حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أيام قرطاج السينمائية الـ 24

السينمائي المصري تامرسعيد لـ «الشروق» :

لابد من جبهة ثقافية موحدة للدفاع عن الدولة المدنية

نورالدين بالطيب/ تونس ـ الشروق

عرفت السنوات الأخيرة في مصر بروز عدد من السينمائيين الذين يعملون على التأسيس لسينما مستقلة. ضمن هؤلاء نجد ثامر سعيد المتواجد بقوة في الحراك الاجتماعي.

تامر سعيد من وجوه السينما الجديدة في مصر وهو من الناشطين في الحراك الأجتماعي الذي عرفته مصر قبل ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام مبارك والتي كان ميدان التحرير أبرز وجوهها.

تامر سعيد يعد لشريطه الروائي «أخر أيام المدينة» الذي يرصد فيه تحولات الشارع المصري وتأثير سياسة الأنفتاح الساداتية على منظومة القيم وتغول نفوذ العائلات القريبة من السلطة وترهل أحلام الشعراء.

تامر زار تونس منذ ايام فالتقته الشروق في هذا الحوار.

·        شريط روائي طويل في طريق الإنجاز، ماهي ابرز ملامحه؟

الشريط بعنوان «اخر ايام المدينة» وبدأت اعمل من اجل إنجازه سنة 2008 قبل الثورة والفكرة الاساسية هي إنجاز فيلم مستقل تماماً لان هناك صناعة في مصر تجارية قوية وقاهرة ومسيطرة ولا تترك اي هامش للعمل.

انا اعتبر ان السينما هي طريقة لاكتشاف الذات والاتصال بالعالم ودائما يكون السؤال گيف اصنع فيلما؟ أدركت منذ وقت مبكر ان صناعة السينما في مصر لا تستجيب لما اريد إنجازه فاكتشفت انني من اجل ان أنجز فيلم كما اريد يجب ان يكون هناك سياق انتاج يسمح لي بذلك وان يمنحني قدر من الاستقلالية ومن الحرية ويناسب ما اصنعه، عندما بدات في اعداد الشريط كان هناك شعور عام في مصر اننا لا يمكن ان نواصل هكذا وان الوضع يزداد سوءا وأننا لا يمكن ان نواصل هكذا وكان هناك شعور أن هزة كبيرة قادمة.

هذه الهزة لم نكن نعرف ماهي بالضبط وكان الشعور تجاهها مزدوجا نريد ان تأتي لانها ستبشر بميلاد جديد وفي نفس الوقت خائفون من قدومها لانها ستأخذ معها كل شيء نحبه. الشريط يتحدث عن علاقة الانسان بمدينته وأزمة الفرد في مواجهة المدينة من خلال شخصية «خالد» وهو صانع افلام وثائقية نقترب منه في لحظة من حياته يقترب فيها من الحافة. يصنع فيلما وثائقيا لا يكتمل عن وسط البلد في القاهرة والسيدة التي يحبها تتركه وتهاجر وامه تموت وهو مطالب بمغادرة الشقة التي يقيم فيها خلال ثلاثة اشهر.

في هذه اللحظة التي يكتشف فيها انه مضطر لإنجاز اي شيء حتى لا يتحول الى شخص فاشل عندها نصاحبه في رحلته لاستكمال شريطه، الفيلم يقف في المنطقة الرمادية بين الروائي والتسجيلي ونحن لا نعرف ايهما اقرب.

·        ما هي ملامح الحركة الثقافية الان في مصر في حكم الإسلاميين؟

الثورة غير قادرة على احداث التغيير ما تستطيع الثورة فعله هو ان تمنحنا فرصة للتغيير، مشروع الدولة الدينية التي تحاول السيطرة على المشهد الاجتماعي والثقافي والسياسي في مصر هو مشروع قديم نما وترعرع تحت الارض بسبب أنظمة القمع ولم يتركوا لهم فرصة الظهور وتقديم مشروعهم للناس. الان هم يجنون ثمن تضحياتهم التي تواصلت منذ تأسيس جماعة الاخوان المسلمين لكن هذا المشروع يطرح تحديات كبيرة على الحركة الثقافية وهي تحديات متعلقة اساسا بحرية الفكر والتعبير والتفكير مع تحديات حول الخطاب الثقافي والتهديد المستمر للفنانين والمثقفين بفزاعة المس بالمقدسات والمس بالأديان الى درجة خلق رقابة ذاتية قاسية.

