كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

د. محمد كامل القليوبي رئيس مؤسسة «نون»:

٤ أسباب وراء نقل مهرجان السينما العربية والأوربية إلي شرم الشيخ

حوار: محمد قناوى

عن رحيل من صحح تاريخ ميلاد السينما المصرية

محمد كامل القليوبي

   
 
 
 
 

بعد أربع دورات علي انطلاق مهرجان الأقصر للسينما العربية والاوربية حالفه الحظ في بعضها وواجه صعوبات وعقبات في دورات اخري قرر مجلس أمناء مؤسسة»نون» للثقافة والفنون نقل فعاليات المهرجان إلي مدينة شرم الشيخ السياحية ليصبح اسمه»مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والاوربية».. فلماذا تم نقل المهرجان؟ وما الصعوبات التي واجهت إقامته في الاقصر ودفعتهم للانتقال إلي المدينة السياحية؟ وما ملامح الدورة الخامسة من عمر المهرجان التي تعقد خلال الفترة من 5 إلي 11 مارس 2017.. تساؤلات يجيب عنها المخرج د. محمد كامل القليوبي رئيس مؤسسة «نون» للثقافة والفنون المنظمة للمهرجان في حواره مع «ملحق الفنون».

·        ما الأسباب التي دفعتكم لنقل المهرجان من الاقصر إلي شرم الشيخ في دورته الخامسة؟

- قد لا علم الكثيرون ان قرار نقل المهرجان لمدينة شرم الشيخ كان من المفترض ان يتم العام الماضي ولكن لظروف خاصة تم تأجيله للدورة القادمة ؛ وقد كان هناك  العديد من الاسباب إلي دفعتنا لاتخاذ قرار النقل اولها : ان مدينة شرم الشيخ هي مدينة مهرجانات من الطراز الاول ولا تقل اهمية عن مدينة»كان» الفرنسية التي يقام عليها أشهر مهرجان سينمائي في العالم  وتستحق ان يكون علي ارضها مهرجان من الطراز الاول؛ السبب الثاني وهو الاهم اننا طوال الدورات الاربعة إلي اقيمت بالاقصر لم يحدث أي تغيير علي ارض الواقع بمعني الصالات التي يقام فيها المهرجان مثل قصر الثقافة وقاعة المؤتمرات نقوم بتجهيزها سنويا بالمعدات والاجهزة اللازمة للعروض السينمائية بمبلغ يصل إلي 200 الف جنيه وكل عام نتلقي وعودا من المحافظة بالمساهمة في التجهيزات دون جدوي.. اما السبب الثالث فهو ان الاماكن التي تقام بها الفعاليات السينمائية من عروض ومسابقات وندوات غير صالحة للاستخدام الادمي مثل الحمامات غير النظيفة والمتهالكة لدرجة ان ابوابها دائما مكسورة   فلا يمكن ان يستمر مهرجان في اماكن بهذا الشكل ؛ كما ان محافظة الاقصر لا تقدم اي دعم للمهرجان سوي دعم لوجستي متمثلا في عدد قليل من السيارات لانتقالات الضيوف ورغم ذلك فهي غير كافية  صحيح انه كان هناك اهتمام من المحافظة بالمهرجان في عهد السفير عزت سعد الدين ولكن هذا الحماس بدأ يتلاشي في العامين الاخيرين اما السبب الرابع  وجود» لبس»بين مهرجاننا ومهرجان الاقصر الافريقي؛  رغم اننا كمؤسسة نون قد اتفقنا مع اللواء سمير فرج عندما كان محافظا للاقصر علي اقامة المهرجان ولكن في التنفيذ  مهرجان الاقصر الافريقي سبقنا  وكان وجهة نظرنا عندما فكرنا في اقامة مهرجان للسينما الاوربية كان الاقصر هي الانسب لان الاقصر ايقونة اوربية اما المكان المناسب للمهرجان الافريقي هو اسوان  لانها الاقرب لافريقيا  وما حدث ان مهرجان السينما الافريقية استطاع ان يثبت نفسه واصبح راسخا وهذا لابد من الاعتراف به -فقررنا ان نفض الاشتباك بين المهرجانين والانتقال لشرم الشيخ.

·        ولماذا شرم الشيخ تحديدا وهي غير مطلة علي اوروبا؟

- شرم الشيخ فيها ميزة كبري لاقامة مهرجان عربي اوربي فهي انسب مكان يربط العالم العربي بشقيه الافريقي والاسيوي  باوروبا ؛ كما ان شرم الشيخ مدينة تستقبل الكثير من العرب إلي جانب الاوربيين

·        المهرجان انطلق قبل خمس سنوات باسم السينما المصرية والاوربية ؛ ثم تحول إلي السينما العربية والاوربية أليس هذا يمكن ان يحدث نوعا من البلبلة لدي متابعي المهرجان؟

- احكي لك القصة من البداية ؛ عندما فكرت ماجدة واصف في اقامة هذا المهرجان كانت تدير «بينالي السينما العربية» في باريس ففكرت ان تعمل بينالي السينما الاوربية في مصر فاجتمعنا في القاهرة واسسنا مؤسسة نون للثقافة والفنون ؛ واقترحت علي الجميع ان تكون السينما المصرية موجودة في المهرجان مع السينما الاوربية وانطلق المهرجان باسمه الاول ؛ وفي  الدورة الثانية  وجدنا انه من الظلم  ان نضع سينما دولة (مصر) في مواجهة سينما قارة بأكملها (أوروبا)  فاقترحنا ان تكون الدورة الثالثة للسينما العربية والاوربية بحيث يكون الحوار بين ثقافتين وقررنا ان نقيم افاق السينما العربية في الدورة الثالثة لتكون مقدمة لتحويل المهرجان في الدورة الرابعة وهو ما حدث.

·        التمويل دائما ما يكون عقبة امام المهرجانات المصرية الوليدة كيف تري هذه الأزمة؟

- عن هذه المشكلة حدث ولا حرج ؛ ودائما يقولون اين دور مؤسسات المجتمع المدني ولكن واقع الامر ان الدولة تقف ضد مؤسسات المجتمع المدني التي تحصل علي الدعم بصعوبة بالغة وسوف احكي لك عن واقعة العام قبل الماضي تقدمنا لمسابقة رسمية يقيمها  الاتحاد الاوربي - الدولة تتعامل معه في العلانية -  لدعم انشطة فنية وثقافية  وفازت مؤسسة «نون للثقافة والفنون» بدعم 2 مليون يورو اي ما يزيد علي 20 مليون جنيه مصري ؛ وتم تحول مبلغ 660 ألف يورو في مارس قبل الماضي فلم نتمكن من صرفهم لان الجهات الامنية لم توافق  فارسلنا استغاثة لرئيس الجمهورية ؛ وقام ثلاثة وزراء (د. جابر عصفور وحلمي النمنم ود. غادة والي) بمخاطبة الجهات الامنية فلم يرد علينا احد ؛ فراحت علينا المنحة  وسوف تذهب لجمعيات اخري في لبنان او الاردن وبالتالي حرمت مصر من منحة ثقافية قدرها 2 مليون يورو

·        ما موعد اقامة الدورة الخامسة؟

- تم الاستقرار علي ان تنطلق الدورة الجديدة خلال الفترة من 5 إلي 11 مارس 2017 وراعينا اختيار  توقيت لا يتعارض او يتداخل مع المهرجانات الاخري  - مثل مهرجان أسوان لأفلام المراة ومهرجان معهد السينما مع مهرجان  الفيلم الكوميدي- الذين سيعقدوا خلال شهر فبراير ؛ وايضا تعقد الدورة قبل مهرجان الاقصر للسينما الافريقية باسبوعين

·        ما عدد المسابقات في الدورة الخامسة لمهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والاوربية؟

- الهدف من المهرجان هو الحوار بين الجانب العربي والجانب الاوربي ولابد ان نصمد ونقاتل حتي نكون جديرين بالمنافسة والحصول علي الجوائز ليس مهما الافلام العربية تكسب او تخسر المهم المنافسة بين الجانبين لذك فهناك  المسابقة الدولية  يتنافس فيها الفيلم العربي مع الاوربي سواء كان طويلا او قصيرا.. ولكن هناك جوائز للفيلم العربي يقدمها اتحاد الفنانين العرب علي هامش المهرجان..

