اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

دراما رمضان ـ 2008

 

رمضان 2008

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

الدراما الناصرية..التقديس مستمر

مسلسل ناصر..الزعيم بلا أخطاء

محمد ممدوح

 
     
  

لم يكن رفض عرض مسلسل "ناصر" الذي أخرجه باسل الخطيب أمرا مفاجئا، ولم يكن التضييق الذي حدث فيما يخص منح التصريحات له في التصوير في عدد من الأماكن داخل مصر، مقابل التسهيلات الكبيرة التي مُنحت للمسلسل داخل سوريا مفاجئا أيضا، ولا يعد هذا تجليا لتفوق الدراما السورية في الفترة الأخيرة بقدر ما يشير إلى طريقة في التفكير والتعامل مع الدراما التاريخية التي تتحرى شخصية أو فترة تاريخية تريد النخبة الحاكمة السكوت عنها وتجاهلها.

يبدو أن التلفزيون المصري الحكومي لاحظ وفهم النجاح المدوي لمسلسل "الملك فاروق" العام المنصرم، ولم يكن على استعداد لتكرار التجربة مع مسلسل عن "جمال عبد الناصر" الزعيم المصري والعربي الأشهر، والذي تختلف توجهاته الاشتراكية مع التوجهات الرأسمالية للدولة في مصر الآن، كما يتباين مفهومه للعدالة الاجتماعية والتحيز للفقراء مع مفهوم العدالة الاجتماعية الحالي وتحيزه مع طبقة رجال الأعمال، وأخيرا اختلاف كاريزميته الشخصية مقارنة بالانطفاء الشخصي للنخبة في مصر.وربما ما حدث مع مسلسل ناصر يفتح ملف الدراما التاريخية في مصر بشكل عام وفي الوطن العربي بشكل خاص.

الدراما الإنسانية

ظلت الدراما التاريخية تعاني من التراجع على مستوى الإنتاج والتهميش الشديد داخل جداول العرض في مختلف القنوات التلفزيونية، وكانت الأسباب المعلنة وقتها تكلفتها الكبيرة، وصعوبة تنفيذها، أو كون مادتها جافة لا تجذب شريحة واسعة من الجمهور، من ناحية أخرى ربما كانت الطريقة الجافة والسطحية في معالجة الدراما التاريخية، والتنميط الشديد الذي يصل إلى حد إثارة الكوميديا، هو ما ضرب بحاجز بين المشاهد والدراما التاريخية فعلا.

لكن مع صعود الدراما السورية والتي تعنى بشكل خاص بالدراما التاريخية، من خلال جيل كامل من الفنانين الذين استفادوا واستعاروا تقنيات سينمائية، كالتصوير بكاميرا واحدة، وتقطيع المشهد إلى عدد من اللقطات داخل المشهد الواحد -ما يعرف في السينما بالديكوباج- بدلا من استخدام عدد من الكاميرات، والاعتماد بشكل أساسي على العدسة متغيرة البؤرة (الزووم) كما التقنيات السينمائية التقليدية، أيضا استخدام الإضاءة الدرامية السينمائية في إضاءة مواقع التصوير بدلا من الإضاءة التقليدية، كما أن هذه المواقع هي في العادة مواقع طبيعية، أو مواقع يتم بناؤها بشكل خاص للمسلسل بدلا من الأحياء والمناطق سابقة التجهيز داخل بعض الأستوديوهات.

وما يتكامل مع هذه العناصر الفنية الضرورية لتميز العمل الفني تأتي الرؤية الفنية والفكرية للشخصيات التاريخية التي تتحراها الدراما محاولة استخراج دراما خاصة منها هي أقرب في إيقاعها من إيقاع الحياة نفسها، تنبع من وقائع حياة هذه الشخصيات وخبراتها المشتركة مع الآخرين، تكشف عن جانبها الإنساني أولا فيصبح لمفهوم التاريخ داخل هذه الدراما مفهوم مختلف، ويصير التاريخ جزءا من حياة الشخصية، ومن ثم لا تعد الشخصية جزءا من التاريخ تنتمي له بشكل أكبر من انتمائها لنفسها، ويصبح هذا المفهوم المثالي للدراما التاريخية يختلف عن مفهوم التاريخ الموضوع في قالب درامي.

تعيد هذه الدراما الحياة للشخصيات التاريخية، وتحولها إلى شخصيات تتنفس وتتحرك بدلا من أن تقبع داخل كتب التاريخ أو المناهج الدراسية التي تؤلفها أيديولوجية ما، أو تنبع من تحيز معين، وتؤنسن كثيرا من شخصيات تنتمي غالبيتها لفترة تاريخية من مصلحة سلطة أو نخبة حاكمة أن تسقطها من الضمير الجمعي أو ذاكرة شعوبها؛ نتيجة للاختلاف الأيديولوجي، أو حتى لكون الفوارق فيما يتعلق بالكاريزما الشخصية ومحبة الجماهير ليست في صالحها.