تقييمي الشخصي ان كل هذا إيجابي لأنه وضع محفز، المشهد الثقافي الان في مصر عليه ان يعمل بشكل موحد ومتضامن امام القوى الرجعية دون مواجهة هذه القوى الرجعية لن نستحق التواصل مع مجتمعاتنا هذا اولا، ثانيا هناك لحظة لا بد من استغلالها وهي بداية تشكل خريطة ثقافية جديدة ولابد ان نجد اماكن لنا في الخارطة الجديدة. المسؤولية الاساسية إذن تقع على عاتقنا وعلى عاتق كل الناس التي لا تقبل بحكم ديني او بحكم فاسد وانا في رأيي انه لابد ان نكون جبهة واحدة ضد كل القوى الرجعية من اجل تحقيق الدولة المدنية التي نحلم بها

·     السينما الجديدة في مصر تواجه مشكلة التمويل والدعم المالي والتسويق التجاري ماهي هذه السينما اليوم؟ 

شخصيا ليست لي مشكلة مع السينما التجارية بل مشكلة السينما التجارية معنا كجيل جديد انها تلغينا ولا تقبلنا حتى في الهامش. المطروح اليوم علينا هو كيف نخلق جبهة موحدة والآن هناك محاولات لبناء تجمعات وتكتلات وقد تعدت مصر الى المستوى العربي هناك تقارب كبير بين السينمائيين المستقلين في الوطن العربي حتى نستطيع تبادل البرامج وننظم شبكات توزيع مستقلة خارج نطاق السينما التجارية في مصر

نحن في مصر لا نشاهد الأفلام التونسية ولا المغربية ولا الجزائرية ونتمنى ان يحدث هذا وهو ما نسعى لإنجازه بعد الثورة من اجل ضمان سينما مستقلة جديدة وهذا ممكن اعتقد الان.

·        كيف تنظر في مصر الى التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي؟

انا قضيت عشرة ايام في تونس والتقيت الكثير من الناس وانا أعود الى مصر بتفاؤل كبير جداً. الأكيد ان وضعكم ليس مثاليا وليس في مستوى ما حدث لكن الوضع بالنسبة لي إيجابي جداً. اولا لأن نمو الوعي في اطراد مستمر ولاحظت هذا من خلال النقاش مع سائقي التاكسي حول  قضايا الحريات وخاصة الرأي والفكر والتعبير ولاحظت ان هناك اهتماما متزايدا وتونس فيها مبادرات شابة ومبادرات جديدة ستخلق نقلة نوعية في الوعي المجتمعي.

حجم الصراع الذي نخوضه من اجل تغيير المجتمع كبير لكن اذا كان هناك أناس تريد ان تصنع التغيير فهذه مسؤوليتها في انتاج خطاب مقنع للجماهير وأحساسي ان هذا الوعي في تونس اصبح كبيرا خاصة بعد 14 جانفي وأساسا في العام الاخير.

إضاءات :

أيــــام قرطـــاج السينمائيــــة ....والجيل السينمائي الجديـــــــــــــد

نورالدين بالطيب 

من إيجابيات الدورة الرابعة والعشرين أنها كشفت للجمهور الواسع عن جيل سينمائي جديد بدأ يأخذ مكانه بجدية فالعدد الكبير من الأفلام الذي ظهر في أيام قرطاج يؤكد الحراك السينمائي الكبير الذي تعيشه تونس ليس في مستوى الكم فقط بل في مستوى الرؤية الجديدة لهؤلاء الشبان الذين كانت السينما المجال الوحيد المتاح لهم للتعبير قبل 14 جانفي رغم الحصار الذي عاشته نوادي السينما مما أدى الى اضمحلالها وكذلك سينما الهواة وغياب الدعم المالي ومع ذلك نجح نصرالدين السهيلي ورفيق العمراني وعبدالله يحي ويوسف الشابي ورضا التليلي ورضوان المدب وهند بوجمعة وسامي التليلي واشرف لعمار وإسماعيل وغيرهم في إفتكاك موقع مهم خارج الدائرة التقليدية للإنتاج.