وقد تم الاتفاق علي اختيار سينما اوربية واخري عربية كضيف شرف الدورة الخامسة فقد تم الاستقرار علي السينما التشيكية لتكون ضيف شرف الدورة الجديدة ويقام برنامج خاص لها يضم مجموعة من اهم الافلام التشيكية عبر تاريخها ؛ كما تم اختيار المخرج التشيكي»جيري مينزل» صاحب اوسكار افضل فيلم اجنبي «تحت حراسة مشددة « وحاصل علي جائزة الاخراج من مهرجان كان كرئيس للجنة التحكيم ومكرما  هذا العام  اما ضيف شرف السينما العربية فهي السينما الجزائرية  

·        وما هو الهيكل التنظيمي الجديد للمهرجان؟

- المخرج سمير سيف رئيسا والناقد أحمد حسونة مديرا فنيا ووديد شكري مديرا تنفيذيا ود.جمال زايده الامين العام لمجلس امناء مؤسسة نون للثقافة والفنون مسئولا اعلاميا للمهرجان

·        كيف يتم اختيار د.سمير سيف رئيسا للمهرجان وهو في نفس الوقت رئيسا للمهرجان القومي؟

- ابتسم د. القليوبي وقال : صحيح د. سمير سيف رئيسا للمهرجان القومي هذا العام ولكن العام القادم رئيسا لمهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والاوربية ولن اقول اكثر من ذلك!!

أخبار اليوم المصرية في

07.10.2016

 
 

محمد كامل القليوبى:

نحن ورثة «سفهاء» لتاريخ عظيم

كتبت : مي منصور

الإسكندرية هى محور حياته، على الرغم من أنه ليس من مواليد عروس المتوسط، ولكن قضى فترة طفولته هناك، إذ كان والده هو أول مصرى يدخل شركة الأقطان الكبرى التى كان يسيطر عليها الإيطاليون والفرنسيون، وذلك  بفضل إجادته لأكثر من لغة، وحتى عندما ترك والده العمل فى شركة الأقطان ورحلت الأسرة إلى القاهرة، ظلت الإسكندرية هى الوطن الذى لا يستطيع مغادرته - وخاصة أن أشهر الصيف كانت يتم تقضيتها هناك، والغريب أن القليوبى لم يترك شبراً واحداً فى الإسكندرية دون أن يقوم بتصويره، وهو ما ظهر واضحا فى فيلم «البحر بيضحك ليه».

فجميع المعالم التى ظهرت فى الفيلم لم تكن من نسج خياله، ولكنها أماكن موجودة بالفعل حتى إن مركب طرزان الذى دارت به كثير من الأحداث، هو مركب كان موجوداً حتى فترة قريبة، وكانت «غرزة» يعلم بوجودها عدد غير قليل من أهل المدينة الساحلية، وهذا الفيلم تحديدا - البحر بيضحك ليه - تتسم أحداثه بواقعية شديدة جدا على الرغم من غرابتها التى تجعل البعض لا يتصور حدوثها بالفعل، وعلى سبيل المثال فإن المشهد الخاص بالمراهنة بين بطل الفيلم «محمود عبدالعزيز»  وأحد الممثلين بخصوص من يحضر قبل الآخر إلى العمل، هو فى الأصل نابع من واقعة حقيقية تعرض لها القليوبى شخصيا، فأثناء وجوده بمحافظة بورسعيد لإلقاء محاضرات الثقافة الجماهيرية التى كانت منتشرة فى هذا التوقيت، دعاه أحد الأصدقاء للمبيت معه بعد انقضاء السهرة، وبالفعل اصطحبه إلى مبنى مصلحة الطب البيطرى حيث يعمل بها هذا الصديق وقبل أن يفيق القليوبى من صدمته، أخرج صديقه بطانية وقام بفرشها فوق أحد المكاتب وطلب منه النوم ولكنه اشترط عليه ضرورة الاستيقاظ مبكراً قبل حضور أى من الموظفين، وأخبره أن يبيت يوميا فى المصلحة بالاتفاق مع المدير.

صاحب قضية

مبدع ومشاكس وشجاع ومتمرد جرىء ثورى، وفنان صاحب قضية، مواقفه ثابتة، لا يحيد عن قول الحق، ولا يجيد النفاق ومغازلة الباطل، تناولت أفلامه حياة المهمشين والمطحونين والبسطاء، يعتبر أحد أهم المخرجين المصريين، امتلك لغة سينمائية متفردة، وهو من أبرز مخرجى الواقعية فى السينما المصرية، عبرت أعماله عن أهم القضايا المعقدة والشائكة فى المجتمع المصرى، أخرج العديد من الأفلام التسجيلية والروائية، وقدم الكثير من الأبحاث النظرية حول الفن السينمائى، حصل على شهادة الدكتوراه فى فلسفة الفن من معهد السينما بموسكو، وتولى العديد من المناصب المهمة منها رئيس المركز القومى للسينما، ومقرر لجنة الفنون بمكتبة الإسكندرية، وترأس مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى، وشارك فى العديد من لجان التحكيم فى المهرجانات الدولية والمحلية.

المثير فى الأمر أن القليوبى قضى معظم حياته سعيا وراء نقل صور حقيقة مهما بدت غريبة إلى شاشة السينما، إذ قام بتمشيط خط الصعيد بالكامل وصادق أغلب مفتشى الآثار هناك وشارك فى رحلات استكشافية للتنقيب عن الآثار، حتى إنه فى إحدى المرات أثناء زيارته إلى منطقة «أبيدوس» - حيث توجد آثار الأسرة الفرعونية الأولى - سأله أحد مفتشى الآثار عن جنسيته، ولما علم أنه مصرى طلب منه التقاط صورة بصحبته حتى يقسم لأولاده أنه رأى شخصا مصريا هناك، وعندما بدأت مصر فى التعرف على الفتن الطائفية فى أحداث الزاوية الحمراء والخانكة، سافر القليوبى إلى مدينة أخميم عاصمة شهداء المسيحية فى عصر الرومان، للتعرف على التاريخ القبطى المصرى وهناك تعرف على كل الأديرة والكنائس الموجودة بها وتصادق مع عدد كبير من الرهبان والقساوسة وقضى معهم فترة طويلة، وبعـد ذلك بفتـرة شـاء القـدر أن يتعـــرض القليوبــى لـ حادث سيارة أدى إلى بقائه فترة طويلة عاجزا عن الحركة محاصراًً بالجبس الطبى حول جسده بالكامل، فقرر الاستعانة بجهاز تسجيل عوضا عن الكتابة وبدأ فى عمل تسجيل صوتى لرحلته فى خط الصعيد، وبعد فترة نقاهة طويلة قام بنقل هذا التسجيل إلى الورق ليقدم للشاشة سيناريو فيلم «ثلاثة على الطريق»، ثم قام بإرسال هذا الفيلم إلى محمود عبدالعزيز، الذى وافق على الفور على بطولة هذا الفيلم، ومن الطريف أن محمود عبدالعزيز حينها قام برفع أجره من 80 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه، وبالفعل رضخ المنتجون إلى طلبه ولكن عبدالعزيز عاد ورفض الفيلم المقدم إليه واشترط على الشركة المنتجة استبدال الفيلم الذى قدمته الشركة بفيلم «ثلاثة على الطريق»، وبالفعل رضخ المنتج مرة أخرى لطلبات محمود عبدالعزيز، وأثناء التحضير للفيلم وعمل المعاينة لمواقع التصوير انزعج ملاك توفيق مدير الإنتاج من تخصيص ثلاثة أيام فقط للمعاينة خاصة وأن الأحداث تدور فى أماكن متفرقة من طريق الصعيد، ولكن القليوبى بفضل حفظه لهذا الخط نجح بالفعل فى عمل المعاينة فى هذه الفترة الوجيزة وفى اليوم الأخير من المعاينة دعا محمد القليوبى ملاك توفيق لرحلة خاصة كى يشرح له التاريخ القبطى على الرغم من كونه مسيحياً وبالفعل استقلا سيارة أجرة للذهاب إلى عدد من الأديرة، ولكن السائق طلب من القليوبى عدم الذهاب لأن الأجواء مشحونة والأحداث الطائفية ما زالت تطفو على صعيد الأحداث هناك وربما يتعرضان إلى بعض المضايقات فى هذه الأديرة، ولكن بمجرد وصولهم إلى أول دير حتى تبددت كل مخاوف السائق بعدما فوجئ بعاصفة من الترحاب من جانب الرهبان احتفاء بعودة القليوبى.
اعتبر القليوبى كل عمل من أعماله السينمائية - رغم قلتها - بمثابة ملحمة سينمائية تجسد أوجاع وأحلام المجتمع المصرى، منها «وقائع الزمن الضائع» و«أحلام مسروقة» و«البحر بيضحك ليه» و«اتفرج يا سلام» و«خريف آدم»، بالإضافة لمسلسلى «الابن الضال» و«بعد الطوفان» والعديد من الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية. أما آخر أفلام د.القليوبى الوثائقية «أنا.. اسمى مصطفى خميس»، الذى عكف على إعداده وتصويره أكثر من عامين ويدور حول الحادثة الشهيرة لإضراب عمال مصانع الغزل والنسيج بكفر الدوار بعد ثورة 23 يوليو عام 1952 والتى تشكلت عنها محاكمة عسكرية حكمت على كل من مصطفى خميس، ومحمد حسن البقرى بالإعدام الذى تم تنفيذه فى الثامن من سبتمبر عام 1952.

