فلسطين حضرت في اختتام الدورة 74 من «مهرجان برلين
السينمائي الدولي» أمس، لتعرّي ضمير ألمانيا الرسمي. تصريحات ودبابيس
ولافتات تضامنية مع قطاع غزة الذي يُذبح كل يوم مباشرة على الهواء، فيما
اكتفت تصريحات المنظّمين بتمييع الصراع والدعوة إلى «الحوار». أما لناحية
المسابقة الرسمية والأفلام بشكل عام، فجاءت دون مستوى حدث بقيمة وعراقة
البرليناله!
برلين | للمرة الثانية على التوالي، يحصد وثائقي جائزة
«الدبّ الذهبي» في «مهرجان برلين السينمائي» الذي اختُتم أمس. بعد «على
قارب الأدامان» (2023) للفرنسي نيكولا فيليبير، ها هو فيلم «داهومي»
للمخرجة الفرنسية السنغالية ماتي ديوب، يحصد الجائزة الكبرى في أول مهرجان
سينمائي من بين المهرجانات الأوروبية الثلاثة الكبرى لهذه السنة. يمكن
القول براحة ضمير إنّ دورته الـ 74 كانت الأضعف منذ أن تسلّم المدير الفني
كارلو شاتريان والمديرة التنفيذية مارييت ريسنبيك إدارته قبل خمس سنوات.
الإدارة المغادرة بعد هذه النسخة، قدّمت مع فريقها، بعض الأفلام التي لا
تستحق أن تكون في مهرجان سينمائي كبير، ناهيك بالمشاركة في المسابقة
الرسمية.
في قاعات
CinemaxX
بكراسيّها المريحة، وقصر المهرجان اللذان يحتضنان أكثرية العروض المخصّصة
للصحافيين التي تبدأ من التاسعة صباحاً حتى ما بعد منتصف الليل، نسمع تململ
الحاضرين من الأفلام لدى خروجهم من الصالات، وفي أوقات معينة داخل القاعات
أثناء العرض، قبل مغادرتهم الفيلم في منتصفه. جوائز هذه الدورة جاءت لتلائم
الأفلام المعروضة، مع بعض الاستثناءات القليلة. قبل الدخول بالتفصيل في
الأفلام الرابحة، نعود إلى احتفال الختام، الذي كان عنوانه الكبير «الحرب
على غزة»، فمعظم الذين صعدوا على المنصة لتسلّم جوائزهم، وبعض أعضاء لجان
التحكيم، دعوا إلى الوقف الفوري لإطلاق النار. بعضهم صعد بالكوفية
الفلسطينية، وأعلنوا جميعاً مناصرتهم لفلسطين، حتى عضوة لجنة التحكيم
المسابقة الرسمية الممثلة الإيطالية جاسمين تريشا رفعت قبضتها في الهواء
وقالت «أنا مع فلسطين».
بدأ الاحتفال الختامي بحديث مع المدير الفني كارلو شاتريان
والمديرة التنفيذية مارييت ريسنبيك. لم يتطرق شاتريان إلى الحرب
الإسرائيلية على غزة، أو بالأحرى لم يُسأل عن هذا الموضوع، بل تحدّث عن
الأزمات التي لاحقت المهرجان منذ بداية تولّيهم المسؤولية بدءاً من وباء
كورونا ثم الحرب الأوكرانية فـ «أزمة الشرق الأوسط» فيما طالبت الألمانية
مارييت ريسنبيك «حماس بالإفراج الفوري عن الرهائن وإسرائيل بتجنّب قتل
المدنيين الفلسطينيين الأبرياء وحمايتهم» عاكسة الموقف الغربي الرسمي
ونظرته إلى الصراع موازياً بين المحتلّ وأصحاب الأرض.
