يعتبر فيلم 'الرجل الذي باع العالم' نموذجا للسينما المغربية
الجديدة التي يطغى عليها الخطاب السينمائي بامتياز وبنية حكائية متداخلة
فيما بينها
حيث يسود النص الحكائي الفلاش باك الذي يتذكر من خلاله السيد ايكس تلك
اللحظات
الجميلة مع خطيبته وهو في فضاء مغلق مع صديقه أثناء إعداد وثائق متراكمة
وفي فضاء
اكبر يعج بنتائج الحرب في إحدى المدن التي لم يحددها المخرجان الشابان عماد
وسهيل
نوري لا مكانا ولا زمانا حتى الأسماء يشوبها غموض (اكس في الرياضيات محط
البحث
الدائم ) مما يوحي بالإطار المفتوح للفيلم. تنطلق الحكاية من خبر الخطوبة
لتظهر
معها شبكة من الخلافات والتعاطف بين الصديقين تحت سقف واحد اللذين يحبان
بعضهما إلى
درجة الجنون أحيانا. لكن السيد اكس يسمح لكاميرا باولو اريس أن تتوغل في
أعماق
معاناته وارتداداته وموسيقى بلاتير فور ديك ونست المتميزة بالإضافة إلى تلك
التقنيات المتلاعبة باللقطات خدمة للفكرة التي يريد سهيل نوري كاتب
السيناريو
إيصالها للمشاهد بتلك الكاميرا وهو يكتب (اكس) مرة ويلمس رأسه أخرى أو في
إطار
الحوار الذي سيطر على الفيلم طيلة زمن الفيلم أو من خلال تكسير الكأس أو
غيرها من
اللقطات المعبر عن دواخل الشخصية الرئيسية المتناقضة بين الصداقة والزواج
والعمل
الدؤوب لتلبية حاجياته الاجتماعية دون أن يتوفق في ذلك. هل هو المستقبل
الغامض
للسيد اكس أم هي معاناة عدم القدرة على الخروج من دائرة الصداقة والحميمية
التي
تربطه مع ناي؟ هذا الأخير يحول مسار الحكي إلى حب ثان باتصاله بميمي عشيقة
اكس
ليبدأ الخيال في الاشتغال والكاميرا تصوره أما الوسيلة المساعدة على التخيل
فهي
العين التي تنقلها كما تنقلنا وبالبطء الشديد إلى ما ينتظره المشاهد من
علاقة
عاطفية وجنسية بين الصديق وخطيبة صديقه ليتوقف الطموح عند الباب (باب بيت
ميمي).
لقد تمكن سعيد باي من لعب الدور بإتقان عميق بين العاشق الولهان والعامل
المثابر
والصريح ثم ذلك المنهزم في التحكم في سلوكاته بين الصديق والحبيبة التي لا
تغادر
خياله حتى وهو يبكي. الخيال (الفلاش باك) الذي يشجعه على البوح والاسترخاء
في الحكي
أحيانا داخل فضاء معتم غالبا يوحي بالقلق أو الحب العميق أو تفريغ تلك
التناقضات
الداخلية العميقة والمتزايدة مع تطور البنية السردية للفيلم. ومما زاد
الفيلم
جمالية تلك الإنارة المعتمة المقصودة لخدمة جمالية الشريط وموضوعه حيث
يستدعى
المشاهد للتركيز والبحث عن مكونات بنية الحكاية والتي يرى البعض أنها غائبة
ولتصعيد
هذه البنية يعود بنا المخرجان إلى واقع المدينة وأثار الحرب المؤثرة حتى
يكون
للفضاء الخارجي دور في تأزيم الوضع الذي يعيشه الصديقان بل جعل البيت في
نهاية
المطاف يعرف لعنة هذه الحرب المدمرة ليدمر اكس كل أمله في الحياة التي
كثيرا ما
أرهبته من خلال تخريب مكونات الغرفة التي يشتغل بها لبناء مستقبله.
لقد تمكن
المخرجان من حياكة قصة مقتبسة من رواية
'قلب ضعيف' للروائي الروسي 'فيودور
دوستويفسكي' وأية كتابة هذه حينما تتحول
الرواية إلى مثابة من نوع جديد يملؤها
اللون والضوء والحركة والتأثيث من اجل نقل
الإحساس الداخلي المتواتر والمتصاعد في
سياق النص وممارسة العشق السينمائي على
الرواية لكاتب كبير عاش محنا كثيرة أثناء
طفولته ومنفاه وغيرها. الفيلم من خيال جيل جديد يخبرنا أن السينما يمكنها
أن تكون
بخير إذا ما توفر لها العقل المبدع وهاهو جيل مواليد السبعينات والثمانينات
يؤشر
على تجربة سينمائية تستحق النقاش العميق بل وجيلا جديدا من النقاد
السينمائيين. إذ
لم ينهج الأبناء سيرة الأب المخرج حكيم النوري والذي فضل التمثيل في هذا
الشريط
ليظهر في أربع لقطات وبسرعة بعد أن عبر عن فرحته ومن داخل الشريط نفسه بهذا
المولود
الجديد ا في ثاني تجربة طويلة للثنائي الشاب نوري عماد وسهيل.
مما يزيد كتابة
الفيلم جمالية تلك اللقطات المستعملة والتي
هي غالبا لقطات كبرى تنقل المعاناة
والسعادة كما تنقل الحوار الجدي بين الصديقين أو بين اكس وخطيبته لكن
اللقطات
البانورامية تقريبا فقد استعملها السينمائيين لوضع المشاهد في الإطار
المكاني للحدث
وان كانت أمكنة الشريط قليلة جدا مما يجعل مهمتهما صعبة نسبيا. ليتعمق
السؤال حول
كيفية التصوير في الفضاء المغلق الذي انطلق منه الفيلم وبكلمة 'احبك'
وينتهي
بالمعاناة اللامحدودة بالرغم من الدور الذي يلعبه صديق اكس لتهدئة الأوضاع.
واستعان
المخرجان في احد المشاهد بالكاميرا من الأعلى وكان الانهزام قد دب إلى
الصديقين أو
أن المخرجين أرادا نقل المتلقي من النمطية التي يصوران بها العلاقة بينهما
منذ
بداية الفيلم وهما في وضعية النوم أو علة المائدة أو المكتب. لكن الصوت كان
بالغ
الأثير يسمع بكل ما أوتي الممثلين من قوة ليمنعهما من ذلك فيما بعد
والبلاغة مؤكدة
والخطاب يحقق مبتغاه.
اعتمد المخرجان اللغة السينمائية لتناول موضوع يستحق
النقاش لكن السينما تمنعنا من اقتراح أي تغيير على الفيلم ونحن نكتب عنه.
إلا إذا
كنا من كتاب سيناريو هذا الفيلم أو مخرجه أو غيره. استمر النوري وانتقلنا
من
السينما الاجتماعية ذات الإمكانيات المتواضعة إلى سينما اجتماعية رأسمالها
التخييل
حتى وان كان السيناريو مقتبسا وعن روائي شهير.
القدس
العربي
في
11/12/2009 |