حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الثالث والستون

معالم منافسة بين فيلمين من شيلي ورومانيا في مهرجان برلين

أمير العمري- برلين

بدا واضحا الآن أن هناك فيلمين يستحوذان على أذهان وعقول الجميع هنا في مهرجان برلين، من تلك الأفلام التي تعرض للمرة الأولى عالميا داخل مسابقة المهرجان العريق.

التنافس بين الفيلمين ليس فقط على الدب الفضي، أي الجائزة الكبرى للمهرجان، بل وأيضا على جائزة أحسن ممثلة. والطريف أن بطلتا الفيلمين تجاوزتا منتصف العمر. والفيلمان من نوع الدراما الإجتماعية التي تقطعها لحظات تثير الضحك. الأول من شيلي والثاني من رومانيا.

ويعتمد الفيلمان على الاستخدام الحر للكاميرا المحمولة (بشكل أكثر بروزا في الفيلم الروماني) وعلى الأداء التمثيلي حيث توجد الممثلة- البطلة التي تنتمي للطبقة الوسطى (الثرية) في بؤرة الحدث، وعلى سيناريو قوي متماسك يقدم دراسة جيدة وعميقة للشخصية الرئيسية وينسج الأحداث ببراعة ويطورها تدريجيا وصولا إلى الذروة، بحيث يشد المشاهدين حتى اللحظة الأخيرة.

الفيلم الأول هو "جلوريا" Gloria من شيلي للمخرج سباستيان ليليو Sebastian Lelioوهو فيلمه الروائي الطويل الثالث، وهو يدور حول إمرأة في الثامنة والخمسين من عمرها، مطلقة وليدها إبن وإبنة، نضجا واستقلا وأصبحا يعيشان حياتهما الخاصة، أما زوجها السابق فقدد تزوج من إمرأة أخرى، وأصبحت هي تعاني من الشعور بالوحدة القاتلة، وجفاف الحياة رغم أنها تعمل، فتتردد على ملهى ليلي لكبار السن من غير المرتبطين، وهناك تلتقي برجل في الخامسة والستين من عمره، يصبح مهووسا بها، خاصة بعد أن يمارس الإثنان الجنس معا في شقة جلوريا، إلا أنه وهو حديث الطلاق، لايزال مرتبطا بانتيه وزوجته السابقة، ينفق عليهما ولا يتردد عن الاستجابة لطلباتهما عاجزا عن الاستغراق في اللظة والإحساس الكامل بها مع جلوريا.

تدعوه جلوريا إلى حفل عيد ميلاد إبنها في حضور إبنتها وزوجها السابق وزوجته، لكنه يشعر بالغربة وسط الحشد العائلي ويفر هاربا بدون أي إنذار مما يشعر جلوريا بالغضب.

وهي تقول له إن ارتباطه الشدي هكذا بابنتيه لا يترك لهما مجالا لحرية الحركة والبحث عن طريقهما الخاص في الحياة كما أنه يصبح أيضا أسيرا لحياته القديمة لا يمكنه التحرر منها والبحث عن حياة جديدة معها.

هو يقرأ عليها قصائد الشعر في الفراش مع تكرر اللقاءات الجنسية بينهما. لكنها تريد أن تشعر بأنها أصبحت حقا محور حياته، وتريده أن يشاركها الحياة في حين يهرب هو باستمرا لخوفه من الدخول في حياة جيدة. العلاقة بينهما لا تكتمل أبدا بالتالي، بل تنتهي نهاية سلبية لكي تجد جلوريا نفسها مجددا تعيش حالة الجفاف العاطفي والنفسي، وتقاومها بمنتهى الصلابة وتبدأ مجددا في الإندماج في الحياة والاستمتاع بها على أمل أن تكتمل سعادتها.

في الفيلم مشاهد صريحة للقاءات الجنسية بين المرأة والرجل، يستخدم المخرج في تصويرها لقطات قريبة تكشف عن الترهلات والانثناءات الواضحة على الجسد والجلد بتأثير الزمن على دون خجل أو تردد.

الاستخدام الرائع الموحي للأغاني والموسيقى في الفيلم يجعل من الفيلم قطعة سينمائية لاتينية نابضة بالحياة.

لكن أهم ما يميز الفيلم ذلك السيناريو المكتوب ببراعة ودقة والذي يتدرج في تصوير الأحداث واللقاءات التي تدور بين الشخصيتين الرئيسيتين، أو في الأجواء العائلية التي يجيد المخرج ليليو تصويرها منذ فيلمه الأول "العائلة المقدسة" (2005).

تتألق في الفيلم الممثلة بولينا جارثيا في الدور الرئيسي. إنها حاضرة في كل المشاهد تقريبا، وحضورها يتم تجسيده وهي في الحمام تتبول أو تستحم، أو في الملهى الليلي ترقص مع هذا أو ذاك، أو في حياة أسرتها، تحاول أن تقترب منها مرة أخرى حتى لا تشعر بالوحدة، ولكن دون نجاح، فإبنتها تقرر أن ترتبط بشاب سويدي وتسافر للعيش معه في السويد، ,إبنها مشغول بطموحاته الخاصة. الممثلة لم تجد حرجا في أداء المشاهد الجريئة، تماما مثلما هو حال الممثل التشيلي سيرجيو هيرنانديز الذي يتهم المجتمع في شيلي بالنفاق والازدواجية، ويقول إن كثيرين في بلاده يبحثون عن العلاقة مع الآخر، حتى بعد أن يتجاوزا سن الشباب لكنهم يتظاهرون بأنهم لا يبالون!

