حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي السادس

أبو ظبي: نجوم أقلّ وسينما أكثر

هوفيك حبشيان

 

الدورة السابعة من مهرجان ابو ظبي التي اختتمت نشاطاتها الاسبوع الماضي بفوز فيلم "لمسة خطيئة" للمخرج الصيني جيا زانغكي بجائزة "اللؤلؤة السوداء"، تضمنت 166 فيلماً طويلاً وقصيراً من 51 دولة. 13 عُرضت للمرة الأولى في العالم، واختار اصحابها الامارات العربية المتحدة كنقطة انطلاق، الدولة التي أسست مهرجانها هذا قبل سبع سنوات لأهداف ثقافية وترويجية وسياسية (باقي الدوافع من أسرار الآلهة)، وأيضاً لمنافسة دبي التي سبقتها الى عالم المهرجانات العربية بثلاث سنوات.

الكثير من الأفلام المعروضة اكتشفت أولاً في المهرجانات الدولية الأشهر مثل كانّ وبرلين والبندقية، وكان لا بدّ من أن تشق طريقها الى جمهور المهرجان الاماراتي، وهو جمهور ملون يتكون عموماً من الأقليات المقيمة في هذه المدينة شبه الكوزموبوليتية. أيّ ان كل جمهور، وفق الثقافة التي ينتمي اليها، لديه الأفلام التي يميل اليها ويهتم بها، باستثناء السينيفيليين الذين يهتمون بكل شيء ويشاهدون كل شيء.

الخبر السارّ لمحبّي السينما الخالصة: النجوم كانوا أقل هذه السنة، باستثناء حضور عابر لفورست ويتيكر وبعض الوجوه العربية التي تملأ عادةً مهرجانات المنطقة. يبدو ان المهرجان ماض نحو المزيد من الاهتمام بالسينما وليس ما يدور حولها كما هي الحال في تظاهرات عربية عدة. بعيداً من مظاهر البهرجة السطحية، قدم "أبو ظبي" دورة متماسكة أتت الى المنطقة بزبدة الأفلام، وإن لم تجد كلها طريقاً سالكة الى الجوائز. الجيد في المهرجان هو التوازن بين الفني والترفيهي، الأمر الذي يتيح لكلٍّ منا ان يعثر على ما يريده. فالباحث عن السهرات والاجتماعيات لن يبقى في عزلة، اما الباحث عن عروض وندوات ونقاشات، فهذا مكانه. في النهاية، الا يجمع الشعار الذي يرفعه المهرجان ("لنحتفل بالسينما") بين المنحيين؟

أعلن المهرجان ان عدداً قياسياً من الأفلام من العالم العربي سيشارك هذه السنة في المسابقات المختلفة وأهمها مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، اذ تصل قيمة جائزة "اللؤلؤة السوداء" الى مئة ألف دولار (ما يحضّ المخرجين العرب على المشاركة)، ضمن مجموع مكافآت مادية لا تقل عن المليون دولار. من الأفلام العربية التي برزت في المهرجان: "فرش وغطا" لأحمد عبداالله و"فيللا 69" لأيتن أمين. الأول، لم ينل شيئاً، أما الثاني فكان نصيبه جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل فيلم عربي (قسم آفاق) لـ"تصويره عائلة في المجتمع المصري المعاصر تمر في أزمة، من وجهات نظر مختلفة وبحب وفكاهة وتسامح"، كما قالت كلمة اللجنة. هذا الفيلم الجميل هو الباكورة الروائية الطويلة لأيتن أمين التي سبق أن أنجزت مجموعة أفلام وثائقية. دراما حياتية قاسية لا تخلو من بعض المرح والفكاهة (أداء بديع لخالد أبو النجا)، انطلاقاً من رجل ينتظر ساعة الموت، كونه مصابا بمرض وسيفارق الحياة. النصّ مفتوحٌ على كل أنواع التضاريس والأسئلة والهواجس التي في دماغ هذا البطل المنتكس. يعرف ابو النجا (بمساعدة المخرجة والنصّ) كيف يعطيه ملامح شخصية سينمائية حقة. هذا أفضل دور له الى اليوم. الفيلم ايضاً اعادة احياء لزمن لذيذ كان له سطوته على المجتمع المصري وتاريخه.

شهدت الدورة أيضاً بروز مخرجَين من العالم العربي: هشام زمان، كردي الانتماء، نال مع فيلمه "قبل سقوط الثلج" جائزة أفضل فيلم عربي (برنامج آفاق). فيلم طريق يرافق بطله سيّار من كردستان العراق إلى النروج. نال الشريط تنويه معظم النقاد في أبو ظبي. أما ثاني الأسماء التي برزت فهو شريف القشطة الذي ذهبت اليه جائزة أفضل وثائقي من العالم العربي عن فيلمه "القيادة في القاهرة"، التي لا تنفك تتحول الى استعارة للحياة المصرية المعاصرة، ما قبل الثورة وبعدها.

المهرجان الذي افتُتح بفيلم "حياة الجريمة" لدانيال شيكتر، كرّم ايضاً ليلة افتتاحه الممثل الأميركي الكبير فورست ويتيكر، والتكريم شمل ايضاً الممثلة والمخرجة الفلسطينية هيام عباس لمجمل أعمالها، علماً ان عباس شاركت ايضاً في لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية التي تترأسها جاكي ويفر، وكان اختيار هذه الممثلة الأوسترالية غير مفهوم.

الى الأفلام المهمة التي وصلت الى العاصمة الاماراتية كـ"كاميّ كلوديل 1915" لبرونو دومون واستعادة فيلم جاك دومي المرمم "مظلات شربور"، استطاع المهرجان الاتيان بفيلمين نال كل منهما الجائزة الكبرى في المهرجان الذي عُرض فيه. الاول، "موقف ابن" لكالين بيتر نيتزر، نال "الدب الذهب" في مهرجان برلين، والثاني "ساكرو غرا" لجيانفرانكو روزي، ليس سوى حائز "الاسد الذهب" في البندقية، في ايلول الماضي. "معضلة ابن"، عن أم متعالية، استغلت أصدقاءها المقرّبين لإنقاذ ابنها الشقي والمدلل من السجن بعدما تسبب بحادث مأسوي. اما "ساكرو غرا" فيصوّر الحياة اليومية لمهمشين يعيشون حول الطريق الذي يحيط بروما. الشخصيات والحكايات الصغيرة والكبيرة التي يلتقطها بواقعية تلامس الدهشة، تعبّر عن ايطاليا الحالية وأزماتها وطموحاتها وأحلامها وخيباتها. بين لحظتين، التسلط والخضوع، عرف المهرجان كيف ينتصر للتنوع والأضداد.

