اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

دراما رمضان ـ 2008

 

رمضان 2008

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

السات كوم : بين الحضانة والحضّانة

ياسر علام

 
     
  

"... لكن إن شئت يا أمير المؤمنين حدثتك عمن لم تنضجه الأرحام، ولم يولد لتمام".. لم يكن المسامر العربي القديم حين استخدم هذا التعبير في حضرة الوليد بن عبد الملك ينوي أن يتحدث عما ننوي الحديث عنه، لكنه حين رماها فتلقفناها وجدناها أبلغ ما يمكن أن يوصف به وليد مبتثر في فضاء الفيض الدرامي الرمضاني.. أما اسمه فهو (السات كوم).

المنتج الوليد هو أحدث المصنفات الدرامية وفودا إلى فضائياتنا المعمورة، وهو ككيان فني لم ينشأ في هذي الأرض، لكنه وفد إليها في ثوب زائر، خاصة مع وجود قنوات متخصصة في عرض الأفلام والمسلسلات الأجنبية، ثم طاب لصناع الدراما العربية محاكاته، فكان يا ما كان.. سات كوم عربي.

ولكي يتاح لنا إلقاء حزمة من الضوء النقدي على هذا الكيان يلزم التعرض له من عدة زوايا، هي: طبيعة هذا المنتج - بناء هذا المنتج - وظيفة هذا المنتج - حاله لدينا حتى الآن.

دراما الفواصل

ولنبدأ بطبيعته.. هو مسلسل درامي متصل منفصل، حيث يدور حول عدد قليل نسبيا من الشخصيات المتمايزة يجمعهم حيز جغرافي محدود يمكن أن يتمثل بحد أقصى في ثلاثة مواضع، تمر تلك الشخصيات عبر علاقتها بعضها ببعض بمواقف كثيرة تبعث على الضحك الذي ينبع من خصوصية تركيباتهم النفسية والاجتماعية والجسدية، ثم من خصوصية تلاقيهم الحميم هذا.

أما عن وظيفته فهي تحقيق إمتاع فني عبر الضحك المتواصل من خلال أقل ما يمكن صرفه إنتاجيا، ويتحقق ذلك عبر تقليل تكلفة الديكورات من خلال وجود المواضع المحدودة الثابتة والتي تبنى عليها الدراما ببراعة يفترض فيها أن تصرف النظر عن ذلك، وتنوع المواقف مع سرعة إيقاعها هو القادر على تحقيق تلك الوظيفة، وعليه يمكن استيعاب البنية الدرامية لتلك الأعمال.

مواقف سريعة -كدت أقول لاهثة- الإيقاع مبنية على صفات ثابتة نسبيا في الشخصيات، تلك الصفات تعد عيوبا بالنسبة لأطراف المعادلة الأخرى، طبيعة اللقاء الحميم تفرض قدرا من التسامح والاستمرار في تلك الأوضاع لتخلق ممكنات درامية جديدة، بقول آخر حلقات أخرى، ويتم اللعب فيها على تقنيات الكوميديا النمطية المعروفة، مثل قلب الأدوار والوظائف، سوء الفهم واللبس، التكرار، تداخل الحبكات، وتتضافر تلك التقنيات في وحدات البناء الذي هو المشهد القصير، والذي لا يزيد عن دقيقة ونصف، ويفترض فيه أن يكون خلية للعمل ككل، وهو ليس مركزا أو بؤرة أو قلبا، بل مجرد وحدة، وهو يتشابك مع الوحدات الأخرى ليصنع المنطق المتصل المنفصل، إذن الحلقات متصلة منفصلة وكذلك المشاهد.

وحتى المسلسل نفسه في الموسم متصل ومنفصل عن المواسم التالية، ووداعا للبناء التراتبي الذي يتصاعد من نقطة تعقد ليصل إلى ذروة ثم إلى حل، إننا أمام بناء "إسكتش"/ فقرات، فلا يلزم متابعة المسلسل للوصول إلى شيء، بل لا يلزم متابعة الحلقة كاملة، يستطيع المتلقي أن يذهب إلى تأدية مهمة والعودة واستكمال المشاهدة دون أن يشعر بنقص المعرفة، وهو لن يضجر من الإعلانات والفواصل التي تقدم كل دقيقتين تقريبا، فالمتابعة الدرامية التي تستهدف التواصل الوجداني أو التماهي مع الأبطال أو التعاطف غير مستهدفة أو مرغوب فيها، حيث إننا أشبه بمتابعي فنان يلقي النكات، وهو غير مطالب بأكثر من الإضحاك الذي يتم تنبيهنا لمواضعه بصوت الضحك الجماعي المسجل، والذي يبث بعد "الإفيه"/ التعليق المضحك، بحيث يذكر المتفرج في حال غفلته بمواضع الضحك، فهل وجد تلق أيسر من ذلك حيث توفر لك حتى من يضحك نيابة عنك؟!

