حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ملف خاص عن فيلم جيمس كاميرون الجديد "أفاتار"

٢٠٠٩ سنة سعيدة للسينما..

وملك العالم يعود من جديد فى «آفاتار»

بقلم   سمير فريد

كانت سنة ٢٠٠٩ سنة سعيدة للسينما فى مصر والعالم كله، ولم يكن لها مثيل منذ سنوات طويلة، وهى خير خاتمة للعقد الأول من القرن الميلادى الجديد.

المعتاد فى مصر أن تشهد السنة إنتاج نحو خمسة أفلام جيدة من النوع الذى يبقى فى ذاكرة التاريخ، ولكن ٢٠٠٩ شهدت إنتاج أكثر من عشرة أفلام ما بين عرضت فى نفس السنة، أو تعرض فى السنة الجديدة.

ولعل مهمة لجنة التحكيم فى المهرجان القومى فى أبريل ستكون من أصعب المهام ربما منذ إقامة المهرجان.

والمعتاد فى العالم ألا تزيد الأفلام من نفس النوعية كل سنة على ٣٠ أو ٤٠ فيلماً بحد أقصى، ولكنها فى سنة ٢٠٠٩ تقترب من المائة من الأفلام الطويلة من الأجناس الثلاثة لفن السينما «روائى- تسجيلى- تحريك»، وكان خير ختام لهذه السنة السعيدة الفيلم الأمريكى «آفاتار» إخراج جيمس كاميرون، الذى غاب عن الشاشة ١٢ عاماً منذ أن أخرج «تايتانيك» عام ١٩٩٧، واستغرق كل هذه السنوات فى التفكير وإعداد وتصوير ومونتاج فيلمه الجديد- الحدث فى تاريخ الإبداع الفنى على مر العصور.

وقد فاز بجائزة اتحاد النقاد الأجانب فى هوليوود «جولدن جلوب» لأحسن أفلام ٢٠٠٩، ومن البدهى أنه سيكون من بين الأفلام المرشحة للأوسكار ضمن الترشيحات التى أعلنت أمس بعد موعد كتابة هذا المقال، والأرجح أن يرشح لكمية كبيرة من الأوسكارات التى تعلن ٧ مارس.

كانت السينما منذ اختراعها تعبيراً غير مسبوق عن إمكانية العولمة بالمعنى الإنسانى العظيم الذى حلم به الفلاسفة، وليس بمعنى عولمة الأسواق، أو العولمة كغطاء لهيمنة الأقوى عسكرياً، وذلك استناداً إلى إمكانية عرض الفيلم فى كل مكان فى العالم فى الوقت نفسه، وبالتالى إتاحة اشتراك أكبر عدد من الناس من كل الأعراق والثقافات فى تجربة شعورية واحدة تجمعهم، وتدعم التقارب والتعايش بينهم. ولم يسبق أن حقق أى فيلم هذه الإمكانية لفن السينما مثل «آفاتار» الذى عرض على ما يزيد على ١٧ ألف شاشة فى كل الأرض فى الوقت نفسه فى منتصف ديسمبر.

وإذا كان «تايتانيك» قد حقق مليارا و٨٣٤ ألف دولار أمريكى فى ٤١ أسبوعاً، فإن «آفاتار» تجاوزه وحقق مليارا و٨٥٩ ألف دولار يوم ٢٥ يناير فى ٣٩ يوماً فقط، وحق لجيمس كاميرون أن يهتف مرة أخرى كما هتف بطله فى «تايتانيك»، وكما هتف هو عندما فاز بالأوسكار عام ١٩٩٨: «أنا ملك العالم». قالها بطله عندما وقع فى الحب، وقالها كاميرون عندما فاز بالأوسكار، ويكررها اليوم مع وصول رسالته الإنسانية إلى كل الناس فى كل الدنيا.

المصري اليوم في

03/01/2010

 

 

«أفاتار» لجيمس كاميرون:

