كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

"رسائل البحر".. أسرار تصل لمستحقيها

ياسر علام

عن فيلم

رسائل البحر

   
 
 
 
 

ومرة أخرى يفعلها داود عبد السيد فيذكّر.. يذكرنا بالحقيقة التي يطيب لكثيرين التغافل عنها، ولو بين حين وحين، مرة أخرى يفعلها؛ إذ يعلن عبر عمله الجديد «رسائل البحر»: إن فنا يربت على المستقر من قيم، ويستعطف المجمع عليه من أعراف، ويغازل المتواطأ عليه من عادات، ليس فنا حريا به أن يدعو نفسه فنا.. وهو إذ يهمس بأن الفنان هو طفل البشرية الذي يملك فضيلة الاندهاش، ومن ثم المساءلة إلى أقصى ما يمرح عقل، وإلى حيث ما يرمح خيال.

والمخرج إذ يفعل يستحث متلقيه على محاولة الإجابة على أسئلة هذا الطفل العصية أبدا.. يجيب أو -على أدق تقدير- يدعونا للتمادي مع هذا الطفل في التساؤل بجسارة لا تعرف ما نسميه نحن بالتردد.

لعبة الوضوح والغموض

تدور دراما الفيلم حول (يحيى) الطبيب الشاب الذي لم يكد يمارس مهنة الطب إلا وانقطع عنها بسبب تلعثم ما في نطقه يحول دون حيازة الثقة من مرضاه، أو التقدير من معاونيه.. وإن منحنا الفيلم ببساطة إجابة حول أسباب عدم استمرار هذا الطبيب في أداء مهنته، فإنه لا يمنحنا مزيدا من الإجابات حول أسباب إصابته بهذا التلعثم من الأساس.. والفيلم إذ يمر على تلك الحقيقة دون إفصاح يضعنا على مشارف شاطئ من شواطئ جماليات هذا الفيلم على وجه التحديد، وهو الإخفاء؛ ففي الوقت الذي تتشابك خيوط الدراما عبر لعبة الصراحة، والوضوح، والإفشاء، والمعرفة، والنصوع، والإباحة، فإنها بالمثل تلعب على أوتار الاستغلاق، والغموض، والإخفاء، والصد، والسر، والتشفير بنفس الكفاءة والفاعلية، بل وأشد من هذا المدخل ذاته.. ودعنا نحاول عرض وتحليل دراما الفيلم:

سر لا يكشف بشكل مباشر هو سر تلعثم يحيى الذي تضيق عليه "فيلا" القاهرة بعد أن يواري والدته التراب.. وبعد عودة أخيه إلى بلاد المهجر بعد فشله في اصطحاب يحيى معه، على وعد من الأخ -لا يبدو أنه سيفي به- بإرسال تحويل شهري يتعيش منه "يحيى".. يرحل "يحيى" إلى الإسكندرية حيث تقبع شقتهم القديمة.. يعود ليعيد استكمال علاقات قديمة تركها منذ عشر سنوات.. ويفتح دوائر علاقات جديدة تعيد ترميم عالمه المرتبك الملعثم.

لكن يحيى -الذي لعب دوره الممثل "آسر يس"- ليس متلعثما طوال الوقت؛ ففي لحظات تحققه وانتشائه تقل تلك اللعثمة وتتوارى إلى حد بعيد، لكنها تنتفي تماما حين يطرح الفيلم يحيى في صيغة الراوي.. ليضع الفيلم خطوطا فاصلة بين لسان المقال، ولسان الحال لتلك الشخصية؛ فهي حين نسمعها تتلى علينا "بالجسد- بالظاهر- بالواقع- بالشخصية" ترتبك وتتعثر، لكنها ما إن تحضر "حضور الروح- الباطن- الفن- الراوي" إلا وينتفي هذا التعثر وتنطق بالبيان.

عودة للمكان القديم

على لسان يحيى الراوي البليغ، نعرف أنه جزء من تحولات اجتماعية، تتجاوزه وتحاصره في دائرة تضيق عليه، فيرحل في رحلة يعيد فيها بناء ذاته، من خلال التفاعل مع عالم مغاير، لكن العودة للمكان القديم لا تعني أبدا عودة للزمان القديم؛ فعبر عينيه تتحرك الكاميرا لنرى المبنى السكندري القديم، وقد كساه الزمان بقبح وافد، فما بين أسلاك كهربية ممتدة بين الزخارف الكلاسيكية ترتع كثعابين في حنايا الرخام، إلى علب معدنية صدئة تحوي أجهزة تكييف، إلى كراكيب تزاحمت في الشرفات على غير استحياء.. يفعل الزمان بالأثر فعاله، قل مثل ذلك وأكثر في فعله بالبشر.. فـ"كلارا" شريكة الطفولة والمراهقة المبكرة ليحيى، والتي عاد ليتفاعل معها، التفاعل الذي يمكنه من إزاحة تلك السنوات العشرة من خارطة حياته، تستجيب له استجابة غائمة بل زائفة بوهم استعادة لحظة ماضية.. غير أنها تنعطف انعطافة أشد باتجاه ما تعترف هي نفسها بكونه غواية! فتفارق عالم الجنسية الغيرية برمته إلى الجنسية المثلية، وتبدأ في علاقة مع إحدى زبائن جاليري الملابس التي تملكه هي.. لتكون العلاقة مع يحيى ليست سوى حلاوة الروح، تموت بعدها علاقتها بعالم الرجل فتحسم أمرها بالرحيل عن مصر.. فإن كانت كلارا هي سر يتاح ليحيى معرفته فإنها أبسط درجات السرية والتشفير في الفيلم.

