كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 
 
 

السياسى والثقافى فى مهرجان القاهرة!

طارق الشناوي

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

   
 
 
 
 

عندما قرأتُ قرار وزير الأوقاف المصرى باستبعاد دولتَى تركيا وقطر من المشاركة قى المسابقة العالمية للقرآن بسبب موقفهما السياسى ضد مصر تذكرت موقفا عكسيا لمهرجان القاهرة عندما أعلن رئيس المهرجان الناقد الكبير سمير فريد أنه سوف يعرض الفيلم التسجيلى الإماراتى «أحمر أصفر أزرق» للمخرجة نجوم الغانم والذى يرصد حياة الفنانة التشكيلية الإماراتية نجاة مكى، فى المسابقة الرسمية للمهرجان بل وفى الافتتاح نظرا إلى موقف الإمارات المؤيد والداعم لمصر بعد ثورة 30 يونيو.

فى الحالتين هناك خلط ما بين السياسى والدينى والثقافى وهو ما يشكل خطورة شديدة. أتذكّر فى أعقاب ثورة 30 يونيو ومع زيادة مساحة الانتقاد لسياسة أردوغان حرص فضيلة الشيخ الإمام الأكبر إحمد الطيب على الاجتماع بالطلبة الأتراك الذين يدرسون فى الأزهر الشريف وطمأنهم على أنهم فى بلدهم الثانى لن يمسهم أحد بسوء. شىء مغاير حدث عندما رفعت الفضائيات المصرية الخاصة شعار «لا للدراما التركية» ردًّا أيضا على أردوغان ثم بعد ذلك أدركت أنها تعاقب مشاهديها فتراجعت عن القرار.

هذا هو الموقف الذى يجب أن نتبناه وفى جميع الأنشطة، وهو أن لا نخلط الأمور. الحقيقة أن مهرجان القاهرة بات فى مأزق بعد تصريح رئيس المهرجان، وهو ما دفع المتحدث الرسمى الكاتب الكبير خالد السرجانى إلى أن يسارع مؤكدا أن الفيلم الإماراتى سيعرض فى المسابقة لأسباب فنية ونفى عرضه فى الافتتاح. لقد وضع رئيس المهرجان بحُسن نية الجميعَ فى مأزق، فهو سرق الفرحة من مخرجة الفيلم الإماراتى عندما اعتبر أن الاختيار سياسى وبدد طاقة إدارة المهرجان فى محاولة لكى تنفى خبرا موثقا نشرته أكثر من جريدة.

المؤكد أن رئيس المهرجان انفعل أكثر مما ينبغى وهو بحكم خبرته العريضة فى المهرجانات يُدرك الخط الفاصل بين الثقافى والسياسى حتى ولو كانت بدايات المهرجانات الكبرى فى العالم مغموسة فى السياسة، وجاءت نقطة الانطلاق مثلا بدعم من موسولينى الفاشستى عام 32 بمهرجان «البندقية» فينسيا، وكان ينبغى أن ترد فرنسا التى تمثل واحدة من دول الحلفاء بإقامة مهرجان «كان» الذى أدت الحرب العالمية الثانية إلى تأخر انطلاقه حتى عام 1946، ورغم ذلك فلقد تحررت المهرجانات مع الزمن من تلك القيود السياسية، وبالمناسبة أنا شاهدت الفيلم الإماراتى فى مسابقة مهرجان دبى العام الماضى وهو فيلم تسجيلى جيد ويستحق المشاركة لأسباب فنية بحتة، إلا أنه وفى حدود علمى لا يجوز أن يشارك طبقا للائحة مهرجان القاهرة هذه الدورة رسميا لأنه شارك رسميا فى مهرجان آخر إلا إذا كانوا قد غيروا اللائحة. أقدّر بالطبع أن رئيس المهرجان يريد توصيل رسالة سياسية إلى الجميع هنا وهناك ولكنه فى الحقيقة أخطأ فى التوقيت، فهو بقدر ما يجرح السينما الإماراتية يجرح أيضا مهرجان القاهرة.

مثلا مهرجان «كان» فى عام 2011 شهر مايو حيث الموعد الدائم للمهرجان عندما قرر دعم ثورات الربيع العربى أقام احتفالية على الهامش للسينما المصرية والتونسية وعرض فيلمَى «18 يوم» المصرى و«لا خوف بعد اليوم» التونسى فى احتفال خاص، كما أن تظاهرة هامشية أخرى وهى سينما «البلاج» عرضت فيلم «صرخة نملة» ولم يَقُل أحد إن المهرجان قرر مجاملة الثورة فى البلدين. فى 2012 بمهرجان «كان» عُرض فيلم «بعد الموقعة» ليسرى نصر الله، والمقصود موقعة الجمل، ولم يقل أحد إن الفيلم تم اختياره لأسباب سياسية، رغم أن مصر غابت 16 عاما عن المسابقة الرسمية لـ«كان» بعد فيلم «المصير» ليوسف شاهين، فلا أحد من الممكن أن يهين مهرجانا ويهين فنانا سينمائيا عندما يعلن أن الاختيار الرسمى يحمل موقفا سياسيا.

الأمر فى الحقيقة يحتاج إلى مراجعة وتدقيق خصوصا أن المهرجان ولا شك يحمل هذه الدورة طموحا كبيرا، وشاركت أطراف أخرى فى المهرجان مثل نقابة السينمائيين وجمعية النقاد ومعهد السينما.

عندما طلب منى رئيس المهرجان المشاركة فى لجان الاختيار والسفر على حساب مهرجان القاهرة إلى «كان» أرسلت إليه خطابا يتضمن الشكر والاعتذار أيضا، ولا يعنى هذا أنه ليس من حق الزملاء الأعزاء المشاركة فى إدارة المهرجان فهو عمل مشروع ولكن من حق البعض أيضا أن يُطلّ على المهرجان من زاوية مغايرة.

التحرير المصرية في

31.03.2014

 
 

الكراهية أيضاً عمياء!

بقلم   سمير فريد

يقولون الحب أعمى، ولكن الحقيقة أن الكراهية أيضاً عمياء، ولكنها لا تبرر كراهية من يكرهك، وقد قال المسيح، عليه السلام، «وما الفضل لك إذا أحببت من يحبك».

مهرجان القاهرة السينمائى الدولى قضية عامة مثل أى مؤسسة تنفق عليها الدولة من أموال دافعى الضرائب، وقد توليت رئاسته فى ٦ أغسطس ٢٠١٣، ومثل أى مؤسسة حقيقية هناك متحدث رسمى واحد باسم المهرجان، وهو الزميل الكبير خالد السرجانى، وهذا المقال ليس عن المهرجان ولا باسم المهرجان، وإنما عن الجانب السلبى فى استخدام الإنترنت لإرسال الرسائل الإلكترونية.

من المعروف أن الحرية تُحَمل من يمارسها مسؤولية كبيرة، وحرية الرسائل الإلكترونية كاملة، أى أنك تستطيع إصدار بيان بأن نجيب محفوظ مثلاً من كتاب السنغال، وكتاباته بلغة الولوف السنغالية، وقد تعرضت لحملة طوال مارس الماضى فى ٤ بيانات صدرت تحت عنوان «سينمائيين من أجل مصر» الصحيح سينمائيون»، ولكن ليست هذه هى المشكلة، وإنما المشكلة أنها بيانات من دون توقيع تطالب باستبعادى من رئاسة مهرجان القاهرة، وأعلنت هذه «الحركة» أنها سوف تعلن فى مؤتمر صحفى «أسماء مؤسسها وأعضائها» قبل نهاية مارس، وانتهى شهر مارس من دون أن تحقق وعدها.

