خالد مزنر: أردت لابني أن يلتقي “زين” فما يعيشه أطفالنا
ليس حقيقياً
زهرة مرعي
بيروت-“القدس العربي”: اختبار فني جديد عاشه الثنائي ندين
لبكي وخالد مزنر خلال تصوير فيلم “كفرناحوم”. قبله كان مزنر يعايش تطورات
السيناريو ويتحسسه لحظة بلحظة ليكتب موسيقاه التصويرية. فعل الأمر عينه مع
“كفرناحوم” وعندما نزل إلى ميدان التصوير كمنتج، أمسك بكل ما كتبه ورماه
بعيداً. إنه فعل الواقع الذي يمتلك قدرة نسف النظريات.
بعد اختباره هذا يعلن خالد مزنر أن تغيرات كثيرة طرأت على
حياته العائلية مع ندين لبكي. وعن خالد الموسيقي فيعلن عن محطات متعددة
ستكون قريبة، بعد محطة مميزة قدم خلالها موسيقاه التصويرية في حفل مهرجانات
بعلبك الدولية التي عاد ريعها لدعمها.
مع انطلاق عروض فيلم “كفرناحوم” في الصالات اللبنانية هذا
الحوار مع الفنان خالد مزنر:
·
تعاونت مع ندين لبكي في كتابة الموسيقى التصويرية لكافة
أفلامها مع “كفرناحوم” بت أيضاً منتجاً. لماذا؟
**خلال العمل على سيناريو “كفرناحوم” شعرت أن الأسلوب
التقليدي في إنتاجه لن يكون مناسباً. فهمت الزمن الذي يحتاجه للتصوير،
وكذلك الإنتاج. فأي منتج لم يكن ليسمح بهذا المدى الزمني للعمل، وتالياً
يجب أن نتولّى تلك المسؤولية بأنفسنا. وكانت الحاجة أم الاختراع وبت
منتجاً. فيما كانت أفلام ندين السابقة تنفذ خلال شهر ونصف بالحد الأقصى،
احتاج “كفرناحوم” لستة أشهر من التصوير. وسنة ونصف للمونتاج، وأربعة أشهر
للميكساج. من أجل هذا اضطررنا لخلق أماكن تصوير قريبة منا لنتمكن من
الإهتمام بطفلينا. إنها الضرورة التي فرضت نفسها في كافة مراحل الفيلم.
·
ماذا قال لك هذا الإختبار؟
**اختبار صعب خاصة وأني مؤلف للموسيقى التصويرية. من الصعب
أن يكون الإنسان فناناً ومنتجاً في الوقت عينه. وضع شبيه بقاض يحاكم نفسه.
دائماً كنت أنجز كتابة الموسيقى التصويرية خلال كتابة السيناريو، مع
“كفرناحوم” لم يكن ذلك متاحاً. شغلني الإنتاج، وحشرني الوقت في كتابة
الموسيقى. أما على الصعيد الفني فنحن في الحقيقة وصلنا لأبعد مدى ممكن.
وليس لنا رمي أي مسؤولية على ذمة الوقت، امتلكناه جيداً.
·
كم يتناغم هذا الاختبار مع عالمك في الموسيقى والشعر؟
** في لبنان خلط بين مهمة المنتج ومهمة الممول. صلة المنتج
مباشرة بكافة مراحل العمل الفني، من تصوير إلى مونتاج، إلى الإدارة والرؤيا
الفنية للمشروع. فالإنتاج ليس فقط أموالاً وعقوداً.
·
كتبت موسيقى “كفرناحوم” بعد تصويره فهل تأثرت بمرافقة
أبطاله طوال زمن التصوير وكيف تجلى ذلك؟
**خلال كتابة السيناريو ألفت ألحاناً فيها بعض الرومانسية،
لأني تخيلت أطفالاً يجوبون الطرقات. كانت موسيقى مفعة بالمشاعر. وعندما
التقيت بالأطفال الحقيقيين وجها لوجه، رميت كل ما كتبته في سلة المهملات،
وغيرت رؤيتي الموسيقية بالكامل. لقد شعرت أن ما كتبته لا يتجانس مع حقيقة
هؤلاء الأطفال، تواضعهم، بيئتهم ومع مشاعرهم الحقيقية التي قالوها أمام
الكاميرا. وهكذا أخذت موسيقاي منحى واقعيا معاصرا. نعم بدّل الفيلم نمط
الموسيقى.
·
وهل ستعتمد لاحقاً كتابة الموسيقى وفق الصورة بدل
السيناريو؟
**ليس لنا الجزم المطلق. يمدني السيناريو بصور موسيقية،
ودور الصورة تصحيح وجهة النظر. في “كفرناحوم” كان الموقف راديكاليا جداً.