سر موسيقى "نورا"

العزف الموسيقي الحزين المنتحب المتألم المتصاعد من فيلا تكاد تكون مهجورة، سر آخر يتقاطع مع مسار رحلة يحيى، لكن ما يتاح له من معرفة عن هذا السر يقل كثيرًا عما يتاح للمتلقي معرفته؛ فخلف النافذة التي تنساب منها الموسيقى، وفي موعد محدد يوميا تجلس "نورا" لتعزف ألمها، الذي هو ألم الزوجة الثانية، الزوجة السكندرية، الزوجة السرية، زوجة المتعة لرجل أعمال قاهري طاب له اقتناؤها بعد أم العيال بشرط عدم الإنجاب. وهو إذ ينفق عليها يستوفي بذلك شرط الزيجة كما يتصوره هو، وإذ يأخذ متعة في مقابل ما يدفع يخرج بذلك عن جوهر الزواج كما تؤمن هي.. وكم من إثم قد يرتكب في فراش الزوجية الذي عبده مداد جاف على وثيقة زواج نالت بذلك كل الشرعية.. "يحيى" دون أن يعرف شيئا من هذا يظن إذ يقابل نورا أنها فتاة ليل، برغم عدم وجود ما يشير إلى هذا الظن في مظهرها الخارجي، لكن استبصارًا ما يسمح له بالنفاذ إلى عمق ما تعتقده هي في نفسها كما تشير هي بعد ذلك.. تساوق هي هذا التصور إلى حد ما في محاولة للتمرد على اكتئابها المزمن فتتطور اللعبة ويطيح الوهم بالحقيقة من بعد..

ينقضي الفيلم دون أن يتاح ليحيى كشف حقيقة سر الموسيقى التي آسرته، أي دون أن يعرف أن نورا هي العازفة، وحين تهاديه نورا بجهاز تسجيل يسمح له بسماع ما شاء من موسيقى، يتململ هو ويشرح فلسفته بكون سماع الموسيقى يستحق بعض العناء، يحيى هنا لا يلغو، ولا يريد أن يستثير إعجاب فتاته، إنه يتحدث بصدق، فتحت زخات المطر المنهمر وقف هو مأخوذا بالموسيقى، ولم يجرؤ على الانتباه للمطر؛ لتتضافر الموسيقى والمطر بعنفهما على غسله في مجاز بصري خلاب.. نعود ليحيى الذي يؤكد أن الموسيقى لديه لا يصح أن يسمعها البشر وقد عزفت في صيغة محكمة حصينة منتهية متكررة من أسطوانة أو شريط، إنه يريد أن يسمعها وقد تخللها في يوم ما خطأ عازف، وفي يوم آخر ارتباك مايسترو، وفي ثالث توفيق يصيب الكل ولو لليلة.. ببساطة يريد أن يستمتع بالحضور البشري الحي بمثالبه ونقائصه واعتواره.. إن هذا المرتبك المتعثر المتلعثم يريد ما هو إنساني وليس ما هو آلي أو مثالي حتى في الفن.. هكذا حين تنقل سيارة الإسعاف نورا من الفيلا أمام عينيه لا يتصور هو أن السيارة التي تمر أمامه تحمل تلك التي تؤلمه بأكاذيبها عن عشاقها لينضج من الطفولة ويتقبل الألم كقانون للحياة، ومن هنا تنبع مفارقة درامية.. تنبع هنا من مساحة المعرفة الملتئمة لدى الجمهور والناقصة لدى يحيى، لكنها في الوقت ذاته تصنع توترا دراميا قائما على الإخفاء.

رسالة يحيى من البحر

سر ثالث لا يتاح لا ليحيى ولا للجمهور كشفه هذه المرة؛ وهو سر الرسالة التي يلقي بها البحر ليحيى في زجاجة، يحاول هو معرفة ما تقوله الكلمات المتراصة على الورقة بعد أن يعرضها على كل من يعرف، وتتسع دائرة الأصدقاء إلى معارف الأصدقاء، وبالطبيعة الكوزموبوليتانية للإسكندرية يتاح له مقابلة بشر من كثير من أرجاء المعمورة، فينفي الكل كون الرسالة مكتوبة بلغته، ليصل هو بمساعدة نورا إلى قناعة مفادها أنه بغض النظر عن فضول معرفة ما قد تقوله الرسالة أيا ما كانت تقوله، تبقى هي رسالة البحر إليه.. والرسالة وإن لم تحمل خطابا يحوي معنى محددًا، إلا أنها تحمل إشارة إلى الغموض المتناقض للسر، ذلك الذي تتآكل ماهيته مخفيا كان أو غير ذلك.. فما بقاء ما سيظل مجهولا! وما معنى أن يسمى (سر) ذلك الذي يعرف! ولعل الرسالة المنطوية على ذاتها في الفيلم تشغل الحيز الذي يشغله الفن في الحياة.

بين نسيان وتذكر

سر مضحك مبكٍ يفشيه (قابيل)، الدور الذي لعبه ببراعة لينقله نقلة نوعية في مستوى التمثيل الممثل محمد لطفي.. سر لا يتصور لهذا البودي جارد ذي المظهر المرعب.. فجسد هذا المارد يحول دون توظيفه في أي عمل خوفا من بطشه المحتمل بل المرجح.. وهنا لم يبق للرجل إلا العمل كفزاعة أو خيال مآتةعلى حد توصيفه- مع قسمه الباطني إلا يمد يدا لأحد وهو السر الذي لو كشف لطرد من عمله.. وهو يفشي هذا السر ليحيى مبررا عهده هذا بكونه قد سبق له في مشاجرة أن قُتل بين يديه إنسان.. غير أن الأقدار لا تمهل (قابيل) فيجد نفسه مصابا بصرع تكشف التحاليل أن وراءه ورم يجب أن يستأصل، ويعني استئصاله في الغالب فقد ذاكرته..

المفارقة أن هذا الذي يريد أن ينسى جريمته لا يريد أن ينساها في الوقت ذاته، فخبرتنا مهما كانت سلبية هي معرفة وعلم وحكمة اكتسبناها بالعزيز الغالي، إنه وببساطة يخشى إذا ما فقد الذاكرة أن ينسى نظرة القتيل، يخشى أن يقتل مرة أخرى، يخشى أن يختبر هذا الألم للمرة الأولى مرة ثانية.. تردد بهذا الحجم لا يحسمه إلا الحب، فحبيبته "بيسا" التي قامت بدورها مي كساب تتوصل معه لحل ينبع تماما من التكوين الدرامي لتلك الشخصيات وعالمها، إنه يجلس بجوارها ليستعيد معها أسماء إخوته وأصحابه ورفاقه وجيرانه وذكرياته، حتى تذكره إذا ما نسي.. وتلك اللقطة من أسمى وأرق التجسيدات لمعنى الرفقة في تاريخ السينما المصرية وبحق.

