كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

الحدث

"أڤاتار" أو مانيفستو سينما الغد في وسترن بيئي – فضائي يساري

2009، أوديـسا جـيـمـس كاميــرون

هوفيك حبشيان

عن فيلم

أفاتار

AVATAR

   
 
 
 

فجأة، بعد "تايتانيك" (1997)، انزلق جيمس كاميرون الى قعر الطموحات الفضفاضة التي نزلت عليه كوحي مشاغب. وراحت التكهنات تسير دربها المعتاد. من جملة الأسئلة التي طرحت آنذاك وسعت ضمنياً الى "نعي" هذا النابغة الكندي: كيف لمخرج حوّل حطام سفينة "مصرفاً للأوراق الخضر" أن ينجو من الغرق الفني والابداعي المحتم، بعدما بلغ القمة؟ ثم سمعنا كلاماً كبيراً مفاده ان الرجل، شأنه شأن كل شخص يصل الى اعلى نقطة في مساره، قد انتهى وتعرض للزوال، والأرجح انه لن ينهض مجدداً من سباته العميق. لكن عودته العظيمة مع "أڤاتار"، بعد 12 عاماً أمضاها متأملاً في مشروعه الجديد، ما هي الا تأكيد انه، في الحياة كما في السينما، مَن يضحك أخيراً هو مَن يضحك كثيراً.

اجتاز كاميرون، البالغ 56 عاماً، عقداً كاملاً (التسعينات) من دون أن يقف خلف الكاميرا (اذا استثنينا فيلمين وثائقيين). لكنه كان مستنفراً على الدوام، منتظراً بلوغ التقنيات في مجالي الصوت والصورة مرتبة عالية من الجودة والدقة كي ينقب عميقاً في مخيلته. وبعد عقد ونيف من الصمت المهيب، ها انه يأتينا بعمل أقل ما يمكن القول فيه انه كان يستحق أن يكابد سينمائي مثله المشاق والصعاب والصراع (مع الذات أولاً) من أجل تحقيقه. لكن التحدي لن ينتهي عند هذا الحدّ. اذ نحن حيال سينما تقفز بنا من مرحلة زمنية الى أخرى. سينما سابقة لأوانها. كاميرون يصنع سينما الغد منذ اليوم. انه، ببساطة، مانيفستو لما ستكون عليه سينما العقود المقبلة. من خلاله، يخاطب سيد شباك التذاكر مُشاهد اليوم ومُشاهد الأمس في آن واحد. وأي فيلم أفضل من هذا لنختم به عقداً ونشرع في آخر؟

في "أڤاتار"، دمج كاميرون الجسد الحقيقي للانسان (الوجود) بديكورات افتراضية خلاّبة (لا وجود لها) خرجت من مصنعه من دون أن نرى بينهما اللحمة الصناعية، أي الفاصل، بين الانسان وشبيهه. في المجال التقني الصرف، يوجه الفيلم "صفعة" الى مهندسي المؤثرات البصرية، أولئك الجنود المجهولين القائمين على مئات الأفلام الهوليوودية، متقدماً في الحين نفسه على ابداعاتهم وابتكاراتهم على طول الخط، مثلما كانت الحال مع "تايتانيك" الذي بلغت موازنته نحو مئتي مليون دولار، وعادت على المنتجين بعشرة أضعاف هذا المبلغ. الأهم من هذا كله أنه استحدث "جانراً" سينمائيا هو فيلم الكارثة، رافعاً اياه الى مصاف أعلى، وأكثر ذكاء ودلالات. مع "أڤاتار"، نحن حيال تمرد تكنولوجي في المقام الأول، يجسد حاجة مخرج طليعي الى تجاوز الذات وتجاوز السائد مع كل مرور له خلف الكاميرا، علماً انه مدعوم، هذه المرة، بتقنية الابعاد الثلاثة، التي فتحت آفاقا غير مظنونة أمام رؤياه غير التقليدية للسينما والعالم.

بداية، لدى حديثنا عن هذا السينمائي، هناك أمر لا يسعنا اغفاله: كاميرون هو فنان تفاصيل وشمول في آن واحد. يسلخ من الحياة ما هو متناه في الصغر ليجعله شيئاً في منتهى الكبر، والعكس ايضاً صحيح. ينبغي الحفر في هذا المكان تحديداً اذا اردنا تدارك ما يدور في مخيلة كاميرون. وهو في خاتمة المطاف، من السينمائيين الذين اسطروا مهنة الاخراج. وأعني بالأسطرة المخرج - الاله، قائد الاوركسترا العتيد المسؤول عن كل نوتة وحركة؛ فإن نجح فالفضل يعود اليه، واليه وحده، وإن أخفق فالآخر يكون مقصراً في فهمه، لأن "الاله لا يخطئ!"... ولا شيء ينتقص من عظمته.

مهنة المخرج مع امثال كاميرون مرتبطة بفكرة النفوذ. والنفوذ هذا لا علاقة له بالنفوذ بحسب المنطق الذي تداولته "الموجة الجديدة" في الستينات أو بعدها ببضعة أعوام شلة "هوليوود الجديدة". انه النفوذ بمعناه الأقرب الى فكرة السطوة، وهو، على كل حال، فكرة غير مغلوطة. ذلك أن كاميرون، على عكس اسلافه، يفهم السينما مكاناً للقوة والعزم والخيال، لا مكاناً للخسارة والفشل والواقعية والبكاء. وهو من القلائل استطاعوا تحويل موت بطل (جاك في "تايتانيك") نهاية سعيدة؛ ومن القلائل ايضاً عرفوا كيف من الممكن قطع أنفاس المشاهد بقصة يعرف خواتمها (السفينة التي تغرق) حتى قبل دخول الصالة. وهو، أيضاً وايضاً، من القلائل يتناولون واقعا آنيا، إما من الاستعادة وإما الاستشراف. وقد يكون كاميرون اليساري الهوى الوحيد في العالم، يشير بالاصبع الى تعجرف ما كان يعرف سابقاً بالامبريالية، مستخدماً أموال الرأسمالية الهوليوودية. هذه المفارقات كلها تجعل منه مخرجاً هامشياً يعمل في زاوية خاصة به، وذلك على رغم نجوميته وأمواله الكثيرة.

هناك كذلك شيء لمسناه في "تايتانيك" ونلمسه اليوم في "أڤاتار": دائماً الضخامة هي التي تقود كاميرون الى مشاريعه الكبيرة المشبعة بخطاب أخلاقي وايديولوجي متوازن، تفضي الى معادلة مماثلة: سفينة تغرق + الآلاف يموتون + الفقراء يُهملون = استعراض مثالي يعرف صاحبه كيف يؤطره، أين يجعله ترفيهياً ومتى يمنحه البلاغة الفكرية. أما الملايين التي يجنيها من سينماه، فلا تنتقص أبداً من قيمته السينمائية.