الموسيقى والفنان الصوتي سافيير إركيسيا، أحد أعضاء لجنة
تحكيم الأفلام القصيرة، صعد على المسرح ليقدم جائزة «الدبّ الذهبي» لأفضل
فيلم قصير للفيلم الأرجنتيني «منعطف غريب». كان سافيير يضع على ثيابه
دبوساً مكتوباً عليه «وقف فوري لإطلاق النار». بعدما تسلّم المخرج
الأرجنتيني فرانشيسكو ليزاما، جائزة أفضل فيلم قصير، تطرّق إلى المؤسسات
الثقافية في الأرجنتين التي تعاني اليوم من أزمات اقتصادية بسبب سياسات
رئيس الأرجنتين الجديد خافيير ميلي. أعضاء لجنة تحكيم جائزة «الفيلم الطويل
الأول»، المخرجة الأميركية إليزا هتمان، والمبرمجة الكندية أندرا بيكار،
والمنتجة الدنماركية كاترين بروس، وصلوا على السجادة الحمراء وصعدوا على
المسرح واضعين على ثيابهم قطعة قماش مكتوباً عليها «وقف إطلاق نار فوري»،
وقدموا الجائزة إلى الفيلم الفيتنامي «سو لي لا تبكي» للمخرج بام نوك لان.
فلسطين تعرّي ضمير الغرب
يحبّ «برلين» جمع الإسرائيليين والفلسطينيين معاً، وألمانيا
نفسها تشتغل بشكل ممنهج على التطبيع بين المبدعين العرب والإسرائيليين في
مختلف مؤسساتها الثقافية. على هامش المهرجان مثلاً، جمع المنظّمون
فلسطينيين وإسرائيليين ضمن مشروع «البيت الصغير» للحوار «حول الصراع في
الشرق الأوسط وتأثيره على مجتمعنا». البادئ بهذا المشروع هو رجل الأعمال
الألماني الإسرائيلي شاي هوفمان والفلسطيني أحمد دخنوس. «البيت الصغير»
وغيره من المشاريع، محاولة خبيثة لكيّ الوعي وتمييع جوهر القضية الفلسطينية
التي ترتبط بوجود استعمار صهيوني على أرض فلسطين، وتصوير الصراع على أنّه
نزاع ديني أو سوء فهم «حضاري». ضمن المهرجان أيضاً، مُنحت جائزة أفضل
وثائقي لـ «لا أرض أخرى» للمخرج باسل عدرا والمصور الفلسطينيين حمدان بلال،
والمخرجين الإسرائيليين يوفال أبراهام ورايتشل زور.
باسل عدرا شاب من مسافر يطا في محافظة الجليل جنوب الضفة
الغربية، يكافح منذ طفولته ضد التهجير الجماعي لشعبه على يد الاحتلال
الإسرائيلي. يوثّق عملية الإبادة البطيئة للقرى في منطقته حيث يهدم الجنود
الإسرائيليون المنازل تدريجاً ويطردون سكّانها. في مرحلة ما، يلتقي
بالصحافي الإسرائيلي يوفال الذي يدعمه في جهوده. «أنتج هذا الفيلم من قبل
مجموعة فلسطينية إسرائيلية مكونة من أربعة، ليكون بمثابة عمل من أعمال
المقاومة الإبداعية على الطريق نحو تحقيق قدر أكبر من العدالة» هكذا يقول
ملصق العمل الدعائي. قبل الإعلان عن الفيلم الفائز من قبل لجنة التحكيم
المكوّنة من المخرج العراقي عباس فاضل، والمخرج الألماني توماس هيز،
والمخرجة وعالمة الأنثروبولوجيا الفرنسية فيريانا بارافيل، صرحت الأخيرة
بغضب: «الفيلم هذا شاهد على لا إنسانية الحكومة الإسرائيلية. المستوطنون
اليهود يطردون الفلسطينيين إلى لا مكان. ما يجري الآن في غزة إبادة وكثيرون
منّا شاهدون عليها. العالم مشتعل ولا يجب أبداً إشاحة نظرنا عما يحدث».
بدوره، قال باسل عدرا: «لا أستطيع الاحتفال وهناك الآلاف من الفلسطينيين
يستشهدون كل يوم. أطالب الحكومة الألمانية بوقف الدعم وإرسال السلاح إلى
إسرائيل» فيما قال المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام: «أنا وباسل من العمر
نفسه، لكنّنا لسنا متساوين، نعيش 30 دقيقة بعيدين عن بعض، ولكن أنا لديّ حق
بالتحرك والتصويت، وباسل ليس لديه هذا الحق. لا بد من إنهاء عدم المساواة،
علينا إيجاد حل سياسي لوقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال».