لغة بصرية مجازية

بقي أن الفضاء الدرامي المتشكل في آهات البحر وأسراره لا يستوعب كل أسرار هذا العمل؛ فمساحة الراوي التي يشغلها في الأغلب الأعم يحيى تبقى منها مساحة تشغلها "نورا" التي جسدتها الممثلة "بسمة".. ويحدث هذا بعد انقضاء ما يزيد عن ثلثي زمن عرض الفيلم، فإن كانت تلك مذكرات يحيى مثلا أو تأملاته أو أيا ما كان فكيف تداخلت معها الحكاية من لدن "نورا"؟ ويبدو لي أن المبرر الدرامي بارتباطهما العاطفي أو حتى انتهاء الفيلم بتشاركهما غير كافٍ أو وافٍ.. تلك النقطة لا يوجد لها عندي أي تفسير!

والشاهد أن لغة بصرية سمحت بوجود لحظات مجازية مثل هطول المطر مع الموسيقى على روح وجسد البطل.. وتشارك نورا ويحيى لحظة دافئة حية متحدية يؤطرها السمك المتكاثف المقتول الطافي على سطح الماء، في انتصار بليغ لإرادة الحب والحياة في مواجهة القبح والموات.. ثم فراشات تطير محلقة في الوقت الذي تحكي فيه بيسة عن ذكرياتها الأثيرة.. كل ذلك يصنع مجازا مركزيا قوامه أن حدود التداخل بين الوهم والحقيقة، وبين الواقع والخيال، وبين الفن والحياة، وبين المتاح والمأمول، وبين الحاضر والمفارق، وبين الفعلي والمتصور، وبين العلم والحلم؛ حدود أوهن من أن تعيق بشرا إذا ما أراد.

كاتب وناقد فني.   

معلومات عن الفيلم:

فيلم: "رسائل البحر"

سيناريو وإخراج: داوود عبد السيد

هو عودة للمخرج بعد توقف سبع سنوات.

إنتاج: 2010

إسلام أنلاين في

15/02/2010

 

«رسائل البحر»..

الرسالة لم تصل بعد!

رانيا يوسف

باستثناء المشاهد التى تكفى لعمل فيلم تسجيلى عن جمال ودقة العمارة الرومانية فى مدينة الاسكندرية، وباستثناء الأخطاء المتكررة فى بعض المشاهد التى يتحدث بها يحيى "آسر ياسين"، مرة وهو متلعثم بالكلمات ومرة وهو منطلق اللسان مع صديقه داخل الترام، وباستثناء نمطية أداء محمد لطفى (قابيل) لشخصية البودى جارد التى كادت تتطابق صورة وصوتا مع الشخصية التى قدمها سابقاً فى فيلم كباريه، وباستثناء الأداء المتواضع جداُ للممثلة بسمة فى تجسيد شخصية (نورا) والذى اعتدنا عليه فى كل أعمالها السابقة، وباستثناء أخطاء الراكورات فى مشهد نرى فيه ثياب البطل يتبدل بين لحظة صعوده السلم حيث تتبعه الكاميرا ولحظة دخوله باب منزله حيث تستقبله الكاميرا، وباستثناء غموض الأحداث المتقاطعة التى لا تكاد تتقابل فى ذهن المشاهد حتى يقطعها حوار بارد ومكرر فى كثير من الأحيان، وباستثناء الحوار الذى احتاج أكثر الجمهور بساطة الى وجود ترجمة لمحتواه أسفل الشاشة، وباستثناء الميزانية التى ساهمت بها وزارة الثقافة فى دعم وتمويل جزء من انتاج فيلم رسائل البحر، باستثناء كل هذا إلا أن مشاهد البحر والأمواج الحيه المتلاطمة على الشاطئ والصخور والأمطار الغزيرة التى يتسم بها الجو الشتوى فى مدينة الأسكندرية الجميلة، هى الشيء الوحيد الذى أعطى الفيلم لمسة فنية جمالية مبهرة لنفس المشاهد الصبور الذى جاهد مستميتا للخروج بفكرة من فيلم رسائل البحر!. 

رسائل البحر هو الفيلم الأحدث للمخرج داود عبد السيد بعد آخر فيلم قدمه منذ ثمانى سنوات "مواطن ومخبر وحرامي" عام 2001. 

رسائل البحر فيلم يحمل مجموعة أفكار عصرية تعتبر امتداد لما سبق أو نتائج طبيعية لخلط ثقافات متعددة بثقافتنا العربية، يأخذنا الفيلم الى قصة يحيى الذى يصبح وحيداُ بين أركان أحد الفيلات الواسعة بالقاهرة بعد وفاة والديه وسفر اخيه الوحيد، فيشعر يحيى بملاذ الوحدة التى كان يتمناها دائماً للفرار الى الحرية التى افتقدها فى ظل سيطرة عائلته على مسار حياته وحرمانه من أبسط حقوقه فى الاختيار، شعر يحيى بأن الوحدة خير من الانتماء إلى أسرة تسلبه حرية تقرير مصيره ويبدأ بالانطلاق إلى عالم آخر يشهد خطواته الأولى وكأنه طفل وليد خرج لتوه من شرنقة الطاعة التامة لأوامر والديه، فيبحث عن كل ما كان ممنوعا ويلجأ لتغيير حياته حتى وان كان هذا التغيير انحدارا للأسفل، فيقرر الرحيل من هذا القصر الخالى من أنفاس الناس ويعود الى شقتهم القديمة فى أحد أحياء مدينة الاسكندرية الراقية حيث تصدمه ذكريات الماضى مع إحدى جاراته الأجنبيات والتى كانت على علاقة سابقة معه فيحاول يحيى إقناع ذاته أن الحب بينهما مازال موجودا أما كارلا جارته إيطالية الاصل تعترف له أنها تفتقد لشيء خفى فى علاقتها مع الجنس الآخر، ويكتشف يحيى أن هذا النقص يأتى من اختيار كارلا لحياة الغواية (على حد تعبيرها) والتضحية بالحياة الطبيعية فى بناء أسرة مقابل متعتها التى لا تحصل عليها الا مع سيدة أخري، وتنصرف كارلا فى هدوء من حياة يحيى ويفقد أول خيط جعله ينتمى الى شيء اختاره بإرادته، فيختار حياة أخرى أكثر عزلة نفسية عن المجتمع الذى ينظر له بسخرية بسبب إعاقته عن الحديث بشكل طبيعى وتلعثمه فى الكلام مع الناس الذى يدفعه لترك مهنة الطب والعمل كصياد متعته الوحيدة تتلخص فى الوقوف امام احدى النوافذ التى يصدر منها صوت عزف موسيقى يعشقها، ومنها ندرك أنه حرم من شغفه بالموسيقى مقابل رغبة والده فى دراسته للطب.تظهر نورا فى حياة يحيى فى مشهد أشبه ما يكون لقصة مستوحاة من أشعار نزار قباني، نشهد امرأة بكامل أناقتها تسير بمفردها فى شارع يكاد يخلو من البشر ما عدا يحيى الذى تعرض عليه نورا أن يشاركها السير تحت المظلة للاحتماء معا من سيل المطر الجارف ويزداد كرمها بدعوتها له باستكمال الليلة الممطرة معا تحت الغطاء. 

