تهمة التطبيع تطارد مهرجان القاهرة السينمائي قبل
انطلاقه
ريم سامي
تكريم المخرج الفرنسي كلود ليلوش يثير حفيظة
الفنانين المصريين، وإشكالية الفن والسياسة تضع المهرجان في مأزق.
يبدو أن لعنة التطبيع مع إسرائيل، سوف تظل تلاحق
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فبعد أن كان المهرجان من أشد
معارضيه منذ تأسيسه، غير أن دورته الأربعين المقبلة تتعرض للتشكيك،
بعد الإعلان عن تكريم المخرج الفرنسي كلود ليلوش، وتتويجه بـ”جائزة
فاتن حمامة التقديرية”.
القاهرة –
أثارت قضية تكريم المخرج الفرنسي كلود ليلوش، وتتويجه بـ”جائزة
فاتن حمامة التقديرية” في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في
دورته الأربعين المزمع تنظيمها في الفترة الممتدة بين 20 و29
نوفمبر القادم، ضجة في العاصمة المصرية خلال الأيام الماضية، وفتحت
الباب لعدد من الفنانين والمثقفين للمطالبة بوقف تكريمه بدافع دعمه
المعلن لإسرائيل ومعاداته الواضحة لحقوق الفلسطينيين.
وحذر مالك خوري، رئيس قسم السينما بالجامعة
الأميركية بالقاهرة، من تكريم كلود ليلوش، وسلط الضوء على تاريخه
الداعم لإسرائيل، قائلا لـ”العرب” إن “كلود ليلوش معروف ليس فقط
بتعاطفه مع إسرائيل بل بعمله المستمر لأكثر من خمسين عاما على
دعمها، ودشن حملة كبرى مطلع العام 1990 لتشجيع هجرة اليهود الروس
إلى فلسطين للاستيطان فيها، وجمع الأموال من اليهود الفرنسيين دعما
لمنظمة الاستيطان الصهيوني المعروفة بكيرن أور، الداعمة لقمع
الفلسطينيين، وبناء مستوطنات لليهود القادمين من كل أنحاء العالم”.
وأوضح أنه عُرف بمساهمته الدائمة في دعم الجامعات
الإسرائيلية، خصوصا جامعتي “تل أبيب”، و”بن غوريون” وتم تكريمه
هناك، ومنحت له الدكتوراه الفخرية في العام 2005 لمساهمته في تطور
دولة إسرائيل.
بين رأيين
وُجّهت الاتهامات بالتطبيع إلى الإدارة الجديدة
لمهرجان القاهرة السينمائي، والذي يتولى رئاسته المنتج محمد حفظي،
وسادت حملة استنكار لذهاب جائزة أيقونة السينما العربية فاتن حمامة
إلى هذا المخرج، في وقت يوجد عشرات الفنانين في العالم أحق بهذا
التكريم، وأكثر قيمة من ليلوش، منهم المخرج البريطاني كين لوتش
الذي أصبح جزءا من حركة مقاطعة إسرائيل، وأحد أهم مخرجي العالم، أو
جان لوك غودار الذي صنع عددا من الأفلام المعادية للصهيونية
والداعمة للشعب الفلسطيني، وتبنى مقاطعة ثقافية ضد إسرائيل.
ويُنظر إلى تكريم ليلوش في هذه المرحلة بالتحديد
بوصفها إحدى مراحل فرض إسرائيل لهيمنتها على المنطقة عبر تصعيد
الخلافات العربية- العربية، باعتبار أن هذه القضية تتجاوز
التطبيع، وتمتد إلى تهديد مستقبل مهرجان القاهرة السينمائي، لأن
اتخاذه لهذا الاتجاه يفقده التأييد في الأوساط الشعبية والثقافية
المصرية والعربية.
المخرج الفرنسي مُنحت له في العام 2005 الدكتوراه
الفخرية من إحدى الجامعات الإسرائيلية لمساهمته في تطور دولة
إسرائيل
وطالبت الناقدة الفلسطينية علا الشيخ، بعدم تكريم
ليلوش في القاهرة، قائلة “في الوقت الذي تتم فيه مقاطعة إسرائيل
ثقافيا في بلدان مختلفة، يتم إعلان تكريمه في مهرجان القاهرة، مع
أنه يعتبر إسرائيل مثالا ورمزا للمقاومة ونبذ العنف، متجاهلا
مجازرها التي ما زالت ترتكب بحق البشرية”.
ومع ذلك رفض بعض الفنانين والمثقفين وصف تكريم
ليلوش بالتطبيع، ودعوا إلى التغاضي عن مواقفه السياسية والاحتفاء
بفنه فقط، ما يطرح إشكالية الفن والسياسة ومدى إمكانية فصلهما عن
بعضهما الآخر.
