اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

ملف خاص عن السينما المصرية في عيدها المئوي

 
 

سينما مصر.. ضد مصر

نور الشريف: السـينـمــا نجـحــــت بالصـدفـة!

مال السينما سايب

التطور الطبيعى للمشاهد الساخنة

هزائم النساء على الشاشة عـرض مستـمـر

سميرة أحمد: لاتصدقوا منتجاً يقول أنه يخسر

هند رستم: مصر فى سينما هذه الأيام..قبيحة

مديحة يسرى: لولا أفلامنا فى الخمسينيات ما كان هناك 30 قاضية الآن

شريف عرفة: أزمة السينما المصرية فى الدخلاء عليها

حرب الـ3 طبقات فى سينما الترسو

أكذوبة السينما النظيفة

تسـقــط الرقـابـة

قاموس اللمبى وشركاه

 

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

حرب الـ3 طبقات فى سينما الترسو

اسماء نصار

 
 

قراءة اجتماعية جديدة فى السينما المصرية، قدمتها الباحثة د.«فيولا شفيق» فى دراستها عن «الصراعات الطبقية فى السينما الجماهيرية المصرية»، والتى رفضت فيها رؤى نقدية سابقة لها، واعتبرتها متساهلة فى رؤيتها للتناول الاجتماعى فى السينما! المفاجأة فيما انتهت إليه الباحثة من تحليل واستنتاجات، تخص أفلاما كانت مثيرة للجدل، وجاءت رؤيتها مغايرة تماماً لما اتفق عليه جموع النقاد!

الدليل أنها انتقدت الأسلوب المتبع مع الأفلام الجديدة، واعتمادها على التفرقة بين الفن الرفيع والفن الهابط، رغم انطباقها مع شباك التذاكر، الباحثة أخذت فيلم «اللمبى» نموذجاً باعتباره كان من أنجح أفلام 2007 على مستوى الشباك! التحليل الاجتماعى الجديد لنموذج فيلم «اللمبى»، والذى جاء على موجة مغايرة لتلك الأفلام التى عاصرت ظهوره مثل «حرامية فى كى جى 2» لساندرا نشأت، أو «أصحاب ولاَّ بيزنس» لعلى إدريس وغيرهما، والتى كانت تركز جميعها على شباب الطبقة الوسطى فى المدينة الذين يعانون من مشاكل أحياناً مادية، وفى الأغلب عاطفية وأسرية! حسب الباحثة فإن «اللمبى» لجأ إلى حبكة تعرفها السينما المصرية منذ الثلاثينيات حيث يقدم بطلا فقيرا من وسط شعبى، يبحث عن النجاح الاقتصادى والعاطفى، أى حلم الصعود الاجتماعى. «فيولا» تعجبت من اعتياد فكرته وحبكته فى السينما المصرية، وما تناولته الصحف من ازدراء لنجاح الفيلم، واعتبرته علامة لانحدار السينما المصرية غير مسبوق، وأنه مجرد «هلس» لأنه يقدم بطلا «مسطول»، يعبر عن الانحطاط الثقافى الأخلاقى لسينما البانجو! الباحثة استندت فى رؤيتها النقدية إلى دراسة ميدانية أخرى، لرصد التباين الواضح من الرأى العام بخصوص هذا الفيلم، قامت بها الطالبة «داليا نمر» - بالجامعة الأمريكية - استعانت فيها بعينات من زائرات السينما من سن 16: 30 سنة، من الطبقات الوسطى، والعالية والمتدنية، فوجدت أن ردود أفعال كل السيدات كانت متفاوتة من حيث الموقع الاجتماعى وليس السن، فالمتفرجات أجمعن أن الفيلم كان مسليا لأعلى درجة، وأنهن «ضحكن من قلبهن»، لكن سيدات الطبقة المتوسطة وضحن أن الفيلم يفتقد المنطقية، وأنه مجرد سلسلة من المشاهد الكوميدية، أما بعضهن فرأى أن الفيلم يعكس «نموذجا سلبيا» للمجتمع المصرى لأنه يقدم «عربيد ورجل شوارع»!