بعد قهر الأهل لرغبات أبنائهم وظاهرة الشذوذ الجنسى التى قدمها المخرج من خلال كارلا الايطالية التى تعيش فى مصر منذ ولادتها وتمارس الشذوذ مع امرأه مصرية أخرى وعلى الرغم من ذلك تتعلل أن البيئة هنا لا تصلح لاسلوب حياتها وتقرر العودة لايطاليا حتى تشعر بطبيعتها فى مجتمع متجانس الافكار، وبعد الاشارة لقضية الصيد غير الشرعى التى لا ندرك علاقتها بقصة غرام نورا ويحيى نضيف الى تلك الإشارات اشارة أخرى تأتى حبكتها الدرامية أكثر اكتمالا فى السيناريو وهى قصة ما يعرف بزواج المتعة الذى أجازه بعض علماء الدين، نورا التى تسعى لغواية يحيى حتى وان لم يكن يملك المال ليدفع لها قضاء ليال معه تحاول تغيير شخصية يحيى الطفولية بحكاياتها عن تفاصيل الليالى التى تقضيها مع زبائنها وتحاول تدريجيا السيطرة على أفكارة وإقناعه ان النضوج الكامل يعنى التحرر من فكرة الرجولة والشرف والرضا بكل ما هو أمر واقعى دون مجادلة أو نقاش، فإما عليه أن يقبل كامل شخصيتها وإما أن يرفضها. 

لم تجعلنا نورا نتعاطف معها ولو للحظة كباقى الشخصيات التى تعمل فى هذا المجال والتى اعتاد كتاب السيناريو دائما على تقديمها كشخصية منكسرة مجبورة على هذا الفعل اما بسبب الفقر أو الجهل او الانحراف الفطري، لكن هذه الشخصية لم يعطنا المخرج أى تفاصيل عن حياتها الجانبية والتى دفعت بها الى ان تكون فتاة ليل، فمنذ المشهد الأول وحتى آخر مشهد تبدو نورا كسيدة أرستقراطية قوية الشخصية والثراء يطل من عينيها، ومع الوقت نكتشف انها ادعت على نفسها البغاء وانها زوجة لرجل يأتيها عدد من المرات فى الشهر ليمتع وقته بعيدا عن رتابة الحياة الزوجية، فتصارحه انها لا تختلف عن العاهرات سوى بالعقد الذى يجمع بينهما وتقايضه مقابل رجل آخر يحتل مكانه باقى ايام الشهر، فلماذا تبدو لنا كضحية وهى اختارت بإرادتها الحرة المال مقابل الاستقرار والحب الذى دائما تبحث عنه مع يحيي. 

غالبا يصور لنا المخرجون الشخصيات الاجنبية التى تعيش فى مجتمعنا العربى على أنها شخصيات متزنة تعرف وتحدد هدفها وترضى بنتائج اختيارها الحر مثل شخصية كارلا التى ترفض تجديد علاقتها بيحيى وتكتفى بالحياة الأخرى التى تجد فيها متعتها الوحيدة، عن اقتناع تام أما شخصية نورا تحكمها الأطماع العربية التى لا حدود لها والتى تبحث دائما عن الكمال دون دفع أى مقابل. 

قابيل (محمد لطفي) دخل الى احداث الفيلم زائراً وخرج دون أن نشعر أو ندرى تأثير وجوده على يحيى فهو مجرد شخص تعرف عليه داخل أحد البارات وتنقل معه من مشهد الى آخر ومن مكان الى مكان ولآخر مشهد بالفيلم ننتظر أى فعل يعدل ميزان الأحداث المختل فإذا بنا لا نجد الا أداء مكرر الشخصية البودى جارد ذات الصوت الأجش والقوة البدنية المفرطة الذى تخشى الاعتداء على احد حتى لا يفقده حياته. 

الوحدة والابتعاد عن الحياة الاسرية تعنى الحرية المطلقة فى اختيار الافكار وتحديد الاهداف وتحمل المسئولية طالما الاسرة متسلطة على ابنائها، المشهد العام للفيلم فى ظل فوضى الافكار والمشاهد الطويلة والحوار المكرر دون احساس او تعبير، لكن ليس بالضرورة أن يتخلص الانسان من ارتباطه الاسرى وينحرف سلوكه باسم التحرر الجسدى لينال حرية غير مشروطة، الحرية ان لم تكن عن وعى كامل بالمسئولية تتحول الى فوضى وضياع انسانى واجتماعي. 

