حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

مهرجان كان السينمائي الدولي الثاني والستون

كان 2009

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

مخرجون منفوخون:

تارانتينو.. كروننبيرغ.. كياروستامي والأخوان كووَن

هوليود - محمد رضا

بين اثنين

الاستماع إلى آراء النقاد المسبقة واللاحقة لعرض فيلم لبعض المخرجين، يشبه الاستماع إلى نشيد غير وطني في رحلة مدرسية في حافلة تشق طريقها فوق أرض جدباء. والواضح أنه عندما يجتمع بعض النقاد على حب أو كره شيء فإن الحالة تنتشر سريعاً بين من هم أصغر وبين من هو خارج مجال النقد أساساً ولو كان في المجال الإعلامي ذاته.

هذا هو الحال بالنسبة لعدد من المخرجين يتقدّمهم حالياً أربعة أو خمسة إذا ما اعتبرنا الأخوين جووَل وإيتان كووَن اثنين فعلاً، هو الأمريكي كونتِن تارانتينو، الكندي ديفيد كروننبيرغ، الإيراني عبّاس كياروستامي والأميركيين المذكورين جووَل وإيتان كووَن، هناك آخرون بلا ريب، لكن الغاية هنا ليست سرد لائحة بقدر ما هي الحديث عن المتقدّمين في هذا الشأن، شأن نفخ بوالين هؤلاء المخرجين وإجبار الغالبية الاعتقاد بأنهم فعلاً من كبار المخرجين في العالم.

المسألة ليست ذوقية، وليست محض رأي يمنحه المرء بعد الفيلم، بل هي عملية لولبية تبدأ بالمخرج ذاته إذ ينجز فيلمين أوّلين أو ثلاثة تثير الانتباه وتجد صداها عند نقاد الغرب المعروفين -عموماً- بحبّهم للتبنّي فإذا بأفلام السينمائي المعني تستحوذ على الانتباه المطلق من بين الإعلاميين ويمتد الإعجاب ببعضها الأول ليسود مدى الحياة كما لو أن المخرج غير مقبل على مطبّات الحياة وإبداعه غير متأثّر بظروفها أو كما لو كان عمله في الأساس يستحق كل هذا المدح منقطع النظير.

تهليل

الصورة في الغالب أن تلك الأفلام الأولى تستحق الانتباه وفي أحيان الإشادة، لكن الفارق هو أنها في نهاية المطاف محدودة حين المقارنة بكلاسيكيات السينما وبإبداع مخرجين آخرين موجودين أو راحلين. والتبنّي، في نحو مؤلم، يقوم به صحافيو الجرائد والمحطّات التلفزيونية، وليس -بالضرورة أو دائماً- النقاد المهمّين الذين قد تختلف معهم لكنك تحترم آراءهم.

على هذا الوضع أفاق جمهور التسعينات على كونتين تارانتينو حين أطلق في العام 1992 فيلمه الروائي الأول Reservoir Dogs شريط بوليسي حول مجموعة من اللصوص الناجين من معركة مع البوليس إثر عملية سرقة. كل واحد من هؤلاء السبعة، يرتاب في أن الآخر هو الذي وشى بالمجموعة ما يثير النزاع بينهم.

بلا ريب فيلم لافت وصغير من تلك التي لا يمكن أن تضيع في ركاب الأفلام المتكاثرة حتى ولو كانت أكبر حجماً، فيه حسنات أكيدة، لكنه يبقى أفضل لو اعتبر عملاً صغيراً إذ يؤكد أن مخرجه وصل فيه إلى سدّته التي في متناول اليد. لكن الذي حدث مع المخرج في فيلمه اللاحق (بالب فيكشن) أن تارانتينو كبّر حجم الحدث من دون أن يكبر حجم الموهبة، فإذا بالفيلم -الجيّد إلى حد- ينقلب عند النقاد الرائجين فيلماً جيّداً بلا حدود منظورة. والمنوال استمر حين أخرج لاحقاً (اقتل بل) في جزءيه (الثاني أفضل من الأول) و(مضاد للموت) ثم هاهو النقد يهلل له من الآن قبل عرض فيلمه الجديد Inglorious Bastards ولا يمكن للمرء أن ينسى كيف يتحلّق النقد حول مسائل يذكرها واحد فيدّعيها الجميع من دون كثير بحث أو تنقيب، ولا حتى ببعض الاختلاف. في أفلام تارانتينو كافّة هناك دائماً مشاهد حوارية طويلة تقع بين شخصين أو ثلاثة وتحاول أن تكون ذات أثر ما على الدراما التي ستقع من خلال فتح المجال لفهم الشخصيات ومنطلقاتها?.. في فيلمه الأخير (مضاد للموت) نحو عشر دقائق لثلاث نساء يجلسن في السيّارة ويتحدّثن حديثاً طبيعياً لدرجة أنه يستنفذ أهميّته بسرعة متحوّلاً إلى مط لا فائدة مرجوّة منه. الأفدح هو ما دار بين سامويل ل. جاكسون وجون ترافولتا في مشهد توجّههما للقيام بجريمة قتل في فيلم (بالب فيكشن). من الطبيعي أن يدور بينهما حديث حول أشياء لا علاقة لها بالمهمّة المتوجّهان لتأديتها، ومن الطبيعي أن يكون عن الطعام وبل عن الهمبرغر، لكن هل من الطبيعي أن يتحلّق النقاد حول العبارات ذاتها كما لو كان فيها معانٍ أبعد من ذلك، كل هذا والصفات الجيّدة في أفلام تارانتينو أكثر توفّراً منها في أفلام الآخرين المذكورين هنا.