كرم التكنولوجيا في منحنا المعاني وأشكالها

دلال البزري

الشاب جاك سولي جندي سابق في الجيش الاميركي، متقاعد ومقعدٌ من جراء احدى الحروب ويتنقل بواسطة كرسي آلي. يتوفى أخوه التوأم الذي يعمل في احدى الشركات الصناعية الخاصة خارج الارض. يُدعى الى أخذ مكان أخيه، فيتوجّه الى كوكب «باندورا» (Pandora) البعيد عن الارض سنوات ضوئية. على هذا الكوكب قاعدة أقامتها الشركة غرضها حلَ أزمة الطاقة الناضبة في كوكبنا عن طريق استخراج معدن ثمين ومولّد هائل للطاقة، يقع تحت الشجرة الأم المقدسة التي يأوي أهل «باندورا» اليها. والشركة ابتدعت برنامجا علميا خاصاً، يمكّن بعض الافراد التابعين لها من النزول الى «بندورا» على هيئة أهلها «النافي» (navis)، ويتمتّعون ببعض طبائعهم. ويقوم البرنامج على استنساخ كائنات عقلها خاضع لمهمة البحث عن المعدن ولكن تركيبها البيولوجي مماثل لذاك الذي يتّسم به النـ«نافي». وهذا المستنسخ كائن هجين خلقه العلماء بشبكْ الـDNA الانساني بالـDNA الخاص بالـ«نافي». يكلَّف جاك سولي، بدل أخيه المتوفي، ومع اثنين من الطاقم العلمي، بهذه المهمة «الديبلوماسية» الهادفة الى إقناع هؤلاء بالتخلي عن معدنهم الثمين بالتي هي أحسن، وإلا فالحل العسكري. فيهبط مستنْسَخ جاك سولي على الاراضي القريبة من مكان «النافي»، ويبقى هناك ليتعرف على الجميلة «النافية» نيتيري (Neytiri) التي تنقذه من قبضة احد الحيوانات الشرسة والغريبة، فيُعقد مصيره معها ويتدرَب على فنون القتال والقفز والتنقل الجوي الطبيعي. يدفع به الموقف ان يقاتل مصالح الشركة المادية وجشعها البشع. وتكون معركة تنتهي ببقاء جاك سولي في «باندورا» وانتصاره مع اهلها ضد أهل الارض. فيعود الاحياء من بين هؤلاء الى كوكب الارض مخذولين، بعدما انتصر عليهم أهل «باندورا».

القصة كتبها جميس كاميرون قبل ان يخرجها بنفسه 14 عاما. أي أنه كان يكتبها وهو يخرج فيلم «تايتانيك»، صاحب الرقم القياسي في المشاهدة العالمية بعد فيلم «ذهب مع الريح». انتهى سيناريو القصة عام 1990. بدأ انتاجه عام 2005، ثم بين شباط 2007 وحزيران 2009 تمَ تصويره. اما ميزانيته فقد بلغت 800 مليون دولار أميركي. لماذا كل هذا الافراط؟ لأن الذي أدخله جميس كاميرون في هذا الفيلم ابداعات تكنولوجية جديدة مكلفة وصعبة، على رأسها المزج بين الوجوه الحقيقية لممثلين حقيقيين، وبين ملامح أضافية، في الوجوه وفي الاجساد، تخرجهم من آدميتهم، فيبدون مثل تلك الدمى التي تضجّ بها الافلام الفضائية المستقبلية: كالطول الفاره (ثلاثة أمتار) والخصر الدقيق جدا والاكتاف العريضة والذنب عند المؤخرة وخفة الجاذبية والضفيرة العريضة خلف العنق المنتهية بشعيرات دقيقة تتحرك وكأنها ذكية والعيون الصفراء الملتمعة والآذان الحيوانية والأنوف المسطّحة الخ. أضف الى ذلك الابعاد الثلاثة (3D): أي أن ترى زوايا من مشاهد الفيلم لا تستطيع التقاطها الكاميرا السينمائية العادية؛ أن تصبح الشاشة على مقربة منك، ترسي في مخيلتك صورها الكثيفة... فتشاهد الفيلم كأنك تعيشه. (يجب ان ترتدي نظارة خاصة توزع في الصالة من اجل المشاهدة).

إنه الافراط ايضا في بلورة الطاقات التكنولوجية كلها، بل اختراعها. فجيمس كاميرون متخصص في الفيزياء والافلام التي اخرجها قبل «تايتنيك» هي ايضا افلام تحديات تكنولوجية، كلها مستقبلية. اذن لا مفر من الافراط والتمتع بانجازاته الحسية، البصرية والسمعية خصوصا. لكن متعة الحواس هذه، على ما فيها من مباعث للدهشة والغرابة، لا تلغي المعنى.

والمعنى هذا لا يقلّ عمْلقة عن التكنولوجيا، بالرغم من البساطة النسبية للقصة. هنا أيضا شراهة في المعاني، تفتح على المزيد من المعاني المعلّقة؛ كما يوحي اسم الكوكب نفسه: «باندورا»، العلبة التي تفتح على علب... في هذا الفيلم فروعٌ من الكائنات. هناك بداية البشر العاملون في الشركة المنقِّبة عن المعدن. القيادة اولا: هي «العقل» المفكّر المدبّر للشركات المنقِّبة، تريد فقط النتيجة، ولا تبحث كثيرا في الطريقة؛ والنتيجة هي نهب المعدن. وتحت هذه القيادة هناك الفريقان الاساسيان. الفريق الاول، العلمي، يعمل سلميا، يخلق مستنْسخين، يدرس سير الحياة فيهم، يلاحظ، يسجّل، يحلّل، يستخلص.... ويحاول «ديبلوماسيا» ان يقنع اهل «باندورا» بنهب طاقتهم. وينتهي الامر بهذا الفريق الى ان ينضم الى اهل «باندورا» في دفاعهم عن شجرتهم الأم، عن وجودهم وعن رؤيتهم لهذا الوجود؛ اما الفريق الثاني، القطب الشرير، فهم العسكر، اليد الغليظة للعملية، والمتلهّفة الى فشل المهمة «الديبلوماسية» والمستعدة لإطلاق النار في أية لحظة والانقضاض على أهل «باندورا» بالحديد والنار. والامر البديهي، مَيل «القيادة» الى طريقة هذا القطب الاخير.