لـ"أڤاتار" امتدادات تيماتيكية كثيرة في سينما كاميرون نفسها. فما يطرحه ينتمي الى سينما المؤلف، على رغم (أعيد وأكرر) الطابع التجاري الصرف لأعماله، وخصوصاً من حيث الأموال المطروحة لتسويقها. فالسيناريو من تأليفه ويمكن اختصار مجرياته على النحو الآتي: جاك، جندي سابق في البحرية الأميركية يكلف السفر عبر الزمن الى كوكب يدعى باندورا حيث مجموعة صناعيين يعملون على استغلال مادة معدنية خام من شأنها أن تحل مشكلة أزمة الطاقة على كوكب الأرض. وبما أن أجواء باندورا غير ملائمة للبشر، فقد ابتكر هؤلاء الصناعيون برنامجاً يسمح لمتحكمين بأن يتواصلوا عن بعد مع هذا الجسد البيولوجي المسمى أڤاتار. لكن تبقى هناك مشكلة سكان باندورا الاصليين، التي تتفاقم عندما يقع جاك في حبّ نايتيري التي تخلصه من الموت...

لباسهم هو الديجيتال

مرة أخرى بعد "تايتانيك" يسمّي كاميرون بطله جاك (سام ورتينغتون). تلك تحية - دلالة عهدناها لدى سينمائيين كثر، لكن الاصرار على التذكير بالفيلم السابق يأخذ مداه ويبقى دائم الحضور، وخصوصاً مع بلوغ الاضطهاد الذي يتعرض له البطلان ذروته في الفصول الأخيرة. لكن خلافاً لجاك (ليوناردو دي كابريو)، الشاب الفقير الذي لن يسعفه وجوده في الطبقة الدنيا من السفينة، نتعامل هنا مع جاك آخر، بطل مركزي مخلص تدور من حوله الاحداث كلها، ويحدث تبديلاً في سلوكه ما إن يحتك بالآخر. بيد ان التيمة المستعادة هنا، هي الطبيعة البشرية في مواجهة طبيعة الكون. فالانسان بالنسبة الى كاميرون حيوان مخرّب مأخوذ دائماً برغبته في تحدي ما يتجاوزه حجماً. وبدلاً من أن يكون شريكاً في حماية كوكب الأرض، فإنه يساهم في تدميره. يركز الفيلم على الجانب المتعلق بتحدي الطبيعة، مثلما كان سائداً في "تايتانيك" توجيه اللوم الى مَن ربط فعل صناعة سفينة بهذه الضخامة بتحدي الله. حتى صورياً، هناك روابط بين العملين، واهمها ربما وقوع الشجرة العملاقة، في منتصف الفيلم، الذي يشبه الى حدّ كبير، فعلياً واستعارياً، سقوط سفينة "تايتانيك" الى قعر الاطلسي.

مرة أخرى، لا نجد الأجوبة عن بعض ما في "أڤاتار" الا بالعودة الى "تايتانيك". فهذا الفيلم - الرمز كان مرتبطاً الى حدّ بعيد بالحضارة الغربية التي انتهى أكبر انجاز تقني لها في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الاولى حطاماً، والحداد على هذه الكارثة التي قضى فيها المئات (هنا ايمان عميق من جانب كاميرون بالسينما) لم يكن ممكناً الا عبر استعادة هذه الرواية سينمائياً (من منطلق سؤال: "ما الذي حصل فعلاً؟"). دعونا لا ننسى انه كان فيلماً تجري حوادثه بين جناحي الزمان والمكان، وحيث كان متاحاً الانتقال من حقبة الى أخرى (صناعية الى اقتصادية فرأسمالية)، ومن قرن الى قرن، ومن قارة الى قارة، بالاضافة الى ان الفيلم كان يدشن زمناً رقمياً يطل برأسه، وهو الزمن الذي يقف كاميرون على اعلى قممه.

انه منطق التسلم والتسليم الطبيعي جداً (نكاد نقول الكاميروني) بين الرقمية التي تتيح اعادة ترتيب أولويات الحقيقة من جهة، ومن جهة أخرى الانسان الذي بات في حاجة ماسة الى هذا الاختراع للتصدي لأشباحه وذاكرته، كذلك لأحلامه ومخاوفه. بالنسبة الى كاميرون، فإن الانسان واختراعاته العلمية والتقنية المتجاوزة كل حد والتي تجعل منه آلة باردة، لا يشكلون الا كتلة واحدة ووحيدة تنصهر فيها الاسئلة الكبرى التي جاءنا بها كاميرون على مدار فيلموغرافيته الغنية بهذه الدلالات. وما "أڤاتار" الا امتداد صريح لكل هذه الهواجس. في "تايتانيك" كان على من يريد أن ينقذ جلده (والانتقال الى الضفة الأخرى) أن يلبس سترة النجاة. هنا لباس الشخصيات (أو جلدها الثاني) هو الديجيتال، ولا شيء سواه. أما العالم الافتراضي، فالوجود فيه أكثر صفاء وامتاعاً من الحياة على كوكب الأرض.      

هناك انسجام يفوق الوصف بين جاك وباندورا الذي يصوره كاميرون بانجذاب وتناغم مقصودين. هذا هو الشيء الذي يجعل الفيلم أكثر من كونه وسترن فضائياً. قصة الحبّ تدور بدايةً مع الطبيعة لتنتقل على اثرها الى نايتيري. جاك القابع في كرسيه المتنقل بسبب عاهته الجسدية، يتحرر فجأة من جسد الانسان الذي كان "يلبسه" ليصبح حراً طليقاً في طبيعة لم تلوثها بعد ايادي البشر. المظالم التي يصورها الفيلم بوتيرة جهنمية، تحيلنا على عقد مقارنات بديهية وغير بريئة مع قضية اضطهاد الوافدين الى اميركا لسكانها الاصليين (الهنود الحمر). ما يلفت في معالجة كاميرون، هو هذه النظرة السوداوية للحضارة الاميركية، وهذا شيء نادر فعلاً في الأفلام ذات الموازنات الكبيرة الواسعة الانتشار. لكن الارجح أن جولة جديدة من "جلد الذات" بدأت تتبلور في السينما الحديثة انطلقت أخيراً مع "منطقة 9" (نيل بلومكامب) ووصلت الى محطتها الأكثر اكتمالاً هنا في "أڤاتار".

بالتأكيد، لا شيء جديداً في هذا كله، بيد أن النظرة الى الانسان كمحتل ومغتصب تأخذ معاني أكثر جدية في زمن يُتهم فيه الانسان عالمياً بإهمال القضايا البيئية لا بل بتلويث مناخه وأرضه ومياهه وعدم منحها الاهتمام المطلوب.

