ملفات خاصة

 
 
 

خالد مزنر.. وهج خاص في مهرجان عمّان السينمائي

ناهد صلاح

عمّان السينمائي

الدورة السادسة

   
 
 
 
 
 
 

للموسيقى في السينما دورٌ وأثر، يُفترض أن نشعر به وأن يلقى إهتماما نقديا، لكن ما حدث أن الحركة النقدية إجمالا تغافلت عنه، أخص بالذكر الحركة النقدية العربية التي بدأت تعير الموسيقى التصويرية بعض الاهتمام في السنوات الأخيرة، حيث بدأت بعض الأقلام  تهتم بالمتابعة وبالرصد التاريخي، من خلال هذه الكتابات ترسخ الحضور الموسيقى باعتبارها جزء من النص السينمائي، يواكب تفاصيله وحالاته.. هذا المدخل بمناسبة الحضور الساطع للموسيقي اللبناني خالد مزنر في الدورة السادسة لمهرجان عمّان السينمائي الدولي- أول فيلم "عالم خارج النص" (2-10 يوليو 2025).. خالد مزنر من هؤلاء المؤلفين الموسيقيين الذين يتعاملون مع السينما بإصرار الفنان المشارك في صناعة الفيلم، يقرأ السيناريو ويتماهى مع أحداثه وشخوصه، تجلى ذلك في أعماله الفيلمية، وهو ما أكده في لقائه المفتوح ضمن فعاليات مهرجان عمّان، إذْ بدا متوهجا بين شاشة تعرض مقاطعا من مشاهد فيلمية تتخللها موسيقاه، وبين البيانو الذي يعزف عليه أحيانًا بعضا من هذه المقطوعات، وهو في درجة عالية من حساسية الكلمة الصادقة التي عادة تجد طريقها في هذه اللحظة التنويرية.

هذه اللحظة التي لا مفر فيها من أسئلة عدة ومُتداولة، أهمها في رأيي:  هل يتأثّر المؤلف الموسيقي بإنجازه، هل يدفعه إلى طموح أكبر في النجاح أم ينحو بألحانه صوب المخزون في وجدانه؟.. تساؤلات غير معنيّة بالتطور الذي نلحظه في التأليف الموسيقي للسينما فقط، إنما بحالات وإنفعالات الفنان وما يسهم في إنتاجه الموسيقي الذي يطلع لجمهور يتلقفها وينفعل بها حسب تأثره بها.

عبقرية التأليف حاضرة  في ألحان خالد مزنر خلال أفلام تعبر عن خصوصية فنية سواء في موضوعاتها أو صورها أو شخوصها، أظن هذا بديهيا معه وهو متعدد الأبعاد، إذا جاز التعبير، (موسيقيّ، مؤلّف، مغنٍّ، شاعر).. اللبناني الضارب في جذوره إلى عمق الموسيقى الذي عاشها بين عائلته الفنية وجيتار أمه الموسيقية، المتأثر بالموسيقى اللاتينية والكلاسيكية العالمية، المتغلغل في أحوال ومآل بلده الصغير جغرافيا كقبضة اليد، الكبير بأحداثه وأهواله، نتلمس ذلك ببعض التفكير والتأمل في أفلام مثل تلك التي اشترك فيها مع زوجته ورفيقة مشواره الفني والإنساني المخرجة نادين لبكي: "بيروت بعد الحلاقة"، "كراميل/ سكر بنات"  "وهلأ لوين؟"، "كفر ناحوم"...وغيرها

يصعب علي عيني حين أشاهد فيلم "سكر بنات/كراميل"، كي أستمع إلى موسيقاه المبهجة، فهذه البهجة جزء من حالة الفيلم، فيلم عن النساء مترع بالرومانسية، والموسيقى فيه جزء من هذه الحالة، عرف مؤلفها أن ينفعل بالحكاية ويسجلها في "نوتة" موسيقية، خالد مزنر نفسه أكد أنه حين وضع هذا الفيلم كان في بداية علاقة الحب بينه وبين مخرجة الفيلم نادين لبكي، فجاءت موسيقاه لتعبر عن قصتهما التي تتشابه مع الفيلم في رومانسيته وانفتاحه على الحياة.

إذآ، فإن "سكر بنات/ كراميل" كان منعطف مهم في طريق خالد مزنر ، توالت بعده خطوات كثيرة وبارزة، حصل على جوائز عالمية كبيرة عن بعضها، وتعرفنا من خلالها أكثر على فنان معني بالسينما ومهتم بها بقدر يوازي إنشغاله بالموسيقى.

في مهرجان عمّان السينمائي عزف خالد مزنر  من "وهلأ لوين"، واستمعنا ل  (يمكن لو) من نفس الفيلم، حالة مختلفة لفيلم يقدم نظرة نسوية لكنها مختلفة، إنها نظرة للحرب اللبنانية التي وقع ضحيتها جميع اللبنانيين، من خلال فيلم هو أقرب في شكله للفيلم الموسيقي (ميوزيكال)، ثم تأت تجربة "كفر ناحوم" وهي أصعب وحالة أخرى مفرطة في واقعيتها الكابوسية.

على أية حال فإن الحضور الاستحواذي بفنه ومؤلفاته الذي حققه خالد مزنر في مهرجان عمّان، يتماثل مع تجربته الثرية التي تستحق وقفة تأمل.

 

اليوم السابع المصرية في

10.07.2025

 
 
 
 
 

مهرجان عمّان السينمائي يختتم دورته السادسة بتوزيع الجوائز على مستحقّيها

عمّانكريستين حبيب

بعد 9 أيامٍ حافلة بالأنشطة السينمائية، من عروض أفلام، مروراً بالندوات واللقاءات الحوارية وليس انتهاءً بمنصة تسويق المشروعات السينمائية، اختتم مهرجان عمّان السينمائي الدولي فعاليات دورته السادسة في العاصمة الأردنية.

من «مركز الحسين الثقافي»، حيث كان الافتتاح في 2 يوليو (تموز)، ذكّرت مديرة المهرجان ندى دوماني بهويته: «هو مهرجان متجذّر في محيطه، لكنه منفتح على العالم، وهذا ما نطمح أن يستمرّ». وما الأفلام الفائزة بجوائز «السوسنة السوداء» سوى انعكاس لتلك الهوية، وللشعار الذي رفعه المهرجان هذا العام «عالم خارج النص».

جوائز الأفلام الروائية العربية

بحضور الأمير علي بن الحسين وزوجته الأميرة ريم علي، رئيسة المهرجان، توزّعت الجوائز على الفئات المتنافسة؛ من أفلام روائية طويلة، إلى أفلام قصيرة ووثائقية. مع العلم بأن 62 فيلماً من 23 دولة شاركت في هذه النسخة من المهرجان.

عن فئة الأفلام الروائية الطويلة، فاز «الذراري الحمر» من تونس للمخرج لطفي عاشور بـ«السوسنة السوداء». يتناول الفيلم المقتبس عن قصة حقيقية، انعكاس الإرهاب والعنف على الطفولة المهمّشة. وقد حصل الممثل الرئيسي في الفيلم الطفل علي الهلالي على تنويه خاص عن دوره. وقد تقاسمَ هذا التنويه مناصفةً مع الممثل الشاب عزّام أحمد عن دوره الرئيسي الأول في فيلم «أناشيد آدم».

وعن فئة الأفلام الروائية، فحاز الفيلم الفلسطيني «إلى عالم مجهول» للمخرج مهدي فليفل جائزتَي لجنة التحكيم والجمهور. ويتناول الفيلم رحلة هروب صديقَين فلسطينيَّين إلى أوروبا؛ بحثاً عن حياة أفضل، حيث يجدان نفسيهما في مواجهة تحديات وصعوبات كثيرة.

أما الفيلم الأردني «سمسم»، الذي شكّل إحدى مفاجآت المهرجان، بما أنه من صناعة مواهب شابة في تجربتهم السينمائية الأولى، فقد نال تنويهاً خاصاً لأفضل كاتبة سيناريو في تجربة أولى. وسط تصفيق الجمهور، صعدت كاتبة الفيلم تمارا عويس، والمخرجة سندس السميرات إلى المسرح لتسلُّم الجائزة. وعن الفيلم ذاته، نالت الممثلة الصاعدة سجى كيلاني تنويهاً خاصاً لأفضل أداء بدور رئيسي للمرة الأولى.