العربي المصرية في

16/02/2010

 

رسائل البحر: فيلم يحرض عـلى الــرقـى

كتب نجلاء بدير

بعد أن انتهيت من مشاهدة فيلم رسائل البحر للمرة الثانية، قررت أن أحصل على أول نسخة DVD تصدر له وأشاهد جزءا منه يوميا قبل أن أنام لأغسل قبح اليوم ولو بجمال فائق من فيلم سينما.

قال بطل الفيلم إن من يرغب فى الاستماع إلى الموسيقى لابد أن يبذل جهدا يتعب.

وهذا ما انطبق علىّ - أنا شخصيا - بذلت جهدا لكى أشاهد الفيلم يفوق الجهد العادى المفترض أن يبذل لمشاهدة أى فيلم.

فى المحاولة الأولى اصطحبت صديقة وتوجهت إلى رينساس عماد الدين الساعة العاشرة والنصف فوجئت أن الفيلم لن يعرض فى هذه الحفلة وسيعرض فى الثانية عشرة والنصف.

فاصطحبت صديقة أخرى وذهبت إلى جودنيوز فى الرابعة من نفس اليوم.

عطلنا المرور ساعة كاملة ما بين إشارة كوبرى الجامعة وإشارة قصر العينى.

وصلنا بعد بداية الفيلم بخمس دقائق.

رفضت الدخول وقلت لصديقتى فيلم داود عبدالسيد لازم تشوفيه من أول مشهد.

كنا قد وصلنا إلى السينما بالفعل ولدينا ساعتان فاخترنا فيلما آخر معروضا فى السينما يمكن مشاهدته من أى جزء فيه، أكملنا الفيلم على مضض، وخرجنا مصابتين بصداع وغثيان. فى حفلة العاشرة ليلا لم أجد من يصاحبنى، فأجلت إلى العاشرة والنصف صباحا.

وذهبت وحدى.. وحدى تماما.. إلى قاعة السينما. اعتقدت أن إدارة السينما لن تسمح بعرض الفيلم لمشاهد واحد.

وكنت قد تعرضت لهذا الموقف من قبل فى سينما أخرى وفيلم آخر. وفهمت وقتها أن شرط العرض حضور ٤ متفرجين.

كنت سأشترى الأربع تذاكر لو كان هذا شرط العرض. لكن شروط هذه السينما مختلفة.. تم العرض لى وحدى.

وبتذكرة ثمنها ٥٢ جنيها جلست فى قاعة صغيرة شديدة الهدوء والأناقة.

وشاهدت فيلم رسائل البحر.. وكأنه صنع لى خصيصا.

قضيت ساعتين فى جنة الرقى. فكرت كثيرا قبل أن أجد كلمة واحدة تعبر عن شعورى تجاه هذا الفيلم.. فتوصلت إلى أن كلمة الرقى هى الأكثر ملاءمة.

خرجت من باب قاعة السينما الصغيرة فى الدور السابع لأجد أمامى منظرا مبهرا لنيل القاهرة فى أجمل أماكنه.. وبدلا من أن ألتف إلى الخلف لأخرج اتجهت نحو صورة النيل ووقفت لدقائق لا أرغب فى العودة إلى الحياة الواقعية.. أتمنى الاحتفاظ قليلا بالحالة، كانت دموعى قد بدأت تنساب منذ الثلث الأخير.

بالتحديد فى مشهد تستعد فيه البطلة لإجراء عملية إجهاض. وتجرى مواجهة مع نفسها شديدة القسوة.

ثم مشهد آخر يحكى فيه قابيل أحد الشخصيات الرئيسية لحبيبته بيسة عن كل الشخصيات التى قابلها فى حياته لتذكره بها عندما يفقد الذاكرة.

بسبب عملية جراحية لإزالة ورم فى المخ قريب من مركز الذاكرة وفراشات الحب الصغيرة الملونة تتطاير حولهما.

لم تكن دموعى بسبب قسوة المشهد أو مبالغتها بل كانت لسبب غريب، وهو أننى منذ المشهد الأول للفيلم.. البحر والصياد والزجاجة، ثم المشهد التالى البطل يفتح شباكا يطل على البحر، ثم يتأمل مبانى الإسكندرية ويتكلم عن مدينة لسه فيها ريحة زمان.

هذا على موسيقى ساحرة - راجح داود ثم يدخل البطل بارا صغيرا قديما فعلا وتتغير الموسيقى لتصبح أغنية أم كلثوم تردد وإيه يفيد الزمن - مع اللى عاش فى الخيال.

مع الصورة الساحرة والموسيقى بدأت أشعر تدريجيا أننى أتخلص من التوتر الملازم لى وأدخل فى حالة من الاسترخاء التدريجى وبعد مرور ساعة ونصف من الفيلم كانت دموعى مستعدة للانسياب.

فالدموع تهرب من القلق.. والتوتر.. والخوف.. والتعجل، وكل هذه مشاعر لا يمكن أن تظل محتفظا بها مادمت تشاهد رسائل البحر.

بينما أنظر إلى مشهد النيل الرائع، وأتذكر موسيقى الفيلم، قررت أن أحاول استعادة رقىّ مشاعرى وتصرفاتى ولغتى.

لم يجعلنى الفيلم أدرك مدى قبح الواقع فقط، بل جعلنى ألاحظ كم أصبحت أنا نفسى أشبه هذا الواقع.

أصابتنى هذه الفكرة بغصة فى حلقى، كان حلقى يؤلمنى ألما حقيقيا لامجازا وقررت أن أدخل الفيلم مرة ثانية فى أقرب فرصة ربما تختفى الغصة.

فى السادسة من مساء نفس اليوم اصطحبت صديقتين لسينما الشيراتون لأدعوهما إلى مشاهدة الفيلم وأشاهده - أنا - للمرة الثانية ربما تزول الغصة من حلقى.

وللمرة الثانية اكتشفت أن من يرغب فى الاستمتاع بالموسيقى عليه أن يبقى - كما علمنى يحيى - الفيلم لا يعرض فى حفلة السادسة فى سينما شيراتون وكان علينا أن نصل إلى رينيسانس عمادالدين قبل السابعة إلا الربع!!

ووصلنا رغم الزحام المعتاد.. وصلنا.