نجاح هؤلاء السينمائيون الشبان يؤكد أن الدعم لا يصنع سينما وهو ليس شرطا كافيا فأغلب هؤلاء أنجزوا أفلاما خارج دعم وزارة الثقافة وأسسوا صيغ جديدة للإنتاج السينمائي ومن حقهم على وزارة الثقافة اليوم أن تكون لهم الأولوية في الدعم السينمائي فالأسماء المعروفة من السينمائيين التونسيين الذين شبعوا دعما وجوائز عليهم أن يفسحوا المجال لهؤلاء الشباب الذين يعيدون لنا الأمل في المستقبل لأن السينما هي أولا فن صناعة الأمل .

ولن تثمر جهود هؤلاء الشباب مالم تبدأ وزارة الثقافة في تنفيذ الخطة الوطنية لنشر الثقافة السينمائية التي كانت ثمرة إستشارات واسعة ساهم فيها سينمائيون ونقاد ومبدعون قبل 14 جانفي 2011 فالثورة يجب أن تكرس كل ما هو ايجابي وتدفع نحو تعميقه وتطويره.

شارع المهرجان : السينما تناديكم !

المنصف/ تونس ـ الشروق 

أيام قرطاج السينمائية في دورتها الجديدة ليست عروضا سينمائية وندوات فقط، بل هي تظاهرة تحسيسية وتثقيفية، حاول منظموها ان تكون لها انعكاسات على الشارع.

الشارع كفضاء والشارع كجمهور، لذلك اكتست لافتات عملاقة وصور فوتوغرافية شارع الحبيب بورڤيبة.

فعلى امتداد الشارع بداية من تمثال ابن خلدون الى غاية وزارة الداخلية تم تعليق لافتات ضخمة تسلط الأضواء على قاعات السينما التي كانت موجودة في كامل الجمهورية والتي انقرضت شيئا فشيئا وتحولت إما الى محل «تنظيف بالشايح» او محل لبيع الأثاث وغيرها من أصناف التجارة.

هي اذن تظاهرة تسعى الى التحسيس بمسألة انقراض قاعات السينما في البلاد التونسية نظمتها الجمعية التونسية للحركة من أجل السينما تحت عنوان «سينمائي أنا».

تظاهرة أخرى يحتضنها شارع الحبيب بورقيبة نابعة من أيام قرطاج السينمائية وجاءت في شكل معرض مفتوح يحمل عنوان «لقطات ورؤى» من انجاز وئام زواري ونهاد جميل. المعرض حاول رصد تاريخ أيام قرطاج السينمائية من خلال صور من الأفلام التي رسمت مسار المهرجان.

كواليـــس المهرجــــان

 محسن بن أحمد

 ـ شوقي الماجري : مملكة   النمل (تونس

 ـ لوكاس باسكوال : كل شيء هنا على مايرام (أنغولا

 ـ لونسنوم سولو : دجاسا ( الكوت ديفوار

 ـ هالة لطفي : الخروج إلى النهار (مصر

 ـ إبراهيما  توري : نسيج العنكوب (مالي

 ـ ليسينيو أزفيدو :  مار جريد العذراء  (الموزمبيق)

المنصف بن عامر حضور دائم

المنصف  بن عامر أحد الوجوه البارزة  في مسيرة أيام قرطاج السينمائية  برز بحضوره الدائم في مختلف  فعاليات هذه الدورة منذ إنطلاقتها

3 عروض مانموتش

 تأكد رسميا عرض فيلم «مانموتش»  للنوري بوزيد في 3 حصص  : الجمعة 23 نوفمبر (التاسعة ليلا والحادية  عشر والنصف ليلا)  بقاعة الكوليزي  والسبت 24 نوفمبر (الثالثة بعد الظهر) بقاعة المونديال

شراكة

تم توقيع إتفاق  شراكة بين وزارة التربية وأيام قرطاج السينمائية  تم بمقتضاها  إقتناء 1500 إشتراك  لتمكين  التلاميذ من مواكبة  عروض المهرجان