هناك أيضا عالمان: عالم البشر، وعالم «النافي». من ناحية الصورة والالوان والاشكال والوتيرة والجاذبية, واضح هو النتاقض بين العالمين. الاول، البشري، غارق في البرودة والحديد والزجاج والباطون، واللون الرمادي والاوتوماتيكي والخشبي (دون خشب) والحياة المغلقة المعقّمة والصراع والخلاف. الحنين الى الطبيعة فيه هزيل: قائد الشركة وحده صاحب الحق بالتمتع بما يشبه الطبيعة. (يمارس الغولف على قطعة قماش أو كارتون من اللون الاخضر، ومرماه كباية وُضعت فتحتها من جهة تلقّيها للكرة الصغيرة).
فيما «باندورا» قصيدة شعر بعينها، تفتح على قصائد. كل شىء فيها: الشجرة الأم المقدسة طبعا، والغابات مختلفة الانواع والالوان، والنباتات والسرائر المعلقة على اغصانها. والصخور الكبيرة والصغيرة السابحة في الفضاء، وأهلها القافزون من الارض والمدى الفسيح المُتاح امامهم وليلهم ذو الاقمار الثلاثة والكوكب القريب ذو الالوان البرتقالية والزرقاء والوردية. وهم، «النافي»، أهلها، ذوو اجساد زرقاء وعيون صفراء قليلة الجحوظ ومعبّرة. كائنات بهية وممشوقة. وهو عالم النساء حاملات المعتقد وأسرار السحر ومستبْسلات في الدفاع عن كوكبهن. كما هن بالضبط النساء القليلات من العالم الاول، عالم البشر: من العالمة، رئيسة الفريق العلمي التي تعترض على أوامر العسكر، وقائدة الهليكوبتر العسكري المتمرّدة بدورها على توجههم الحربي... أنشودة نساء.

وفي عالم «النافي»، معتقد قديم، طوباوي، منبثٌ بيننا نحن البشر، ولكنه متبلور ومجسَّد في «باندورا». انها الوحدة التامة بين كافة مخلوقات الكوكب كله. من «النافي» انفسهم، الى الشجر والنباتات والحيوانات، حتى المفترسة منها. الكل متصل ومتواصل بوسائط مختلفة. والكل حريص على استمرار حياة الآخر، والموت لا يزيل عن المخلوقات نبلها. والطبيعة تبعث برسائلها وابن «النافي» يفهمها. يطلع على ظهر طائره الخاص، الشبيه بطيور الدينوصور، فيربط ذيل ضفيرته بذيل طائره ويفهم الطير أفكار راكبه عبر هذا الرابط... وكلها صور تناغم تام بين المكونات المشكّلة لهذا الوجود. كوكب «باندورا» قصيدة مفرطة الجمال واللذة الحسية. تود لو تصدق هذه القصيدة، وتخشى في الآن عينه تصديقها، مثل كل اليوتوبيات. لكنها، أي «باندورا» المخترَعة هذه، تضيىء جوانب من مخيلتك عتّمها غياب الطبيعة عن عالمك.

«الآخر»؟ من يتذكر «الآخر» في بدايات السينما الاميركية وأواسطها؟ «الآخر» الذي غزَته السينما كان الهندي الاميركي. المتوحش، غير المتحضّر، غير الذكي، صاحب الدين «الطبيعي» المنبوذ الخ. مئة سنة من السينما، لنصل الى النقيض: «الآخر» هو الجنة بعينها، والنحن هم الجحيم. طبعا سبقت «أفاتار» رؤية مختلفة للغيرية. خاصة مع سبيلبرغ و«آي تي». ولكن ولا مرة كانت هذه الغيرية هي الطوبى بعينها، هي المثال أو الحلم أو القصيدة.

معنى هذه الطوبى؟ خوف الغرب واهتزاز ثقته بمنظوماته. فيلم يعكس المخاوف من النضوب، من الكوارث الحاصلة وتلك المقبلة، والمتوقع لها ان تكون أفظع من سابقاتها. ثم المخاوف والاغراءات الامنية ونبذ الاقليات واضطراب الهوية. وكلها مخاوف لو كنت ممن ينشغلون بها، فسوف يكون أثر مشاهدتك للفيلم مثل جرعة أمل شاعرية. لا تزعجها ابدا البالغة التكنولوجية والطوباوية، بل تدعوها الى الحلم، والى توليد الصور والأفكار والألوان والأشكال بنفس شراهة جميس كاميرون، وبصرف النظر عن انتمائك، غربيا كنت أم شرقيا.

المستقبل اللبنانية في

03/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)