|
شارك النجم الراحل نور الشريف فى أكثر من مئة
وسبعين فيلما، بجانب عدد قليل من المسرحيات وعدد كبير من المسلسلات
التليفزيونية خاصة فى السنوات الأخيرة من عمره الفنى.. حتى يمكن
القول إنه واحد من أكثر الممثلين المصريين غزارة فى الإنتاج وعدد
البطولات التى قام بها، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار حالة السينما
المصرية المتعثرة والمتعرجة.
خلال أكثر من مئتى عمل على مدار نصف قرن قدم نور
الشريف باقة شديدة التنوع من الأدوار والشخصيات فى أعمال تراوحت فى
مستواها الفنى وتعددت فى أساليبها الفنية، وتقريبا يمكن القول أيضا
إنه لا يكاد يوجد مخرج أو كاتب متميز لم يعمل معه نور الشريف.
فيما يلى قائمة بأهم الأعمال التى قدمها نور الشريف
ويكفى تذكر الشخصيات التى لعبها فى هذه الأعمال وملاحظة أسماء
المخرجين والكتاب الذين صنعوها لنتبين الانجاز الهائل الذى حققه
هذا الممثل والفنان السينمائى الاستثنائى:
«قصر
الشوق» إخراج حسن الإمام عن رواية نجيب محفوظ، 1967
الفيلم الذى كتب شهادة نور الشريف حمل اسمى أكثر
المخرجين شعبية فى تاريخ السينما المصرية، وأكثر الأدباء المصريين
شعبية فى مصر والعالم. فى هذا الفيلم لعب نور الشريف شخصية الابن
الأصغر كمال عبد الجواد، ابن الطبقة الوسطى الشعبية، المتعلم،
الخجول، الذى يعانى من الانسحاق أمام هيمنة أبيه وحبيبته
الارستقراطية. وهو دور نفسى مركب غير مسبوق فى السينما المصرية،
وبداية عدد كبير من الأدوار المماثلة التى ظهرت بعد هزيمة 1967
وظهور جيل الستينيات بشخصيته الهشة وحساسيته المفرطة. وهو الدور
الذى سيواصل تقديمه فى فيلم «السكرية» بعد ذلك بعدة سنوات.
«السراب»
إخراج أنور الشناوى 1970
دور نفسى آخر غير مسبوق فى السينما المصرية، الرجل
العاجز جنسيا بسبب علاقته الشديدة بأمه، فى تجسيد نادر لإحدى العقد
النفسية الفرويدية، نسبة إلى سيجموند فرويد مؤسس علم النفس الحديث،
وهى عقدة «أوديب».
فيما بعد سيحرص نور الشريف على اضفاء البعد النفسى
على أدواره، حتى فى الأفلام التى لا يهتم كتابها بإبراز البعد
النفسى للشخصيات.
«زوجتى
والكلب» إخراج سعيد مرزوق 1971
أول أعمال سعيد مرزوق، وهو فيلم تعبيرى الاسلوب
جديد وجرىء على السينما المصرية، من المؤسف أن طغيان السينما
التجارية فى السبعينيات لم يسمح بتطور هذا الاسلوب ولا هذا النوع
من الأفلام. وقد لعب فيه نور شخصية الشاب المحروم جنسيا، الذى
يتعرض للغيرة الشديدة من قبل الجيل الأكبر، كما يجسده محمود مرسى.
«الإخوة
الأعداء» إخراج حسام الدين مصطفى 1974
فى هذا الفيلم المأخوذ عن رواية «الإخوة كارامازوف»
للأديب الروسى فيدور ديستوفيسكى، يلعب نور الشريف دور مثقف بارد
العقل والقلب، يجسد النظرة المادية المجردة من العواطف للإنسانية،
حتى إنه، دون أن يدرى، يحرض أخاه المريض عقليا على قتل أبيهما. دور
جديد آخر على السينما المصرية.
«أبناء
الصمت» إخراج محمد راضى 1974
أول أفلام نور الشريف «الوطنية»، وواحد من أفلام
جماعة السينما الجديدة التى أسسها جيل سينمائى صاعد وغاضب فى نهاية
الستينيات. وهو فيلم ينطق باسم جيل الستينيات الذى نما وعيه على
صدمة الهزيمة الثقيلة، وأصر على أخذ الثأر واسترداد الأرض على حساب
حياته.
«الكرنك»
إخراج على بدرخان 1975
فى هذا العمل المأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ، يواصل
نور الشريف تقديم الأدوار التى تعبر عن جيل الستينيات، الذى تعرض
للاعتقال والقهر وفقدان المستقبل، فى أعقاب هزيمة 1967. فيلم آخر
شديد الجرأة أثار جدلا سياسيا لا ينتهى بين مؤيدى الناصرية
وأعدائها.
«دائرة
الانتقام» إخراج سمير سيف 1976
أول أعمال مخرج الحركة سمير سيف، وواحد من أكثر
أعمال نور الشريف شعبية. فى هذا الفيلم المأخوذ عن رواية «الكونت
دى مونت كريستو» للفرنسى ألكسندر دوما، يلعب نور الشريف أحد
التجسدات الكثيرة لشخصية البطل المظلوم الذى يعود للانتقام، والتى
جسدها معظم نجوم السينما الشعبيين، من أنور وجدى وفريد شوقى وحتى
أحمد السقا وكريم عبد العزيز ومحمد رمضان!
«قطة
على نار» إخراج سمير سيف 1977
مرة أخرى مع سمير سيف وعمل آخر مقتبس عن الأدب
العالمى، وهو مسرحية «قطة على سطح صفيح ساخن» للأمريكى تينسى
ويليامز... وفيلم جرىء آخر عن امرأة شابة تعانى من عجز زوجها بسبب
ميوله الجنسية المثلية.
«ضربة
شمس» إخراج محمد خان 1980
اعتاد نور الشريف على اكتشاف المخرجين الشباب
وتقديمهم، وفى هذا العمل الأول للمخرج محمد خان يشارك نور فى واحد
من أكثر أفلامه نجاحا جماهيريا. هذا الفيلم دشن أيضا سينما الشباب
الجدد التى عرفت باسم «الواقعية الجديدة»، وقد تميز الفيلم بأنه
واحد من الأعمال القليلة التى خرجت فيها كاميرا السينما المصرية
إلى الشارع، فيما ميز أسلوب محمد خان الواقعى.
