"نحن لم نقدم أنفسنا على أننا ننظم مهرجان العين ليكون
بديلاً لمهرجان دبي السينمائي"
هكذا قالها بثقة ووضوح وحسم تعقيباً على عنوان مقالي السابق
في مصراوي - المنشور بتاريخ ٢٨ أبريل الماضي أي قبل افتتاح فعاليات
مهرجان العين السينمائي
بيوم واحد - فكان ردي: لكن هناك تصريحًا منشورًا للمخرج
هاني الشيباني - المدير الفني للمهرجان - يقول فيه: "نحن نعرف الظروف التي
أدت لوقف مهرجانات بعينها، ونسعى لاستمرارية العين السينمائي، في الإمارات،
وكذلك نحاول أن نكون بديلاً عن مهرجانات أُلغيت وتعثرت قبلنا"، وهذا
التصريح منشور في عدد من الصحف الإماراتية. أنا لم أخترعه، ولذلك طرحت
تساؤلي.
هنا حاول مدير المهرجان التوضيح بابتسامة وهو لا يزال
يُحافظ على هدوئه: "ربما الصحفي الذي كتب التصريح لم يفهم القصد تماماً،
وخانه التعبير الصحفي". ثم التقط من فوق المنضدة أمامنا العدد الثالث من
النشرة اليومية التي يُصدرها المهرجان قائلاً: "المهرجان يحمل عنوان؛
مهرجان العين السينمائي، فنحن لم نُضف إليه صفة "الدولي"، وذلك تم عن عمد،
ووعي؛ لأن المهرجان هدفه الأساسي أن يهتم ويدعم السينما المحلية والخليجية.
نريد أن نسلط الضوء على تلك السينما التي تخصنا، فلا تكون على هامش مهرجان
دولي نسير فيه على استحياء".
هكذا أجابني المخرج عامر سالمين المري ونحن جالسون في بهو
فندق أيلا جراند بالعين حيث مقر
مهرجان العين السينمائي
في دورته الأولى. هنا أضفت؛ الحقيقة أنا شخصياً وبعد حضور
الفعاليات أتفهم تماماً شعور عدد من المخرجين الإماراتيين بذلك، لكن هذا لا
ينفي تحفظي على أن إحدى المسابقات التي تم الإعلان عنها كانت تحمل عنوان:
"مسابقة الصقر العربي والأجنبي" وهذا العنوان لمن يقرأ البيانات الصادرة
عنكم - قبل بداية المهرجان أو حتى حضوره - قد لا يفهم أن المقصود من كلمة
"الأجنبي" هنا هي صناع الأفلام المقيمون في دولة الإمارات.
من الكواليس
كان يتابع نقاشنا - بصمت وإنصات - المخرج العماني محمد
الكندي - أحد أعضاء لجنة تحكيم مسابقة الصقر الإماراتي والتي تترأسها
الفنانة المصرية
بشرى
والذين معاً كانا يُضفيان على أجواء المهرجان طابعاً مرحاً مبهجاً صافيا
حيثما تواجدا، سواء أثناء النقاشات الجدية والسينمائية حول الأفلام
والمخرجين واللغة وثقافة مجتمعاتنا العربية والمقارنة بينهما بشأن ما يجمع
بينها وما يميز كلا منها. وكذلك في لحظات المرح والسخرية وكانت تُمتعنا
الفنانة
بشرى
بصوتها الجميل، فما إن يردد أحد مقطعًا أو جملة من أغنية
حتى تلتقط طرف الخيط وتشدو بعذوبة ويتردد صدى صوتها في المكان بقبته
العالية.
ظل الكندي يتابع نقاشنا قبل أن يتدخل بابتسامة رحبة قائلاً:
"الحقيقة أن التنظيم دقيق جداً في كافة التفاصيل، وأنا سعيد بهذه التجربة،
وبهذا الجهد الذي يستحق الإشادة، ليس فقط فيما يخص الأفلام ولكن أيضاً في
اختياره للضيوف.. "فيلتقط منه مدير المهرجان عامر سالمين المري الخيط
متسائلاً بتواضع: "هل تذكر عندما تواصلنا معك ماذا قلنا؟!.. لقد أخبرناك
منذ البداية، مثلما أخبرنا جميع ضيوفنا بوضوح: مهرجاننا بسيط، ومتواضع،
لكنه يريد أن يدعم السينمائيين بالمنطقة. كنا لا نريد أن نضع سقفاً عالياً
لتوقعات الناس. رغم أننا عملنا بجهد كبير، وتحت ضغط الوقت والميزانية".