بين راسل يصوبّ على «الإرهابيين» الحقيقيين
المخرجة البرازيلية جوليانا روخاس، دعت أيضاً إلى وقف إطلاق
النار أثناء تسلّمها جائزة أفضل مخرجة عن فيلمها «مدينة: مكان» المشارك في
مسابقة «لقاءات». صعد المخرج الأميركي بين راسل بالكوفية الفلسطينية على
المسرح وتسلّم جائزة أفضل فيلم عن فيلمه «دايركت أكشن» (فعل مباشر).
«دايركت أكشن» استراتيجية تكتيكية للاحتجاج تسعى إلى تحقيق هدف مباشر بأكثر
الوسائل فعاليةً، تستعملها أحد أبرز مجتمعات الناشطين في فرنسا. كانت هناك
أرض تبلغ مساحتها 1650 هكتاراً تقع غرب فرنسا، أرادت الحكومة توسيع المطار
عليها. عارضت الخطة مجموعة كبيرة من الناشطين (مزارعين، علماء بيئة، مناهضي
عولمة...) اللذين احتلوا المكان عام 2009 وأنشؤوا منطقة حكم ذاتي تحت اسم
ZAD de Notre Dame Des Landes.
بعد سنوات من النزاع، وُضع مشروع توسيع المطار على الرفّ على إثر مواجهات
عدة وقعت بينهم وبين الشرطة. أُخليت المدينة عام 2018، لكن لا يزال 150
شخصاً يعيشون هناك بعدما طوّروا فرصاً للزراعة على الأرض واقتصاداً صغيراً
مشتركاً، فضلاً عن مساحة للتجمّع والنقاش. فيلم بين راسل منخرط تماماً في
هذه الحركة. اتخذ المخرج أسلوباً فنياً لتصوير الاحتجاجات والمواجهات،
موثقاً الحياة اليومية لنظام بيئي متنوع من الناشطين والمستوطنين
والمزارعين وأولئك الذين تصنّفهم الحكومة على أنهم «إرهابيون بيئيون».
صوت الذين لا صوت لهم
يمكن القول بأنّ المحور الرئيس لأفلام «البرليناله» هذه
السنة هو الأشخاص الذين يكافحون في الحياة. جاءت جوائز هذا العام مملّة
وبليدة إلى حدّ ما، لا روح سينمائية فيها. كان متوقعاً أن يحصد فيلم «كعكتي
المفضلة» (الأخبار 19/2/2024) للمخرجين مريم مقدم وبهتاش صناعى ها، أو «ماء
العين» (الأخبار 24/2/2024) «الدبّ الذهبي»، ليس لجودتهما السينمائية بل
لبُعدهما السياسي والاجتماعي الذي يُرضي سياسة المهرجان ورؤيته. لكنّ ذهاب
«الدبّ الذهبي» إلى وثائقي «داهومي» للفرنسية السنغالية ماتي ديوب، لم
يشكّل أيضاً مفاجأة، فلجنة التحكيم ترأسها الممثلة الكينية المكسيكية
لوبيتا نيونغو الذي اشتهرت بأدائها في فيلم «12 عاماً من العبودية» (2014)
لستيف ماكوين.