ويعالج الفيلم، عبر قصة منبثقة من المجتمع الأردني، قضية الطلاق وانعكاساتها على المرأة في حياتها العائلية والمهنية. كما يتطرّق بجرأة إلى توق الأنثى إلى الحرية، بعيداً عن القيود التي يفرضها المجتمع الذكوري.

جوائز الأفلام الوثائقية العربية

بالانتقال إلى الأفلام الوثائقية، اختارت لجنة التحكيم «احكيلهم عنّا» للمخرجة الأردنية رند بيروتي، وقد نال الفيلم كذلك جائزة الجمهور في المهرجان. ويوثّق العمل حكاية 7 فتيات من أصول عربية وكردية وغجريّة، يقمن بشقّ طريقهنّ إلى مرحلة النضج في الريف الألماني. بحثاً عن طرق لتخطي التمييز والضغوط العائلية، تعرض تلك المراهقات مشاكلهن وأحلامهن الجامحة أمام الكاميرا.

ومن بين الأفلام الوثائقية التي لاقت استحساناً كبيراً في مهرجان عمّان السينمائي، «أبو زعبل 89» للمخرج المصري بسام مرتضى. يوثّق الفيلم لحكاية مرتضى الشخصية مع والده الذي اعتُقل لأسباب سياسية في سجن أبو زعبل، ثم غادر إلى النمسا بعد خروجه، تاركاً بسام ووالدته مع مجموعة من أشرطة الكاسيت والرسائل التي تروي ذكريات العائلة.

حصل «أبو زعبل 89» على تنويه خاص من لجنة التحكيم، كما نال جائزة «فيبريسي (Fipresci)»، التي يقدّمها «الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية».

أما جائزة «السوسنة السوداء» لأفضل فيلم وثائقي، فقد ذهبت مناصفةً إلى «أمك، أمي» من المغرب، و«نحن في الداخل» للمخرجة اللبنانية فرح قاسم.

ويتناول كلٌ من العملَين قصصاً شخصية، حيث يوثّق الفيلم المغربي لعلاقة المخرجة سميرة المزغباتي مع والدتها. بينما تعود فرح إلى طرابلس بعد سنوات من الغياب، أملاً في إعادة التواصل مع والدها عبر اللغة الوحيدة التي يؤمن بها، أي الشعر.

جوائز الأفلام العربية القصيرة

للأفلام العربية القصيرة حصّتها كذلك في مهرجان عمّان السينمائي، وقد نال «السوسنة السوداء» فيلم «نهار عابر» للمخرجة رشا شاهين، وهو إنتاج مصري - سوري مشترك. أما جائزة لجنة التحكيم فحصل عليها الفيلم اللبناني «آخر أيام الصيفية» للمخرج بيار مزنّر. وقد ذهب التنويه الخاص إلى فيلم «مانجو» من مصر للمخرجة رندة علي. أما جائزة الجمهور لأفضل فيلم قصير فذهبت إلى «ونعم» للمخرج مساعد القديفي من الكويت.

جوائز الأفلام غير العربية

وفي خطوة جديدة في هذه الدورة من المهرجان، استُحدثت جوائز للأفلام غير العربية التي دخلت المنافسة للمرة الأولى. منح أعضاء لجنة التحكيم أصواتهم للفيلم السويسري «كلب قيد المحاكمة (Dog on Trial)»، بينما حصل على جائزة «السوسنة السوداء» الفيلم الأميركي «لمسة مألوفة (Familiar Touch)»، أما جائزة الجمهور لأفضل فيلم غير عربي فقد نالها فيلم الرسوم المتحركة التشيكي «حكايات من حديقة سحرية (Tales from the Magic Garden)».

على مدى 9 أيام، حاول «مهرجان عمّان السينمائي الدولي - أول فيلم» أن يتلاقى مع شعاره ويروّض عالماً خرج عن نصّه وعن طَوره. لم يكتفِ بعرض أفلامٍ ذات محتوى إنسانيّ عالٍ، بل خلق مساحاتٍ للتشبيك واللقاء والبساطة بين صنّاع الأفلام والمهتمّين بالشأن السينمائي من العالم العربي والعالم، من دون تكلّفٍ ولا بهرجة.

قبل أن تختمَ المهرجان واعدةً بتجديد اللقاء العام المقبل، تستذكر ندى دوماني عبارةً قالها أحد الضيوف ولم تسقط سهواً في أذنها: «This is a festival with a heart (هذا مهرجانٌ ذو قلب)».

 

الشرق الأوسط في

11.07.2025

 
 
 
 
 

جيم شيريدان في ضيافة عمّان السينمائي

عمّان

 في ندوة خاصة أقيمت ضمن فعاليات مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أول فيلم، استضافت الدورة السادسة المخرج الإيرلندي العالمي جيم شيريدان، الذي تحدّث أمام جمهور كبير عن مسيرته الفنية، وتجربته الإنسانية في السينما، ومفهومه العميق للإخراج والأداء والحرية الإبداعية. وبخبرته السينمائية الممتدة لأكثر من 36 عاماً والتي أثمرت أفلاماً دخلت التاريخ وترشحت إلى الأوسكار، باح المخرج المخضرم بتفاصيل عن طفولته وعلاقته بأبوَيه وكيف انعكست على أعماله السينمائية.

وفي الحوار الذي أداره المخرج المصري يسري نصر الله، ضمن قسم «الأول والأحدث» في المهرجان، استشهد شيريدان بكثيرٍ من الشعر وبمخزونه المسرحيّ. فهو لم يدخل عالم السينما سوى في سن الأربعين، بعد أن بدأ مسيرته مخرجاً على خشبة المسرح، وعلى إيقاع مقتطفات من أبرز أفلامه، سار اللقاء الذي عُقد في «الهيئة الملكية الأردنية للأفلام».

وقال شيريدان «والدتي لعبت دوراً كبيراً في حياتي ومسيرتي»، ولطالما شعر بالذنب تجاهها، هي التي ماتت والدتها في اللحظة التي أنجبتها: «ورثت شعورها بالذنب تجاه أمها منذ كنت في أحشائها، شعرت بذُعرها، وكان لا بدّ من أن أكرّمها وجدّتي من خلال أفلامي».

وأطلعَ شيريدان الجمهور كذلك على الأثر الذي تركته وفاة شقيقه فرانكي المبكرة على عمله، وتحديداً على «My Left Foot». أما علاقته المعقّدة مع والده «المتسلّط» فتجلّت كذلك من خلال أعماله السينمائية، لا سيما عبر «In the Name of the Father».

واللافت في المخرج المشرف على ثمانينه، أنه لا يخجل من البُعد العاطفي الذي يُثري به أفلامه. حتى إدارة الممثلين بالنسبة إليه هي عملية نابعة من الحب. «لا تحتاج إلا إلى الحب لإدارة الممثلين. التقنيات شيء والحب شيء آخر».

ويوضح شيريدان: «إما أن يكون المخرج طاغية وإما أن يكون محباً، لا حل وسطاً، وأنا من الفئة الثانية». وأشار شيريدان إلى أسلوبه الخاص في التعامل مع الأطفال الممثلين، مشيراً إلى أنه لا يرغب في تخويفهم أو تحميلهم الخطأ، بل يتظاهر بأن الخطأ من عنده هو، لتشجيعهم على التعبير بحرية. وعن رؤيته للإبداع، قال:»الإبداع هو أن تقدّم فكرتك وسط القيود المجتمعية، بطريقة لا تعيق رسالتك ولا تخرق تلك الحدود».

وأشاد شيريدان في الندوة التي أدارها المخرج الكبير يسري نصر الله بوعي الجمهور العربي وتفاعله، معربًا عن سعادته بوجوده في عمان ومشاركته في مهرجان يحتفي بالصوت الإنساني والفني معًا. وفي ختام الجلسة، منحته الأميرة ريم علي، رئيسة المهرجان، درع «السوسنة السوداء»، تكريمًا لمسيرته المؤثرة وإسهاماته في السينما العالمية.

وتأتي استضافة شيريدان بعد اختيار إيرلندا ضيف شرف الدورة السادسة من المهرجان، احتفاءً بتقاطع السرديات الإنسانية بين السينما الإيرلندية والعربية، وتأكيدًا على الجسور الثقافية العابرة للحدود.