عالم كلمسة بقلوبنا

لكن، ليس "أڤاتار" وصاحبه على هذا القدر من البراغماتية ليقول هذا الكلام في العلن وعلى نحو مباشر. فمن الواضح، منذ البدء، أن المعسكر الذي ينحاز اليه كاميرون هو معسكر السكان الاصليين لباندورا، والذين يجري تصويرهم بمرتبة أعلى من الحنان والدفء. بين براغماتية البشر وانغلاقهم وعنجهيتهم، وشاعرية السكان الاصليين، لا حاجة للقول أين يستقر قلب كاميرون، لذلك يمكن اعتباره من سلالة الذين، من سبيلبرغ الى فرهوفن وبيسون، أدخلوا المكننة الى المشاعر الانسانية السامية، ذلك ان وجود المؤثرات البصرية والصوتية وسطوة الافتراضي على اللحم الآدمي، لا يلغيان إمكان أن تحبس نفسك أمام لوحة فيها الكثير من الروحانيات. وعليه، ما يرفض الفيلم مناقشته هو المنطق القائل أن التكنولوجيا تسرق من الانسان انسانيته. طرحه اقرب الى دعوة لمناقشة "هذه الانسانية"، وهل هي فعلاً مرادف لكل شيء ايجابي؟ 

يخلق كاميرون عالماً نكاد نذوب فيه. ننجح في لمسه بقلوبنا وعقولنا وعيوننا وآذاننا في آن واحد، وهذا شيء نادر في ما يُعرف بأفلام الـ"بلوكباستر" الأميركية. قد لا يكون ملائماً تماماً استخدام كلمات مثل "ثورة" أو "منعطف" في وصفنا لخطوة كاميرون الشجاعة في صناعة هذا الفيلم (المعادي للعسكر في المقام الأول)، لكن مما لا شك فيه أن هناك مفهوما جديدا لثقافة رقمية تتعزز هنا، وستتعزز أكثر فأكثر قريباً، وليس "أڤاتار" الا أول العنقود. ولا شك أيضاً أن الكيفية التي يفهم كاميرون السينما من خلالها، أي اعادة الاعتبار الى الشاشة الكبيرة امام مزاحمة الصغيرة لها، لن تبقى قائمة طويلاً، ذلك أن المنافسة انطلقت منذ الآن مع بدء تجهيز التلفزيونات بتقنية الأبعاد الثلاثة.

يأتي كاميرون بتجسيد رقمي بهيّ لكل ما يتشكل منه كوكب باندورا. من أصغر تفصيل يشمل اشجار الغابات وأعشابها البرية ونباتاتها وصولاً الى تعابير وجوه الشخصيات ونظراتها التي لا تجيء فارغة كما في أفلام أخرى. نحن حيال تجسيد دافئ ولقيات غرافيكية من مستوى عال جداً. هذا الجانب من الفيلم يثير الحسد. كذلك الأمر بالنسبة الى النص الذي يتعامل معه كاميرون، على رغم تقليدية الطرح القائم على صراع أزلي بين الخير والشرّ. أما الشخصيات فمقسومة على نحو علني بين مَن يتعاطف معهم المخرج ويؤيد سلوكهم، وأولئك الذين سرعان من يصنَّفون في خانة الحثالة. وهذا الفصل الحاد بين المعسكرين هو النقطة الاضعف في الفيلم.

ملحميّ النبرة وبيئيّ الرسالة، يجسد "أڤاتار" ما جسّده "2001، أوديسا الفضاء" بالنسبة الى ستانلي كوبريك: رحلة عجيبة عبر الزمن يمكن تحميلها تفسيرات شتى، وكذلك تأويلات واسقاطات، وبالتأكيد لن ينكشف غموض هذا العمل الا بعد أن يكسو سطحه غبار الزمن. لكن خلافاً لكوبريك، الأكثر انغماساً في قلق آدمي شامل، لا حاجة عند كاميرون للتأمل في مسائل كالخلق والطبيعة البشرية والتطور، وهذه القضايا إن وجدت فهي محدودة جداً، لأن مخرجنا لا يفعل الا التنقيب في مجالات تنحصر في إيديولوجيا كولونيالية وامبريالية طارحاً نفسه انتروبولوجياً أكثر منه مغامراً أو مستكشفاً للفضاء الشاسع. لعل الأهم من هذا كله، سيره على خطى موجة سينمائية ناشئة تفترض أن كل وافد من الفضاء الخارجي هو أفضل من الانسان، حّد اننا، كمشاهدين، نتماهى تدريجاً مع سكان باندورا الاصليين.

تحرير العقل

نادراً ما توظَّف كل هذه الاموال (يحكى عن 350 مليون دولار )، كي يلقي المخرج نظرة على هذا المقدار من السوداوية والعنف في تفاصيل عيشنا. هذا كله معكوس على شخصيات تنمو لديها رغبة في الانتماء الى "ثقافة العدو". فمن الواضح مثلاً كيف ان جاك، في منتصف الفيلم، يرمي عنه السمة الانسانية ليصبح أكثر تعلقاً بإنسانية مَن يحاربهم. في مسيرة تحرير العقل من يد العسكر (وتحرير السلاح من يدهم ايضاً) ينسى جاك الأهداف، ليعتنق تدريجاً قيم الحضارة التي ارسل اليها، فتنتج من هذا الانشقاق حرب دامية. واذا كان كل عنصر على حدة، في هذا الشريط ذي الطابع الثوري، لا يشكل سابقة في ذاتها، فاجتماعها تحت قيادة سينمائي هاجسه صناعة عالم ثم تدميره، يرقى الى ابداع لا يسهل تقليده.

على رغم الاجتهادات كلها، يبقى كاميرون أمير الكلاسيكية من حيث تقطيعه وزواياه وسرده وخطه الدرامي المستقيم. الحداثة بالنسبة اليه لا تكمن في أن تتدحرج الكاميرا أو تهتز، أو في بعثرة الأجزاء المختلفة من الحكاية. الشكل الذي يمنحه كاميرون للسيرورة الدرامية، لا يتميز بعمق شديد، ولا بمعاجلة بسيكولوجية للشخصيات؛ لا يهتم كاميرون الا بما يضعه أمام أعين المشاهد، لا لشيء، انما تفادياً للسقوط في نوعية سينمائية لا يريد إنجازها، لأنها تتنافى مع لغته، وتتضارب مع امكاناته التي يجب أن تحكي عن نفسها بنفسها، من دون استعانة بعناصر خارجية.