شخصياً، وبعد معايشة التجربة على مدار ثلاثة أيام - سواء
بالافتتاح بالفيلم المصري الكنز بحضور مخرجه شريف عرفة، والذي أقيم له ندوة
شهدت نقاشا حيوياً، إضافة إلى متابعتي المكثفة لأغلب العروض سواء الأفلام
الطويلة أو القصيرة، وحضوري عددًا من الندوات المُختار عناوينها بحرص ودقة
- لذلك بعد تلك المعايشة أشعر بسعادتي لحضور تلك التجربة وهي تُدشن أولى
خطواتها لأسباب إضافية عديدة.
هنا، التقيت عدداً كبيراً من المخرجين الشباب الإماراتيين
والخليجيين. وأنا منذ عدة سنوات أتابع جديدهم، هنا أتيحت لي فرصة لأتابع
أفلامهم ومسيرتهم - خصوصا بعد توقف المتابعة إلا قليلاً بسبب توقف دبي
السينمائي- لكن هنا ومن خلال مهرجان العين، والعودة للمتابعة لاحظت التطور
الذي كان بعضه مفاجئاً لي، وذلك مقارنة بمستوي السينما في منطقة الخليج.
بالطبع لا يمكن محاكمة أو تقييم تلك التجارب بمقاييس الحكم على أفلام
أجنبية دولية تُنتج في ظل صناعة سينمائية مستقرة لها تاريخ.
سينما سعودية جديدة
هنا، في قاعات سينما ستارز، بمدينة العين وتحت مظلة
مهرجان العين السينمائي
- المنعقد من ٣٠ أبريل - ٣ مايو شاهدت تجارب سعودية لافتة
تكشف عن وجود شباب لديهم ما يقولونه، بعضهم يمتلكون أدواتهم بحرفية ومهارة،
ويُعبرون بلغة وأسلوبية سينمائية، يوظفونها بهدوء، وحساسية، من دون أي
تعقيدات في سرد القصة.
أعجبني عدد غير قليل من الأفلام - سواء في الصقر الخليجي أو
الإماراتي - منها مثلاً الفيلم السعودي "رولم" للمخرج عبدالإله القرشي،
والذي يستحق جائزة عن جدارة، ويُنبئ بمخرج سيكون له مستقبل. أدهشني مستوي
الفيلم - رغم بساطته الشديدة وبساطة الحكاية والأسلوب - مقارنة بأفلام
سعودية عديدة تابعتها على مدار السنوات السابقة، وأراه أول فيلم يتفوق على
فيلم "وجدة" لهيفاء المنصور. فسألت المخرج عقب العرض: لماذا لم تشارك به في
مهرجانات دولية مثل كان وبرلين أو فينيسيا. أثق أن هذه المهرجانات كانت
ستحتفي به في أي من تظاهراتها السينمائية الموازية، فأجابني:
"إنه فيلمي الطويل الأول بعد عدة تجارب قصيرة، وكنت متشوقًا
لدرجة كبيرة لمعرفة رد فعل الجمهور، وكيف يستقبله الناس حتى لو انتقدوني أو
عنفوني. لم تكن المهرجانات تهمني، لذلك سارعت بعرضه الجماهيري، والحمد لله
استقبله الجمهور بشكل جيد".
كذلك فيلم "المسافة صفر" للمخرج عبدالعزيز الشلحي فهو من
الأفلام السعودية المغايرة والتي تُوحي بوجود أطياف من المخرجين وأنواع
سينمائية. إنه يعتمد على التشويق بسيناريو مكتوب بوعي، ودقة في التفاصيل
التي تخبئ حقيقة الشخصيات وتأخذنا تدريجيا إلى ما تم إخفاؤه، فكان المخرج
قادرًا على جذب اهتمامنا ومتابعة الأحداث من دون ملل، بالعكس يشي الفيلم
بمولد مخرج لديه شغف وقدرة على تقديم هذا النوع النادر في السينما العربية
خصوصاً أن أفلامه القصيرة كلها تدور في إطار تشويقي، وأيضاً فيلمه الروائي
الطويل القادم.