 

الدستور الأردنية في

11.07.2025

 
 
 
 
 

اختتام فعاليات الدورة الــ6 من مهرجان عمّان السينمائي الدولي-أول فيلم

اختتمت مساء الخميس في مركز الحسين الثقافي بعمّان، فعاليات الدورة السادسة من المهرجان، وذلك بحضور سمو الأمير علي بن الحسين رئيس مجلس مفوضي الهيئة الملكية الأردنية للأفلام وسمو الأميرة ريم علي رئيسة "مهرجان عمّان السينمائي الدولي-أول فيلم".

وفي حفل ختام المهرجان الذي حضره صاحبا السمو الأمير عبدالله بن علي وجليلة بنت علي، قالت مديرة المهرجان ندى دوماني في كلمة ألقتها إنه في السينما كما في الفن، الأهم هو البحث لا اليقين المطلق، التساؤل لا الجواب، منوهة بأن المهرجان يحتفي بالرواة الذين يروون القصص لأنهم يملكون كل الأجوبة ويتحلون بشجاعة السؤال.

دوماني التي تساءلت في كلمتها "هل خرجنا عن النص حين واصلنا التحضيرات للمهرجان، بينما صفارات الإنذار تدوي في عمّان والحرب مستعرة والإبادة مستمرة، وهل خرجنا عن النص حين استغنينا، وللسنة الثانية على التوالي، عن السجادة الحمراء عن البهرجة والطقوس الاحتفالية المعتادة تضامنًا مع الفلسطينيين في مأساتهم ومعاناتهم"، نوهت إلى أن مجلس إدارة المهرجان اعتبر الاستمرار بهذا الحدث صمودا ثقافيا.

وأكدت في الحفل الذي حضره عدد من أعضاء مجلس الأعيان والمسؤولين وصناع الأفلام والمعنيين، أن المهرجان يحتفي بالتعددية كمرآة للنسيج المجتمعي الأردني ويروج لعمّان وللأردن الذي نحب، مقدمة شكرها لفريق المهرجان ولجميع الشركاء والداعمين للمهرجان.

وأشارت إلى أن المهرجان منح مساحة كبيرة لأفلام فلسطينية خصوصا تلك القادمة من غزة، مثلما عرض 11 فيلما أردنيا إلى جانب خمسة مشاريع أفلام أردنية وهو رقم غير مسبوق في مهرجان سينمائي دولي.

ولفتت دوماني إلى أن هذه الدورة حظيت بأفلام من مدينتي إربد والسلط ومن إخراج أبناء هاتين المدينتين تنافسا مع أعمال لافتة من مختلف أرجاء الوطن العربي.

وأشارت إلى أن المهرجان نجح في خلق مساحة للتشبيك وتأمين تجربة سينمائية تضع المحتوى في قلب الحدث ووفر مرآة لقضايا الإنسان وحكاياته ومعاناته وانتصاراته ولم يغفل عن قضايا البيئة والاهتمام بالحيوانات.

واختتمت دوماني كلمتها بمقولة سمو الأميرة ريم علي، رئيسة المهرجان، في كلمتها الافتتاحية: إن "العالم خرج عن النص، ولكن صنّاع الأفلام الذين اخترناهم، هم من يسهمون في إعادته إلى مساره وإلى نصّه".

وتضمن الحفل إعلان لجان التحكيم عن الجوائز، ففي قسم الأفلام غير العربية فاز بجائزة الجمهور فيلم "حكايات من حديقة سرية"، فيما فاز بجائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم غير عربي "كلب تحت المحاكمة"، بينما حصل على جائزة السوسنة السوداء في هذا الحقل فيلم "اللمسة الاعتيادية".

أما في قسم الأفلام العربية القصيرة فاز بجائزة الجمهور فيلم "صاحب السعادة"، بينما حصل الفيلم المصري "مانجو" على تنويه خاص،

فيما فاز بجائزة لجنة التحكيم فيلم "آخر أيام الصيفية"، وحصل على جائزة السوسنة السوداء لأفضل فيلم عربي قصير "نهار عابر".

وفي قسم الأفلام الوثائقية الطويلة فاز بجائزة الجمهور فيلم "أخبرهم عنا" للمخرجة الأردنية رند بيروتي، فيما فاز بجائزة فيبريسكي الفيلم المصري "أبو زعبل 89"، الذي حصل كذلك على تنويه لجنة التحكيم الخاص لأفضل مونتاج.

وفاز بجائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم عربي وثائقي طويل فيلم "احكيلهم عني" وحصل على جائزة السوسنة السوداء لأفضل فيلم وثائقي عربي طويل مناصفة كل من فيلم "أمك" وفيلم "نحن في الداخل".

أما في قسم الأفلام العربية الروائية الطويلة فاز بجائزة الجمهور فيلم "الأرض المجهولة"، فيما حصل على تنويه لجنة التحكيم الخاص في الفيلم العربي الروائي الطويل لأفضل ممثلة بدور رئيسي الأردنية سجى كيلاني عن الفيلم الأردني "سمسم"، فيما حصل مناصفة على تنويه اللجنة الخاص لأفضل ممثل بدور رئيسي كل من الممثل العراقي عزام أحمد والتونسي علي هلالي.

وحصل الفيلم الأردني "سمسم" على تنويه خاص لأفضل سيناريو في قسم الأفلام العربية الروائية الطويلة، فيما فاز بجائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم عربي روائي طويل فيلم "أرض غريبة" من فلسطين، بينما فاز بجائزة السوسنة السوداء لأفضل فيلم عربي روائي طويل فيلم "ذريري الحمر" من تونس.

 

قناة الممكلة الأردنية في

11.07.2025

 
 
 
 
 

فى مهرجان عمان السينمائى الدولى 2025:

ختام ناجح لدورة جمعت بين الجرأة الفنية والتنوع الإقليمى

كتب عمان: آية رفعت

أسدل الستار على الدورة السادسة من مهرجان عمّان السينمائى الدولى – أول فيلم، التى انعقدت فى العاصمة الأردنية من 2 إلى 10 يوليو الجارى، وسط إقبال جماهيرى غير مسبوق. الدورة الجديدة، التى حملت شعار «عالم خارج النص»، شكّلت محطة نضج وتوسّع حقيقى لتجربة المهرجان الذى انطلق قبل ست سنوات فقط، لكنه سرعان ما رسّخ مكانته كأحد أبرز المهرجانات العربية الداعمة لصناع الأفلام الجدد.

شهدت الدورة عرض أكثر من 62 فيلمًا من 23 دولة، بينها 23 عرضًا أول فى المنطقة العربية، و16 عرضًا عالميًا أول، تنوعت بين أفلام روائية ووثائقية وقصيرة، إلى جانب 3 عروض مجانية فى البوليفارد - العبدلى، وبعض العروض خارج عمان. كما تميزت هذه الدورة بمشاركة قوية للأفلام الفلسطينية، بما فى ذلك ستة أفلام من غزة، عُرضت للمرة الأولى عالميًا، وقدمت شهادات مؤثرة عن صمود سكان القطاع فى ظل العدوان.

وعلى صعيد المشاركة المصرية، حضرت بقوة من خلال أفلام ضمن المسابقات الرسمية ومشاركات مهنية فى ندوات وورش. كما شاركت مشاريع مصرية فى سوق الأفلام، ضمن أيام عمّان لصناع الأفلام.

ندوات سينمائية بين الحاضر والماضى

على مستوى النقاشات والحوارات، فقد تميّزت الدورة بندوات عميقة، منها جلسة خاصة مع المخرج الإيرلندى الكبير «جيم شيريدان»، الذى حل ضيفًا على المهرجان بمناسبة اختيار إيرلندا كبلد ضيف الشرف. فى الجلسة، التى أدارها المخرج المصرى «يسرى نصر الله»، تحدّث شيريدان عن تجربته الشخصية، مؤكدًا أن «الإبداع هو أن تقدم فكرتك وسط القيود من دون أن تفقد روحك»، مشددًا على أن المخرج لا يحتاج أن يسيطر بل أن يحب، وأن يتعامل مع الممثلين كأشخاص حقيقيين.

