في كل مهرجان جيد هناك الرجل المناسب في المكان المناسب.
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي فيه اثنان مناسبان في مكانيهما المناسبين:
رئيسه محمد حفظي ومديره الفني أحمد شوقي. الأول تسلم عهدته منذ ثلاث سنوات
وطوّره على نحو جعل دورتيه السابقتين تبدوان محطة فاصلة بين كل الدورات
التي سبقت هذا المهرجان، الجيدة منها وتلك التي لم تكن جيدة بشكل كاف.
أما أحمد شوقي فقد انصرف لعمله الدؤوب بكل ما لديه من
كفاءة. فهو يعرف السينما من موقعه كناقد سينمائي خبر الأفلام والمهرجانات
على أكثر من وجه، ويعرف أن مهمّته الحالية كمدير تنفيذي تعتمد على خبرته
تلك.
هو بالطبع ليس الأول من بين النقاد العرب الذين تولّوا
مسؤوليات في المهرجانات السينمائية. ومهرجان القاهرة كان دوماً محط خبرات
النقاد العاملين فيه، إذ سبق للراحل يوسف شريف رزق الله أن قام بالمهمة،
مستفيداً من كل تلك الخبرة التي كوّنها منذ أكثر من ثلاثين سنة أمضاها في
العمل كمنشط وناقد ومثقف سينمائي. تبوأ يوسف الإدارة الفنية لمهرجان
القاهرة حتى وفاته في منتصف هذه السنة.
الناقدان ماجدة واصف وسمير فريد توليا مسؤوليتيهما كمديرين
للمهرجان. والكثير من النقاد المصريين اشتغل في شؤون مهمة خلال السنوات
الأربعين الماضية.
خارج هذا المهرجان، وإلى جانب من استعان به مهرجانا أبوظبي
ودبي من نقاد (بينهم كاتب هذه السطور)، نجد مبدأ الرجل المناسب في المكان
المناسب مطروحاً في شخص انتشال التميمي في مهرجان الجونة، وأمير أباظة في
مهرجان الإسكندرية، وكذلك التونسي خميس الخياطي في مهرجان قرطاج.
هنا يكشف الناقد والمدير الفني لمهرجان القاهرة، أحمد شوقي،
عن بعض جوانب هذا الموضوع، قبل أن يتناول نشاطات وفعاليات الدورة المقبلة
للمهرجان التي ستنطلق في العشرين من هذا الشهر بعرض فيلم مارتن سكورسيزي
المنتظر «الآيرلندي».
·
كيف يستفيد موقعك كمدير فني لمهرجان القاهرة من حقيقة أنك
ناقد سينمائي في الأساس؟
-
الغالبية العُظمى من المهرجانات حالياً - وربما سابقا - يديرها النقاد
فنيا، مثل كارلو شاتريان في برلين، وكاميرون بايلي في تورونتو. الأمر منطقي
في ظل حاجة وظيفة الإدارة الفنية تحديداً لإلمام كاف بكل من تاريخ السينما
ومسيرة المخرجين المعاصرين، وأهم الاتجاهات الحديثة في الإنتاج العالمي، مع
القدرة على متابعة الجديد باستمرار، الأمر الذي يتميز فيه النقاد عموماً
بحكم طبيعة عملهم، عكس كافة التخصصات السينمائية الأخرى التي قد ينشغل
أصحابها فترات طويلة عن متابعة الجديد.
·
ماذا عن تجربة مهرجان القاهرة مع النقاد؟
-
في القاهرة كانت الإدارة الفنية دائماً ومنذ تأسيس المهرجان للنقاد، وعلى
رأسهم بالطبع يوسف شريف رزق الله، الناقد الكبير والمدير الفني التاريخي
لمهرجان القاهرة السينمائي.
·
ما هو المختلف في إطار الدورة المقبلة عما كانت عليه
الدورات السابقة؟ كذلك دورك في تحقيق هذا الاختلاف.
-
الدورة 41 هي استكمال لطريق بدأه رئيس المهرجان محمد حفظي الدورة الماضية،
طريق هدفه الرئيسي هو استعادة المهرجان لمكانته كواحد من المهرجانات
المؤثرة في الصناعة السينمائية الدولية. وأن يكون المهرجان لائقاً بحجمه
وتاريخه، كمهرجان دولي كبير يقدم لكل عناصر المعادلة السينمائية ما يفيدها،
فيجد الجمهور مزيجاً بين أهم أفلام العام من مختلف الاتجاهات والأنواع،
وبين العناوين الجديدة التي فاز المهرجان بحق عرضها العالمي أو الدولي
الأول والتي يبلغ عددها 35 فيلما لأول مرة في تاريخ المهرجان. كذلك يجد
صانعو السينما ودارسوها فوائد تتمثل في أيام القاهرة لصنّاع السينما وما
تحتويه من محاضرات وورش عمل وحلقات النقاشية وملتقي القاهرة السينمائي الذي
يدعم مشروعات الأفلام بما يتجاوز 200 ألف دولار، وبالطبع أن يجد الإعلام
بأطيافه في المهرجان فعاليات متنوعة حافلة تهم قراء الصحف ومشاهدي القنوات.