لا حاجة للثناء على موهبة كاميرون في العمل وفق وتيرة تصاعدية تثير سكرة المشاهد المستسلم للتحليق عالياً في فضاءات المتعة، مدعوماً بأكشن يتغلغل في الفيلم تدريجاً. النتيجة: أوديسا حيث لوحات تنم عن حسّ بصري مذهل، تتعاقب وتتسارع، بحيث تفرز الكاميرا شعراً وعلماً، حباً وعنفاً. وفي هذا كله، لا يسعنا الا ان نرى ملامح فيلم كاميرون المقبل.

(•) Avatar ـــ يُعرض بالبعد الثلاثي في "سينما سيتي" و"أمپير ــ دون، أسباس" و"پلانيت ــ أبراج" و"ستارغايت". يُعرض بالبعدين التقليديين في "أمپير ـــ سانت ايلي، سوديكو، غالاكسي".

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb)

النهار اللبنانية في

21/01/2010

 

"افاتار" لا يزال يتصدر شباك التذاكر في اميركا الشمالية

واشنطن (ا ف ب)

لا يزال فيلم الخيال العلمي "افاتار" يتصدر شباك التذاكر في اميركا الشمالية في الاسبوع الخامس لعرضه، على ما اظهرت ارقام صادرة عن الشركة المختصة "اكزيبيتور ريلايشنز".

لقد حققت رائعة جايمس كامرون، مخرج فيلم "تايتانيك" الذي لاقى نجاحا باهرا، 41,3 مليون دولار في عطلة نهاية الاسبوع ليصل إجمالي ارباحه في الولايات المتحدة في خمسة اسابيع الى 491 مليون دولار.

وارتفعت كلفة الفيلم الى اكثر من 500 مليون دولار، 300 مليون منها للانتاج و200 للتسويق الا انه حقق نجاحا كاسحا وعائدات تقدر ب1,6 مليار دولار حول العالم.

وفي المرتبة الثانية حل الفيلم الجديد "ذي بوك اوف ايلي" الذي حقق 31,6 مليون دولار. وتدور احداث الفيلم حول شخصية يلعب دورها دنزل واشنطن تحاول انقاذ الولايات المتحدة المدمرة من سيطرة غاري اولدمان عليها.

وحل هذا الفيلم مكان "شرلوك هولمز" من اخراج غاي ريتشي حيث يؤدي روبرت داوني دور المحقق وجود لو دور دكتور واطسن. وبعدما ظل في المرتبة الثانية منذ بدء عرضه نهاية كانون الاول/ديسمبر، تراجع "شرلوك هولمز" هذا الاسبوع الى المرتبة الخامسة، اذ لم يحقق سوى 9,8 ملايين دولار ليصل مجموع ايراداته الى اكثرمن 180 مليون دولار.

واحتل "لوفلي بونز" للمخرج بيتر جاكسون المرتبة الثالثة محققا 17 مليون دولار، وهو يروي قصة مراهقة قتلت تراقب عائلتها وقاتلها من العالم الآخر.

وتراجع فيلم "آلفن اند ذي شيبمانكس 2" من المرتبة الثالثة الى الرابعة مع 11,5 مليون دولار لهذا الاسبوع ليصل مجمل عائدات الى 192 مليونا في اربعة اسابيع.

واحتل فيلم "ذي سباي نكست دور" المرتبة السادسة في الاسبوع الاول له مع 9,7 ملايين دولار. ويلعب فيه جاكي شان دور حاضن اطفال تابع للمخابرات.

وتراجع فيلم الكوميدي الرومنسي "اتس كومبليكايتد" من بطولة ميريل ستريب مرتبتين محققا 7,6 ملايين دولار في اسبوعه الرابع و88,2 مليون منذ بداية عرضه. كذلك تراجعت الكوميديا الرومانسية "ليب اوفر" من المرتبة السادسة الى الثامنة مع 5,8 ملايين دولار هذا الاسبوع و17,5 منذ بداية عرضه.

وتراجع مرتبتين ايضا كل من "ذي بلايند سايد" المقتبس عن قصة حقيقية والذي تدور احداثه حول لعبة كرة القدم الاميكرية محققا 5,5 ملايين دولار لهذا الاسبوع و226,7 مليون منذ بداية عرضه، و"ان ذي اير" لجايسون ريتمان من بطولة جورج كلوني الذي اتى في المرتبة الاخيرة مع 5,4 ملايين دولار لهذا الاسبوع و62,8 مليون منذ بدء عرضه.

العرب أنلاين في

20/01/2010

 

الصين:

نعم لـ"أفاتار 3. دي".. لا لـ"أفاتار 2. دي"! 

بكين ـ نفت الصين الاربعاء أنها أصدرت أوامر بتقليل عدد دور السينما التى تقوم بعرض فيلم افاتار الشهير وذلك بعد المزاعم التى افادت بانها تعتزم وقف عرض الفيلم ذات البعد الواحد لدواعي تجارية أو حتى سياسية.

ونقلت وكالة تشاينا نيوز سيرفيس شبة الرسمية عن مسئول بارز بقطاع السينما القول إن وقف عرض النسخة ثنائية الابعاد "2. دي" من الفيلم خلال عطلة هذا الاسبوع يعد رد فعل "عادي" لظروف السوق.

وقالت دور العرض فى بكين ومدن أخرى أنها سوف تتوقف عن عرض النسخة العادية للفيلم ولكن النسخة ثلاثية الابعاد "3. دي" سوف تستمر.

وقال زهانج هونجسين نائب رئيس إدارة الدولة للاذاعة والافلام والتلفزيون "لقد بيعت معظم تذاكر النسخة "3 . دي" ونسخة اى ام ايه اكس 3 - دي ولكن هناك العديد من "المقاعد الشاغرة" فى دور العرض التى تعرض النسخة العادية.

وأضاف "لذلك فان من الطبيعى وقف عرض النسخة العادية من الفيلم واستمرار عرض النسخة "3 . دي "".

ويتولى هونجسين مسئولية المراقبة و الموافقة على كل الافلام و المحتويات التلفزيونية و الاذاعية التى تبث فى الصين.

ونقلت صحيفة تشاينا ديلى عن تشاينا فيلم جروب القول إن افاتار حقق إيرادات تقدر بنحو 300 مليون يوان "40 مليون دولار" خلال الايام الثمانية الاولى لعرضه فى الصين ابتداء من الرابع من كانون ثان /يناير الجارى.

وذكرت صحيفة ابل ديلى فى هونج كونج إنه من خلال الحد من عرض فيلم افاتار يريد مسئولو الثقافة ضمان نجاح الفيلم مرتفع التكاليف و التى وافقت عليه الدولة والذى يحكى قصة حياة الفيلسوف الصينى كونفوشيوس والمقرر عرضه ابتداء من بعد غد الجمعة.