لم يهتم أحد بنشر أى من هذه البيانات، ماعدا جريدة «الوطن»، ولم يهتم المتحدث باسم المهرجان بالرد عليها، وذلك لسبب واحد، وهو أنها من دون توقيع أو توقيعات، أى سبب مهنى خالص، فلا توجد مشكلة فى أن يطالب أحد باستبعادى من رئاسة المهرجان، ولكن عليه أن يذكر السبب أو الأسباب، وأن يكشف عن اسمه، وأن تكون معلوماته صحيحة، فالحرية تعنى حرية الرأى، وليس حرية نشر معلومات خاطئة على طريقة أن محفوظ كاتب سنغالى وليس كاتباً مصرياً.

ليست حرية القول بأننى توليت رئاسة المهرجان منذ عام ونصف العام، والصحيح ثمانية شهور حتى الآن، وليست حرية القول بأننى أهدرت ١٢ مليون جنيه قيمة دعم وزارة المالية، بينما هناك ١٠ ملايين منها لم توضع فى حسابات المهرجان حتى الآن، وليست حرية السؤال فى مارس عن أفلام وضيوف مهرجان يعقد فى نوفمبر، وليست حرية القول بأن مكافآت بعض العاملين فى وزارة الثقافة رشوة لهم، بينما الوزارة هى التى تنظم المهرجان من الألف إلى الياء، وتم تكليف عدد من موظفيها للعمل فى المهرجان وفق الإجراءات القانونية المتبعة، وليست حرية عدم اعتبار نشر الميزانيات والأجور والمكافآت بما فى ذلك أجر رئيس المهرجان «شفافية» مطلقة، ليس لها مثيل من قبل، وإنما اعتبارها تستراً على الفساد، وضع ما تشاء من علامات التعجب، فالإدارة الحالية تعمل من أجل إقامة مهرجان ناجح، ومَنْ ير فساداً فى الماضى أو الحاضر عليه أن يبلغ النيابة العامة للتحقيق، ولكنه عمى الكراهية.

المصري اليوم في

06.04.2014

 
 

لا شىء خارج السياسة

بقلم   سمير فريد

أى مهرجان أو مؤتمر «دولى» لفن من الفنون أو لعلم من العلوم لا يقام بمعزل عن الوضع السياسى للبلد الذى يقام فيه، ولا شىء خارج السياسة عموماً إلا فى العالم الافتراضى، أى خارج الواقع.

وقد علق الكاتب والمفكر الكبير الدكتور عمرو الشوبكى فى عموده اليومى «معاً» فى «المصرى اليوم» عدد ٣٠ مارس، على قرار وزير الأوقاف باستبعاد دولتى تركيا وقطر من المشاركة فى المسابقة العالمية للقرآن الكريم، وذلك نظراً لموقفهما السياسى من مصر، واعترض على هذا القرار واعتبره خاطئاً.

أعتقد أن الدكتور الشوبكى يتفق معى ومع غيرنا من المهتمين بالشأن العام فى اعتبار وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة من أعظم من تولوا هذه الوزارة لأنه كما كان يقول العرب القدامى لا يخشى فى الحق لومة لائم، ولكنى أتفق على أن قراره باستبعاد قطر وتركيا من مسابقة القرآن الكريم كان خاطئاً لأن العلاقات بين الشعوب لا يجب أن تتأثر بالسلب بالخلافات السياسية بين الحكومات، بل يجب أن تزداد تقوية العلاقات بين الشعوب عند خلافات الحكومات، تماماً كما يجب أن يرتفع صوت أنصار السلام فى وقت الحرب، وليس فى وقت السلام.

وقد ناقش مجلس إدارة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الذى يعقد دورته الـ٣٦ من ٨ إلى ١٩ نوفمبر القادم هذه القضية منذ عدة أسابيع عندما وصلت إلى إدارة المهرجان رسالة شفاهية عبر وسيط من المؤسسة العامة للسينما فى سوريا عن مدى استعداد المهرجان لمشاركة أفلام المؤسسة فى الدورة القادمة للمهرجان، وكانت إدارة الدورة الـ٣٥ التى عقدت عام ٢٠١٢ قد استبعدت الفيلم السورى «العاشق» إخراج عبداللطيف عبدالحميد ومن إنتاج المؤسسة بسبب الخلاف بين الحكومة المصرية والحكومة السورية.

وبعد مناقشات لم تستغرق طويلاً انتهى المجلس إلى أن المعيار الوحيد لاختيار الأفلام هو المستوى الفنى، وليس الموقف السياسى لحكومة أى دولة، أو الموقف السياسى لمخرج أى فيلم، وذلك تطبيقاً للبند الثانى من لائحة المهرجان والذى ينص على أن له هدفين: المساهمة فى تطوير فنون وعلوم الفيلم «روائى- تسجيلى- تشكيلى» وتشجيع الحوار بين الثقافات وهذا يعنى أنه لا الاستبعاد ولا القبول يرتبطا بمواقف الحكومات من الحكومة المصرية الحالية، أو القادمة عند انعقاد المهرجان.

المصري اليوم في

07.04.2014

 
 

مهرجان القاهرة السينمائي في قبضة الشرطة!

بيان من أسامة عبد الفتاح حول حقيقة ما حدث في المهرجان تحت رئاسة أمير العمري

لم أكن أود أن أروي تجربتي المريرة مع وزارة ثقافة محمد صابر عرب، وتحديدا في أواخر عهد الناقد أمير العمري، الرئيس السابق لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أولا لأنني أكبر من الصغائر التي وجدت نفسي مضطرا لذكرها بالتفاصيل، وثانيا لأنني لم أكن أريد أن أسبب أي متاعب لرئيس المهرجان الحالي، الناقد سمير فريد، خاصة أنه ليس له ذنب فيما جرى، بل حاول – بقدر استطاعته – تصحيح الأخطاء الفادحة التي وقع فيها عرب ومساعدوه، وتقليل أثر الفضيحة الأخلاقية والمهنية التي تسببوا فيها.. لكنني قررت أن أقول الحقيقة وأحكي ما حدث بأمانة بعد اطلاعي على "دليل العمل" الذي أصدره فريد، ووزعه على الصحفيين في مؤتمر صحفي قبل أيام، لأن ما يحتوي عليه بشأني وشأن عدد من زملائي، غير صحيح أو على الأقل غير دقيق.

وكان العمري قرر الاستعانة بي في فريق إدارته بعد صدور قرار تعيينه رئيسا للمهرجان، وتوقيعه عقدا ينص على ذلك مع وزير الثقافة السابق علاء عبد العزيز العام الماضي.. وقد وافقت على التعاون معه لأنني أرى أنه أهل للمنصب، وقدّرت أن عمله – وبالتالي عملي – في المهرجان ليست له أي علاقة بوجود عبد العزيز على رأس وزارة الثقافة، لأن العقد يمنحه الاستقلالية والحق في إدارة العمل كما يشاء والاستعانة بمن يريد من كوادر وكفاءات.. والأهم: أنه لا يمكن لعاقل أن يزعم أن العمري – أو أيا ممن استعان بهم من النقاد، وهم رامي عبد الرازق وأحمد شوقي وشخصي الضعيف، ثم عصام زكريا لاحقا – له علاقة بالإخوان أو أي مصلحة معهم، بل أننا جميعا أكبر أعداء للإخوان، ويعرف ذلك القاصي والداني، بدليل أن فريد – بعد تعيينه خلفا للعمري – استعان بكل الأسماء التي اختارها العمري، فيما عداي لأن لي منصبا في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، وقد قال لي ذلك بشكل مباشر، وأكد لي أنه لولا ارتباطي بمهرجان الإسكندرية لتوليت مهمة محددة في مهرجان القاهرة أبلغني بها في حينه، وليس من المناسب الآن ذكرها.