«حبيبى
دائما» إخراج حسين كمال 1980
كان نور الشريف من الممثلين القلائل الذين يجيدون
لعب معظم الشخصيات فى معظم الأنواع الفنية، وكان قادرا دائما على
مفاجأة الجماهير بتغيير جلده وأدواره ومخرجى أعماله.
ومن المدهش هنا تخليه عن أفلام الحركة الناجحة
جماهيريا ليقدم فيلما رومانسيا حزينا، يعد من كلاسيكيات
الميلودراما العاطفية المصرية.
«أهل
القمة» إخراج على بدرخان 1981
يقال إن نجيب محفوظ، مؤلف الرواية التى اقتبس منها
هذا الفيلم، أبدى دهشته عندما علم أن دور زعتر اللص الذى يتحول
لتاجر شنطة فى بور سعيد تم اسناده لنور الشريف، صاحب دور كمال عبد
الجواد، الشاب المثقف الخجول.
مرة أخرى يدهشنا نور الشريف بلعب دور شخصية شريرة،
لم يكن يتصور أحد قبل ظهور الفيلم أنها تناسبه. وبفضل نجاحه الكبير
فى تأديتها سوف يحصل نور على العديد من الأدوار المماثلة لاحقا.
«الشيطان
يعظ» إخراج أشرف فهمى 1981
مع نجيب محفوظ من جديد، ودور يقدمه لأول مرة، كواحد
من فتوات الحرافيش القدامى، يرتدى الجلباب والعمة ويحارب بالنبوت.
فى العام نفسه لعب نور الشريف دورا مماثلا فى فيلم «فتوات بولاق»
للمخرج يحيى العلمى، والفيلمان كانا بداية موجة من أفلام
«الحرافيش» والفتوات.
«غريب
فى بيتى» سمير سيف 1982
للمرة الأولى يلعب نور الشريف دورا كوميديا، مما
يؤكد رغبته الدائمة والمحمومة فى التجديد والتنويع. وقد أصبحت
شخصية «شحاتة أبو كف» لاعب الكرة الريفى من أشهر شخصيات السينما
المصرية الكوميدية ودخلت مفردات الحوار الشعبى اليومى حتى الآن.
«حدوتة
مصرية» إخراج يوسف شاهين 1982
من الفتونة والكوميديا إلى يوسف شاهين لأول مرة، فى
فيلم مركب وصعب وجديد تماما على السينما العربية...حيث يجسد شخصية
مخرج الفيلم نفسه، فى حياته الفنية والأسرية والعاطفية المضطربة..
فى وقت كان الكثير من النجوم قد بدأوا فى تجنب العمل مع شاهين خوفا
على شعبيتهم!
«الطاووس»
إخراج كمال الشيخ 1982
فى هذا العام الذهبى من حياة نور الشريف، الذى قدم
فيه ثمانية أفلام، لم يكتف بالعمل مع شاهين، وها هو يقدم دورا
جديدا وشديد التميز مع عملاق سينمائى آخر هو كمال الشيخ، فى دور
رجل ماكر يدبر مؤامرة لقتل زوجته للزواج من شقيقتها الصغرى، وهو
فيلم تشويقى من علامات السينما البوليسية المصرية.
«العار»
إخراج على عبد الخالق 1982
فى العام نفسه يقدم نور واحدا من أفضل أدواره
وأفلامه وأكثرها شعبية ونجاحا تجاريا.. مع اثنين من كبار النجوم
المنافسين له وقتها، حسين فهمى، ومحمود عبد العزيز. يلعب نور شخصية
الأخ الأكبر غير المتعلم تاجر المخدرات، والذى يتعاطف معه المشاهد
باعتباره أكثر شهامة و»جدعنة» من شقيقيه المتعلمين، ضابط الشرطة،
والطبيب. بالرغم من ملاحظات كثيرة على هذا الفيلم «الشعبوى»
الرجعى، إلا أنه يجسد التصور الشعبى آنذاك، والممتد حتى الآن، عن
مواصفات الرجولة والأخلاق.
«سواق
الأتوبيس» إخراج عاطف الطيب 1983
فى العام السابق شارك نور الشريف فى أول أعمال عاطف
الطيب السينمائية «الغيرة القاتلة»، بالرغم من أن الفيلم لم يحقق
نجاحا يذكر، إلا أن إيمان نور الشريف بموهبة عاطف الطيب دفعه للعمل
معه فى فيلمه الثانى «سواق الأتوبيس»، الذى يعده الكثيرون واحدا من
أفضل أفلام السينما المصرية. وقد حصل نور عن دوره فى هذا الفيلم
على جائزة أفضل ممثل من مهرجان «نيودلهى» فى الفيلم، وهى أكبر
جائزة يحصل عليها ممثل مصرى، إذا استثنينا الجوائز التى حصل عليها
عمر الشريف عن أدواره فى أفلام أجنبية.
«زمن
حاتم زهران» إخراج محمد النجار 1988
لم يكتف نور الشريف باكتشاف المخرج محمد النجار
والعمل معه فى أول أفلامه، ولكنه غامر بإنتاج الفيلم من خلال شركة
الإنتاج التى أسسها مع زوجته بوسى، والتى قدم من خلالها عددا كبيرا
من الأفلام والمخرجين. وفى هذا الفيلم «السياسى» يلعب نور شخصية
«بطل مضاد» يرصد رحلة هبوطه الأخلاقى والسياسى والوطنى، ليقدم
واحدة من أكثر الإدانات لفترة الانفتاح.
«البحث
عن سيد مرزوق» إخراج داود عبد السيد، 1991
كما حدث مع معظم مخرجى الثمانينيات، كان نور الشريف
أول من اكتشف وعمل مع داود عبد السيد فى فيلم «الصعاليك» عام 1985،
وبعد اكثر من خمس سنوات عاد معه فى فيلمه الثانى «البحث عن سيد
مرزوق»، وهو فيلم مختلف تماما عن السينما المصرية، من النوع الذى
يقال عنه «فلسفى» و«غير مفهوم»، و«غير شعبى».. فى تجربة أخرى شديدة
الجرأة من نور الشريف.