ويبدو أن الاهتمام بتصوير كبار السن أو الشخصيات التي تجاوزت سن الشباب ومنتصف العمر، أصب يجد اهتماما لدى صناع الأفلام في الغرب خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه الفيلم الفرنسي "الحب" Amour للمخرج النمساوي الكبير مايكل هانيكه الذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان ثم رشح للأوسكار.

والمرأة ما بعد منتصف العمر، في الستين من عمرها، هي أيضا بطلة الفيلم الروماني Child’s Pose الذي يمكن ترجمته في رأيي بشكل أفضل "سلوك طفل". الفيلم ينتمي للموجة الجديدة في السينما الرومانية التي قدمت خلال السنوات القليلة الماضية عددا من أهم الأفلام الأوروبية مثل "4 شهور و3 أسابيع ويومان" و"موت السيد لازاراسكي" و"بوليس" و"الفجر أو أورورا" و"وراء التل".

هذا هو الفيلم الروائي الطويل الرابع للمخرج الفيلم هو كالين بيتر نيتزر Calin Peter Netzer وهو يتناول الفساد الاجتماعي في رومانيا ما بعد سقوط الشيوعية، وكيف انتشرت الرشوة في الشرطة، وأصبح من الممكن شراء القضاء، ولكن من خلال دراما اجتماعية تدور في محيط الأسرة.

الأسرة ممزقة مففكة بين أب سلبي لا يستطيع إتخاذ أي قرار، وأم متسلطة تميل للسيطرة على إبنها الشاب وتصر على معاملته كطفل، وإبن يشعر بالفور والرفض الشديد لكل من الأب (بسبب عجزه واستسلامه) والأم (لرفضه سيطرتها عليه بعد أن أصبح رجلا يرى أن من حقه أن يختار لنفسه).

تنهار الحياة الزائفة للأسرة بعد أن يتسبب الإبن بسبب تهوره في قيادة السيارة، في حادث سير يروح ضحيته صبي في الرابعة عشرة من عمره يصدمه الإبن أثناء عبوره الطريق.

الأم "كورنيليا".. مصممة أزياء ومجوهرات تمتلك فيلا فاخرة، تنظر باحتقار إلى المرأة التي يحبها إبنها ويرغب في الارتباط بها لأنها من طبقة أدنى، وهي أيضا مطلقة ولديها طفلة، وهي تضغط بشدة على الشرطة لكي يتم تغيير شهادة الإبن الذي اعترف بأنه تجاوز السرعة المقررة في القيادة، بل تقروتستخدم علاقاتها بذوي النفوذ من أجل تفادي الحكم على إبنها بالسجن لمدة خمسة عشر عاما، ولا تدخر وسعا في تقديم رشوة للشاهد الرئيسي على الادث، بل وتقرر أيضا القيام بزيارة لأسرة الطفل الفقيد لتعرض عليها مبلغا من المال، مقابل التنازل عن الدعوى القضائية.

تشكو كورنيليا لابنها من كونه لا يبدي لها الحب ولا يظهر لها ذلك الاحترام الضروري بين الإبن والأم، فيطلب هو منها ويلح في الطلب، أن تبتعد عن حياته لبعض الوقت لعله يستطيع أن يستعيد مشاعره تجاهها.

تجسيد درامي هائل لشخصية أم إعتادت على التحكم في مسار الأشياء من حولها: إن عالمها بأكمله يكاد ينهار من فعل الصدمة، أي صدمة اكتشاف أن هناك أشياء لا يمكنها شراؤها. إنها في مواجهتها لأسرة الطفل القتيل تبدو خلال حديثها الباكي المستعطف، كما لو أنها هي التي فقدت إبنها وليست تلك الأسرة المسكينة التي تمتلك من الكرامة من يجعلها ترفض بيع موقفها بالمال.

كاميرا تتحرك طيلة الوقت، في توتر وعصبية، واعتماد واضح، كما في الفيلم السابق أيضا، على اللقطات القريبة التي تكشف الانفعالات وتعبيرات العينين والوجه، وتشي بالصراع الكامن داخل الشخصية، واستخدام جيد للموسيقى وشريط الصوت عموما، والحوار الذي يكشف بشكل غير كباشر عن الكثير مما يرقد تحت السطح.

هذا أيضا فيلم أداء تمثيلي بالدرجة الأولى. والمملثة الرومانية لومينيتا غيورغيو Luminita Gheorghiu التي تألقت من قبل في فيلم "موت السيد لازارسكي" تعبر بأدائها العبقري عن لوعة الأم التي تعلم أن إبنها يرفضها لكنها لا تستطيع إلا أن تحبه وتسعى بشتة الطرق لإنقاذه مهما كلفها الأمر. إن أداءها هو في النهاية، العمود الفقري للفيلم بأكمله.