"ماي سويت ببرلاند"

في أبو ظبي، نال المخرج العراقي الكردي هينر سليم جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فيمله "ماي سويت ببرلاند"، الذي عُرض أولاً في مهرجان كانّ ضمن قسم "نظرة ما". سليم سينمائي ذو بصمة مختلفة، يتبدّى ذلك جلياً في أفلامه التي جالت المهرجانات وحصدت الجوائز. منذ الصغر، كان يحب ان يخبر القصص، لكنه لم يقل يوماً إنه سينتقل الى السينما، بل حدث كل شيء بتلقائية شديدة. من عائلة فقيرة تعيش في الريف، الى مهرجان كانّ، حيث قدم اول فيلم عراقي، "كيلومتر صفر"، ضمن المسابقة الرسمية عام 2005، الذي حصد انذاك غضب نقاد عرب اتهموه بالشوفينية. يروي ان العائلة لم تكن تملك التلفزيون لكن والده كان يقرأ له المؤلفات الكلاسيكية. "كنت استصعبها، ثم لم اكن اهتم بذلك اطلاقاً، لكن والدي كان يجبرنا على الاستماع. ذات يوم، احضر لي كتاب شعر يحتوي على رسوم. هكذا، اكتشفت للمرة الاولى فن الرسم وسألته عنه، فقال ان الشاعر قد استوحى الرسوم من القصيدة. عندئذ، بدأت استمع الى الشعر وانظر الى الرسوم. وكانت هذه المرة الاولى اهتم فيها بالشعر". في وقت لاحق، في سن العاشرة او الحادية عشرة، شاهد التلفزيون للمرة الاولى. فرأى فيه ما يريد ان يفعله في حياته، اذ ان الشاشة تجمع بين الصورة والكلام. لكن التلفزيون آنذاك لم يكن يبث الا اناشيد النصر لصدام حسين وللروح العربية. فلم يكن يفهم شيئاً من اللغة التي يتكلمها: "رحتُ اسأل نفسي لمَ لا يتكلم التلفزيون اللغة الكردية، حتى انه ظن ان كل بلد يصنع تلفزيوناً خاصاً به. عندئذ، قرر ان يجعل التلفزيون يتكلم اللغة الكردية".

يبحث سليم عن جذوره أينما ذهب، وهي جذور متحركة يمكن ان يحصل اللقاء معها في اماكن جديدة. في السينما مثلاً، التي تجعله ينهض في الساعة الخامسة فجراً للتأليف، على رغم اعترافه بأنه ليس سينيفيلياً نهماً، ولا يرتاد الصالات المظلمة بحثاً عن النور كما يرتاد آخرون المعابد. في ثامن فيلم له، "ماي سويت ببرلاند"، يعاين ما آلت اليه الأحوال في كردستان العراق، بعد مرور عشر سنين على سقوط نظام صدام حسين. يجوب باران (قرقماز آرسلان) الجبال على حصانه بعدما سقطت الجسور نتيجة قصف الطائرات التركية، ويعلن الحرب على الفساد، ولكن العصابات اكثر تعنتاً منه في حماية الفساد واهانة المرأة وتكريس منطق القوة.

النهار اللبنانية في

07/11/2013

 

"القيادة في القاهرة" .. تلك الفوضى الفاضحة

رامي عبد الرازق - أبو ظبي 

خمسة عشر فيلما تشارك هذا العام في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة ضمن فعاليات الدورة السابعة لمهرجان ابو ظبي السينمائي (24 أكتوبر-2 نوفمبر) بعضها يعرض عالميا للمرة الاولى وبعضها الاخر يقدم عرضه الاول بالشرق الاوسط.

تضم مسابقة الأفلام الوثائقية هذا العام ثلاثة أفلام من إنتاج صندوق سند للدعم التابع للمهرجان  بالمشاركة مع صناعها الاصليين وهي"بلح تحت قلعة حلب"للمخرج اللبناني محمد سويد الذي سبق وان فاز قبل عامين باللؤلؤة السوداء عن فيلمه الوثائقي "بحبك يا وحش"، ومن تونس يأتي المخرج حمزة عوني بفيلمه"جمل البروطة" وأخيرا من العراق المخرج قاسم عبد بفيلمه"همس المدن".

أما مصر فيعرض لها عالميا الفيلم الوثائقي"القيادة في القاهرة"للمخرج الشاب هشام قطشة وهو عمله الوثائقي الطويل الأول بعد أن انجز عدة افلام قصيرة اشهرها"غرفة التحكم" وقمامة القاهرة".

إلى جانب هذه المجموعة العربية تشارك ايطاليا بفيلمين هما "طوق غرا المقدس"للمخرج جان فرانكو روزي و"جدران" للمخرجين فرانشيسكو كونفرسانو ونيني غرينيافيني, وتشارك فرنسا ايضا بفيلمين احدهم إنتاج مشترك مع بلجيكا هو"الدكتور فابر سيعالجك" إخراج بيير كولييوف والأخر"مدرسة بابل"إخراج جولي برتوللوتشي.

وتشارك الولايات المتحدة بثلاثة افلام اثنين من الأنتاج الخالص هما "الحوت الأسود" لغابرييلا كوبريثوايت و"فريق القتل" لدان كرواس وفيلم واحد إنتاج مشترك مع باكستان هو"هذه الطيور تمشي" للمخرجين عمر موليك وباسم طارق، تليها بريطانيا بفيلمين هما"في الحياة الواقعية لبيان كدرنو"من هو دياني كريستال" لمارك سيلفر.

وأخيرا من السويد باخراج ايراني يأتي الفيلم الهام"ثورتي المسروقة" للمخرجة ناهيد بيرسون سارفستاني حيث تعود المخرجة إلى طهران بعد هربا عقب الثورة الأسلامية عام 79 كي تسمع شهادات خمس نساء ذقن عذاب السجن وعرفن اخيها الذي مات اثناء الثورة وحملات القمع.

الفوضى الفاحشة

لن يعدم المتلقي سببا لرغبة المخرج هشام قشطة الحديث عن القيادة في القاهرة، ودعونا نضيف المتلقي الغربي تحديدا خاصة لو عرفنا أن هشام ولد في الولايات المتحدة ونشا في القاهرة ثم عاد إلى بروكلين ليقضي فيها معظم حياته الشابة.

اجابة السؤال تتلخص في أن القيادة في القاهرة -قيادة اي مركبة بداية من العجلة وصولا إلى الأتوبيس- من وجهة نظر المتفرج الغربي او الزائر للمدينة هي فعلا حالة غريبة واستثنائية  حتى بين الدول العربية أو بتعبير اللواء المسئول عن مرور القاهرة في الفيلم هي نموذج"للفوضى المنظمة" وأن كان هذا التعبير يجمل الوضع كثيرا ويحاول أن يصفه بشكل مهذب وراق لأنها في حقيقة الأمر وكما يظهرها الفيلم"فوضى فاحشة أو فاضحة".

وليس معنى أن عين المخرج عين غربية أنه نظر إلى الشوارع من وجهة نظر سياحية ولكن مثل هذه الموضوعات تحتاج بالفعل إلى عين أخرى غير عين المواطن أو حتى صانع الأفلام المحلي والذي اعتاد على تلك المشاهد الغريبة والغرائبية بالفعل التي تحدث كل يوم في شوارع العاصمة، اذن ليس من المستغرب أن يلفت نظر المخرج هذا الكم من العبث والسوريالية اثناء حركته في الشارع القاهري.

نلاحظ أنه حدد في عنوانه القيادة في القاهرة وليس في مصر على اعتبار أن القيادة في القاهرة تحديدا هي ما تحمل كل هذا العبث والجنون خاصة مع تلك الأحصائيات التي يسوقها المخرج في البداية والتي تبدو صادمة حتى للمتفرج المحلي الذي لا يعي الأرقام التي تخص مدينته المذدحمة حيث يكتب المخرج بهدوء وعلى أحد لقطات الشوارع المختنقة ان عدد سكان القاهرة  20 مليون انسان وعدد السيارات فيها هو 14 مليون سيارة.

