حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم (أوسكار) ـ 2009

OSCAR

2009

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

فيلم المليونير المتشرد .. فن البقاء في عالـم قاس

بقلم: فيليب فرنش    ترجمة: نجاح الجبيلي

في القرن الثامن عشر، صاغ “ديفو” و «ريتشاردسون» الرواية الإنكليزية بتحويل اليوميات والرسائل والمذكرات إلى رواية. وقبل خمسين سنة قام المفكر القومي البروسي «آرنست فون سولومون» بأخذ 131 عنواناً من استبيان أجرته حكومة التحالف عن علاقته بالنازية وحوّله إلى مذكرات ساخرة من 500 صفحة. ومؤخراً قام ريتشارد كوندون في كتابته لسيرة «الفريد كنسي» جعل الاختصاصي الكبير في علم الجنس يروي قصة حياته عن طريق الإجابة عن استبيان صريح وجهه إلى 18000 فرد أمريكي. وبالاعتماد على رواية «سين جيم» لـ»فيكاس سوارب» عمل المخرج «داني بويل» و كاتب السيناريو البريطاني «سيمون بيوفوي» ، المعروف بفيلم « ذ فل مونتي» شيئاً مشابهاً ببناء فيلم يدور حول النسخة الهندية لبرنامج «من يربح المليون؟».

يبدأ الفيلم بـ»جمال مالك» ( يؤدي الدور ديف باتل) – عمره 18 سنة- وهو يصل إلى السؤال الأخير من المسابقة، ويدهش مضيفه المتفضل الدمث «برم» ( يؤدي الدور أنيل كابور) والأمة. كيف تسنى لهذا المتشرد من أطراف (أعماق) بومباي والذي توظف مؤخراً كـ عامل تنظيف في مركز للاتصالات أن يصبح على وشك الفوز بعشرين ألف روبية؟ ويظن «برم» المخادع الغاضب بأنه غشاش ويسلمه إلى الشرطة فيضربونه ويعذبونه ويعرضونه إلى الصدمات الكهربائية. مثال حديث للتخلي الاستثنائي. (مصطلح يطلق على إرسال المتهمين بالإرهاب إلى بلدان أخرى معروفة بأساليبها الشديدة في التعذيب-م).

لكن جمال يصمد وأثناء يوم من التحقيق معه يسبق رجوعه إلى ستوديو «من يربح المليون؟» يعاد عرض البرنامج في مركز الشرطة ويروي جمال قصة حياته إلى المفتش (يؤدي الدور عرفان خان) الذي لا يصدق لكنه يتعاطف معه شيئاً فشيئا.

وبانتقال الفيلم بين غرفة التحقيق وستوديو التلفزيون وعقد من حياة جمال من سن السابعة حتى الثامنة عشرة ( يؤدي الدور ثلاثة ممثلين) ، يكشف بصور مضحكة وقاسية ومأساوية كيف التقط جمال قليل المعلومات التي مكنته من الإجابة عن أسئلة تتعلق بنجم سينمائي وشاعر ووجه عملة ورقية من فئة 100 دولار ومكتشف مسدس كولت وكيف بلغ السؤال الأخير بالاتصال بصديق كونه حبل النجاة الوحيد.إنها فكرة غاية في الذكاء أضيفت بشكل بارع ونحن نشاهد جمال الخجول والحساس وأخاه الشكس المتمرس بالصعاب سليم (يؤدي الدور مادور ميتال) وهما يتعلمان فن البقاء في عالم قاس. وهما دائما في حالة هروب: من الشرطة، من الهندوس في اضطرابات طائفية تؤدي إلى موت أمهما ومن عصابات مجرمة للخطف تخطط لتحويل جمال الصغير إلى متسول أعمى.

يهربان بالقطار إلى الشمال ويعيشان بالحيلة في «أغرا» ويعملان كمرشدين سياحيين غير رسميين يسرقان الأحذية من السائحين في تاج محل. لكن جمال كان يعشق «لاتيكا» حين كانا في السابعة وقد تركت تستغلها كمومس العصابة التي تسيطر على المتسولين الصغار. لهذا يعود الأخوان أخيراً إلى بومباي حيث يحصلان على عمل في مطبخ. يبقى جمال يعيش حياة تقليدية بينما يواصل بحثه للعثور على لاتيكا ( تؤدي الدور فريدا بينتو) لكن سليم يصبح مساعداً ...لسفاح... تمتد إمبراطوريته الإجرامية في مومباي متحولة. هذه حكاية تشردية قسم منها رواية مثيرة والقسم الآخر قصة حب. إن للفيلم مسحة ملمساً (إحساساً) ديكنزياً ويذكر المرء بساتياجيت راي، المخرج الهندي العظيم، الذي درس على يد دارس لديكنز هو همفري هاوس في جامعة كلكتا ورأى تشابهات أو مصاهرات بين لندن في عهد دكنز و مدن الهند الحاشدة.

