أغمضت عينها وعبرت روحها فى سلام يليق بوجهها الجميل، ذلك
الوجه الذى يبقى عالقاً بأذهاننا رغم ما تركه الزمن عليه من علامات الكبر
والشيخوخة، ظلت نادية لطفى لسنوات عديدة صاحبة بريق خاص، ميزها عن باقى
ممثلات جيلها، لم تكن أكثرهم موهبة أو حتى حضوراً، ولكنها كانت أكثرهم
صدقاً فيما تقدمه سواء على الشاشة أو فى حياتها الشخصية، لم تستسلم لكونها
صاحبة وجه جميل يعشق الجمهور رؤيته، فمنحت نفسها بعداً آخر باهتمامها
بقضايا وطنها وعروبتها، وحتى بعد أن ابتعدت عن الوسط الفنى لم تختفِ ولم
تتوارَ عن العيون كأخريات، ظل بابها مفتوحاً للجميع، تتحدث معهم وتناقشهم
وتطرح آراءها دون مواربة، أما عنها كممثلة، فيكفيها ما قدمته للسينما من
أعمال ستبقى سيرتها خالدة للأبد، عاشت نادية حياتها كما أرادت أن تكون،
راهنت على صدقها وإخلاصها لفنها واحترامها لجمهورها، فمنحها محبيها
احتراماً وحباً وتقديراً يليق بها.. رحلت نادية وبقيت سيرتها خالدة.
نقاد: نادية لطفى كانت حالة استثنائية فى السينما..
وتاريخها مشرف
ملامحها الأوروبية وكفاءة موهبتها مهدّا لها الطريق لتكون
نجمة الستينات والسبعينات، فهى تُعد عملة نادرة لن تتكرر مرة أخرى فى تاريخ
السينما المصرية، حيث استطاع المخرجون توظيف إمكانياتها فى أعمال سينمائية
متنوعة، ما بين دور «لويزا» قائدة سلاح الهوسبتاليين فى «الناصر صلاح
الدين»، وتغيير ملامحها وأدائها الفنى لتظهر بدور الكيميائية فى فيلم
«للرجال فقط»، وتجسيدها لشخصية «مادى» الفتاة الأرستقراطية التى تعيش بلا
هدف فى الحياة خلال «النظارة السوداء».
وبالرغم من جمالها لم تتردد فى تقديم دور بسمة بائعة
البرتقال فى «الأقمر»، ودور العاهرة الشعبية فى «السمان والخريف»، وسهير
الراقصة فى «أبى فوق الشجرة» وتجسيد معاناة الزوجة الخائنة فى فيلم
«الخائنة»، وحضورها المهيب بدورها الصامت فى «المومياء»، كل تلك الأدوار
تراها فى سينما نادية لطفى، سيدة البحث عن التفاصيل، التى قدمت ما يقرب من
70 عملاً فنياً، وصنعت بأسلوبها مكانة خاصة حفرت من خلالها اسمها ضمن قائمة
النجوم العالميين.
رامى عبدالرازق: اعتمدت على التمثيل أكثر من جمالها..
و"النظارة السوداء" من أهم أدوارها
«جمعت
بين الجمال والموهبة» هكذا تحدث الناقد رامى عبدالرازق عن الفنانة نادية
لطفى قائلاً: «كان لديها تحدٍّ كبير منذ ظهورها على الشاشة باعتبارها حسنة
الملامح، فمن السهل أن تمتلك الفنانة وجهاً جميلاً ولكن من الصعب أن تجتمع
الموهبة مع الجمال، فضلاً عن أنها لم تكتفِ بتقديم الميلودراما فقط، إلا
أنها استطاعت التنوع بين الأدوار والانتقال بينها بحرفية شديدة، مما أهلها
للوصول إلى النجومية فى وقت أقصر من فتيات جيلها بفترة الخمسينات والستينات».