سوء تفاهم

ويدين محمد كامل القليوبى بالفضل إلى أستاذه عبدالفتاح الجمل، فأثناء دراسة القليوبى فى كلية الهندسة كان يقوم بكتابة مقالات عن الأدب العالمى لحساب مجلة الحرية اللبنانية، وأثناء زيارته للفنان محمد عثمان الرسام بجريدة المساء تقابل مع عبدالفتاح الجمل الكاتب الصحفى المعروف، وطلب منه الجمل أن يقوم بكتابة بعض المقالات عن نصوص المسرحيات العالمية التى يتم عرضها فى القاهرة، ولكن القليوبى لم يف بالوعد ولم يرسل المقال المطلوب رغم الاتفاق المسبق مع عبدالفتاح الجمل وهو ما أدى إلى غضب الجمل، حتى جاء عام 1967 وأثناء مناوشات ما قبل الحرب عاد القليوبى إلى الجمل وطلب منه أن يقوم بكتابة مقالات حول ازدواجية المثقفين الغربيين فى التعامل مع الاستفزازات الصهيونية، وهو ما قابله الجمل بعدم اهتمام بسب ما حدث فى اللقاء الأول بينهما ورغم ذلك قام القليوبى بكتابة المقالة وأرسلها إلى الجمل، وبعد فترة فوجئ القليوبى بنشر المقالة وظل القليوبى من بعدها يقوم بكتابة المقالات الأدبية لجريدة المساء ولكن توقف بعد فترة قصيرة ولكن بعدما كون علاقة وطيدة مع عبدالفتاح الجمل.

السجن والتهمة الغريبة

ومن أهم المحطات التى تركت أثرا كبيرا فى محمد القليوبى كانت سجنه لمدة ثلاثة أشهر بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم، والتى جاءت على خلفية انتخابه عضو مجلس إدارة إحدى الجمعيات الأهلية تدعى «كتاب الغد» وتضع شعارا ومطلبا هو «من أجل اتحاد ديمقراطى مستقل لكتاب مصر»، وحينها كان يوسف السباعى وزيرا للثقافة، ومن المعروف عن السباعى كراهيته الشديدة للمعارضة بجميع صورها، فغضب السباعى من الجمعية التى كانت تضم عددا من رموز الحركة الثقافية والمعارضين، وتم توجيه الاتهام لأعضاء الجمعية بأنهم يضمون مجموعة من اليساريين الجدد الذين يعملون على تكوين اتحاد لمناهضة وزارة الثقافة بهدف قلب نظام الحكم ويعملون فى الأماكن المزدحمة، وعلى الرغم من غرابة التهمة وكونها تبدو هزلية، لكن هذا هو نص التهمة الموجهة إلى الجمعية، وبالفعل تم القبض على القليوبى وصلاح عيسى وإبراهيم منصور وعبدالرحمن عوف وأحمد فؤاد نجم ونجيب شهاب الدين وزين العابدين فؤاد وعبدالصبور منير وعز الدين نجيب وسعد الساعى وغيرهم ممن كانوا يشكلون قلب الحياة الثقافية المصرية، وكان رئيس النيابة حينها هو المستشار ماهر الجندى محافظ الجيزة الأسبق والذى تم الحكم عليه فى قضية فساد كبرى فى التسعينيات، والطريف أن هذه المحاكمات كانت عامرة بالمشاهد الكوميدية العبثية فأثناء وجود المتهمين بالقفص كان أحمد فؤاد نجم ينزوى فى أحد جوانب القفص بحيث لا يراه القاضى ويبدأ فى السخرية من ماهر الجندى رئيس النيابة بإشارات بيديه ولسانه، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر تم حفظ القضية لعدم جدية الاتهام.
وعلى الرغم من قسوة السجن إلا أن وجود هذا الجمع الغريب من المثقفين والشعراء تحت سقف واحد أدى إلى تفجير العديد من القضايا الفكرية المهمة التى أثرت فى مصر كلها، ففى كل صباح كان صلاح عيسى يقوم بتنظيم ندوة اسمها ندوة «البطانية» حيث يقوم كل واحد منهم بإحضار بطانيته الخاصة وعمل حلقة مستديرة، وثم يقف أحدهم ويلقى محاضرة أو قصيدة حول إحدى القضايا الفكرية، وفى أحد الأيام كان القليوبى على موعد مع إلقاء محاضرة فى ندوة  «البطانية» حول السينما المصرية وأصلها ونشأتها، وأثناء المحاضرة قام سعد الساعى بالاعتراض على ما ذكره القليوبى مؤكدا له أن رائد السينما المصرية هو شخص من الإسكندرية يدعى محمد بيومى وأنه قام بعمل الكثير من الأفلام الوثائقية فى مطلع القرن الماضى وهو ما أثار اهتمام القليوبى بشدة وسعى وراءه بعد خروجه من السجن، وبالفعل نجح فى الوصول إلى عائلة محمد بيومى وهناك اكتشف وجود أول أفلام مصرية تم تصويرها بالفعل على يد بيومى أفندى محفوظة داخل علب معدنية ليتغير تاريخ السينما المصرية، وحينما قام بتشغيل أحد هذه الأفلام فوجئ الجميع بأنه يعمل ويحمل اسم عودة الرئيس سعد زغلول من المنفى، ثم تم ترميم باقى الأفلام ونجح القليوبى فى الحصول على أفلام صالحة للعرض مدتها ثلاث ساعات ونصف الساعة هى باكورة الأعمال السينمائية المصرية وكان من ضمنها فيلم «الخطيب نمرة 13» هو أول فيلم مصرى روائى طويل، ثم قام القليوبى بتوثيق حكاية بيومى أفندى فى فيلم وثائقى حمل اسمه مازال يعرض فى غالبية مهرجانات العالم ولا يعرف عنه المصريون شيئا حتى يومنا هذا وهو ما اختصره القليوبى فى جملة واحدة «نحن ورثة سفهاء لتاريخ عظيم».

السينما المستقلة

حول رحلة المخرج الكبير محمد كامل القليوبى كان لنا معه هذا الحوار:

·        كثيراً ما نفتقدك على الشاشة الفضية.. فلماذا أنت مقل فى أعمالك السينمائية؟

- لست مقلا، لكننى أفضل أن أتروى وأقدم أعمالاً بلا استعجال أو استسهال، فالعبرة ليست بالكم ولكن بالكيف، فإذا اهتممت بأن يكون لى كل موسم فيلم فأنا بذلك سأقدم أى أعمال تعرض عليّ. لكننى أفضل أن أصنع أعمالى من دون استعجال كى تخرج جيدة وأرضى والجمهور عنها، لاسيما أن المخرج يُحاسب على مجمل أعماله. مثلاً المخرج الكبير شادى عبدالسلام دخل السينما العالمية من أوسع أبوابها من خلال «المومياء» وهو لم يقدم غيره.