هذا ما حدث تماما مع شخصية الملك فاروق في مسلسل "الملك فاروق" في العام الماضي والذي حقق نجاحا جماهيريا ونقديا واسعا؛ حيث استطاع المسلسل أن يجذب قطاعات متنوعة وعريضة من المتلقين الذين لم يعتادوا تلقي الدراما التاريخية، وأثر بداخل الكثيرين ممن لم يكونوا يملكون صورة واضحة عن هذا العصر نتيجة شرائحهم العمرية، أو تبنيهم للصور المشوهة عن هذا العصر، والتي يتم بثها في الدراما وفي الكتب الدراسية منذ قيام ثورة يوليو عام 1952، ويعود نجاح المسلسل -الذي وصل إلى حد التعاطف مع الملكية، وطلب عودتها مرة أخرى- إلى عدد من العوامل أهمها: الاجتهاد في تقديم الحوادث التاريخية بأكبر قدر من الحياد والموضوعية إن لم نقل التحيز معه.

العامل الثاني: هو عامل له علاقة بالعمل الفني نفسه وبطريقة معالجة الحوادث التاريخية من خلال جميع العناصر الفنية المكونة للعمل الفني عبر التصوير الموحي بالطريقة السينمائية، والديكور، والملابس، والإكسسوار، الأقرب إلى الإتقان، كذلك الأداء التمثيلي الذي منح هذه الشخصيات روحًا، وجعل منها بشرًا تتنفس من لحم ودم بعد أن كانت مجرد حروف سوداء مصمتة يقرؤها المشاهد في كتب التاريخ.

أخيرًا.. ذلك الحوار والجدل الذي حدث بين المسلسل والمشاهد، بين السياق الفني والروائي، والواقع المعيش للمشاهد، هذا الحوار والجدل الذي تصنعه الدراما التاريخية، والذي يمثل أهمية هذه الدراما وقدرتها على التأثير في المشاهد (المتلقي) حيث حدث حوار بين الواقع الديمقراطي والحراك الذي يحيط بالممارسة السياسية في تلك الفترة، من تاريخ مصر والتي يتناولها المسلسل، وبين اللحظة الحاضرة التي تشهد تراجعا كبيرا بخصوص هذا الصدد والتي يعيشها المتلقي، وهذا ما يتكرر مع شخصية عبد الناصر في المسلسل.

الأحداث تصنع الزعيم

يعمد صناع المسلسل في تصوير ناصر كبطل كانت تعده الأيام في أتونها طوال الوقت، فيتشكل وعيه الوطني نتيجة عدد من العوامل الفردية كشهادته على قتل إحدى جاراته الصغيرات على يد سائق إنجليزي طائش، وكذلك مشاركته في المظاهرات وهو طالب في المدرسة الثانوية.

كذلك عوامل خاصة بالهم الجمعي بمعاناة وطن يئن تحت نيران الاحتلال، كما أنه البطل الذي تشحذه على المستوى الشخصي ظروف إنسانية قاسية، بدءا من فقدانه لأمه وهو ما يزال صغيرا، وعبر تربيته عند عمه بعيدا عن أبيه وإخوته حتى يتمكن من مواصلة تعليمه، وانتهاء شهادته على الفشل الكبير للأنظمة العربية في حرب فلسطين عام 1948.

فها هو المسلسل يصور بطلا يعاد بعثه من جديد من داخل الماضي، يشبه المشاهدين بل يزيد في ظروفه الصعبة عن أكثرهم، لكنه يملك حلما خاصا وهمّا عربيا ووطنيا.

وأخيرا.. لابد أن نقف عند نقطة سبق ذكرها بمزيد من التحليل وهي أن هذه الأعمال تقوم بنزع وتفكيك قدسية الشخصيات التاريخية، هذه القدسية التي تكتسبها هذه الشخصيات وتستمدها ربما من الماضي أو التاريخ نفسه، والتي ينتجها الحنين والافتقاد من قبل مشاهد يعيش حاضرا مأزوما لا يرضى عنه، فيسقط جميع إحباطاته من اللحظة الآنية وآماله في غد أفضل على هذه الشخصيات، فدائما هناك شيء جميل بخصوص الماضي حتى لو لم تكن معرفتنا بهذا الماضي معرفة موضوعية.

ولكن هذه الأعمال تنشئ قدسية جديدة نابعة من المبالغة في أنسنة هذه الشخصيات، وتبرير مواقفها التي يلف أكثرها الغموض؛ مما يخلق بداخل المشاهد تعاطفا هائلا حتى مع أخطائها النابعة من طبيعتها البشرية ويخلع كثيرا من المبررات على تجاوزاتها المذكورة بجفاف في كتب التاريخ.

إسلام أنلاين في 11 سبتمبر 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)