ومن خلال تجربة جمال نرى بانوراما لهند نابضة بالحياة مدوية تتحمل التغيرات الصادمة. كل شيء هنا، من أحياء الفقراء والمواخير إلى مراكز الاتصالات المزدهرة وبيوت الأثرياء الفخمة. إن تحول بومباي، حيث تمحى بيوت الفقراء كي تبنى مكانها ناطحات السحاب والبيوت الفاخرة تذكرنا بوصف دكنز في رواية «دومبي وابنه» لشمال لندن التي أزيلت للسماح ببناء سكك الحديد.

في إحدى المرات قام الروائي وليم دين هاولز بتقديم العزاء لأديث وارتون بعد فشل مسرحية كتبتها تتميز بفقدانها العاطفة وقال لها:» إن ما يريده الجمهور الأمريكي هو مأساة ذات خاتمة سعيدة». وكما في سيناريو فيلم «ذ فل مونتي» لبيوفوي فإن هذا الفيلم يبعث على الإحساس بالرضا. يسترد الابن الضال وينتهي الفيلم بخاتمة سعيدة مع مشهد رقص كبير يؤديه البطل وحبيبته بأسلوب الفيلم الهندي الغنائي. وهذه المجموعة المليئة بالمرح تعرض في محطة القطار المزدحمة وحتماً سنفكر أو سنتذكر مذابح السنة الماضية.

إن المخرج دان بويل ينتقل دائماً بين الأنواع أو يمزح بينها بصورة مطردة. وقد فاجئنا بأفلامه الجديدة بدلاً من السعي وراء أي انشغالات واضحة على الرغم من أن لديه شغفا كبيرا بالخاسرين أو ضحايا الظلم واهتماماً بالمهمشين والناس وهم في حالة هروب. وهذا الفيلم من أفضل أفلامه حتى الآن إذ تعامل مع ممثليه بحساسية كبيرة. وقد ساعده الكثير بصورة كبيرة أحدهم السينماتوغراف أنطوني دود مانتل الذي عمل مع الدانماركيين من مجموعة «دوغمه» وقد صور سابقاً فيلم « الملك الأخير لاسكوتلندا». وهو يمنح إحساساً مختلفاً بالليل والنهار ببومباي وأقاليمها ويحرّك الكاميرا بسرعات شديدة حيثما تطلب الأمر. والشخص الآخر هو المونتير «كرستوفر دكنز» فكان مونتاجه حاداً ودقيقاً. والثالث هو المؤلف الموسيقي أ.ر. رحمن إذ كانت موسيقاه التصويرية مزيجاً من أساليب مميزة من الغرب والشرق وأدمجت مشهداً من موسيقى « أورفيوس ويوريديس» لغلوك عززت رحلة جمال في البحث عن «لاتيكا».

إن «من يربح المليون» يبرز من متشرد بصورة غريبة إلى حد ما. إن تستر المنتجين الساخر مع الشرطة يثير قضية فاسدة ويوحي الفيلم بان المسابقة تقدم الأوهام لليائسين. ويوجه السؤال إلى البطلة عن سبب مشاهدتها هي والآخرين للبرنامج فتجيب:» لأنه يقدم الفرصة للهروب إلى حياة أخرى». لكن يظهر أخيراً بأن الفوز لم يكن هدف جمال الأخير حين يدخل إلى البرنامج. ومن الصدفة أن فيلم «المليونير المتشرد» شاركت في إنتاجه شركة «كيلادور» وهي الشركة التي أصبحت مشهورة بصنع برنامج « من يربح المليون؟» وكأن شركة «كونراد لاين» فرع شركة «وايت ستار» التي كانت تمتلك سفنية «تيتانيك»  هي التي انتجت فيلم «تيتانك».

المدى العراقية في 9 فبراير 2009

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)