يلقي هشام المعلومة دون أن يتورط على مستوى الكتابة أو اللقاءات في تحليل الأسباب وإنما يتفرغ للنتائج عبر الكاميرا في معظم الأحيان وفي غياب تام للتعليق الصوتي حتى لا يبدو ثمة راوي عليم أو وجهة نظر فوقيه تسير المتفرج بأتجاه فكري أو نفسي معين.

هنا يتحول المخرج إلى مجرد عين راصدة وأذن تسمع فقط وقليلا ما نسمع صوته القادم من خارج الكادر في عبرات قليلة او اسئلة خافتة بل يُفرغ نفسه تماما من الفيلم تاركا تتابع اللقطات واللقاءات يعرض بلا احكام أو راي قاطع.

قبل الربيع 

يحدد المخرج زمن الرصد وهو القاهرة قبل الربيع العربي، ويحاول أن يبدو حياديا قدر الامكان في النظر إلى قضية أو ازمة غير حيادية على الأطلاق ازمة تجبرك على ان تتخذ موقف شعوري ضدها ولكن المخرج في تتابع اللقطات واختيار التعليقات من بين اللقاءات العديدة التي اجراها يختار الكوميديا السوداء لكي تخفف قليلا من سوداوية الواقع سواء البصري أو المحكي عبر الفيلم.

أنه لا يتعاطي مع مآساة القيادة في القاهرة بكل فوضويتها وحوشيتها من خلال نظرة تراجيدية خاصة على مستوى شريط الصوت، فيبدأ على سبيل المثال اولى مشاهده بموسيقى كلاسيكية على حركة عسكري المرور الاعجف الذي يحاول جاهدا ضبط ايقاع السيارات المتدفقة في جنون ولا منطق من كل الاتجاهات، وكأنه مايسترو مستحيل التحقق امام اوركسترا جحيمي من من الحركات والأيقاعات الفوضوية الانهائية.

ثم ينتقل تدريجيا ومع تتابع اللقطات الغرائبية مثل لقطات العائلات التي تجلس بالكامل على موتوسيكل صغير والاطفال الذين ينامون في احضان الامهات ساكنين فوق الدرجات البخارية الطائرة ليتحول الامر إلى التركيز على عبثية المشهد كله وتلون الموسيقى ذات الأيقاع الشرقي او الشعبي المشهد بتلك النظرة الكوميدية السوداء التي تخفف من قتامة النتائج  ومآساويتها.

ويتخذ هشام زاوية بصرية غاية في البساطة والعمق في نفس الوقت وهي الجلوس بالكاميرا داخل السيارات التي تجوب الشوارع ليل نهار سواء مع اصدقائه او مع شرائح من السائقين سو سائقي التاكسي أو الميكروباص او سائقي عربات الأسعاف بل ان الحظ يخدمه أو سحر الوثائقية كما نطلق عليه عندما يحظ ايضا بتعليقات من راكبي الدراجات البخارية اثناء سيرهم.

شرائح وطبقات

 يتمكن المخرج من اجراء تحليل اجتماعي لطبقات المجتمع المصري عبر لقائاته مع السائقين من مختلف الشرائح محاولا أن يرسم بعد اجتماعي ونفسي لكل منهم بناء على علاقاته بالسيارة والشارع والمرور.
يتوقف أمام سائق عربة الأسعاف الشاب الذي يريد أن يتزوج بينما ترفض الأسر مصاهراته لأنه يعمل سائقا، كذلك يتابع علاقة أحد رجال الأعمال الشباب بالمرور والشارع سواء عبر عمله وتسلمه للبضائع خارج القاهرة نتيجة قانون منع سير النقل او مع اسرته حيث تذهب زوجته يوميا إلى المدرسة مصطحبة اطفالها خوفا من الحوادث.

وفي الحقيقة فأن المقطع الخاص بذهاب زوجة رجل الأعمال/الام مع اطفالها من أكثر المقاطع المؤثرة في التجربة رغم أنه لم يستغرق وقتا كافيا حيث تبوح الام امام الكاميرا أن ذهابها كل يوم مع ابنها للمدرسة ليس سببه حراسته أو رعايته بل خوفا من أن يحدث له مكروه في الطريق/حادث سيارة تحديدا دون أن تدري هي شئ اي انها بالمعني المصري الشعبي(يا نعيش سوا يا نموت سوا) لأن وجودها في السيارة لن يمنع الحادث ولكنها على كل حال سوف تلقى مصيرها مع ابنها فتستريح من اي عذاب قد ينتج عنه فقدانه في حادث من تلك الحوادث الكثيرة التي اصبحت سمة الشارع القاهري وخاصة الطرق الدائرية.

يمكن أن نربط هذا المقطع بالمقطع الأخر الذي تحدث فيه المخرج مع ابنة احد الموظفين الأمريكيين الذي يعيش في القاهرة والذي فقد ابنته في حادث سير، لا ندري لماذا اختار المخرج تحديدا اسرة امريكية فقدت ابنتها في حادث سير بالقاهرة قد يبدو الامر مغرضا بعض الشئ لو نظرنا إليه بسطيحة ولكن نتصور أنه بحكم كونه من مخرجي المهجر ان صح التعبير من الطبيعي أن تكون صلاته بالعائلات الأجنبية اكثر من صلاته بالعائلات المصرية وهو تصور حسن النية يستند إلى أنه لم يتوقف كثيرا امام كون الفتاة امريكية بل تعامل على انها ضحية من ضحايا حوادث الطرق.

الربط هنا واضح بالطبع حتى ولو لم يكن مباشرا او متتاليا بين الأم التي تذهب مع طفلها إلى المدرسة خوفا من حوادث الطرق في شوارع فوضوية وبين الاب الذي قتلت ابنته بلا ذنب تحت اقدام عربة نقل طائشة.

فخ السياسة

في تتبعه لخطوط ترتبط بعلاقة المواطن بالدولة والشارع فيما يخص المرور يتوقف المخرج أمام مسألة الفساد والرشوة التي كانت منتشرة بكثرة في فترة ما قبل ثورة يناير حيث نرى فتاة تتعلم القيادة مع مدرب خاص ولكنها تستخرج الرخصة بالرشوة دون أن تجتاز اي اختبار بل وتعلن عن هذا امام الكاميرا دون خوف او خجل فهذا امر عادي وطبيعي في مصر –قبل الثورة وربما بعدها ايضا- وبسهولة يمكننا الربط عبر تتابع اللقطات بين مجاهرة الفتاة بحصولها على الرخصة عبر الرشوة وبين لقطات رشوة عساكر المرور بشكل خفي للتغاضي عن مخالفات السائقين او كسرهم الأشارات او مرورهم من المناطق الممنوعة.

نعود هنا للتأكيد على ان ما يروي يروى عبر الكاميرا وصوت المونتاج وليس عبر صوت المخرج أو تعليقه الخاص ونقصد بصوت المونتاج اي التتابع الذي يخلقه المونتاج كي يحكي لنا الموضوع ويشير إلى مناطق القوة والصراع في الأزمة التي امامنا.

وهذا الربط الذي نقوم به ليس ربطا مباشرا او متتابع ولكن تلك المشاهد تبدو متفرقة خلال زمن السرد ونعيد نحن كتلقين فكها وتركيبها بما يعطينا دلالات واشارات تفيد تشكيل رؤيتنا عن الموضوع.

