مؤتمر النقد السينمائي يروي قصص "ما وراء الإطار"
جهاد أبو هاشم من الرياض
للمرة الأولى، مؤتمر للنقد السينمائي في المملكة تحت شعار
"ما وراء الإطار"، يصحب زائره في عالم فضفاض، لا يكتفي بما يظهر على
الشاشة، وإنما يغوص في دهاليز المعنى والفكرة والدلالة.
وكان المؤتمر قد انبثقت منه ملتقيات سينمائية، عقدت في جدة والظهران وأبها
وتبوك وبريدة، استبقت المؤتمر الكبير في الرياض، الذي اختتم فعالياته
الثلاثاء، بحضور نقاد وسينمائيين وإعلاميين، حتى الزوار صغارا وكبارا.
تطوير حقل النقد السينمائي
طوال أكثر من أسبوع، عاشت الرياض حراكا سينمائيا كبيرا،
بمشاركة كوكبة من المخرجين والنقاد السينمائيين المحليين والدوليين، شاركوا
في جلسات حوارية وورش عمل متعددة، صاحبها أيضا عروض للأفلام، ومعرض فني
عالمي.
ووفقا للقائمين على المؤتمر، فإنه يسعى إلى دعم جهود
المنظومة الثقافية الوطنية في تعزيز مكانة المملكة الفكرية على الصعيد
العالمي، وتمكين مجتمع النقاد السينمائيين الناشئ من عرض نشاطهم الفكري
وتوفير فرص الاحتكاك والتفاعل مع خبرات عالمية، إلى جانب ترسيخ مفهوم
النقد/ التحليل السينمائي بشكل خاص، والفني والثقافي والفكري بشكل عام، ما
يسهم في تقبل الجمهور المتخصص والعام لهذه الممارسات المهمة في فضاء
الأفلام الوطني، وإيجاد منصة سنوية فعالة لإثراء حقل النقد السينمائي
وتنميته بشكل واسع ومستدام مع جعله نقطة تواصل سلسة بين المتخصصين
السعوديين والدوليين.
فيما يكشف المهندس عبدالله آل عياف الرئيس التنفيذي لهيئة
الأفلام عن فلسفة شعار المؤتمر "ما وراء الإطار"، مبينا أن هناك قصصا
وجمالا قد لا يرويه الإطار، توجد خارجه، من خلال قصص غير مباشرة، وأثر
الفيلم عن طريق النقد السينمائي والنقاشات والحوارات التي تعقبه "نريد أن
نقول إن السينما أكثر مما تشاهده على الشاشة، هناك شيء أعمق، وملتقيات
النقد ومؤتمر اليوم هي المنصة المثلى لمناقشة ذلك".
ولفت في تصريح صحافي إلى أنه منذ تأسيس الهيئة، وخلال أعوام
قليلة، انتقلت المملكة من بلد لا توجد فيه صناعة سينمائية، إلى السوق
الكبرى في المنطقة والأكثر تأثيرا، تساندها برامج تدريبية قدمتها الهيئة
لأكثر من ألف صانع أفلام مستقبلي، وتسهيل للبيئة التنظيمية، ستتلوها خطوات
أخرى بعد نقل الاختصاص من هيئة تنظيم الإعلام.
ندرة النقاد المتخصصين
مخاوف النقاد وتحديات عملية النقد السينمائي لاحت في الأفق،
نوقشت في جلسات المؤتمر وورشه، التي تسعى في مجملها إلى إخراج جيل ناقد،
قادر على تمييز الغث من السمين، وإحداث الفارق في عالم النقد السينمائي
المبني على لغة محايدة بناءة، يساندها بنية تحتية سينمائية متطورة وداعمة.
ندرة المتخصصين ومستقبل النقد السينمائي أبرز التحديات التي طرحها الخبراء،
إلا أن يسري نصر الله المخرج والناقد السينمائي أكد خلال حديثه في المؤتمر
أن هناك مستقبلا مشرقا ينتظر السينما السعودية، لأسباب ذكر منها أن كثيرا
من الحكايات والقصص لم تسمع وتروى من قبل، إضافة إلى أن هناك مواهب تتحين
اللحظة لترويها، وكتابها معاصرون موجودون بيننا، في مجتمع شديد التعقيد
والحيوية، وإذا ما أخذت كصناعة وفن جاد ستغدو صناعة ناجحة، مضيفا أن
السعوديين اليوم يقدمون أنفسهم للعالم من خلال الفن.
الأفلام التافهة ليست من التقاليد الأكاديمية
في تصميم أخاذ وثري معرفيا، قدمت أروقة المؤتمر عبارات
لأشهر نقاد العالم، إحداها وأشهرها ما كتبته الناقدة السينمائية الأمريكية
البارزة بولين كايل، التي توفيت عام 2001، وقالت في إحدى مقالاتها "الأفلام
التافهة ليست من التقاليد الأكاديمية، وهذا جزء من متعتها، أنت تعلم (أو في
الواقع ينبغي لك أن تعلم) أنه ليس عليك أخذها على محمل الجد، فهي لم تكن
تهدف لشيء أكثر مما هي عليه من عبث وتفاهة وتسلية، من منا لم يبدأ بصدق
مشاهدة فيلم أجنبي رفيع المستوى قبل أن ينغمس بسهولة في فيلم تافه أمريكي؟
نحن أناس متعلمون وذوو ذوق، لكننا أيضا أشخاص عاديون ولنا مشاعر مشتركة،
ومشاعرنا المشتركة ليست كلها سيئة، ربما رغبت في الشعور ببعض الانتعاش من
ذلك الفيلم التافه، شعور كنت على يقين أنك لن تلقاه في فيلم فني محترم".
