مهرجان مالمو للسينما العربية.. التمدد أفقيا بعد إضافات
وإلغاءات
د. أمل الجمل
وصلتني ليلة أمس رسالة عبر الإيميل من مهرجان
مالمو للسينما العربية تطلب
مني تقييم الدورة الثالثة عشر والتي امتدت بالفترة بين ٢٨ أبريل - ٤ مايو
٢٠٢٣. تضمن الاستبيان أسئلة عديدة تراوحت بين البحث عن الإيجابي والسلبي،
والمميز لهذه النسخة، إضافة للمقترحات التي قد تضيف للدورات المقبلة. أعتقد
أن الرسالة وصلت لجميع المشاركين بهذه الدورة من ضيوف سواء كانوا نقاد أو
صناع أفلام.
شخصياً، أرى أن المهرجانات والأشخاص الجادين الطموحين
الساعيين للتطور، والراغبين في التميز دائما يفعلون ذلك، يبحثون عن السلبي
أكثر من رغبتهم في الاستماع للجيد أو العظيم في عملهم، لأن معرفة الأخطاء
هو الذي يدفع لتلافيها وتطوير جوانب الضعف.
التطور كان واضحاً لي، عبر المقارنة. فقد حضرت دورتين
سابقتين من مالمو للسينما العربية، في الأولى شاركت في التحكيم الوثائقي،
والثانية ساهمت بدراسة ونقاش في لقاء جمع بين النقاد العرب ونظرائهم من
الدول الاسكندنافية. غبت عدة أعوام ثم عدت للمشاركة في التحكيم على
المشاريع القصيرة في مرحلة التطوير. كانت تجربة ثرية، شعرت بفارق كبير في
البرمجة، وفي البرامج الموازية للعروض.
أرى بوضوح، أن المهرجان الآن يهتم بالصناعة، بالدعم،
بمحاولة التشبيك بين الأطراف العربية والموزعين أو المنتجين الأوروبين. هذا
لا يقلل من أهمية العروض خصوصاً إذا كانت تثير نقاشات عقب العروض، لكن،
للأمانة، لاحظت أن الجمهور كان حضوره متفاوتا بين عرض وآخر، ومشاركاته في
النقاشات - على الأقل بالأفلام التي حضرتها - لم تكن أسئلته أو تعليقاته
لافتة أو على قدر مستوى بعض الأفلام أو كما أشاهد بمهرجانات أوروبية، مما
أحبط بعض صناع الأفلام، كان هذا واضحاً في الكواليس. لذلك أقترح أن يضع
منظمو المهرجان نصب أعينهم فكرة الاهتمام بالجمهور.
الحقيقة، في تقديري الشخصي، أن الجانب الخاص بالصناعة الذي
يهتم به رئيس مهرجان مالمو المخرج والمنتج محمد قبلاوي، هو الأهم في
تقديري، ليس لأنه يُقدم دعماً مالياً، فهذه الحصة ضعيفة جداً، لكن الأهمية
تنطلق من كونها قد تفتح أبواباً جديدة للمشروع الفائز، فيتمكن من الحصول
على دعم أفضل من جهة ذات وزن ثقيل.
كذلك تتجلى أهمية الدور الذي يلعبه المهرجان في النقاشات
التي تدور من حول المشاريع المتقدمة سواء من أعضاء لجنة التحكيم الذين
تتنوع خبراتهم بين النقد والإخراج والإنتاج أو التوزيع، أعتقد أنها مفيدة
جدا لتطوير مشاريع السيناريوهات، لأن صناع المشروع يحتكون مباشرة مع أطراف
من الواقع والعملية الفنية. كذلك اللقاءات التي أتاحها المهرجان هذا العام
بين صناع
الأفلام والخبراء
من الدول الأوربية، لقاءات فردية وثنائية، وأحيانا جماعية. كان شيئاً
جميلاً يشبه خلية النحل، وأعتقد أنه أفاد صناع الأفلام.
من زاوية أخرى، كانت هناك نقاشات ثرية حول الاقتباس في
السينما والاختلاف عن الرواية، أو بالأحرى ضرورة خيانة الرواية لصالح
السينما، وتقديم دراسة حالة عن فيلم «بركة العروس»، والاحتفاء بتجربة
السوداني «وداعاً جوليا» الذي سيعرض في مهرجان كان بعد أيام قليلة،
والحقيقة أن جميع الأطراف المشاركين بهذه النقاشات كانوا على مستوى يليق
بالنقاش من زاوية نقل خبراتهم والإجابة بموضوعية وتفهم على كافة التساؤلات،
بإيقاع متوازن جيد.