عين على السينما في

11/02/2013

لاشيء يلمع في مسابقة مهرجان برلين السينمائي

أمير العمري- برلين 

انقضت الأيام الأربعة الأولى من مهرجان برلين السينمائي (7- 17 فبرير) التي شهدت عرض تسعة أفلام من بين 22 فيلما هي أفلام المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة (لا توجد أفلام تسجيلية طويلة في المسابقة).

لكن ما عرض حتى الآن، رغم تنوعه الشديد في الموضوعات أو الأساليب، لم يكشف بعد عن عمل يحظى بإجماع النقاد والسينمائيين الحاضرين هنا على اعتباره "تحفة" سينمائية أو عملا متألقا يضيء سماء المهرجان الذي يقام في ذروة موسم الشتاء في برلين حيث تتجمد البحيرات والقنوات، ويهطل الجليد يوميا، وتنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر بكثير.

إلا أن تزاحم جمهور برلين بعشرات الآلاف، على حضور كل عروض المهرجان بلا استثناء، يمنح المرء الكثير من الأمل في أن السينما كفن لاتزال تتمتع بالحياة والقدرة على جذب الجماهير، والإيمان بأنها ق أصحبت فنا راسخا ومددا ثقافيا.

علينا بالطبع أن نأخذ في الاعتبار المستوى التعليمي والثقافي الكبير الذي يتميز به الجمهور الألماني، سواء المقيم فيي العاصمة الألمانية التاريخية أي برلين، أو القادم إليها خصيصا للمشاركة في المهرجان من مدن أخرى، ومقارنة هذا بما نراه في بلادنا التي تقام فيها المهرجانات في محاكاة للتظاهرات الغربية والأوروبية عموما، حيث يحجم الجمهور عن حضور العروض حتى لو أقمنا المهرجانات وجعلنا مشاهة عروضها بالمجان وهي تجربة مهرجان الاسماعيلية السينمائي منذ نشأته حتى الآن، وتدربة مهرجان القاهرة السينمائي أيضا منذ نهاية التسعينيات، أي منذ أن أصبحت الأفلام (التي تعرض مشاهد جنسية صريحة) متوفرة على شبكة الانترنت وعبر شبكة القنوات الفضائية.. الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول مدى ما وصلنا إليه من تدهور ثقافي فاضح، وهو وضع مرشح لمزيد من التدهور في ظل صعود تيارات الإنكفاء السياسي والاجتماعي والتردي الثقافي وقمع الحريات باسم الدين والتدين والعودة إلى السلف، التي تبشرنا بها الفاشية الدينية العربية التي توجد في الحكم حاليا.

الأفلام التسعة التي عرضت في المسابقة جاءت من كل من روسيا والولايات المتحدة وإسبانيا وتشيلي وبولندا والنمسا وألمانيا وفرنسا.

حياة طويلة وسعيدة

الفيلم الروسي "جياة طويلة وسعيدة" للمخرج بوريس خلبنيكوف، يبدأ بداية قوية مثيرة للاهتمام، تبشر برؤية جديدة لما يحدث في وسيا اليوم من بروز الرأسمالية المتوحشة التي تعادي حتى المشروع الفردي الصغير وتميل لترسيخ الاحتكارات الكبيرة التي تستولي على كل شيء بدعوى حرية الملكية الخاصة وحمايتها، إلا أنه ينحرف بعد ذلك فيضل الطريق، يتوه الموضوع، ويتخبط الأسلوب، ويخرج الفيلم عن مساره في اتجاه المبالغات الميلودرامية التي لا مبرر لها في السياق أصلا.

المضوع يدور في مزرعة يستأجرها شاب يدعى ساشا قادم من المدينة إلى الريف لكي يحقق طموحه في إمتلاك وتطوير مشروعه الخاص الذي يتمثل في تنمية هذه المزرعة التي يستأجرها من الجهة الرسمية التي تديرها بعد انهيار تجربة المزارع الجماعية إبان العهد السوفيتي.

ساشا يقيم علاقة عاطفية مع فتاة تعمل في الشركة المكلفة بتفكيك الأراضي وبيعها والتي بدأت الآن في تفكيكها بالفعل وبيعها للشركات الاحتكارية والأفراد، ومن ضمن من ينطبق عليهم قرار التفكيك ساشا نفسه الذي يتعين عليه بموجب القرارات الجديدة، أن يتنازل عن الأرض مقابل الحصول على تعويض مالي يقولون له إنه سيكون "سخيا".. أما في حال عدم موافقته وتوقيعه على التنازل عن الأرض فسيتم الاستيلاء عليها هل دون دفع أي تعويض.

في البداية يبدو ساشا رافضا للفكرة تماما، فتنازله عن الأرض يعني ضياع جهد وعرق سنوات من العمل الشاق مع فريقه من العاملين والمزارعين الذين يساعدونه باخلاص كما رأيناهم في المشهد الأول من الفيلم وهم يشتركون في إطفاء النيران التي اشتعلت في منزل مجاور للمنزل الي يقيم به وكادت أن تمتد لتلتهم منزله.