أما ندوة «فى وجه العاصفة: صناعة الأفلام فى زمن التقلبات الاقتصادية»، فناقشت واقع الإنتاج المستقل فى ظل التحديات الاقتصادية، وشارك فيها الأردنية «نجوى النجار»، والمصرى «حسام علوان»، واللبنانية «جيسيكا خورى». واتفق الحضور على أهمية إيجاد حلول إنتاجية محلية، وتوسيع التوزيع، والاستفادة من المنصات، مع التأكيد على ضرورة احتضان الأفلام المستقلة فى دور العرض.

أثارت بعض الأعمال تفاعلًا خاصًا لدى الجمهور والنقاد، ومنها الفيلم التونسى (الذرارى الحمر) للمخرج «لطفى عاشور»، الذى تناول فيه أول حادثة إرهابية ضد الأطفال فى تونس عام 2015. يقول «عاشور»

لـ«روزاليوسف»: «الفيلم ليس فقط عن الإرهاب كظاهرة، بل هو رحلة داخلية لطفل يبحث عن فهم الصدمة الكبرى، وعن معنى العنف فى عالم هشّ». وأضاف: «عملنا على دعم الأطفال نفسيًا طوال التصوير، وكان التحدى أن ننقل المأساة دون أن نؤذى أرواحهم.. ومدة التحضير للفيلم كانت طويلة تعدت العامين حتى نستطيع إعداد الممثلين نفسيًا لمثل هذا الحدث».

بينما قال: إن هذا ليس فيلمه الأول ولكنه الفيلم الأول لأبطاله الصغار حيث قرر أن يكون كل الأبطال من المجتمع التونسى القريب من الجبل حيث استعان بالبطل الطفل الذى كان يعيش فى قرية بجانب أحد جبال تونس والذى كان يحتوى على إرهابيين أيضًا.. مما جعل عملية التصوير فى الجبال والبرية ملائمة وواقعية.

ومن الأعمال اللافتة أيضًا، الفيلم البلجيكى التونسى الم(Têtes Brûlées ) للمخرجة مايا عجمية، التى تحدثت لـ«روزاليوسف» قائلة: «اخترت قصة فتاة صغيرة تتجاوز فقدان أخيها بنشر الحب، كنت أبحث عن طريقة لتقديم الصمود دون خطابية أو مباشرة، وذلك من خلال نموذج «آية» الفتاة الصغيرة التى قررت أن تقف بجانب أصدقاء أخيها الأكبر بعد رحيله لتقدم لهم الدعم المتبادل.. وأردت أيضًا أن أقدم نموذجًا لعائلة مهاجرة مترابطة تشبه عائلتى، حيث أن العائلات بالغربة لا تتشابه عادة ولكنى اخترت أن أقدم نموذجًا للعائلة المترابطة الداعمة لبعضها البعض حيث أن هذا النموذج الذى يجب أن تكون عليه العائلات».

نحو صناعة سينما عربية تتحرر من القيود

وبعد انتهاء فعاليات الدورة السادسة التقت «روزاليوسف» مع «ندى دومانى» مديرة المهرجان لتقييمها لنجاح تلك الدورة.. حيث قالت: «أنا راضية عن الدورة 100%. بالنسبة لى المهرجان حقق أهدافه من الصدى الواسع والتغطية الإعلامية الكبيرة والإقبال على الأفلام والندوات. نحن كل سنة نهتم أن المهرجان يكبر خطوة بخطوة مثل الولد الصغير، ولا يهمنا فقط أن يحقق انبهارًا فى أوله وبعد عامين أو ثلاثة يفقد بريقه».

وتتابع: «ميزانية المهرجان كبرت قليلًا وعدد الضيوف أيضًا، ولكن ظروف الحرب أضرت بعدد الضيوف بعض الشىء. المهرجان يعبر عن مرحلة ثقافية مهمة فى البلد، ويقدَّم لكل العالم ولكننا نُخاطب بالمقام الأول أهل الأردن».

أما عن التحديات التى قابلتها إدارة المهرجان قبل هذه الدورة، فتقول «دومانى»: «المهرجان تأثر بالحرب بكل تفاصيل الإنذار، ولكننا كفريق للمهرجان كنا مصرين على إقامة المهرجان رغم كل شىء. حتى لو ظل المجال الجوى مغلقًا، كنا سنقيمه ولو لأهل البلد فقط. فكرنا فى إقامة بعض الأنشطة أونلاين بما يتناسب مع الأوضاع. منذ بداية الحرب على غزة والأردن قريب جدًا منها فكنا نتساءل: هل يجوز إقامة المهرجان؟ وكان الجواب أن المهرجان جزء من الصمود الثقافى».

وفيما يخص السينما الأردنية، أكدت «دومانى»: «السينما الأردنية فى تطوير مستمر، ويكفى الأرقام، ففى هذه الدورة شارك 11 فيلمًا أردنيًا، ولم نختارها فقط لأنها أردنية، بل لجودتها العالية. من ضمنها فيلم من مدينة إربد وصُنّاعه منها وهو فيلم (سمسم)، وكذلك فيلم (أم المدارس) من مدينة السلط. إضافة إلى 5 مشاريع أردنية فى أيام صناعة السينما».

وعن مستقبل المهرجان تقول: «نفكر فى تقديم عروض مستمرة طوال السنة وتطوير المهرجان بشكل دائم». وحول التكريمات، قالت «دومانى»: «نحن لا نهتم بالتكريمات التقليدية، لكننا نخصص فقرة «الأول والأحدث» التى نستضيف فيها مخرجًا أو مخرجة للحديث عن أول وآخر أعمالهم. قد يُعد ذلك تكريمًا بشكل مختلف. نترك التكريمات للآخرين، بينما نحتفى بتاريخ صُنّاع السينما حول العالم بطريقتنا الخاصة». 

 

مجلة روز اليوسف المصرية في

13.07.2025

 
 
 
 
 

أيام في عمّان

ناهد صلاح

لم أكن بعد أعرف عادات عمّان، ولا أهلها، عندما زرتها العام الماضي في زيارة قصيرة جدًا كنت خلالها ضيفة مؤسسة عبد الحميد شومان، ولا تيقنت من هذه العادات عندما عاودت الزيارة في الأسبوع الماضي بدعوة من مهرجانها السينمائي في دورته السادسة، مهرجان عمّان السينمائي الدولي ــ أول فيلم (2-10 يوليو 2025)، لكنني كنت أعرف رائحة القهوة والزعتر والموتيفات الفلسطينية التي تنتشر في الشوارع والحارات المحيطة بالمسجد الحسيني بوسط البلد، هذا غير الأصوات المصرية التي تلتقطها أذناي عبر زحام الأسواق، ثمة تصيد ما لحنين لا أدرك مصدره أو أصله، غير أنه يشدني إلى فضاء واسع يمنحني صخبه وناسه نوعًا من الونس، إنها عاطفة ما تغلبني ولعلها تذكرني بأجواء الحسين وخان الخليلي والغورية، فهذه الجغرافيا النوعية تزيح عني الكوابيس الواقعية، فقبل أيام قليلة من زيارتي لعاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، كانت الحرب مشتعلة بين إيران وإسرائيل وكنت أتابع الأشقاء في الأردن في الشرفات أو على الأسطح يتابعونها، هناك طرق أخرى للمقاومة والانتصار على المخاوف.

هذه الجغرافيا النوعية بالفعل تراوغني، فهي تجعلني أكسر القاعدة، فلا أبحث عن الهدوء في زمننا الصاخب هذا، بل أتطلع إلى رفقة تعيد إلي إنسانيتي المهدورة، وكلما توغلت أو نظرت، كنت ألمح وميض طمأنينة على الرغم من كل جذور القلق التي تسكنني، ومن المؤكد أنها تسكن بشكل ما هؤلاء الحشود التي تخالطني في هذه البقعة العريقة من وسط عمّان، أو هؤلاء الذين يصطفون في طابور طويل ينتظرون دورهم للحصول على قطعة من كنافة "حبيبة".