ولكن الازمة أنه عندما توفرت للمخرج فرصة أن يحضر الثورة وبالتالي يمر بمرحلة تحول سياسي واجتماعي هامة في الشارع المصري نجده يبتعد قليلا عن موضوعه ويستغرق بشكل ما في الحديث عن الثورة والتحرير وانتخابات الرئاسة صحيح أنه حاول أن يربط هذا ولو قليلا باوضاع المرور والشارع ولكن استغراقه على سبيل المثال في تقديم احد مؤتمرات عمرو موسى اثقل ايقاع الفيلم كثيرا حتى عندما ربطه بعنصر اتوبيس الحملة الرئاسية الذي دخل إلى الشارع بشكل عكسي واوقف المرور وكأنه يريد أن يقول أن تلك الوعود البراقة التي يطلقها المرشحين لن تصبح ذات جدوى إلا اذا نزلت إلى ارض الواقع وتحققت في الشارع وها هو اتوبيس حملة أحد اهم المرشحين وقتها يدخل بشكل عكسي ويتسبب في ازمة مرورية خانقة لمجرد أنه يريد اللحاق بالمؤتمر.

المبدأ جيد ولكن الأيقاع خانه إلى حد كبير وافقدنا التواصل مع الخط الرئيسي المرتبط بالقيادة والمرور, وقد حاول المخرج استعادته من خلال العودة إلى النماذج التي كانت تتعلم القيادة وتحاول استخراج الرخثة مثل ربة البيت التي رفضت أن تستخرج الرخصة بالرشوة وقررت أن تستمر في المحاولة رغم ان الاختبارات صعبة بالدرجة التي تشعرك أنه لا يمكن اجتيازها سوى بالرشوة وكأنه توجه عام وخفي في نفس الوقت بينما الفتاة التي استخرجت الرخصة بالرشوة اضطرت في النهاية ومع فداحة الشوارع بعد الثورة  وغياب الشرطة والمرور تماما ان تحضر سائقا كي تتمكن من الذهاب إلى العمل.

يصل الفيلم هنا إلى ذروة قراءته السياسية والاجتماعية للمجتمع المصري عبر فكرة القيادة في القاهرة ففي احد المشاهد قبل الثورة يقول رجل الأعمال الشاب الذي يعاني من القيادة في الشوارع عقب تعرضه لعربة نقل تسير بشكل عكسي ان هذا المجتمع اصبح على شفا الأنهيار او الانفجار وانه في غضون سنوات قليلة سوف يحدث شئ عظيم لان الامور لا يمكن أن تستمر هكذا حيث الفوضى والفساد وضياع القيم التي تتجلى في القيادة.

يمكن بأسلوب الفك والتركيب ان نربط هذا المشهد بمشاهد الشوارع واللقاءات التي حصل عليها المخرج بعد الثورة حيث لم يتغير شئ بل ذادت الأمور سوءا وهنا لا نتوقف امام الفكرة السطحية أن المخرج يحاول ان يقول أن الثورة لم تكن شيئا ولكن الأمر يبدو اعمق من ذلك فالمشكلة ليست فقط في الاوضاع السياسية والأجتماعية ولكنها في الانسان المصري نفسه في المواطن الذي يتحدث عن الحرية والكرامة ولكنه ينتهك كل شئ اثناء قيادته للسيارة على اعتبار ان مجرد مساحة خالية في الطريق امامه حق مكتسب حتى ولو على حساب القانون أو احقية الأخر او السلامة العامة.

المشكلة كما ذكرنا أن الكاتب تعثر قليلا في فخ الحديث السياسي المباشر رغم أنه كان يتحدث بالفعل عن ادق تفاصيل الواقع السياسي المصري ولكن عبر عنصر شديد التميز والقوة وهو قيادة السيارات- ولا ننس ان القاهرة هي عاصمة مصر وهي اختصار مكاني للدولة باكلمها-

في النهاية يعود الكاتب إلى مقطوعة كلاسيكية جديدة نسمعها على لقطات الشوارع المكتظة بفوضى جنونية ولكن هذه المرة بعد الربيع العربي وفي غياب المايسترو المستحيل/عسكري المرور.

هنا تغلق تلك المقطوعة الموسيقية الدائرة التي بدأت بمقطوعة مماثلة في أول الفيلم، كي تشعرنا بعبثية الواقع المصري وعديمته وان كل شئ لم يتغير حتى بعد حدث جلل كالثورة بل ان الصورة نقصت عنصرا كان يحاول ايجاد بعض الهرمونية والتوازن او هو جزء من تلك الفوضى الفاضحة.

ومن سحر الوثائقية على المخرج فيلمه وبدون تخطيط مسبق ينتهي على حادثة سير تقع بالفعل اثناء تصويره من داخل سيارة الفتاة التي احضرت سائقا بعد ان عجزت عن القيادة في القاهرة، حيث يعبر أحدهم الشارع مسرعا فترتطم به السيارة ويكاد يفقد حياته لتصبح تلك الحادثة اكبر دليل على تعاظم الخطر وسوء الحال وتردي الأوضاع بدرجة تبدو بلا نهاية فالمخرج لم يعدم طوال الوقت تصوير الكثير من المشاهد واللقطات الغريبة والشاذة والتي تعكس سلوك طبيعة وحال البلد من خلال القيادة وبما أن الوضع مآساوي فلم يعدم أيضا حادثة حقيقية يتعرض لها وتصبح خير ذروة لفيلمه وابرك من ألف نهاية مفتوحة أخرى على الشوارع او السيارات أو مستقبل المجتمع في ظل الثورة وحكم الاخوان وما تلاه.

بل ان المخرج يعتصر تلك الحادثة بأن يقدمها خلال التيترات كي تستمر حالة التوتر والانفعال التي نتجت عنها مستمرة مع المتلقي حتى وهو يغادر الفيلم وهي نقطة تحيب له كل لا يطمئن المتفرج في خروجه من الفيلم بل تستمر معه الأفكار والمشاهد والتعليقات نفسيا وذهنيا اطول وقت ممكن والقاعدة تقول طوبي للمخرجين الذين يملكون بث الاضطراب عبر تجاربهم في نفوس متلقيهم  لأطول وقت ممكن من زمن التلقي الحقيقي وهو ما بعد العرض وليس اثنائه.

الجزيرة الوثائقية في

07/11/2013

 

أيتن أمين:

"فيلا 69" رسالة حب .. ورهاني على خالد فى محله

حوار : أمل صبحي 

أعربت المخرجة الشابة أيتن أمين عن سعادتها البالغة لفوزها بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة "افاق جديدة " بمهرجان أبو ظبى السينمائى عن فيلمها "فيلا 69"، والفيلم يعد التجربة الأولى لها فى الأفلام الروائية الطويلة، والذى شارك فى بطولته خالد أبو النجا ولبلبة وأروى جودة.. 

·        فى البداية هنأتها بفوز فيلمها بالجائزة وقلت لها، هل كنت تتوقعين فوز الفيلم بالجائزة؟

قالت مبتسمة: لم أتوقع ذلك على الإطلاق، ولكن كل ما كان يشغلنى هو تركيزى العميق فى عرض الفيلم، وردود أفعال الحضور نحوه، بإعتبار أن هذا أول عرض له. 

·        وماذا كانت تعنى لك المشاركة بفيلم روائى طويل فى مهرجان دولى؟

أرى أنها كانت فرصة جيدة لعرض الفيلم على جمهور من مختلف دول العالم، وهذا أسعدنى كثيرًا خاصة بعد أن تلقيت ردورد أفعال إيجانية نحوه.