·
ما هو دورك في تحقيق هذا الاختلاف؟
-
الدور الرئيسي الذي أفخر به هو مشروع تحويل نظام اختيار الأفلام من الشكل
الكلاسيكي للجان المشاهدة إلى نظام مبرمجي المناطق الجغرافية المستمد من
أكبر مهرجانات السينما الدولية. المشروع الذي تقدمت به للإدارة في بداية
التحضير للدورة، ووافق عليه الأستاذ يوسف شريف رزق الله قبل رحيله وكلفني
بتطبيقه.
·
عندي نظرية تقول إن المهرجان (في أي مكان من العالم) ينجز
النجاح الفعلي عندما يبادر صانعو السينما للاتصال به رغبة منهم في عرض
أفلامهم فيه. هل توافق؟ هل هناك مؤسسات إنتاجية أو دول تبادر بإرسال
أفلامها إليكم؟
-
النظرية سليمة بالطبع، وكلما زاد عدد هذه الجهات ارتفعت قيمة المهرجان. لكن
هناك تفصيلة أخرى أدق هي ما الذي تعرضه عليك هذه المؤسسات؟ هل تريد أن
تعطيك أفلامها القديمة نسبياً التي أتمت دورة المهرجانات لشهور أم هي
مستعدة لمنحك حق العرض الأول لأفلامها المرتقبة؟ مهرجان القاهرة عموماً على
علاقة قديمة وطيدة بأغلب الموزعين الدوليين والإقليميين والمراكز
السينمائية الوطنية النشطة، وهذا العام فحص فريق البرمجة ما يزيد على 2400
فيلم منها أكثر من ألف فيلم طويل، من بين الألف فيلم ما يزيد على 800 فيلم
تقدم أصحابها وموزعوها بها للمهرجان، والباقي هي الأفلام التي شاهدناها في
مهرجانات أخرى وطلبناها من الكاتالوغات الخاصة بالموزعين. ومجدداً لا يمكنك
أن تعرض 35 فيلما جديداً دون أن يكون هناك إقبال من صانعي الأفلام على
التواصل معك.
·
هناك توجه جديد صوب الاستثمار في صناعة السينما العربية
لجعل مهرجان القاهرة (وكما تستحق وكما يستحق) بيت السينما العربية. ما هي
الخطوات التي تمّت في هذا الاتجاه؟
-
أعلنا بالفعل عن توسعة مسابقة آفاق السينما العربية بحيث تضم 12 فيلما
بدلاً من ثمانية، وأن تمنح أربع جوائز بدلاً من اثنتين، مع زيادة الوجود
العربي في كافة المسابقات الأخرى، بحيث تجاوز عدد الأفلام العربية الجديدة
المعروضة خلال الدورة الحالية 25 فيلما. هذا بالإضافة لاستمرار ملتقى
القاهرة السينمائي في دعم مشروعات الأفلام في مرحلتي التطوير وما بعد
الإنتاج، وقد أعلن المهرجان عن تفاصيل جوائز الملتقى هذا العام والتي تجاوز
مجموعها 200 ألف دولار لأول مرة. ناهيك عن أن الملتقى هو إحدى فعاليات أيام
القاهرة لصناعة السينما، والتي تضم بخلاف ذلك ورشات عمل وحلقات نقاشية
ودروس السينما جميعها مفتوحة للعرب المشاركين في أيام صنّاع السينما. مجموع
كل ما سبق أن ما لا يقل عن المائة صانع سينما عربي بين مخرج ومنتج وكاتب
سيناريو وغيرهم سيكونون موجودين ومتواصلين خلال المهرجان هذا العام، ليلعب
الدور الذي يستحقه كنقطة لقاء للسينمائيين العرب. فإن لم تكن القاهرة هي
تلك النقط أين يمكن أن تكون؟!
·
خلف الراحل العزيز يوسف شريف رزق الله تاريخاً طويلاً من
العمل في هذا المهرجان. هل يختلف العمل تبعاً لغيابه وكيف؟
-
عاش فريق المهرجان أياماً صعبة تلت رحيل الأستاذ يوسف، فلا يوجد شخص واحد
من العاملين سبقه في الوجود والعمل داخل تلك المؤسسة، والرجل كان كتلة من
الحضور والتأثير والمحبة التي يمنحها للجميع حتى أيامه الأخيرة، وبالتالي
فقد ترك فراغاً كبيراً يصعب ملؤه. لكن طبيعة الحياة وطبيعة عملنا أنه كما
يقال: «العرض يجب أن يستمر»، فلم يكن من الممكن أن نتوقف حزناً ولا ننهي
الأعمال المطلوبة. وعندما تقرر في الاجتماع التالي لرحيله إطلاق اسمه على
الدورة، صار لدى الجميع شعور بأن هذه الدورة ينبغي أن تخرج للنور بصورة
تليق باسم يوسف شريف رزق الله. الأمر الذي أرى أنه قد انعكس على كل
التفاصيل، والذي نراهن أن كل من سيحضر المهرجان هذا العام سيلمسه. |