة الناس من دون انقطاع حتى ساعة متأخرة من الليل، وأنت بينهم تفكر أبعد من هذا المظهر الثري تفكر في بلدك الذي عاش تجربة مريرة، وعليه الآن أن يتلمس طريقه نحو المستقبل، أن يكرس مالا وجهدا للفن مثلما عليه أن يكرس ماله للبناء والعمران.

مهرجان برلين السينمائي مثال: فبعد سنوات قليلة من نهاية الحرب تطلع السينمائيون الألمان الى اقامة مهرجان للسينما، يستعيد حضور سينمتهم، الذي انقطع خلال حقبة النازية وكرس كآلة دعائية، كما الحال مع العراق، لقد ارادوه أن يكون مع الوقت واحداً من بين أهم مهرجانات العالم. وبعد ستين عاما صار الحلم حقيقة، فالجميع تقريبا يقر بأنه واحد من بين أكبر المهرجانات، ودورته الأخيرة هي ربما الأغنى، وهذا هو منطق الأشياء الصحيحة؛ حين تتصاعد وتتطور وتثبت حضورا، والتاريخ شاهد على نموها الهائل.

السينما لذاتها

ولأن السينما تنتمي الى ذاتها ولا تحاكم التاريخ بوصفها وسيلة سياسية قدر انحيازها الى فنها الخالص، جاء المهرجان بفيلم سكورسيزي الأخير «جزيرة شولتر»، وفيه عودة الى مجازر النازية ضد اليهود. ومع أهمية اسم مخرجه وبطله الممثل ليوناردو ديكابريو لم يحظ الشريط باهتمام النقاد، والسبب يعود الى الافتعال في استعادة التجربة الماضوية وضعف مبررها الفني. فسكورسيزي يدخلنا في دوامة لا نهاية لها، وكل ما كان يسير ظاهريا وكأنه تتابع لقصة المحقق العسكري الأميركي تيدي دانيلس في اواسط الخمسينيات، وفي أوج تصاعد الحرب الباردة، الذي ذهب الى الجزيرة النائية ليحقق في هروب سجينة متهمة بقتل أشخاص عدة، أنزلت في مستشفى للأمراض النفسية. سيظهر لنا فيما بعد وكأن الحكاية برمتها وهمية، وأن المحقق العسكري يعاني من هلوسات نفسية ومن تصورات ليس لها في الواقع مساس، وأن ما كان يراوده من أحلام حول بشاعة الجرائم النازية ضد اليهود كان من نسج الخيال! هذه المعالجة الباهتة والمفترض أنها تلامس واقعاً تاريخياً لم يكتب لها النجاح، في حين خرج فيلم تركي ينتمي الى الأفلام الخصوصية بأكبر جائزة في المهرجان. لقد حصد «عسل» جائزة الدب الذهبي كأفضل فيلم في المسابقة، وعلى بساطة شغله نجح المخرج سميح كابلانوغلو في اقناع لجنة التحكيم بعمق مادته البصرية التي سماها «الثلاثية الأناضولية».

«عسل» هو الثالث بعد فيلمي «بيض» و«حليب». الفيلم يكمل بدوره ثلاثية يوسف، الطفل الذي عاش في الأناضول وسرد سيرة طفولته عبر ثلاثة أفلام كلها تنقل المناخ التركي خلال حقب تاريخية مختلفة لا يركز المخرج على مجرياتها قدر رصده للحالات النفسية والعلاقة بينه وبين والده وعائلته بشكل عام.

في «عسل» ينقل جزءا من علاقة الأب الفلاح ومربي العسل بإبنه الصغير الذي دخل عمره مرحلة فك طلاسم الحروف، وهو يعاني تلعثما في كلامه، ربما كان ناتجاً عن خوف أو من قلة اهتمام، ومع ذلك بقيت رابطة قوية تشده الى والده الذي سقط يوما من شجرة فمات وسط الغابة، فيما يذهب الطفل للبحث عنه ومعرفة المكان الذي مات فيه. شريط «عسل» مؤثر وينتمي الى سينما لا تتعكز على التاريخ السياسي كما فعل سكورسيزي، أو حتى اسم لامع آخر في السينما مثل رومان بولانسكي الذي حصد جائزة أفضل مخرج عن فيلمه «الكاتب الشبح». وفيه استعادة لتجربة سياسي بريطاني. لقد كان من المتوقع أن يفوز بولونسكي بجائزة ما في المهرجان اعتمادا على تجربته الكبيرة وسمعة فيلمه «البيانيست» والذي شكل مراجعة نقدية لتجربة النازية. نقول كان متوقعا بقوة قبل مشاهدة الجمهور لفيلمه الأخير ولكن بعد مشاهدته صار التوقع ضعيفا وذهب البعض الى تفسير فوزه بأنه نوع من التضامن مع محنة المخرج التي يعيشها الآن بسبب التهمة الموجهة اليه بممارسته الجنس مع فتاة قاصر، مما أجبره على الاقامة في سويسرا واتمام فيلمه هناك في ظروف نفسية صعبة.