معرض فني تفاعلي
7 أعمال سينمائية تفاعلية، وجدت في المعرض الفني بمؤتمر
النقد السينمائي، منها عمل (كوبو يجول المدينة) للفنانة والمخرجة هايون
كوون، ويستخدم تقنية الواقع الافتراضي ومدته 15 دقيقة، ويتتبع خطوات الكاتب
الكوري كوبو الذي جال شوارع سيؤول تحت الاحتلال الياباني، ويعرض بتقنية
الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد مع الصوت.
فيما يبحث عمل (صوت الساحرة) في ظهور واختفاء أساطير حوريات
وجنيات البحر كوسيلة لاستكشاف الأجسام الهجينة، في ضوء التقنيات والتطورت
البشرية الجديدة، ويتضمن تركيب فيديو وأداء سمعي بصري يستكشف الأدوات
الرقمية وتصوير الجسم، ومعالجة البيانات الرقمية كمنحوتة فنية، وتظهر شخصية
"جنية البحر تتحدث" كانعكاس لشخصية "أوفيليا"، من مسرحيات شكسبير، ويعود
العمل للفنانة السيرلانكية البيروفية هارشيلي جيه كاروناراتني، المتخصصة في
الفن الرقمي.
وفي عمل فني مدته 49 دقيقة، يسمى "المصادم"، للمخرجتين مي
عبدالله وإيمي روز، يسرد باستخدام جهاز واقع افتراضي لشخصين مهمة الآلة في
تحديد القوة غير المرئية بين الناس، التي تجمعهم معا بالطريقة ذاتها التي
تلقي بها الذرات معا في مصادم الهادرونات الكبير، ليكون المصادم آلة تصادم
الناس، حيث تفترض تولد جسيمات غير مرئية بين البشر عند تقاربهم، وتدعو
المخرجتان الزوار لتذكر لحظة وجود فيها مع شخص آخر أثر فيه بشدة، ولحظة هزت
صميمه، أو أغاظته عبارة بسيطة فأصيب بشلل عاطفي، فيسجلها لهما على بطاقة
صغيرة.
ويزدان المعرض بفيديو (راقصة التوصيل)، لإيونج كيم، ومدته
25 دقيقة، ويدور حول عاملة توصيل تعمل في منصة تدعى راقصة توصيل، في نسخة
خيالية من مدينة سيؤول، أشبه بمتاهة من الطرق المتجددة، تخضع لسيطرة
خوارزمية، ويستخدم الفيلم عملية المونتاج لتسهيل الوقت وتعطيل العلاقة
السببية، بحيث تتضاعف المسارات وتموت الشخصيات، وتعاود الظهور فيعاد بناء
العالم وكتابته بشكل مختلف.
المنتج والمخرج محمد حماد كان له عمل بعنوان (لا نهاية منذ
83)، يوثق رحلة مخرجه من المملكة قبل رؤية السعودية 2030، وعودته بعد
التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها، وحيث الرقم 83 إلى عام
ميلاد الفنان في عصر ما قبل الإنترنت، في حين تعرض الفنانة وصانعة الأفلام
هيا الغانم عملها (نوخذين طبعوا مركب)، ويعرض للمرة الأولى في العالم،
ويستخدم هذا المثل الشهير الذي عنى أن القبطان إذا حاول أن يتحكم بالسفينة
فستتعرض للخراب، ويستخدم الفيلم لقطات أرشيفية رقمية قديمة، ولقطات حديثة
تقدم سياقا عاطفيا للروايات التاريخية.
وعن (حلم الهروب)، تشارك المخرجة لايا كابريرا والفنانة
إيزابيل دوفيرجر بعمل انغماسي سينمائي تفاعلي مدته 12 دقيقة، يستكشف حالة
النوم التي نعي فيها أننا نحلم ونمتلك القدرة على التحكم في الحلم والسيطرة
على أفكارنا ورغباتنا من خلال تجربة الواقع: هل نحن مستيقظون؟
الناقد الصغير
شهد مؤتمر النقد السينمائي عرض باقة من الأفلام العالمية
المميزة، منها فيلم (باربي) الحديث والشهير، وفيلم (صبيان وبنات) المصري من
بطولة باسم سمرة وإخراج يسري نصر الله، وأفلام سعودية مثل (مدينة الملاهي)
لوائل أبو منصور، و(من يحرقن الليل) لسارة مسفر، وأفلام قصيرة، وأفلام
طويلة عالمية على غرار فيلم (EO)
من إخراج وتأليف الفنان البولندي جيرزي سكوليموفسكي، بطله الحمار الرمادي
إيو ذو العينين الحزينتين، ويصور العالم بعيون حمار يبحث عن الحرية.
وما يثير الاهتمام الفضول، برنامج للطفل والعائلة، الذي
صاحب المؤتمر، مستهدفا الصغار من محبي الأفلام، ليعرفهم بأسس السينما
والنقد السينمائي عبر ورش عمل وعروض أفلام مصممة للأطفال، توسع آفاقهم
وتعزز قدرتهم على التفكير الناقد ومهارات الحوار.
في مؤتمر النقد، حضرت كذلك الترجمة بالإشارة في جلساته
الحوارية، حيث شاركت جمعية مترجمي لغة الإشارة، بحضور عدد من السينمائيين
ومحبي الأفلام من فئة الصم، إذ تشهد الفعاليات الموجهة للصم اهتماما ملحوظا
من وزارة الثقافة وهيئاتها خلال الآونة الأخيرة، ولا سيما ندوات معارض
الكتاب التي تنظمها هيئة الأدب والنشر والترجمة، لتشرك هذه الفئة في
الفعاليات الثقافية، استثمارا لقدراتهم، وتطويرا لمعارفهم ومهاراتهم،
والارتقاء بجودة الحياة. |