Licorice Pizza
| بول توماس أندرسون يزاحم على الأوسكار بـ **** ابنة صديقه
أمجد جمال
هناك مقولة مشهورة منسوبة لتشارلي تشابلن يقول فيها “كل ما
تحتاجه لصناعة فيلم جيد، حديقة ورجل شرطة وفتاة جميلة“.
شروط تشابلن لصناعة الفيلم الجيد تقلصت على لسان غودار الذي
قال: “كل ما تحتاجه لصناعة فيلم جيد هو مسدس وفتاة جميلة“.
ثم جاء البولندي كيشلوفسكي ليثبت بالتجربة العملية أن
ربما كل ما تحتاجه لصناعة فيلم جيد هو فتاة جميلة وحسب.
ويمكن الجدل أن كوينتن تارانتينو اكتفى بسيقان الفتاة
الجميلة.
تبدو العبارات السابقة مجرد أطروفات أو حذلقة لاختلاق
تظريات موازية عن صناعة الأفلام. لكن، يصعب تجاهل ذلك الجانب الفلسفي منها؛
فهي مستندة باللاوعي على الميثولوجيا الإغريقية للمُلهمات (Muses)،
بنات الإله زيوس التسع، اللاتي تلهمن الفنانين بالقصص والعلماء بالأفكار
والشعراء بالقصائد. ولا يوجد إبداع بدونهن.
حتى من قديم الأزل عرف الإنسان أن المرأة الجميلة مصدر
للتعبير عن الجمال أو الفن.
نظرية الميوز عند الإغريق أو “الفتاة الجميلة” عند
السينمائيين، تلمسها بوضوح أثناء مشاهدة
Licorice Pizza..
جديد المخرج الكبير بول توماس أندرسون.
سيقنعنا أنها جميلة.. لأنها ابنة صديقه!
لكن ما التطور الذي أضافه أندرسون لسينما الفتاة الجميلة؟
حسنًا، لا تزال تحتاج لفتاة. لكن، هذه المرة ليس عليها أن
تكون جميلة بالمقاييس الموضوعية. ربما عليك أن تبدأ بفتاة “عادية” ومن ثم
تقنعنا أنها جميلة! وتلك هي ألانا هايم التي أشعلت خيال بول توماس أندرسون.
فيلم
Licorice Pizza
من تأليف أندرسون، كما شارك في تصويره، وهو دراما رومانسية مرحة تدور في
حقبة السبعينيات، من بطولة الوجهين الجديدين على شاشة السينما: ألانا هايم
وكوبر هوفمان. عن قصة حب مستحيلة بين شاب مراهق في الخامسة عشرة من عمره
وشابة في الخامسة والعشرين.
العامل الشخصي يبدو جليًا بداية من عملية الكاستينج، فالبطل
في حقيقة الأمر هو ابن الممثل الراحل فيليب سيمور هوفمان، صديق المخرج
وشريك نجاحاته السابقة في خمسة أفلام.
أما البطلة ألانا هايم، وهي الأساس، فتجمعها علاقة صداقة
عائلية قديمة بالمخرج، فهي فرد في أسرة هايم الفنية الذي عمل أندرسون على
إخراج فيديوهاتهم الموسيقية.
ومنذ بضع سنوات، وعد أندرسون ألانا بأنه سيضعها في أحد
أفلامه، ويبدو واضحًا أنه كتب هذا الفيلم خصيصًا لها، لدرجة أن احتفظ
باسمها الأول كاسم للشخصية التي تلعبها. وقالت هايم إنه استحضر لمحات من
أسلوب حياتها الفعلية. وكذلك أتى بأفراد أسرتها الحقيقيين ليلعبوا أدوار
أسرتها في الفيلم.
فضلًا عن إنه من الدقائق الأولى للفيلم ظهر أن مخرجنا مفتون
ببطلته، تتغزل كاميراه في جسدها النحيف وملامح وجهها المميز. وإن لم تكن
هايم هي الاستلهام الوحيد للعمل، فقد امتد لشخصيات كثيرة بعضها حقيقي
وبعضها تاريخي، لكن تظل ألانا هايم هي القوة الأكبر في تحريك طاقة أندرسون
هنا.
شخصنة لم تضعف احترافية الفيلم
ذلك العامل الشخصي أو النصف واقع/ نصف خيال، لم ينل من
احترافية أندرسون كما تظن للوهلة الأولى، بل أضاف حسًا مفرطًا من الحيوية
لما تعرضه الشاشة، الحس الذي غاب عن أفلام أندرسون منذ سنوات طويلة، حيث
عكف على تقديم أفلام جادة بشخصيات معقدة ومنفرة في معظمها، وليس كشخصيات
مُحببة وينظر لها بحميمية مثل شخصيات هذا الفيلم.