·        وما الرؤية التى حاولتِ طرحها من خلال الفيلم؟

أعتبر الفيلم بالنسبة لىّ رسالة حب لأسرتى، والتى أعتقد أنها تشبه كثير من الأسر المصرية الموجودة فى مجتمعنا الآن، ويتناول "فيلا 69" موضوعات الحب، المودة والموت، وتدور أحداثه حول رجل يعيش فى عزلة ببيته، ولكن تأتيه شخصيات من ماضيه لتقتحم عزلته لتتغير حياته بعد مقابلته شقيقته وابنها، ونتيجة لذلك تشهد حياته تحولاً جذريًا فى نظرته الجامدة للحياة.

·        وكيف كان تعاملك مع وجوه جديدة شابة فى الفيلم؟  

استمتعت كثيرًا بالعمل مع وجوه  شابة جديدة،  ودائما أحب خوض التجارب الجديدة، أما بالنسبة  للنجوم الكبار، فكانت تجربة جديدة تمامًا عليّ وإكتشفت أن لديهم الرغبة، فى التجديد، فمثلا  الفنانة لبلبة على الرغم من أنها نجمة كبيرة، إلا أنها لازالت تحب التجارب الفنية  المتطورة، كما سعدت بمشاركتها، فهى بحق نموذج رائع للفنان المبدع، الذى يقدس العمل وإحترام المخرج.

·        وهل راهنك على شخصية خالد أبو النجا كان فى محله؟

خالد فنان بكل المقايس، ولدية قدرة على العمل والتصوير تحت ضغط، بالإضافة إلى أنه يعشق التمثيل، وهذا ساعدنى كثيرًا فى التعامل معه، وأكثر ما اعجبنى فيه هو أدائه الرائع فى تقمص الشخصية، وأحترامه لمواعيد التصوير، لذلك أنا فخورة بمراهنتى عليه، فقد أثبت أنه على قدر المسئولية. 

·        خلق  الفيلم حال من الجدل مابين مؤيد لفكرتة الجديدة واخر لاحظ ان شخصياته تضمنت  الغموض والاختزال  فى الاحداث فما تعليقك ؟

انا مع ان المعلومات تختزل فى الافلام و ان الذى  كان يهمنى هو ان الناس تعرف الشخصيات من خلال الاحداث و تكون وجهة نظرها الخاصة و تخمن تاريخ الشخصيات من خلال التفاصيل الموجودة داخل احداث الفيلم.

·        أكثر من جهة إنتاج دعمت الفيلم، هل هذا سهل من مهمتك؟

على الرغم من أن الفيلم إنتاج مشترك بين شركة فيلم كلينك محمد حفظى وشركة الفن السابع،  إلا أن الدعم الحقيقى الذى ساعد على ظهور العمل بشكل رائع ومشاركته فى المهرجان كان من قبل وزارة الثقافة، وأعتقد أن أغلب الأعمال الروائية تتطلب دعم الوزارة لكى تخرج إلى النور. 

·        نجحت فى تقديم عمل روائى يستطيع المنافسة فى المهرجانات وأيضا تحقيق نجاح تجاري، عند طرحه.. كيف ترين ذلك ؟

الفيلم حقق نجاحًا فى مهرجان أبو ظبي، وأعتقد أنه عند طرحه فى الأسواق سيلقى نفس النجاح، لأنه من النوعية الخفيفة، وشديد البساطة، ويحكى العلاقات الإنسانية التى تهم كل المواطنين.

تابعوا تفاصيل الحوار كاملاً على صفحات مجلة اخبار النجوم 

أخبار النجوم المصرية في

06/11/2013

 

تجارب سينمائية مصرية فى أبوظبى.. وجه مشرق وآخر مثير للجدل

رسالة أبوظبى ــ خالد محمود  

تشكل تجارب السينمائيين الشباب التى تستقبلها شاشات المهرجانات السينمائية الدولية وجها آخر لسينما مصرية غير تلك النوعية التى تحتل دور العرض المحلية وتواجه العديد من الانتقادات تصل لدرجة تبرؤ الكثيرين منها.. وهى بحق وجه مشرق وحالم ومثير للجدل بأساليبها ومضمونها أو صورتها السينمائية رغم حالة الإنهاك الفنى التى تبدو على تلك التجارب بفعل أزمات إنتاجية أحيانا أو سياق متخبط ومشوق فى طرح الرؤى والأفكار التى تستند على أيديولوجيات مسبقة أحيانا أخرى وهو ما يظهرها غير مكتملة النضج لكنها فى كل الأحوال تجارب تصنع حالة حضور فنى مختلف ومتوج بحصد الجوائز.

على شاشة مهرجان أبوظبى السينمائى شاهدنا فيلم «فرش وغطا» فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة وفيه قدم مخرجه ومؤلفه أحمد عبدالله تجربة مستوحاة من أحداث بدايات ثورة 25 يناير، وبالتحديد لحظة هروب المساجين من السجن، وبقدر ما طرح الفيلم صورة بصرية زاخمة وموحية عبر الرحلة وعلامات استفهام حول كيفية الهروب الا انه لم يتطرق إلى أسباب هذا الهروب، وكان همه الشاغل هو مصير غامض لأحد الشباب الهاربين الذى جسده آسر ياسين، حيث تبدأ الأحداث بمعاناة هذا الهارب وزميله المسيحى المصاب برصاصة، ولم يجد أمامه سوى أن يخفيه عن أعين الشرطة فى إحدى العشش بالطريق الصحراوى لحين العثور على مساعدة، ويأخذ منه جهاز الموبايل، ثم يتنقل بعدها فى عدة أماكن عشوائية كاشفا النقاب عبر الصورة عن مأساتها ومن يعيشون فيها فى لحظات صمت طويلة وكأن المخرج أراد أن يقول إنه لم تعد هناك إجابات عن أى شىء يحدث على أرض الواقع بما فيها لحظات العنف الذى يسيطر على الجميع. فالمساجين خرجوا بدون معرفة سبب إطلاق سراحهم بهذه العبثية، ثم يأتى السرد الدرامى ليتتبع رحلة الهروب وسط فوضى عارمة وفساد وطائفية وقتل.. المهم يصل الشاب إلى بيته وتستقبله أمه وأخته، ثم يخرج ليجد ملاذا مع بعض الناشطين فى مكان يبدو أنه تكية دراويش يداوون فيه الجرحى على وقع الإنشاد الدينى، وتطاردهم الشرطة ليهرب مرة أخرى إلى المقابر حيث يعيش فيها الأحياء بجوار الأموات، ويحاول بمساعدة أحدهم العودة إلى زميله فى الهروب الذى تركه فى العشة لإنقاذه، فلم يجده وعندما يذهب إلى منزله يجد سرادقا لعزائه، وفى معركة وسط الشارع قادها بلطجية أوحى الفيلم أن السلطة هى من أرسلتهم ليقتلوا ابن زميله المسيحى، وقد ترك السيناريو بطلنا الشاب يتصرف بتلقائية وواقعية دون أن يضع على لسانه أى أفكار، وكأنه أراد توثيق لحظة راهنة ومستمرة عن الوضع فى البلاد، سواء للذين هربوا من السجن فى حالة ميئوس منها لأنهم دفعوا إلى الفرار أو لهؤلاء الذين يعيشون خارج الأسوار وتم تجاهلهم فى كل شىء خاصة المهمشين الذين أصبحت أقسى أمانيهم الحصول على مأوى ولقمة عيش.. كانت الصورة بمثابة جسر بصرى وصرخة تعبر عنهم رغم حالة الصمت.. منذ حدث كل هذا بدون حوار حقيقى باستثناء بضع جمل قصيرة للربط بين الأحداث، وإن كان هناك تجاهل للكشف عن عمق أصول شخصياته وحقيقة وضعهم ومواقفهم الأولى، فهى لا تحمل أسماء وبالتحديد بطل العمل، فلم يظهر الجريمة التى تسببت فى دخوله السجن. واكتفى عبر صورة قاسية بالمرور على مجتمعات بعض الشرائح الاجتماعية ليكشف المستور فى حياتهم ومصيرها مجهول المستقبل.