يمارس عليه المسؤولون ضغوطا شديدة، ويلوحون له بالتهديدات بحرمانه من التعويض المالي في حالة تقاعسه عن التوقيع، كما تمارس عليه صديقته صغطا من جهة أخرى بتنمية الحلم لديه بالانتقال إلى المدينة وشراء شقة حديثة معا. وهو يرضخ للمطلوب، ويوقع أوراق التناول بالفعل لكنه يفاجأ عند إبلاغه العاملين بالمزرعة بالمصير الذي ينتظرهم من فقدان لأعمالهم، بموقف صلب شجاع يرفض بأي حال التنازل عن المزرعة، ويبدي الجميع أمامه استعدادهم للقتال معه في حالة وقوع أي مواجهة مع السلطات التي لاريب أنها ستسعى لإخراجه من الأرض بالقوة، ويبدأون بالفعل في التسلح استعداد للمواجهة المنتظرة.

صديقة ساشا تهجره بسبب تراجعه عن الاتفاق الي كانت تأمل من وراءه أن تحقق حلمها معه في امتلاك شقة في المدينة، وترفض توسله لها بالعودة إليه واستئناف علاقتهما كأن شيئا لم يحدث.

من هنا يبدأ التحول المفاجيء في مسار الفيلم، فعمال المزرعة سرعان ما يتراجعون، واحدا وراء الآخر، عن مساندة ساشا، بموجب ذرائع وتعليلات مختلفة، بل يظهر من بينهم من يقول له: كان الأفضل ألا تصدقنا فنحن مجموعة من الرعاع!

هل يريد الفيلم أن يوجه إدانة للطبقة "العاملة" وللفكرة الماركسية التقليدية عنها بأنها تقف تقليديا، مع الروح الجماعية في مواجهة النزعة الفردية، وتعرف كيف تدافع عن حقوقها!

بدلا من أن يعود ساشا لقبول التعويض المالي السخي وهو ما اتفق عليه بالفعل مع مسؤوليالشركة ثم نقض الاتفاق، يتحول إلى خصم شرس للشركة، ويقرر مواجهة الأمر بنفره فيقتل المسؤول ومساعده والشرطي عندما جاءوا للاستيلاء على الأرض وطرده منها. وينتهي الفيلم تلك النهاية الدموية التي لا معنى لها ولا منطق!

من أسلوب الفيلم الاجتماعي النقدي لما يحدث في روسيا اليوم، إلى أسلوب الفيلم السيكولوجي أي الدراما النفسية حيث يتحول بطل الفيلم من شاب يتمتع بدرجة عالية من المعقولية في التصرف إلى سلوك متطرف أقرب إلى السلوك السيكوباتي بما يؤدي إليه من قتل ودماء.. يمنتقلالفيلم في تخبط فني شائن يقلل كثيرا من قيمة العمل.

هناك بعض المشاهد التي لا تنسى في الفيلم منها مشهد عبور ساشا جسرا على ذلك النهر الصغير إلى الضفة الأخرى حيث يقيم في منزل يطل مباشرة على النهر من غرفة النوم وهي خلفية تضفي نزعة جمالية خاصة على الفيلم حيث توحي بالصراع الكامن تحت السطح.

ويستخدم المخرج في تصوير الفيلم كاميرا متحركة محمولة حرة، تمنح الفيلم طابعا تسجيليا، والممثل الذي يقوم بالدور الرئيسي يتمتع بنوع من الجاذبية والقدرة على الأداء بتلقائية وبساطة آسرة. ولا يوجد مغزى لعنوان الفيلم سوى أن يكون تعلقيا ساخرا على الوضع!

أفلام أخرى

الفيلم الفرنسي "الراهبة" لا يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام في تناول موضوع الفتاة التي تدخل الدير لكي تصبح راهبة لكنها تتمرد على حياة الدير وترفض الخضوع لها مما يعرضها للعقاب الشديد على أيدي رئيسة الراهبات الجامدة، وبالتالي لا يتجاوز الفيلم الفرنسي الشهير الكبير لآلان رينيه بالعنوان نفسه من عام 1964 ولا الفيلم الروماني الأحدث كثيرا "وراء التل" الذي شاهدناه قبل عامين في مهرجان كان.

الفيلم النمساوي "الجنة: الأمل" Paradise: Hopeللمخرج أولريخ سيدل وهو الجزء الثالث والأخير في ثلاثيته عن مفهوم الجنة أو الفردوس الأرضي ، جاء مخيبا للآمال وأقل كثيرا من الجزء الأول على الأقل: "الجنة: الحب" (لم أشاهد الجزء الثاني للأسف).