«المصير»
إخراج يوسف شاهين 1997
فى هذا العمل التاريخى السياسى الكبير، يجسد نور
الشريف شخصية المفكر العربى ابن رشد، فى فيلم يندر نوعه فى السينما
المصرية، ويندر مستواه الفنى، وقد شارك الفيلم فى مهرجان «كان»،
وكان سببا فى فوز يوسف شاهين بالسعفة الذهبية عن مجمل أعماله، وهى
أكبر جائزة حصل عليها فيلم مصرى على الإطلاق.•
####
المشوار الأخيـــر «كل هذا الحب» فى جنازة نور
الشريف
كتب : محمد عبدالرحمن
العنوان مستوحى من اسم فيلم من أبرز الأفلام
الرومانسية لنور الشريف بمشاركة «ليلى علوى» إنتاج عام 1988 الفيلم
الذى لم يأخذ حقه جماهيريا لأن «حبيبى دائما» طغى على كل أفلام
الحب التى قدمتها السينما المصرية فى النصف قرن الماضى، لكن «كل
هذا الحب» يصلح عنوانا لوصف جنازة نور الشريف التى شارك فيها أكثر
من 4 الآف شخص. وشهدت وداعا حاراً لفنان ومثقف فذ بشكل يؤكد أن
المصريين فقدوا «قيمة» حقيقية.
فلا يودع المصريون عزيزا عليهم بهذا الحزن إلا لو
كان أثره فيهم كبيرا وفعالا ومستمرا رغم غيابه، جنازة نور الشريف
رأيتها أنا كأنها فيلموجرافيا من نوع خاص لمشواره الفنى الطويل،
ولعطائه لجيله وللأجيال التالية.
هل يمكن فعلا كتابة سيرة فنان من جنازته، هل عكست
الجنازة المشوار الكبير للفنان نور الشريف، الإجابة هى نعم وبكل
تأكيد، فهى المرة الأولى منذ وقت بعيد التى تتجمع فيها الأجيال
الفنية جيلا ورا جيلا بل والتخصصات أيضا، ممثلين ونقاد ومخرجين
ومؤلفين ومنتجين، كل هؤلاء لم يتأخروا عن نورالشريف رغم الارتفاع
غير المسبوق الذى تشهده مصر هذه الأيام فى درجات الحرارة، ورغم كل
ما يعانى منه النجوم من زحام الجمهور والإعلاميين فى الجنازات
للحصول على تصريحات خارج وقتها تماما، كل ذلك لم يمنع أن تتحول
الجنازة إلى مظاهرة حب وحزن فى الوقت نفسه.
•جيل
الزعيم
وأنت فى جنازة نور الشريف، لن تتعامل مع وجود عادل
إمام باعتباره «الزعيم» الذى جاء ليودع صديقه، يجب أن تتذكر أن
عادل إمام هو من قدم نور الشريف أول مرة للمخرج حسن الإمام ليحصل
على أول دور سينمائى فى حياته من خلال فيلم «قصر الشوق» ثانى أفلام
ثلاثية حسن الإمام الذى حول من خلالها إبداع نجيب محفوظ الأشهر
«بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية» إلى شاشة السينما، ستتذكر
كذلك الأفلام التى تعاون فيها النجمان سويا وخلدت فى ذاكرة
السينما، سواء على مستوى الكوميديا فى «البعض يذهب للمأذون مرتين»
منذ 40 عاما، وصولا لآخر تعاون بينهما «عمارة يعقوبيان» الذى لم
يشهد أى مشهد يجمعها سويا لكن كليهما أعطى للعمارة وللفيلم ثقلا
غير مسبوق، فى الجنازة ستجد يحيى الفخرانى الذى نافسه نور الشريف
طويلا فى الدراما التليفزيونية، لكنك ستذكر بالتأكيد فيلم «الغيرة
القاتلة» أول أفلام المخرج «عاطف الطيب» لكنه تأخر فى العرض ليحصل
«سواق الأتوبيس» لنور وللمخرج نفسه على الأضواء وقتها، محمود عبد
العزيز تواجد أيضا وكان كالعادة حزينا صامتا ينظر بإجلال لنعش نور
الشريف، محمود الذى يدخل فى مصاف أعماله أفلامه مع «أبوكمال» بداية
من «العار» وصولا إلى «جرى الوحوش»، من جيل الكبار أيضا تواجد عزت
العلايلى ومحمود ياسين الذى ودع نور الشريف بمقال مؤثر للغاية
اعتبر فيه أنه فقد صديق عمر ورفيق مشوار.
•
جيل الدالى
حاملا النعش كان يبكى حسن الرداد، الممثل الشاب
الذى قدمه نور الشريف فى مسلسل «الدالى» لكن الرداد لم يكن وحده
المتأثر فى الجنازة، كان إلى جوار عمرو يوسف الذى انطلق أيضا من
نفس المسلسل، وكذلك أحمد زاهر الذى أرسله نور الشريف إلى النجومية
من مسلسل «الرجل الآخر» فيما ذهبت الأضواء أكثر والأعين الحاسدة
إلى شريف رمزى آخر ممثل شاب وقف أمام الكاميرا مع «نور الشريف» عبر
فيلم «بتوقيت القاهرة»، فيما قدم معظم الحاضرين العزاء لمحمد رياض
كأنه مازال عبدالوهاب عبدالغفور البرعى، حيث «لن أعيش فى جلباب
أبى» المسلسل الذى منح رياض أولى درجات النجومية، ومنح عبلة كامل
أول بطولة نسائية فى مشوارها الفنى، إلى جوار كل هؤلاء تواجد
الفنان «محمد التاجى» وهو إن كان ينتمى الآن لجيل الكبار لكنه كان
وجها جديدا على تترات فيلم «آخر الرجال المحترمين» حيث قدم شخصية
«مغاورى التلبانى» المدرس الزميل للأستاذ فرجانى فى رحلة القاهرة
التعيسة التى شهدت ضياع الطفلة «نسمة محمد حافظ».
