حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي التاسع والستون

يوميات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي - 11

خلافات على قمة جوائز فينيسيا

فينيسيا: محمد رُضا

سارعت وكالات الأنباء، بطبيعة الحال، بنقل اختبار نتائج مهرجان فينيسيا الدولي التي أعلنت ليل يوم أول من أمس (السبت) والتي جاءت على النحو التالي:

* الأسد الذهبي: «بييتا» لكيم كي - دوك (كوريا الجنوبية).

* الأسد الفضي: «السيد» لبول توماس أندرسن (الولايات المتحدة).

* جائزة لجنة التحكيم الخاصّة: «الجنة: إيمان» لأولريخ سيدل (النمسا، ألمانيا).

* أفضل ممثل: فيليب سايمور هوفمن وجواكين فينكس عن «السيد»

* أفضل ممثلة: هاداس يارون عن دورها في «أملأ الفراغ» (إسرائيل).

* أفضل ممثل أو ممثلة جديد (وهي الجائزة المعروفة باسم الممثل الراحل مارشيللو ماستروياني):

* فاربيزو فالكو عن «سبات جميل» لماركو بيلوكيو (إيطاليا) و«حالة طفولة» لدانيال كيبري.

* أفضل سيناريو: أوليفر أساياس عن «بعد مايو».

كان يمكن أن تنتهي الحكاية عند هذا الحد لولا أن مصدرا مجهولا كشف لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر» الأميركية، عن أن النتائج الرسمية المذكورة جاءت مختلفة عما توصلت إليه لجنة التحكيم، وأن الفيلم الفائز بالجائزة الأولى لم يكن «بييتا» بل «السيد».

والمسألة لم تكن مجرد تصويت أول تمت إعادته، لسبب ما، فتمت إعادته لتختلف النتيجة عما كانت عليه، بل تدخل إدارة مهرجان لدى لجنة التحكيم لتغيير تصويتها تبعا لقانون خاص كانت إدارة فينيسيا السابقة قد أقرته ويقضي بألا يمنح الفيلم أكثر من جائزتين.

وتفاصيل المسألة هي أن «السيد» فاز بالفعل بثلاث جوائز: الأسد الذهبي لأفضل فيلم وجائزة أفضل مخرج وجائزة أفضل تمثيل رجالي (تلك التي منحت فعلا للمثلين هوفمن وفينكس وهو ما توقعناه هنا منذ أن عرض الفيلم بعد أيام قليلة من بداية المهرجان).

رئيس لجنة التحكيم، المخرج الأميركي مايكل مان، لم يكن يعلم بذلك القانون ما اضطره للاجتماع بلجنته (ثمانية أعضاء) مرّة ثانية لبحث المسألة.

هنا خاض الجميع صراع مصالح وارتفع الجدال ومحوره أي من الجوائز التي منحها التصويت الأول لفيلم «السيد» يمكن أن تسحب منه. حسب المصدر، كان النقاش حاميا والأوراق اختلطت من جديد وحين انفض المجتمعون كان الفيلم الأميركي خسر الجائزة الأولى (فنال الثانية) وخسر جائزة أفضل مخرج أيضا (وهذه لم يتم تعويضها ما يشير إلى امتناع البعض في لجنة التحكيم على الموافقة أن هناك مخرجا آخر كان يستحقها).

وهذه ليست المرة الأولى التي تقع فيها أزمة من هذا النوع في مهرجان فينيسيا، ففي عام 2008 منح التصويت الأول الممثل الأميركي ميكي رورك جائزة أفضل ممثل عن دوره الرائع في «المصارع»، لكن معارضة غير مفهومة الأسس تدخلت فسحبت منه ومنحت إلى الإيطالي سلفيو أورلاندو.

في عام 2010 علت الضجة لأسباب أخرى: رئيس لجنة التحكيم آنذاك، المخرج الأميركي كوينتين تارانتينو، وزع الجوائز على مجموعة من السينمائيين الذين تربطه بهم علاقة خاصة أو سينمائية فنالت صوفيا كوبولا الأسد الذهبي عن فيلمها غير المميّز (على جودته) وهو «مكان ما».