وقد رفضت المزايدات وقتها، خاصة ممن كانوا يتولون المناصب في وزارة الثقافة ويكتبون في إصداراتها – تحت رئاسة نفس الوزير – ويزايدون على شرفاء مهنيين رأوا ان يعملوا في تخصصاتهم ويفعلوا شيئا لصالح المهرجان.. لكن المزايدات – كالعادة – انتصرت، ودفعت "الفاشية الثورية" عرب، خليفة عبد العزيز، دفعا لتصرف غير مسئول وغير مسبوق في تاريخ مهرجان القاهرة السينمائي، حيث أرسل قوة من الشرطة لتحتل مقر المهرجان في 17 شارع قصر النيل وتمنع العاملين فيه من دخوله.

فقد توجهت، صباح آخر أيام يوليو 2013، مع الزميل رامي عبد الرازق، إلى مقر المهرجان لممارسة عملنا – هو كمدير للمسابقة العربية وأنا كمدير للمسابقة الدولية – وفوجئنا ببابه موصد في وجهينا، وبمن يحدثنا من خلف "الشرّاعة" الحديدية قائلا إننا ممنوعان من الدخول وفقا لقائمة مكتوبة على ورقة بيضاء كان ممسكا بها، وتضم معنا الزميلين أمير العمري وأحمد شوقي.. وعندما سألناه عن شخصيته، قال إنه المقدم فلان من قوة حراسة عرب، وعندما قلنا إن ذلك عيب وإن من حقنا الدخول ليس فقط كمسئولين ولكن أيضا كصحفيين، رد بأن هذه هي الأوامر التي لديه وأن علينا التوجه لمكتب الوزير إن كنا نريد مزيدا من الإيضاحات.. وكان كل ذلك يتم تحت مرأى ومسمع من موظفي المقر، الذين هربوا إلى الداخل وتجاهلوا نداءاتنا وكأنهم لا يعرفوننا ولم يكونوا يأتمرون بأوامرنا قبل ساعات من تلك الفضيحة.

حررنا محضرا في قسم قصر النيل من باب تسجيل واقعة غير مسبوقة في التاريخ، وباعثة على الاكتئاب والحزن على حال الثقافة المصرية كما هي باعثة على السخرية، لكننا رفضنا استكمال الإجراءات ورفضنا رفع دعوى قضائية لتمكيننا من أداء عملنا واستكمال عقدنا، أو منحنا قيمة ذلك العقد كاملة عن شهوره الخمسة كما ينص أحد بنوده بشكل واضح (صورة العقد موجودة لمن يريد) بمجرد تولي فريد رئاسة المهرجان، وتم اتخاذ  ذلك الموقف – على الأقل من ناحيتي – احتراما لفريد، ورغبة في تيسير عمله وعدم إثارة أي مشكلات قد تعيقه.

وبعد مقابلة مع فريد تمت بدعوة كريمة منه، وافقت على أن أكتفي بالحصول على أجر الشهر الذي عملته فقط وليس تنفيذ العقد كله.. وبعد اتصال آخر به، وافقت على أن يكون ذلك الأجر أقل من حقي بخمسمائة جنيه، حيث أبلغني بأن المستشار القانوني طلب تخفيض مستحقاتي بهذا المقدار حتى لا يكون سدادها كاملة اعترافا من ثقافة عرب بالعقد!

وبعد كل هذه المرونة، وكل تلك الموافقات، فوجئت بـ"دليل العمل"، الذي أصدره فريد وفريقه، يذكر "أنه تم سداد أجور العاملين عن شهر يوليو 2013"، ثم يذكر أسماءنا رباعية وأمامها الأجور "المخفضة" التي وافقنا على الحصول عليها حبا في المهرجان ورئيسه.. وقد أصابني ذلك بالضيق والإحباط، حيث كان من المفروض أن يذكر الدليل الحقيقة، ويقول إن النقاد الذين عملوا مع العمري تنازلوا عن حقوقهم، ورفضوا التصعيد القانوني ضد عرب ووزارته، ووافقوا على تخفيض أجورهم الرمزية أصلا.. ثم كان من المفترض أن يوجه لنا الشكر باعتبارنا نقادا محترمين أبدوا مرونة وحبا للمهرجان، لا أن ينشر قائمة بأسمائنا الرباعية ويؤكد حصولنا على كافة حقوقنا رغم أن فريد يعلم تماما أن ذلك غير صحيح.

أطالب فريد وإدارته بتعديل "دليل العمل" بما يليق بالتعامل مع "نقاد زملاء" وأصحاب فضل، وليس مع عمال باليومية، وأتمنى لهم في نفس الوقت كل التوفيق.

أسامة عبد الفتاح رزق

أبريل 2014     

عين على السينما في

11.04.2014

 
 

أمير العمري يروي تفاصيل الصراع حول مهرجان القاهرة السينمائي

أمير العمري

بعد أن أعلنت قبولي رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي في يونيو 2013 كنت أعرف جيدا أن ثائرة البعض ستثور لمجرد إسناد المهرجان إلى أنا الذي أقيم معظم الوقت خارج مصر، وأن البعض سوف ينبري بالفعل للتشكيك في القرار والقول بأنني لا أعرف الواقع المصري وأنني بعيد عنه وعن أجوائه لأنني أقيم في الخارج (تماما كما حدث مع الدكتور محمد البرادعي) ويحاولون تصويري وكأنني هبطت بـ"باراشوت" على سقف ذلك المهرجان العجوز، وهو ما حدث بالفعل من جانب بعض الصحفيين الصغار من أرزقية المهرجانات، أي ذلك النوع من الصحفيين المغرمين بالتطفل على موائد الطعام في الفنادق التي يقيم فيها ضيوف المهرجانات في مصر، فهؤلاء لا يشاهدون الأفلام بل يتلصصون على ما يجري حولهم فربما يعثرون على خبر من نوع النميمة أو على أي شيء يمكن استخدامه للاثارة أو التشهير.

وبوجه عام يشعر "المقيمون" بنوع من الضغينة والحقد على الذين يتمتعون بحرية الانتقال بين عواصم الدنيا ومصر، فهم يعتقدون أن من يقيمون بالخارج يعيشون في نعيم، ويرون بالتالي، أن المقيمين (في الشقاء- وهو شقاء من صنع البشر أنفسهم في الحقيقة) أولى بالعمل والمناصب من القادمين من الخارج، حتى لو كان هؤلاء يتمتعون بخبرة قاموا بتحصيلها عبر سنوات من الجهد الشاق والجاد، دفعوا خلالها الثمن مضاعفا: غربة وجهدا مضاعفا للتحصيل والمعرفة. وبدلا من الاحتفاء بمن درسوا وتعلموا في الخارج على نفقتهم الخاصة وليس من خلال بعثات حكومية ممولة من أموال الفقراء، اصبح الاحباط الاجتماعي يجعل الأكثرية ناقمين على هؤلاء الذين يشعرون بتفوقهم عليهم. وهذه بالطبع مأساة بلد ينحدر نحو أعماق التخلف بقوة!

في ذلك الوقت تلقيت رسالة من ناقدة صديقة تقول لي فيها بالحرف:

"ألف مبروك لنا - أولاً - على قبولك أن تكون رئيسا لمهرجان القاهرة السينمائي. وبالتأكيد أقول لك: كان الله في عونك.. فلا يمكنني أن أهنئك على مثل هذه المهمة الانتحارية.. حقيقة أجمل ما في هذا الخبر المبهج أنه جدد إحساسي باستمرار المقاومة وأنه لابد للظلام من أن يُهزم".