وشاهدته للمرة الثانية.. هذه المرة مع الجمهور.

هذه المرة لاحظت جمال وعمق جمل حوارية لم أتمكن من ملاحظتها فى المرة الأولى، الكلام على لسان قابلة عن أهمية الذاكرة.. وكيف أن الإنسان عندما يفقد ذاكرته وذكرياته يفقد حياته نفسها ويصبح إنسانا مختلفا.

والكلام على لسان فرانشيسكا عن قبول من تحبه كما هو وألا تحاول تغييره، أن تأخذ ما يستطيع أن يعطيه، ولا تتوقع ما تحلم به.

الكلام عن الحب على لسان بيسه.

وعن الغواية على لسان كارك.

وعن النضج والألم والواقع والحقيقة على لسان نورا. ثم وهذا أجمل ما أمسكت به فى المشاهدة الثانية - الألم الناتج عن عدم القدرة على التعبير.

فى المشهد الذى كان يقف فيه البطل على بعد خطوات من بيته ممسكا بجهاز تسجيل كبير تركته نورا فى الشارع واستقلت تاكسى.

كانت ليلة رأس السنة، وكانت الألعاب النارية تنطلق فى سماء الإسكندرية، وكان هو مذهولا من لوعة فراق حبيبته، حين وصلت سيارة شرطة ونزل الضابط يطلب منه البطاقة بعنف شديد.

المفاجأة والعنف زادا من سوء حالة نطقه السيئة أصلا.

ظل البطل آسر ياسين يحاول أن ينطق فى البيت ويفشل حتى فقد الوعى بسبب ضرب الضابط والعساكر.

يحيى الحاصل على بكالوريوس الطب بامتياز، والذى يعمل صيادا لأنه يتلعثم أثناء الكلام، كان يجيد الكلام مع نفسه، لكنه كان يرغب فى أن يتكلم مع الآخرين.

يستحق جمال رسائل البحر أن أتعب لألحق بموعد سينما.

لكن ليس بالضرورة أن يتعب الجميع.. يمكنكم استخدام التليفون لمعرفة مواعيد العرض، بالمناسبة الشخصيات فى الفيلم لا يستخدمون التليفونات ولا الكمبيوترات ولا أى أجهزة حديثة.

يجلسون فى مواجهة بعضهم بعضا ويتكلمون بهدوء وأحيانا لا يتكلمون.

فقط يتبادلون النظرات فيقولون وتقول الموسيقى كل شىء.

صباح الخير المصرية في

16/02/2010

 

داود عبد السيد:

فيلمى "رسالة" للتيارات الظلامية

كتب منى عشماوى

بعد غياب دام قرابة الثمانى سنوات يعود المخرج داود عبد السيد بفيلمه رسائل البحر الذى أحدث جدلا كبيرا فى ما تحمله معانيه من رسائل وإيماءات فضل المخرج أن يفهمها كل حسب طريقته ولا ينكر فى نفس الوقت أن جميع من فى الفيلم فاجأءه بآدائهم المدهش السلس وإن كان قد تحمل مخاطرة كبيرة فى اختيار نجومه لأدوارهم خاصة بطل الفيلم (آسر ياسين) وبطلة الفيلم (بسمة).

داود عبد السيد الذى تحدث معنا عن فيلمه (رسائل البحر) وانزعاجه من تصنيف الرقابة له بأنه (فيلم للكبار فقط) وجرأة الفيلم فى الحديث عن كثير من القضايا التى يهرب من طرحها المجتمع كما تحدث لنا عن مشروعه الذى هو بمثابة حلم يبحث عن منتج ورفض النجم أحمد حلمى لدور يحيى فى رسائل البحر ورأيه فى السينما المستقلة فكان لنا معه هذا الحوار...

·         لماذا هذا الابتعاد لسنوات طويلة؟!

- لم أبتعد عن السينما ولكن السينما هى التى ابتعدت عنى لأنى كان لدى مشروعى ولم أجد الجهة الإنتاجية التى تتحمس ولست أنا وحدى فى ذلك لكن أى فيلم يناقش أى قضايا جدية يجد صعوبة فى أن يجد جهة إنتاجية تصرف عليه وعندما وجدت تمويلا من وزارة الثقافة بالتعاون مع الشركة العربية للإنتاج والتوزيع خرج الفيلم إلى النور.

·         واجه الفيلم كثيرا من الانتقادات خاصة فى عرضك لعلاقة مثلية بين فتاتين مثلا؟!

- ده نوع من أنواع التمييز لأنه يسود فى المجتمع تدين وتزمت مبالغ فيه وهناك تيارات ظلامية فى المجتمع المصرى وهى بالمناسبة ليست تيارات صغيرة بل هى قوية لدرجة أنها تقف فى وجه أى فن أو أى فيلم يعرض مشاكل المجتمع التى لا نستطيع أن نخبئها أكثر من ذلك وأنا أستطيع أن أقول أن من يشاهد فيلمى ويتحيز ضده فهو لا يفهم أى لغة أو أى رسالة من فيلم (رسائل البحر).

·         صنفت الرقابة فيلمك (للكبار فقط) هل هذا كان شيئا مزعجا بالنسبه لك؟!

- طبعا ورغم أن الفيلم لم يكن فيه أى مشاهد ساخنة لكن للأسف الرقابة اعتبرت خيانة البطلة لزوجها مع آخر ورفضها أن يعاملها زوجها على اعتبار أنها للمتعة فقط اعتبرته الرقابة أنه نقد للزواج كمؤسسة هذا هو اعتبار الرقابة وقد اعترضت (إسعاد يونس) على تحفظ الرقابة ولكن فى النهاية هذا ما كان، والحقيقة كنت أرى أن الفيلم يناقش كثيرا من القضايا التى كان من المهم أن يشاهدها المراهقون مثل أنه ليس من الطبيعى أن تقبل الفتاة زيجة من رجل غنى لمجرد أنه يستطيع أن يعيشها فى مستوى مادى فاخر، والفيلم يناقش مفاهيم أخرى كنت حريصا على أن يشاهدها المراهق الذى يبلغ من العمر (٣١ أو ٤١) سنة، يعنى حتى مشهد دعاء حجازى وهى شبه عارية ده زيه زى أى واحدة ممكن تكون لابسه (مايوه)!! ؟

·         كان فى أفلامك السابقة الكثير من المشاهد الساخنة والجريئة وبالرغم من ذلك لم نجد يافطة للكبار فقط (تعليقك)!!