مونيكا تعوّض  إيزابيل

كان في الحسبان  أن تجسد الممثلة  ذات الأصول  الجزائرية  إيزابيل  أدجاني دور كريمة في فيلم «عطور الجزائر»  لرشيد بلحاج إلا أنها اختارت الانسحاب في آخر  لحظة فتم تعويضها بالممثلة الايطالية  مونيكا قريتور

إيرانيان في لجان التحكيم

سجلت الدورة الرابعة والعشرون  لأيام  قرطاج السينمائية حضور إيران في لجنتي تحكيم الدورة  من خلال .

ـ ريزا ميري في مسابقة الأفلام الطويلة وهو منتج  ومؤلف  ومخرج  سينمائي متوج بعديد الجوائز منها جائزة  النقد عن فيلم تحت «ضوء القمر» في مهرجان «كان» الدولي للسينما

ـ محمود ريزاساني في مسابقة الأفلام القصيرة وهو كاتب سيناريو ورئيس مهرجان فيلم ابن عربي بإسبانيا

تسعة

تسعة هو عدد (التانينات) التي سيتم توزيعها على الفائزين في المسابقات الرسمية الثلاث  للأيام بمعدل  3 لكل مسابقة وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ  المهرجان

فتحي الهداوي والأصدقاء 

اغتنم  الممثل فتحي الهداوي أيام قرطاج  السينمائية للقاء بعدد من الأصدقاء  الذين لم يلتقيهم منذ مدة... 

صبا مبارك لن تأتي..؟

خلافا لما تم تداوله فإن الممثلة صبا مبارك بطلة الفيلم التونسي مملكة النمل لن تحضر أيام قرطاج  السينمائية  لمواكبة  مشاركة الفيلم

من قرطاج إلى القاهرة

بعد مواكبة سهرة إختتام  أيام قرطاج  السينمائية السبت القادم يتحول المنتج  السينمائي  نجيب عيّادي إلى القاهرة لحضور فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للسينما الذي يسجل مشاركة «مملكة النمل» في هذا المهرجان

ترميم  السينما المستعادة

ينتظم  صباح اليوم الخميس 22 نوفمبر 2012  بنزل «أفريكا»  ضمن فعاليات أيام قرطاج السينمائية  ملتقى لمناقشة مشكل ترميم الأرشيف السينمائي بحضور السيد فارينيللي جيانلوكا مدير خزينة السينما (بولونيا) والسيدة سيسيليا سنشيار لي عن مؤسسة أرشيف السينما شارلي شابلين.  يشرف على الملتقى  الأستاذ محمد شلوف

الشروق التونسية في

22/11/2012

 

في فـيـلـمـــه «شتـــــي يـــا دنــــي»:

بهيج حجيج يتحرر من السياسة

كوثر الحكيري 

في مشروعه السينمائي، ينتمي المخرج اللبناني "بهيج حجيج" إلى الحرب اللبنانية التي كانت موضوع أفلامه الوثائقية منها والروائية، ويواصل في السياق نفسه في فيلمه "شتي يا دني" لكنه يترك السياسة للمولعين بفنها وحيلها ويتغلغل في جانب مسكوت عنه هو الآثار النفسية والاجتماعية للحرب اللبنانية (1985_ 1990) على ضحاياها من اللبنانيين المخطوفين والمعتقلين...

ظهر فيلم "شتي يا دني" سنة 2010 وخلف أجمل الانطباعات أينما عرض وافتك عددا كبيرا من الجوائز من بينها اللؤلؤة السوداء لأفضل فيلم عربي من مهرجان أبو ظبي السينمائي، أحسن فيلم (جائزة الإخراج) من مهرجان وهران للفيلم العربي وتتويجات... ولأنه فيلم جيد لمخرج متمكن من مفرداته اختارت الدورة الرابعة والعشرون لأيام قرطاج السينمائية عرضه ضمن قسم آفاق وكان الموعد الأول لهذا العرض يوم الثلاثاء 20 نوفمبر الجاري في قاعة الفن السابع بحضور عدد كبير من الجمهور المتعطش دائما وأبدا للسينما اللبنانية...