هنا تكاد تخطفني رغبة في البكاء، أقاومها قدر ما أستطيع، فلن أستسلم لذاكرة الحروب والخيبات العربية الباهظة، لدي الآن هذا النوع من الصبر البليغ الذي يجعلني أتجول في شوارع المدينة بميادينها ودواويرها وتلالها، لعلني أتتبع خطوات السابقين من أهل البلد أو المهاجرين إليها، جميع سكانها الذين يكاد الحجر أن ينطق بأسمائهم ويحكي سرديات عدة، هنا حاضر يلامسه الأمس بأشكال متباينة، هنا "مدينة الجبال السبعة"، أشهر ألقاب عمّان الذي يدلل على أسطورية مشهدية، حتى أنه بدا لي حين أتجول في جبل عمان مثلًا، كأنني أطوف في متحف لمدينة مفتوحة على حكايات كثيرة. بينما كنت أجلس على مقهى أُحدق في أثر العابرين، فاجئني الشاب الذي يقدم لي القهوة بلهجته المصرية، كان يبتسم ووجهه بريء براءة إنسان طيب، لديه هذه القوة الذاتية بالرضا، عرفت أن اسمه بطرس جاء من ملوي في المنيا جنوب مصر ليعمل هنا منذ أمثر من خمسة عشرة عامًا.. تشير بعض التقارير أن عدد المصريين في الأردن قد تجاوز المليون مصري بقليل، أي أنه ربما يمثلون 11% تقريبًا من المجتمع الأردنى، فالأردن من أكثر الدول العربية التي يهاجر إليها المصريون.

مصر لا تُفارق خاطري، خصوصًا في هذه اللحظة، لا أريد أن يفلت مني شيئًا ولا حتى الصور العابرة، فكل تفصيلة تعينني على إدراك الذات أولًا، واحترامها ثانيًا، أحاول أن أكون يقظة في كل خطوة وأتأمل شواهد وأشخاص بمجرد أن يعرفون بمصريتي يقابلونني بحفاوة، صحيح أنني اعتدت عليها في بلاد عربية أخرى، لكنني هنا مستجدة أسعى لتسجيل واقع وأحث الزمان أن يواكب خطواتي السريعة ويتدبر معي الأمر. الحدود المتخيلة لعالمي تقريبًا طُمست تمامًا، أجوب الشوارع بلهفة، بحثًا عن مثيل لها في القاهرة التي تسكنني، نهارات ليست حارّة كالتي تركتها في مدينتي قبل أن أغادرها، بل أنني أصيبت بنزلة برد شديدة نتيجة التكييف شديد البرودة في قاعات السينما، لم يهزمني المرض المفاجيء، تحديته وباشرت تجوالي كما لو كنت في حلم طيّب.

كان يلزمني الكثير من الإيمان والحكمة والصبر وأحيانًا الوحدة التي تساعدني قليلًا على الاكتشاف. دعوات كثيرة من أصدقاء أردنيين وفلسطنيين، قبلت بعضها وتماهيت مع وحدتي على الأغلب، فهذا أمر يمنحني الشجاعة إلى حد ما، لكن الحق يقال الخروج مع الأصدقاء منحني الكثير من المعلومات والاكتشافات الجيدة التي أعانتني بعيدًا عن إغواء الوحدة.

لولا الأصدقاء ما كنت ذهبت إلى شارع الأمير محمد في مطلع جبل عمّان، ولا كنت عرفت ولا جلست على مقهى "أم كلثوم"، ولا كنت تعرفت على أحمد الذي جاء من محافظة الشرقية شرق الدلتا بمصر منذ سنوات طويلة ليعمل في المقهى، مقهى حديث نوعًا حيث افتتحه صاحبه العاشق لأغاني الست أم كلثوم وفنها من سنوات شارفت على العشرين، علق العديد من صورها على جدران المقهى الممتد بواجهته الزجاجية على الرصيف يمينًا ويسارًا، ليشبه المقاهي المصرية إلى حد كبير، مع بث أغنيات أم كلثوم لرواد المقهى الذين يتباينون في أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية والثقافية. مثير جدًا هذا المقهى الذي لم ينس مؤسسه أن يُجاور صور "الست" صور لفنانين أخرين مثل فريد الأطرش، كذلك مثير مقهى آخر يعد ملتقى لعدد من الكُتاب والمثقفين، إنه مقهى "كوكب الشرق" بوسط البلد، يشرف عمره على السبعين سنة، تفوح منه روائح البن والهيل وحميمية الأمسيات الطويلة المختزنة في الوجدان، والطالعة من خشب المقهى العتيق.

المثير أكثر أن أم كلثوم لم تذهب إلى الأردن ولا مرة واحدة، يخبرني نخبة من الكُتاب والأصدقاء الأردنيين، بينما نجلس على رصيف مقهاها بشارع الأمير محمد، إذ انتباتنا جميعًا تساؤلات الدهشة والاستغراب، كيف أن "الست" التي لاقت ولا تزال كل هذه المحبة في هذا البلد لم تزرها ولم تغني في أحد مسارحها، مع العلم أنها زارت فلسطين في الجوار عدة مرات في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، حيث أحيت حفلات في مدن مختلفة مثل القدس، يافا، و.. حيفا التي أطلقت عليها لقب "كوكب الشرق"؟ يتسلل صوت أم كلثوم مخترقًا حيرتنا:

"إزاي يا ترى أهو ده اللي جرى/ أهو ده اللي جرى/ وأنا، وأنا، وأنا، وأنا، وأنا ما عرفش، ما عرفش أنا".

يحكي لي الأصدقاء أن عبد الحليم حافظ أيضًا لم يقم أي حفل بالأردن، وإن تم الاتفاق رسميًا معه على حفل يُقام في قصر الثقافة، وهو أحد أهم المعالم الثقافية في العاصمة الأردنية عمّان. تم بناؤه في عام 1969 داخل المدينة الرياضية، لكنه لم يحدث بسبب رحيل حليم المفاجيء، بالمناسبة كذلك يوجد مقهى شهير في العاصمة الأردنية. على ما يبدو أن الأمر كان خاضعًا للصدفة، لا أكثر ولا أقل، المرة الوحيدة التي حضرت فيها أم كلثوم لتحيي ثلاث حفلات في عمّان، كان منذ نحو خمس سنوات حضور كان حديث الشارع الفني الأردني، حيث أطلت بتقنية "هولوغرام" على مسرح قصر الثقافة، وانطلقت من القاعة أصوات الجماهير:"عظمة على عظمة يا ست".

 ما لا يعرف كثيرون أن أُم كلثوم غنّت أمام جلالة الملك حسين في العام 1955، أثناء زيارته القاهرة، حين دعاه الرئيس جمال عبد الناصر لحضور حفلها السيدة أم كلثوم في "نادي ضباط القوات المسلّحة المصرية"، يُقال أنها غنّت حينذاك: "يا ظالمني، ذكريات، قصّة الأمس"، وفي ختام الحفل، كرّمها الملك حسين وقدّم لها "وسام النّهضة الأردني من الدرجة الأولى".

ربما لا يعرف الكثيرون كذلك أن الأردن كانت مزارًا للعديد من الفنانين المصريين أبرزهم يوسف وهبي وفرقته المسرحية، المعلومات المتداولة تشير إلى أن الأمير عبد الله الأول بن الحسين، مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية، كان لديه إهتمام خاص بالمسرح وأنه استدعى في العام 1932 فرقة يوسف وهبي لتقدم ثلاثة حفلات مسرحية  في قصر رغدان، وقد تأثر الحضور بالعروض خاصة بأداء الفنانة أمينة رزق التي ألهبت مشاعرهم وأبكتهم، نشرت جريدة "أبو الهول" رأي الأمير عبد الله قائلًا: "لو أن روايتكم "أولاد الفقراء" مثلت كل ليلة لشهدتها في كل ليلة تمثل فيها".. ومنذاك أصبح لـ يوسف وهبي وفرقته مكانة خاصة، وعده الأمير عبد الله ببناء مسرح في عمّان كي يعرض عليه مسرحياته، وكان يوسف بك يعرج على عمّان كلما قام برحلة إلى الشام.

أواصل تجوالي في وسط عمّان، هنا في هذا الشارع الضيق الذي أتجه إليه من المسجد الحسيني في المنطقة المواجهة للبريد القديم، كانت توجد صالة بسمان، أشاهدها أطلالًا، وهي التي كانت مسرحًا وسينما شديدة التوهج، وفيها عرض عميد المسرح العربي يوسف وهبي مسرحياته، الصالة التي أسسها رجل الأعمال واصف باشا البشارات في الشارع الذي يحمل نفس الاسم بسمان عام 1951، كان فيلم الافتتاح هو "ظهور الإسلام" عن قصة طه حسين "الوعد الحق"، فيها عُرضت كلاسيكيات الأفلام  العربية والأجنبية والهندية والعربية، منها الأفلام المصرية: "ما تقولش لحد، تعالى سلم لفريد الأطرش، وحبيب الروح لأنور وجدي وليلى مراد، و.. غيرها.

