مهرجانات سينمائية بأفكار متشابهة تفقد مزايا تعددها في مصر
أحمد جمال
تظاهرات الأقاليم تعاني ندرة الإمكانيات وعدم إقبال الجمهور.
تتعدد المهرجانات السينمائية التي تنعقد في محافظات مصرية
مختلفة وتخاطب الجمهور المحلي، وهو ما يعد أمرا إيجابيا على مستوى التنوع
والانتشار، لكنها تواجه مشكلات تتعلق بتشابه الأفكار وتكرار الموضوعات
ونمطية القضايا ونقص الإمكانيات المالية والفنية التي تخدم عملية تسويقها
وفشلها في جذب الجمهور إليها.
القاهرة
- تشهد
عدة محافظات مصرية أربعة مهرجانات سينمائية في توقيتات متقاربة، بدأت
بمهرجان الإسكندرية للأفلام التسجيلية والقصيرة الذي اختتم أعماله في منتصف
فبراير، أعقبه انطلاق مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة ثم مهرجان الأقصر
للسينما الأفريقية الذي بدأ الجمعة ويستمر حتى العاشر من مارس ويليه مهرجان
الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة في الفترة من السابع عشر
إلى الثالث والعشرين من مارس الجاري.
وتنقسم المهرجانات الفنية في مصر عموما إلى فعاليات ذات
طابع دولي وتستهدف خدمة إنتاج السينما من خلال دعوة نجوم عرب ومن دول
مختلفة، على رأسها مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان الجونة السينمائي
ومهرجان الإسكندرية السينمائي، ونوع آخر من الفعاليات مخصص للجمهور المحلي
لإثراء الحركة الثقافية داخل المدن المصرية، والتي بدأت تتسم بالاستمرارية
والانتظام على مستوى الانعقاد بعد سنوات من المشكلات السياسية والاقتصادية
التي أثرت سلبًا على توالي انعقادها، لكن أهميتها تتراجع مع تقيدها
بالبيروقراطية أكثر من تحقيق أهدافها الفنية والثقافية، على الرغم من
الأهمية التي ينطوي عليها التخلي عن مركزية القاهرة الشديدة.
تظاهرات متشابهة
رغم أهمية تعدد المهرجانات الفنية فإنها تواجه انتقادات
لعدم قدرتها على ابتكار أشكال خلاقة تجذب الجمهور
هناك العديد من المهرجانات السينمائية والمسرحية والغنائية
التي تعقدها وزارة الثقافة المصرية بالتعاون مع جهات مرتبطة بتلك الصناعات
وربما بتمويل كامل منها، وهو أمر يحظى بترحيب عدة دوائر ترى أن الوزارة
استعادت دورها الذي غاب سنوات طويلة نتيجة تمحور جهودها الثقافية في
القاهرة، غير أنها تواجه انتقادات على عدم القدرة على ابتكار أشكال خلاقة
توفر عوامل جذب للجمهور.
وتركز المهرجانات السينمائية على المسابقات ذات الطابع
الجغرافي مثلما هو الحال في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية الذي يركز على
التواصل مع دول القارة الأفريقية وتقديم إسهاماتها الفنية، وهي فكرة جيدة
ينقصها الزخم الذي يسهّل الترويج لها، قبل أن يفتر التحمّس لها وتصاب بسكتة
دماغية تؤدي إلى عدم استمرار المسيرة.
وقد توقف مهرجان شرم الشيخ للأفلام الآسيوية بعد أن واجه
صعوبات عرقلت انطلاقته الفنية. ولأن الفكرة تحولت إلى ما يشبه الموضة أو
التخصص، أفريقيًّا وآسيويّا، لم تجد من يتحمس لها أو يتشجع على الإنفاق
عليها، وهو حال مهرجان بورسعيد للأفلام العربية الذي توقف.