تفاصيل الفيلم في الورقة التالية:

حرب نفسية وتداعيات اجتماعية

تحتفظ الذاكرة بفيلمين مهمين للمخرج اللبناني "بهيج حجيج" الأول وثائقي بعنوان "المخطوفون"، والثاني روائي تحت عنوان "زنار النار"، كلاهما صاغ تفاصيله من الحرب اللبنانية التي خلفت ندوبها في مشروعه، لذلك ظل على ارتباط بها في آخر أفلامه "شتي يا دني"، والعنوان لمن لا يفهم اللهجة اللبنانية تعني "أمطري يا دنيا"، هو الشتاء الذي أحببناه أكثر بصوت "فيروز" وهي تشدو:

شتي يا دنيي تيزيد موسمنا ويحلى

وتدفق مي وزرع جديد بحقلتنا يعلى

خليلي عينك عالدار عسياج اللي كلو زرار

بكره الشتويي بتروح ومنتلاقى بنوار

يحلى عيد يضوي عيد نزرع ونلم عناقيد

وانطرني لا تبقى تفل وتتركني وحدي عم طل

جمعتلك حرج زهور ياسمين ومنتور وفل

أمطرت سماء "بهيج حجيج" فيلما جميلا ومؤثرا... وجاء الشتاء ليغتسل بحباته "رامز" (الممثل البارع حسان مراد) في المشهد الأخير من الفيلم، معلنا ميلاده من جديد عسى أن يبدأ حياته من حيث انتهت قبل عشرين عاما...

و"رامز" هو واحد من بين آلاف المخطوفين اللبنانيين، قضى في المعتقل عشرين سنة قتلت فيه أشياء كثيرة... أربكته عودته للحياة ولأهله، لم يستطع التحرر من ذكرياته الموجعة، وعاش متوهما أنه مطارد بعدما ضاعت سنوات شبابه في السجن، غريبا عاطفيا ونفسيا بين عائلته التي تعايشت مع غيابه واعتادت عليه ولم تستطع التأقلم مع حضوره المفاجىء...

بمفردات سينمائية مؤثرة وشاعرية حينا وواقعية أحيانا، يتتبع "بهيج حجيج" التغيرات الطارئة داخل البيت بعد عودة الأب، ومحاولة الزوجة (جوليا قصار) ترتيب حياتها من جديد بما تقتضيه ظروف العودة المفاجئة لزوجها المضطرب نفسيا، الغريب والباحث عن التعويض العاطفي في امرأة (كارمن لبس) تعيش بدورها حالة من الانتظار المزمن لزوجها الذي يعترف لها "رامز" وهو على فراش المرض في المشاهد الأخيرة من الفيلم أنه كان رفيق معتقل وأنه مرض وتوفي محبا لها يخشى عليها الوحدة في غيابها...

وداخل البيت أيضا الابن (الممثل إيلي متري) الذي يعيش حياته شابا عصريا، والابنة (الممثلة ديامون أبو عبود) فتاة عاشقة للموسيقى، تعزف مقطوعات حزينة تشبهها... كلاهما عاجز عن التعايش مع الحضور الأبوي المستجد في حياتهما...

هذا الصراع الذي ترفع المخرج عن حسمه، ولكنه لمح في نهاية الفيلم إلى أن التأقلم ممكن إذا تخلص الأب من إرث عذابه في المعتقل، واقتنع الابنان بأن هذا الرجل كان ومازال أبا لم يختر الحياة بعيدا عنهما في العتمة، لم يكن الخط الدرامي الوحيد في الفيلم، بل ثمة خطوط أخرى يتوقف معها "بهيج حجيج" عند أكثر من إشكال اجتماعي: الأم اللبنانية التي تناضل من أجل بيتها وتلعب دوري الأب والأم معا في غياب الأول، وهي في الوقت نفسه المرأة التي تنكسر أمام حاجياتها العاطفية والجسدية فتبحث عنهما في رجل آخر يعوض غياب الزوج، ومشاكل الشباب المتأرجح بين طموحاته وواقعه الذي يعيشه بالطول والعرض أحيانا... هذا إضافة إلى حالة الترقب الموجعة التي يعيشها أهالي المفقودين والمختطفين الذين لا يعرفون مصير من اختطف منهم ولكنهم يعيشون على أمل العودة... حتى وإن كانت هذه العودة متأخرة...