•أجيال
المخرجين
مازالنا مع فيلموجرافيا نور الشريف التى كتبتها
جنازته بطريقة مختلفة تماما، وننظر لمشواره الآن من عين المخرجين
الذى احتشدوا فى جنازة الراحل العزيز، من جيل الكبار تواجد محمد
عبدالعزيز وشقيقه عمر عبدالعزيز رئيس اتحاد النقابات الفنية، إلى
جوارهما كان محمد ياسين الذى كان نور الشريف البطل الرئيسى فى
فيلمه الثانى «دم الغزال» مع منى زكى وصلاح عبدالله ويسرا، كذلك
كان هناك المخرج محمد النجار الذى اشتهر بتقديم الأفلام الكوميدية
فى السنوات الأخيرة، لكن بدايته الأقوى كانت مع نور الشريف فى
فيلمين «زمن حاتم زهران» و«الصرخة» والأخير من الأدوار المميزة جدا
للشريف، حيث جسد شخصية الأبكم الذى يعانى من نظرة المجتمع الدونية
لمتحدى الإعاقة، وقتما كانت السينما كلها بعيدة عن هذه القضايا،
وهو أيضا بالمناسبة أول فنان قدم فيلما عن سرقة الأعضاء من خلال
«الحقونا»، من الجيل الجديد من المخرجين تواجد «مروان حامد» صاحب
«عمارة يعقوبيان» وداخل صحن المسجد وقف حزينا «أمير رمسيس» وإن كان
له أن يفخر لأنه آخر مخرج تعاون مع «نور الشريف» فى فيلمه الأخير
«بتوقيت القاهرة».
•
####
أتمنى إعادة «القاهرة والناس» البداية الحقيقية
لنور الشريف!
كتب : مى الوزير
الوجه الجديد «محمد جابر» الذى حقق نجاحاً من
الحلقات الأولى لعرض مسلسل «القاهرة والناس» أخبرنى فى آخر حوار
لنا بأهمية هذا العمل على المستوى الشخصى بالنسبة له وأرجع الفضل
إلى مخرج العمل «محمد فاضل» الذى تحمس له وأعطاه الفرصة للمشاركة
فى العمل، وعلى جانب آخر، فإن هذا العمل كان حجر أساس فى الدراما
الاجتماعية وحقق نقلة نوعية فيها، هكذا أخبرنى «نور الشريف» عن
القاهرة والناس وعن مخرجه وفى السطور القادمة يتذكر المخرج محمد
فاضل ذكرياته مع الوجه الجديد نور الشريف وعن رائعته «القاهرة
والناس».
•
اكتشفت نور الشريف وقدمته فى عمل حقق نقلة نوعية فى
تاريخ الدراما المصرية، كيف رشحت نور الشريف لهذا العمل؟
-
لا شك ان نور الشريف منذ ان كان طالباً فى معهد فنون مسرحية لفت
النظر إلى موهبته وأنا رشحته فى دور فى تمثيلية سهرة منذ أن كان فى
الفرقة الثالثة فى المعهد وكانت بطولة صلاح السعدنى وتوفيق الدقن.
أنا طوال الوقت كنت أذهب إلى معهد الفنون المسرحية
لمقابلة الطلاب وحتى الآن وهناك قابلت نور، أنا أعتبر نور الشريف
هو الممثل الوحيد الذى تم ترشيحه فى دور قبل أن تكتمل كتابة
المسلسل، وحدث هذا فى مسلسل «القاهرة والناس»، فهو ترشح لدور عادل
فى القاهرة والناس والسيناريو فى مرحلة الكتابة، وكتب اسمه على
المسلسل فى البداية باسم «محمد جابر» ثم تم تغييره بعد ذلك.
•
إذا ما الذى لفت انتباهك كمخرج لهذا الشاب؟
-
نور الشريف كان يمثل فى هذه المرحلة شكلاً جديداً للفتى الأول،
فنحن اعتدنا فى تلك الفترة على شكل معين للفتى الأول مثل أنور وجدى
وشكرى سرحان وحسين فهمى الشاب الوسيم، فجاء نور الشريف بحضوره
الشعبى قدم شكلاً جديداً للفتى الشعبى وكان هذا سبب حالة القبول
التى حققها فى الشارع المصرى، وكان سبب هذا القبول هو موهبته
الفطرية وأضاف لها هو دراسة وخبرة وثقافة، وهذا ما جعل نور يصعد
بقوة الصاروخ لأنه عوض فرق الخبرة بالثقافة، فكان أثناء عملنا على
ترابيزة البروفات فى القاهرة والناس كان يفهم جيدا تعليمات المخرج
وثقافته لم تكن فقط فنية بل كان لديه ثقافة عامة، وحدث هذا أيضا
فى السينما عندما شارك فى «قصر الشوق» مع المخرج حسن الإمام الذى
فوجئ بأن نور على دراية وخبرة بالكاميرات والإضاءة وكان هذا بسبب
الخبرة التى اكتسبها من مشاركته فى القاهرة والناس واهتمامه بكل
تفاصيل العمل والإضاءة والزوايا ولم يكن ممثلاً يدخل يقوم بدوره
أمام الكاميرا فقط كان يُثقف نفسه سواء فنيا أو فى الثقافة العام
وكان هذا أهم ما يميز نور الشريف.. فأنا أعتبره مثقفاً مصرياً
وطنياً يستخدم براعته فى التمثيل كأداة يُعبر بها عن وجهة نظره
السياسية والاجتماعية.
•
كيف كانت ردود الأفعال وقتها حول هذا الشاب وهل
شعُرت أن اختيارك كان فى محله؟
-
حدثت علاقة قوية جدا بين الجمهور وبين المسلسل ككل وبين الجمهور
وبين النجم الجديد فالعمل ضم جيلين فكان من الكبار كريمة مختار
ومحمد توفيق وصلاح قابيل وعزيزة حلمى، ومن جيل الشباب كان نور
الشريف وأشرف عبدالغفور ونادية رشاد وفاطمة مظهر، فتعلق المتفرجون
بالجيل الجديد وحدث بينهم وبين نور الشريق قبول وانجذاب وعلاقة
جماهيرية غير مسبوقة ومن أوائل الحلقات كان نور الشريف نجماً فى
الشارع المصرى.
•
فى حوار لى معه ضرب الفنان نور الشريف بمسلسل
القاهرة والناس كنموذج للعمل الدرامى المثالى الذى يبث قيماً
وأخلاقاً مجتمعية وأنه كان حجر أساس بالدراما الاجتماعية، وأكد
ضرورة تقديم أعمال درامية مشابهة بعيدا عن مشاعر الفوضى
والسوداوية؟
-
فعلا فكان هذا العمل نقلة فى تاريخ الدراما وجمع الأسر المصرية
أمام الشاشات وخلق جيلا جديدا من النجوم وأتمنى أن تتم إعادة عرضه
فى مصر رغم أنه موجود بكل حلقاته فى الدول العربية مثل السعودية
والكويت، فهذا العمل إذا تمت إعادة إذاعته مرة أخرى ستكون رسالة
اجتماعية مهمة.•
####
نور الشريف بهجة اللقاء الأول وصدمة اللقاء الأخير
كتب : ماجد رشدى
أعرف الفنان الكبير نور الشريف منذ سنوات.. كثيرا
ما التقينا وفى أماكن متنوعة لكننى لا أنسى لقاءين بينهما أكثر من
20 سنة.. اللقاء الأول الذى كان فى مكتبه القديم بشارع الجمهورية
فى وسط البلد.. واللقاء الأخير الذى كان صدفة منذ أيام قليلة فى
مول أركان بالشيخ زايد وشتان بين اللقاءين.