الاستسهال المصري

 هيثم دبور الذي ترك "تامر وشوقية"

إن شروط الإنتاج الغربي وسط المنافسة الضارية ألزمت المنتج بالجودة التي نراه عليها، ومعنى الجودة هنا: تحقيق الوظيفة بأصالة وبالحد الأدنى الممكن من التكاليف، حدثني وأفض في هزال السات كوم المحلي من هذه الزاوية، فضمان توافر الإنتاج العربي عبر تفشي معادلة: واسطة + علاقات + نفوذ = ضمان استمرار إنتاج

مهما كانت ضآلة جودة المنتج، وسيؤدي هذا حتما إلى قيمة نعرفها جيدا تسمى الاستسهال (ونحن نستخدم هذا التعبير ملطفا)، أما معالم الاستسهال فهي: التقليد، الافتعال المبتذل، الاجتهاد خارج منظومة العمل الجماعي، وتلك على وجه التحديد آفات السات كوم العربي، والقرائن:

أولا: نماذج في التقليد:

في مسلسل (ديرما أند كريج) تدور الحلقات عن محام شاب من طبقة أرستقراطية متزوج من فتاة تنتمي عائليا لطبقة العمال، وتقوم دراما الحلقات على جدلية الاختلاف بين خلفيتهما الاجتماعية، ورصانة وتحذلق أمه صاحبة النشاط الأهلي والدور الاجتماعي المزعوم، وحماته التي تنتمي للبرولتاريا المتحررة بالجبر والاختيار، هل ثمة تشابه ساطع لا يلمحه إلا ذا رمد مع (تامر وشوقية).

في مسلسل (راجل وست ستات) لا يكتفي المخرج باستخدام شكل الطوابق النيويوركية الحمراء المشهورة كعلامة مسجلة في فواصل ومقدمة (فريندز) (ساينفيلد)، بل يستخدم كابينة التليفون الحمراء المغلقة، وهو شكل غير موجود في شوارعنا من أساسه والمأخوذة من (جوسبي)، وكذا طيران البطل على دراجة للسماء.

في مسلسل (شريف ونص) لا يكتفي المخرج بفكرة وجود الطفل المسبب لإزعاج راشد ولا تصلح حياتهما معا، بل إنه يأخذ ذات التسمية تقريبا من مسلسل (تو مين أند هاف)، وهو لا يداري بقدر ما يسوق لنفسه بتلك السرقة.

اجتهاد مفتعل

ثانيا في الافتعال المبتذل تتربع شخصية شوقية في (تامر وشوقية) على البذاءة اللفظية المتكلفة، فحتى ساكنو العشوائيات مع استخدامهم قاموسا يمس ذوق الطبقة الوسطى في حالات كثيرة، وخاصة في حال الانفعال، إلا أنهم لا يتفننون في البحث المجهد عن المقذع من الألفاظ ليكون سلسلة متصلة متتابعة مثلما تفعل شوقية، ولا نقول مي كساب.

ثالثا في الاجتهاد خارج منظومة العمل الجماعي، وهي محاولة تحقيق نجاح منفرد مسروق، بمنطق يشبه الخروج عن النص في المسرح، سنجد هنا أيضا في (تامر وشوقية) سيد (نضال الشافعي) وكذا هيثم (أحمد مكي) والذي خرج بالفعل في هذا الموسم عن العمل في المسلسل من أساسه، وتحورت الدراما لذلك.. (الطاهي) (سليمان عيد) في (كافيه تشينو)، والذي يعمد طوال الوقت لاستخدام لغة إنجليزية في موضع معاكس لاستخدامها على سبيل التثاقف، كان الاستخدام العشوائي كفيلا بتحقيق معادلة الجاهل المتعالم، لكن الاستخدام المضاد بدقة اجتهاد فردي بلا مذاق.

إن مناخ ولادة السات كوم القيصرية هنا يشخص لنا على وجه الدقة المستوى الفني المتواضع الذي نرى عليه السات كوم المحلي.. لقد جاء محاولا سد فراغ تركته فوازير رمضان التي تربت عليها ذائقة المتلقي هنا لعقود، حيث كانت شكلا فنيا أراد بعض صناعه تحريك الأذهان بعد غيبوبة ما بعد الإفطار كما ذكروا وقتذاك، كذلك جاء مع اندثار ألف ليلة وليلة بعد تخبط كثير من كتابنا في التعامل مع أقمشتنا التراثية الدرامية الموشاة.

جاء السات كوم الخواجة ليلعب في أرض المسامرة والمساجلة والمؤانسة بهزل هزيل لم يسمن للآن ولم يغن من جوع ولم يهضم بعد من شبع.. ولا ننكر أنه مع ضياع دسم التلقي في ظل الإعلانات المتلاحقة المتزاحمة، وإيقاع المشاهدة المعاصرة الملول المرتبك الاستهلاكي الذي قايضنا فيه على ألف ليلة وليلة بألف فضائية وقناة، هناك فرصة معقولة للوليد المبتثر - أعني السات كوم - أن يشغل مكانا ومكانة، لكنه ليفعل يجب أن يستكمل شروط نضجه أولا في حضانة الوعي حين يعلم أنه سيستمد شرعية من جمهور لا من محاسيب، وأن الأصالة لا التقليد هي مقومات استمراره.

كاتب وناقد فني.

إسلام أنلاين في 14 سبتمبر 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)