خلطة كبيرة

أمر مشابه، إنما أفدح أثراً، مع الأخوين جووَل وإيتان كووَن، أحدهما عادة يكتب والثاني يخرج وقد تنقلب الأدوار او تتعدد فيصبح الفيلم الواحد من أعمالهما عبارة عن لقطة منك لقطة مني. الأفلام الأولى، كانت بلا ريب تأسيسية ناجحة لسينمائيين شابّين يهيمان حبّاً بالفيلم البوليسي الأسود، هذا حينما أقدما على تحقيق أفلام بوليسية خالصة مثلما فعلا حين قدّما Blood Simple وMillerصs Crossing وFargo لكن حين خلطا الطبخة بوصفات كوميدية أدّى الأمر إلى بعض أسخف ما أصدرته السينما الأمريكية من أفلام بأسماء كبيرة كما الحال في O Brother, Where Art Thou? وIntolerable Cruelty و Burn After Reading.

إلى ذلك، بعض أعمالهما هي أضعف بكثير من أفلام أخرى كما الحال في (رئيس هدسكر) و(قسوة لا تحتمل) أو (قتلة السيدة). وإذا لم يكن هذا كافياً، فإن طريقة معاملتهما للشخصيات جميعاً تبقى طريقة تتوخّى الوصاية ووضع مسافات واحدة منها جميعاً ما ينتج عنه الإحتفاء بالمجرمين وتصوير الأبطال كما لو كانوا وُلدوا خاسرين أساساً.

هذا يتّضح في أفلامهما الأخيرة أكثر مما اتضح في أفلامهما السابقة. في (قسوة لا تحتمل)، وهو فيلم كوميدي حول علاقة بين محام (جورج كلوني) وامرأة تطلب الطلاق (كاثرين زيتا جونز) لا يمكن أن تقع معجباً بأي من هاتين الشخصيّتين ولا أي من الشخصيات الأخرى. كذلك في فيلمهما اللاحق (قتلة السيّدة) حيث السؤال حول لماذا فيلم يتجنّب التعاطف ويعامل الجميع كما لو كانوا تحت قيادة عليا تنظر إليهم كضحايا يمكن الاستغناء عنها. هذا يشمل أساساً الممثل توم هانكس بطل المجموعة? لاحقاً في آخر ما شاهدناه لهما، وهو (أحرق بعد القراءة) يخرج المرء وهو لا يكترث لأي من الشخصيات على أي خط من الخطوط لأنها جميعاً إما ذات نوايا شريرة أو ذات رؤوس غبية أو مجرّد خراف آيلة إلى السقوط في أي حال.

على نحو مختلف فإن الإعجاب بالمخرج الإيراني عبّاس كياروستامي تنامى بأقل قدر ممكن من المبررات الفعلية. ففي حين ما ذكرته أعلاه قد يعبّر عن نظرة قابلة للنقاش كونها مليئة بالتفاصيل الفنية، إلا أن المسألة مع أفلام عبّاس كياروستامي (وعدد من المتماثلين بأسلوبه داخل وخارج إيران) هي أن أفلامه ليست أعمالاً سينمائية إلا من حيث إنه استخدم الكاميرا (وكاميرا الدجيتال) لتصويرها. هناك منحى لديه، ولدى عدد آخر من سينمائيي اليوم، لفرض أسلوب يؤدي لا إلى كسر التقليد (ولن نبحث في هذا الأمر لضيق المجال) بل إلى كسر السينما ومفرداتها لأن كياروستامي -وببساطة متناهية- لا يعرف مبادئ ومفردات العمل السينمائي الحقيقي، فتراه ينأى عنها جميعاً لتصوير فهمه الخاص منها مبتدعاً أسلوبه فيها القائم على التصوير ثم المزيد من التصوير وأكثر من ذلك من التصوير بحيث تمر الساعة والنصف فإذا بها لم تكن أكثر من مشهد واحد أو بضعة مشاهد متشابهة. نوع من ال Home Movie الذي تشبع منه قبل أن يصل إلى منتصفه. الأفدح هو أنه صنع، فيما صنع، فيلماً سمّاه (عشرة) وقف فيه أمام الكاميرا يتحدّث عن عشرة أسس يراها ضرورية للسينمائي الجيّد. ليس منها ما صنع تاركوفسكي وهيتشكوك ووايلر وكوروساوا ورنوار وبونويل وفيلليني وانطونيوني وعشرات سواهم مخرجين عباقرة.