·        ما رأيك فى تيار السينما المستقلة؟

- أعتقد أن السينما المستقلة هى مستقبل الفن السابع فى العالم، فالشباب يعملون فى السينما من منطلق حبهم لهذا المجال، ومع تقدم التكنولوجيا والأجهزة المتاحة قدموا أعمالهم بأنفسهم من دون انتظار موافقة منتج، أو غيرها من معوقات. إنهم فعلاً أمل السينما العربية عموماً، ولو كانت أتيحت لجيلى هذه الفرصة كان الوضع اختلف تماماً. اليوم حرية العمل السينمائى مكفولة للجميع. من يريد أن ينتج فيلماً عليه إحضار كاميرا ديجيتال والاتفاق مع زملائه على السيناريو. واللافت فى هذا المجال أن الشباب موهوبون فى التمثيل والإخراج والسيناريو، لذلك أتفاءل بهم.

تكريم

·        كُرمت كثيراً.. فماذا يشكل لك التكريم؟

- يُشكل التكريم أحد أجمل اللحظات التى تمر على المبدع وتسعده وتشعره بأن مجهوده لم يذهب فى الهواء، وأن ثمة من يقدر فنه ومجهوده ليشعر بالرضا والطمأنينة، خصوصاً عندما يأتى التكريم من مهرجانات كبيرة وعريقة.

·        أفلامك الروائية الطويلة قليلة مقارنة بالأعمال التسجيلية، لماذا؟

- الأهم أن تكون الأعمال جيدة بغض النظر عن تصنيفها لكن أنا أشعر بأن الأفلام التسجيلية لها وضعية خاصة عندى. وفيما يتعلق بالأعمال الروائية الطويلة، فأحب عندما أقدمها أن تكون فى أفضل صورة، والحمد لله معظم أعمالى حصلت على جوائز فى مهرجانات كبيرة. بعيداً عن كل شىء، أنا راض تماماً عن مشوارى الفنى وأفلامى.

·        كيف ننهض بالسينما المصرية وكيف نتصدى لمشكلة القرصنة؟

- أولاً يجب زيادة الدعم المقدم لهذه الصناعة، ورفع ميزانية المركز القومى للسينما لترميم الأفلام والأرشيف وتدعيم المهرجانات السينمائية. ولابد من إلغاء الرقابة على المصنفات الفنية خاصة أنهم مجموعة من الموظفين يرأسون جهازا يعمل ضد الإبداع، وأتمنى أن يتم تحويله ليكون وسيلة فى وجه القرصنة التى دمرت السينما المصرية، علاوة على إصدار قانون حقوق الملكية الفكرية الذى سيحل المشاكل المستعصية للفن المصرى عامة والسينما خاصة.

·        كيف ترى مستقبل السينما المصرية؟

- متفائل، فالأوضاع السياسية تحسنت كثيراً، ما يؤهل الفن المصرى إلى أخذ مكانته المعهودة مجدداً، وأعتقد أننا فى الفترة المقبلة سنشهد مراحل صعود السينما والفن مجدداً.•

صباح الخير المصرية في

20.09.2016

 
 

في بيت محمد كامل القليوبي

إيهاب الملاح

من أجمل وأمتع الأوقات في حياتي تلك التي أقضيها بصحبة صديقي الناقد والمثقف الرفيع محمود عبد الشكور، نقوم بجولات واسعة وطويلة في رحاب المكتبات وشوارع القاهرة ومقاهي وسط البلد (أتصور أن مشروعا في المستقبل يستوعب تفاصيل هذه اللقاءات).. لكن من أجملها أيضا تلك الزيارات التي نقوم بها بين الآن والآخر لأحد أساتذتنا الكبار، من النقاد والفنانين والكتاب، نخرج دائما منها بحصيلة إنسانية زاخرة، متعة ومعرفة وخبرة لا تعوض، حالة خاصة جدا ليس لها مثيل.

يوم الجمعة الماضي، كنا في زيارة للمخرج والناقد السينمائي القدير محمد كامل القليوبي، بمنزله بمدينة نصر.. صحيح أننا تهنا وخضنا مغامرة لطيفة بامتداد شارع عباس العقاد يمينا ويسارا (كله من قويدر.. اكتشفنا أن هناك فرعين لقويدر أحدهما في أول الشارع والثاني في أوسطه.. ما علينا!) لكننا وصلنا في النهاية إلى منزل القليوبي في شارع هادئ يليق بفنان يبحث عن التأمل.

بيت القليوبي متحف فني مصغر، اللوحات التشكيلية معلقة على الجدران بنظام، تذكارات وتحف فنية من جميع أنحاء العالم، أقنعة خشبية من كينيا وأمريكا اللاتينية والمكسيك، اللعبة الروسية الشهيرة "بطروشكا" (أو هكذا أظن!) ودولاب زجاجي يحتوي على الدروع والجوائز العديدة التي حصدها عبر مشواره العامر.

ما يزيد على الساعتين قضيناهما مسحورين، تماما، نستمتع بحوار عذب ومتدفق وعفوي، كنا مسحورين بحكايات وذكريات القليوبي المدهشة، هذا الرجل رائع رائع، بين أيدينا كنز إنساني وفني اسمه القليوبي، يحكي القليوبي كما يبنى المشهد في فيلم يكتبه ويخرجه (التعبير لمحمود عبد الشكور)، لا يعطيك الفكرة أو المعلومة مباشرة هكذا، إنه يمهد لها أولا بالتفاصيل اللازمة، يسرد ببراعة ويسر لا يفارقه التشويق، كشف لنا عن كواليس أفلامه المهمة، «ثلاثة على الطريق»، و«البحر بيضحك ليه»، و«خريف آدم»، وفيلمه التسجيلي المهم عن «أسطورة روزاليوسف»، حدثنا عن المرحوم محمد البساطي وعبد الفتاح الجمل ورضوان الكاشف عليهم رحمة الله جميعًا.

حكى القليوبي عن الراحل عبد الفتاح الجمل؛ أو الأب الروحي لجيل الستينيات، لو كتبت على جوجل اسم عبد الفتاح الجمل، لن تجد سوى معلومات قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع، مع أن صاحب هذا الاسم من أبرز الشخصيات التي لعبت دورا محوريا ورائعا في الحياة الثقافية والأدبية، بل إنه لا يوجد تقريبا اسم معروف ينتمي إلى جيل الستينات لا يدين بفضل الاكتشاف لهذا الرجل، الذي جعل من الصفحة الأدبية في جريدة (المساء) منارة للثقافة الجديدة، وللأصوات الواعدة التي تصدرت الساحة بعد سنوات، في مجالات النقد والأدب والفن (لمحمود عبد الشكور مقال بديع ومهم عن عبد الفتاح الجمل دعا فيه إلى تكريمه).

لم أكن أعرف أن الجمل تخرج في كلية الآداب جامعة الإسكندرية قسم اللغة العربية وآدابها، بهذا أخبرنا القليوبي، وحكي لنا طرفا من ذكرياته الجميلة معه، روى وقائع وأحداثا، طلب الجمل من القليوبي أن يصمم له شقته بمعرفته، وأن يجعلها عبارة عن غرفة واحدة للنوم فقط مفتوحة على صالة واسعة جدا وفراندة كبيرة.. "كان يحب الشمس، يستقبل شروقها ويودع غروبها"، يقول القليوبي.

وعبر التداعي الحر، وترك المجال للحديث يتفرع كيفما تيسر، حكى لنا عن بداية تعاونه مع محمود عبد العزيز الذي أصبح نجم نجوم الشباك بعد النجاح الساحق والمذهل الذي حققه فيلم «الكيت كات»، ارتفعت أسهم محمود عبد العزيز إلى السما، رفع أجره من 80 ألف جنيه إلى 200 ألف دفعة واحدة.. النجاح الكاسح للفيلم جعله نجم الشباك الأول. محمود عبد العزيز هو الذي عرض القيام ببطولة فيلم «تلاتة على الطريق»، نجح الفيلم وحقق نجاحا رائعا بدوره.