لم يكن ما جاء في هذه الرسالة بعيدا عن الحقيقة ولا بعيدا عني شخصيا فأنا واحد من أكثر من يعرفون خبايا المهرجان رغم أنني لست مقيما بشكل دائم في القاهرة. والتطلع من الخارج دائما ما يتيح للمرء الفرصة لمعرفة الكثير مما لا يلحظه المقيمون المنغمسون في الداخل. وقد كنت أستمع لسنوات، لما يرويه لي الكثير من الأصدقاء من الصحفيين والسينمائيين والنقاد من بلدان العالم المختلفة، عن تجاربهم السيئة مع مهرجان القاهرة السينمائي، الذي أصبح "أضحوكة" الدنيا!

كنت أعلم تماما أنني بقبولي المنصب أو المهمة، سأدخل "عش الدبابير" أو بالأحرى "جحر الأفاعي" كما ثبت بعد قليل. فهذا المكان الذي قام على سياسة معينة تمارسها شخصية تستند الى عصا السلطة وعلاقات غريبة بأجهزة ومسؤولين لا تخلو من من شبهة "تبادل للمنافع بل وفساد واضح"، يبدو كيانا مغلقا له ألغازه وأسراره، وكلها ترتبط بهيمنة تلك الشخصية التي كان بامكانها أن تستبعد بطريقة فظة من لا يستجيب لمشيئتها، وتقرب من ينفذ لها تعليماتها وأولها أن تكون عينا على ما يجري في المكان، تبلغها به أولا باول!

وقد سمعت أو روي لي من بعض العاملين في مقر المهرجان منذ سنوات،  الكثير من القصص التي تصل الى حد الاستعانة بأشخاص للاعتداء بالضرب على موظف ما رفض تنفيذ التعليمات والاستجابة لتعليمات السيدة المعروفة، وكانت النتيجة أن كسر ذراعه، ووصل الأمر إلى القضاء ثم تمت تسويته. واطلعت – ومازلت أحتفظ- بما زودني به عاملون آخرون- من أوراق وصور لمحاضر ودعاوى قضائية قاموا برفعها ضد تجاوزات "السيدة الحديدية" التي كانت تهيمن على الأمور. لكن ظل أغلبية العاملين بالمهرجان (وعددهم 26 موظفا وموظفة) يرتعدون من مجرد ذكر إسم تلك السيدة، ويعتقدون أنها عائدة لا محالة لتولي قيادة الأمور، وكانت تلك "العقدة" من أكثر ما واجهت من مشاكل فجميعهم يتكاسلون ويتباطئون في تنفيذ المهام التي كنت أكلفهم بها (بتعليمات من السيدة). وكانت هي قد جربت في العام السابق الدخول في مواجهة صدامية استخدمت فيها محور (ممدوح الليثي- منيب شافعي) ضد الجمعية التي أسسها الناقد يوسف شريف رزق الله باسم وحصلت على مليون جنيه من ميزانية المهرجان من وزارة الثقافة أنفقتها في الاعداد للدورة لكن الوزير صابر عرب جاء في اغسطس 2012 أي قبل المهرجان بشهر واحد أعاد المهرجان الى السيدة سهير عبد القادر وفريقها، أي إلى الإدارة القديمة برئاسة الممثل عزت أبو عوف.

وكانت تلك الفضيحة قد أثارت ثائرة الكثيرين في الوسط الثقافي لكنها لم تؤد أبدا الى تدفق "المثقفين والسينمائيين" الى مكتب الوزير لاحتلاله والاعتصام بداخله على نحو ما حدث بعد ذلك مع الوزير علاء عبد العزيز في أكبر لعبة قذرة مخطط لها ومدفوعة من قبل أجهزة الأمن عرفتها جهة حكومية في مصر بدعوى "الغطاء الثوري" و"طليعة الثورة"، وللأسف فقد شارك بعض "الأبرياء" بحسن نية في هذه المهزلة باسم الدفاع عن الثقافة المصرية ضد ما أطلقوا عليه "الأخونة" بعد أن ألغى علاء عبد العزيز انتداب اثنين من كبار موظفي الوزارة في دار الأوبرا وهيئة الكتاب.

ولدي شخصيا رسائل عدة من نقاد وكتاب معروفين يهنئونني فيها بتولي المنصب ويشيدون بقرار الوزير علاء عبد العزيز، إلا ان نفس هؤلاء الذي طلبوا أيضا التعاون معي في العمل، عادوا فانضموا الى الاعتصام سيء السمعة في مقر وزارة الثقافة بعد ذلك، فقد كان المجال مجالا للمزايدات، ومن لم يذهب للاعتصام كان يصور على أنه موالي للاخوان، تماما كما يحدث حتى اليوم من الادعاء بأن من لم يذهب الى ميدان التحرير في يناير 2011 ليس ثوريا، وهو نوع من المراهقة الفكرية والمزايدة المتدنية المستوى بالطبع، فليس كل من وقفوا في "الميدان" ثوار بحق، وليس كل من اعتصموا في مقر الوزارة "أبرياء"!

الموقف من الرقابة

لا يعرف كثيرون أنني لم أقابل علاء عبد العزيز سوى مرة واحدة في حياتي قبل أكثر من عشرين سنة. ولا يعرف كثيرون أيضا أنني لم أطرق باب علاء ولا غيره من الوزراء والمسؤولين الكبار في الدولة المصرية التي انفصلت عنها تماما منذ أن اخترت طريق العمل الحر في الخارج معظم الوقت، وأنني عندما توليت مسؤولية مهرجان الاسماعيلية في 2001 ثم 2012 كنت أؤدي مهمة مؤقتة كمحترف أبيع لهم خبرة معينة وليس كموظف في الدولة. وقد كنت في ذلك الوقت في الخارج، وأثناء حضوري مهرجان كان السينمائي في مايو 2013 بدأت الاتصالات معي بشأن تولي مسؤولية رئاسة المهرجان واستمرت المفاوضات ووضعت شروطا قاسية قبلت كلها بل ووصل الحديث الى حد أنني رفضت أي رقابة على أفلام المهرجان. وقد قبل علاء عبد العزيز هذا الشرط وتعهد بأنه سيتصدى لوقف الرقابة عند حدها إذا تدخلت. وأود هنا أن أذكر الواقعة التالية للتاريخ:

أثناء عملي كمدير للدورة الـ15 من مهرجان الاسماعيلية السينمائي في 2012 جاءني الصحفي إياد إبراهيم من صحيفة "الشروق" المصرية لإجراء مقابلة صحفية معي. وكان من ضمن الأسئلة التي وجهها إلي سؤال يتعلق بموقفي من الرقابة إذا أرادت مراقبة أفلام المهرجان، فكان ردي أنني أرفض إرسال الأفلام للرقابة وأرفض تدخل الرقابة في المهرجانات السينمائية في مصر. وقد نشرت المقابلة وكان عنوانها الرئيسي: "مدير مهرجان الإسماعيلية: لن أسمح للرقابة أن تشاهد أى فيلم" (الشروق- بتاريخ 11 مارس 2012)- مرفق صورة من الموضوع.

بعد نشر الموضوع بيومين جاء الى مكتبي في المركز القومي للسينما موظف يحمل خطابا موجها لرئيس المركز من مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية (سيد خطاب) يشير فيه إلى تصريحاتي الصحفية الأخيرة، ثم يطلب من رئيس المركز "التنبيه" على "الزميل الفنان"- كما وصفني الدكتور أمير العمري، بضرورة احترام قانون الرقابة وعدم اصدار أي تصريحات من شأنها التحريض ضده (!!). وقد عاد المدعو خالد عبد الجليل الذي كان يعمل رئيسا لما يسمى "قطاع الانتاج الثقافي" وهو مسمى مضحك لا معنى له ولا دور، فذكرني بعد ذلك بأنه كان من الخطأ أن أصرح بما صرحت به. وكان في ذلك بالطبع يوجه لي رسالة ما أو تحذيرا يتسق تماما مع كونه أحد "كوادر الأمن الثقافي" في الادارة المصرية المشهود لها بالخضوع لتعليمات الأمن وليس للمقتضيات الفنية والمهنية.