ويبدو أن اسم الفيلم «فرش وغطا» مستعار من نص شعرى صوفى حيث كتب ذلك فى تتر النهاية وهو ما يرجع إلى ضرورة إمساك البطل بشريط كاسيت يحمل العنوان نفسه ويستمع إلى تلك الأغانى الصوفية التى وضع على خلفياتها سياق درامى مكثف لوضح الشرائح الدنيا فى المجتمع. ومن لحظة لأخرى نشاهد شريط فيديو عبر جهاز الموبايل يوحى ويوثق ما حدث أثناء الهروب فى صورة غير واضحة المعالم.. مهزوزة ومتداخلة.

الواقع أن آسر ياسين كان متميزا فى تقمصه شخصية السجين الهارب الذى يبحث عن فرش وغطا هو الآخر.. مصاب وحائر ومعزول بداخله بحركته البطيئة المتوجسة ونظراته التى تخشى الإفصاح عما يدور فى داخلها خوفا من إفصاح أمره الذى لا نعرف جذوره، وإن كان غياب الحوار الطبيعى فى العمل قد انتقص من أدائه وسياق رحلته دراميا، فقد اكتفى المخرج بمميزات شريكه وأسلوبه فى الإضاءة وحركة الكاميرا كان يمكن لها أن تصبح أكثر بريقا لو صاحبها عمق ومضمون أكثر وضوحا وهو ما لم يتحقق بالقدر المطلوب سينمائيا.

حتى وإن كان المخرج تقدم على مستوى التكنيك والتعبير بالصورة عن المشاعر والأفكار حيث تعامل مع الصمت كحالة معبرة عن الوحدة والقلق والشعور بالعزلة مع إضاءة طبيعية فى القاهرة العشوائية وحى الزبالين، مستغلا أماكن تصوير تعبر عن حالة عدم استقرار ودهشة وغربة سواء فى رحلة الهروب أو الأحياء الفقيرة المتهالكة. الواقع أيضا أن الشخصيات بلا كلمات تبدو غير طبيعية ومستفزة للمتلقى، وإذا كان من حق المخرج أن يستغنى عن الحوار بالصورة فهذا ليس معناه أن تتحول الشخصيات إلى صم وبكم فى مواقف ضرورية لسماع أصواتها حتى يكتمل الإيهام الخاص بالسرد والحكاية فى وجداننا، فنحن لم نسمع حوارات سوى فى لقاءات تليفزيونية مباشرة بدت إلى حد ما خارج السياق بما فيها المشاهد التى تبثها قناة الجزيرة التى توحى بأن البلد يشتعل. التجربة المصرية الأخرى فى فيلم «فيللا 69» الذي حصد جائزة لجنة التحكيم الخاصة، للمخرجة أيتن أمين والذي شارك فى مسابقة آفاق جديدة بمهرجان أبوظبى السينمائى فى أول أعمالها الروائية والحاصل على منحة صندوق سند من المهرجان. وقد جاء العمل ليكون أكثر جاذبية وألفة مع مشاهديه رغم غرابة القصة وفلسفة مضمونها الحياتى. وذلك بفضل أداء متميز لشخصيته الرئيسية «حسين» التى جسدها بنضج ورؤية وفهم الفنان خالد أبوالنجا فى مغامرة تحسب له وهو يؤدى دور رجل تجاوز الخمسينات من عمره. يعيش عالمه الخاص الملىء بالتوترات والهواجس والنظام الصارم داخل فيللته التى لم يخرج منها على مدار ثلاث سنوات مع مجموعة من الأصدقاء الذين يشكلون مفردات تعامله اليومى كالممرضة، والطباخ والمصورة الفوتوغرافية «أروى جودة» وفى مرحلة أخرى تقتحم حياته أخته التى جسدتها لبلبة وابنها الشاب المراهق. ومن الوهلة الأولى للفيلم تكتشف الحبكة بوقوع شخصية حسين فى فخ المرض الذى تظهر ملامحه عليه واختيار الإقامة فى مكان واحد قبل الرحيل الذى لم يأت. والفيلم لم يكتف بمتابعة تفاصيل الحياة اليومية لحسين المهندس المعمارى وصحبته التى اتسعت دائرتها فيما بعد يأكلون ويشربون ويدخنون معا ويتشاجرون، لكنه امتد لصراع جيلين سواء فى أسلوب المعيشة أو النظرة للحياة وكيفية إعاشتها حتى فى اختلاف الأذواق فى سماع الموسيقى والأغنيات والشعر ونوع الحشيش، بالإضافة إلى الأحلام والطموحات.. كل ذلك كان له مكان داخل السياق.

والحكاية التى ترصد حسين فى أيامه الأخيرة التى صاغها بأسلوب سردى واقعى ممزوج بروح السخرية والدعابة محمد الحاج ومحمود عزب، وهى الروح التى ربما تفتح المجال له لأن يعرض جماهيريا وينافس وسط سينمائى تجاربه سائدة، رغم أنه ينتمى لسينما مستقلة تعانى من أخذ فرصتها جماهيريا، وربما يكون لمنتجه صاحب الخبرة محمد حفظى دور فى خروجه للنور قريبا.

«إنه فيلمى» جملة قالتها المخرجة أيتن أمين وهى تدرك أنها أخرجت ما تحلم به وأرادته فى عملها الأول الذى ربما يرصد قصة غير مألوفة فى علاقة بطلها حسين بمن حوله بدءا من العاملين فى شركته المعمارية ومحاولة استغلال إخوته ليفضل أن يكتب نصيبه لصديقه الذى يراه أكثر وعيا فى العمل، ثم الممرضة التى تعتنى به وتحكى له أشياء خاصة عن حياتها الخاصة وتفتح قلبها له وهى تتحدث عن مشروع زواجها المؤجل بسبب ظروف خطيبها المالية، لنجد حسين وقد كتب له شيكا لحل الأزمة. ثم المصورة التى تصغره بعشرين عاما وبينهما لحظات رومانسية. واقع الأمر أن الفيلم وضع يده على جراح كثيرة نشأت من علاقة الأشخاص ببعضها داخل المكان الواحد الذى تدور معظم أحداث الفيلم داخله، وبانسيابية ونعومة ندرك أنه ليس مجرد لحظة الاستعداد لوداع شخص، بل وداع زمن ومدينة وذاكرة، كما نجح فى التعبير عن حالات السلوك العصبى لبطلنا التى هى نتيجة مخاوف من كسر أصول تربى عليها وانهيارها أمام أطماع بدأت تسود بين أفراد الأسرة الواحدة تجسدت الأخت نبيلة التى تعاملت معها بصدق لبلبة وابنها سيف وكذلك الشقيقان. رغبة حسين فى العزلة، وهى رغبة ظاهرية تكمن أيضا فى عزلة الحياة بحيويتها عمن يعيشون فيها وكأنها رغبة مشتركة فى هجرة كل منهما الآخر. فحسين الذى فضل العيش فى عزلة نتيجة أفكار وسلوك وثقافة وخواطر تسكن عقله ووجدانه سرعان ما تتغير مفاهيمه القاسية ونظرته الحادة للحياة عندما تقتحم حياته أخته وحفيدها. فيلم «فيللا 69» قدم نموذجا خاصا لحالة اغتراب وهو فى ثنايا سرده يرفضها أيضا وهو مزيج بين خلطة السينما التجارية المعروفة فى السوق السينمائية وبين الفيلم المستقل ذى الإمكانيات المحدودة، ويبدو أن مخرجته صنعته بحرية وغير مقيد بشروط السوق.