الباحثة ذهبت إلى ما هو أبعد فى تحليلها، حيث ترى أنه يعتمد على حبكة مألوفة ومتماسكة إلى حد كبير، بالإضافة إلى شخصيات نمطية ومتكررة فى فضاء الفيلم المصرى، فيقدم «محمد سعد» شابا أميا ساذجا وكثير الانسطال، فى نفس الوقت وعاجزا عن إيجاد عمل مناسب، وهذا من أهم العوامل التى تعطل زواجه من «نوسة»- حلا شيحة- بنت الجيران الجميلة التى يود أبوها أن يزوجها لمدرس يفوق عنها فى السن كثيراً، وبعد محاولات يائسة لمساعدة والدته أولاً فى إدارة محل للعجل، ثم الاستقلال بعربة كبدة، ثم زيارة فصل لمحو الأمية، يجد اللمبى بمساعدة صديق لأبيه يدعى «باخ» طريقة يجمع بها بعض النقود ويتزوج من «نوسة». وتقول الدكتورة فيولا: إننا إذا نظرنا لتلك الحبكة فى حد ذاتها، نجد أنها تذكرنا بأفلام مصرية عديدة، اعتبرها النقاد ذات طابع واقعى، بدأ من «العزيمة» 1939 لكمال سليم حتى «سارق الفرح» 1994 لداود عبدالسيد، وبالرغم من ذلك فالرأى السائد عن فيلم اللمبى أنه يفتقد للعقل والمعنى والهدف، ويرجع ذلك - كما تقول - إلى تنفيذ الفيلم وأسلوبه المختلف عن الأفلام السابقة فى تناول الحبكة بطريقة جادة أو واقعية، حتى إنه يتهرب حتى من القراءات الرمزية السياسية، فمثلاً اسم الأم عبلة كامل فى الفيلم «فرنسا» الذى يذكرنا بدولة أوروبية قوية، أو اسم «اللمبى» نفسه المأخوذ عن الحاكم العسكرى البريطانى المكروه لشعب بورسعيد فى العشرينيات، ولكننا إذا تأملنا تلك الأسماء لا نجد لها سببا واضحا ولا نجدها مرتبطة بأى معنى أو حدث سياسى، فلماذا أطلقت على أبطالنا إلا لمجرد الفكاهة أو حتى التتويه، وهذا السبب الأخير- كما ترى الدكتورة فيولا- فى غاية الأهمية، لأن طريقة هذا الفيلم الفعلية هى الابتعاد عن إنتاج معنى سياسى أو رمزية هادفة، ولكن لا يعنى ذلك أنه يفتقد المعنى، ولكنه يركز على أشياء أخرى كالعلاقة الأسرية، وبالتحديد علاقة بطله «اللمبى» ذى الشخصية الطفولية الساذجة والطيبة بأمه الجشعة والمتسلطة بعض الشىء، والتى تتحكم فيه وتسيره وتستغله مرة وتحميه وتدلله مرة أخرى.. وما يؤكد طفولية اللمبى الشديدة هو مشكلته اللغوية، فهو ليس فقط أميا ولكنه لا يجيد الكلام ونطق الحروف، فيتهته مثل الطفل الصغير الذى فى طريقه لتعلم الكلام.. وقتها يستخدم جملا غير صحيحة وغير كاملة، ومفردات مفككة مثل قصيدة الشعر التى يرويها لنوسة فى أحد لقاءاتهما: البوس البوس.. الحضن الحضن.. مشتاق مشتاق.. الشوق الشوق.. وكذلك أغنية التهجى الخاطئة.. فى تعلمه الحروف، وبرغم ذلك نجد أمه تشجعه، ومعالم الفرح تبدو عليها، ويذكر هذا المشهد ليس فقط بطفولية البطل، ولكن بسعادة الصغار فى مرحلة تسبق دخول المدارس حين بداية اكتشافهم للغة والمتعة الناتجة عن اللعب بالحروف والكلمات وتبديلها.