لم أشعر بالغضب لكون الخطاب لم يكن موجها لي بشكل مباشر (فلم أكن- كما أوضحت- موظفا من موظفي الدولة، وبالتالي فعتاة البيروقراطيين يعتبرونني "محترفا" يؤدي عملا، وليس "مسؤولا" يخضع للوائح الادارية) أما ما أشعرني بالغضب فكان وصف مدير الرقابة لي بأنني "الزميل الفنان" فلم أكن زميلا، كما أنني لا أعتبر نفسي فنانا!

وقعت على الخطاب باستلامه دون أي إشارة تفيد التعهد بالالتزام بما فيه ، فقط "علم وشكر"ا. واحتفظت بصورة منه كوثيقة دامغة من وثائق البيروقراطية المصرية.

مساء نفس اليوم جاء الى مكتبي رئيس المركز القومي وقتذاك، المخرج مجدي أحمد علي لكي يناقشني في أمر "خطاب الرقيب" وسألني: ماذا سنفعل؟ فقلت إنني أرفض مراقبة أفلام المهرجان. فقال إنه كمسؤول حكومي يجب عليه الامثتال للأمر. فقلت له ببساطة: لماذا نتطوع بإرسال الأفلام إليه؟ دعه يطالبنا رسميا بارسالها، وعندها ننظر في كيفية التعامل معه. فاقتنع مجدي بهذا الرد. ولم يطلب الرقيب ارسال الأفلام، كما لم نرسل نحن إليه أيا منها. وعرضنا فيلما مثيرا للجدل هو فيلم "العذراء والأقباط وأنا" (الذي فاز بعدد من جوائز المهرجان) وعندما أرادوا عرضه ضمن مختارات من المهرجان في مركز الابداع بدار الأوبرا المصرية، طالبتهم المسؤولة عن النشاط السينمائي (وهي مخرجة) بالحصول اولا على موافقة الرقابة كتابة على عرض هذا الفيلم.

هذا نموذج حقيقي وعملي أسوقه لكي ندرك مغزى اتفاقي مع الدكتور علاء عبد العزيز. يمكنك أن تقل عنه ما تشاء وأن تختلف كما تشاء مع توجهاته الفكرية وقناعاته السياسية، إلا أنك لا تستطيع أن تتهمه بالجبن والانصياع لتعليمات رجال السلطة والأمن، لقد كان أول وزير للثقافة من داخل اللعبة السينمائية ولم يكن رجل سلطة في النظام القديم الذي يحكم عن طريق عملاء الأمن في الوسط الثقافي حتى يومنا هذا. هل كان هذا- إذا ما كتب له أن يتحقق- مكسبا للثقافة السينمائية في مصر أم لا؟ أترك الجواب على هذا للزملاء المحترمين.

وافق علاء عبد العزيزعلى أن ينص  (كتابة في العقد- وليس من خلال قرار عام مقتضب كما يحدث حتى اليوم) على أن أحصل على حق اختيار الأفلام ولجان التحكيم بالاشتراك في الرأي مع معاوني الذين أختارهم طبقا للكفاءة. ولم أتجاوز سلطتي حينما تعاقدت مع مجموعة من خيرة النقاد الشباب في مصر. وقد حددت لهم بموجب عقود واضحة، التخصصات والمسؤولين التي سيتحملونها فقد قررت وقتها أن أفكك المهرجان الى مجموعة من البرامج والأقسام وتحديد شخص واحد كمسؤول عن كل قسم، والاستعانة بمدير تنفيذي ينسق العمل ويتابعه بين شتى المسؤولين عن تلك الأقسام. لكن جاء الوزير العائد لكي يشن ضدي حملة قذرة افتتحها بقوله إنني قمت بتجاوزات وصلت حد أنني تعاقدت مع مجموعة ممن وصفهم بالـ "مستشارين" وهم لم يكونوا مستشارين بل مسؤولين عن أقسام المهرجان. ووضعنا خطة شاملة لتكوين فريق كامل للمهرجان يبلغ نحو 40 شخصا (إلى جانب الـ26 موظفا). وحددنا الأسماء والاختصاصات.

جاء "الصحفي النكرة" الذي يخرج الأفلام أحيانا (أخرج ثلاثة أو أربعة أفلام ذهبت كلها طي النسيان!) وكنا قد ذكرنا اسمه في مقال سابق غير أنه اعترض على ذكر اسمه لذلك سنكتفي بأن نلقبه بـ"الصحفي النكرة" بناء على طلبه، جاء هذا الصحفي الذي كنت أعرفه منذ سنوات (الطريف أنه بلغ الرابعة والأربعين ولايزال مصرا على وصف نفسه بالمخرج الشاب!) وشرحت له أننا إزاء وضع جديد تماما الآن.. فها قد أصبح هناك رئيس للمهرجان اعتاد أن يعمل بنفسه، وليس مجرد رئيس شرفي يستند على مدير فني يحتكر كل الخيوط في يده، ويبقي الرئيس مجرد منظر يوقع على الأوراق فقط. كنت في الحقيقة معترضا من الأصل والأساس في كل كتاباتي على ازدواجية الرئيس والمدير التي هي آفة من آفات البيروقراطية المصرية في مهرجانات السينما.. فقد كنت أرى أن الشخصية الأولى التي ترجع إليها الأمور في كل جوانب المهرجان يجب أن تكون شخصية مدير المهرجان أما الرئيس فيظل دائما منصبا شرفيا. أما في مصر وبعد تجربتي في العمل كمدير للمهرجان فرغم أنني فرضت بشخصيتي وأسلوبي وخبرتي، الاحترام لهذه الفكرة، إلا أنني أعترف بوقوع الكثير من التجاوزات من جانب "الرئيس" الذي تعاملت معه أقصد أنه كان لابد وأن يعتدي أحيانا على دور مدير المهرجان، فرئيس المهرجان يكون عادة من (رجال السلطة أو موظفي الدولة أو المحسوبين عليها أو يل رئيسا غائبا مثل الممثل الذي كان، يترك كل الا/ور في يد "الست"!

وتفاديا لكل هذه المشاكل قررت أن أصبح رئيسا يعمل عمل المدير وأن أكتفي باختيار مدير تنفيذي ينسق ويساعد ويدعم أي مثل مساعد لرئيس المهرجان. لكن "الصحفي النكرة"، الذي جاء في البداية يقدم لي فروض الطاعة والولاء ويخاطبني بـ"سيدتك وحضرتك" رغم زوال الكلفة بيننا منذ زمن، وافق في البداية على العمل دون أي شروط، ثم طلب أن يكون "مديرا للمهرجان" بدعوى أن هذا "حقه"- وهي كلمة ظل يرددها كثيرا على مسامعي الأمر الذي أدهشني وجعلني أتساءل: بموجب أي حق ياترى يتكلم؟ هل هو أمر شبيه بمبدأ التفويض الإلهي الذي كان يستند إليه ملوك أوروبا في القرون الوسطى مثلا؟ المهم أنني طلبت منه أن يكتب لي المهام التي يقوم بها المدير في وجود رئيس سيكون له دور مباشر في الجوانب الفنية. فأرسل إلي قائمة تصل إلى 35 بندا تشمل كل صلاحياتي وغيرها كثير جدا واشياء لا يمكن لأي انسان القيام بها بمفرده بل تحتاج الى طاقم كامل من العاملين كنت بصدد تكوينه وقتها.