ليست دار عرض بسمان فقط التي أصبحت صفحة مطوية من تاريخ المدينة التي أتلمس بين جدرانها بعضًا من نوستالجيا أزمنة قديمة لم أعيشها، لكن ينطق بها الحجر والبشر، فهناك دور عرض أخرى أغلقت مثل بسمان، منها: سينما الحمراء بعد 60 عامًا من عرض الأفلام في عَمَّان، عاشت مجدها في أواخر الخمسينيات وستينيات القرن الماضي وكانت تستقطب جميع الناس ومن كل الطبقات الاجتماعية، أخبرني الرفاق الأردنيين أن مديرها كان هواه مصريًا، فكان يفتتح العروض يوميًا بأفلام وثائقية تحكي عن مصر، وسينما البترا التي تحولت إلى سوق كبيرة للأقمشة وهي التي كانت تأريخًا لبداية ظهور الثقافة السينمائية في العاصمة الأردنية، كانت تعرض أحدث الأفلام العربية والأجنبية الناطقة: ذهب مع الريح ، وعرض أول فيلم ناطق بعنوان "أنشودة الفؤاد" للمطربة نادرة من ﺇﺧﺮاﺝ توليو كيارينى، وأفلام نجوم الغناء والتمثيل: أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، ليلى مراد، أسمهان، فريد الأطرش، عبدالحليم حافظ.. إلخ، مع أفلام المغامرات مثل طرزان والأفلام الحربية والكابوي الأمريكية وغيرها، وأحيانًا كانت مسرح وقاعة لعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات الفنية والغنائية والسياسية والوطنية.

وسينما عمَان التي يحكي عنها أهل البلد أنها كانت تعرض فيلمين بتذكرة واحدة، أحدهما عربي والآخر أجنبي وأن تم افتتاحها عام 1957 بعرض فيلم "الأرملة الطروب" إخراج حلمي رفلة، من بطولة كمال الشناوي وليلى فوزي، كما يتذكرون وقوف توفيق الدقن على خشبة مسرحها في الستينيات وهو يحييهم ببعض عباراته الشهيرة: ألو يا أمم.. ألو يا همبكة... إلخ. وكذلك سينما الحسين التي باعت التذاكر مسبقًا لعرض فيلم "الناصر صلاح الدين" ليوسف شاهين بسبب الحشود الجماهيرية الهائلة التي أرادت حضور هذا الفيلم.

إذًا، إنها دور عرض كثيرة كانت جزء مهم من تاريخ البلد، أُغلقت، من أول دار سينما صامتة في عمّان، وهي سينما "صياح" في منطقة وسط البلد بالقرب من سوق السكّر. مرورًا بـ "البتراء"، "الإمارة" التي كانت تعمل بالنظام الصيفي، "الفردوس" "الفيومي" التي أصبح اسمها فيما بعد سينما "الخيام". إنها حالة انسحبت على كل دور العرض التاريخية في عمّان ومدن أخرى، حصرها يحتاج دراسة متعمقة للتأمل ومعرفة التحولات التي مر بها المجتمع الأردني خصوصًا بعد العام 1948، عام النكبة الفلسطينية وما تبعها من لجوء وتدفق آلاف الفلسطينيين إلى الأردن.

لا يمكن أن نتجاهل مجموعة من العوامل الأخرى التي واكبت هذا الإغلاق الذي لم يقتصر على الأردن فقط، ففي مصر مثلًا عشنا حالات متشابهة، من هذه العوامل دخول عصر الكومبيوتر والإنترنت، والقصف الإعلامي المكثف الذي استهدف تطبيع العقول لتقبل مفاهيم الكونية والعولمة، أو ظاهرة التوسع في دور العرض، وثقافة التلقي التي خرجت بمُشاهد السينما الجديد من محراب دار العرض الواحدة المهيبة إلى زحام "المول" ومطاردته بإلحاح التسوق والتشتت الإعلاني، والإختيارات الجاهزة والسهلة المستمدة من زمن "الأوبشن" حسب لغة الكومبيوتر.. وهذا أمر يطول شرحه ويحتاج سلسلة من المقالات، ما يعنيني الآن أنني كنت في عمَان أبحث عن شيء ما، فعثرت على روح مصرية تسكن الأرجاء بشكل أو أخر، روح لا تزعج الأردنيين، بل أخبروني أنهم يتونسون بها، كما أخبروني عن شوارع تحمل أسماء مصرية، لم يتسن لي الوقت ولا الفرصة لزيارتها، ربما في رحلة قادمة.

 

اليوم السابع المصرية في

14.07.2025

 
 
 
 
 

مهرجان عمّان السينمائي … النَّص والعالم الذي خارجه

سليم البيك

بالعودة إلى الدورات السابقة لـ»مهرجان عمّان السينمائي – أوّل فيلم»، وقد ختم قبل أيام دورته السادسة، يُلاحظ تقدّم وثبات في هذا التقدم، في الجودة التنظيميّة والبرمجيّة. مع كل دورة تكبر مساحةُ المهرجان ضمن خريطة المهرجانات السينمائية العربية، وتبرز هويَّتُه المميزة له، وهي اهتمامه الأساسي بالأعمال الأولى لأصحابها.

كانت هذه الفكرة مغامرة، كان يمكن أن تحصرَ المهرجانَ ضمن مستوى يجعله دون مهرجانات في المنطقة العربية، فتحت أبوابها للأفلام العربية الممكنة، لمخرجين ومخرجات صاروا نجوماً. لكن الفكرة التي رسمت هوية المهرجان الأردني جعلت من الأعمال الأولى، أساسها المتنافسون على سوسنته السوداء، مع إتاحةٍ ضمن أقسام مختلفة لما هو خارج شرط العمل الأول. فأضاف بذلك، المهرجانُ أبعاداً جديدة لبرمجته، مستضيفاً أفلاماً لا تنحصر بكونها العمل الأول لأصحابها، مع تعزيز لمكانة المتنافسين، أي الأعمال الأولى.

المهرجان، وفي ستّ دورات أحيطت بالقلق، إذ استهل دورته الأولى مع اندلاع الجائحة الصحية، تأثرت بذلك دورته الثانية. الثالثة والرابعة كانتا في ظرف طبيعي قبل أن تعود حالة الاضطراب في المنطقة مع الحرب الإبادية والحرب الإقليمية، وقد انعكست على الدورتين الخامسة، وأخيراً السادسة في تموز/يوليو.

تخطى المهرجان ما أمكن أن تفرضَه تلك الظروف عليه، فلم يخفّف من وطأة المغامرة في التخلي عن فكرة العمل الأول، أي التخلي عن موقع المهرجان الذي تكرَّس مع كل دورة في كونه الداعم الأبرز لصناع الأفلام الشباب في تجاربهم الأولى، بل حافظ على هويته التي انطلق بها، رغم ما رافقها من تحديات، ولم ينجُ بمعنى البقاء بالحد الأدنى، بل خاض مغامرة أخرى كانت في المواصلة والنمو، وقد وُلد المهرجان في ظرف عالمي طارئ كانت الأحداثُ الثقافية فيه تُلغى، وتتحوّل إلى الافتراضي. يفكّر أحدنا في ذلك ويقول إن مهرجاناً ولد وكبر، وبشكل مستقر، سيكون أكثر مناعة مستقبلاً، بوصفه حدثاً فنياً ثقافياً، في مواجهة أي ظروف طارئة يمكن أن تشهدها المنطقة أو العالم (إن كان من ظرف أصعب مما نمرّ به حالياً).