ويقول بعض المعلقين فى الصين انه هناك بعد سياسي فى قصة الفيلم التى تحكى عن معركة شعب نافى لحماية أرضهم وثقافتهم من الغرباء عند مقارنتها لكفاح المواطنين الصينيين لحماية ممتلكاتهم من الحكومة و الشركات العقارية .

واصطف العديد من الاشخاص أمام دور العرض هذا الشهر فى بكين للحصول على تذا كر لمشاهدة النسخة اى ام ايه اكس 3 - دي من الفيلم بقيمة 150 يوان. "د ب ا"

العرب أنلاين في

20/01/2010

 

الصين تعتزم وقف عرض فيلم أفاتار 

على الرغم من استمرار نجاحه المدوي وإقبال الجماهير عليه ستتوقف دور السينما في الصين عن عرض نسخة فيلم "أفاتار"الشهير بعد يوم الجمعة المقبل. وذكرت مصادر دور السينما في بكين اليوم الثلاثاء أن دور العرض المزودة بتقنيات الـ"3. دي " هي التي ستواصل عرض الفيلم الناجح. ولمس الفيلم الذي يحقق نجاحا عالميا كبيرا ، منطقة حساسة في الصين حيث أن الفيلم الذي تدور أحداثه حول عملية طرد باستخدام العنف لشعب كامل ذكر الكثير من الصينيين بأسرهم التي اضطرت لترك منازلها من أجل مشروعات عقارية وبرامج تحديث.

وذكرت صحيفة "أبل ديلي" الصادرة في هونج كونج أن السلطات الصينية ترغب في وقف النجاح المدوي لفيلم أفاتار لأنه "يجعل رواد السينما يفكرون في عمليات التهجير الإجبارية وربما يتسبب في إثارة أعمال عنف" علاوة على أنه يأخذ فرصة الأفلام المحلية. وبدلا من فيلم أفاتار الذي تصطف الجماهير في صفوف طويلة لشراء تذاكر دخوله ، تعرض دور السينما الصينية اعتبارا من يوم السبت فيلم "كونفوشيوس" الصيني الذي يتعرض للقيم التقليدية للفيلسوف الشهير.

ورأى الإعلامي الصيني هونج هوانج أن سبب إقبال الصينيين على فيلم الخيال العلمي الشهير يرجع إلى أن "الأشخاص الذين أرغموا على ترك منازلهم بالقوة هم الوحيدين في العالم الذين يمكنهم فهم معاناة شخصيات الغجر التي يتعرض لها الفيلم والتي تتعرض لعملية طرد إجباري". أما المدون المعروف هان هان فرأى أن مشاهدي الفيلم في باقي أنحاء العالم يربطونه بالخيال فحسب مشيرا إلى أن "مثل هذا الامر من الممكن أن يحدث في كوكب آخر أو في الصين فحسب".

يذكر أن "أفاتار" فاز ليلة الأحد/الإثنين بجائزة الجولدن جلوب كأحسن فيلم كما أن مخرجه جيمس كاميرون تلقى تكريما من رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود.

الاقتصادية الكويتية في

19/01/2010

 

سبق عصره بفيلم "أفاتار" وحقق أعلى الإيرادات في العالم

جيمس كاميرون . . الحلم بداية الإبداع

إعداد: عبير حسين

أبهر المخرج جيمس كاميرون العالم بفيلمه الأخير “أفاتار” الذي حلم به منذ الطفولة، وبدأ الإعداد له منذ منتصف التسعينات بعد تحقيقه نجاح اسطورى في فيلم “تيتانيك” عام ،1997 ليثبت أن الحلم هو الممر الحقيقي للإبداع .

تأجل مشروع كاميرون أكثر من اثني عشر عاماً، بانتظار التكنولوجيا التي ستتيح له تصوير الفيلم، وعندما تحقق ذلك منتصف 2006 بدأ العمل الشاق لتنفيذ حلمه الذي دشن عصراً جديداً للسينما الرقمية ونقلة نوعية جديدة في عالم المؤثرات البصرية .

حطمت إيرادات الفيلم كل التوقعات وبلغت عائدات بيع التذاكر بدور السينما حول العالم مليار دولار خلال 17 يوماً فقط فيما وصل بعد 4 أسابيع من عرضه إلى 1،34 مليار دولاراً كما حصد أربع ترشيحات للجولدن جلوب من بينها أفضل مخرج وأفضل فيلم، وبانتظار موسم الترشيحات للأوسكار الذي لن يغيب عن الفيلم بكل تأكيد، كما تزامن وقت عرضه مع حصول كاميرون على نجمة على ممر المشاهير في هوليوود، وحضر مراسم تكريمه صديقه الحميم وحاكم ولاية كاليفورنيا أرنولد شوازينجر .

بدأت حكاية جيمس كاميرون مع “أفاتار” منذ عام 1994 حين كتب مسودة سيناريو من 114 صفحة وضع فيها تصوراً أولياً عن أحداث حقيقية تجري في كوكب بعيد، مستلهماً ذلك من القصص المصورة التي كان مفتوناً بها في طفولته، وقد قام حينها بالبحث عن إمكانية تجسيد هذا العالم سينمائيا بالصورة الواقعية التي يطمح لها، إلا أنها كانت ستتكلف حوالي نصف مليار دولار، لذلك أجل حلمه الكبير وبدأ في تصوير فيلم “تيتانيك” الذي حقق نجاحاً هائلاً حاصداً أعلى إيرادات بتاريخ السينما العالمية 8 .1مليار دولار، إضافة إلى 11 جائزة أوسكار .

وبقيت فكرة الفيلم تراود كاميرون، الذي ظل يبحث عن أفضل التقنيات التي يمكن أن تحول الحلم إلى واقع، بتكلفة إنتاجية معقولة، حتى جاء العام 2006 الذي بدأ فيه بإكمال السيناريو بمساعدة الخبير اللغوي “بول فورمر” الذي قام بالتعاون معه بابتكار لغة شعب “النافي” وهم سكان الكوكب الذي سيغزوه البشر، وتكونت اللغة من ألف مفردة جديدة تماماً ولا تتشابه مع أي لغة بشرية معروفة فقد جاءت من لغات بعض الحضارات الآسيوية والهندية القديمة التي اندثرت ولم يعد أحد يتحدث بها .

ويكمن إبداع كاميرون في إخراج هذا العمل بأنها المرة الأولى التي يتم فيها استخدام كاميرا جديدة صممت خصيصاً للفيلم والتي تسمح بدمج الممثلين مع الشخصيات الرسومية بكادر واحد وبوقت واحد أثناء تصوير المشهد، فيما يقوم هو بمراقبة كل ذلك عبر جهاز المونيتور كما لو كان مشهداً حقيقياً يتفاعل فيه الممثلون الحقيقيون مع الشخصيات المختلفة، على عكس كل الأفلام الرقمية التي صورت سابقاً، حيث يتم أولاً تصوير أداء الممثلين، ثم يدمج لاحقاً بالبيئة الرقمية التي تجرى بها الأحداث، بينما قام كاميرون بدمج العالم المتخيل بالحقيقي في آن واحد .