قمت بتحرير عقد له حددت فيه 5 او 6 مهام، لكنه كان دائما يراوغ، ويحاول بشتى الطرق التملص والتسويف ويقول إنه مستعد للعمل بدون أجر، و من أكثر من يخيفني ويثير نفوري، فإذا كان لا يريد أجرا فلابد في هذه الحالة أن يكون له هدف آخر، وكان الهدف الحصول على الصفة التي يريدها كمدير للمهرجان تكفل له حتى بعد تغير الوزير أن يطالب بتنفيذها، والادعاء أمام العالم كله أنه هو الذي يدير الأمور، واستخدام شبكة العلاقات في تحقيق منافع أخرى شخصية ربما. وقد رفض توقيع العقد بدعوى أنه لا يريد أجرا، ثم اتصل يطالبني مجددا بأن يكون "مدير المهرجان" وليس المدير التنفيذي، وطالب بمقابل مالي ضهف المبلغ الذي حددته تقريبا لتعجيزي، ثم انقطع عن التردد على المكتب ثم أرسل استقالته بتاريخ 5 أو 6 يوليو أي بعد أن أيقن أن الوزير سيختفي وسيأتي وزير جديد وسينجح ثنائي الضغط في الاطاحة بي من المنصب، وبالتالي تصبح أمامه فرصة للعمل مع الوزير الجديد، وربما أيضا مع "السيدة الحديدية" إذا عادت، وكانت تثور شبهات قوية لعودتها إلا أنني أعلنت أمام كل العاملين  في آخر اجتماع عقدته معهم في مقر المهرجان بعد أن قابلت هي الوزير العائد صابر عرب، أن "الادارة القديمة" لن تعود في كل الأحوال سواء بقيت انا ام رحلت، وأنني على ثقة من هذا. وقد أدهشهم قولي هذ. ولم تكن هناك مشكلة في استقالة ذلك الشخص لكنه لجأ إلى سلوك يشي بالتدني الأخلاقي فاتصل بالزملاء الذين كانوا يتعاونون معي وقام بتحريضهم على ترك العمل معي (والقفز من المركب الغارق) بل وهدد أحدهم بأنه سوف يحرمه من العمل معه بعد عودته، في حالة استمراره في التعاون معي!

ثنائي وثلاثي

 كان هناك ثنائي يمارس الضغوط من أجل فرض رئيس جديد يحل محلي، كان هذا الثنائي يتكون من (ممثلي "جبهة ابداع" بزعامة خالد يوسف ومحمد العدل ومجدي أحمد علي) + و"جبهة الثلاثي المرح" السيدة سهير (التي تعتقد أيضا أن المهرجان إرث لها بموجب التفويض الإلهي)، ومنيب شافعي رئيس ما يسمى بغرفة صناعة السينما، ورئيس اتحاد النقابات الفنية) مع "كومبارس" صغير هو ذلك المصور السابق الذي أصبح رئيسا للمركز القومي للسينما في زمن الانهيار الذي نعيشه!

كان ممثلو "إبداع يرغبون في الانتقام مني بالطبع لما يتصورونه عصيانا من جانبي وخروجا عن طاعة العصبة التي أصبحت اليوم تمارس الإرهاب الثقافي باسم "إبداع" بحثا عن نفوذ ووجود واشباعا لمصالح شخصية ضيقة.

ما حدث فعلا هو أن الثنائي تناقض مع بعضه، فهناك من دعم عودة الست سهير مع – وياللعجب - حسين فهمي، وهناك من دعم فكرة اسناد رئاسة المهرجان الى الممثلة يسرا، وهناك ما طالب باسناد المنصب الى الممثلة ليلى علوي، وطرحت ناقدة سينمائية من جيل سابق إسم الممثل محمود قابيل..  وأرادت جماعة "إبداع" على ما يبدو فرض سمير فريد (باقتراحات من أصدقاء له داخل اللجنة) حتى لا يقال أنهم أطاحوا بناقد جيد وأتوا بشخصية لا علاقة لها بالموضوع. وقد أخبرني سمير فريد نفسه أنه عندما اقترح إسمه في أحد الاجتماعات مع الوزير، تساءل هانى مهنى رئيس اتحاد النقابات الفنية: "ما علاقة سمير فريد بالمهرجانات السينمائية"!

كانت جماعة ابداع تريد أن تحصل على مكافأة على موقفها في الاعتصام ضد علاء عبد العزيز أي أن تكون لها قوة وسلطة على الوزير. وقد عين الوزير خالد يوسف رئيسا للجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة، وضم للجنة أعضاء قياديين آخرين في الحركة. وحصل آخرون على مواقع ومنافع أخرى، ومازال البعض الآخر يسعى حتى لمنصب الوزير نفسه. والطريف أن خالد يوسف كان قد تقدم بطلب للوزير السابق علاء عبد العزيز لكي يسافر لمرافقة اسبوع للافلام المصرية كان سيقام في فيينا على نفقة وزارة الثقافة. وقد اطلعت بنفسي على طلب هذا في مكتب علاء عبد العزيز- الذي وصفوه بالوزير الاخواني الذي جاء بهدف "أخونة الثقافة" بعد استغنائه عن اثنين من أصدقائهم وأعضاء دائرة مصالحهم الضيقة!

واستمرت الاجتماعات بين الأطراف المختلفة بين الوزير العائد صاب عرب لاختيار رئيس جديد في حين كنت أذهب يوميا الى مقر المهرجان أمارس العمل وكأن شيئا لم يكن. ولم يحدث أي اتصال بيني وبين الوزير وكان هذا مما أثار سخط مدير قطاع مكتبه محمد أبو سعدة الذي سأل بحدة المستشار القانوني الذي كان يتعاون معي: لماذا لم يتصل ويطلب مقابلة الوزير؟ فقال له: إن هذا رجل يحترم نفسه وهو لن يسمح لنفسه بأن يتصل أو يأتي لكي يستجدي البقاء في منصبه!

تصريحات سيئة السمعة

وقام الوزير باطلاق تصريحاته سيئة السمعة، لتشويه صورتي أمام الرأي العام وارغامي على قديم استقالتي أو تبرير قرار الاقالة الذي استغرق أكثر من اسبوعين بعد أن فشلوا في العثور على ثغرة واحدة، سواء في العقد، أو في تصرفاتي وقيادتي للمهرجان في تلك الفترة القصيرة. وقد روى لي المستشار القانوني للمهرجان (الذي كانت الوزارة قد أرسلته قبل أن يعود صابر عرب، أن مدير مكتب الوزير اتصل به وسأله عما إذا كنا قد وقعنا عقودا مع شركات أو فنادق، فقال له إننا لم نوقع شيئا (كنت قد أجلت توقيع أي عقود الى حين انجلاء الموقف) فلما قال إنه ليست هناك عقود سوى عقود الزملاء رؤساء الأقسام، قال له الرجل بشكل مباشر: حاول أن تعثر لنا على شيء هنا أو هناك، فكان رده أنه ليس هناك شيء على الاطلاق بل إن رئيس المهرجتان رجل يعمل بجدية ونزاهة تامة.

والحقيقة أن الرجل دفع ثمن موقفه الشريف معي فيما بعد فسرعان ما تم اعفاؤه من المهمة واستبعاده من العمل بالمهرجان  بعد أن خضع لتحقيق مرهق سئل خلاله باستنكار عن رأيه فيما وقعته من عقود وضع صياغتها هو، مع رؤساء الأقسام بالمهرجان، وقيل له ان هذا الاسلوب ليس متبعا في الوزارة، ولكنه أكد لهم أنني لم أتجاوز سلطاتي في ذلك، وأنها عقود سليمة مائة في المائة. ورفض بالتالي أن ينضم لجوقة المشككين والمتآمرين.