عن فيلم «خريف آدم» الذي أخرجه عام 2002 وعرض في 2005، حكى لنا قصة جميلة عن موسيقى الفيلم التي وضعها راجح داود؛ يقول القليوبي "في البداية أردت الاستعانة بصوت "أبو ليلة"، ولما بحثنا عن تسجيلات له لم نجد إلا عند سمير عوف، استمعنا لها فوجدناها لا تصلح لاستخدامها في هذا الفيلم، فقررت الاستعاضة عنها بموسيقى أخرى تحمل نفس الروح فيها نفس الموروث الشعبي، معزوفة بآلة الربابة، ولما حدثت راجح وجدت لديه فكرة أنه يشغل الربابة مع الأوركسترا.. واجهتنا عقبات كثيرة جدا لكننا وصلنا في النهاية إلى أننا نفذنا الفكرة وخرجت موسيقى راجح للفيلم كما سمعها الناس وتجاوبوا معها".

حكايات ورا حكايات، تفاصيل مدهشة، وروح مبدعة معجونة بالفن وتهيم بالابتكار، لا تشعر أبدا أنك في حضرة مخرج له من الخبرة العملية والإنتاج ما تراكم عبر ثلاثة عقود أو يزيد، بكل حماس الشباب وانطلاقه وإقباله على الحياة والفن وتذوق الجمال والبحث عنه أينما كان. قلت للدكتور القليوبي قبل مغادرتنا إنه مسؤول أدبيا وإنسانيا عن تدوين هذه الثروة وإتاحتها أمام الأجيال الشابة، ولما طالبته بضرورة كتابة سيرته الذاتية وألا يتوانى عن هذا ابتسم في خجل وقال بصوت تسمعته بالعافية "مش مهم قوي.. مين هيهتم بالكلام ده"، بكل تواضع الدنيا، بكل الهدوء والتصالح والسماحة التي يحلم بها إنسان، ابتسم القليوبي ابتسامة امتنان ولم يرد.

قضيت ليلة كاملة وأنا أدون بحماس ولهفة ما وعته الذاكرة من هذهه التفاصيل والحكايات والقصص، أحاول حصر وجمع ما سمعت من كنوز ومعلومات خلال هذه الجلسة الرائعة مع الدكتور القليوبي ومحمود عبد الشكور، هذه ثروتنا الحقيقية، هذه العقول والخبرات شيء مذهل، الخبرة والمعرفة المتراكمة عبر السنين لا تقدر بكنوز الأرض.. للأسف نسيت تصوير صفحات من الكتاب الروسي الضخم الذي أرانا إياه عن الفيلم الأسطورة «البارجة بوتيمكين» (1925) للمخرج الروسي الفذ سيرجى إيزنشتين، شرح لنا أهمية الفيلم الذي تضمن أحد أعظم المشاهد في تاريخ السينما كلها، بل لعله أعظمها جميعا وهو مشهد تتابعات مذبحة سلالم الأوديسا (محمود كتب عن هذا المشهد يقول إنه قام على بناء مونتاجي مذهل يحقق تأثيرا عابرا ومستمرا، لا أظن أن مخرجا أو مشاهدا للأفلام لم يتوقف لكي يتامل هذه التتابعات، ويدرس سر براعتها، وقوة تأثيرها).

ممتن أنا لصديقي محمود عبد الشكور أن أتاح لي هذه الفرصة، وعاجز عن شكر هذا الرجل النبيل.. فنان اسمه محمد كامل القليوبي.

-------------------------

** اللوحتان المرفقتان من مقتنيات القليوبي بمنزله، تكوينات فنية ورسومات رائعة، حصل عليهما من كوريا الجنوبية، عبارة عن تشكيلين من الحرير الخالص المطرز.

اليوم الجديد المصرية في

10.03.2016

 
 

محمد كامل القليوبي:

أهمية المخرج ليست في عدد أفلامه

أمين خيرالله

أعلن المخرج محمد كامل القليوبي عن سعادته البالغة بتكريمه في {مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط}، مؤكداً أن التكريم يجعله يشعر بأن مجهوده لم يذهب هباءً. وأوضح أنه متفائل بالسينما المصرية رغم المعوقات والمشاكل، خصوصاً أن الأعمال المستقلة في طريقها إلى الصدارة مع وجود شباب يحبون الفن السابع. وأوضح أن المخرج ليس بكم الأعمال التي يقدمها بل بالكيف... إلى نص الحوار.

·        تم تكريمك في مهرجان الإسكندرية في الفترة الأخيرة. كيف ترى هذا التكريم؟

يُشكل التكريم إحدى أجمل اللحظات التي تمر على المبدع وتسعده وتشعره بأن مجهوده لم يذهب في الهواء، وأن ثمة من يقدر فنه ومجهوده ليشعر بالرضا والطمأنينة، خصوصاً عندما يأتي التكريم من مهرجان كبير وعريق مثل مهرجان الإسكندرية.

·        لماذا أنت مقل في أعمالك السينمائية؟

لست مقلا، لكنني أفضل أن أتروى وأقدم أعمالاً بلا استعجال أو استسهال، فالعبرة ليست بالكم ولكن بالكيف، فإذا اهتممت بأن يكون لي كل موسم فيلم فأنا بذلك سأقدم أي أعمال تعرض عليّ. لكنني أفضل أن أصنع أعمالي من دون استعجال كي تخرج جيدة وأرضى والجمهور عنها، لا سيما أن المخرج يُحاسب على مجمل أعماله. مثلاً المخرج الكبير شادي عبدالسلام دخل السينما العالمية من أوسع أبوابها من خلال «المومياء» وهو لم يقدم غيره.

·        ما رأيك في تيار السينما المستقلة؟

أعتقد أن السينما المستقلة هي مستقبل الفن السابع في العالم، فالشباب يعملون في السينما من منطلق حبهم لهذا المجال، ومع تقدم التكنولوجيا والأجهزة المتاحة قدموا أعمالهم بأنفسهم من دون انتظار موافقة منتج، أو غيرها من معوقات. إنهم فعلاً أمل السينما العربية عموماً، ولو كانت أتيحت لجيلي هذه الفرصة كان الوضع اختلف تماماً. اليوم حرية العمل السينمائي مكفولة للجميع. من يريد أن ينتج فيلماً عليه إحضار كاميرا ديجيتال والاتفاق مع زملائه على السيناريو. واللافت في هذا المجال أن الشباب موهوبون في التمثيل والإخراج والسيناريو، لذلك أتفاءل بهم.

·        رحل عن عالمنا منذ أيام المخرج الكبير سعيد مرزوق. هل ترى أنه أخذ حقه؟

الراحل الكبير سعيد مرزوق مخرج متميز قدَّم لنا أعمالاً خالدة وسيبقى في الذاكرة، واستطاع أن يؤثر في السينما رغم أنه لم يدرسها، لكنه يعشقها ونشأ على حبه لها، وضحى بعمره في سبيل رفعتها وتم تكريمه في الفعاليات السينمائية سواء داخلياً أو خارجياً. ومع ذلك لم يأخذ حقه كما يجب، فمرزوق استطاع أن يغير شكل السينما المصرية من خلال أعماله التي قدمها وأعتقد أن له دوراً كبيراً وبشكل أساسي في التجديد بأعماله مثل «زوجتي والكلب» و{حكاية ورا كل باب»، وهما من ضمن الأفلام المهمة في تاريخ السينما المصرية.

·        هل التكريمات التي حصل عليها أنصفته؟

ما حصل عليه سعيد مرزوق من تكريمات لا يكفيه، وللعلم لم تربطه علاقات صداقة مع أحد، وكان يفضل الانطواء والاختلاء بنفسه. لا يحب التجمعات والشلل، فتركيبته الشخصية غير اجتماعية.

·        هل يحتاج المبدع إلى شلة كي يحصل على التكريمات؟

للأسف، هذا ما يحدث في مصر. لكن المبدع الحقيقي لا يهتم إلا بعمله ولا يهمه إذا كان سيكرم أم لا. المهم أن تصل أعماله إلى الجمهور الذي يعطيه في النهاية أفضل تكريم.

·        أفلامك الروائية الطويلة قليلة مقارنة بالأعمال التسجيلية، لماذا؟

الأهم أن تكون الأعمال جيدة بغض النظر عن تصنيفها لكن أنا أشعر بأن الأفلام التسجيلية لها وضعية خاصة عندي. وفي ما يتعلق بالأعمال الروائية الطويلة، فأحب عندما أقدمها أن تكون في أفضل صورة، والحمد لله معظم أعمالي حصل على جوائز في مهرجانات كبيرة. بعيداً عن كل شيء، أنا راض تماماً عن مشواري الفني وأفلامي.