بشكل عام، سعدت بتجربة حضور هذه الدورة، لذلك صبيحة يوم
الختام التقيت رئيس المهرجان محمد قبلاوي، وطرحت عليه بعض التساؤلات عن
التحديات فقال: منذ اليوم الأول لتأسيس المهرجان يظل التحدي الأول هو كيف
نؤمن الميزانية.
·
رغم أنك صنعت مكانة للمهرجان في المنطقة الاسكندنافية لازلت
قلقا بشأن الميزانية؟
قبلاوي: لأن هناك روتين محدد، في كل دورة لابد أن تُعاد هذه
العملية كأننا نبدأ مهرجاناً جديداً. يمكننا أن ننظم مهرجان بأضعف الإيمان،
لكن دائما طموحنا أن نكون أفضل وأكبر. التحدي الأكبر أننا كنا نعمل
بميزانية 2019 أي ما قبل كورونا، لكن بأسعار 2023.
·
أسعار ما بعد الكوارث التي حدثت في العالم من حروب وكورونا
وتضخم مالي
قبلاوي: نُصر على الجودة، نبحث عن اختصار لا يُؤثر في
الجودة. مثلاً تقليل عدد الضيوف، لأن الفنادق وتذاكر السفر تستهلك الكثير
من الميزانية. أخذنا بعين الاعتبار ملاحظات الضيوف بالدورات السابقة،
فالبعض لم يستطيع حضور كل الأفلام بسبب الضغط الكبير في العروض. كان هناك
أربع قاعات. هذا العام خصصنا قاعتين وأحياناً ثلاثة صالات، ثم جعلنا العروض
تبدأ في المساء بعد انتهاء أيام مالمو لصناعة السينما التي خصصت لها الفترة
الصباحية حتى منتصف النهار، لأنه هناك ناس لديهم رغبة في حضور الندوات
و«البيتش»
Pitch،
وقمنا بتمديد العروض حتى الواحدة بعد منتصف الليل. هذا يصنع فارقا، نستطيع
أن نقول المهرجان أصبح كبير أفقيا. وهذه السنة كان حضور الجمهور أفضل من
السنة الماضية.
·
الفيلم السوداني «وداعا جوليا» الذي سيعرض في مسابقة كان
بعد أيام قليلة، حصل على الدعم في قسم ما بعد الانتاج «البوست برودكشن»،
لماذا هذا العام اختفى هذا القسم؟
قبلاوي : «وداعا جوليا» تحصل على دعم في مرحلة التطوير، ثم
عاد مرة آخري وتحصل على دعم في البوست برودكشن. التوقف له علاقة
بالميزانية، لأنه كان يستهلك جزءاً كبيراً جدا من ميزانية المهرجان والسوق،
لذلك ركزنا على موضوع التطوير، خصوصا أن هناك أمر - كنت أتحفظ أن أقوله
إعلاميا لكنني سأقوله هذه المرة - أغلب الجوائز في «البوست برودكشن» تكون
خدمات، وفي بعض الأحيان لم تكن الجوائز تحقق الغاية منها، بسبب بُعد
المسافة بين الفائز والبلد التي تقدم الجائزة، مثلا لو هناك صانع أفلام
لبناني تحصل على جائزة لعمل الصوت في تونس، هنا صانع الفيلم سيتكلف أكثر
إذا سافر إلى تونس، من هنا سوف ستفقد الجائزة معناها.
·
هل هذا قرار بالتوقف الدائم للجائزة؟
قبلاوي: لا.. هناك إعادة تفكير، في العام القادم سنعيدها،
لكن ستكون الجوائز - «كاش» - أموال مدفوعة وليست جائزة خدمية.. حتى العام
الماضي كان هناك جائزة خدمية في التطوير لكن هذا العام قمت بإلغائها.
