حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم (أوسكار) ـ 2009

OSCAR

2009

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

حين تنطق المعرفة بمرارة العيش...

فيلم «مليونير العشش البائس» بين القدرية والتراتبية

لندن - فاتنة الدجاني

مرة أخرى، وبعد جوائز «غولدن غلوب»، يحقق فيلم داني بويل الجديد «مليونير العشش البائس» نجاحاً هشاً بنيله جوائز كثيرة في «البافتا» (الأوسكارات الإنكليزية) وذلك في انتظار نجاحات صارت متوقعة في جوائز الأوسكار بعد أيام.

للوهلة الأولى، يبدو فيلم «مليونير العشش البائس» كأنه قصة أخرى من قصص تحقق حلم الثراء السريع ... لكن هذه المرة على طريقة «بوليوود» حيث يطفح الفيلم بالمآسي والتعقيدات قبل الوصول الى النهايات السعيدة الغنائية الراقصة. فالفيلم يتحدث عن فتى فقير اسمه جمال مالك يعيش طفولة تشرد وبؤس وشقاء، الى ان يشارك في برنامج «من سيربح الملايين»، فينجح أمام دهشة الجميع في الإجابة عن الأسئلة، ويربح الملايين العشرين ويحقق حلم ملايين الهنود المعدمين.

للوهلة الثانية، يبدو الفيلم كأنه عن الاقدار والمصائر، فهو يستهل بهذا السؤال: «أمام جمال مالك سؤال واحد حتى يربح 20 مليون روبية، كيف فعل ذلك؟ 1- لأنه غش، 2- لأنه محظوظ، 3- لأنه عبقري، 4- لأنه مكتوب له (مقدر)». ثم بعد مسار روائي رائع وشيق ومحزن وشائك ومعقد يراوح بين الحاضر واستعادات الماضي نتعرف من خلاله وعبر كل سؤال عن جانب من جوانب حياة جمال وماضيه الشقي، ينتهي الفيلم بالجواب: «انه مكتوب له».

... لكن لوهلة ثالثة، ومع انكشاف أحداث الفيلم، يتبدى بعده الاجتماعي - الطبقي، نراه في شقاء سكان العشش والصفيح والعشوائيات... في استغلال الطفولة وتشغيلها في التسول والدعارة... في التحالف الرأسمالي - الطائفي الذي يقف وراء الهجمات الطائفية بهدف اخلاء مناطق بيوت الصفيح والتي غالباً ما يسكنها المسلمون (كما نوهت الكاتبة ارونداتي روي في صحيفة «الغارديان» في تفسيرها لأحداث بومباي)، ليتسنى بناء ناطحات سحاب مكانها... وفي القمع البوليسي والتعذيب في السجون ومخافر الشرطة والاعتداء على الأفراد وحقوقهم. ولا يمكن هنا إغفال صدور الفيلم على خلفية أحداث بومباي، ما يحفز قطاعاً من المشاهدين على استخلاصات سياسية ربما لم تكن في ذهن المخرج.

الفكرة وتنفيذها

بهذا المعنى، ينحاز فيلم «مليونير العشش البائس» الى الفقراء والمهمشين، لينضم بذلك الى سلسلة من الأفلام المحلية والعالمية التي عادت الى التناول الطبقي لحياة البؤس والفقر في العشش ومدن الصفيح في مناطق مختلفة من العالم، (الأهم طبعاً هو فيلم «دوديس كادن» للياباني الأشهر أكيرا كيراساوا). وفي الموجة الجديدة، تأتي افلام مثل «مدينة الله» (سيتي أوف غاد)، و»مدينة الرجال» (سيتي أوف من)، و»المحطة المركزية» (سنترال ستيشن)، والمصري «حين ميسرة» لخالد يوسف، إضافة الى أفلام أخرى كان فيها استغلال الطفولة موضوعة اساسية مثل فيلم «الأبدية ويوم» للمخرج اليوناني الكبير ثيو انغلوبوليس.