اللافت الآخر أن مسابقة «آفاق» التي شهدت اشتراك 3 أفلام عربية فيها، لم تشأ أن تمنح أي من جوائزها لأي من هذه الأفلام علما بأن اثنين من هذه الأفلام شهدا إقبالا نقديا كبيرا من صحافة الغرب هما «وجدة» للسعودية هيفاء المنصور و«الشتا اللي فات» لإبراهيم البطوط. أما الفيلم الثالث «يما» فمر من دون أن يثير، إعلاميا، أي قدر من الاهتمام.

الفائز بالجائزة الأولى في مسابقة «آفاق» هو الفيلم الصيني «ثلاث شقيقات». فيلم تسجيلي للمخرج وانغ بينغ يعكس حياة ثلاث شقيقات صغيرات (من الرابعة إلى العاشرة من العمر) يعشن في قرية في مقاطعة يونان Yunnan ويعملن في رعي الماشية وحرث أرض مزروعة بالبطاطا، معينهن الوحيد للحياة. والدتهن تركت القرية منذ سنوات ووالدهن يعمل في البلدة المجاورة حيث يعيش ويعاودهن مرّة كل بضعة أسابيع. المخرج الصيني يفتح العين على مأساة إنسانية جوهرية بأسلوبه المتمعن والبطيء المتعارف عليه في أفلامه التسجيلية السابقة كما في فيلمه الروائي الطويل «الحفرة» (2010). صور المخرج فيلمه في ستة أشهر ولم يحجم عن نقد السلطات التي تتجاهل أدنى حقوق الإنسان في تلك الأرياف البعيدة. مشاهده صادمة لما تعرضه مباشرة كما لما تحتويه من مضامين وهي تقلب الاعتقاد بأن الصين أعجوبة اقتصادية جديدة وناجحة كما توحي ذلك العناوين الصحافية والإعلامية. لكن إلى كل حسناته في هذا الشأن، هو فيلم طويل المدى يكرر نفسه في نحو ساعتين ونصف وتصويره ينتمي إلى منهج قائم على قدر من العشوائية واللاتخطيط.

الشرق الأوسط في

10/09/2012

 

الربيع البلجيكي يبرعم سينما كبيرة وعدسة مندوزا في أحشاء الفيليبين

بيللوكيو يعتبر إيطاليا "بلداً لئيماً ومحبطاً" ودو بالما يعود إلى الانتقام

البندقية - هوفيك حبشيان  

ما ان بلغ مهرجان البندقية (29 آب - 8 أيلول) يومه الحادي عشر، حتى اختفى الضيوف وصار الناس من مختلف الجنسيات يجرّون حقائبهم في الـ"غران فياليه". ضرب جزيرة الليدو "تصحر" غريب مع عودة درجات الحرارة الى الارتفاع وتوجه الناس الى ضفاف بحر الادرياتيك. أمام واجهة مقر المهرجان، الذي يؤوي صالة "غرانديه"، بعض المتطفلين من عاشقي النجوم، يفترشون الأرض، في انتظار الساعة السابعة وبدء حفل توزيع الجوائز وتوافد بعض المشاهير. نحن في اليوم الأخير (السبت). بدأ التعب في الظهور على وجوه الصحافيين والنقاد ومتابعي هذا الحدث الذي يُخرج المدينة من نومها العميق طوال السنة. يحلّ التعب من جراء مشاهدة اربعة أو خمسة أفلام يومياً. التركيز مهنة في ذاتها، تمتص ما في الجسد من قوة. في اليومين الأخيرين، سؤال واحد، لاكته الألسنة: من يحمل "أسد" الدورة التاسعة والستين؟ لا أحد يمكن أن يدعي انه يعرف شيئاً عن أذواق لجنة تحكيمية بقيادة مايكل مان، تتضمن اسماء لا يجمعها شيء. من السويسرية اورسولا ماير الى الانكليزية سامانتا مورتون فالأرجنتيني بابلو ترابيرو والاسرائيلي آري فولمان. أحياناً، كنا نسمع هذا أو ذاك، يقول مثلاً ان مخرجاً مثل مان، لا يمكن الا ان يعجب بأعمال ذات نفس تجاري أو قريب للجمهور وأهوائه. بالتأكيد، هذا تجنٍّ واضح على فكر واحد من أهم الخلاّقين في السينما الأميركية الحديثة، وهو ما أكدته في كل حال لائحة الجوائز. في النهاية، مهما يكن رأينا في اختيارات هذه اللجنة، ندين لأفرادها مسألة استبعاد بعض أسوأ أفلام هذه المسابقة، في مقدمها: "الى الروعة" لتيرينس ماليك، الذي لم يكن له المصير الذي لقيه في كانّ العام الماضي.