رعب بيولوجي

بالنسبة للمخرج الكندي ديفيد كروننبيرغ، فإن المختلف هنا هو أن إعجاب النقاد الغربيين (وبعض العرب به) انتقل إليهم ليس عبر عادة التبنّي من الصغر أساساً، بل من خلال أعمال مخرج لديه مشاكل نفسية حادّة مع الجسد بحيث لم يكف عن نهشه وتصويره منبعاً -بذاته- لكل ما هو غير طبيعي وموحش. مخرج تلفزيوني ذي مهارة فنية محددة اتجه للسينما منذ سنة 1977 بسلسلة أفلام رعب تخرج وحوشاً من بطون نسائها أو من تحت جلود رجالها. على عكس جورج أ. روميرو، أستاذ أفلام الرعب الحديثة، لم يكترث لمنح الأفلام أبعاداً اجتماعية وسياسية، بل كرّر مفهومه الخاص حتى أصبح المرء على ثقة من أن المخرج هو من بحاجة إلى طبيب نفسي يعالج نظرته إلى الحياة وليس شخصياته التي المشوّهة وحدها.

الإعجاب به انتقل من نقاد أفلام الرعب ومعجبيها إلى بعض الكبار في الحياة السينمائية في الوقت الذي انتقل فيه المخرج من الأفلام الصغيرة إلى تلك الأكبر حجماً ولو أنها لا زالت تعاني من حدودية تعاطيه مع المفردات السينمائية ذاتها.. فيلمه (صدام) و(وجود) ثم (سبايدر) قد لا تحتوي على مشاهد رعب من النوعية السابقة، لكنها رعب كنتائج فنية نظراً لخلوّها من العاطفة، كشأن أعمال الأخوين كووَن، ثم من الموضوع المهم لما بعد القصّة- أي لخلوه من البعد الذي من أجله يحضر المشاهد الفيلم أساساً.

حين هلل النقاد لفيلمه المعنوان (تاريخ العنف) (2005) هلّلوا، كما قرأنا، إلى ثمة فكرة مفادها رجل أخفى ماضيه لكن الماضي عاد إليه فانطلق يقتل زوّاره ثم ينتقل إلى رأس العصابة ليواجهه في مشهد طويل جدّاً وغير مثير على الإطلاق.

لاحقاً في (وعود شرقية)، كتب النقاد -الأوروبيون خصوصاً- عن كيف أن المخرج أحاط بالحياة التحتية للعصابات الروسية في لندن اليوم. في الواقع، أحاط بقصّة. أما عالم العصابات الروسية المنظّمة فهو مشار إليه لضرورة الإشارة. من يريد أن يبحث عن عالم متكامل لن يجده في فيلم كروننبيرغ بل في أي من أفلام سكورسيزي عن العصابات آخرها (المغادر) كما في أي من ثلاثية فرنسيس فورد كوبولا (العرّاب). ذلك أن المسألة بالنسبة لكروننبيرغ، كما لبعض سواه من المذكورين، هي مسألة فكرة فقط. ونقاد اليوم يعتبرون أن الفكرة هي ذاتها العمق أو الإحاطة أو البعد.

في النهاية، تتعلّق مسألة التقييم إلى المعرفة الشاملة. من يقيّم كتاباً هو الأول بالنسبة لمطالعاته غير من يقيّم ذات الكتاب إذا ما كان قرأ قبله عشرات الكتب. كذلك الحال بالنسبة إلى السينما: بعض النقاد يعتبر أن النقد بدأ مع وصوله هو إلى الميدان، وهو يلغي ما سبق من أعمال إلا إذا أتيحت له مشاهدتها إذ وصلت هي إليه، عوض أن يبحث هو عنها. وبما أنه لم يبحر في الأمس فإن الحاضر لديه هو كل شيء وعلى مقياسه هذا يعمل ويرى ويكتب ويرفع من يريد إلى فوق تبعاً لحكم ذاتي فقير في حد ذاته.

الجزيرة السعودية في 1 مايو 2009

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)