هذا يحيلني إلى شعار الدورة الأخيرة، وهو «عالم خارج النص». فالمهرجان الذي وصل سريعاً وثابتاً إلى الصفوف الأولى من الأحداث السينمائية في المنطقة العربية، بما يمكن أن يثقل عليه، كاهتمامه أولاً بالأعمال الأولى، ما يعني أن أفلاماً بعينها تكون نجوميّة لن تجد مكاناً فيه، وكالظروف التي تأسَّس ثم استمرَّ في ظلّها، وكحداثة عمره وهو لم يتعدَّ الستّ سنوات، المهرجان هذا أكّد بشعاره إلى أصحاب الأعمال الأولى أنّ الخروج عن النص، والخروج عن المتن والمألوف، أن التلقائية والمصداقية في الطرح، أن المغامرة والجرأة، الهامش والمهمَّش، كلّها من أصل العمل السينمائي، في تاريخ السينما وراهنها، وأنّ الخارجين عن النص في أعمال أولى، قبل ترويض التجربة السينمائية وتكريسها ربما، أن لكل ذلك مكانه في عالم يكون خارج النص وخارج المفروض والمتوقَّع، في مهرجان بدأ بمغامرة وبظروف استثنائية، أي خارج النص، واستقرّ على ذلك، واحتضن، باستقراره هذا، أفلاماً غير مطمَئنة، قلقة، هامشية، تحمل هواجس التجارب الأولى وأحلامها.

هو مهرجان يُعلم أفلامَه بأنها، في كونها استهلالات تكون خارج النص، في كونها تجرؤ على ما تتفاداه أفلامٌ أجبرتها حالةُ التكريس على تهذيب ورزانة غير حميدَين دائماً سينمائياً، يُعلمها بأنها، في كونها خارج النص، تجد عالماً شاسعاً يحتضنها، ويحفظ للأعمال الأولى، وهجَ البدايات وفرحتها، وإشعاعاتها السردية والبصرية.

كان يمكن للمهرجان أن يلغي، مع غيره، دورته الأولى وربما الثانية بسبب الجائحة الصحية، ثم دورته الخامسة بسبب الحرب الإبادية، ثم دورته السادسة بسبب الحرب الإقليمية، لكن مسؤولية ثقيلة حملها المهرجان، أو حمّلها لنفسه، مواصلاً الصعود بثبات، هي مكانة البيت الأوّل، التجربة الأولى، الدهشة الأولى أمام جمهور عربي تحديداً، لسينمائيين سيقول الكثير منهم، بعد سنوات قصيرة أو طويلة، إنهم بدأوا من هناك، إن بيتهم الأول كان «عمّان السينمائي» الذي مشى، من أجلهم، خطواته الأولى بثبات في طريق متعثّر.

كاتب فلسطيني/ سوري

 

القدس العربي اللندنية في

15.07.2025

 
 
 
 
 

عن زهرات المنفى وبريق الأمهات في مهرجان عمان السينمائي 2025

عمان -رامي عبد الرازق*

مع تجاوز منتصف العقد الأول من عمر مهرجان عمان الدولي (أول فيلم) المعني بالتجارب الأولى لصناع الأفلام، شهدت الدورة السادسة من المهرجان التي اختتمت مؤخراً، منافسة 7 أفلام وثائقية ضمن مسابقة الفيلم الوثائقي الطويل، والتي تبارى فيها على جائزة السوسنة السوداء لأفضل فيلم 6 مخرجين في أعمالهم الأولى.

من المغرب "أمك. أمي"، ولبنان "نحن في الداخل" و"فتنة الحاجبين"، والأردن "احكي لهم عنا" و"أم المدارس"، وسوريا "وقت مستقطع 22"، بالإضافة إلى مصر التي شاركت بفيلم المخرج بسام مرتضى "أبو زعبل 89"، وهو عمله الثاني، لكنه انضم إلى المسابقة في تنافس على جائزة أفضل مونتاج أول، والتي حصل عليها المونتير المصري أحمد أبو الفضل.

من بين الأفلام السبعة المشاركة استطاع المغربي "أمك. أمي" للمخرجة سميرة الموزغيباتي، والأردني احكي لهم عنا لرند بيروتي، واللبناني نحن في الداخل لفرح القاسم أن يحصدوا جوائز المسابقة هذا العام (أفضل فيلم مناصفة بين المغربي واللبناني) وجائزتي لجنة التحكيم والجمهور للفيلم الأردني، بينما حصل "أبو زعبل 89" على جائزة اتحاد النقاد الدولي، وهي المرة الثانية التي يحصل عليها، بعد أن حصدها في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عقب عرضه الأول في الشرق الأوسط.

وكما هو ظاهر، فالحضور النسائي يرفرف على جوائز المسابقة هذا العام، أربع جوائز لثلاثة أفلام من أصل خمس جوائز يمنحها المهرجان سنوياً، مع الأخذ في الاعتبار أن جائزة السوسنة ذهبت مناصفة في هذه الدورة لفيلمين، وكلاهما من إخراج صانعات أفلام.

الكاميرا وبريق الأمهات

تبدو الأمهات عنصراً مشتركاً وحاضراً في تجليات متعددة ضمن الأفلام الفائزة بالمسابقة هذا العام، في الفيلم المغربي "أمك. أمي" يبدو العنوان صريحاً بلا مواربة أو حاجة للتأويل، هذا فيلم يتحدث عن العلاقة مع الجذور عبر شخصية الأم – أم المخرجة – التي بسبب مأساة عائلية تنفصل شعورياً ووجدانياً عن بناتها – أخوات المخرجة – وتقرر سميرة عبر وسيط الصورة أن تعيد إنتاج رحلة العائلة وصولاً إلى لحظة الأزمة ثم تفجرها بمواجهة الأم مع البنات، حيث توقفت الأخوات عن مناداة أمهن بلقبها المعتاد – الوالدة – وأصبحت فقط تخص سميرة – والدتك – ومن هنا يأتي العنوان على لسان سميرة (أمك. أمي) موجهة خطابها إلى أخواتها؛ أي أن أمهن واحدة!

وفي المقابل، تلعب فرح القاسم في فيلمها "نحن في الداخل" دور الأم البديلة للأب الشاعر الطرابلسي العجوز بعد عودتها عبر سنوات الغياب والمنفى الاختياري، هكذا نراها وهي تحلق له رأسه وتعاونه في إدارة نشاط نادي الشعر الخاص به، تطمئنه أمومياً تجاهها، مما يجعله يستريح من قلقه الشعري الغريزي ويفتح لها خزائن ذاكرته ودفاتر أيامه حكياً وشعراً ونثراً أمام الكاميرا.

أما رند بيروتي في فيلمها "احكي لهم عنا"، فأول ما تفعله مع مجموعة الفتيات التي قررت أن يكونن محط المعايشة والدراسة الوثائقية لحياتهن، من بين آلاف الفتيات الهاربات اللائي يعشن في المنفى الإجباري، بعد أن تركن بلادهن العربية الممزقة، نقول أول ما تفعله هو أن تتفق معهن على إعادة إنتاج مشاهد علاقتهن مع أمهاتهن، وكيف تنظر الأمهات من جيل ما قبل الهجرة واللجوء إلى واقع بناتهن، وسط خضم الغربة الجغرافية والاغتراب المكاني والنفسي عن الأصول والجذور الأولى، سواء كانت اجتماعية أو عاطفية أو حتى متخيلة.

ولا ننسى، وسط قراءتنا للأفلام الثلاثة، أن نشير إلى البريق الساطع لحضور الأم في فيلم "أبو زعبل 89"، حيث تلعب أم المخرج بسام مرتضى دوراً محورياً هائل التأثير والأثر سواء على أسلوب حكي القصة أو إعادة بناء لحظات الماضي التي انطلق منها المخرج في محاكمته لأبيه – المناضل اليساري المحبوس في سجن أبو زعبل عام 89 إثر حركة عمالية غاضبة تجاه السلطة الرأسمالية الغاشمة – وكيف أن لحظة زيارة الأب مع الأم في ذلك العام البعيد شكّلت تحولًا يصعب احتواؤه على نفسية وعقل وشخصية المخرج نفسه، هذا التحول الذي ظلت الأم جزءاً لا يمكن طمسه أو المرور عليه، دون أن يكون لشهادتها وحكيها كل هذا الثقل الشعوري والدرامي في الفيلم.