¶¶¶

لم تكن تشكيلة 2012 للموسترا سيئة. المدير الفني ألبرتو باربيرا، العائد الى البندقية بعدما تسلم هذه المهام في التسعينات، لم يخسر رهانه. اعتمد على التعايش بين سينما المؤلف وسينما "سردية"، كما يحلو للبعض القول. لم يستطع ان يجلب الى الجزيرة السينمائية نجوم الصفّ الأول، لكن مع ذلك، اقترح عناوين تحولت ارضاً خصبة للنقاشات. في المقابل، من بين 18 فيلماً تسابقت على الأسد الذهب، كانت هناك جوهرة سينمائية لم ينتبه اليها كثيرون، وهي في رأينا الفيلم الأروع في هذه الدورة: "الموسم الخامس" (مسابقة). في جلسة لي مع بعض الزملاء الأجانب، لاحظتُ ان لا احد منهم شاهد الفيلم، ذلك انهم اعتبروه من الأفلام غير الجديرة بالمشاهدة. الثنائي البلجيكي جسيكا وودورث وبيتر بروسنس، وهما صاحبا فيلمين سابقين محورهما الطبيعة، قدّما تحفة سينمائية تُعتبر متعة خالصة للعين والاحساس. قصيدة تأخذ من قرية بلجيكية نائية مادة لشعريتها.

في هذا المكان الواقع في منطقة الأردين، قرويون تقلقهم الحال التي سيأتي بها الموسم المقبل، موسم الربيع. فأرضهم لم تعد تمنح القمح، وابقارهم لم تعد تعطي الحليب، والديك لم يعد يصيح، والنحل غادر الى جهة مجهولة. ماذا يحصل في هذه القرية ذات الطبيعة المدهشة؟ هذا ما نكتشفه في هذا الشريط، الذي يوهمنا في مطلعه بأن كل شيء على ما يرام، قبل أن ينزل بنا في جحيم سوداء، سيكون الخروج منها صعباً. نرى كيف يتبلور العنف النفسي وكيف يصل التضامن بين مختلف الأطراف في جماعة واحدة الى نقطة اللاعودة. لكن العنف هنا شيء آخر، لا يمكن رؤيته، بل فقط الشعور بخطره الداهم.

مرة اخرى، تضع السينما شخصيات في مواجة طبيعة شرسة تقرر فجأة ان تخرج عن دورتها. لكن أهمية الفيلم كامنة في النمط الشاعري وقوته البصرية. استند المخرجان الى مراجع تشكيلية لا تحصى. هناك لقطات ثابتة، كلام قليل، غموض منبعث في كل لحظة من كادرات أنيقة وموحية (تصوير بديع لهانس بروخ)، وهذا كله يذكّرنا بروي أندرسون وفيليب غرانريو. يلقي أهل القرية اللوم على كل شي، امام أسئلة عدة لا يجدون اجوبة عنها، وهذا ما يسمح للفيلم بأن يرتقي بنصه الى موضوع الايمان والدين ولو من طريق التلميح الذكي وغير المباشر. لا أعرف الى أيّ مدى يحمل الفيلم سمات وثائقية، لكن من الواضح انه مملوء بكل ما يوحي بأننا أمام عمل لا يستند الى فراغ في كيفية تشكيل تفاصيل العيش في العمق البلجيكي.