وتولي وزارة الثقافة اهتماماً بالسينما التسجيلية والقصيرة
عبر تدشين ثلاثة مهرجانات مختلفة بلا مردودات فنية حقيقية، لذلك تسيطر
المهرجانات ذات المسابقات العامة، والتي تجد تسويقا وإقبالا عليها لما تضمه
من نجوم بارزين ودعاية لائقة.
وقال الفنان حسين فهمي خلال ندوة تكريمه على هامش فعاليات
مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الحادية عشرة إنه لا يرفض تعدد
المهرجانات المحلية شرط ألّا تتشابه “فالأزمة الرئيسية في مصر (تكمن في) أن
المهرجانات تشبه بعضها البعض بدرجة كبيرة”.
وأوضح أن بعض الدول تؤسس مهرجانات فنية لأفلام الجبل فقط،
وهناك أفلام لسينما الغوص وجميعها صورت تحت الماء، وأفلام عن البحيرات
وأخرى عن الحيوانات، وهناك مهرجانات للأفلام الكوميدية وسينما الرعب.
الحاجة ماسة إلى تطوير المهرجانات القائمة بما يضمن عدم
تحولها إلى روتين تلتزم به الجهات الحكومية
وقد ترجمت تصريحات الممثل المصري الأزمة الراهنة التي
تواجهها الفعاليات الفنية وتتعلق بالحاجة الماسة إلى وجود أفكار من شأنها
أن تطوّر المهرجانات القائمة بما يضمن عدم تحولها إلى روتين ولا تبقى مجرد
عدد تلتزم به الجهات الحكومية وتجد نفسها أمام صعوبات أكبر على مستوى
الاستمرارية لأنها تتوقف على ما تحدده الجهات الحكومية من دعم مادي ومعنوي
وتخضع للأمزجة الثقافية أحيانا.
وينظر صناع الفعاليات المحلية إلى الأبعاد التي يتمكن من
خلالها المهرجان من الحصول على منح خارجية تعوض ضعف التمويل من جانب الجهات
الحكومية، وهو ما يجعل التركيز منصبّا على الاتحادات والهيئات الدولية التي
تقدم دعماً للأنشطة الفنية مثل الاتحاد الأوروبي أو الهيئات ذات العلاقة
المباشرة بدعم المرأة والأقليات.
ويعد ذلك أحد أسباب التكرار على مستوى المهرجانات التي من
المقرر أن تنطلق لأول مرة مثلما هو الحال لمهرجان “سينما العالم القديم”
لأفلام قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا المقرر انطلاقه في يونيو المقبل
بمحافظة بورسعيد في شمال شرق القاهرة.
ويؤكد الناقد السينمائي رامي عبدالرازق لـ”العرب” أن
المهرجانات المحلية تحقق المرجو منها عندما تتمكن من استقطاب جمهور يتفاعل
معها بشكل كبير، وأن قاعات عروض الأفلام في مهرجان الإسكندرية للأفلام
التسجيلية الذي عقد قبل شهر امتلأت عن آخرها، وهو نموذج جيد يعكس حجم
الإقبال، كذلك الوضع بالنسبة إلى مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية الذي
يشهد إقبالاً ملحوظاً.
ويوضح أن ذلك لا ينفي أن بعض القطاعات قد لا تعلم شيئًا عن
الفعاليات نتيجة ضعف التسويق، مع أن المهرجانات المحلية نافذة مهمة لجمهور
الأقاليم، تحديداً في محافظات الصعيد جنوب مصر، والتي لا توجد في بعضها دور
عرض سينمائية وهي التي تشكل عمود الثقافة وتتولى عرض أفلام المهرجانات.
وتراعي إدارات المهرجانات المكونات الثقافية للجمهور من
خلال إتاحة أفلام أجنبية مترجمة إلى العربية والتنسيق الفاعل بين وزارتي
الثقافة والتعليم لجذب طلاب المدارس.