·        يرى البعض أن المهرجانات السينمائية المصرية لا تفي بالغرض منها، لكنها معنية بالنخبة أكثر من الجمهور العادي، ما رأيك؟

على العكس، فالمهرجانات تسعى إلى إيصال رسالة ثقافية وفنية إلى أكبر عدد من الأشخاص، إذ تقيم ورشاً للسيناريو والإخراج والنقد، ما يعود بالنفع على المواطن العادي الذي يثري عقله وذاكرته بفعاليات هدفها تعليم الفنون للمواطنين من خارج النخبة، لأن الأخيرة لا تحتاج إلى ذلك.

·        هل أصبحت المهرجانات «مصلحة» كما يردد البعض؟

عدد المهرجانات في مصر قليل جداً مقارنة بالدول المتقدمة سينمائياً، بالإضافة إلى التمويل الضعيف والذين يفترضون أن «المصلحة» تقف وراء المهرجانات وجهة نظرهم خاطئة تماماً.

·        كيف ننهض بالسينما المصرية وكيف نتصدى لمشكلة القرصنة؟

أولاً يجب زيادة الدعم المقدم لهذه الصناعة، ورفع ميزانية المركز القومي للسينما لترميم الأفلام والأرشيف وتدعيم المهرجانات السينمائية. ولابد من إلغاء الرقابة على المصنفات الفنية خاصة أنهم مجموعة من الموظفين يرأسون جهازا يعمل ضد الإبداع، وأتمنى أن يتم تحويله ليكون وسيلة في وجه القرصنة التي دمرت السينما المصرية، علاوة على إصدار قانون حقوق الملكية الفكرية الذي سيحل المشاكل المستعصية للفن المصري عامة والسينما خاصة.

·        كيف ترى مستقبل السينما المصرية؟

متفائل، فالأوضاع السياسية تحسنت كثيراً، ما يؤهل الفن المصري إلى أخذ مكانته المعهودة مجدداً. والحمد لله، تخلصنا من الجماعة الإرهابية الظلامية التي كانت تريد الانقضاض على الفن واغتياله. وأعتقد أننا في الفترة المقبلة سنشهد مراحل صعود السينما والفن مجدداً.

الجريدة الكويتية في

20.09.2014

 
 

«اسمى مصطفى خميس»..

يكشف المسكوت عنه فى قضية خميس والبقرى

خالد محمود

كم تحتاج شعوبنا من وقت لتقلب فى دفاترها القديمة؟! وتضع يدها على الحقيقة فى وقائع وأحداث ظلت مبهمة تركت وراءها علامات استفهام.

السؤال كان ملحا عقب مشاهدتى للفيلم الوثائقى «اسمى مصطفى خميس» للمخرج والباحث السينمائى الكبير محمد كامل القليوبى الذى فتح جراحا كثيرة فى رحلته لإعادة رسم ما حدث قبل أكثر من ستين عاما فى كفر الدوار، وأسباب إقدام السلطات فى مصر بعد ثورة الضباط الأحرار على إعدام شابين، لا يتجاوز سن أحدهما الثامنة عشرة بسبب اشتراكهما فى مظاهرة سلمية فيما عرف بأزمة «خميس والبقرى».

بدأت وقائع قضية مصطفى خميس بعد نحو عشرين يوما من ثورة يوليو 1952 ففى العاشرة من مساء يوم الثانى عشر أغسطس من نفس العام أضرب عن العمل عمال مصانع «شركة مصر للغزل والنسيج» بـ«كفر الدوار»، التابع لبنك مصر، الذى كان يرأسه حافظ عفيفى باشا رئيس الديوان الملكى السابق.

بدأ الإضراب بانضمام مجموعتين من عمال الشركة إلى بعضهما وتجمعهما فى فناء المصنع، وهم يهتفون ضد إدارة الشركة. وكان عمال شركة «صباغى البيضا» المجاورة لشركتهم، قد لوحوا بالإضراب عن العمل، وقبل أن يبدأوه، بادرت إدارة الشركة بالتفاوض معهم، واستجابت لمطالبهم، ولعل ذلك كان واحدا من الأسباب المهمة التى دفعت عمال شركة مصر للإقدام على إضرابهم، ظنا منهم أن النتيجة سوف تكون مشابهة لما جرى مع زملائهم فى الشركة المجاورة، أى أن الإدارة سوف تسارع بالتفاوض معهم وتلبّى مطالبهم.

لكن الأمور تطورت خلاف ذلك فقد استدعت إدارة الشركة شرطة «كفر الدوار» يقودها مأمور القسم، وحاصرت مبانى المصنع المتعددة، وأطلقت وابلا من النيران لإخافة العمال، وإرهابهم، وتطورت الأمور بشكل دراماتيكى إذ برزت من بين العمال عناصر مجهولة لتحول مسار الإضراب السلمى إلى أعمال عنف وتخريب، بتحطيم مكاتب مسئولى الإدارة ومكاتب الأمن، وإشعال النيران فى سيارات تابعة للشركة، والاعتداء على الفيللات التى يسكنها كبار موظفيها.

وفى اليوم التالى للاعتصام، قام عمال المصنع ممن كانوا لا يزالون خارجه، بمظاهرة ضخمة جابت شوارع «كفر الدوار» للمطالبة بإنهاء الحصار المفروض على زملائهم داخل المصنع، والإفراج عمن تم اعتقالهم منهم، والمفارقة اللافتة للنظر أن المظاهرة كانت تهتف بحياة قائد ثورة الضباط الأحرار ورئيس الجمهورية آنذاك محمد نجيب .

وأمام أبواب مصنع «شركة الغزل والنسيج» حاول قائد المظاهرة، منع جندى من إطلاق النار على المتظاهرين، فألقى عليه القبض، وتبين فيما بعد أن اسمه «مصطفى خميس» وعمره 18 عاما، وانتهى الاعتصام بعد اعتقال أكثر من خمسمائة عامل من زملائه، ومقتل أربعة عمال، وجنديين من الجيش، وبعض من الشرطة، بعد احتلال قوات الجيش لكفر الدوار، وانتشار الدبابات والعربات المصفحة فى أنحاء المدينة، وإحكام حصارها لمصانع الشركة.

وبسرعة، شكل مجلس قيادة الثورة، مجلسا عسكريا لمحاكمة العمال الذين اتهموا بالتحريض والمشاركة فى الأحداث، ليفتتح بذلك صفحة محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وبسرعة مماثلة، أنهت المحكمة التى عقدت فى ساحة عامة فى «كفر الدوار»، وبحضور حشود من عمال الشركة، أعمالها، بعد محاكمة 29 من عمالها فى يومين اثنين، حيث حكم على عدد من العمال بالأشغال الشاقة المؤبدة، واختصت المحكمة «خميس» و«البقرى» بحكم الإعدام الذى تم تنفيذه فى السابع من سبتمبر عام 1952!

يكشف الفيلم تفاصيل مثيرة عن قصة إعدام مصطفى خميس ورفيقه خفيرالمصنع محمد حسن البقرى. وتفيد بعض المصادر داخل الفيلم بأن مجلس قيادة الثورة اتخذ قراره بالإجماع، كما أكد ذلك عبداللطيف البغدادى فى مذكراته، بل إن حسين الشافعى قال: «ما المانع من إعدام مليونى عامل لحماية الثورة؟»، أما سيد قطب رمز الإخوان المسلمين فدعا إلى إقامة حد الحرابة على العمال، وهو ما كشف بحق موقف جماعة الإخوان الذى يتلاعب بأى شىء لمصالحه الشخصية.

وكشف الفيلم أن ثلاثة من أعضاء مجلس قيادة الثورة آنذاك رفضوا المصادقة على قرار الإعدام، وهم خالد محيى الدين ويوسف صديق منصور وجمال عبدالناصر.

حادثة أخرى غريبة يكشفها محمد كامل القليوبى هى أن المحكمة انتدبت الصحفى موسى صبرى ليترافع عن مصطفى خميس، كان صبرى حاضرا لمواكبة المحاكمة باعتباره صحفيا فى «أخبار اليوم» فوجد نفسه محاميا لم يقم سوى بتوريط موكله، أما خميس فدافع عن نفسه ببسالة لنصف ساعة.