وأضاف «عبدالرازق» لـ«الوطن»، «نادية لطفى تعتبر حالة
استثنائية فقد استطاعت أن تتنوع بين الأدوار التى قدمتها، وقد اتضح ذلك من
خلال دورها فى فيلم (النضارة السوداء) حيث استطاعت المزج بين الجمال
والشهوانية من خلال الجزء الأول بالفيلم حتى انتقلت إلى الهدوء والعنف
والتماسك، بالإضافة إلى اختيار المخرج يوسف شاهين لها فى دور «لويزا» فى
فيلم (الناصر صلاح الدين) وتمكنها من الأداء بفضل ملامحها الأوروبية التى
دعمت دورها بشكل كبير، وحرفية أدائها فى فيلم (للرجال فقط) مع سعاد حسنى،
فقد صنع الثنائى حالة من الكوميديا على الشاشة، بالإضافة إلى اختيار المخرج
شادى عبدالسلام لها خلال «المومياء» واقتصار تمثيلها على عينيها فقط ومدى
صعوبة الدور بالنسبة لها.
وتابع حديثه: ستظل نادية لطفى حاضرة فى ذاكرة ملايين
الجماهير بأعمالها، فالغياب الجسدى لن يؤثر على مكانتها، ولكنها نموذج
يحتذى به فى الوقت الحالى، باعتبارها نجحت فى توظيف إمكانياتها فى عدة
أدوار متنوعة بالإضافة إلى ذكائها فى اختيار الأدوار التى تبرز موهبتها،
فضلاً عن اعتمادها على موهبة التشخيص والتمثيل أكثر من جمالها.
فيما أشادت الناقدة ماجدة موريس بأدوارها خلال مشوارها
الفنى قبل فترة اعتزالها الفن قائلة: «نادية لطفى لقّبها الجمهور
بـ«برنسيسة السينما» نظراً لملامحها وشكلها وأدائها الفنى، حيث إنها قدمت
على مدار مشوارها الفنى أعظم الأعمال الفنية، منها فيلم «المومياء» الذى
يعتبر مُصنفاً فى الاتحاد الدولى للسينما كواحد من أهم الأفلام فى تاريخ
السينما والتى استطاعت أن تؤديه بدرجة كبيرة من التمكن جعلت مشاهدها عالقة
فى أذهان الجمهور، على الرغم من ظهورها كضيفة شرف، بالإضافة إلى دورها فى
فيلم «الخطايا» عندما قدمت دور طالبة فى جامعة القاهرة، حيث استطاع الفيلم
أن يصف حال الجامعة فى تلك الفترة.
وأضافت «موريس» لـ«الوطن»: «عملت مع معظم المخرجين منهم
يوسف شاهين، حسن الإمام، شادى عبدالسلام وغيرهم، كما عملت مع عدد من النجوم
منهم الفنان رشدى أباظة من خلال فيلم (الباحثة عن الحب)، و(وراء الشمس)،
و(أبداً لن أعود)، وعدد آخر من الأفلام، كما قدمت مع الفنان نور الشريف 7
أعمال فنية، كما قدمت مع الفنان محمود مرسى ٣ أفلام وهى (الخائنة)،
و(السمان والخريف)، و(الليالى الطويلة)».
وأوضحت «موريس» خلال حديثها، «كانت نادية لطفى أول سيدة
تدخل قشلاقات الجيش المصرى بمنطقة العباسية لتتعلم فنون الفروسية خلال فترة
التحضير لدورها فى فيلم (صلاح الدين الأيوبى)،.
فنانون وأصدقاء يروون ذكرياتهم مع بطلة "النظارة السوداء"
«حب
الناس لا يقدر بثمن» كانت الجملة الأخيرة التى تلفظتها الفنانة نادية لطفى
خلال احتفالها بعيد ميلادها الأخير قبل تدهور حالتها الصحية، واصفة دعم
الفنانين والأدباء والجمهور لها، وسؤالهم المستمر عليها بـ«الكنز الذى لا
يفنى»، حيث حرص على زيارتها خلال فترة مرضها عدد كبير، وكانت تستقبل ذلك
بحفاوة شديدة مصحوبة بالدموع نظراً لتقديرهم لها، وذلك قبل منع الزيارة
عنها فى أيامها الأخيرة إلى أن رحلت عن الحياة تاركة حزناً عميقاً داخل
قلوب كل محبيها.