الفيلم يدور في مصحة لعلاج السمنة للفتيات البدينات في سن المراهقة، ويبدأ بشكل جديد لافت ومثير للضحك، حيث يصور انصياع الفتيات (بينهم ولد أو إثنان) للمدربين الذين يقومون بتدريبهم على بعض الألعاب الرياضية والسباحة يتمتعون بدرجة كبيرة من التشدد والانضباط، ويتم عزل الفتيات تماما عن المحيط في منطقة جبلية نائية في النمسا، وحرمانهم من تناول الطعام إلا ما تحدده لهم المصحة، وقد جاء معظمهن من أسر مفككة تعاني من الطلاق والانفصال وعدم تمتع الأم بأي قدر من المسؤولية، فتصبح علاقتهم ببعضهن البعض أهم من العلاقة الأسرية التي يفتقدن إليها. ما الجديد هنا؟ لا شيء!

تسر الفتيات لبعضهن بأسرارهم الخاصة التي تدور في معظمها حول خطواتهن الأولى في عالم الجنس والتعرف على الجنس الآخر، وهي لا تخرج عن الحديث حول القبلات والرغبة والمعابثة وما إلى ذلك. وهنا يبدأ تركيز الفيلم على فتاة بعينها منهن هي "ميلاني" الشقراء التي تعجب إلى درجة الهوس، بطبيب المصحة المقيم وهو رجل في الخمسينيات من عمره، لا نعرف ما إذا كان متزوجا أم لا، تتردد عليه بانتظام، وتنتظره وتتحدث عنه لزميلتها في الغرفة، وهو يشجع خطواتها الأولى في التقرب منه إلا أنه يرفض التمادي معها بل ويحذرها مرة ومرات، حتى أنها تتصو، كما تروي لصديقتها، أنه يرفضها بسبب بدانتها رغم جمالها الظاهر.

ربما تكون تلك العلاقة تعويضا عن افتقاد الفتاة للعلاقة الأسرية المتوازنه، لكن المشكلة أنها علاقة تبدو أقرب إلى الهوس المتبادل بالجنس الآخر المختلف الذي ينتمي إلى فصيلة عمرية أكبر كثيرا أو أصغر كثيرا، أي على شاكلة عقدة"لوليتا".. الوقوع في حب نموذج الرجل/ الحبيب/ الأب.

لا تخرج العلاقة في أقصاها، بين الإثنين، عن تبادل العناق الإنساني البسيط الذي يعكس بالفعل تلك العلاقة بين الأب والإبن، لكن الفتاة تمارس الإغواء وتحاول دفع العلاقة في اتجاه آخر لا يتحقق أبدا دون أن نعرف لماذا أيضا؟ هل لمجرد إدراك الرجل مسؤولياته وحدود أمام فتاة في الثالثة عشرة من عمرها، بحيث يعجز عن اجتياز حاجز السن وما قد يترتب عليه من عواقب قانونية خطيرة؟ أم لأن الرجل، كما يوحي المشهد الأخير من الفيلم، لديه الرغبة لكنه عاجز جنسيا، يقوم بتعويض العجز بأداء مجموعة من الألعاب المثيرة مع الفتاة؟

يحملها الطبيب ويضعها في سيارته، من حانة قريبة هربت إليها مع صديقتها من المصحة لقضاء سهرة حرة، تفرط خلالها في احتساء الشراب، إلى أن تفقد وعيها.. ويتوقف بالسيارة في مكان ما في الغابة القريبة من المصحة، في نفس المكان الذي حاولت أن تستدرجه إليه من قبل. وهناك يضع جسدها على الأرض وهي لاتزال فاقدة الوعي، ويقوم بتقبيل قدميها وساقيها وجبيتها ووجهها بشكل محموم لكنه أقرب إلى الفعل ابي منه إلى الفعل الإيجابي المعروف في الجنس، وفجأة عند لحظة ما، يتوقف عما يفعله ويتمدد في سكينة تامة إلى جوارها على الأرض!

ما مغزى هذا "الأمل" الذي لا يتحقق في الحب؟ وهل الحب هنا وهم نابع من وحي فتاة مراهقة لا تعرف أصلا معنى الحب، أم أنه تعبير عن الإحباط الذي يواجهنا بشكل عام في الحياة اليوم، عندما نضع كل أملنا في شيء ثم نصحو على حقيقة أخرى، عندما يخذلنا الواقع؟

لا أعرف كيف يمكن تقييم هذا الفيلم في سياق أعمال مخرجه الأكثر حرارة وجرأة وجدة في المعالجة، سوى أنه مجرد استجابة لإغواء الفكرة الأولى دون النجاح في تطويرها. وهذه هي مشكلة أفلام كثيرة هنا في مسابقة مهرجان برلين. وسنعود إليها في رسالة أخرى قادمة.

عين على السينما في

10/02/2013

مهرجان برلين السينمائي:

الأرض الموعودة والعودة إلى المثل العليا!

أميرالعمري- برلين 

الأفلام الأمريكية في مسابقة مهرجان برلين السينمائي خمسة أفلام هي "قبل منتصف الليل" لريتشارد لينكلاتر، و"دم داكن" لجورج سلويزر، "الموت الضروري لتشارلي كونتريمان" لفريدريك بوند، و"انهيار برينس جليدي" لديفيد جوردون جرين، وأخيرا "الأرض الموعودة" لجاس فان سانت.