ترجع الباحثة سر نجاح فيلم «اللمبى»، إلى أنه يرجعنا إلى مرحلة طفولية مبكرة فى النمو البشرى تسبق مرحلة العقل والتفكير المنطقى والحديث المنمق، فتدعو المتفرج لأن يرجع بخياله بشكل مؤقت لاسترجاع مشهد طفولى، والارتداد إلى مرحلة نفسية سابقة لمرحلة النضج البشرى وتعقيداته، والمحظورات الكثيرة التى وضعها العقل والمجتمع عليه، فالضحك علامة لوجود محظورات موجودة فى العقل الباطن تخرج بغير وعى عن طريق هذه المشاهد الطفولية. هذا ما دفع «د.فيولا» لأن تضع يدها على سر نجاح خلطة «اللمبى» ومنها تناوله لكثير من مفردات حلم الصعود الاجتماعى والاقتراب من الجنس الآخر، ولكنه فى الأساس يتحدث عن رغبة الأبناء فى التحرر وتخطى سلطة الآباء المهيمنة عليهم وهى فكرة سيطرت على 5 أفلام حديثة تالية له مثل «فول الصين العظيم» لشريف عرفة و«زكى شان» لوائل إحسان وغيرهما! فى مقابل «اللمبى» لمحمد سعد، تستعرض الدراسة تجربة «عادل إمام» بوصفه بطلا شعبيا استلهم من سابقيه عصا التتابع السينمائى باعتباره وريث «الترسو» وظل محتكرها حتى حلول الألفية الجديدة التى ارتبطت شعبية بأفلام الحركة الهزيلة!. فى رأيها أن أهمية عادل إمام لاتكمن فقط فى معرفته الجيدة لجمهوره، بل أيضا فى قدرته على إعادة تشكيل نوع معين من الذكورية ذات المغزى الطبقى، أو بتعبير أسهل شخصية ابن البلد محتكرا دور النصاب الظريف من أصول شعبية معبرا بشكل غير مباشر عن شك أساسى فى إمكانية التحول الاجتماعى الإيجابى فى مرحلة ما بعد عبدالناصر.. وظهر ذلك فى أفلام «المحفظة معايا» 1978 و«رجب فوق صفيح ساخن» .1979 عرجت الدراسة إلى مرحلة الثمانينيات فى سينما عادل إمام والتى التزمت فيها بأفلام الحركة واقتبس فيها شخصية البطل، ومن الأعمال التى قدمته فى تلك الهيئة كبطل مثالى كضابط فى «النمر والأنثى» ,1987 وبطل قومى فى «شمس الزناتى» 1991 من إخراج سمير سيف، وكذلك «المنسى» 1993 لشريف عرفة.

يظهر عادل إمام فى هذا الفيلم فى دور ابن البلد الشجاع الذى يدافع عن «يسرا» الفتاة الهاربة وعن شرفها إزاء رجال ذوى عضلات ضخمة ويهزمهم بالطبع. جرعة النقد تزداد لأدوار عادل إمام، خاصة إصراره فى الدخول فى معارك بدنية تتطلب كمالا جسديا ومرونة بدنية يفتقدها، ولكن يمتلكها منافسوه وأعداؤه، وعلى الرغم من هذا التفاوت اللافت فإنه دائما الأقوى، مما يجعل هذه المشاهد تصل إلى حد الكوميديا غير المقصودة وبشكل كما رأيناه فى فيلم «رسالة إلى الوالى» 1997 لنادر جلال الذى توجد به مشاهد من المواجهات العنيفة التى تتطلب من المشاهد أن يصرف النظر عن أشياء واضحة مرئية فى معالم «عادل إمام» منها إخفاقه البدنى وكبر السن وأن يصدق ما جاء فى القصة! ذهبت الباحثة إلى أن التوافق الضمنى بين عادل وجمهوره ربما يرتبط بأحلام الرجل الصغير إزاء الفئة الحاكمة فى مصر والتى اختار «إمام» أن يمثله فى أغلب أفلامه ويعبر عن شكوكه، وبالأخص لأننا نجد أن هذا النوع من الخيال قد امتد مؤخرا إلى الجيل الجديد من الممثلين إلى جيل العولمة ومن أهمهم محمد هنيدى. من جديد يسلم «عادل» عصا التتابع لخليفته «هنيدى»، ولكن فى مضمار مختلف مع الألفية الجديدة أو ما أطلقت عليه الباحثة عنوان «أبطال العولمة»، والتى افتتحها «عادل إمام» بموجة جديدة من الأفلام تركزت حول شخصية المهاجر ومنهم «هالو أمريكا» 2000 لنادر جلال، قدم «بخيت» (عادل إمام) عضو برلمان سابق يعيش فى حى شعبى فقير ولايملك المال ليتزوج من خطيبته ويقرر الهجرة معها إلى نيويورك، وهناك يعيشان جميع إحباطات ونجاحات المهاجر من التسول فى الشوارع إلى الغنى الفاحش حتى يعودا إلى نقطة البداية ويصبحا مطاردين فى الشوارع!