·
لماذا؟
قبلاوي: لأنه ربما تكون الجائزة المالية أقل لكنها ستكون
فعَّالة، فمثلا 15,000 دولار هي جائزة تعني شيئا مع صانع أفلام يبدأ حياته،
كذلك أيضا 6000 دولار كاش إذا تحصل عليها صانع الأفلام في مرحلة «البوست
برودكشن»، قد تعني له شيئا أفضل من الخمسين ألف دولار التي تقدم على شكل
خدمات لكنها ربما لن تتحقق.
·
هل توضح أكثر؟
قبلاوي: أنا ابن المهنة، أحيانا الناس تصبح مدينة بثلاثة
آلاف دولار حتى تُكمل فيلمها. فإذا تحصل على 5000 دولار سوف يُسدد ديونه
ويتحصل على 2000 زيادة.. ففي رأيي أن الجائزة المالية الكاش هي أكثر فائدة
لصانع الأفلام. الأهم أنه أحيانا ينشأ خلاف حولها، وهذا يحدث في جوائز
التوزيع فمثلا يوم أن تقدم المشروع للجائزة وربحها كان بمستوى معين، لكن
عندما ينتهى الفيلم أحياناً يُصبح مستواه أعلى فيتلقى عرضاً أكبر للتوزيع،
فنحن بذلك سوف نتسبب في خسارة صانع الفيلم. من ثم يرفض المخرج الجائزة
الأولى وهنا تظهر المشاكل. لذلك أرى أنه من الأفضل لصانع الأفلام أن ينتظر
فلا يتقدم لجوائز التوزيع حتى ينتهي من «البوست برودكشن»، ليختار بشكل أفضل
ولصالح الفيلم، لأنه ربما يتحصل على جائزة قيمتها 20,000 دولار لكن عندما
ينتهي من الفيلم قد يحصل على عرض توزيع يعادل 100,000 دولار. هناك تفاصيل
كثيرة أشعر أننا في غنى عنها فنبحث عن حلول وبدائل أخرى، فمثلا بعض الشركات
أعطت جائزة مونتاج لمشروع ما بخمسين ألف دولار، لكنها فيما بعد أغلقت لسبب
ما، فمن سيكون المسؤول أمام الفائز أو صناع الفيلم.. فنحن ليس لنا دخل، لكن
الفائز سيأتي إلينا لأنه حصل على جائزة في مهرجان مالمو، اكتشفنا وجود
تفاصيل ومشاكل أحيانا يصعب التحكم فيها فمن الأفضل البحث عن بدائل أخرى
تُفيد صناع الأفلام.
·
فماذا عن طموحك للدورات القادمة؟
قبلاوي: عندي طموح أعمل عليه منذ عامين تقريبا، له علاقة
بإقامة صندوق إضافي له علاقة بالإنتاج، ليس بالتطوير أو ما بعد الإنتاج..
ويكون مختص بسينما الأطفال.
·
تريد أن تنتج سينما للأطفال؟ هل دور المهرجان أن ينتج؟
قبلاوي: لا.. ليست الفكرة أن نقوم نحن بالإنتاج، لكن أن
نعطي جائزة مثلا 50,000 دولار، لمشروع للأطفال فيبدأ الإنتاج. لانه للأسف
نحن نعاني من عدم وجود سينما للأطفال في الوطن العربي. هناك أفلام يُمثل
فيها الأطفال لكنها للكبار ولا تخاطب الطفل. تجارب السينما الموجهة للأطفال
أو التي تخاطب الأطفال في الوطن العربي معدودة واعتبرها تجارب مريرة..
بينما أنا أعيش في منطقة بها اهتمام شديد بسينما الأطفال، منطقة السويد
النرويج الدنمارك.. فأغلب سينما الأطفال والشباب واليافعين تأتي من هذه
المنطقة أساسا. البعض يقول أنه لدينا مهرجان أطفال وأنا أرد: إذا كان لديك
مهرجان للأطفال فليس عندك فيلم عربي واحد يخاطب الأطفال.. أنت تُحضر
الأفلام من أوروبا وتعرضها في المهرجان الذي تنظمه كل عام الماضي، فأنا
حضرت مهرجانات للأطفال ووجدت أفلاماً أنا كنت عرضتها في مهرجان مالمو، حتى
الآن أتسائل، وأريد أحداً يشرح لي: لماذا لا يوجد لدينا سينما للأطفال؟
لماذا لا نُنتج سينما تخاطب الأطفال؟ لماذا؟ |