ويثير هذا النهج الكثير من التحفظات والتخوفات حول
مستقبل المهرجان الذي طالما أعلن مقاطعته للتطبيع مع إسرائيل أو
المتعاطفين معها، خاصة أن بعض النقاد يرون أن تكريم ليلوش يمكن أن
يصبح مدخلا لمشاركة أفلام إسرائيلية تحت دعوى فصل الفن عن السياسة.
يذكر أن كلود ليلوش تم رفض تكريمه من إدارة مهرجان
القاهرة السينمائي أكثر من مرة في أوقات سابقة، خاصة أثناء الفترة
التي تولى فيها الكاتب الراحل سعدالدين وهبة إدارة المهرجان،
والمعروف بمقاومته الشرسة لكل أشكال التطبيع. وعلى ضوء ردود الفعل
الرافضة، اجتمعت اللجنة الاستشارية العليا لمهرجان القاهرة
السينمائي الدولي بشكل عاجل، لدراسة ما أثير في وسائل الإعلام ومن
قبل بعض الفنانين والمثقفين حول دعوة المخرج الفرنسي كلود ليلوش
لحضور تكريم عن مجمل أعماله خلال دورة مهرجان القاهرة السينمائي.
بيان وتنديد
بررت الهيئة الاستشارية للمهرجان، في حيثيات ردها
على هذا التكريم، بالقول إنها “اطلعت على كل ما نُشر من تصريحات
أدلى بها ليلوش لمطبوعات إسرائيلية أثناء تلقيه الدكتوراه الفخرية
من قبل إحدى الجامعات، ووجدت أن كلها تأتي في نطاق المجاملات
المعتادة من الفنانين عند زيارة أي دولة”.
وأضافت في بيان لها، مساء الأربعاء، “نظرا إلى أن
أعضاء اللجنة الاستشارية كأفراد ومهرجان القاهرة كمؤسسة ثقافية
وقفت طوال تاريخها مع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني،
فإن اللجنة تدعو الجميع لتزويدها بأي وثيقة تتضمن موقفا سياسيا
معلنا لكلود ليلوش ضد القضية الفلسطينية أو حقوق الشعب العربي..
ومن يملك مادة تثبت هذا الموقف عليه إرسالها للجنة، لتقوم اللجنة
بدراسة المواد في اجتماع عاجل آخر واتخاذ قرار بشأن التكريم”.
واعتبر مالك خوري، رئيس قسم السينما بالجامعة
الأميركية، أن البيان ينم عن نوع من التعنت غير المبرر، وهو نوع من
الاستهزاء بذكاء وثقافة العالم، متهما مسؤولي المهرجان “باللجوء
إلى أسلوب التذاكي الذي يعبر عن جهل كامل بما يكتب وما ينشر من
وثائق مثبتة عبّر خلالها ليلوش عن آرائه، والتي تجاهلوها بشكل واضح”.
وأصدر فنانون ومثقفون مصريون بيانا عبروا فيه عن
رفضهم لتكريم ليلوش، ووصفوه بـ”المخرج العاشق للصهيونية”، واعتبار
الاحتفاء به خرقا وتحديا لما أجمعت عليه الجمعية العمومية لاتحاد
النقابات الفنية وغالبية فناني مصر من رفض كل أشكال التطبيع، فضلا
عن أنه لا تنطبق عليه المعايير الدولية المتعارف عليها في
المهرجانات العالمية، باستثناء فيلمه القديم “رجل وأمرأة”، ومجمل
أعماله الفنية ليست ذات قيمة فنية.
ومن بين الموقعين على البيان المخرج مجدي أحمد علي،
والسيناريست محمد بغدادي، ومدير التصوير سعيد شيمي، والمخرج محمد
فاضل، ومدير التصوير السينمائي محسن أحمد، ورئيس قسم الإخراج
بالمعهد العالي للسينما يحيى عزمي، والمخرجة عرب لطفي، والمخرج
المسرحي ناصر عبدالمنعم، ومدير التصوير السينمائي محمود عبدالسميع
وغيرهم.
وكرم مهرجان الجونة السينمائي في دورته الماضية
الفنان الأميركي سيلفستر ستالوني، رغم مواقفه الداعمة لإسرائيل،
ومنها توقيعه على عريضة تؤيد إسرائيل في حربها ضد كل من يهاجمها
عام 2014، وقبلها شارك في حفلات تبرعات لدعم الجيش الإسرائيلي، لكن
أحدا لم يتخذ موقفا تجاهه ولم يثر كل هذا اللغط. |