«فيولا شفيق» ترى أن جميع أفلام الهجرة لاتقدم هذه الرؤية السوداوية، بل يحاول البعض إثبات عكس ذلك، بل تجسيد حلم تفوق وكفاءة الرجل المصرى على الساحة الدولية.. واستندت فى رؤيتها لأفلام سبقت هذه الموجة وساعدت فى ترسيخها مثل «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» 1998 لسعيد حامد بطولة «محمد هنيدى»، الذى كان فى هذا الحين لايزال نجما صاعدا، ونال الفيلم قدرا عاليا من الجماهيرية جعله نقطة انطلاق لسلسلة من الأفلام خصصت لمحمد هنيدى، وكانت أيضا نقطة تحول بدأت تفسح المجال لجيل جديد من الممثلين! «هنيدى» قدم فى «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» شخصية «خلف» الذى نشأ فى قرية صعيدية وحصل على مجموع عالٍ فى الثانوية يؤهله لدخول الجامعة الأمريكية ولكن الفجوة بينه وبين زملائه كانت عميقة وتمتد إلى كل المجالات من اللغة والتفكير للتصرفات والملابس، ولكن ينجح «خلف» فى أن ينال صداقة واحترام زملائه وحتى حب فتاة جميلة (منى زكى). التحليل الطبقى الذى قدمته الباحثة ارتكن إلى الوضوح الشديد فى التباين الطبقى والإقليمى الذى تستعرضه الشخصيات والدراما التى تنجح شخصية «خلف» فى إذابة كل الفوارق عبر تأكيد «القومية» من خلال شخصية العدو اللدود والتى جسدها الأستاذ «سراج» (هانى رمزى) الذى يبدو أمريكانيا متمصرا أو مصريا متأمركا يعارض نشاط «خلف» ويحاول الإيقاع به بسبب تبنيه للقضية الفلسطينية وعرقلة حركة التضامن الطلابية فى أن تنظم تظاهرة فى الحرم الجامعى، ولكن تفشل مكائد «سراج» ويقوم الطلاب وعلى رأسهم «خلف» بالتعبير عن رأيهم. «د.فيولا» اعتبرت فيلم «همام فى امستردام» 1999 لسعيد حامد مثلا واضحا «لعولمة» قصص السينما الجماهيرية المصرية، وتشير إلى أنه تم استخدام هذا الفيلم الذى قدم «محمد هنيدى» فى دور شاب مهاجر من أصول شعبية نفس موضوع المواجهة العربية الصهيونية، وينتهى بنجاحه الاقتصادى الذى واكب إصراره على هويته المصرية وأصوله التى ظهرت جلية فى حياته الأولى فى حارة شعبية قاهرية، واعتقاداته الأخلاقية المتباينة عن صديقه المصرى المسيحى «أدريانو» أحمد السقا. ماذهبت إليه الباحثة «فيولا شفيق» فى نتائج دراستها وتحليلها المختلف عن سابقيها وربما ثورتها على الرؤية النقدية لسابقيها كما رصدها «سمير فريد» فى دراسة له كانت الفكرة الأهم فيها هى تخلى السينما المصرية عن موقفها التابع للصفوة، وتفاصيلها لصورة الباشوات والبيئة الارستقراطية، ثم عدلت موقفها لصالح الطبقة الوسطى وحلمها فى الصعود الاجتماعى منذ سقوط الملكية عبر ثورة يوليو وحتى حكم أنور السادات. هذه الرؤية المبسطة التى ارتكنت لفكرة السينما مجرد «مرآة» للمجتمع دفعت «د.فيولا شفيق» إلى اعتماد أساليب نقدية غريبة فى هذه الدراسة المثيرة للجدل، وللعلم هى حاصلة على دكتوراه من جامعة هامبورج فى السينما العربية، ولعل اعتمادها على مناهج النقد الغربية كان مثار انتقاد لهذه الدراسة التى نوقشت الأسبوع الماضى بالمجلس الأعلى للثقافة! إلا أن هذه الانتقادات لا تنفى عن الدراسة أهميتها وتفردها فى تناولها واعتمادها على وجهة نظر جديدة لرؤية السينما الجماهيرية وقدمت قراءات مغايرة لما اعتدناه فى نقدنا العادى لهذه الأفلام.