غلة كبيرة

ومن السينمات المندفعة بقوة السينما الرومانية، وفي هذه الدورة برهنت عن خصوصيها مرة أخرى، ففاز فيلمها «اذا اردت أن أصفر، فسأصفر» لفلورين سربان بجائزة لجنة التحكيم. الفيلم مدعوم من السويد وقصته بسيطة ومثيرة، تعتمد على المفارقة التي يلعبها شاب سجين عمل كل ما في وسعه من أجل تجنيب أخيه الصغير المرور بتجربته المريرة، ولهذا يقرر المضي في خطته والهرب من السجن. أما المفارقة فتكمن في وقوعه في حب الطالبة الجامعية التي جاءت لانجاز تدريب عملي في السجن، وعندما رآها لأول مرة طلب مقابلتها في مقهى خارج السجن. وأثناء عملية هروبه استغل الطالبة كدرع بشري سهل مهمته، ولم يترك الفتاة في سبيلها بل دعاها الى شرب القهوة في المقهى على الطريق قبل أن يسلم نفسه. لقد بر بوعده بطريقة غريبة تشبه الأجواء التي نقلها الفيلم والمحصورة بمكان ضيق يدعى اصلاحية وفي جوهره هو سجن رهيب.

وفي اشارتنا الى دور السويد في دعم هذا الفيلم، فان غلتها كانت كبيرة في هذه الدورة. على مستوى الجوائز فاز فيلم المخرج الايراني الأصل باباك نجفي «سيبه» بجائزة أفضل فيلم أول، لتناوله مادة مثيرة تلقي الضوء على حياة الأمهات الوحيدات (من غير زوج) وعلاقتهن بأبنائهن المحرومين عاطفة ومالاً. انها نظرة متعمقة في حال فقراء السويد، البلد الذي يتصور الناس أنه يخلو من هذه المشاكل، لكن نجفي يعود وبعين مهاجر الى قراءة الواقع السويدي ويعرضه بشكل سينمائي مؤثر، فيما حظي الممثل السويدي المشهور سكارغورد باهتمام كبير للدور الذي لعبه في الفيلم النرويجي «رجل طيب الى حد كبير». فيلم مهم رفع من قيمته أداء الممثل السويدي الذي أعطاه طعما حلوا سيتذكره الناس كثيرا في كل مكان، سيما وأنه عرف عنه لعبه أدوارا في أفلام مختلفة الجنسية، من الأميركية حتى الأوروبية خارج نطاق الدول الاسكندنافية. كما فاز الفيلم السويدي «حدث قرب البنك» بجائزة أفضل فيلم روائي قصير. كما كان فوز الفيلم العراقي «ابن بابل» باحدى جوائز المهرجان من خارج المسابقة، واشتراك المخرج العراقي فنار أحمد بفيلم «ثقيل جدا» ضمن فئة الأفلام الروائية القصيرة مع المشاركة العربية، كلاهما يستحق وقفة سنعود اليها لاحقا.

الأسبوعية العراقية في

14/03/2010

 

برلينالا 2010: صندوق العجائب الألماني

قيس قاسم

برلينالا 2010:

إذا كانت السينما صندوق عجائب كما توصف، فإن الدورة الستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي هي العجب بذاته. لقد جمعت عجائب الفن السابع وعرضتها بحذاقة خلال أيام معدودة. وفيما يظن المتابع أنه قد حصل على أهم ما يريد، فإنه سرعان ما يدرك أنه كان موهوما، أو مسحورا فتخيل ان ما رآه كان كافيا، وأنه كان متابعا شاطرا لملم في سلته أهم الأشياء التي جاء بها الساحر، وفي عودته الى كاتالوغ المهرجان، سيدرك الحقيقة وسيعرف أنه من المستحيل الاستحواذ على كل ما في الصندوق الأسود، وأن المرء ربما أنه يحتاج الى عام كامل حتى يستطيع القول: آه.. أخيرا لقد شاهدت أهم ما في الدورة وتابعت أدق برامجها. وهذا بحد ذاته سر من أسرار المهرجانات الكبيرة؛ فكلما حرصت ونظمت وقتك لمتابعة الجديد تظهر أمامك أشياء قديمة كان عليك مراجعتها وعدم تضييعها.