هذه الإشكالات الاجتماعية لم تورط المخرج "بهيج حجيج" في إهمال قضيته الرئيسية ولهذا كان يعود بنا بين الحين والآخر إلى لقطات بالأبيض والأسود تصور معاناة واقعية عاشتها الصحافية اللبنانية نايفة النجار التي خطف ابنها وهو في الثالثة عشرة من عمره خلال الحرب اللبنانية، وظلت تكتب له ولخاطفيه مقالات ورسائل على أمل أن يعود إليها، حتى وصلت في النهاية إلى طريق مسدود وقررت بعد تسعة أشهر من اختفائه الانتحار، وقد جسدت دور الصحافية "نايفة النجار" الممثلة "برناديت حديب" بالكثير من البراعة...

في السيناريو استند المخرج "بهيج حجيج" إلى نص مسرحي بعنوان "إنها تمطر أكياسا" دون أن يسقط في فخ الكتابة المسرحية للسينما...

و"شتي يا دني" سيعرض قريبا في المرسى في قاعة "الحمراء" كما أكد لنا المخرج والمنتج "ابراهيم اللطيف"، وهو فيلم مختلف وجدير بالمشاهدة، يكفي يتحدث عن تداعيات الحرب اللبنانية لكن بعيدا عن مشاهدها الميدانية...

«السراب الأخيــر»فيلم تشويقـي بـإمكانيـات تقنيـة هائلـة

كوثر الحكيري 

ليس هينا إنتاج فيلم تشويقي تونسي بمواصفات عالمية... ليس هينا لأن الماكينة الإنتاجية التونسية لا تستطيع الالتزام بتوفير ما يحتاجه فيلم اختار أن يغرد خارج السرب، وأن يبتعد عن سينما المؤلف وسينما الجنوب الفقيرة ليدافع عن مقترح مختلف يقوم على التشويق وعلى الحركة، وهذا النوع من السينما يحتاج إلى الكثير من الإمكانيات المادية والتمكن التقني لصانعه حتى لا يخرج في صورة كاريكاتورية نشاهد نماذج منه في السينما الأمريكية...

ولكن المنتج "عبد العزيز بن ملوكة" حول الحلم إلى واقع وواجه الصعوبات بالكثير من الحزم والثقة والإيمان في إمكانيات المخرج "نضال شطا" ولم ينهزم أمام فيلم مختلف جدا انحاز له الجمهور وصفق له طويلا في عرضه الأول ليلة الثلاثاء 20 نوفمبر الجاري في سهرة خاصة انتظمت في قاعة الكوليزي...

التفاصيل في الورقة التالية:

تقنيات عالية

شهدت قاعة الكوليزي بالعاصمة في سهرة الثلاثاء 20 نوفمبر الجاري تدافعا كبيرا ذكرنا قليلا بما حدث في افتتاح أيام قرطاج السينمائية... ولكن التدافع الذي يتحمل الجمهور مسؤوليته فيه كان جميلا، لأن هذا المشهد لا يتكرر كثيرا عندما يتعلق الأمر بفيلم تونسي...

والأجمل أن الجمهور الذي امتلأت به قاعة الكوليزي حتى نأت بحمله لم يغادرها حتى نهاية الفيلم وصفق مرحبا ب"آخر سراب" تجربة مختلفة وجديدة على السينما التونسية... وهذا الاختلاف ضروري إن كنا نسعى فعلا إلى تأسيس صناعة سينمائية...

قدم لـ"آخر سراب" الزميل "محمد بوغلاب" الذي استقبل على الركح المخرج "نضال شطا"، مدير التصوير "محمد مغراوي"، الممثلين "هشام رستم"، "عبد المنعم شويات"، وبقية الفريق الفني والتقني إضافة إلى ممثلة شركة "سي تي في" "هالة هواوي مهبولي"، في المقابل لم يصعد "عبد العزيز بن ملوكة" على الركح كارها للأضواء، مؤمنا بأنه فعل ما يتوجب عليه من أجل "السراب الأخير" وللجمهور الكلمة الأخيرة في تقييمه... وأشار "نضال شطا" في كلمة قصيرة إلى غياب الممثل "لطفي الدزيري" الذي يعاني من مصاعب صحية نتمنى أن تكون حينية وعابرة...