المزيد من الدعم
يشير عبدالرازق إلى أن ما يجري تقديمه الآن من أفكار هو
المتاح بالنسبة إلى القائمين على إدارة المهرجانات وأن البنية التحتية
الثقافية والعوامل الجغرافية وطبيعة النظام السياسي القائم وحجم الدعم
الممنوح وموقع القاهرة من صناعة السينما على مستوى العالم وإمكانيات المدن
التي تعقد فيها المهرجانات عوامل تتحكم في ما يتم تقديمه.
وتعتقد دوائر ثقافية أن هناك العشرات من الأفكار التي تصلح
للتطبيق بحاجة إلى إمكانيات لا تتوفر لدى صناع المهرجانات، وأن الكم الهائل
من الصعوبات التي يواجهها هؤلاء يجعل هناك رغبة في استمرار انعقادها وإن لم
تكن متنوعة بالشكل المطلوب، والمستهدف حاليا الحفاظ على استقرار الفعاليات
الفنية في حدود معينة دون مراعاة لمسألة الجودة والانتشار وتحقيق الأهداف
الثقافية.
وعبر رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية سيد فؤاد عن
أسفه لعدم تمكنه من عقد حفل الافتتاح في معبد الأقصر، قائلاً “إن المهرجان
يحتاج إلى دعم أكبر من جهات عدة، وحزين لأنني في الأقصر ولم يتم الافتتاح
في المعبد بسبب تعنت بعض الجهات، ومع ذلك بذلنا كل جهدنا ليخرج دائما
بالشكل المشرّف لاسم مصر”.
ويقتنع الناقد رامي عبدالرازق، مدير برنامج “آفاق السينما
العربية”، بأن تحقيق أهداف الفعاليات الفنية يتطلب إيمانا أكبر من الحكومة
بأن المهرجانات لا تقل أهمية عن الأنشطة الاقتصادية والسياحية وقادرة على
جذب الاستثمارات الأجنبية إذا كانت هناك إدارة احترافية قادرة على أن تحقق
الأهداف التوعوية والاقتصادية.
ويشير البعض من النقاد إلى وجود مهرجانات محلية حققت تطوراً
على مستوى القدرة على الانتقال إلى خانة المهرجانات الدولية؛ وهو ما تحقق
عبر مهرجان الإسكندرية للأفلام التسجيلية الذي نجح خلال سبع سنوات في
الحصول على الصفة الدولية، ومهرجان شرم الشيخ، إلى جانب أن مهرجان الأقصر
أضحى قبلة للفنانين وصناع السينما من القارة الأفريقية الذين يأتون إلى مصر
للحصول على منح دعم لأفلامهم.
وتذكر الناقدة الفنية ماجدة موريس أن المهرجانات المحلية
تستقطب قطاعات واسعة من السيدات والرجال والأطفال، ومشاركتها في مهرجان
أسوان لأفلام المرأة شاهدة على وجود تفاعل من الجهور عندما يكون الإعداد
جيدا، ولمست أن هناك محاولة للخروج من إطار التكرار عبر إتاحة مجموعة من
الورش الفنية في مجالات بعيدة عن سينما المرأة مثل ورشة إنتاج أفلام
الأطفال.
وتلفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الجمهور المصري وقع خلال
السنوات الماضية أمام مشكلة حقيقية تتمثل في غياب موارد الثقافة التي كانت
حاضرة في وسائل الإعلام، واختفت الموسيقى العربية والمسرحيات التي جذبت
قطاعات واسعة من المواطنين، ما أوجد فراغا تحاول بعض المهرجانات الحالية
سده، خاصة أن التجربة أثبتت تعطش الناس في الأقاليم إلى الفنون المختلفة.
وتشدد على أن الحكومة مطالبة بتقديم المزيد من الدعم على
مستوى توفير تذاكر لحضور الحفلات الفنية بأسعار تتماشى مع الأحوال المادية
البسيطة لشريحة كبيرة من المواطنين في الأقاليم، مشيرة إلى وجوب تحديد
مواعيد ثابتة للفعاليات يحفظها الجمهور ويتهيأ لها كل عام، مع ضرورة إتاحة
عرض حفلات الافتتاح عبر وسائل الإعلام.
صحافي مصري |