ومن أهم ما حرصت د.فيولا على مناقشته ومحاولة تحليله فى دراستها ذلك الصراع الطبقى الذى اشتعل فى مصر بين الميلودراما والسينما الواقعية، وخاصة فيما بعد ثورة 1952 وانقلاب الضباط الأحرار، حيث بدأ النقد المصرى ينظر لها على أنهما نقيضان يمثلان أهدافا طبقية متضادة، حيث إن الميلودراما ارتبطت فى النقد المصرى بأنها سينما ما قبل الثورة، والتى كانت تفضل ديكورات الطبقة الغنية الفاخرة، وتصوير القصور الإقطاعية حتى إنها تستخدم موضوعات درامية غير واقعية تتعلق بالخيانة والمرض، فبدت الميلودراما وكأنها متعلقة بالتجارية والنمطية والتكرار والكذب، منها نتاج للوعى الطبقى المغيب، وقد كان للنقد المصرى الدور الأكبر لنشر هذه الفكرة السلبية عنها، أما الواقعية حسب الدراسة فهى التى تم استبدالها بعد ذلك بتصوير الفيلم الواقعى فيما بعد الثورة، وأخذ من شقق الموظفين والحارات والمناطق الشعبية والفقيرة أماكن للتصوير، فباتت الواقعية مرتبطة بطابع الصدق والخصوصية.
د.«فيولا» تعلق قائلة: على الرغم من ذلك فإن طريقة الميلودراما والتى دخلت مجال الفن المصرى من قبل السينما عن طريق مسرح يوسف وهبى، وجدت نجاحا كبيرا فى كثير من الأفلام حيث ثانى فيلم طويل مصرى هو فيلم «ليلى» الذى عرض سنة ,1927 ويدور حول الحب والخيانة وحتى بعد التحام الفيلم الغنائى مع الميلودراما، ورغم الانتقادات إلا أن أفلاما مثل «دموع الحب» 1935 لمحمد عبدالوهاب و«ليلى» 1942 لتوجو مزراحى و«لحن الخلود» سنة ,1952 و«دعاء الكروان» 1959 لهنرى بركات و«أبى فوق الشجرة»، 1963 لحسين كمال، و«خلى بالك من زوزو» 1972 لحسن الإمام، و«الباطنية» 1980 لحسام الدين مصطفى، وجدت نجاحا كبيرا ولن تنسى من ذاكرة السينما، وحتى فى الآونة الأخرى وجد هذا النوع مثل «أبناء وقتلة» 1987 لعاطف الطيب، «الجراج» 1995 لعلاء كريم وأخيرا «تيتو» 2004 لطارق العريان! تيمة الحب الطبقى رصدتها الباحثة فى كثير من الأفلام الميلودرامية الناجحة التى قدمت قصصا عاطفية يعوقها الفارق الطبقى، رغم استخدامها الحبكة المعتادة، حيث يلعب القدر الدور الأكثر فاعلية فيكون هناك إعاقة بدنية أو اغتصاب وإغراء أو أعداء يحاولون التفرقة بين الواقعية فى الغرام أو الصراع العاطفى الناتج عن الأب المستبد أو شخص سلطة مثل ابن العم الشرير فى «الوردة البيضاء» و«صراع فى الوادى» 1954 أو الخال فى «دعاء الكروان» .1959