"رجاء":
"عِشرة العمر" وستظل موجودة بأعمالها
«نادية
تعتبر قيمة وقامة فنية كبيرة، وستظل موجودة بأعمالها» هكذا تحدثت رجاء
الجداوى عن الراحلة نادية لطفى، قائلة: «أعمالها ستظل موجودة وستُعرض على
الشاشات باستمرار، فهى استطاعت التلون بين الأدوار بحرفية شديدة وقدرة على
تقديم الكوميدى والتراجيديا والدراما»، مضيفة أن «نادية»: لم تكن فنانة
فقط، ولكنها كانت بمثابة الأخت والصديقة وعشرة العمر، متابعة حديثها، «عانت
فى الفترة الأخيرة كثيراً بسبب مرضها ولكنها كانت دائماً تجاهد ذاتها، إلى
أن رحلت عن الحياة»، وأكدت أنها كانت «معجونة» بالفن منذ صغرها.
وتحدثت الفنانة دلال عبدالعزيز عن الراحلة، واصفة صداقتها
معها بـ«عشرة العمر»، وقالت: «فنانة لن تتكرر مرة أخرى، فهى فنانة عظيمة
بمواقفها الإنسانية والوطنية والسياسية، حيث كانت تسبق باقى أبناء جيلها فى
تلك المواقف، ولم تتأخر يوماً فى الوقوف بجانب الجنود بحربىْ أكتوبر
والاستنزاف، وكان لمشاركتها فى معظم الفعاليات الوطنية دور فعال وأساسى،
ودائماً كنا نحرص على زيارتها فى الأيام الأخيرة للاطمئنان على صحتها إلى
أن رحلت عن الحياة».
بينما قال الفنان فاروق فلوكس: «نادية تعتبر من الفنانات
اللاتى لن يتكررن فى التاريخ مرة أخرى، فهى كانت محبوبة من كل زملائها
وجمهورها»، وأضاف أنها كانت تمتلك ابتسامة ساحرة استطاعت من خلالها أن تؤثر
فى قلوب الملايين، واستكمل: «على الرغم من جمال وجهها وخفة روحها إلا أنها
استطاعت تقديم أدوار فى غاية الصعوبة وأعتقد أن هذا جعلها تتصدر البطولة
سريعاً فى وقت قياسى».
سميحة أيوب: مثل أعلى فى إنسانيتها وطيبة أخلاقها
بينما تحدثت الفنانة سميحة أيوب عن علاقتها بالراحلة نادية
لطفى قائلة، «هى الأخت والصديقة وعِشرة العمر، فأنا كنت على صلة بها لمدة
تزيد على 40 عاماً، لم نكن نفارق بعضنا البعض، فهى تعتبر مثلاً أعلى فى
إنسانيتها وتصرفاتها وطيبة أخلاقها، وعلى الرغم من مرضها فى الفترة الأخيرة
إلا أنها كانت حريصة على متابعة الأخبار والسؤال عن زملائها بشكل مستمر،
كما أنها كانت على قدر عال من الوعى والإدراك فى اختيار أدوارها فى مشوارها
الفنى، مشيرة إلى أنها كانت تمتاز بالروح المرحة والمظهر الأنيق، مضيفة أن
أعمالها ستظل تعرض بمرور الأجيال وسيظل اسمها يتردد بمرور الزمن. وأشاد
الأب بطرس دانيال بدور الفنانة نادية لطفى الإنسانى فى حياتها قائلاً،
«كسرت الفنانة الراحلة نادية لطفى قاعدة التعالى والتكبر بتواضعها فى
التعامل مع جمهورها وأصدقائها، فهى كانت إنسانة تتحلّى بأفضل السمات
البشرية، وكانت فنانة رقيقة صاحبة واجب وكرم». وأضاف «بطرس دانيال» أن
«الراحلة لا يختلف عليها أحد من الذين تعاملوا معها أو عرفوها عن قُرب،
وكانت تسأل عن زملائها وزميلاتها إذا مرضوا أو إذا غابوا عن الساحة الفنية».