تلمع الأفلام الأربعة الفائزة ببريق الأمهات على اختلاف درجات الحضور والتوظيف والتأويل، والملاحظ في الأفلام الأربعة أن وسيلة الحصول على التواصل أو الاتصال المباشر أو غير المباشر أو استدعاء الماضي أو الولوج إلى أعمق الأقبية الداخلية في نفوس الشخصيات يأتي عبر الكاميرا أو صناعة الفيلم نفسه

وأن البريق الذي يشع من كيان الأم في كل تجلياته – حتى وهي غائبة أو ممثلة كما في الفيلم الأردني أو مجازية كما في الفيلم اللبناني الذي تقوم فيه المخرجة نفسها بدور الأم لأبيها – هذا البريق تلتقطه الكاميرا ضمن عملية المكاشفة عبر السينما، فالأفلام الأربعة تقريباً يستخدم صناعها السينما كأكثر من مجرد عملية إبداعية أو أداة تعبير أو توثيق، بل يتجاوز الأمر في أفلام مثل "أمك. أمي" و"أبو زعبل 89" ونحن في الداخل إلى مواجهة الذات ومحاولات الاستشفاء أو إصلاح ما أفسدته أزمنة سابقة متراكمة وثقيلة، أو تحقيق الأحلام المستحيلة واستشراف المستقبل كما في احكي لهم عنا.

الأرشيف واللغة المحكية

لا يمكن غض الطرف عن توظيف اللغة المحكية والأرشيف في الأفلام الفائزة بالمسابقة، وإن اختلفت أشكال الأرشيف واختلفت تجليات اللغة.

في "أمك. أمي" ثمة اعتماد كبير على الأرشيف العائلي المصوّر لأسرة المخرجة، مادة هائلة يصعب تصور كيف استطاعت أن تسيطر عليها مونتاجياً وتعيد إنتاجها دون رطانة أو إسهاب أو وقوع في فخ النوستالجيا، عشرات الدقائق من حفلات أعياد الميلاد والزفاف والتجمعات العائلية التي شكّلت جزءاً مهماً من سؤال الماضي الذي يتم محاكمة الأم من خلاله! الفيلم بالأساس يبدأ بمشهد أرشيفي، وتختلط فيه الأزمنة بصورة تتلاشى معها الحدود ما بين السابق والحاضر، وهو تلاشٍ متعمد لعجن الزمن ككل في كتلة واحدة ثقيلة تُشعر المتفرج بحجم وطأة الأزمة التي تعيشها عائلة المخرجة والمحاولات المضنية عبر صناعة الفيلم في منح الأم فرصة للدفاع عن نفسها ومصالحة بناتها في الماضي قبل المستقبل.

ولا يمكن أيضاً تجاهل عنصر لغة الحوار بين الشخصيات في الفيلم والتي تغلب عليها الفرنسية بشكل كبير نظراً لكون العائلة تعيش بين هويتين، المغربية – بحكم الأصول – والفرانكفونية – بحكم ميراث الاستعمار والجغرافيا والثقافة – اللغة هنا هي عنصر مهم من عناصر تشريح الأسرة المغربية الذي تجريه المخرجة، وليس المقصود بها أداة ولكن جزء، أي أنها مثل الأرشيف المصوّر، من الصعب أن تكتمل رؤية الفيلم دون النظر إلى اللغة الفرنسية على اعتبار أنها جزء من تكوين العائلة وأزمتها الثقافية والاجتماعية.

وفي "احكي لهم عنا" تبدو اللغة ليس فقط جزءاً من حاضر الشخصيات – زهرات المنفى من الفتيات العربيات المراهقات اللائي يعشن مع أسرهن اللاجئة إلى ألمانيا – حيث يتوجب عليهن أن يدرسنها ليس فقط من أجل أن يدرسن بها، ولكن كجزء من برنامج اللجوء للانخراط في المجتمع من ناحية وكوسيلة دعم ومواجهة لكونهن غريبات على مجتمع يقبلهن على مضض.

تتنوّع استخدامات اللغة في الفيلم ما بين العربية والألمانية، تعتمد المخرجة الشابة على نوع مختلف من الأرشيف، حيث لا تستعين بصور أو مواد مصورة للشخصيات – والتي غالباً لا يتوفر لديهن هذا النوع من الأرشيفات كونهن لاجئات جاءت أسرهن ربما بما عليهن من ملابس – حيث تصنع لهن المخرجة أولاً أرشيفاً من حاضرهن المعاش نراه في البداية كجزء من التعريف بهن شكلياً وعمرياً واجتماعياً على الأقل.

ثم عبر إعادة تمثيل بعض المواقف التي سبق وأن حدثت لهن – مع أمهاتهن مثلاً أو مع فتيات ألمانيات ممن يتسمن بالعنصرية ضدهن – تتنوع اللغة هنا بين العربية والألمانية، صحيح أن العربية تغلب – بشكل متعمد كجزء أساسي في وصف هويتهن الأصلية وأرشيفهن النفسي والثقافي – إلا أن حضور الألمانية أيضاً يعزز من الحاضر الذي يعشنه، ويمتد عبر أسلوب وثائقية المعايشة – أي تتبعهن على مدار سنوات بالتعايش معهن ورصد تطورات حياتهن – إلى الوقوف على شكل مستقبلهن القريب وعن بوابات الحياة العملية والمهنية اللاتي شرعن في المرور عبرها.

تبدو إعادة بناء المواقف تمثيلياً من قبل البنات لعبة أرشيف ذكية من المخرجة، وربما تفسر سر حصول الفيلم على جائزة الجمهور، حيث إن الفتيات يتسمن بقدر كبير من الحيوية والمواهب الدفينة والتصالح مع الحياة والقوة النفسية في مواجهة ماضٍ مؤلم وحاضر هش – يتحرك بين قوسي العنصرية والخوف من الترحيل كما نرى في مشاهد تعرض بعضهن للتنمر بسبب الحجاب واللغة العربية – وبالطبع مستقبل مجهول – بحكم كونهن لاجئات من أسر لاجئة.

تستغل المخرجة لعبة ورش التدريب على الرسم أو الغناء أو التمثيل للقفز فوق الشكل التقليدي للأسئلة والبوح، حيث تعمل الورش على استخراج ما بداخلهن بصورة سلسة وغير تقليدية، بل تستثمر رند فكرة الورش من أجل تحقيق أحلام البنات – التي تبدو ظاهرياً مستحيلة – في مغامرة سينمائية تستحق الإشادة، كونها استغلت إمكانيات الفيلم في تجسيد الأحلام – والسينما بالمناسبة هي أقرب الفنون تعبيرية في القدرة على أن تجعل كل منها يرى أحلام الآخر – حيث تقوم المخرجة مع البنات بكتابة وتمثيل وتصوير – وتحقيق – حلم كل فتاة منهن أن تكون الإنسانة التي تريدها، سواء مهنياً أو اجتماعياً، حيث تحقق على سبيل المثال حلم واحدة منهن بأن تكون شرطية – في بلد بيروقراطي يشترط الجنسية للالتحاق بسلك الشرطة – وهكذا.

ربما أيضاً كان أكثر ما أهل "احكي لهم عنا" لجائزة مهمة مثل جائزة الجمهور هو تجنب التعاطف المجاني مع واقع البنات، ولجوء المخرجة إلى تصويرهن في لحظات تحقق وقوة، مع الأخذ في الاعتبار رقة اللحظات اللائي يضعفن نسبيًا فيها، كي لا تُبتذل مثل هذه الأوقات لصالح ميلودراما يمكن أن تتبخر سريعاً، وهي حساسية سينمائية تُحسب لها في تجربتها الأولى الجذابة، بالإضافة إلى ذكائها في التعامل مع قضايا حساسة مثل العنصرية – والتي تأتي بشكل ديناميكي كجزء من سياقات المجتمع الألماني وليس بالتركيز عليها على اعتبار أنها جزء من أجندة مضمونة لدعم سمعة الأفلام التي تتحدث عن اللاجئين من أجل استدرار الدموع أو ابتزاز دول المهجر.

يمكن اعتبار قائمة جوائز مسابقة الأفلام الطويلة بالمهرجان هذا العام مساحة مشبعة بالتكريم المستحق لمجموعة من الأعمال الأولى التي بلا شك سوف تظل عالقة في ذاكرة جمهور المهرجان، وعلامة مميزة لدورة منتصف العقد الأول من عمره الشاب.

* ناقد فني

 

الشرق نيوز السعودية في

27.07.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004