فندين لبكي نفسها راحت نحو راديكالية لم تعتدها من قبل. وبدوري لم أكن قد
اعتدت تلك الواقعية في سينما ندين. عادة تتم كتابة الموسيقى بناء
للسيناريو، ومن ثم يصار للتصحيح بعد مشاهدة التصوير. جميعنا أخذته حقيقة
هؤلاء الناس، واضطررنا الذهاب معهم إلى النهايات المتاحة من خلال حقيقتهم.
التجربة في هذا الفيلم كبيرة على مختلف المستويات، ولا أعرف إن كانت ستتكرر
مرة أخرى.
·
هل من نغم معين يحركه الأطفال في داخلك كموسيقي؟
** أكيد. للطفل قدرة إيقاظ الطفل الذي في داخلي. الفنان
يحاكي الطفل الذي في داخله في كل عمل فني يقدمه. ومن الأسهل لنا محاكاة
الطفل الذي في داخلنا خلال العمل. ولهذا السبب استبدلت الموسيقى الرومانسية
المنفعلة بناء على السيناريو عندما عايشت هؤلاء الأطفال الذين كبروا قبل
أوانهم. فبطل الفيلم “زين” طفل عجوز من هول التجارب التي عاشها قبل زمنها
بكثير. المزيج بين الطفل والناضج داخل زين أفضت إلى خلق موسيقي كبير. وجدت
نفسي مندفعاً إلى الموسيقى المعاصرة رغم عدم تجانسها مع الأطفال. لكنها
تناسبت مع أبطال الفيلم.
·
كم هي نسبة الاحتراف في الكتابة الموسيقية قياساً إلى
المشاعر أو التأثر بأمر ما؟
**يتساوى العلم مع كمية من المعلومات نعرفها ونستوعبها،
وعلينا أن ننساها خلال عملية الخلق. أكيد الاحتراف موجود في كتابة
الموسيقى، التوزيع والهارموني، لكن علينا نسيانها جميعها. ومن لا يتناسى ما
سبق ذكره تتراجع القيمة الفنية لعمله. المعرفة الفنية موجودة لدى الكثير من
الناس، والفرق يكمن في المزج بين المعرفة والفن.
·
هل أوحى لك ولداك بموسيقى معينة؟
** وأجمل ما كتبته كان لدى ولادتهما. كتبت لحناً موجوداً في
فيلم “هلأ لوين” يوم ولادة طفلي وليد. الموسيقى التي كتبتها بمناسبة ولادة
وليد وميرون وجدتها تعيش في داخلي وتنتظر لحظة الخروج. ولادة طفل لنا تمدنا
وبسريعة قياسية بشحن عاطفي وكمية من الحب لم يسبق اختبارها، لكنها تتفجر في
أقل من ثانية لدى مشاهدة المولود الجديد.
·
عندما كنت تعود إلى منزلك وأطفالك بعد يوم تصوير في فيلم
“كفرناحوم” هل كنت تجد توازنك النفسي والعاطفي سريعاً؟
** نعم ولا. بدّلنا “كفرناحوم” أنا وندين معاً. لا أظن
أحداً سيخرج سليما من أي تجربة مماثلة. انغمسنا في حياة الشخصيات اليومية،
في أماكنهم، بيوتهم وشوارعهم. وصلنا إلى مرحلة شعرنا وكأننا نعيش معهم طوال
عمرنا. مع العلم أن الشوارع التي صورنا فيها بعيدة فقط ثلاث دقائق عن
منزلنا، ولسوء الحظ هو عالم آخر، وأكثر من نصف المجتمع يجهله، ولا فرق لديه
كيف يعيش هؤلاء الناس. شخصياً تبدلت كثيراً عند رؤيتي لولديَ. لأن ابني
وليد بعمر سمح له بمرافقتنا أردته أن يعيش معنا هذه التجربة. أن يتعرّف إلى
هؤلاء الأطفال، وأن يعرف الحياة على حقيقتها، فما هو فيه ليس الحياة. دلني
هذا الفيلم أن أبطاله يعيشون الحياة الحقيقية. فيما يعيش أطفالنا في حياة
“مْنضَفي، مْظبطة، محْمية”. نحيط الجدران والأرض بما لا يؤذيهم إن هم وقعوا
أرضاً. نغرق ما يمسكونه بالمعقمات، وهذه بالتأكيد ليست الحياة. لدى لقاء
وليد بزين، ورغم كون الثاني لم يعرف المدرسة يوماً في حياته، وجدته قادراً
على مواجهة الحياة، ويمكنه الوقوف “كيف ما رمى حاله أو رماه الزمن”. في حين
أننا نعلم أطفالنا الحياة دون أن نتركهم يشاهدونها. وعندما يلتقي هؤلاء
بالحياة سيصدمون. المطلوب التناغم، والتلاقي والتوازن بين هذين العالمين.