الباحثة استنتجت من خلال تحليلها أن الواقعية غالبا ما تكون ممتزجة بالميلودراما فى الأعمال المصرية، ومن الأفلام التى توضح امتزاج واقعية المرحلة الناصرية بالشكل الميلودرامى فيلم «بداية ونهاية» سنة 1960 لصلاح أبو سيف الذى تدور أحداثه قبل انقلاب,1952 وتدور أحداثه حول أسرة بورجوازية صغيرة لها أربعة أبناء يتدهور حالها الاقتصادى بشكل كبير بعد موت الأب وتصبح من غير عائل حقيقى وتأتى الضربة القاضية على يد الابنة الوحيدة «نفيسة» - سناء جميل - التى لم تفلح فى جذب عريس بسبب جمالها المتواضع وفقرها، فأخذت على عاتقها إعالة أمها وأخيها الصغير «عمر الشريف»، الذى يحلم أن يصبح ضابطا، ولكن يغرر بها فى يوم ما ابن البقال واعدا إياها بالزواج الذى لا يتم فتتجه نفيسة يائسة للشارع لتبيع عرضها وينتهى بها التصاعد الدرامى بالقبض عليها، فيكتشف أخوها الصغير حقيقة أمرها، فيقودها من الحجز إلى كوبرى قصر النيل حسب رغبتها لتلقى بنفسها فى الماء، ولكن فى نقطة تحول أخيرة مفاجئة، يقرر الأخ الانتحار شاعرا بتأنيب الضمير، وهكذا ينتهى الفيلم نهاية تراجيدية مؤثرة .. تقول د. «فيولا» إن موضوع التغرير والاغتصاب ظهر فى أفلام ذات توجه واضح ومؤيد بشكل كبير للتقدمية والحداثة مثل «دعاء الكروان»، حيث يجعل الفيلم آمنة «فاتن حمامة» على خلاف أختها تتوافق أكثر مع المهندس بسبب التعليم، وهو ما يمنحها القوة والصلابة لمكافحة الهيمنة الطبقية «الجنسية».

الدراسة لم تؤرخ لأهمية دور التعليم فى فيلم «دعاء الكروان» فقط الذى منح دورا إيجابيا للتعليم فسبقه فيلم «أرض الأحلام» 1957 لكمال الشيخ، «قنديل أم هاشم» 1968 لكمال عطية، والذى قلت فيه المكونات الميلودرامية، وظهر فيه الأبطال أطباء شبان يعملون فى الأقاليم يصارعون الجهل والسلطة التقليدية الرجعية.. وتقول فى ذلك الباحثة أنه على الرغم من أن أفلام المرحلة الملكية سبقت فى ترشيح التعليم كوسيلة للمقاومة والصعود الاجتماعى، كما جاء فى «العزيمة»,1935 و«السوق السوداء» 1945 إلا أن ما بعد 1952 أخذ النظام الجديد يشجع على التعليم المجانى وفى مجال السينما أيضا، ويضمن فرصة العمل فى القطاع العام، وهذا منح فرصا جديدة للصعود الاجتماعى، وساهم فى تكوين ما يسمى ببرجوازية الحكومة الجديدة، وهى التى رسخت مقولة «إن فاتك الميرى...».. وعلى الرغم من الدعوة للتعليم، إلا أنه لم يرتبط دائما بموقف أخلاقى معين ثابت..فتقول د. «فيولا» أنه من الصحيح أن أفلام ما بعد ,1952 فضلت تصوير الباشوات وأعوانهم على أنهم أشرار مستبدون جشعون، ولكن لا يعنى ذلك أن تمثيلهم قبل الثورة لم يكن على نقيض ذلك، بالعكس، فالثرى المكار الانتهازى الذى يغرر بالفتيات الفقيرات أو يسعى للزواج من فتاة غنية التى يحبها شاب فقير كان نموذجا من النماذج السائدة فى تلك المرحلة، وكذلك لم يستثن تصوير هذا الشاب من الطبقة المتوسطة المتعلمة فى فيلم «دعاء الكروان» من التصوير السلبى الجشع فى الخمسينيات، وبنفس الطريقة وعلى الرغم من التوجه الاشتراكى المعلن لنظام عبد الناصر، لم ينج أعضاء الطبقة العاملة من تقديمهم كأشرار، كما أثبت فريد شوقى فى قصة من ابتكاره فى دور «حميدو» 1953 من إخراج نيازى مصطفى عن صياد مجرم، وفى أفلام أخرى من نوع الحركة مثل «الوحش» 1954 لصلاح أبو سيف، وكذلك «أبو حديد» 1958 لنيازى مصطفى الذى يدور فى وسط صيادين.