- أنا كل ما أستطيع أن أقوله إن الرقابة مؤسسة مكروهة وبالتالى كل شخص على رأسها هو على رأس مؤسسه مكروهة لأنى ضد الرقابة ولا أوافق على نوع الرقابة الموجودة فى مصر والحقيقة ده كان أول فيلم لى يكتب عليه (للكبار فقط) وكل ما كان يهمنى أن هذا الفيلم يحمل رسائل تربوية للشباب كنت حريصا على أن يشاهدوها وللتوضيح هذه اليافطة هى نوع من أنواع التحذير وليس المقصود منها المنع مثل يافطة (التدخين ضار بالصحة) لكن هذا لا يمنع من التدخين!!

·         أسماء الأبطال فى الفيلم مثل (يحيى) و(قابيل) هل لها دلالات دينية داخل الفيلم؟!

- اسم (يحيى) لا يحمل أى دلالة دينية على الإطلاق مثله مثل أى اسم آخر، أما اسم (قابيل) فأنا طبعا قصدت به مدلولا دينيا لطرح قصة قابيل الدينية وأريد أن أقول أن هذا الشخص رغم قوته ورغم أنه قام بقتل إنسان إلا أنه ندم على ذلك فى تسامح مع نفسه وهذه القصه داخل الفيلم تستدعى القصة الدينية (قابيل) الذى قتل (هابيل) فى رسالة إنه ليس من العدل استخدام العنف بين البشر وإن حدث ذلك فلابد أن يكون هناك ندم وصحوة للضمير!!

·     كان من الغريب فى الفيلم أن يكون شاب مثل (يحيى) يتلعثم فى كلامه ويحمل فى داخله براءة بعيدة عن الواقع أن يكون هدفا للنساء مارأيك؟!

- الحقيقه ده شىء يختلف من امرأة لأخرى ولكن بشكل عام شاب مثل يحيى هو شاب جذاب لذا من السهل أن يجذب أكثر من أمرأة، وعلى فكرة هناك رجال كثيرون لديهم براءة وطيبة وتسامح ربما ليس مثل شخصية يحيى بالضبط لكن من الممكن جدا أن تكون هذه العوامل عوامل جذب لفتيات ونساء كثيرات لأن الحياة خصبة جدا وليس بالضرورة أن تنجذب المرأة للرجل (الفتك الذى يلعب بالبيضة والحجر)!!

·         قيل إن هذا الدور كان مرشحا له خالد صالح بعد وفاة أحمد زكى ما صحة ذلك؟!

- هذا غير صحيح على الإطلاق ولكن للأسف لأن كثيرا من الصحفيين بيستسهلوا دون البحث أو التأكد من المعلومة السليمة، والصحيح إن (خالد صالح) كان مرشحا لفيلم آخر لى اسمه (رسائل الحب) لم يخرج إلى النور حتى الآن طبعا!

·         ما الذى دفعك لاختيار (آسر ياسين) لبطولة الفيلم خاصة أنه ليس نجما من نجوم الشباك قبل رسائل البحر؟

- لأنه وجه جذاب ومصرى جدا وذكورى وملامحه فيها وسامة غير الوسامة الصريحة كذلك سنه تصلح تماما للدور والحقيقة هى أنه موهبة السينما القادمة، وطبعا كانت هناك ترشيحات أخرى لنجوم مثل (أحمد حلمى) الذى أجد أنه فنان متميز ونجم عبقرى إلا أن أحمد رفض الدور ولم يجد نفسه فيه والحقيقة (آسر ياسين) فاجأنى وكان أحسن كمان من توقعاتى!

·     وبالنسبه لبسمة ألم تجد أن اختيارها لدور العشيقة التى تخون زوجها بينما يظل المشاهدون يعتبرونها فتاة ليل أغلب الفيلم.. ألم يكن ذلك رهانا صعبا عليها؟!

- وجدت فى بسمة إمكانية أنها تعمل الدور بشكل كويس والحمد لله إن رؤيتى لها كانت فى محلها خاصة أن هذا الدور أنضج وأفضل من الأدوار التى قدمتها من قبل!!

·         هل يجد داود عبد السيد اللذة فى الرهان على نجوم أفلامه لتضعهم فى أدوار مختلفة عما قدموه؟!

- أنا لا أفكر فى أى نجم أختاره قدم دوراً شبيها بما أعرضه عليه؛ لأنى دائما أعرض على نجومى أدوارا مختلفة عن توقعات الناس والوسط الفنى لهم وكل المعيار هل هو يصلح أو لا، ودائما ما أشعر أن رهانى ينجح ويكسب مع الناس خاصة أنى أشعر أنى أقدم شخصياتى الرئيسية بطريقة لم تقدم من قبل فى تفاصيلها الدقيقة، والحقيقة كل نجوم الفيلم عملوا شغل هايل وشخصيات مفاجأة مليئة بالأحاسيس والنضج الفنى وأحب أقول أن محمد لطفى قدم دورا مدهشا وسامية سعد ودعاء حجازى ومى كساب، الحقيقة كلهم كانوا أكثر من رائعين وقدموا أكثر مما أريد!

·     ناقشت داخل الفيلم قصة الفتاتين اللتين تجمعهما علاقة جنسية بل وتفضل إحداهما هذه العلاقة على العلاقة الطبيعية مع شاب كانت تحبه فى وقت من الأوقات.. بصراحة هل مصر بلد به الكثير من هذه الحالات؟!

