السعودية تفرش السجاد الأحمر في أول مهرجان سينمائي دولي
الدورة يتضمّن برنامجها محاور متعددة تُعنى بالسينما
السعودية الجديدة وبالروائع السينمائية العربية وكنوز السينما العالمية
وسينما الحارة.
الرياض
– بعد
نحو أربع سنوات على فتح دور السينما، انطلق في السعودية مساء الاثنين أول
مهرجان سينمائي ضخم، تدعمه حكومة المملكة الساعية لبناء ثقافة ترفيهية
جديدة وتعزيز أذرع “قوتها الناعمة” في خضم حملة الانفتاح الأخيرة ضمن رؤية
السعودية 2030.
وتُنظّم الدورة الافتتاحية لمهرجان “البحر الأحمر
السينمائي” في مدينة جدة الساحلية في غرب البلاد بين السادس والخامس عشر من
ديسمبر الجاري، وتشمل مئة وثمانية وثلاثين فيلما طويلا وقصيرا من سبع وستين
دولة وبأربع وثلاثين لغة، ويتنافس في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة ستة
عشر فيلما، فيما يتنافس في مسابقة الأفلام القصيرة ثمانية عشر فيلما.
وانطلقت الدورة غداة تنظيم أول سباق فورمولا واحد في
المملكة، ويتضمّن برنامجها محاور متعددة تُعنى بالسينما السعودية الجديدة
وبالروائع السينمائية العربية وكنوز السينما العالمية وسينما الحارة.
وتُعرض ضمن محور السينما السعودية الجديدة أفلام لمخرجين
شباب؛ وذلك للتعريف بهم وبالجيل الجديد من المواهب السعودية الناشئة في
المجال السينمائي.
ومن بين الأفلام السعودية المشاركة في الدورة فيلم “جنون”،
وهو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرجين معن بن عبدالرحمن وياسر بن
عبدالرحمن، وفيلم “قوارير”، وهو من إخراج خمس مخرجات سعوديات تعالج كل
واحدة منهنّ قضية من قضايا المرأة.
ومن الأفلام السعودية أيضا فيلم “الطريق 10” للمخرج عمر
نعيم، ويروي قصة أخوين يقرّران السفر لحضور حفل زفاف والدهما ويتعرّضان
خلال الرحلة لتهديدات من رجل غريب، وفيلم “كيان” للمخرج حكيم جمعة، وفيلم
“دولاب في” للمخرج أنس باطهف.
☚ مهرجان
البحر الأحمر السينمائي يشمل في دورته التأسيسية مئة وثمانية وثلاثين فيلما
طويلا وقصيرا من سبع وستين دولة
أما محور “روائع عربية” فتُعرض فيه باقة من الأفلام العربية
الحديثة على غرار “استعادة” للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي و”هيليبوليس”
للمخرج الجزائري جعفر قاسم، ويتطرّق إلى المظاهرات التي اندلعت في الجزائر
خلال الحرب العالمية الثانية، و”غدوة” للممثل التونسي ظافر العابدين في
أولى تجاربه الإخراجية والإنتاجية، و”امتحان” للمخرج العراقي شوكت أمين
كوركي، و”دفاتر مايا” للمخرجين اللبنانيين خليل جريح وجوانا حاجي توما.
وتُقدّم ضمن محور “كنوز البحر الأحمر” أفلام عربية وعالمية
كلاسيكية حصلت على العديد من الجوائز، إذ اختيرت ثمانية أفلام من بينها
فيلم “قليل من الحب وكثير من العنف” للمخرج رأفت الميهي، و”دعاء الكروان”
للمخرج هنري بركات، و”الاختيار” ليوسف شاهين.
وخصّص القائمون على المهرجان محورا لسينما الحارة لعرض ستة
أفلام من الأعمال التي صُورت في أحياء مدينة جدة.
ومن بين الأعمال المشاركة في المهرجان، الفيلم الأردني
“الحارة” للمخرج باسل غندور الذي أثار إعجاب النقاد، إضافة إلى أفلام غير
عربية بينها “سيرانو” لجو رايت و”83″ عن فوز الهند بكأس العالم في الكريكت
عام 1983.
وبالتزامن مع المهرجان يقام سوق البحر الأحمر في الفترة من
الثامن إلى الحادي عشر من ديسمبر، والذي يهدف إلى تعزيز التبادل المعرفي
وتحفيز الإنتاج المشترك وأيضا دعم التوزيع الدولي.