الشروق المصرية في

05/11/2013

 

فيلم «زرافاضة» الاستعانة بزرافة ذكر تعيش على أرض إسرائيلية لتنقذ أخرى أنثى بحديقة فلسطينية..

السينما الفلسطينية.. مقاومة المحتل أم استسلام للتعايش مع الآخر؟

رسالة أبو ظبي ــ خالد محمود  

بات الاقتراب من القضية الفلسطينية سينمائيًا أمرًا محيرًا وشائكًا، بل ويطرح بعض الأسئلة حول رؤى الأعمال وأفكارها وأهدافها، وهو ما يفجر صراعًا لدى المشاهد.. هل هي سينما مقاومة أم استسلام أم شيء آخر بينهما من أجل توافق لحياة مع جدار عازل؟!

يبدو الطرح الجديد للأفلام به نوع من الاستسلام لطرق معيشة مشتركة للمواطن الفلسطيني مع المحتل الإسرائيلي خلافًا لما كنا نرى فى أعمال سينمائية سابقة جسدت أطروحات مختلفة للنضال والتحدي والإصرار على رفض المحتل والمستعمر، لكن في فيلمنا الجديد «زرافاضة» الذي عرضته شاشة مهرجان أبوظبي السينمائي في مسابقة آفاق قدم بعض شخوصه الفلسطينية وكأنها تعيش لأهوائها على حساب متطلبات الوطن الضرورية، والبعض الاخر يستعين بالطرف الإسرائيلي ليساعده على البقاء وتعويض النقص الحياتي.

فمخرجه راني مصالحة في أول أعماله الروائية الطويلة قدم لنا حكاية زياد ابن العشرة أعوام الذي يعشق زرافتين في حديقة حيوان بمحافظة قلقيلية بالضفة الغربية المحتلة، يعمل بها والده الطبيب البيطري ياسين «صالح بكري»، وقد بنى حكايته على الحياة داخل حديقة الحيوان كما هي الحياة خارجها في التعامل مع السلطة الفلسطينية المحلية وشرطتها وشرطة الاحتلال.

فداخل الحديقة نجد علاقة الطبيب بمدير الحديقة الذى يهتم بنفسه على حساب الأزمات التي يعانى منها المكان كنقص الأدوية والغش فيها والمخاطر التي تنجم عن ذلك، فنحن أمام معركة يومية بين ياسين والسلطة المحلية الفاسدة لتكاسلها عن حماية الحديقة وتوفير الحد الأدنى من الرعاية لما بها، وقد بدت هذه الحديقة فى الفيلم كملجأ للاطفال لحظة الغارات، وما يدعو للسخرية أن المسؤول يتحجج في ذلك بانعدام الأموال اللازمة فى الوقت نفسه الذي ينضم أهل المنطقة للاحتفال بعيد ميلاده على حساب أى معاناة، حتى نمط المواجهة بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين بات طبيعيًا وبسيطًا ومتواضعًا، مجرد رشق بالحجارة فى أحد المشاهد ونرى آخر نظيره مع مواطنين ومسلحين فلسطينيين.

ومع سرد الحدث تظهر مصورة صحفية فرنسية تدعى لورا «لوردو كليرمو»، حيث يعالجها الطبيب البيطري من إصابتها فى إحدى الغارات، ولا نرى في العلاقة التى تنمو بينهما فيما بعد مبرر واقعي في السرد الدرامي لوضعها وموقفها من القضية الفلسطينية، ولماذا جاءت، فقد انخرطت فى حياة الطبيب وابنه البائس رشدى زيم، والعم حسن «محمد بكرى»، ونرى علاقة وطيدة فى منظور آخر بين ياسين وزميله الطبيب الفلسطيني وقد استعان الفلسطيني به من أجل إحضار زرافة أخرى ذكر لتعيش مع زرافة أنثى فى الحديقة الفلسطينية حتى تنقذها من مأساتها بعد أن فقدت ذكرها الزراف «روميو» فى إحدى الغارات الإسرائيلية، حيث أضربت عن الطعام حزنًا عليه، وتصبح حياتها مهددة، ويصبح أمام ياسين خيار واحد لإنقاذ الموقف ولإرضاء ابنه المتأثر سوى إحضار زراف آخر من خلف الجدار العازل، وهنا مغزى كبير، فالزراف الذكر على أرض إسرائيلية، بينما أنثى الزراف الحزينة بحديقة بأرض فلسطينية.

وقد مرر السيناريست خافيير نيمو قذا الموقف بدهاء ونوايا مكشوفة، وكأن الاستعانة بمن يخصب الفلسطينيين من أجل الحياة من مجتمع الاحتلال أصبح أمرا ضروريا وطبيعيا سواء بين عالم الحديقة أو عالم ما بخارجها، نحن امام صورة سينمائية لا واقعية حقة ولا فانتازية واضحة، لم نر طرحا عميقا مأساة الاحتلال التى يعيشها الشعب الفلسطينى سواء فيما بينهم او مع المحتل، فقد رأينا الابن زياد كئيبا بعد رحيل الزراف الذكر تاركا الأنثى ريتا وحيدة لم تستطع مواصلة حياتها كسابق عهدها، حينها يقوم الأب والابن والمصورة الفرنسية بمغامرة بذهابهم الى موقع الطبيب الذى يعيش فى منطقة اسرائيلية لجلب زرافة ذكر انقاذا لريتا، وهى مغامرة تكشف وقائع الجغرافيا ومرارة التقسيم وقسوة وضع راهن تحاول السينما ان تضع له تصورات حلول.

فقسوة الوضع كما اظهرها العمل ليست عند حدود الانسانية فقط، وعلاقة الصداقة بين الطبيبين الفلسطينى والاخر لا تلغى اوجاع الاقامة تحت سطوة الاحتلال، رغم ان العمل لا يتطرق الى السياسة بشكل مباشر وقد اعتمد الفيلم على حوار مباشر ورؤية عبثية تدعو للفكاهة الى حد ما حتى اننا لم نستطع ان نتعاطف مع الطفل بشكل جاد سواء فى حزنه على موت الزراف او لحظة سعادته وهو يسير بجوار الزراف الجديد خلال دخولها الحديقة وينظر لها الجميع شرطة فلسطينية وشعب دون اى اعتراض او سؤال..