- طبعا مصر بها شواذ من الرجال والنساء وبها (زنى المحارم) وكلما زاد الفقر والحالة الإجتماعية التى يتحكم فيها الجهل زادت هذه العلاقات غير السوية وأنا أؤمن جدا بأنى لست أنا من سيكشف عن هذه القضايا كمن يفضح سرا لأن الحقيقة الحاجات دى لم تعد سرا فى ظل انفتاح على الدنيا ووجود قنوات فضائية وأقمار صناعية هذا هو الواقع، ومن يخاف أو يخجل منه هو حر ولكن السينما لابد أن تكون عاكسة وكاشفة لهذا الواقع مثل سينما الثمانينيات.

·         ولكن سينما اليوم تختلف إلى حد كبير ما تعليقك؟!

- نعم السينما النهارده هى سينما مزيفة لا أقصد كلها ولكن أغلب الأفلام فيها تزييف للواقع والأحاسيس وكما ذكرت ليس كل الأفلام يعنى شاهدت فيلم (واحد صفر) وعجبنى جدا وشاهدت فيلم (حين ميسرة) وكان أيضا من الأفلام الكويسة.

·         تكتب سيناريو أغلب أفلامك وآخرها(رسائل البحر) فى ماذا يختلف ويتفق كاتب السيناريو والمخرج بداخلك؟!

- أنا لا أسمى نفسى كاتب سيناريو ده أولا كل الحكاية بيكون لدى فكرة أو تصور فى دماغى وباضطر أنى أكتب السيناريو لإخراج هذه الفكرة إلى النور وفى الغالب لا أحب أن يكتب سيناريو هذه الفكرة حد غيرى لأنى أكثر واحد على دراية كافية (أنا عاوز أقول إيه) لكن أنا مش كاتب سيناريو محترف.

·         إذن كيف يكون الاحتراف فى كتابة السيناريو وأنت قمت بتأليف سيناريوهات لأفلام مهمة مثل (الكيت كات) و(أرض الخوف)؟!

- يعنى ممكن جدا، الاحتراف لا يعنى جودة دائما دى ناحية وبعدين كاتب السيناريو داخلى يتفق مع مايريده المخرج داخلى أيضا طبعا لا أكتب سيناريوهات لمخرجين آخرين لأن ليس همى الأول الحصول على الفلوس طبعا لازم آخد فلوس ولكن ده مش همى الأول فى الموضوع!!

·         كيف تجد رد فعل الناس على الفيلم داخل دور السينما؟!

- الحقيقة فى أغلب السينمات أجد حفلة التاسعة (كاملة العدد) وكان اللافت فى هذه الحفلة أن أغلب من دخلوا لمشاهدة الفيلم (الستات والبنات) وأشعر أنهن أكثر وعيا وإحساسا بشكل عام ولكن من ناحية ثانية الأرقام هى التى سترصد أخبار التوزيع ولكن الأخبار حتى الآن مطمئنة.

·         هل يفهم جمهور السينما (رسائل البحر) هل يستوعب كل ما أردت أن تقدمه؟!

- هناك فرق كبير بين الفهم والإدراك وأعتقد أن الناس مدركة لمعانى الفيلم والرسالة التى يريد أن يرسلها الفيلم فكرة التصالح مع الآخر وقبوله لأنه شئنا أم أبينا هو موجود معنا بكل ما يحمله من اختلاف ولكن فى النهاية يكون الفهم مختلفا باختلاف كل واحد وثقافته وطريقة استيعابه لهذا الفيلم لأن الفن ده حاجة واسعة جدا.

·         بعض النقاد ذكروا أن فيلم (رسائل البحر) هو أفضل أفلامك الأخيرة ما تعليقك؟!

- ده شىء كويس لأنه مهم جدا لما أعمل فيلم يكون أفضل من اللى قبله وليس أسوأ ثم هذا رأى وكل واحد حر فى رأيه لأنى لست وصيا على أفلامى وكل فيلم له ظروفه الخاصه به.

·         مشاهد تصوير (النوة) داخل الفيلم أخذت مساحة ليست بالقليلة وكانت فى غاية القسوة والقوة كيف كان التصوير؟!

- الحقيقة أنا كنت فرحان إن فيه (نوة) فى إسكندرية لأن المشكلة إن ماكنش فيه (نوات) كتير ممكن أصورها السنة اللى فاتت فما صدقت إنى لاقيت (نوة) وطبعا أكثر اتنين تعبوا فى الموضوع (آسر ياسين) و(محمد لطفى) وطبعا آسر أكثر لأن عدد المشاهد التى صورها أثناء (النوة) أكثر لكن بشكل عام كانت المشاهد دى ضرورية لإظهار المعنى الذى أريده بالضبط.

·         لماذا اخترت نهاية مثل أن يكون (يحيى) و(نورا) فى مركب داخل البحر بعد أن طردهم صاحب البيت والسمك النافق من حولهما؟!

- لإنى لو فكرت إيه ممكن تكون نهاية قبل المشهد ده فسأجد أنه بهذه الطريقة أو بهذه النهاية اكتمل المعنى الذى أريد أن أوصله من خلال(رسائل البحر).

·         لماذا أغلب نهايات أفلامك هادئة نوعا ما فى حين أنه تسبقها أحداث من الممكن أن تكون نهايات قوية وجيدة لختم الفيلم؟

- أحب دائما فى نهايات أفلامى (الراحة) فى أنى أوصلت ما أريد من معنى ولا يعنينى أن الأحداث قبل النهاية أحداث مثيرة أو ساخنة أو حتى قوية من الممكن أن تكون نهاية لأن فى هذا الوقت لم تكن الصورة التى أريدها اكتملت بالفعل فى رسائل البحر ليس كل همى هو أن يتزوج يحيى من نورا ولكن كانت همومى أكبر فى إظهار كثير من التفاصيل فى الصورة.

·         ما رأيك فى السينما المستقلة وهل من الممكن أن يكون لك معها مشروعات؟!

- أولا مصطلح السينما المستقلة ليس مصطلحا فنيا ولكنه مصطلح مادى فى المقام الأول وطبعا أنا دائما لدى أفكار ومشروعات ولكن المشكلة دائما أين الفلوس ولكن أجد أنها ستكون المتنفس الذى سيعطى للمخرج والفنان مزيدا من الحركة والنضج والحرية فى أفلامه.

صباح الخير المصرية في

16/02/2010

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)