فيلم "الأرض الموعودة" أحد أفلام عديدة، ظهرت في الشرق وفي الغرب، تحمل العنوان نفسه (أحد أفلام أندريه فايدا الشهيرة من عام 1975 هو فيلم "اأرض الموعودة" أيضا ولكن الموضوع بالطبع شديد الاختلاف). أما العنوان هنا فهو لا يشير إلى أرض فلسطين مثلا، ولا إلى الولايات المتحدة التي كانت أيضا تعتبر كلك من قبل الباحثين عن الذهب في "العالم الجديد" قبل قرنين من الزمان (البحث عن الذهب في أمريكا بالمناسبة، موضوع فيلم ألماني في المسابقة بعنوان "ذهب").

أما "الأرض الموعودة" فهو يدور في الوقت الحالي في أمريكا ويتناول موضوع التنقيب عن الغاز الطبيعي في بعض البلدات في ولايات مختلفة وكيف تتهافت شركات استغلال حقوق الغاز العملاقة على الحصول على موافقة ملاك الأراضي التي تعتقد أنها ستعثر فيها على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي يمكن استغلالها تجاريا على نطاق واسع وتجني من وراء ذلك بالطبع أرباحا فلكية.

بطل الفيلم "ستيف" (مات دامون) يعمل مندوبا لشركة عملاقة تدعى جلوبال، وهو ينتقل بين مختلف الولايات لتأمين الحصول على موافقة الأهالي هنا وهناك على البحث عن الغاز واستغلاله من طرف الشركة في الأراضي التي يمتلكونها، مقابل الحصول على مبالغ مالية ضخمة وبعض الخدمات الأخرى تقدم لسكان القرى والبلدات.

لكن ستيف يواجه مقاومة ضارية في البلدة التي يحط رحاله فيها مع زميلته في العمل "سو" (التي تقوم بدورها الممثلة الأثيرة لدى الأخوين كوين كوين، فرنسيس ماكمدورماند). يتصدى لهما أولا مدرس متقاعد يلقي بالشكوك حول المبادرة بشدة أمام اجتماع الأهالي في نادي البلدة، ويحذر من المخاطر التي يمكن أن تتمحض عن عملية الحفر وتسبب ضررا كبيرا للتربة وتقضي على الزراعة.

يظهر بعد ذلك شاب قثادم من خارج البلدة يدعى داستين، يمثل وكالة غامضة تدعى أثينا، يشن حملة مناهضة للمشروع ولشركة جلوبال، تشمل توزيع منشورات وتعليق لافتات تحذر من خطورة مشروع استخراج الغاز، بل ويقوم أيضا بجولة على المدارس لتوعية التلاميذ من خطورة الحفر واستخدام مواد كيميائية معينة يقول إنها قد تؤدي إلى موت التربة، وهو يقوم بتوزيع صورة لعدد من الماشية التي نفقت في مزرعة يقول إنه يمتلكها، في بلدة أخرى.

وبعد أن يتأهب السكان للتصويت برفض المشروع يتلقى "ستيف" بالبريد حزمة من المواد المطبوعة التي تكشف زيف الدعاية المضادة التي اعتمد عليها ذلك داستين في حملته ضد المشروع، بأدلة دامغة، منها أن صورة الماشية النافقة مفبركة تماما ولم تقع في المكان الذي يدعي أنها وقعت فيه، ويؤدي هذا إلى انكشاف أنه شخصية مزيفة تماما ويسقط بالتالي في عيون أهالي البلدة.

وفي مواجهة بين ستيف وداستين، يتضح أن داستين عميل لشركة جلوبال التي أرادت أن تختلق جانبا معارضا وهميا للمشروع تهزمه أمام السكان، مما يدفعهم إلى الموافقة على المشروع.

فيلم "الأرض الموعودة" عودة أمريكية تقليدية إلى تلك "المثل العليا" للطبقة الوسطى الأمريكية البيضاء وإلى ذلك الحس "الليبرالي" الذي تمسكت به هوليوود التقليدية (الأخلاقية) منذ نشأتها حتى الآن، من أجل أن تنجح في مخاطبة الجمهور العريض الذي ينتمي لتلك النوعية وهي الغالبة على تكوين جمهور السينما في الولايات المتحدة.

وقد لا تكون هناك مشكلة في التعامل مع هذا الجانب في نقد الشركات الاحتكارية والتحذير من المشاكل التي تترتب على العبث بالبيئة والتربة والمناخ على حياة البشر، لكن مشكلة الفيلم أنه لا يتجاوز النقد السطحي الظاهري، ويجعل من المنافسة بين الرؤيتين، أو الصراع المفترض بين أصحاب المصلحة التجارية بعيدا عن أي وازع أخلاقي يقيم اعتبارا لمستقبل البشر وصحتهم، وبين جماعات الدفاع عن البيئة ومقاومة تلويثها، مجرد صراع سطحي ساذج، قد يتضح في النهاية أنه من اختلاق "أصحاب المصلحة" مؤكدا على فكرة أن المقاومة ستهزم بالضرورة.