وكانت السعودية أعادت فتح دور السينما في أبريل 2018 بعد
عقود من الإغلاق بسبب التشدّد الديني، في إطار سلسلة من الإصلاحات بدأت مع
تسلّم ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان منصبه في 2017.
وقال الناقد الفني المصري محمد عبدالرحمن إنّ “التفكير في
تنظيم مهرجان سينمائي في السعودية كان ضربا من ضروب الخيال قبل خمس سنوات
فقط”.
وتابع “لكن الفكرة ليست مجرد وجود المهرجان، الفكرة هي
تغيير الثقافة وأن يكون المجتمع مؤهلا للتعامل والتفاعل مع السينما كثقافة”.
ويأتي انعقاد المهرجان بعدما تضاعفت الأعمال السينمائية
والتلفزيونية السعودية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وبينها إنتاجات
بموازنات ضخمة غالبا ما تسعى إلى إبراز صورة الانفتاح الاجتماعي الذي تعيشه
المملكة المحافظة.
والمهرجان الذي يشارك فيه ممثلون عالميون ومن المنطقة
العربية، يأمل في أن يحل محل مهرجان دبي السينمائي في الخليج الذي توقّف عن
الانعقاد قبل ثلاث سنوات ليكون الأكبر في الشرق الأوسط.
ويعتبر المخرج السعودي أحمد الملا تنظيم مهرجان للأفلام في
السعودية قبل موجة الانفتاح كان “مغامرة صعبة”.
أحمد الملا: السينما
هي القوة الناعمة التي تمهّد لإنجاح كافة التغييرات الاجتماعية والاقتصادية
الحاصلة في السعودية الآن
ويدير الملا منذ 2008 “مهرجان أفلام السعودية”، وهو مهرجان
مستقل للأفلام المحلية مركزه مدينة الدمام في المنطقة الشرقية.
وقال “قبل السماح بالسينما في 2018، كان القطاع يعمل تحت
الأرض، لم يكن هناك إمكانية للتصوير أو الحصول على تمويل، الأمور كانت
تعتمد على الطاقات الفردية”.
ولطالما اقتصر الإنتاج السينمائي السعودي المحلي على
محاولات مستقلة دون دعم حكومي أو رسمي.
ويوجد في المملكة اليوم أكثر من تسع وثلاثين صالة سينما
بعدد شاشات تجاوز الثلاث مئة وخمس وثمانين شاشة تشغّلها خمس شركات، ورغم
الإنتاج السعودي الكبير، تحظى الأفلام المصرية والأجنبية بإقبال كبير في
دور العرض.
والأسبوع الماضي، أطلقت هيئة الأفلام السعودية استراتيجية
لتطوير إنتاج الأفلام السعودية تتضمن تسعة عشر مبادرة تهدف إلى خلق حراك
كبير في قطاع الأفلام بالمملكة، وتوفير بنية تحتية للإنتاج السينمائي
وتمكين المواهب والقدرات السعودية.
ويُعاني القطاع السينمائي السعودي من نقص في الكوادر
المحترفة وفرص التدريب وغياب الاستثمار المحلي والأجنبي، وهو ما تحاول
مبادرة هيئة الأفلام معالجته.
ودخلت شركة “أم.بي.سي ستوديوز”، الذراع السينمائية لشبكة
القنوات السعودية الشهيرة في الشرق الأوسط، على خط إنتاج أفلام سينمائية
عالمية ناطقة باللغة الإنجليزية بميزانيات ضخمة.
وتصوّر “أم.بي.سي ستوديوز” حاليا فيلم “ديزرت واريور” الذي
يُحاكي ملحمة قديمة تدور أحداثها في شبه الجزيرة العربية في مدينة نيوم
المستقبلية التي تبينها المملكة في الشمال. ويعدّ الفيلم أكبر إنتاج
سينمائي يصوّر في السعودية على الإطلاق.
ورأى الملا أنّ السينما تحتاج إلى “مستوى عال من حرية
التعبير، ومن ظهور المرأة وحرية طرح الموضوعات المتنوّعة والقبول بها”،
معتبرا أنّ “السينما هي القوة الناعمة التي يمكن أن تمهّد لإنجاح كافة
التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث حاليا في المملكة”. |