وعن دعمها لزملائها وسؤالها المستمر عنهم أوضح: «كانت تذهب
بصفة دورية لزيارة الفنان العظيم جورج سيدهم فى منزله، وكانت تسأل عن
الفنان الراحل يوسف داود فى مرضه بعدما أجرى عملية زرع كلى بالرغم من أنهما
لم يعملا معاً».
وتابع رئيس المركز الكاثوليكى حديثه عن زيارته لها قبل
رحيلها قائلاً: «لا أستطيع أن أنسى عندما دخلت مستشفى القصر العينى بسبب
مرورها بأزمة صحية، وقمنا بزيارتها أكثر من مرة للاطمئنان عليها، وتعاملت
وقتها مع الجميع بلطف ورفق، وفى نفس الوقت كانت تسأل عن أحوال الآخرين،
وأضاف: «كانت الإنسانة والفنانة الراقية والمحبوبة صاحبة الواجب التى لم
تنسَ أى فرد يمر بظروفٍ صعبة».
دورها الوطنى: دعمت المجهود الحربى.. وساندت القضية
الفلسطينية
عُرفت الفنانة نادية لطفى بمواقفها الإنسانية والسياسية مع
الدولة، حيث إنها وقفت إلى جوار الجنود فى حربىْ الاستنزاف وأكتوبر، وكانت
تنظم زيارات خلال الحرب على الحدود مع عدد من الفنانين باعتبارها مسئولة
اللجنة الفنية فى النقابة، حتى ظهرت تلك الصورة واضحة من خلال الفيلم
التسجيلى «جيوش الشمس» للمخرج شادى عبدالسلام، والتى ظهرت من خلاله
بشخصيتها الحقيقة مع الجنود لتخفف من آلامهم وكانت تقوم بتوصيل خطاباتهم
إلى أسرهم. «المتمردة المحافظة» هكذا لقبها الجمهور نظراً لمواقفها
السياسية، حيث إنها كانت ضمن فريق المتطوعات فى أعمال التمريض بمستشفى
المعادى العسكرى خلال حرب أكتوبر 73، حسبما أكدت خلال أحد اللقاءات
التليفزيونية، حيث التقت الضباط والجنود أثناء علاجهم فى مستشفى القوات
المسلحة.
كرمها ياسر عرفات وأهداها شاله تقديراً لمواقفها فى دعم
المقاومة
وتميزت الراحلة بجرأتها وعلاقتها القوية برؤساء الدول، حيث
إنها ذهبت لزيارة الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات أثناء حصار بيروت عام 1982،
وقامت بتسجيل ما حدث من مجازر فى صبرا وشاتيلا بالكاميرا الخاصة بها،
ونقلته لمحطات تليفزيون عالمية، إلى أن كرمها بعد ذلك بمنزلها وأهدى لها
شاله، تقديراً لمواقفها المستمرة فى دعم الدولة، حيث إنها وقفت فى صفوف
المقاومة الفلسطينية، واستطاعت أن تحتفظ فى مكتبتها الخاصة بـ 25 شريط
فيديو لوقائع حقيقية عاشتها بنفسها.
وكان لها أيضاً إسهامات خيرية، فكانت من أوائل المنضمين إلى
جمعية حماية الحمير التى تأسست عام 1930، على يد الفنان زكى طليمات، وكان
لانضمامها بالغ الأثر على انضمام عدد كبير من الأدباء والفنانين لها، منهم
طه حسين وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم وأحمد رجب، كما أنها انضمت إلى
جمعية خدمة وحماية المعاقين وحصلت بجهودها على 100 فدان لمصلحة نقابة المهن
التمثيلية توزع على إسكان الفنانين.
كما قررت الفنانة نادية لطفى عام 2003، إعداد كتاب وثائقى
يسجل الحروب التى تعرض لها العالم العربى منذ عام 1956 وحتى 2003، خصوصاً
أحداث الهجمات الأمريكية والبريطانية على العراق. |