وفي الوقت نفسه يجعل الفيلم الرفض، أي رفض المضي قدما في خداع الأهالي، قائما على احتمال "يقظة الضمير" الفردي عند بطل رومانسي يقع في حب معلمة شابة ويريد أن يؤكد لها أنه "رجل شريف ونزيه وليس رجلا سيئا- كما يردد أكثر من مرة في سياق الفيلم)!

السيناريو تقليدي يسير في خط واحد رأسي، ولكن كثيرا ما يجنح إلى الخروج عن سياق الموضوع الأصلي، والسير في دروب جانبية، أو التوقف أمام بعض الصراعات المفتعلة لإضفاء جانب ساخن على مسار الأحداث الذي يتجه نحو نهايته التقليدية أي بتوبة "ستيف"وعودته إلى رشده واسترداده وعيه المفقود بعد أن ينطق بالحقيقة كاملة أمام الأهالي الذين تجمعوا وكادوا بالتالي أن يصوروا لصالح المشروع. ستيف يحصل على رضا وتعاطف فتاته التي كادت أن تهجره إلى داستين، ولكنه يفقد وظيفته الفي حين يختفي داستين.

هذا هو أكثر أفلام جاس فان سانت تقليدية في الإخراج: دراما اجتماعية تقطعها لحظات كثيرة من الكوميديا للتخيف من تجهم الحبكة، وتقريبها من المشاهدين.

أداء تمثيلي تقليدي نمطي مألوف في هذا النوع من الأفلام التي قد تصلح للعرض على مشاهدي السهرة على شاشة التليفزيون لكنه لن يكون له شأن كبير في دور العرض حسبما أعتقد، كما نستبعده تماما من سباق الجوائز في برلين.

لكن هذا النوع من الأفلام (الاجتماعية الخفيفة) مطلوب في مهرجانات السينما الكبرى لعرض صورة أخرى أكثر إنسانية وبساطة من تلك عن السينما الأمريكية المألوفة السائدة.

"شكل الحب":

مفاجأة خاصة في مهرجان برلين السينمائي!

أمير العمري- برلين 

السينما البريطانية غائبة عن الدورة الثالثة والستين من مسابقة مهرجان برلين السينمائي. لا نعرف لماذا ولدى البريطانيين عدد من أفضل السينمائيين في العالم الذين يندر أن يجتمعوا في

دولة واحدة (باستثناء الولايات المتحدة بالطبع). هناك على سبيل المثال: مايكل وينتروتوم ومايك لي وبيتر جريناواي (غائب منذ فترة للأسف) وكن لوتش ونيل جوردان وستيفن فريرز وغيرهم.

الغريب أن مهرجان برلين استقدم الفيلمين الجديدين لكل من وينتربوتوم ولوتش ولكن للعرض خارج المسابقة. وإذا كان هذا الأمر مفهوما بالنسبة لفيلم كن لوتش الجديد، ربما كونه فيلما تسجيليا طويلا، عن بدايات تأسيس نظام التأمين الصحي والضمان الاجتماعي في بريطانيا الذي قضت عليه التاتشرية فيما بعد ولم يحقق أبدا الهدف الذي كان مخططا له، فالفيلم الثاني "شكل الحب" The Look of Loveلمايكل وينتربوتوم كان يمكن أن يكون منافسا قويا في المسابقة وممثلا للسينما البريطانية إلا إذا كان هو نفسه قد فضل عرض فيلمه جنبا إلى جنب مع فيلم كن لوتش خارج المسابقة في برنامج "العروض الخاصة" التي هي عامة بالطبع!

طموح فني

الفيلم شديد الطموح، ويعتمد على تصوير سيرة حياة بول ريموند، الرجل الذي عرف بـ"ملك سوهو" أو امبراطور صناعة العروض الإيروتيكية في الحي اللندني الشهير والذي سرعان ما أصبح خلال النصف الثاني من القرن العشرين، أحد أكبر الأثرياء في بلاده.

فيلم "شكل الحب" دراسة دقيقة تفصيلية تجمع بين التراجيديا والكوميديا، بين اللهو والمتعة والسينما الجادة التي تتأمل في المصير البشري، في البحث في فكرة العلاقة بين الثروة واللذة والنجاح والمجد والمتعة، بين الحياة الشخصية والحياة العامة، الغرق في اللذة والافتقاد للحب، النجاح الكبير بالمفهوم السائد- الرأسمالي، السلعي، الاحتكاري، وبين الفشل في خلق أسرة سعيدة أو إنسان سعيد في النهاية رغم الثروة والثراء.