وطور كاميرون كذلك تقنية تصوير خاصة تسمح بالتقاط التعابير الدقيقة لمخلوقات الكوكب الجديد وبشكل غير مسبوق بتاريخ السينما، ولكي يحصل على أداء جيد من الممثلين أثناء تأدية أدوارهم إلى جانب الشخصيات المتخيلة اصطحبهم إلى أحد غابات هاواي حيث قضوا أسبوعا هناك لمحاكاة شكل الكوكب الجديد .

ورغم استخدام كاميرون لنظام التصوير الثلاثي الأبعاد من قبل عام 2003 في الفيلم الوثائقي “Ghost of the A byss” إلا إن التجربة في “أفاتار” أكثر تعقيداً خاصة مع التنفيذ بالغ الدقة لمشاهد المعارك والحروب المتنوعة التي دارت أحداثها بالفضاء بين السماء والأرض، أو على سطح الكوكب، واحتاج تنفيذ هذه المعارك جهداً متواصلاً لمدة شهرين كاملين بدون إجازات وبمعدل 16 ساعة يومياً .

يروي “أفاتار” قصة مستقبلية تجري أحداثها عام ،2154 على كوكب “باندورا” الذي يبعد كثيراً عن كوكب الأرض ويعيش فيه “النافيين” المتصالحين مع الطبيعة ويعيشون في أمان حتى يتعرضوا للغزو من البشر، عندما ترغب شركة ضخمة تابعة للجيش في إجراء بعض الاستكشافات على هذا الكوكب لتحقيق أرباح مادية كبيرة . لذا يتم إنشاء برنامج “الأفتار” الذي يهدف إلى خلق كائن مهجن من جينات آدمية و”نافية” ليساعدهم على إتمام المشروع، ويفاجأ الفريق الذي أوكلت إليه المهمة عند وصوله إلى الكوكب بعالم بغاية الروعة مليء بالكائنات الحيوية المتنوعة والغابات المضيئة بالأشجار، التي يصل طولها إلى طول بعض ناطحات السحاب، ومخلوقات لم يتوقعوا أنها كانت موجودة، ليكتشف طيبة ووداعة الشعب النافي فيتضامنوا معه ضد مؤسستهم، بمشاهد عالية الحرفية، خصوصاً في المزج بين التفاعلات الخاصة بالممثلين الحقيقين والرسوم .

وإذا كان كاميرون قد احتاج 12 عاماً ليطل علينا بتحفة “أفاتار” فإن النجاح الكبير الذي حققه ربما يغريه لئلا يبتعد مجدداً، فقد قال في حفل تكريمه عند حصوله على نجمة المشاهير “لا أتوقع أن أتغيب كثيراً بعد ذلك عن السينما، ربما خمس سنوات مقبلة فقط، لأن جزء مهم مني يعتمد على تغذية الخيال والابتكار عن طريق الاستكشاف والبحث في البحار والفضاء والعلوم، ولابد أن أعود بشيء جديد وهو أمر شاق يحتاج إلى تفكير جاد بعد أفاتار” .

اعتبر النقاد فيلم “أفاتار” بداية عصر جديد للسينما، وحاملها نحو المستقبل، وهي أوصاف تتوج رحلة جيمس كاميرون مع السينما التي بدأها عام 1978 صانعاً منذ ذلك الحين أفلاما مميزة شكلت نقطة تحول في سينما المؤثرات البصرية والإنتاج الضخم، لعل من أهمها سلسلته الشهيرة (“تيرمينيتور” حتى الجزء الثالث فقط) والجزء الأول من سلسلة غرباء، ثم فيلم الروائع “تيتانيك” الفائز عنه بأوسكار أفضل مخرج إضافة إلى 10 جوائز مختلفة، ولا يزال الرقم القياسي في إيرادات السينما العالمية مسجلاً باسمه 8 .1 مليار دولار .

كاميرون  كندي أمريكي  تخصص في دراسة الفيزياء بجامعة كاليفورنيا، لكن الشاشة الكبيرة كانت دوماً طموحه، ظهر لأول مرة كمخرج لفيلم “السمكة الضارية” عام 1981 . وفي 1984 كتب وأخرج فيلم “المنهى” وهو فيلم اكشن وإثارة من بطولة أرنولد شوازينجر ومايكل بين، وقد حقق نجاحاً كبيراً، اخرج بعدها مجموعة أعمال ناجحة من نوع الخيال العلمي مثل الغرباء ،1986 و”أكاذيب حقيقية” ،1994 و”تيتانيك” ،1997 وغيرها .

الخليج الإماراتية في

20/01/2010

 

زيارة أخرى لكوكب الأرض!

عبدالمنعم سعيد

يقال إننا لا نكتب التاريخ أبدا، وإنما نتحدث طوال الوقت عن الحاضر، بمعنى أن استحضار وقائع وأحداث تاريخية يكون بالطريقة التي تعلق على ما يجري فعلا أمام أعيننا، حيث الحال هو ما يعنينا في كل الأوقات. وإذا كان التاريخ هو الزمن الذي مضى، فإن المستقبل هو الزمن الذي سوف يأتي وهو بهذا المعنى تاريخ آخر يتحدث عما نعيشه حاليا بطريقة أخرى مستمدة من القادم بدلا من الذي راح. وهكذا جاء فيلم «جيمس كاميرون» الأخير «أفاتار» الذي يحمل كل ملامح المستقبل من تكنولوجيا متقدمة وقدرة على عبور الأزمان الضوئية واكتشاف كواكب جديدة تعيش عليها مخلوقات عاقلة أخرى، ولكنها تكيفت بطريقة أخرى مع الطبيعة، والأهم أنها باتت جزءا منها. ولكن القصة مع كل ما احتوته من إبهار تكنولوجي أخذ ما نعرفه ونشاهده حاليا في علوم الاتصال والحركة إلى مداه الذي يتصوره العقل الإنساني الآن؛ تبقى القصة الإنسانية التقليدية ذاتها حول شركات تبحث عن مواد أولية لها صفات خاصة وتولد ثروات طائلة، وعندما تجدها في كوكب بعيد تكتشف أن عليها إبادة من هم عليه وإحالة الكوكب إلى صحراء يمكن الاستخراج منها بسهولة ويسر. وبهذا المعنى فإن لدينا تصويرا لحالة غزو المستوطنين البيض لأميركا واستراليا وإبادة أجناس وحضارات معها، مختلطة مع حالات استعمارية عاصرناها في أفريقيا وآسيا.