ألانا شابة تتحسس هوية ومسارا لمستقبلها على خلفية قرارات
متخبطة وعائلة متزمتة، وجاري ممثل سينمائي ناشئ يبدو أنضج كثيرًا من عمره
أو يرى نفسه كذلك، سواء عن قناعة أو كحيلة دفاعية لتعويض غياب الكبار من
حوله.
كل شخصية منهما وجدت ضالتها في الآخر، ألانا تحتاج لثقة
ونجاح جاري، وجاري يرى في ألانا النضج الذي يسعى لبلوغه فعليًا. ألانا تصد
إعجاب جاري بها، لأن فارق السن يجعل علاقة كتلك مرفوضة اجتماعيًا
وقانونيًا، كما أن عقلها يجد صعوبة في استيعابها. لكنها في الوقت الذي
تبعده عنها بخطوة، تقربه عشر خطوات.
سيناريو تفوق على تكرار القصة
نعم، شاهدنا هذا النوع من القصص بكثرة، رجل يقابل امرأة،
لكن هناك جاذبية خاصة لتلك القصة تحديدًا، جزء منها يكمن في
كاريزما الأبطال وطزاجة وجوههم على الشاشة وتلقائيتهم في الأداء، حيث لم
يحتاجوا لأن يكونوا إلا أنفسهم.
والجزء الآخر يكمن في السيناريو الذي جعل كل تصرفاتهم خارجة
عن التوقعات، لا تستطيع تخمين إلى أين تسير هذه العلاقة، ولا ما يشعر به كل
منهما بدقة في كل لحظة. وكذلك الأمر مع الشخصيات الثانوية وضيوف الشرف.
السيناريو الذي تقع أحداثه بين صيف وخريف ١٩٧٣، بقدر إخلاصه
لمنظور بطليه، وللخصوصية التفصيلية لحياتهما، نجح أيضًا في رسم لوحة
مترابطة عن الحاضنة الزمانية والمكانية للأحداث: الصيحات التجارية المنتشرة
آنذاك، أزمة الطاقة العالمية بسبب حرب أكتوبر، وحال صناعة السينما
الأميركية في مطلع السبعينيات. ينظر الفيلم لتلك الأمور، لا بعين تحليلية
متعمقة، ولكن بعين رجل يسترجع رتوشا بريئة من ذكريات طفولته وصباه
المتوافقة مع براءة الأبطال.
إنعاش مسيرة مخرج كبير
عرض قصة حب بين شخص راشد وآخر قاصر، باتت عملية صعبة في
سنوات الصحوة والصوابية، لم تعد السينما تعيش في زمن “هارولد ومود” أو
“الخريج” أو “أماركورد” أو “آخر عرض للصور”… وإن كان زمن طرح تلك الأفلام
هو نفسه الزمن الذي يحكي عنه ليكوريش بيتزا
Licorice Pizza!
لذا كانت هذه الفكرة بحاجة لمخرج برتبة جرّاح ماهر، مثل
أندرسون، ليقدمها بالحذر اللازم ودون انبطاح.
ورغم ذلك لم يسلم الفيلم من انتقادات مجتمع تويتر المفرط في
يقظته، إضافة لانتقادات أخرى نالها الفيلم حول طريقة تمثيل الآسيويين
بأحداثه.
لكن ليكوريش بيتزا
Licorice Pizza
ينجو على أي حال، ويتحصل على مئات التكريمات والجوائز، آخرها ترشحه لثلاث
جوائز أوسكار في فئة أفضل فيلم، وأفضل إخراج، وأفضل سيناريو أصلي. ويمكن
الجدل بأنه حُرم من ترشيح مستحق في فئة أفضل ممثلة.
ليكوريش بيتزا جاء لينعش مشوار بول توماس أندرسون بالعودة
للجانب المرح من سينماه، والذي عرفناه في
Boogie
Nights
و
Punch
Drunk Love.
لسنا أمام قصة محكمة التصنيع، ولكنها سلسلة أحداث طريفة،
منها العارض ومنها المحسوب، ومنها ما هو أقرب للحلم الطفولي أو نوبات
الهلوسة، كلها مترابطة، وتتفاعل كي تؤسس لمغامرة سبعيناتية تسحبك معها بآلة
الزمن.
إنه فيلم يعزف على أنغام حقبة السبعينيات، بثرائها البصري
والفني والسياسي. وهي الحقبة التي تزامنت مع سنوات طفولة أندرسون .. لذا
فالفيلم يعتبر عضوا سينمائيا جديدا ضمن موجة أفلام “نوستالجيا المخرجين”،
باستثناء أنه مبهج أكثر من روما/ كوارون، وأرقّ وأخف ظلًا من بيلفاست/
براناه.
ناقد فني |