¶¶¶

في المقابل، ليس هناك شكّ في أن الفيلم الجديد ("رحمة" - مسابقة) الذي يأتينا به بريانتي مندوزا مستند الى واقع معيش، والى بيئة لها وجودها في الفيليبين، والى طقوس وتقاليد تسمح للشريط بأن يتحول بحثاً أنتروبولوجياً، متجاوزاً الحكاية البسطية التي يرويها. لنعد قليلاً الى الخلف، لسبب بسيط وهو ان عمل مندوزا، الذي لا ينتهي من انجاز فيلم حتى يبدأ بآخر، مرتبط عضوياً بذاته: في شباط الماضي، عرض هذا المخرج في برلين، فيلماً عنوانه "اسيرة" عن مجموعة سياح يخطفهم ارهابيو ابو سياف، بينهم ايزابيل أوبير. اقدم مندوزا على وضع ابطاله في وضع مماثل لذلك الذي وُضع فيه الناس الحقيقيون اثناء اختطافهم، لإضفاء الواقعية على الشريط. لم يلجأ الى سيناريو تقليدي، بل الى أفكار وشذرات واطراف حوار من وحي الحادثة، فقدم خطاباً عن التعصب الاسلاموي الذي أوقع عقيدة دينية في حضن العمل المسلح.

مندوزا الذي لم يتوان عن اظهار الوجوه المتعددة للثقافات والاديان في بلاده، يقتحم هنا بيئة لها خصوصيتها، من تلك التي لا تذوب في العولمة والصورة الحديثة لدنيانا. هذه الحياة شبه البدائية، يصورها مندوزا أحياناً بحنان، وأحياناً بقهر وقسوة، ولكن دائماً بواقعية متطرفة وقدرة عالية في نقل صعوبتها ومعضلاتها اليومية المتكررة. هناك تناقض رهيب بين جمال المكان الذي يؤوي أناساً بسطاء يعتاشون من مهن صغيرة. التضاض هو التيمة الأساسية للفيلم: فالسيدة الخمسينية التي سنتعرف إليها (نورا أونور التي تضطلع بدور السيدة نجمة كبيرة في الفيليبين)، تعمل قابلة (ساج فام)، لكنها غير قادرة على الانجاب. لذلك تقترح على زوجها ان يجد زوجة له تنجب منه طفلاً. من الطبيعي في مجتمع مثل هذا، أن يتم البحث عن فتاة تصغر رجلنا الفحل بنحو ثلاثين أو اربعين عاماً، لتتحول القضية كلها الى نوع من بيدوفيليا، أو الى تجارة أطفال، اذا اعتمدنا المقاييس الغربية. خصوصاً ان العائلات التي يزورها الثنائي لمقابلة الزوجة، يطلبون مبالغ من المال مقابل التنازل عن بنتهم. ولكن، لا نستطيع أن نقول ان نظرة مندوزا عارمة بالانسانية، فهو، بمجرد اختياره هذه البيئة التي تعيش على اساطير الدين والخرافات وتعدد الزوجات والقتل المجاني، يملك موقفاً منها.

يغرس مندوزا كاميراته في احشاء مجتمع لا يعرف بدائل أكثر تطوراً للحياة على وجه الأرض. لكن هذا لا يمنعه من التعرض لنفاقه وجهله من دون أن يجد لهما اسباباً تخفيفية. هناك مرارة في الفيلم، كآبة حتى في لحظات الرقص والموسيقى ترافق مخرجنا كاللعنة من فيلم الى آخر. يحلو لي شخصياً، ان اقارن سينماه التي عرفت كيف تستفيد من الكاميرات الرقمية، بمشهد العرس في فيلمه الجديد: الرصاص الذي ينهال فجأة على الناس الذين يحتفلون، لا يسعه توقيف الحفل. "تابعوا الرقص"، يقول صوت امرأة. من هنا، يستمد ربما مندوزا سحر سينماه.

¶¶¶

قضية أخرى، متجذرة في مجتمع أوروبي حديث، شقّت طريقها هذه السنة الى الموسترا، من خلال أحدث أفلام المخرج الايطالي الكبير ماركو بيللوكيو. "الجميلة النائمة" (مسابقة)، عنوان غير معبّر عن فيلم يتطرق فيه بيللوكيو الى مسألة الموت الرحيم، وهي مسألة حساسة في بلد لا تزال يد الكنيسة والفاتيكان والحبر الأعظم متسلطة عليه. 47 عاماً مضت منذ فيلمه الأول، ولا يزال بيللوكيو مهتماً بطرح علامات استفهام حول قضايا ايطالية غير محسومة. هذه المرة ينطلق من حكاية الوانا انغلارو التي تعرضت الى حادث سيارة وظلت في الغيبوبة لـ17 عاماً، قبل أن يحصل والدها على اذن من المحكمة يتيح له سحب الانبوب عنها. هذه الواقعة احدثت جدالاً كبيراً في المجتمع الايطالي، بين معارض لفكرة الموت الرحيم ومؤيد له. الآن تعود الحكاية الى الصدارة بعدما نالت أهتمام واحد من كبار السينما الايطالية. بعض الكاثوليك المتعصبين خرجوا في تظاهرة متواضعة اثناء عرض الفيلم في المهرجان، متهمين بيللوكيو بأنه "قتل الوانا مرة جديدة".