وبينما نرى القبض على الطبيب ياسين يدخل روميو فى امان تاركا مع مشهد النهاية تساؤلات حول التحول فى السينما الفلسطينية تجاه ما تبقى من القضية وهل هو تحول خطير اذا ما وقفنا عند افكارها ام لا يتعدى الامر اكثر من كونها تجارب فنية وهى التساؤلات التى فرضها ايضا الفيلم الاخر «سلام بعد الزواج» سيناريو و اخراج غازى البعليوى الذى شارك فى البطولة ايضا مع هيام عباس، والفيلم يؤكد أيضا على إحلال السلام بين العاشقين الفلسطينى والإسرائيلية رغم اعتراضات واحتجاجات بعض الأهل.

ورغم أن أحداثه فى اطار كوميدى تدعوك للضحك لكنها ربما تبكيك فى النهاية لاستسلام مخرجين فلسطينيين لحكمة التعايش السلمى والتزاوج والمحتل، فنحن أمام عرفات شاب فلسطينى يعيش فى نيويورك مع والده ووالدته «هيام عباس»، وهو يعانى من مشاكل فى علاقاته العاطفية تصل لحد الفشل فى معرفة حتى كيف تكون العلاقة ومفرداتها، وتفشل كل محاولات زواجه من فتاة مسلمة، إلى أن يلتقى أحد الشباب الذى يحاول أن يجعله يتعود على إقامة علاقة عبر بائعات الهوى لكن الأمر ينتهى بشكل كوميدى أيضا وينكشف الموقف، ومع مرور السرد الدرامى يتعرف الشاب على فتاة إسرائيلية وتسير الأمور إلى الأفضل حيث تشبع رغبته الجنسية وسط متناقضات فى طبيعة العلاقات بين مسلم يهودى وعربى أمريكى ومتزمت وآخر عصرى وأم حائرة لا أعرف لماذا قبلت ممثلة كبيرة مثل هيام عباس تجسيد دورها.

الفيلم أيضا رغم أنه لم يتطرق لأمور سياسية بل أمور شهوانية أراها أعمق بكثير من الصورة المضحكة ومن حالة الغريزة للشاب والفتاة وهى أن المشترك الحسى الإنسانى اهم وقد يمحو العداوات والخلافات حتى لو كانت على حساب شرف وطن. لا ننكر الصورة السينمائية الجيدة للعمل لكننا نندهش من أمور أخرى كثيرة.

الشروق المصرية في

05/11/2013

 

مهرجان أبوظبي السينمائي

كتب الخبر طالب الرفاعي 

في ظل أوضاع عربية دامية ومؤلمة تعصف بأوطاننا العربية، تاركة للإنسان العربي أن يحيا على حافة الموت، الجسدي والمعنوي، في كل لحظة، يغدو مجرد النظر إلى الضفة الأخرى شيئا من البطولة.

وإذا كان الإنسان العربي يعيش محبطاً ومنكسراً ويائساً في واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي باتت أمراضه تستعصي على العلاج والحرية والسلام والديمقراطية، فإن رسم بصيص أمل أمامه يعني إمداده بطاقة سحرية تعينه على تحمل مآسي واضطرابات الواقع، وربما هذا هو أعظم ما يقدمه الفن والأدب للإنسان، وكم هو مقدس ذلك!

"مهرجان أبوظبي السينمائي" في دورته السابعة جمع من حوله مئات المشتغلين بالهم السينمائي والفني والأدبي، عرباً وأجانب، ليحضر الفن السابع بين جمهوره العريض، في دولة الإمارات العربية المتحدة، كأجمل ما يكون، وليحضر الهم الإنساني بصورته الساحرة، التي تتحدى وتتجاوز كل الحدود، جاعلة من حياة الإنسان ومعاناته وأفراحه مشتركاً بين البشر!

اشتمل المهرجان على العديد من المسابقات: مسابقة أفلام الإمارات وضمت أفلاما روائية ووثائقية قصيرة للمحترفين، وأفلاما روائية ووثائقية قصيرة للطلبة. إلى جانب مسابقة الأفلام القصيرة العربية والعالمية، ومسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ومسابقة آفاق جديدة، ومسابقة عروض السينما العالمية، ومسابقة جائزة حماية الطفل.

الوقوف أمام مسيرة المهرجان يظهر القفزات الكبيرة التي يحققها ما بين دورة وأخرى، وإذا كان الهدفان الأساسيان للمهرجان يتمثلان في السعي لخلق صناعة سينمائية إماراتية عربية عالمية، وبث وعي سينمائي فني عالٍ بين الجمهور، فإن الخطوات التي يسير بها المهرجان تؤكد أنه على المسار الصحيح، وأنه بدأ بجني بعض الثمار الطيبة لجهده التراكمي.

إن سعي المهرجان لخلق جيل من السينمائيين الإماراتيين يتجلى في تخصيص مسابقة لأفلام الإمارات، في قسميها الروائي والوثائقي، وإشراك طلبة الإمارات في المراحل الجامعية فيها. ولقد أتاح لي وجودي كعضو لجنة تحكيم في هذه المسابقة الاطلاع على قرابة ثمانية وأربعين فيلماً، كان من بينها أفلام تشير بشكل واضح إلى وجود مواهب واعدة يمكن الرهان عليها، وليس أدلّ على ذلك من الفيلم الوثائقي "إطعام خمسمئة" للمخرج الشاب رافد الحارثي، الذي فاز بالجائزة الأولى للأفلام الوثائقية القصيرة، وفيلم "وهقة" للشابة ريم المقبالي، الذي حصل على الجائزة الأولى للأفلام الوثائقية القصيرة للطلبة، وكذلك الفيلم "لا أفهم" للمخرجة "نورة الزرعوني" الذي حاز الجائزة الأولى للأفلام الروائية القصيرة للطلبة.

احصائيات عربية وعالمية كثيرة تظهر أن أكثر الفئات تضرراً لما هو حادث في أقطار الوطن العربي، واقطار كثيرة أخرى منكوبة بالحروب والاقتتال الطائفي، هم فئة الأطفال. وجائزة "مسابقة حماية الطفل" في المهرجان تمثل وعياً إنسانياً متقدماً تجاه قضية الطفولة، والتفاتاً محموداً للسينما التي تجعل قضايا الطفولة همّاً فنياً لها، ومحاولة مدّ يد العون للطفولة، عبر تسليط الضوء على مشاكلها ووأوجاعها ومآسيها، وأخيراً آمالها المعلقة بحبال من الهواء.

مهرجان أبوظبي السينمائي، كان مناسبة رائعة لجمع عدد كبير من السينمائيين والأدباء والفنانين، حول مائدة الوصل الإنساني، وحول الفن والنقاش وخطط العمل المشترك، خاصة وأن ظروف أقطار الوطن العربي ما عادت مؤاتية وسهلة للوصل بين الفنان العربي وأخيه العربي، وبين الفنان العربي والآخر الأجنبي. ولدي قناعة تترسخ بمضي الوقت، أن أحد أهم ما يمكن أن يقدمه أي تجمع ثقافي أو فني، هو لقاء المفكرين والأدباء والفنانين بعضهم ببعض، وتجديد روابط المودة بينهم، وذلك هو الأبقى.

تحية لجميع القائمين على مهرجان أبو ظبي السينمائي، للجهود الكبيرة والمضنية والسخية التي بذلوها لإنجاح المهرجان، ومؤكد أن عملهم يستحق الإعجاب ويستحق أيضاً كل الأماني الطيبة بنجاحات قادمة.

الجريدة الكويتية في

05/11/2013

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2013)