الفيلم مختلف اختار التشويق مناخا داخل قصة مثيرة تدور حول سرقة مخطوط نادر من المتحف العراقي سنة 2003 تاريخ احتلال العراق... ولا يبخل "نضال شطا" بالإمكانيات اللازمة لتقديم فيلم بوليسي مقنع...

تتحرك الأحداث في البداية على أكثر من واجهة مع أكثر من شخصية... الأمريكي الوافد على الصحراء التونسية (جون مارك بار) المهتم بالبحوث، والشرطي المسكون بهاجس البحث عن الحقيقة (عبد المنعم شويات) والطبيب الغامض الذي يشي منذ اللقطة الأولى بأنه شخصية غريبة تتلذذ مذاق الدم، والمدير السابق للمتحف العراقي وأحد مفاتيح الحقيقة والمؤرخ الذي يعيش بذكريات اللحظة الأخيرة في المتحف العراقي (هشام رستم) وابنته التي تختار نهاية عادلة للفيلم صفق لها الجمهور (ليزا توفاتي)... كل هذه الشخصيات تسير متفرقة في البداية مما يربك الجمهور لكن سرعان ما تتماسك الحكاية وتتوضح الصورة في رحلة البحث عن المخطوط النادر ومعرفة المتورط في سرقته... تتجه أصابع الاتهام إلى الطبيب المافيوزي (لطفي الدزيري) ويحافظ الفيلم على تشويق اللحظة الأخيرة لنكتشف مفاجأة أن الباحث الأمريكي الذي ظهر كامل الفيلم بملامح وديعة هو المحرك الرئيسي للأحداث وهو عضو في الفرقة الأمنية الأمريكية الخاصة التي تورطت بمرتزقتها في عمليات إجرامية كثيرة داخل أرض دجلة والفرات... هرب من تونس عن طريق الجو بعد أن ورث القتل خنقا من الطبيب الغامض، فقضى على المؤرخ واغتصب ابنته، فكان لابد لهذه الابنة أن تثأر لنفسها ولوالدها بقتله ذبحا بخنجر عراقي أشبه بالسيف... قتل معنوي ومادي لقي صدى إيجابيا عند الجمهور المحب لهذا الشكل من النهايات...

يعاني الفيلم من بعض المشاكل في السيناريو الذي ظهر مفككا في البداية مع تفاوت مستوى الحوار إلا أن بناءه التقني سليم وجميل... ولعل نقطة قوة الفيلم تكمن في صورته التي تكشف من جديد براعة "محمد المغراوي" وفي تقنياته العالية والمذهلة أحيانا، وهو ما ينصف المخرج "نضال شطا" الذي أثبت من خلال "السراب الأخير" أنه مخرج متمكن من أدواته وعارف بأصول السينما البوليسية التشويقية...

والعراق الحاضر في الفيلم قصة ومناخا، مع مشهد مؤثر حول عدم قدرة التونسيين على استيعاب أن من قبض عليه هو "صدام حسين" لأنهم يحتفظون بصورة مختلفة عن هذا الرجل الذي يصعب التصديق أنه انتهى في حفرة أشعث الشعر، والأيادي تتفحص وجهه وأسنانه...

على صعيد التمثيل تميز أكثر من ممثل في الفيلم أبرزهم "عبد المنعم شويات" الذي كان بارعا ولطفي الدزيري الذي كان عميقا...

ولا شك أننا سنتوقف في قراءة أخرى لهذا الفيلم مع مخرجه "نضال شطا" وبقية صانعيه، والثابت أن "السراب الأخير" سيكون له كبير الصدى عند الناس، لأنه مختلف ومصنوع بالكثير من الحرفية كما أنه تجربة تفلت من التحديد الجغرافي... هو فيلم قادر على النجاح أنى عرض...

الصريح التونسية في

22/11/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)