بول رايموند هو رائد تحويل سوهو إلى وكر لعلب الليل والعروض العارية، والاستغلال التجاري للعروض المكشوفة والألعاب الجنسية بشتى أنواعها. هو الذي بدأ من كباريه واحد ثم امتد ليشتري العقارات بشراهة ليصبح المالك الرئيسي لعقارات سوهو، وتتضخم ثروته كثيرا لكنه يفقد زوجته، ويضل في عالمه المليء بالمتع الحسية العديدة مع عشرات النساء، يوهم نفسه بالحب لكنه يعجز عن إشباع أي عاطفة حقيقية في داخله، فينتهي وقد فقد النساء الثلاث الأكثر أهمية في حياته: زوجته التي تتركه بسبب خياناته المتعددة لها، وعشيقته التي تتركه أيضا بعد سنوات للسبب نفسه، وابنته التي حاول أن يجعل منها مغنية ناجحة بلا جدوى وعاشت تعاني كثيرا من كونها لا شيء أكثر من "إبنة بول ريموند" ففشلت في أن تصبح نجمة استعراضية فأدمنت على المخدرت وماتت وهي في السادسة والثلاثين بعد أن أفرطت في تعاطي المخدرات.. في حادث تراجيدي أيقظ ريموند على حقيقة فشله الكبير في الحياة.

طابع تسجيلي

فيلم وينتربوتوم ليس فقط فيلما من أفلام السيرة الشخصية لرجل معروف ومرموق على الصعيد الاجتماعي في بلاده (وهو نوع من التحدي في حد ذاته)، بل وأيضا فيلم عن تاريخ جزء مهم من مدينة لندن، ربما يكون أشهر أحيائها وأكثرها صخبا على مدار نحو ثلاثين عاما قبل أن تخبو فيه تجارة العروض الجنسية الإيروتيكية وتختفي اليوم بعد أن تحولت أيضا إلى استغلال الوسيط الجديد المنتشر بسهولة أي الإنترنت.

في الفيلم مكشاه ولقطات كثيرة بالأبيض والأسود، ذات طابع تسجيلي، لشوارع لندن في الخمسينيات، السيارات بطروها المختلفة والرجال والنساء بأزيانهم التي كانت معروفة وزقتها، عناوين الصحف والتغييرات السياسية المتوالية، وانهيار المفاهيم الفيكتورية الموروثة وخول لندن المنافسة مع باريس وروما في التسابق نحو الحداثة!

يبدأ الفيلم بمصرع ديبي إبنة بول ريموند من زواجه الوحيد، ثم يعود مع الرجل وهو تأمل محطات حياته بعد أن تقدم العمر به، لنرى لندن الخمسينيات، وبداية انتشار العلب الليلية التي تستخدم العري ثم تطورها في الستينيات مع انفجار الثورة الجنسية (هنا تصبح اللقطات بالألوان)، وارتباط ذلك النشاط بانتشار تعاطي المخدرات، وكيف تمكن ريموند طيلة الوقت من استغلال كل التطورات، لتحقيق النجاح، وكيف كان يمتلك الحس الخاص جدا بما يطلبه ويشتاق الرجال إلى رؤيته في جسد المرأة، فيتجه أيضا إلى إنتاج المسرحيات المثيرة والأفلام السينمائية، وإصدار المجلات التي تعرض صور النساء العاريات في أوضاع دنسية مباشرة.. وغير ذلك.

بول ريموند يغرق في دوامة الأجساد العارية والمخدرات واحتساء الخمر من أجود الأنواع وغشيان العلب الليلية التي يمتكلها وإغواء الفتيات الجديدات المثيرات اللاتي يكتشفهن ويقدمهن في عروضه، لكنه ينتهي وحيدا وإن كان غير نادم ولا تائب بل يبدو وكأنه رجل بلا عاطفة، لا يعرف سوى النجاح بمفهومه المادي. إنه بهذا المعنى، الإبن المخلص للنظام الطبقي البريطاني، أي نظام الصعود الاجتماعي ولو من أكثر الوسائل إستغلالا للغزائز الدنيا!

الفيلم والكباريه

يخرج وينتربوتوم الفيلم وكأنه يقدم أحد عروض الكباريه: إيقاع سريع، لاهث، تطور طبيعي مقنع تماما للشخصية الرئيسية في صعودها التدريجي،طابع الجريجة السينمائية التسجيلية في البداية، موسقى استعراضية صاخبة، لقطات المودرنيزم التي يراعي فيها التصميمات التي كانت سائدة في الستينيات خاصة، والتكوينات التي تذكرنا بمرحلة الفنون البصرية في الستينيات، وحركة الكاميرا الكاشفة، الإضاءة الساطعة، وزوايا التصوير الغريبة (من زاوية مرتفعة مثلا) ومئات الأجساد العارية وشبه العارية للنساء من شتى الأنواع ومن أجمل فتيات الاستعراض، وأداء تمثيلي رفيع من الممثل ستيف كوجان في الدور الرئيسي.

هذا ممثل شديد القدرة بكاريزميته الشخصية، على الذوبان في الدور، وأسر المشاهين سواء باستخدامه اللغة والإيماءات الخاصة الموحية في التعبير، أو ذلك التحرك الواثق أمام الكاميرا بجسده الفارع، وقدرته على الثبات أمام الكاميرا وأمام غيره من الممثلين.

"شكل الحب" فيلم من أفضل ما عرض حتى الآن في المهرجان ونحن في انتظار ما تكشف عنه لنا المسابقة أو البانوراما من أفلام. لننتظر ونرى.

عين على السينما في

09/02/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)