طبيعي أن يكون هذا موقف عصبة مكتب الوزير الذي عادوا معه بعد ان كان علاء عبد العزيز قد أطاح بهم لفسادهم، ولم يكن في نيتي بالطبع أن أخصص لهم أي مكافآت مالية من المهرجان كما اعتادوا طيلة السنوات السابقة في حين أنهم في الحقيقة يقومون بمهام وظيفتهم ولا يخصصون وقتا اضافيا للعمل بالمهرجان. ولكن هذه احدى آفات الادارة المصرية في عصر الانحطاط والفساد الذي نعيشه!

ثم جاءت تصريحات الوزير التي تقول إن هناك أنباء ترددت حول "اختفاء بعض الأصول من مقر المهرجان" وشبهات بوجود مخالفات مالية، وانني تعاقدت مع المستشار المالي للمهرجان مقابل أربعة آلاف جنيه شهريا (هذه المعلومة غير حقيقية سمعها "الصحفي النكرة" فقط فقام بعد ذلك بنقلها الى مكتب صابر عرب عقب عودته. وقد كنت بسبب عدم ثقتي به، أتعمد أن أذكر أمامه بعض المعلومات الخاطئة. وقد وقع هو الفخ وانكشف دوره.. لكنه أيضا.. إنتهى).

لم تكن هناك أي مخالفات مالية كما سيثبت لهم أو كمما يعلمون بالتأكيد، كما لم تختف أي من أصول المهرجان بعد أن شكل الوزير لجنة قامت بجرد المكان ولم تعثر على أي شيء يمكنهم التذرع به، ولم يذهب ملف المهرجان الى النائب العام كما ادعى الوزير الكاذب، ولم يتم استدعائي للتحقيق، ولم يتم صرف أي مبلغ مالي لي عن فترة عملي ولم أتقاضى مليما واحدا حتى هذه اللحظة. ولكن كل هذه الأقوال المرسلة كان الهدف الحقيقي منها الضغط علي وارهابي لكي أتقدم باستقالتي، بعد أن رأوا أن عقدي ليس من المكن مخالفته الا بعد دفع شرط جزائي مالي كبير. لكن الوزير اضطر في النهاية الى الغاء العقد وجاء في قرار الالغاء أكثر شيء مضحك يمكن العثور عليه في إرث البيروقراطية المصرية فقد نص القرار على: "يعتبر العقد لاغيا بسبب بطلانه، ويبطل العمل بكل ما ترتب عليه من عقود"!

وكأنه يقول: العقد لاغ. فلما تسأله: وما السبب؟ يقول لك: لأنه باطل. وهذا التهريج منظور الآن أمام القضاء بالطبع.

في نهاية يوليو أظنه كان يوم ثلاثين منه، لم أذهب الى مقر المهرجان كالمعتاد بعد أن علمت باقالة الدكتور جمال التلاوي من رئاسة هيئة الكتاب في تصرف وضيع من جانب الوزير العائد الذي أراد أن يعيد أحمد مجاهد الى رئاسة الهيئة وهو الذي توجد عشرات الوثائق على فساده المالي والاداري عبر سنوات. وقد بدأت الصحف المصرية الآن- وأحدثها "الأهرام العربي"- في نشر ملفات ووثائق تثبت فساد مجاهد وكاميليا صبحي رئيسة ما يسميى بقطاع العلاقات الثقافية الخارجية. والمضحك المبكي أن الاثنين رشحا لمنصب وزير الثقافة في الحكومة الأخيرة.. صحيح أنهما لم يحصلا على المنصب، إلا أن مجرد ترشيحهما يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن كل حديث عن "ثورة حدثت" أو ثورتين (في العلالي!)، هو مجرد لغو فارغ.. فلا شيء يتغير في مصر. ورغم نشر الملفات في صحف لاحكومة إلا أن "الحكومة" لم تتخذ أي قرار سواء بشأن أحمد مجاهد أو الست كاميليا، ولو تى مجرد تحويلهما للتحقيق في الوقائع المنسوبة لهما. فحكومات مصر المتعاقبة (بعد الثورتين) مهمتها الأساسية التستر على فساد عهود ماضية مستمرة منذ 1954!

اعتبرت اقالة التلاوي وهو رجل جليل يتمتع باحترام بالغ في الوسط الثقافي، مؤشرا على أنني أيضا سألقى المصير نفسه، وهو بالطبع ما كنت أنتظره. وبعد أن فشل الوزير في دفعي للاستقالة بشتى الطرق أفتى له مساعدوه باللجوء إلى وسيلة "قاسية" في إهانتي عن طريق ارسال ضابط أمن مكتبه في الوزارة لكي يغلق باب مقر المهرجان ويمنعني أنا ومن معي من زملائي الشباب من الدخول. ولكني لم أتعرض لهذا الموقف بل تعرض له زملاء محترمون ممن كانوا يعملون معي (مرفق صورة من مقال نشر في جريدة "الوطن" يروي فيه الناقد رامي عبد الرازق تفاصيل ما وقع وكان شاهدا عليه). وعاد الناقد أسامة عبد الفتاح فأصدر أخيرا بيانا (نشرناه على هذا الموقع) يروي فيه قصة استعانة الوزير بالشرطة لاغلاق المقر ومنعه وزملائه من الدخول.

جمعية النقاد

كنت قد اعتزمت أن أخصص اسبوعا للنقاد على غرار ما يحدث في كان وفينيسيا واتصلت قبل عودتي من لندن بنائب رئيس جمعية نقاد السينما (التي كنت عضوا فيها منذ 1974 ورئيسا لها) وطلبت الاجتماع مع مجلس الادارة بالفعل حدث اجتماع بعد عودتي وشرحت الفكرة على أن تقوم الجمعية بتنظيم الاسبوع ودعوة الافلام والمخرجين وأن يتكفل المهرجان بالتمويل. وطلبت مشروع ميزانية قبل أن أعتمد الفكرة وأضمها الى لائحة المهرجان.  ولكن ما حدث بعد 3 يوليو أن أصدقاءنا في الجمعية اختفوا ولم يعودوا بأي أفكار، بل وعندما نجحت في التحدث الى رئيس الجمعية أخذ يناور ويراوغ وقال بوضوح ان هناك من يرغبون في تعيين بديل لي وذكر الاسم البديل فعلا.

لم تتخذ جمعية النقاد التي قدمت لها الكثير طوال تاريخ علاقتي بها التي امتدت نحو أربعين سنة موقفا ولو صغيرا ورمزيا، باصدار بيانا واحدا فقط في الدفاع عن سمعتي ضد اتهامات الوزير باعتباري عضوا من أعضائها، ولم تعلن بأي صورة من الصور عن وقوفها معي، بل كان كل ما يهم مجلس ادارتها التحول الى الرئيس الجديد لكي يعرضوا عليه فكرة اسبوع النقاد التي جئتهم بها. لكن سمير فريد قال كلاما طيبا عني (منشور أيضا في جريدة "الوطن" انظر الصورة المرفقة) ورفض أي تشكيك في نزاهتي، وهو موقف محترم دون شك، لكنه قال إن الشيء الوحيد الذي سأل الوزير عنه عندما طلب منه تولي رئاسة المهرجان هو سبب اقالة أمير العمري. ويتوقف سمير عند هذا الحد- حسب الموضوع المنشور- ولا يذكر شيئا عن اد الوزير عليه، ولا عن رد فعله عليه  أمام الوزير. لكنه ذكر لي إن  السبب الذي قاله له الوزير "" يعود إلى كوني تعاونت مع علاء عبد العزيز، أي أننا باختصار شديد أصبحنا نعيش فترة تصفيات حقيرة على أسس سياسية في حين أن الموضوع بأكمله لم تكن له أدنى علاقة بالسياسة. وقد أعلنت- وعلاء لايزال في منصبه- أنني سأستقيل في حالة وجود أي ضغوط علي من أي نوع أو محاولة فرض أي نوع من الرقابة على عمل يالمهرجان. قلت هذا بالصوت والصورة في برنامج "مواجهات" في قناة النيل الثقافية بتاريخ 28 يونيو 2013. وهو برنامج مسجل ومحفوظ.