مفاجأة أخرى كشفها هى أن الرئيس محمد نجيب آنذاك استقبل مصطفى خميس لنصف ساعة، وطلب منه أن يعطيه أسماء محرضيه بل دعاه إلى أن يتهم أمين ابن حافظ عفيفى باشا رئيس المصنع فاكتفى خميس بالرد «لم أفعل شيئا»، وذهب وفد من عائلة مصطفى خميس لملاقاة نجيب ودعوته للعفو عن ابنهم، ولكن «القائد الثورى الرجل الطيب» بحسب تعبير أحد أفراد العائلة رفض أى تنازل.

وعلق الروائى نجيب محفوظ على واقعة إعدام خميس والبقرى، قائلا: «إنها جريمة قتل فى حق اثنين من الأبرياء».

ويبدو أن الحكم الجديد فى مصر آنذاك استشعر فداحة الجرم الذى قام به فأصدر بعد يومين من إعدام خميس والبقرى قانون الإصلاح الزراعى لامتصاص غضب الناس، وتحويل اهتمام الرأى العام.

وفى المشاهد التوثيقية المتتالية يعدم الشاب مصطفى خميس، وظلت أمه تبكيه ثلاثين عاما، أمّا أباه فقد ظل يدعو على قاتليه حتى وفاته. بينما محمد نجيب الذى رفض العفو عن خميس فقد انقلب عليه رفاقه سنة 1954، وعزلوه ووضع قيد الإقامة الجبرية لعقود طويلة وسجن ابنه الأكبر ومرض فى السجن ليموت لاحقا بشكل مفاجئ، وقتل ابنه الثانى فى ألمانيا فى ظروف غامضة، أما ابنه الثالث فقد فصل من عمله بقرار جمهورى فعمل سائق سيارة تاكسى ثم سائقا بإحدى الشركات.

تضمن الفيلم وثيقة تسجيلية نادرة لمحمد نجيب، فحين سئل عن مصطفى خميس انتابه ألم شديد، وكأنه عذاب الضمير.

وقد استعرض العمل رفض محمد نجيب العفو عن مصطفى خميس والبقرى كما فعل حاكم ولاية ماساسوشيتس الأمريكية مع «زاكو» و«فانزيتى» المهاجرين الإيطاليين اللذين أعدما يوم 23 أغسطس 1927 دون وجود ما يؤكد أنهما مذنبان عدا ميولهما اليسارية.

يعيد المخرج المصرى محمد كامل القليوبى فتح ملف شائك يثير نقاشات وجدل وربما حساسيات كثيرة لدى جهات وأطراف مختلفة. وكانت تلك الواقعة صادمة ومخيبة لآمال من أيدوا الثورة وساندوها، كما أدت إلى صمت مخيف فى الحركة العمالية امتد حتى العام 1968 عندما عادت المظاهرات ثانية إلى الشارع المصرى.

موضوع الفيلم بدا وكأنه صورة درامية محبوكة بشكل مختلف عبر سيناريو متماسك ومونتاج متماسك وإيقاع ملهم، رغم أنه اعتمد الشكل البرامجى التقليدى فى الاكتفاء بالحوارات ولقطات أرشيفية دون تجسيد مواقف درامية صريحة ربما كان وجودها مهما لبث الروح السينمائية أكثر فى لغة السرد.

إنه قصة تسرد تفاصيل مأساوية بشأن اغتيال حلم هؤلاء العمال الشباب وذلك من خلال الاستعانة ببعض الوثائق ولقاءات مطولة مع اثنين من المؤرخين والباحثين فى تلك الفترة، وهما د. رفعت السعيد، والكاتب الصحفى صلاح عيسى، بجانب أقوال الشهود، وكان اثنان منهم، قد بلغ أحدهما الثامنة والثمانين والآخر فى التاسعة والتسعين ورووا بالتفصيل إذ إن ذاكرتيهما كانتا ما تزالان حادتين تجاه تلك الحادثة، بالإضافة إلى لقاءات مع بعض من تبقى من أفراد عائلتيهما لرسم ملامح شخصيتهما. يصل الفيلم إلى نتيجة، مؤداها أن الشابين كانا بريئين، وفى نفس الوقت يلقى الضوء على أدوار الأحزاب السياسية ومواقفها بشأن هذا الحدث وخصوصا موقف الإخوان المسلمين المخزى.

الفيلم الذى حصل على دعم من صندوق إنجاز بمهرجان دبى السينمائى يعد الأكثر طموحا وجرأة فى اختياره لموضوع مسكوت عنه. وقضية اعتقد الكثيرون منا إنها أصبحت فى ذمة التاريخ بل وتشعر أنه عمل لقضية تبدو معاصرة فى أحيان كثيرة

فهو هنا رمز للقضية ورمز لعشرات وآلاف لهم مطالب لم تتحقق قبل هذا التاريخ وحتى الآن.. وبرغم كل ما تملكه مصر من وثائق فيلمية فإن مخرج الفيلم لم يجد إلا وثائق نادرة. اعتمد عليها ضمن جهد كبير لجمع مادة أخرى من الأرشيف. ومقالات مع من تبقى من أسرتى خميس والبقرى.. خاصة محمد خميس الشقيق الأصغر لمصطفى الذى يروى ضمن شهادته معلومة مهمة معبرة عن الغضب الشعبى حين سمى أهالى القرية التى كان مصطفى خميس يعيش فيها مواليدهم باسمه هو وزميله باعتبارهم شهداء.

وفى جولة الفيلم فى المكان سواء القرية وأهلها أو المصنع وفى حوارات مطولة مع عدد من الكتاب والمؤرخين والمعاصرين تنفتح الشهادات على آفاق تطول الماضى وتصله بالحاضر. سواء فيما يتعلق بالحركة العمالية أو الحركات السياسية عامة فى مواجهة محاولات مستمرة لقمعها.

وفى حين يبرز الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى تتابع الأحداث فى القضية خطوة بخطوة تأتى شهادة د.رفعت السعيد السياسى والمؤرخ محللة لمواقف كل القوى السياسية المصرية فى هذا الوقت. سواء أحزاب ما قبل ثورة يوليو إلى الجماعات الإرهابية كالإخوان. ويؤكد كلاهما مناخ القلق وعدم الاستقرار والخوف الذى أفرز هذا الحدث العنيف. غير المسبوق فى تاريخ مصر المعاصر وهو ما يشتبك مع ذهن المتلقى والمشاهد للفيلم والذى سوف يستدعى بالضرورة ما حدث فى الخمسينيات وما يحدث الآن فى الساحة المصرية فى محاولة للفهم..

إن كثيرا من الوقائع التاريخية لمصر غامضة، ودور السينما دائما هو كشف هذه الوقائع وتقديمها كحقيقة للتاريخ.

الشروق المصرية في

05.02.2014

 
 