·
بين موسيقى فيلم “هلأ لوين” و”كفرناحوم” ما هو الفرق؟
** الفرق كبير. في “هلأ لوين” الموسيقى كلاسيكية تحمل نفحة
لبنانية بحر متوسطية. “كفرناحوم” موسيقى معاصرة بداخلها نفحة افريقية نظراً
لوجود شخصية من أثيوبيا، ولا صلة له بما هو لبناني.
·
لماذا كانت موسيقى أفلام ندين لبكي في حفل بعلبك؟
ألم يخطر في بالك الاستقلال عن اسمها؟
**في هذا الحفل قدّمت بكل فخر موسيقى الأفلام التي كتبتها.
وأضفت إليها مقاطع موسيقية ألفتها لغير الأفلام عُزفت في منتصف الحفل
وامتدت لربع ساعة. وكان البدء مع موسيقى “كفرناحوم”. والختام مع موسيقى
أغنيات الأفلام التي سبق وكتبتها.
·
عاد ريع الحفل للجنة مهرجانات بعلبك لماذا أنت داعمها؟
علمنا أن البطاقات كانت ببدل مرتفع؟
**صحيح. دعم المهرجانات مطلوب من الدولة، وإن هي لم تفعل
نقوم بالمهمة “ما في مشكل”. أعتقد أن قلعة بعلبك من أجمل الأماكن التاريخية
على الأرض. من الصعب أن أكون عازفاً في مكان أجمل من معبد باخوس. بذلت
جهداً كي أعيش اللحظة وأتمتع بها ولم أتمكن. شغلني الصوت، الموسيقيين
والعزف. بعد ثلاثة أسابيع كنت في بعلبك لحضور حفل صديقي جورج خبّاز، وتمكنت
من معاينة المكان الذي كنت فيه قبل ثلاثة أسابيع.
·
هل خطر لك كتابة الموسيقى خلال وجودك في قلعة بعلبك؟
** تأتي الموسيقى أينما تريد هي. قد تأتي في مكان جميل، وقد
تأتي في آخر ليس لنا استيعابه مطلقاً. الجمال يخلق الجمال قاعدة غير
موجودة. وقد يحصل العكس.
·
ماذا ستقول لو اختارت ندين لبكي لفيلمها الرابع مؤلفاً
موسيقياً غير خالد مزنر؟
** فنياً نحن حرّين ومستقلين. عندما يأتي اليوم الذي ترى
فيه ندين أن موسيقاي لم تعد تؤدي دورها في أفلامها لها حرية الاختيار. نحن
ملتزمان بعقد زواج، وليس بعقد فني.
·
أين الغناء في حياتك الآن؟
** اشتقت للغناء. ما أن تنتهي جولة عروض “كفرناحوم” سوف
أباشر العمل على ألبوم غنائي جديد.
·
هل لا تزال تعزف الغيتار عندما تكون في حفل خاص بك؟
** بين الأصدقاء نعم، فالآلات الموسيقية تحيط بي. أحب
الغيتار فهو يذكرني بوالدتي. كانت تعزف لي قبل نومي مساء، وتغني. أما
التأليف الموسيقي فيتم من خلال البيانو.
·
”ريو أي لاف يو” ماذا عن تلك الموسيقى التي لم يصدق
البرازيليون أنها سُجلت في لبنان؟
** هي موسيقى برازيلية بالكامل. “ريو أي لاف يو” فيلم كتبته
مع ندين، وتم تصويره في البرازيل. طلبوا تسجيل الموسيقى في البرازيل ولم
يكن وقتي يسمح بالسفر. تساءلوا كيف ستنفذ موسيقى برازيلية فولكلورية في
بيروت؟ قلت لهم سأتدبر الأمر. وهذا ما حصل، ولم يصدق البرازيليون ما سمعوه.
مع هذه الموسيقى خضت تجربة جميلة جداً في حياتي. ولأن والدتي ولدت وعاشت
لسنوات في المكسيك وتعرف الكثير من موسيقى أمريكا اللاتينية، فهي الموسيقى
الأولى التي تواصلت معها منذ ولادتي ومن خلال أمي.
·
هل تتبادل مع زوجتك النقد الفني الموضوعي؟
** نتبادل النقد طبعاً، وقد لا يكون موضوعياً. نعيش العمل
في المنزل لحدود الإرهاق. فأحدنا يدخل منزله ليرتاح، لكن هذا لا يحصل. وهذا
الواقع يتصف بالغنى والإرهاق معاً.
·
ماذا عن موسم الزيتون هذا العام؟ وماذا تعني لك الأرض؟
** موسم الزيتون عاطل جداً. قبل ثلاثة أسابيع جاء المطر
فنزل الزيتون تحت الشجر. صلتي وثيقة بالأرض والزراعة التي أمارسها في جرود
البترون. وجدت الكمال في الزراعة والأرض أكثر من الموسيقى حتى. وبالأمس كنت
أعصر العنب لصناعة النبيذ بيدي. |