موقف جمعية نقاد السينما المخزي بكل المعايير، دفعني أخيرا إلى تقديم استقالتي من الجمعية كلها. واعتبرت أن هذا الفصل أغلق إلى الأبد بعد أربعين عاما من عضويتي بالجمعية وكانت الجمعية على أي حال، هي الكيان الوحيد الذي أنتمى إليه في مصر. فلست عضوا في أي حزب أو جمعية أو منظمة من أي نوع في ساحة العمل العام في مصر كما لا أعتزم مستقبلا ان يكون لي اي دور في هذا المجال بل أكتفي فقط بالاستمتاع بما أحصل عليه من متعة الكتابة والتفكير والتأمل والسفر ومشاهدة الأفلام وقراءة ما فتتني قراءته.

اعادة تنظيم المهرجان

كنت قد اتفقت أيضا على تنظيم تظاهرة خاصة باسم "أول مرة" للأفلام الأولى لخريجي معاهد السينما لفت بها مخرجة شابة على أن تتعاون في ذلك مع معهد السينما.

وابتدعت قسما أطلقت عليه "منتدى الأفلام القصيرة" كلفت الناقد أحمد شوقي بالاشراف عليه واتصل الرجل فعلا وحصل على الكثير من الأفلام الخاصة بهذا القسم الذي كان سيقام للمرة الأولى في مهرجان القاهرة. كما اتفقت مع شوقي على تنسيق قسم كلاسيكيات السينما المرممة ودرس السينما.

واتفقت بشكل مباشر مع المخرج الإيراني أصغر فرهادي على عرض فيلم "الماضي" في افتتاج المهرجان خارج المسابقة بمعاونة الصديق الناقد المغربي حمادي كيروم. وكانت الشركة الفرنسية المنتجة سترسل إلينا الفيلم قبل أن أبلغهم بتأجيل المهرجان بعد أن تركته. ولكن ما أدهشني أن تصدر تصريحات صحفية منسوبة الى سمير فريد الذي تولى رئاسة المهرجان من بعدي، يبدي فيها رفضه للفيلم ويقول إنه يراه فيلما رديئا وإنه لم يكمل مشاهدته في مهرجان كان، كما قال إنه لا يريد عرض أفلام "إيرانية" في المهرجان (علما بأن الفيلم فرنسي) وهي دولة تتخذ موقف عدائيا من مصر- أو شيئا من هذا القبيل، أما أغرب ما ورد في تلك التصريحات فكان قوله إنه لم يعثر على نسخة الفيلم بين الأفلام التي وصلت لادارة المهرجان، وكان الفيلم سيصل بالطبع غير أن الوقت لم يمهلنا. وقد قام الصديق حمادي كيروم – كما قال لي فيما بعد- باقتباس الفكرة وجاء بالفيلم للعرض في افتتاح مهرجان الرباط السينمائي الذي عاد حمادي إلى تولى ادارته مجددا في دورة 2013 وقد حضرت الدورة واستمتعت أيما استمتاع سواء بفيلم الافتتاح أو بغيره من الأفلام.

من تصريحات سمير فريد التي أدهشتني أيضا أنه، وهو الذي ظل لسنوات يدعو إلى ضرورة أن تتخلى وزارة الثقافة عن تنظيم المهرجانات السينماية وتتركها لمنظمات المجتمع المدني بعد أن "فشلت"- كما يرى في تنظيم تلك المهرجانات، عاد فقال وأكد غير ذي مرة، بأن أهم قضية لديه تتمثل في أن يجعل مهرجان القاهرة السينمائي "مؤسسة من مؤسسات وزارة الثقافة نفسها"، لدرجة أنه اعتبر أن فشله في تحقيق ذلك سيكون السبب الوحيد الذي يجعله يستقيل من رئاسة المهرجان، وهو انقلاب كامل في موقفه لم أستطع أن أجد له تفسيرا!

وقد حافظ سمير فريد على فكرة أسبوع النقاد وبنى عليها، كما حافظ على فكرة أفلام معهد السينما، واسند فكرة مسابقة الأفلام العربية إلى نقابة السينمائيين، وسعى لكسب ود القائمين على المؤسسات السينمائية في مصر مثل غرفة صناعة السينما واتحاد الفنانين والمركز القومي للسينما، كما خصص مكافآت مالية لعدد من العاملين في وزارة الثقافة ومكتب الوزير لضمان تعاونهم مع المهرجان على رأسهم محمد يوسف، مدير المكتب الفني.

كنا سنقيم الدورة في موعدها رغم كل الظروف كما سبق أن نجحت في اقامة دورتي مهرجان الاسماعيلية في 2001 أي بعد هجمات 11 سبتمبر، ثم في 2012 في ظل الانتخابات الرئاسية،  ولكن المسألة لم تخلو من عقبات وانتقادات شرسة، وكان من بين الذين هاجموني عازف سابق عرفت أنه قضى ثماني سنوات يعالج من إدمان الكوكايين (أتمنى أن يكون قد شفى من إدمانه)، وكاتب سيناريو خرج من العمل بالسينما نهائيا منذ سنوات بسبب إدمانه الخمر ودخوله المستمر في مشاجرات مع جميع خلق الله بسبب وبدون أي سبب في معظم الأحيان. هذه فقط عينة من نوعية المهاجمين الموتورين!

من الملاحظات التي أود أن أسوقها هنا أيضا أن "الصحفي" إياه، الذي كان يرغب في فرض نوع من الوصاية واحتكار العمل في كل فروع المهرجان وكأنه ينتقم للمعاملة السيئة والتهميش الذي قوبل به من طرف (الست) في الدورة السابقة، وقف بقوة معارضا لأي فكرة جديدة أو أي رغبة من جانبي في التغيير فقد أردت الاستغناء عن بعض الأقسام التي لا أراها ضرورية وتقليص عدد افلام المهرجان الى 60- أو 70 فيلما وعندما أعربت عن ذلك أخذ يصرخ بصوت عال قائلا إن هذا إذا حدث سيضر بالمهرجان وإنه سيضر بشكل المهرجان أمام الاتحاد الدولي للمنتجين وبدولية المهرجان، وانه لابد أن يكون المهرجان كبيرا ولا يقل عن الدورات السابقة.

وكان من بين المشاكل التي واجهتها أن الادارة القديمة كانت قد أعلنت بالفعل عن موعد انعقاد الدورة الجديدة لعام 2013 في الفترة من 19 الى 24 نوفمبر أي لمدة ستة أيام فقط لا غير وأرسلت لكل الجهات بهذا المعنى وأن حشد عدد كبير من الأفلام خلال ستة أيام هو الذي يمكن أن يضر المهرجان ويجعله مرتبكا مضطربا. وقد استغنيت بالفعل عن مسابقة افلام حقوق الانسان التي تحتاج في رأيي الى مهرجان نوعي خاص.

صحيح أنني لم أتمكن من تحقيق طموحاتي الخاصة في إدخال ما أراه من تعديلات تنتشل المهرجان من أزمته القديمة إلا أنني أتمنى بالطبع لمن جاء من بعدي- بغض النظر عن الظروف والملابسات الغريبة والمثيرة التي صاحبت هذا التغيير- التوفيق والنجاح، فالمهرجان في النهاية ليس مهرجانا لشخص ما، ولن ينسب لشخص بل لدولة إسمها مصر. ولن يحقق أي كاتب أو ناقد أو مفكر، لا الثراء ولا المجد من وراء رئاسته لمهرجان سينمائي، بل إن كل ما يبقى في النهاية هو ما يتركه من إرث ثقافي، وموقف فكري من الدنيا والواقع.. والسينما!

عين على السينما في

22.04.2014

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)