طبعاً، يبقى بيللوكيو وفياً لعادته في تشكيل مناخات قوية نابعة من السينما الروائية والتراث الايطالي التفخيمي. يجد الحكايات الخيالية المناسبة لنقل تجربة والد يصارع من أجل ازالة هذا الكابوس عن صدر ابنته، رافضاً ان يكون ألعوبة في يد وسائل الاعلام. في مقابلة، قال بيللوكيو ان ايطاليا بلد لئيم ومحبط وكئيب. وتابع: "السياسيون ينقصهم التمدن، أما الشباب فتنقصهم الحيوية. كلٌّ يفكر في نفسه. هذا اليأس يمنعنا من أن نعيش حاضرنا ويمنعنا من ان نرسم مستقبلنا".

¶¶¶

أخيراً وليس آخراً، احتضنت مسابقة هذه السنة لمهرجان البندقية، معلم سينما التشويق براين دو بالما. ايزابيل تعمل لدى كريستين في شركة تعنى بشؤون الدعايات. ايزابيل خاضعة لربّ عملها ولأهوائها ولسلوكها المتعجرف. لكن، لكل شيء نهاية...

مع "شغف"، يعود دو بالما الى شؤونه الصغيرة: احداث فوضى ورعب في رتابة الوجود اليومي، تلف اعصاب المشاهد، تعطيل بنود "الجانرات" السينمائية واللعب بخيوطها حتى الهلاك. هذا هو دو بالما منذ فيلمه الأول حتى هذه الساعة: فنان معادل لذاته السينمائية. لا يمكن قراءة احد افلامه بمعزل عن مجمل ما صنعه الى اليوم. شغله يقوم على كم من الاستعارات والغمزات الى سينما صنعها بذاته او أحبها. اذاً اهتمامات جديدة قديمة تغزو بال المعلّم من جديد: الجريمة، التلصص، الاستعرائية، الثنائية، الجنس. هناك اعادة تدوير واضحة لكل ما صنع مجده في السبعينات والثمانينات من القرن الفائت. دو بالما، كغودار، يؤمن ان السينما "24 كذبة في الثانية الواحدة"، لذا نمضي معه في تلاعبه اللذيذ الى قمة النشوة السينيفيلية. هنا البطلتان، واحدة سمراء والأخرى شقراء، تذكراننا بـ"مولهولاند درايف" لديفيد لينتش. أما الذل الذي تتعرض له الاولى على يد الثانية، فمطابق للفكرة التي قام عليها فيلمه "كاري"، حيث فتاة ترسم خطها الدفاعي الى الانتقام الذي جاء بعد تعرضها لمهانة جماعية.

مَن لا يعرف دو بالما ولا يكنّ لعمله فيتيشية وحبّاً غير مشروط قد لا يحبه ويتفهمه. هناك نوعان اثنان من المخرجين، اؤلئك الذين يستلهمون الحياة والذين يستلهمون السينما (وتاريخها). دو بالما من الصنف الثاني، وفيلمه هذا ليس الا قطعة اضافية في موازييك. لا يزال دو بالما راديكالياً في اختيار ادوات الدفاع واثارة الرعب، لكن هذه الراديكالية هي تحديداً ما يصنع عظمته الاخراجية، غير المبالية بكل ما هو مستجد ومثير والتي تعمل وفق منطق "الاسلوب هو الشخص".

hauvick.habechian@annahar.com.lb

"الأسد الذهب" لكيم كي دوك

هـ. ح.

¶ "الأسد الذهب": "رحمة".