تجربة الدورة الحالية مثال واضح، فبينما يهرع الصحفيون والنقاد الى عروضهم الخاصة منذ الساعة الثامنة والنصف صباحا حتى الرابعة عصرا، تكون هناك أشرطة مهمة تعرض في صالات خاصة، لذا يجد هؤلاء أنفسهم مجبرين على تنسيق وقتهم بدقة كي يتواصلوا مع بقية البرامج، كبرنامج «إعادة» الذي يعرض أفلاما قديمة، أو البرامج المخصصة لممثلين أو مخرجين مرموقين. ويكفي أن نذكر مثالا، أن الدورة الحالية عرضت لأول مرة النسخة المرممة من ملحمة «متروبولس» واستعادت أعمال مخرجين كبار ضمن الخانة الألمانية، وزجت بأفلام مهمة ضمن «البانوراما» و«القصيرة» و«الأفلام الأولى» وغيرها الكثير.

عربية في برلين

في السوق التجاري الذي يقام خارج المهرجان ومسابقاته ويعرض فيه المنتجون بضاعتهم لتسويقها على نطاق واسع، عرض فيلمان عربيان هما «رسائل البحر» لداود عبد السيد و«عصافير النيل» لمجدي أحمد علي. وفي فئة الأفلام الوثائقية عرض فيلم سويسري عن حياة الأطفال في غزة تحت عنوان «عايشين». أما على صعيد الأفلام الروائية الطويلة داخل المهرجان فاقتصرت المشاركة على شريطين: «الرجل الذي باع العالم» للأخوين سهيل وعماد نوري، والثاني «ابن بابل» لمحمد الدراجي. والأخير ينتمي الى السينما «المسيسة»، ولا نعني هنا تلك التي تتناول موضوعا سياسيا وتبني أسس فنها عليه، فليس في هذا أدنى مثلبة على مستوى الصنعة البصرية، بل نعني السينما التي تجير لصالح السياسة. ولعل هذا ما يفسر حصول الفيلم على جائزتين خاصتين تهتمان بإثارة قضايا حقوق الانسان في الدرجة الأولى، الأولى قدمتها منظمة العفو الدولية، مناصفة مع فيلم «نفايات الأرض» للمخرج لوسي ووكر والثانية جائزة السلام الخامسة والعشرين. وأظن ان الدراجي ما زالت تستهويه الفكرة السياسية العراقية لما فيها من ضمانات للنجاح على المستوى الجماهيري، وما توفره من دعم مادي. وتكفي الاشارة الى حجم الانتاج الكبير الذي توفر عليه «ابن بابل» قياسا بفيلمه الأول «أحلام» مع ان كليهما مغرق بهاجس السياسة بل ومبني عليها بالدرجة الأولى. ومع عدالة وأهمية القضية المطروحة في «ابن بابل» وحتى في «أحلام» فإن ما نحتاجه اليوم هو قراءة بصرية نقدية جيدة الصنعة لما جرى في بلادنا، كي لا تتكرر فيه المآسي ثانية. ما نحتاجه سينما تنتمي الى نفسها ومن خلالها يمكن تناول كل القضايا بشجاعة وبقوة. فحتى اللحظة نشاهد أفلاما عن الحقبة النازية، ولكن طبيعة هذه الأفلام فنية في الدرجة الأولى، أي انها سينما تروض السياسة ولا تروضها الأخيرة. فالسقوط في مطب المباشرية خطر، واغراؤه ليس بالقليل، خصوصاً عندما يجري الحديث عن الدعم المالي ومصادره.

لكن الجميع يعلم ان سينمات فقيرة أنتجت أعمالا كبيرة واكتسبت سمعتها من هذه الصفة. طبعا لا نريد أن يفهم كلامنا أنه دعوة الى رفض الدعم والاعتماد على الانتاج المتواضع، المهم التوازن ولا بأس من الحصول على المزيد من المال واستثماره في السينما، والأحسن أن يكون هذا المال في خدمة الأخيرة. وما يشجعنا في هذا الصدد هو تحسن أداء الدراجي وحرفته بالمقارنة مع عمله الأول. ومن هنا فالمراهنة كبيرة على تلمس الطريق الصحيح خصوصاً مع توافر الحس الفني والموهبة، تلك العناصر المهمة في أي معادلة سينمائية، ولهذا ومن المنطلق نفسه وجدنا المغربي «الرجل الذي باع العالم» فيلما منتميا الى السينما في الدرجة الأولى والى الحكاية الشخصانية ومن خلفها تأتي السياسة أو الهاجس السياسي المتمثل في الحرب والخوف من التورط فيها. لقد خاض الأخوان نوري تجربة مثيرة على مستوى الصنعة السينمائية قلما نلمسها في السينما العربية. تمتعا بشجاعة كافية ليحكيا قصة صديقين أحبا الفتاة نفسها وبسببها افترقت طرقهما. لقد غرق أكس (الممثل سعيد باي) في عزلة وأدمن المخدرات ولجأ الى كتابة سيرة حياته في سفر وهمي، فيما سيصدم صديق العمر وناي (الممثل فهد بنشمسي) بالتحول الذي طرأ على علاقتهما واستحالة ترميمها في ظل خطر وخراب كان يزيد من ضغطه عليهما. الشريط يدور كله في مناخ غرائبي لا جغرافية محددة له ولا مكان واضح ينتمي اليه، ولولا اللغة لتحولت حكايته الى حكاية عامة، كوزمبوليتية، بسبب انتمائها الى مناخات الكاتب الروسي دوستويفسكي. فالشريط نقل عن روايته «قلب ضعيف» وقد لعب الممثل سعيد بطريقة رائعة، فرفع من مستوى الفيلم ولولا حضوره الساحر لغرق الفيلم في مناخي هلوسي منفلت. في لحظة شعرنا ان الحكاية أفلتت وكانت في حاجة الى قوة تعيدها الى الأرض، وهذا ما فعله سعيد باي.