اللقاء الأول كان مبهجا ليس فقط لأنه كان أول تعارف
بيننا وأنا ألتقى نجمًا كبيرًا فى بداية مشوارى الصحفى ولكن لأننى
اكتشفت خلاله أن قضاء الوقت مع هذا الفنان الرائع ينقل إليك طاقة
إيجابية وتفاؤلا وحبا للحياة وخبرات تحمل كلماتها وهو يتكلم عن
الفن والحياة والسياسة.. وقتها كان نور فى قمة نجوميته ونضجه
الفنى.. استمعت إليه فأدركت أننى أمام فنان مثقف بمعنى الكلمة مولع
بعمله وبالقراءة والمعرفة.. فنان بدرجة محارب يصر على الاستمرار فى
الإنتاج رغم ظروف السينما الصعبة.. وقتها كانت الكلمات تخرج منه
إلى الورق مباشرة لا تحتاج إلى صياغة أو تنميق.. كانت كل كلمة تعرف
طريقها إلى الورق.. لم يكن لديه ككثيرين كلام بلا معنى.. وجدت نفسى
أمام فنان رائع ولهذا تمسكت بأن تستمر علاقتى به وبالفعل بعدها
التقيت به كثيرا سواء فى مكتبه أو بيته.
وفى كل لقاء لى معه كنت أكتشف جديدا فى هذا النجم
الكبير الذى سمح لى بالاقتراب منه ولم يتردد فى أن يلتقى بى كلما
طلبت.. لم أكن أعتبر نور الشريف وقتها فنانًا أجرى معه حوارات بين
الحين والآخر كنت أراه دائما أستاذا يمكن أن تتعلم من كلماته
الكثير.
عرفت عنه حبه الشديد للقراءة ثقافة تبهرك وتغير
انطباعك عن الوسط الفنى بأنه وسط لا يقرأ، جوائزه التى كنت أراها
تملأ جدران بيته ومكتبه يستحقها وتستحقه وتشهد على عطاء ونضج وذكاء
وجهد، أفلامه لا تمل من مشاهدتها أبدا.
ورغم كل هذا النجاح ورغم أنه كان مطلوبا دائما من
شركات الإنتاج كان نور مشغولا بالسينما وأحوالها وكان يحارب من أجل
أن يستمر فى تقديم السينما التى يريدها وكان يعترف أنه أحيانا يضطر
إلى تقديم فيلم لا يعجبه حتى يقدم فى المقابل فيلمًا يعجبه.. هى
معادلة كان يدركها ويضطر إليها.
نور نوعية من الفنانين لا تتكرر بسهولة يقدم
الرومانسية فيتصدر فيلم مثل «حبيبى دائما» إيرادات السينما وقتها.
يتألق فى الأكشن فيصبح فيلمه «ضربة شمس» واحدا من أهم أفلام الأكشن
فى ذلك الوقت.. حتى وهو يقدم الكوميديا تجد خفة دم قادرة على
إضحاكك من القلب.. وعندما يقرر الغوص فى الحياة الاجتماعية فأنت
أمام «العار» واحد من الأفلام التى لا تنسى.
مشوار نور الشريف يحتاج صفحات وصفحات للكلام عنه
ونور الإنسان أيضا يحتاج صفحات مثلها.. نور الإنسان كان رجلا شديد
الالتزام بكلمته.. محبا لابنتيه إلى أقصى درجة.. كان يريد دائما أن
يؤمن مستقبلهما.. كان يفكر فيهما دائما ويخشى عليهما كثيرا.. نور
الإنسان الذى حارب المرض اللعين فى أيامه الأخيرة ذلك المرض الذى
لا يرحم.. ولا يعرف أنه يهاجم رجلا موهوبًا لا يتكرر.. فى وقت كان
يحلم نور بالاستمرار ومواصلة العطاء.
كثيرا ما التقينا لكن يظل عالقا بذهنى لقاؤنا الأول
المبهج أما لقاؤنا الأخير الذى كان صدفة فقد كان فى مول أركان
بالشيخ زايد ذلك الصباح الذى التقيته فيه وهو يحمل بعض الأشعة
ويصعد بها إلى أحد المراكز الطبية وقتها سألته عن صحته فطمأننى
بكلمات قليلة لكنه بالنسبة لى كان لقاء صادما لم يكن هذا هو نور
الذى أعرفه مقبلا على الحياة محبا لها، كان المرض قد سحب الكثير من
رصيد البهجة لديه وكأنه كان يشعر باقتراب النهاية, نهاية الجسد لكن
يا أستاذ وإن نال منك المرض ورحلت فإنه لا يوجد شىء يستطيع أن ينال
مما تركته من عطاء فنى سيزداد بريقه كلما مر عليه الزمن.
•
####
نور.. موهبة عظيمة تداركت أخطاءها الفنية سريعا!
كتب : جورج أنسي
واحدة من المحطات الرئيسة فى حياة الفنان الكبير
«نور الشريف»، كانت فى أوائل الثمانينيات من القرن الماضى -
وتحديداً عام 1982- عندما وقع عليه اختيار المخرج العالمى الراحل
«يوسف شاهين» لبطولة فيلم (حدوتة مصرية)، وهو العمل الثانى فى
سلسلة أعمال السيرة الذاتية لشاهين التى بدأت بفيلم (إسكندرية ليه)
ثم (حدوتة مصرية) فـ(إسكندرية كمان وكمان) وأخيراً فيلم (إسكندرية
- نيويورك).
جسد «نور الشريف» مرحلة عمرية مهمة من حياة شاهين
ولعب دور (يحيى شكرى مراد)، إلا أنه وضع لمساته الفنية على هذا
الدور.