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، أعاد الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون 26 تمثالاً من مملكة داهومي (1600 – 1904) إلى دولة بنين
الأفريقية. هي تشكّل جزءاً يسيراً من آلاف القطع الأثرية التي نهبها
الاستعمار الفرنسي عام 1892 من مملكة داهومي التي تسمّى اليوم بنين. في
«داهومي»، توثّق ماتي ديوب رحلة عبور هذه الآثار من فرنسا إلى بنين، مع
التركيز على التعبئة والتغليف، وعرضها في المتحف في بنين، ونقاش مجموعة من
الطلاب حول ما تمثّله هذه القطع بالنسبة إليهم، وما إذا كان ينبغي استعادة
مئات الكنوز التي لا تزال في حوزة فرنسا، وأيضاً حول استخدام اللغة
الفرنسية عوضاً عن اللغة الأصلية وأخيراً الهوية الثقافية. هكذا، تصبح هذه
القطع الأثرية باباً إلى جردة حساب لمرحلة الاستعمار وما بعد الاستعمار
وسلب موارد البلد المستعمَر وحضارته وإرثه وهويته. إضافة إلى ما سبق، تبثّ
ماتي دبوب الحياة في هذه الكنوز وتعطيها صوتاً. تتحدث هذه الآثار ليس باسم
الناس بل معهم، غالباً ما تظل الصورة سوداء عندما تتحدث التماثيل، لأنها
محبوسة في الصناديق أثناء عملية الإعادة. استعارة أرادت فيها ديوب استعادة
لا الكنوز فقط، بل أيضاً سيادة الخطاب الأفريقي. يخطّط الفيلم لمناخ غريب
وساحر، لكن لا يمكن استخلاص الكثير منه أولاً لقصر مدته (ساعة واحدة)
وثانياً لأنه جاف ومعدوم النبض. لم تنجح ديوب في خلطتها غير المفهومة، كأن
الفيلم في مكان والخطاب الشعري للتماثيل في مكان آخر كلياً. قالت ديوب
أثناء تسلّمها الجائزة: «التعويض هو تحقيق العدالة، يمكننا إما أن نتخلّص
من الماضي باعتباره عبئاً غير سارّ يعيق تطوّرنا فقط، أو يمكننا أن نتحمل
المسؤولية ونستخدمه كأساس للمضي قدماً. علينا أن نختار».
«احتياجات
مسافرة»: رحلة غامضة وبطيئة
«الدب
الفضي ــــ جائزة لجنة التحكيم الكبرى»، ذهبت إلى فيلم «احتياجات مسافرة»
لهونغ سانغ سو. اثناء تسلّمه الجائزة، كان المخرج الكوري الجنوبي متفاجئاً،
إذ قال للجنة التحكيم: «لا أعرف ماذا وجدتم في هذا الفيلم». سؤال مشروع
فعلاً، فلا أحد يدري ما كان يريده سانغ سو من الفيلم! هو دائم الوجود في
المهرجانات الدولية، غزير الإنتاج، أسلوبه بسيط رتيب وهادئ، سينماه لطيفة،
مريحة للمشاهد، لكنّه لا يقدم أي شيء يثير الإعجاب حقاً. عمله الأول هذا
العام، هو «احتياجات مسافرة»، إذ نتعرف أو بالأحرى لا نتعرف على أيريس
(إيزابيل أوبير) المهاجرة الفرنسية في كوريا الجنوبية. تدرِّس إيريس اللغة
الفرنسية رغم أنها تتحدث بالإنكليزية مع طلابها، تحبّ المشي حافية القدمين
والاستلقاء على الصخور، وشرب الكحول للاسترخاء. ليست إيريس اللغز الذي تبدو
عليه، إذا ما نظرنا إليها بطريقة شعرية، من الواضح أن الفضول يلهم المشاهد
للبحث عن أدلة حول هويتها وسبب هجرتها فرنسا. الفيلم عبارة عن رحلة شخصية
غامضة وبطيئة.
«الإمبراطورية»:
ذروة العبث
«الدب
الفضي ــــ جائزة لجنة التحكيم»، ذهبت بكل استحقاق إلى المخرج الفرنسي
برونو دومون وفيلمه «الإمبراطورية». لعل دومو المخرج الوحيد الذي فهم
النسخة الجديدة من «مهرجان برلين»، فقدم فيلماً كعادته فيه الكثير من
العبثية والكوميديا والسوريالية، إلى درجة استحق الجائزة. سينما برونو إما
مكروهة أو محبوبة. في جديده، لعب دومون بالخيال العلمي، بل أكثر من ذلك،
دمّره حرفياً. في قرية صيد تقع على ساحل شمال فرنسا، هناك معركة على وشك أن
تندلع بين قوى من خارج كوكب الأرض تختبئ وراء الأشكال البشرية والحياة
اليومية للسكان المحلّيين. «الآحاد» تحاول إنقاذ الأرض والبشر، بينما
«الأصفار» تحاول الاستيلاء عليها. بين السماء والأرض، يتلاعب دومون
بالسينما والكوميديا. فيلمه امتداد لأفلامه السابقة التي تبحث عن أصل
العالم ونهايته وأسرار الحياة والحب والموت. في «الإمبراطورية»، لدينا
كواكب ومراكب فضائية كبيرة على شكل قصور وكنائس. لدينا فرسان، وسيوف ليزر،
وكل ما نشتهيه.