فيلم «مليونير العشش البائس» هو كل ذلك واكثر. فهو الفكرة وهو تنفيذها المتقن والمشوق والمعقد في آن، يبدأ في مخفر حيث تحقق الشرطة مع جمال لمعرفة ان كان عرف أجوبة المسابقة من طريق الغش بعد ان اشتبه به مقدم البرنامج. وللمفارقة، فإن مقدم البرنامج نفسه هو من العشش أصلاً، كما اعترف بنفسه لجمال في استراحة البرنامج قبل أن يسلمه للشرطة.

في المخفر، يتعرض جمال الى تعذيب يكاد أن يودي بحياته. هناك يبدأ برواية قصته للمحقق، وكيف عرف كل الإجابات. عبر كل سؤال، يتعرف المشاهد على مقطع من حياة جمال: فهو كمسلم، كما يشير الاسم وصلاة أخيه سليم، يعزف عن آلهة الهندوس بسبب الهجمات الطائفية التي كانوا يشنونها على أحد أحياء العشوائيات حيث كان يقيم مع أخيه سليم وأمه التي قتلت في إحدى الهجمات، فيتشرد هو وأخوه وفتاة من الحي اسمها لاتيكا يقع في حبها. يبدأ صراع البقاء وحياة شقاء بين المزابل والعصابات تتكشف خلالها أبشع أشكال الاستغلال وصوره في عوالم الفقر، من خطف الأطفال وسمل أعين بعضهم من أجل تشغيله في التسول، فيما تستخدم البنات في الدعارة.

تأخذهما الأقدار الى تاج محل، فيعمل الأخوان دليلين سياحيين، حيث يجني جمال أول مئة دولار له، ومنها يستطيع الإجابة على سؤال عن أي الرؤساء الأميركيين يظهر على ورقة المئة دولار. ولأن أخاه يتحول الى رجل عصابات، فهو يستطيع أن يعرف الاسم المسجل لأحد أنواع المسدسات. حتى عندما يعجز عن الإجابة عن أحد الأسئلة، يحاول مقدم البرنامج أن يساعده بإعطائه الإجابة، لكنه بحدسه الفطري، يحس بحقده الطبقي بعدما سخر منه طوال البرنامج، فيختار إجابة أخرى، ويربح.

وتمر الأسئلة ومعها شريط من حياة جمال على إيقاع الموسيقى المتوترة الشهيرة لبرنامج «من سيربح الملايين». تضيع لاتيكا، ويفترق الأخوان، ثم يلتقي الثلاثة على واقع جديد: سليم في طريق الإجرام، وجمال عامل في مقهى يقدم الشاي لعمال في شركة هواتف، ولاتيكا تعيش عند أحد زعماء العصابات. تختفي مجدداً، فيقرر جمال المشاركة في المسابقة لأنه يعرف أنها تتابعه. لم يعرف الإجابة على السؤال الأخير، وبعد محاولة لسؤال شقيقه، يختار إحدى الإجابات عشوائياً، ليتكشف أنها فعلاً الإجابة الصحيحة. يفرح فتفرح معه الهند، وينتهي الفيلم في محطة القطارات حيث يجلس في انتظار لاتيكا، لتتحول الفرحة الى أغنية ثم رقصة هندية.

هذا هو فيلم «مليونير العشش البائس». هذا الفيلم الذي على رغم بعض الانتقادات التي وجهت اليه، إلا انه حاز إعجاب المشاهدين والنقاد على السواء، ففاز بجوائز متعددة (4 من غولدن غلوب الأميركية، وغيرها من البافتا البريطانية، و10 ترشيحات لجوائز الأوسكار)، كما حظي بإقبال منقطع النظير في شباك التذاكر. الفيلم من إخراج البريطاني داني بويل عن رواية «سين جيم»، وهي الرواية الأولى للديبلوماسي الهندي فيكاس سواراب وصدرت عام 2003.

الحياة اللندنية في 13 فبراير 2009

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)