ورغم أن الفيلم لم يحظ باحتفاء الجماهير ولم يحقق
النتيجة المرجوة فى شباك التذاكر، فإن النقاد احتفوا به احتفاء
شديداً، باعتبار أن «شاهين» قام بنقد نفسه ذاتياً لأول مرة فى
تاريخ السينما المصرية، فى الوقت الذى تفوق فيه «نور الشريف» على
نفسه فنيا.
وباعتبارى أحد المتابعين والمهتمين بسينما شاهين
بكل تفاصيلها، فقد أتيحت لى أكثر من فرصة لحضور الكثير من اللقاءات
والندوات والمؤتمرات الصحفية التى أقيمت على هامش أسابيع سينمائية
قدمتها المراكز الثقافية وبعض الكليات الجامعية لمناقشة أعمال
شاهين والاحتفاء بها، وكان من بينها - بطبيعة الحال - فيلم (حدوتة
مصرية) باعتباره من الأعمال التى أثارت كثيراً من اللغط، ربما أكثر
من فيلمه الأول (إسكندرية ليه) بسبب تعرية المخرج لأسرار عائلية
وإجراء محاكمة لهم بالتوازى مع ظروف المجتمع فى ذلك الوقت، إضافة
إلى الخلاف الذى نشب بين شاهين والكاتب الكبير «يوسف إدريس» الذى
تنصل من العمل ولم تعجبه معالجة شاهين السينمائية للقصة، وبالتالى
حظى هذا الفيلم وأبطاله - دائماً - بالتركيز والاهتمام، ومن بينها
اختيار شاهين لـ«نور الشريف» تحديداً للقيام بتجسيد شخصيته على
الشاشة - بعد «محسن محيى الدين» - فى مرحلة شديدة الحساسية من
مسيرته الفنية، وربما يكون اختياره لنور نابعاً من رؤية خبير قادر
على تطويع إمكانيات أى فنان لصالح العمل وهو ما راهن عليه شاهين
بعد متابعته لـ «نور» فى أعمال جادة مثل (الكرنك) لتلميذه على
بدرخان فى منتصف السبعينيات، وأذكر أن «شاهين» تحدث مراراً
وتكراراً عن سبب اختياره لنور لبطولة (حدوتة مصرية) منها أنه أكد
أن أختياره له كان نابعاً من إيمانه بقدراته الفنية وتجسيده
لشخصيات متنوعة فى أعمال مختلفة، كما أنه كان يبحث عن شخص يشبهه
إلى حد ما من ناحية الشكل لإقناع المشاهد، وهو ما لاحظه الناس من
نجاح «نور الشريف» فى أداء بعض الحركات الشاهينية المشهورة خلال
الفيلم.
شاهين لم يتخل عن صراحته المعهودة فى أحد اللقاءات
وقالها لجمهور الحاضرين: «نور الشريف» ممثل ممتاز ولهذا السبب
اخترته لأداء شخصيتى، وأعترف أنه لفت نظرى فى بداية مشواره الفنى
فى أدوار مهمة جادة، إلا أنه أهدر موهبته بقبوله أدواراً هابطة
المستوى، ثم تدارك ذلك ليصبح واحداً من أعظم الفنانين فى
الثمانينيات والتسعينيات والذى يسعد أى مخرج بالعمل معه.
أما نور فقد قبل التحدى ليدخل مرحلة وتجربة جديدة
فى حياته الفنية واضعاً نصب عينيه أنه يتعامل مع مخرج وممثل - فى
آن واحد- وبالتالى التجربة ستكون مثيرة وثرية جداً وربما مرهقة
للغاية، ومن المؤكد أن نور كان يحلم طوال مشواره بالجمع بين
الموهبتين - مثل «شاهين» - وهو ما تحقق فيما بعد من خلال فيلم
(العاشقان).
نجح «نور الشريف» فى كسب ثقة شاهين وإقناعه بموهبته
الفذة، وكانت الجلسات الطويلة التى جمعت بينهما أثناء التحضير
لحدوتة مصرية وأيضاً خلال التصوير سبباً فى تقاربهما فكرياً بعد أن
لعب المكياج دوره فى تقريب الشبه بينهما مع إبداع «نور الشريف» فى
تحريك النظارة كما يفعل «شاهين»
.
بعد 15 عاماً وتحديداً عام 1997، كان اللقاء الثانى
بين شاهين ونور من خلال فيلم (المصير) الذى جسد خلاله دور الفيلسوف
الأندلسى ابن رشد ومواجهته لتوغل قوى الرجعية والمتشددين الدينيين
فى بلاط الحاكم، ليتفوق «نور» على نفسه فى هذا الدور ويكون الفيلم
رسالة للعالم ضد الإرهاب والتخلف.
وأخيراً كان اللقاء - بين الاثنين- فى الفيلم
القصير (11 سبتمبر) والذى أنتج عام 2002 تذكاراً لمرور عام على
أحداث 11 سبتمبر والهجوم على برجى التجارة فى نيويورك، وكان الفيلم
معروفاً أيضًا باسم «11 دقيقة، 9 ثوانى .. صورة واحدة» وكان جزءًا
من مشروع بدأه منتج فرنسى، وضم 11 مخرجًا من مختلف أنحاء العالم،
حيث أعطى لكل مخرج ما يزيد قليلاً على 11 دقيقة لتقديم رؤية
سينمائية حول ما حدث فى نيويورك وواشنطن فى سبتمبر 2001، وقد كانت
مساهمة شاهين من أكثر الأعمال القصيرة الـ 11 إثارة للخلاف، حيث
اتهمه العديد من النقاد فى الغرب بأنه يقدم تحليلاً مغايراً
للأحداث، وبطبيعة الحال كان لوجود نور الشريف فى هذا العمل دور
كبير فى توصيل فكر شاهين للغرب بحرفيته العالية فى الأداء.
•
####
ورحل الزمـار
كتب : مي منصور
دورى يارحايا
وتحت توب الأحزان دورى مع الدايرين
ولمِّى فـ الغَربا
والخلان
والشعور البِكر
والمطوية
والشومة
والكرباج
والعُكاز
ودورى يا رحايا
عبد الرحيم منصور
فيلم الزمار
منذ أيام غيب عنا الموت الممثل الجميل نور الشريف
بعد صراع مع المرض.