صعد الأميركي بين راسل بالكوفية الفلسطينية على المسرح
لتسلّم جائزة أفضل فيلم عن «دايركت أكشن»
نحن في الزمن المجرد، بين واقعية المكان وعالم خارق
للطبيعة. تتمتع الإمبراطورية بكمية هائلة من الحيل، ولن تعرف أبداً ماذا
سيحدث في اللقطة التالية. يُظهر المخرج سفناً فضائية لكنه مفتون بتصوير
الريح، ويستخدم الموسيقى كتقدير محتمل لميلودراما هوليوود، لكنه قبل أي شيء
يعيد إلى الأذهان الطريقة التي استخدم بها بازوليني باخ في أفلامه. وفي
هذيان ربما أكثر ذاتية، خلط أفلام تينتو براس بأفلام هاياو ميازاكي.
«الإمبراطورية» مشبّع بكل أشكال الرمزية التي يمكن استخدامها بشكل جيد في
السينما. سينما دومون مفيدة، لأنه يتغزل بالغباء والوقاحة والسذاجة، يدعو
عبر مرحه الطفولي المنغمس في نفسه، إلى تحرير الشكل السينمائي بطريقة لا
يفعلها إلا حفنة من المخرجين.
«يموت»:
مروحة من العواطف
جائزة أفضل سيناريو ذهبت إلى الفيلم الوحيد الذي كان يستحق
جائرة «الدبّ الذهبي» وأفضل إخراج وحتى التمثيل: فيلم «يموت» للمخرج
الألماني ماتياس غلاسنر كان المحنة الحتمية التي لم نكن مستعدين أبداً
لمواجهتها. ثلاث ساعات ثقيلة، كوميدية، حزينة، والأهم أنّها إنسانية
وصادقة. أراد غلاسنر أن يصنع فيلماً عن الصورة الكبيرة، عن الولادة والموت
العائلات والأبناء والأطفال، عن الحب والجنس وكل شيء بينها. جريئاً جداً
كان غلاسنر، قدم لنا بعض المشاهد العظيمة التي تحتوي على أقسى الكلمات التي
يمكن أن تقال بين أم وابنها أو بين أخت وأخيها. عبر خمسة فصول وخاتمة، يشكف
كلاسنر عن بانوراما واسعة من العواطف تتجاوز كل شيء حتى قدرة تحمّلنا.
خيبة ما بعدها خيبة
حصد المخرج الدومينيكي نيلسون كارلوس دي لوس سانتوس ارياس،
جائزة أفضل مخرج عن «بيبي». الفيلم الذي خرجت نصف الصالة منه قبل انقضاء
ساعته الأولى، كان يجب أن يمرّ مرور الكرام من دون أي ضجة، حتى إنّه لم يكن
على قائمة المشاهدة لعدد من الصحافيين. بيبي هو فرس نهر، يحدثنا طوال
الفيلم. الشيء الوحيد الذي يعرفه هذا الحيوان هو أنه مات. إنّه فرس النهر
الأول والوحيد الذي قُتل على الإطلاق في الأميركيتين. أطلقت عليه الصحافة
الكولومبية اسم «بيبي». بين اللقاءات وسوء الفهم، والتجليات والحزن، ندخل
عالماً مليئاً بالقصص التي لا نفهم منها شيئاً. فيلم تجريدي مليء بالرمزيات
والتجريب. أما أفضل أداء تمثيلي، فقد حصده الممثل الأميركي سيبايتان ستان
عن فيلم «رجل آخر»، وأفضل أداء في دور مساعد ذهب إلى الممثلة إيميلي واتسون
عن فيلم «أشياء صغيرة كهذه». تألقت واتسون في دور الأخت ماري، بأداء يُظهر
مدى قوة السلطة الدينية وسطوتها عبر نظرتها الجليدية، كأنها شبح شيطاني
بلباس راهبة. |