كذلك من الأفلام الجيدة الفيلم الكويتي "ودي أتكلم" للمخرج
صادق بهبهاني، فهو يتمتع بسيناريو ساخر. هنا السخرية أحيانا تُطلق الضحكات،
لكنها في الأغلب كوميديا سوداء. يسخر من بعض ما يدور في عالم صناعة الأفلام
والإعلام والسوشيال ميديا. فقط ما يمكن أن يؤخذ على الفيلم أنه يميل إلى
الطابع التليفزيوني في بعض أجزائه.
مسك سينمائي
ومن السينما الإماراتية هناك تجربة سينمائية إنسانية جدا،
حركت المشاعر إزاءها وجعلنا ننسى وجودنا بقاعة العرض ونغوص في دواخل
شخصياتها. بحثت عن مخرج الفيلم بعد العرض فأخبروني أنه لا يحضر مهرجانات،
ولا يُلبي دعوة المهرجانات. فقط يصنع أفلامه، ويتركها تتحدث عنه.
هنا، أقصد فيلم "مسك" للمخرج حميد السويدي صاحب تجربة
"عبدالله" التي عرضت في دبي قبل سنوات. الفيلم الأحدث من إنتاج ٢٠١٧ لكن
عرضه العالمي الأول تم بمهرجان العين. وهو تجربة سينمائية لافتة وستظل
حيَّة مميزة في تاريخ السينما الإماراتية، لقدرة مؤلفه ومخرجه على رسم
شخصيات إنسانية تتحرك بمشاعر نابضة بالحياة، والصدق، بقدرته على نحت زمنها
النفسي، وقلقها الداخلي من دون أي افتعال، بل كأنه يضع أقنعة فوق تلك
المشاعر الجوانية لدى أبطاله لئلا يُظهرها ومع ذلك نشعر بها، وتحركنا،
ونتجاوب معها، في إيقاع متهادٍ، كأنه موسيقى مفعمة بالشجن في ليل حياتهم
بصحرائه المترامية في دلالتها.
لقاءات سينمائية
كان البرنامج حافلًا بالعروض، ٦٧ فيلما، لكن الأهم أنه
يُحسب للمنظمين لمهرجان العين السينمائي اختيارهم لنوعية الأفلام الجيدة،
مراعاة التنوع الثقافي والجغرافي، وهي الأفلام التي تمنحنا إشارات عن مدى
التطور الحادث في المنطقة على المستوى السينمائي، خصوصا من يرغب في
متابعتها.
على صعيد آخر، هناك، وإلى جانب التكريمات المستحقة، أقيمت
ندوات خاصة بصناعة السينما في الخليج والإمارات، واستضافة شخصيات قادرة على
الشرح والتوضيح وتقديم الخبرة والتجارب، ومنهم مثلاً د. هشام جمال الدين،
مدير التصوير المصري ومخرج الإعلانات ووكيل المعهد العالي للسينما بمصر،
فإلى جانب ترأسه لجنة تحكيم مسابقة الصقر الخليجي أيضاً قدم محاضرة على
مدار ساعتين عن "العلاقات التبادلية بين المخرج وأدوات الكاميرا" مستعينا
بخبراته ونماذج من تجاربه فامتلأت القاعة بضيوف المهرجان الذين ضحكوا مرات
عدة وتفاعلوا معه ومع أسلوبه الأدائي الشيق الساخر القادر على جذب الانتباه
طويلاً وفي ذات الوقت كان خلال طرح رؤيته يُثير الأفكار ويتقبل الاختلاف
بشكل جعل النقاش ثرياً وخصباً.
بقي أن نُضيف أنه مساء اليوم، تُعلن الجوائز، ومعها يُسدل
الستار على ختام فعاليات الدورة الأولى من
مهرجان العين السينمائي
الذي دشن مسيرته بقدم راسخة، وبصورة مُشرفة، ومن دون تكلف،
وبدقة كبيرة في كثير من التفاصيل. يختتم العين السينمائي فعالياته وقد أعاد
الأمل لعدد من صناع السينما الإماراتية والخليجية بأن هناك منصة عرض قد
وُلدت بدعمٍ جديدٍ، وستنمو طالما بقيت الإرادة والعزيمة والصدق في الأهداف. |