أعلم جيداً أن الموت هو الحقيقة الوحيدة فى حياتنا
ولكنى أكرهه كما أكره القضبان والظلام بالضبط، حتى وإن كان حقيقة،
فدائماً يباغتنا بسرقة أحبابنا من أمام أعيننا وبالنهاية نقف أمامه
مكتوفى الأيدى ليصبح هو سيد الموقف ولا صوت يعلو عليه...نعم إنه
القدر الذى لا مفر منه، وكل منا له يوم معلوم ومحفوظ عند الله
وعلينا أن نسلم به وله.
رحل الفنان نور الشريف بعد رحلة طويلة مع الفن، فقد
قدم العديد من المسلسلات والأفلام والمسرحيات، كما حصل على العديد
من الجوائز.
عمل نور الشريف مع عبد الرحيم منصور فى فيلم الزمار
الذى يعد واحداً من أهم أعمال نور الشريف على الإطلاق، حيث كتب
«منصور» أشعار الفيلم، كما شارك فى السيناريو والحوار مع
السيناريست رفيق الصبان، وإخراج عاطف الطيب.
يقدم لنا فيلم (الزمار) جزءاً من حياة الزمار حسن
(نور الشريف)، ذلك الشاب المطارد والمتنقل من قرية إلى قرية من قرى
الصعيد، بحثاً عن الأمان والاستقرار، ولا تتبين لنا مشكلة حسن، إلا
عندما يستقر به المقام فى قرية «العرابة» بائعاً فى بقالة. إنه من
الشباب الطموح المغضوب عليهم من قبل السلطة. كان يوماً طالباً فى
الجامعة، غاضباً على أوضاع بلا منطق، وكان يريد أن يفتح الأبواب
للشمس والحقيقة. كون بكلية الهندسة فريقاً للتمثيل واختار له منذ
البداية مسرحية مشحونة بالإدانة والتعرية للزيف والزائفين، لكن
السلطة لم يعجبها هذا العرض المسرحى فأوقفته، وانتهى الأمر بحسن
معتقلاً ثم مطارداً من غير جريمة.. جريمته الوحيدة هى أنه لا يخفى
فى داخله ألم الناس ومشاكلهم، لا يستطيع السكوت على هول ما يراه.
فهو ينتقل من قرية إلى قرية، ليس بحثاً عن حقيقة أو عن زمن آخر،
إنما بحثاً عن الإنسان. وهو أيضاً من الواثقين منشدى الحكمة،
الحياة عنده مواجهة وهجوم على الخنوع والاستسلام، هجوم على كل
أنواع الفساد فى كل مكان.
إذن، نحن هنا، أمام بطل إيجابى ثائر ورومانسى
متطهر. فالقرية الظالمة تحاول أن تحد من انطلاقته نحو الحقيقة،
ولكنه رغم كل الإغراءات يقف وحيداً مقاوماً ولا يسمع لصوت الشر،
زاهداً من أجل الحقيقة، لابساً كفنه بانتظار الشهادة، ولذلك تنتهى
به أحداث الفيلم مذبوحاً، وتكون نهاية «حسن» تجسيداً لمقولة «هذا
هو قدر من يتصدى للفساد فى كل مكان».
إن (الزمار) كفيلم ، يقدم موقفاً فكرياً ثائراً،
أكثر من تقديمه لحكاية، فالسيناريو يبنى أغلب أحداثه على الحالة
الاقتصادية والسياسية لمجتمع القرية بكل فئاته.. المأمور، العمدة،
نائب المنطقة، أصحاب السلطة والرموز المضادة لها من الفلاحين
والعمال الباحثين عن لقمة العيش. فمشروع المياه يخضعهم تحت شروط
قاسية ومجحفة يمليها عليهم القائمون على هذا المشروع، الذين
يتبادلون المصالح والمنفعة الشخصية على حساب المشروع ومواصفاته
وتكاليفه.
هذا إضافة إلى أن السيناريو قد تطرق إلى تفرعات
جانبية أخرى، هدفها تسليط الضوء على حالة عامة تجسدت فى مفاهيم
الناس والعلاقات المهمة والبنية الاجتماعية والمعيشية لمجتمع
الصعيد، وهى نفس الحالة المزرية التى يرفضها بطل الفيلم (الثائر
الرومانسي)، حيث نراه يحاول، من خلال علاقاته المباشرة بأهالى
القرية، توعيتهم وبث روح الحب فيهم وحثهم على الرفض والثورة.
وبالنهاية رحل الزمار لتبقى أعماله وفنه خالداً أبد
الدهر، وداعاً عبد الرحيم منصور، ونور الشريف، وعاطف الطيب، ورفيق
الصبان.•
####
نور الشريف المعجون بكل شخوص الدنيا
كتب : مني عشماوي
أفلام قليلة تلك التى ندم العبقرى نور الشريف على
أنه اشترك فى تمثيلها وأفلام أخرى لم يندم على تقديمها رغم أنه وقع
فى مشاكل ومحن بسببها، لأنه ببساطة ممثل يفكر، ومن ثم يمثل.. لكل
عمل قدمه مغزى ولكل حدوتة قضية!
نور الشريف المشخصاتى كان مؤمنًا بأن النجم الحقيقى
لا يفرح من أجل لقب أطلقه الشعب عليه بل النجم الحقيقى هو الذى يظل
متربعًا داخل قلوب الملايين من العرب والألقاب هى تحجيم لقدرات
الفنان وإبداعه لأن نور كان نورًا مشتعلاً بكل شخصيات الدنيا هو
وحده الذى تصدقه فى كل ما يمثله على الشاشة الصغيرة أو الشاشة
الفضية وهو وحده الذى كان يجعلنا نفكر ماذا بعد يا هارون رشيد
عصرك، أيها الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز، يا مفكر انقلبت
الدنيا عليه فى رائعتك المصير، يا ثورى متمرد فى تقديمك لشخصية
ناجى العلى.. على عكس الكثير من الفنانين والنجوم الذين يخفون
انتماءاتهم السياسية خوفًا من غضب حزب أو غضب حاكم أو غضب بعض دون
آخر، كان يظهر نور الشريف انتماءه الناصرى فى كل فرصة سانحة دون
تردد، فلا عجب فهو ابن السيدة زينب الذى تربى وتعلم فى عهد الزعيم
«جمال عبدالناصر»، ويؤمن أنه لولا «عبدالناصر» لما وصل الملايين من
جيله إلى التعليم العالى وكان يؤمن أيضًا أن عبدالناصر زعيم عربى
وصل إلى قلوب الملايين من الشعوب العربية بصدقه وولائه الشديد
لعروبته، وبالتأكيد إذا سألت أى عربى سيقول لك إنها نفس صفات نور
الشريف تجاه قضايانا العربية ورغم أنه قدم أفلامًا مثل «الكرنك»،
التى كانت تصف التعذيب والاعتقال فى عهد عبدالناصر، فإن هذا لا
يمنع نور الشريف من احترام حقبة ناصر فكان صديقًا مقربًا لأولاده
لذا لا عجب أن يحضر عبدالحكيم عبدالناصر جنازته جالسًا جنبًا إلى
جنب مع كبار النجوم من جيل نور الشريف..