وتقول د. فيولا شفيق فى محاولة منها لرصد كيف تأثرت السينما فى أنواعها وتوجهاتها بالأحداث السياسية والاجتماعية على مدى تاريخها أنه فى أعقاب هزيمة الجيش المصرى عام 1967 واحتلال ما تبقى من الأراضى الفلسطينية، والتى أصبحت نقطة تحول فى مصداقية وشعبية النظام الناصرى فى مصر والعالم العربى ظهر نموذج آخر للمواجهات على الشاشة يُحمل المسئولية للنظام، وهى ما أطلق عليه «على أبو شادى» مصطلح «الفيلم السياسى» .. فركزت الأعمال بعد النكسة على فشل النظام نتيجة لفشل مجموعة من الفئات الاجتماعية، وقد تركزت على تمثيل المثقف اليائس والبرجوازى المنحط شخصية رجل الحزب الانتهازى، كما نرى فى فيلم «ميرامار»، وقد حاولت مؤلفات نجيب محفوظ المصورة فى تلك الفترة «ميرامار»1969 لكمال الشيخ و«ثرثرة فوق النيل»1971 أن تعطى إجابة أكثر تعقيدا عن مصدر الصراع ومن هو المسئول عن تلك النكسة .. أما أفلام السبعينيات الهادفة كما تقول الباحثة ففضلت شيئا فشيئا الرجوع إلى رواية البطل الواحد الذى يجد نفسه فى مواجهة فساد لا حل له يتمثل فى شخصية تفتقد الضمير مثل «الرصاصة لا تزال فى جيبى» 1974 و«على من نطلق الرصاص» و«المذنبون» 1978 وما يليها من أفلام تابعة لموجة الواقعية الجديدة مثل «سواق الأتوبيس» 1982 و«العوامة 70» 1982 وقد اقترب أبطال هذه الأفلام من سينما الحركة فى السبعينيات بسبب استعدادهم للصراع وعدم الخضوع والاستسلام للأوضاع والرغبة فى مكافحتها بقوة !

انتهت د. «فيولا» فى الدراسة - المثيرة للجدل - إلى النظرية التى كانت ترى أن السينما المصرية تخلت بعد 1952 عن منظور الباشوات وتبنت موقف الطبقة الوسطى نظرية مغرية، ولكنها غير شاملة لأنها تتجاهل الطابع «النقاشى»، أى متعدد الأصوات للأعمال والثقافة الجماهيرية، وقالت: - ليس هناك شك أن صناعة السينما المصرية قد تعرضت لتغيرات هيكلية وضعتها فى أيدى وملكية الطبقة الوسطى المحلية، ولكن لم تكف أعمالها أن تعبر عن رؤية ومواقف ومفاوضات طبقية بين ما يسمى بالثقافة الهابطة وثقافة الصفوة !

روز اليوسف المصرية في 5 يناير 2008

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)