انه الفيلم الثامن عشر، كما يعلن الجنريك، للمخرج الكوري الجنوبي كيم كي دوك. هذا شريط راديكالي الى ابعد حدّ، موضوعاً ومعالجة، كان الفضيحة الألذ في هذه الدورة. يمشي الشريط على خطى بارك تشان ووك (مخرج "أولد بوي"). كانغ دو مستخدم لدى مموّل يديّن المال للناس، مهمته الذهاب الى الذين استدانوا، لإعادة المبلغ الذي استدانوه. لدى هذا الشاب اساليب خاصة جداً لترهيب "الزبائن". عند تخلفهم عن الدفع، يذهب لقطع اعضائهم فيصبحون معوقين، ما يجعله يسترد امواله عبر شركة التأمين. شخصية مرعبة ومقززة يضعها كيم كي دوك في دوامة من العنف المتصاعد، حيث مشاهد قطع ايدٍ وأرجل ونزف. ذات يوم تأتيه امرأة تدّعي أنها أمه. يصطحبنا كيم كي دوك الى الحيّ الصناعي المرعب في سيول، ومن هناك الى أرجاء المدينة التي لا نرى فيها الا وجوهاً لاهثة خلف الموت. لكن هذا العمل الذي يبدو واضحاً أنه يحذو حذو فيلم الانتقام، يتحول فجأة فيلماً يسعى الى انقاذ ما بقي من الانسانية داخل بني آدم.

¶ "الأسد الفضة": "المعلم".

حكاية رجل اسمه لانكستر دود، يمنح نفسه في خمسينات القرن الماضي في أميركا، صفة الطبيب والكاتب والعالم. تتيح له نظرياته الفيزيائية اعطاء معنى آخر للوجود. اختراعه خليطٌ من الأشياء: صوفية، علم، روحانيات، علم نفس. هذا اللقاء بين المعلم وأحد تلاميذه (يواكين فينيكس) يصوّره ب. ت. اندرسون بالكثير من الحسية، فيه كبت قاتل وسد لفراغات من الجانبين، وفيه ايضاً الكثير من المسكوت عنه.

¶ جائزة لجنة التحكيم الخاصة: "جنة: ايمان".

النمسوي أولريش سيدل عاد مع الجزء الثاني من ثلاثيته "جنة" الى البندقية، على ان تعرض التتمة الثالثة والأخيرة في برلين. هذه المرة نتعرف الى أنا ماريا، شقيقة تيريزا (في الجزء الأول)، السيدة التي تهب السيد المسيح حياتها ووجودها. عندما سألت "النهار" عن السينيكية في عمل سيدل، كان جوابه الآتي: "لا أحب صفة كلبيّ، ولا أجدها مناسبة لأفلامي، أقله بالمعنى المتداول عند معظم الناس. بالنسبة لي، السينيكية ليست سلبية، ومَن يمتلكها يكون عادة شخصاً عانى في حياته حدّ انه تحول شخصاً مرهفاً ورقيقاً. اذاً، السينيكية والانسانية، في نظري، تتعايشان تعايشاً متناغماً".

¶ جائزة أفضل سيناريو: "بعد أيار".

يأخذنا أوليفييه أساياس الى السبعينات، وما حملت معها من أحلام في مرحلة ما بعد "أيار 68". أحلام تحطمت تدريجاً أمام السيستم المفروض وذابت في حمأة الأحداث والأقدار الشخصية الخائبة. يستند اساياس الى تفاصيل من سيرته الشخصية، عائداً الى خصوصية مرحلة "بركانية"، فينظر الى تاريخ بلاده نظرة نقدية، بعيداً بسنوات ضوئية من كل محاولة لأسطرته.

جوائز أخرى:

- جائزة فولبي لأفضل تمثيل نسائي: هاداس يارون عن "أملأ الفراغ".

- جائزة فولبي لأفضل تمثيل ذكوري: فيليب سايمور هوفمان ويواكين فينيكس عن "المعلم".

- جائزة أوسيلا لأفضل مساهمة تقنية: دانييلي تشيبري عن "كان الابن".

- جائزة ماستروياني لأفضل ممثل صاعد: فابريزيو فالكو عن "كان الابن" و"الجميلة النائمة".

- "أسد المستقبل" للعمل الأول: "مولد" لعلي أيدن.

- جائزة "اوريزونتي": "ثلاث أخوات" لوانغ بينغ.

النهار اللبنانية في

10/09/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)