كان أمام نور الشريف الكثير من الرغبات والكثير من
الأعمال المكتوبة بل البعض منها كان انتهى منها مثل «بتوقيت
القاهرة» فى السينما و«أولاد منصور فى الدراما» إلا أن الشخصيات
التى كان يتمنى أن يقدمها هى شخصية الحسين بن على بن أبى طالب،
وشخصية القائد «نور الدين محمود زنكي» بل إنه كان يرغب بشدة فى
تقديم شخصية حسنى مبارك بكل ما فيها من متناقضات وبكل ما هو مختلف
عليه فى شخصية مبارك..
لم يمهل القدر نور الشريف ليمتعنا أكثر واليوم
اختفى نجم من أركان مربع النجوم التليفزيونية فى الدراما ورغم أنه
كان منافسًا شرسًا لعادل إمام ويحيى الفخرانى ومحمود عبدالعزيز،
فإنهم جميعًا كانوا حاضرين فى جنازته وعلى وجوههم الحزن والألم
لفقدان أخ وزميل ومنافس، كانت لا تحلو المنافسة إلا به ومعه كأنها
مباراة يتبارى فيها الكبار لإمتاعنا.. نور الشريف فى أيامه الأخيرة
كان متقبلاً لفكرة موته بين لحظة وأخرى ربما لأنه كان يعرف أن
الأجل أوشك على النهاية وربما لأن المتفزلكين كثيرًا ما رددوا خبر
وفاته على حياة عينه ولكن لابد من نهاية ليقرر القدر إخراج المشهد
الأخير فى حياة المشاغب الثائر المتمرد المعجون بكل شخوص الدنيا.
•
####
إطلاق اسم نور الشريف على مسابقة الفيلم العربى
بمهرجان الإسكندرية
كتب : ماجى حامد
قرر الأمير أباظة رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائى
لدول البحر المتوسط بالاتفاق مع مسعد فودة نقيب السينمائيين إطلاق
اسم الفنان الكبير الراحل نور الشريف على مسابقة الفيلم العربى
التى ينظمها المهرجان والنقابة لأول مرة فى الدورة الحادية
والثلاثين للمهرجان التى تقام خلال الفترة من 2 : 8 سبتمبر المقبل،
كما قرر إطلاق اسمه على جائزة أحسن ممثل فى المسابقة التى يرأس
لجنة تحكيمها المخرج الكبير عمر عبدالعزيز، على الصعيد الآخر اتفق
كل من الأمير أباظة والمخرج أمير رمسيس على عرض آخر أعمال النجم
الكبير نور الشريف السينمائية، وفيلم «بتوقيت القاهرة» وذلك من
خلال عرض خاص تتضمنه فعاليات المهرجان، على أن تعقبه ندوة تكريم
للفنان الكبير نور الشريف يشارك فيها نخبة كبيرة من السينمائيين
المشاركين بالمهرجان.
•
####
حبيبنا دائما
كتب : مني فوزي
ويظل
خبر رحيل الفنان الكبير «نور الشريف» هو الخبر الأبرز الأسبوع
الماضى..
فقد
رحل عنا بعد أن قال كلمته .. قالها فى هدوء ورحل إلى عالم أكثر
راحة وطمأنينة.
الفنان
نور الشريف حالة منفردة خاصة جدا.. لا أستطيع أن أذكر مثيلاً له..
فإنه الوحيد من بين الفنانين الذى حرص دائما على أن يغذى روحه
وعقله وقلبه بالقراءة والاطلاع فى شغف ونهم شديدين.
فقد تباينت التصريحات ما بين أنه رحل عن عمر ناهز
الأربعة والسبعين عاما وآخرون قالوا عن تسعة وستين عاما، وحقيقة
الأمر أنه لا يزال شابا وقد تخرج فى المعهد العالى للفنون المسرحية
لديه نفس الرغبة ونفس الطموح ونفس درجة التألق..
ظل حتى آخر يوم من عمره يبحث عن الدور الجيد
المناسب .. يجلس فى صمت تام ويستذكر أدواره.
كان فناننا الراحل نموذجا للفنان الفيلسوف وهذا
قلما تكرر.. تستمتع وبشدة وأنت تستمع إليه يتحدث كأنه يعيد ترتيب
أفكارك وتوجيه مشاعرك..
كذلك فكم تمنيت أن أستطيع أن أبكى عليه الآن بعدما
جفت دموعى وأصبح البكاء صعبًا على، فأصبحت مثل قطعة الطوب لا أبكى
بشدة ولا أضحك بشدة، حالة رومانسية أعانى منها.. وهذا عكس ما كانت
عليه، فقد كانت صديقتى نجلاء بدير تشبهنى بـ«الحنفية» عندما أنفتح
فى البكاء.. إلا أننى بسبب أدوية الأعصاب التى أعيش عليها، فقد
أصبح البكاء لدى من عاشر المستحيلات.
كم تمنيت يوم الثلاثاء الماضى يوم أتانى خبر رحيل
نور الشريف أن أبكيه وأعطيه حقه مثلما بكيت على «عاطف الطيب» وكان
هو أى نور يراقبنى من بعيد ويتساءل الجميع: ما كل هذه الدموع..
ومن أين أتت بها؟
عزائى الوحيد أن نور رحل بعد رحلة مع الفن والحياة
استطاع أن يقول كلمته ويظهر مواقفه من الحياة والوطن والحب.. ليظل
نور حبيبنا دائما..
•
آخر حركة
سيظل 11 أغسطس تاريخًا محفورًا فى أذهاننا وسيؤرخ
رحيل نور الشريف إلى ما قبله وما بعده.. فقد استطاع أن يقسم حياتنا
إلى مرحلتين.• |