آخر مقال للراحل الدكتور محمد كامل القليوبى والذى نشر بمجلة الزمكان

عن د.شوقى على محمد العميد الذى أصبح عمده

كل الشهادات مجروحه

د. محمد كامل القليوبى

عندما يرد ذكر المعهد العالى للسينما يرد على الذهن وللوهلة الأولى إسمين لا ثالث لهما, أولها المخرج السينمائى الرائد الكبير محمد كُريّم , وثانيهما مدير التصوير السينمائى د. شوقى على محمد ، فالأول هو من قام بتأسيسه وتولى عمادته فى سنواته الأولى بدءاً من عام 1959, والثانى هو من لعب الدور الأكبر فى تحويل المعهد إلى مؤسسة تعليمية نشطة تساهم بفاعلية فى الحياة السينمائية والفنية فى مصر, ومن بين عمداء المعهد وعبر سنواته التى تمتد إلى سبعة وخمسين عاماً حتى الآن, يمكننا أن نتذكر الناقد والباحث والمترجم أحمد الحضرى الذى أدخل مشروعات التخرج للمرة الأولى عام 1968 وحوله إلى مؤسسة إنتاجية إضافة إلى كونه مؤسسة تعليمية, وفنان الرسوم المتحركة الكبير د. أحمد المثينى الذى كان أول عميد منتخب فى تاريخ المعهد, ومدير التصوير السينمائى د. مصطفى محمد على الذى كان أول من يتولى عمادة المعهد من بين خريجيه , وفيما عدا هؤلاء العمداء الذين يرتبطون بنقاط تحول أو بأحداث تذكارية على الأغلب, فلقد قام بقية العمداء بأداء واجباتهم الوظيفية قدر ماوسعهم من جهد... لماذا أذن يبرز أسمى محمد كريم وشوقى على محمد دون الآخرين ويرتبطان هذا الإرتباط الشديد بالمعهد العالى للسينما بمصر ويكادا أن يصبحا عنواناً له ؟, والأجابة ببساطة إنهما تفانيا إلى أقصى الحدود فى النهوض بهذا الكيان الذى كان المؤسسة الوحيدة لتعليم السينما فى العالم العربى لسنوات طويلة ثم الأكبر فى هذا المجال مع تعدد جهات تعليم السينما فى مصر والعالم العربى ... كان مسعى محمد كريم أن يؤسس معهداً للسينما حسب المقاييس الدولية وقتها, ومن أجل هذه المهمة أوفده وزير الثقافة الأول ثروت عكاشة للإطلاع على نظم ومناهج دراسة السينما فى العالم, ليشكل هذا المشروع نقطة تحول فى حياة محمد كريم فأعطاه كل وقته وجهده مختتماً حياته المهنية كمخرج بفيلم " قلب من ذهب " عام 1959, وهو نفس ما قام به د. شوقى على محمد الذى أعطى المعهد كل اهتمامه إلى درجة التفرغ له تماماً على الرغم من مهارته وموهبته الواضحة كمدير للتصوير السينمائى فى الأفلام التى قام بتصويرها... رسمياً فأن فترة عمادة د. شوقى للمعهد والذى يعد ثانى من يتولاها من بين خريجيه قد استغرقت سته أعوام (1990-1996) ولفترتين وهو الحد الأقصى للعمادة , ولكن من الناحية الفعلية, فإن إدارته للمعهد قد بدأت قبلها بستة أعوام أخرى عندما كان وكيلاً للمعهد إبّان فترتى عمادة د. مصطفى محمد على الذى إستغرقت المناصب التى كان يتولاها إلى جانب عمادته للمعهد , الجانب الأعظم من وقته , ومنها على سبيل المثال رئاسته للمركز القومى للسينما ووكالته لنقابة المهن السينمائية.. وكانت الإدارة الفعلية للمعهد من نصيب د. شوقى خلال هذه الفترة , بل و يمكن القول إنه بمجرد عودته من بعثته الدراسية فى الأتحاد السوفيتى وقـتها, و تسلمه عمله كعضو هيئة تدريس, لم يعد المعهد هو نفس المعهد, لقد حوله إلى كيان نشط على كافة المستويات بإنشاء نادى للسينما و عقد لقاءات و ندوات و (سيمينارات) كما أسهم بنشاط فى مهرجان معهد السينما الأاكاديمى بأسوان الذى يعود فضل أنشائه إلى مهندسى المناظر اللامع د. مختار عبد الجواد الذى تولى وكالة المعهد عندما كان د. شوقى عميداً ثم تلاه فى عمادة المعهد , و شارك د.شوقى فى ذلك النشاط زوجته و رفيقة حياته د. نجوى محروس التى تولت عمادة المعهد بعد د.مختار عبد الجواد...

لم يشهد معهد السينما طوال تاريخه عميداً أُستقبل بمثل هذه الحفاوة من الطلبة و معظم أعضاء هيئة التدريس كتلك الحفاوة التى أُستقبل بها د. شوقى على محمد لدى توليه عمادة المعهد, فلقد أنتاب الجميع طلبة وأساتذة أحساساً عاماً بأن هناك صديق شخصى حميم قد تولى عمادة المعهد, فلقد توافق مجيئه مع فترة حاسمة فى تاريخ معهد السينما وتاريخ أكادمية الفنون فيما يطلق عليه " سنوات الأمل ", حيث كانت أكاديمية الفنون وبفضل رئيسها د. فوزى فهمى الذى كان أول من يتولى رئاستها من بين خريجيها, قد تمكنت من الحصول على الإعتراف بها كجامعة, مما أحدث نقلة نوعية بها على كافة المستويات , وكان على د.شوقى على محمد أن يلعب الدور الأكبر فى تطوير المعهد العالى للسينما, ورغم صعوبة المهمة التى أُسندت إليه إلا أنه أداها بحكمة وإقتدار, ولإيمانه الشخصى بأن معهد السينما جدير بالكثير وأنه يستحق أن يوضع فى مكانة بالغة التميز على مستوى أكاديمية الفنون كلها عاملاً كبيراً فى تحقيق ذلك, وأحد هذه المهام كانت إعادة عضوية المعهد إلى الإتحاد الدولى لمعاهد السينما فى العالم التى كان الاهمال و التراخى و الادارة البيروقراطية الجامدة قد أدوا إلى فقدانها, ولقد تمكن وبقوة من إعادة المعهد إلى المضمار الدولى وجعله عضواً فعالاً ومؤثراً, ومشاركاً بنشاط فى عدد كبير من المهرجانات والمؤتمرات المحلية والدولية, وشهدت فترة عمادته انتظاماً كبيراً فى الدراسة, وللمرة الأولى أصبح طلاب المعهد يتخرجون فى مواعيدهم المحددة التى كانت تؤجل لعامين على الأقل حتى يتم تدبير ميزانيات مشروعات التخرج, كما تمكن أيضاً من استعادة الثقة بامتحانات القبول بإجراءات صارمة, لا أقول إنها منعت الواسطة تماماً والتى كانت إحدى السمات البارزة فى أمتحانات القبول بمعهد السينما, و إنما حدث منها إلى درجة كبيرة , ولعل فترة عمادته هى أكثر الفترات التى شهدت انتظاماً فى اجتماعات مجلس المعهد وأدارته لكافة شئونه بفاعلية كبيرة , وهى للأسف أمور أخذت تضمحل تدريجياً الى درجة تكاد أن تتحول معها إلى أمور شكلية فى السنوات الأخيرة ... 

عندما ترك د. شوقى على محمد عمادة المعهد بعد نهاية المدتين المقررتين كحد أقصى, تحول من العمادة إلى العمودية , بمعنى أنه أصبح ( عمدة ) المعهد , وهو منصب روحى مفتوحة ولايته حتى آخر العمر, وقدم د. شوقى نموذجاً واضحاً بأن قيمة الشخص لا تكتسب من ( الكرسى ) الذى يجلس عليه, وإنما ( الكرسى ) هو الذى يكتب قيمته بمن يجلس عليه, ولن تجد شخصاً واحداً طالباً كان أو خريجاً أو معيداً أو عضواً بهيئة التدريس بالمعهد العالى للسينما, وخلال الأربعين عاماً الماضية , لم يلعب د. شوقى دوراً ما فى حياته على المستويين الشخصى والعملى, وهو أمر يجعل الكتابة عنه بحيادية أمراً بالغ الصعوبة فجميع الشهادات عنه مجروحة, ويندر أن تجد أحداً من تلاميذه الكثيرين لا يحدثك عن تأثيره الشخصى عليه علمياً وعملياً, وهى أمور كثيراً ما سمعتها عنه لا من الدارسين فى مجال السينما فحسب, وإنما أيضا فى مجال الفن التشكيلى, وبشكل خاص من تلاميذه فى كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية الذين أصبحوا أساتذة وفنانين مرموقين فى الحياة الفنية فى مصر ... 

وأعترف بأننى عندما أمسكت بالقلم كى أكتب عنه, حاولت أن أقوم بدور المؤرخ المحايد, مبتعداً عن تناول أية موضوعات خاصة ، وعن ( جمائله ) التى تطوق عنقى كما تطوق أعناق الكثيرين ... إنه الصديق القريب وقت الشدة , وهو أول من يقف إلى جوارك فى أية مصاعب تتعرض لها فى حياتك, وهو من يبذل كل الجهد لرعايتك ودعمك فى أحرج المواقف وأكثرها صعوبة, بشرط أن تكون على حق من وجهة نظره على الأقل, وله فى ذلك قصص لا تنتهى , وإذا سألت أى شخص أسعده الحظ بأن يكون على علاقة به , فسيحدثك عن مواقف كثيرة له تتسم بالنبل والشهامة و ( الجدعنة ) , كان د. شوقى وما يزال عنوانا لها ... 

الـ FaceBook في

13.02.2017

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)