اسلام وارهاب

معادلة الإسلام والإرهاب وجدت طريقها الى المهرجان موضوعيا لكثرة الأفلام التي تناولتها خلال المدة الأخيرة. وفي برلين ظهرت مفاجأتان ألمانيتان: الأولى ادراج فيلم «شهادة» ضمن أفلام المسابقة الروائية الطويلة والثانية الفيلم نفسه الذي انتجته بنفسها وكان موضوعه الاسلام والجيل الثاني من المسلمين الذين يعيشون على أراضيها. مخرج «شهادة» برهان قباني أفغاني الأصل، عاش في ألمانيا وانتمى الى جيل مسلم مزدوج الهوية ولهذا جاء فيلمه بالصبغة نفسها. حكى من خلاله عن مجموعة شخصيات تنتمي الى الاسلام بأشكال مختلفة وتفسره وفق حالتها النفسية والاجتماعية. فالشابة مريم، سلكت في بداية حياتها سلوكا منفتحا ولنقل غربيا، وكان موقفها متناقضا مع نظرة والدها إمام الجامع الذي كانت له خلافات مع والدتها. سلوك مريم كان عينة من عينات التناقض الذي يعيشه بعض المغتربين المسلمين. ففيما كانت مريم منسجمة مع نفسها وقبلت أن تكون حاملا من صديق لها، تحولت الى مسلمة متشددة بعدما اسقطت جنينها. هذا الموقف المباغت وضعها في تناقض حتى مع والدها الذي كان يميل الى الاسلام المتسامح. ويذهب قباني الى أبعد حين يربط قصتها بالضابط التركي اسماعيل الذي أحب مهاجرة بوسنية ولكنه تسبب في مقتل طفلها حين أراد القاء القبض عليها باعتبارها مهاجرة غير شرعية. والعلاقات المثلية كان لها حيز داخل هذا الوسط الذي نقله «شهادة» بروح متعاطفة وعبر عنه بنظرة عميقة تحليلية مكنته مهارته وحرفيته من جعله فيلما جيدا تحمس له النقاد كثيرا داخل المهرجان. وضمن المعادلة ذاتها يدخل فولكر شلوندروف الى الارهاب عبر «حكاية عن ريتا» الذي عرض ضمن أفلام الاستعادة الألمانية. في هذا الفيلم يفضح شلوندروف النفاق السياسي والمخابراتي بشكل خاص في جانبي المانيا: الشرقية (الشيوعية) والغربية (الرأسمالية) وكيف تحالفا بعد سقوط برلين للحفاظ على مصالحهما والتضحية باسماء وشخصيات كانت يوما تخدمهما والنظام السياسي الذي يمثلهما. إنها «حكاية» ريتا التي آمنت بالاشتراكية وتطرفت في أفكارها فهربت الى الجهة الأخرى، الشيوعية، وذات يوم استفاقت لتجد نفسها هاربة من النظام الذي ضحت من أجله بكل ما تملك، بل وستزداد الحكاية ألما عندما تسقط ريتا برصاص الشرطة الشرقية التي طالما اعتبرت نفسها خادمة مخلصة لها. وفي صندوق العجب أفلام أميركية كثيرة تنتمي الى الموجة المستقلة التي تنشد الأوربة أو صناعة الفيلم الأوروبي الذي يلامس الحياة العادية بخلاف السينما الهوليوودية ذات السمات الخاصة. هنا لا بد من الاشارة الى «غرينبيرغ» لنوح باومباخ و«الأطفال لهم كل الحق» و«أعطي رجاء» لنيكول هولفسينر. هذا الشريط المؤثر والذي يتطابق مع عنوانه يدعونا الى العطاء والتصالح مع الذات ونبذ الطمع. انه شريط أميركي مؤارب الروح كسب تعاطف الجمهور في برلين وذكر بالموجة الأميركية المستقلة، التي ازداد حضورها بقوة في «برلينالا 2020».

الأسبوعية العراقية في

21/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)