ولكن لو كان «أفاتار» مكتفيا بذلك لما حصل على التقدير الذي حصل عليه حتى الآن، صحيح أن مخرج «تايتانك» الذي كتب الفيلم وأخرجه معا لديه قدرة فائقة على جذب الجمهور، إلا أن هناك ما هو أكثر وله علاقة مباشرة مع العلاقات الدولية في عالم اليوم، وربما تبحث كما بحثنا في السابق عن مخرج من الحيرة في عالم هذه الأيام. هنا، في الفيلم وفي الواقع، يجري الصراع بين العلاقة بين الدول أو الأمم والجماعات والحضارات من ناحية، والعلاقة مع الكوكب الذي يعيش عليه الجميع. الصراع هو قصة التاريخ التقليدية، ومن ينظر حوله لن يعدم كثيرا من مشاهده، وربما كان مصرع عالم الذرة الإيراني مسعود علي محمدي داخل طهران سوف يمثل المشهد الأول في حرب جديدة؛ ولكن مبادرة العلوم والتكنولوجيا التي بدأها أوباما في خطاب القاهرة، وانتهت إلى مشروع يطوف به صاحب نوبل أحمد زويل على الدول العربية والإسلامية تحمل سمات المشاركة في عالم واحد. في الفيلم، والفن دائما سباق، كان العلم والعلماء هم الذين أنقذوا الكوكب ومعه سكانه، وبطريقة أو بأخرى أنقذوا الإنسان هو الآخر من غلوائه وتشدده وحماقته إذا شئت؛ وهذه رسالة لا نعرف عما إذا كانت جارية في المستقبل أم أنها حاضرة في الحاضر.

هنا لا يعدو الأمر مجرد إعادة إنتاج لقصة قديمة، ولكنها إعادة مناقشة لقضية أزلية، وإذا كان «دان براون» قد طرح بإلحاح في «شفرة دافنشي» و«ملائكة وشياطين» العلاقة بين العلم والدين، فإن «كاميرون» أعاد طرح العلاقة بين العلم والطبيعة. فالنظرية الليبرالية التقليدية لم تقم على فصل الدين عن الدولة فقط، ولكنها من ناحية أخرى اعتبرت العلم هو سبيلها للتحكم في الطبيعة واستغلالها وإخضاعها لاحتياجات البشر. وكانت الثورات الزراعية والصناعية والتكنولوجية المتعاقبة هي وسائل كلها لترقية أحوال الإنسان وإطالة عمره وإعطائه الأدوات التي يستطيع بها توسيع دائرة خياله وقدراته على التواصل والاتصال. ولكن كان لكل ذلك ثمن، وفي السبعينات اكتشف نادي روما «حدود النمو»، ولم يمض وقت طويل حتى أصبح الاحتباس الحراري مؤكدا ومهددا بغرق دول، وأصبح «ثقب الأوزون» من الحقائق العلمية.

كل ذلك نظر إلى «الكوكب» نظرة مادية خالصة، وبدا أن المحافظة على الأرض من خلال مشاريع «البيئة» هي الوسيلة لمزيد من غنى الإنسان أو بعض البشر على أقل تقدير، ولكن الحقيقة لدى «كاميرون» كانت أن الطبيعة تملك في ذاتها قدرات خارقة على التجدد وإعادة الخلق والتواصل المستمر مع الإنسان دونما اعتداء من أحدهما على الآخر. وأن المشكلة الأساسية لهذا الأخير هو أنه لم يفهم الطبيعة قط، ونصب نفسه في حالة عداء معها أوصلته في النهاية إلى هذه الحالة من قرب الفناء إذا ظل حال الكوكب على ما هو عليه من جهل وتدمير.

وبالطبع فإن الهدف من المقال ليس الحديث عن فيلم أو فتح قضايا أزلية ربما يمكن مناقشتها في مجال آخر، ولكن المسألة هنا هي أن العالم العربي لم يحاول أبدا التصالح مع بيئته. وبينما كان «البدو» يجدون معنى وموردا في «الصحراء» بحيث يجولون فيها ذهابا وإيابا، فإن عرب الحاضر وجدوا فيها مظهرا للجدب الذي تعاكسه وتتحداه مدن حديثة. وفي أحيان أخرى كان وجود الأنهار سببا في خلق واحات كبرى بينما بقي الفضاء الصحراوي على حاله لا يمسه بشر ولا يأتي إليه إنسان. وبينما تماثل مساحة العالم العربي مساحة كل من الولايات المتحدة والصين، فإنه لا يوجد وجه للمقارنة معهما من حيث المساحات المأهولة. وببساطة حل استخراج النفط محل تنمية الصحراء التي أخذت في التوسع باستمرار، وفي يوم من الأيام سوف ينفد النفط وتبقى الرمال.

«كاميرون» في «أفاتار» يعتبر الإنسان مسؤولا عن تصحر الأرض لأنه عمل على تدميرها لاستخراج موارد طبيعية، وبشكل ما فشل في الحفاظ على «التوازن الطبيعي» اللازم للحياة. وسواء كان ذلك صحيحا أو أن الصحراء انتشرت في العالم العربي نتيجة تغييرات بيئية في أزمنة سحيقة، فإن المسألة هي أن الدول العربية ربما جاء وقتها، ومن خلال العلم، للبحث عن الموارد التي تقدمها الطبيعة من أول الشمس التي تسطع على بلادنا كما لا تسطع في مكان آخر؛ والرمال الصحراوية التي هي طبقا لكل الدراسات العالمية هي الأقل تلوثا بين كل رمال العالم، بل هي في الحقيقة أكثرها نقاء. وفي ذخيرة العلم الآن بدايات كثيرة منها تلك المتوافرة في الطاقة الشمسية التي لا يوجد مثيل لها في تجددها المستمر؛ أما الذي لا يقل أهمية فهي الكيفية التي يمكن بها زراعة الصحراء من خلال زراعة ضئيلة الاستخدام للمياه، وتقوم على مواد عضوية يخرجها الإنسان والحيوان.

وفي فيلم «جيمس كاميرون» انقسم العلماء إلى فريقين: واحد منهما خلق أدوات مرعبة للتدمير، والآخر بحث عن كيفية التصالح مع الطبيعة والبشر الذين آمنوا بها. وفي بلادنا العربية يوجد الكثير من مؤسسات البحث العلمي، ولا يدري أحد ما تقوم به على وجه التحديد، وعلى أي الأحوال لا يظهر لها أثر بالغ في المؤتمرات العالمية أو الدوريات العلمية المرموقة إلا على فترات متباعدة. والرأي هنا أن التعاون العربي في مجالات العلوم والتكنولوجيا، في مجالات الشمس والصحراء، واستخدامها في التعاطي مع مبادرة أوباما في العلوم والتكنولوجيا ربما تكون هي أقرب الطرق لبناء قاعدة علمية صلبة، وفي الوقت نفسه تحقيق التواصل العالمي الضروري في قضية حماية كوكب الأرض الذي بات يصرخ طالبا إعادة توازن مختل لطبيعة مجروحة.

هل في ذلك قدر من المثالية التي تفترض من ناحية إمكانية للتعاون العربي، وسعيا لحماية الكوكب، أو هو مجرد خيال جاءت به رواية أو فيلم، أو هو تجاوز لمقتضى الحال الذي نعرفه من صراعات ومواجهات وفتاوى دينية وحملات إعلامية ودول منهارة وأخرى فاشلة؟ والإجابة هي بالتأكيد نعم لكل ذلك، ولكن الأمر في كل الأحوال كان دائما فكرة، وغيابها في السابق لم يجعل الحال حسنا، بل على العكس تراكمت فيه قضايا حيوية لم يحدث أبدا حولها نقاش جاد في المنطقة العربية. وخلال الأسبوع الماضي كانت الضجة مستحقة حول اكتمال برج دبي الجديد الذي طال على السحاب، ولكن هل كان سيكون الأمر مختلفا لو أن ما أنفق على البرج أنفق على التصالح مع الصحراء؟ أظن أن الحال كان سيكون كذلك، وطرح الأسئلة هو وظيفة الفكر والفن أيضا!.

الشرق الأوسط في

20/01/2010

 

عيون وآذان:

(... من الهنود الحمر الى فلسطين)

جهاد الخازن

هل ترمز قصة الفيلم «أفاتار» الى الهنود الحمر أو الفلسطينيين أو الحروب على أفغانستان والعراق والإرهاب؟

يستطيع القارئ اعتماداً على توجهه السياسي، أو سلّم أولوياته، أن يختار ما يناسبه، او يزعم ان الفيلم الذي فاز بجائزة «غولدن غلوب» كأفضل فيلم دراما، ما يرشحه للفوز بالأوسكار خلال أسابيع، هو عن البيئة والدفاع عنها في وجه ارتفاع حرارة الطقس، خصوصاً ان مخرجه جيمس كاميرون أشار الى الطقس وهو يتسلم جائزته كأفضل مخرج.

الفيلم لفت نظري قبل أشهر عندما قرأت أن انتاجه بالأبعاد الثلاثة مع الجمع بين ممثلين ورسوم متحركة كلف 500 مليون دولار، وهو أعلى رقم في تاريخ صناعة السينما لإنتاج فيلم.

«أفاتار» سجل حتى الآن دخلاً بحوالى 1.5 بليون دولار، ما يعني ان الاستثمار فيه كان صحيحاً، وهو بذلك تخطى فيلم «حرب النجوم» الذي احتاج الى سنوات لتحقيق 461 مليون دولار، ولم يبق أمامه سوى الفيلم «تايتانيك» الذي سجل في سنتي 1997 و1998 دخلاً بلغ 1.8 بليون دولار.

كاميرون هو مخرج «تايتانيك» أيضاً، وقد فاز هذا الفيلم بجائزة «غولدن غلوب» قبل 13 سنة وبالأوسكار بعدها، ويبدو أن تكرار الفوز قبل يومين يمهد للسيناريو نفسه عند توزيع جوائز الأوسكار.

بما ان سلّم اولوياتي تتصدره فلسطين فإنه يناسبني ان اعتبر الفيلم «أفاتار» يتحدث عنها، خصوصاً ان المخرج كاميرون، وهو كندي المولد، ليبرالي ومن نوع ينتصر للمظلومين حول العالم.

وليس هذا رأيي وحدي فهناك جيمس وول الذي أشرف على تحرير مجلة «كريستشان سنتشوري» (القرن المسيحي) حوالى ثلاثة عقود ولا يزال من أركانها، وهو كتب ان «أفاتار» يرمز الى اضطهاد الفلسطينيين على أيدي اسرائيل، ولم يشذ بذلك عن اتجاه مستمر لدى الكنائس المسيحية الأميركية منذ سنوات في دعم الفلسطينيين وإلى درجة مطالبة أعضائها بمقاطعة اسرائيل وعدم الاستثمار فيها.

غير ان وول تعرَّض فوراً لحملة من مواقع ليكودية هاجمته ثم عطفت على المخرج لأنها رأت في فيلمه محاولة لتصوير الجنود الأميركيين كأشرار ومرتزقة هدفهم سرقة الموارد الطبيعية للآخرين.

إذا كان لي أن أضع فلسطين جانباً وأتحدث بموضوعية فإنني أرى أن هذا مغزى الفيلم، وأنه في الأساس موقف ضد حروب ادارة بوش، والسياسة الخارجية الأميركية عموماً، إلا أنه موقف ينطبق على كل ضحايا الاستعمار الغربي من الهنود الحمر الى فلسطين وغيرها.

الفيلم من نوع الخيال العلمي، وهو دراما مستقبلية تحكي قصة شعب يعيش على الطبيعة في كوكب بعيد اسمه «باندورا» وهناك شركة شريرة (هل هي هالبرتون وديك تشيني؟) ترسل جندياً أميركياً مقعداً للتسلل الى شعبها تمهيداً لغزوه. غير ان الجندي الذي تعطيه التكنولوجيا شكل أبناء ذلك الشعب، وهم زرق بطول ثلاثة أمتار تقريباً، يقع في غرام أميرة منهم، وينضم اليهم في محاربة الغزاة.

عادت إليّ حرب العراق وأنا أسجل في ورقة، في ظلام صالة العرض، عبارات سمعتها خلال ذلك الغزو المجرم من نوع «صدمة وترويع» كما زعم وزير الدفاع الأميركي في حينه ومجرم الحرب الدائم دونالد رامسفيلد، أو «ضربة اجهاضية أو استباقية» أو «نحارب الإرهاب بالإرهاب»، وأيضاً «عندهم شيء في بطن الأرض والطريقة لأخذه هي اثارة عداء مع الشعب هناك لتبرير حرب عليه».

هذا ما حدث تماماً في العراق، والنفط في باطن أرضه، وإذا كنا قلنا ان الغزو كان لأسباب نفطية لا ارهابية، فإن تقريراً رسمياً أميركياً عن الحرب قال ذلك بعد فوات الأوان وموت مئات ألوف العراقيين. ويبقى ان يمثل مجرمو الحرب، بدءاً بجورج بوش، وتشيني ورامسفيلد، أمام محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي.

في غضون ذلك يهاجم اليمين الأميركي الليكودي برموزه من نوع ديفيد بروكس وجون بودهورتز الفيلم وسببهم المعلن انه ينتقد حروب أميركا، أما سببهم الآخر فإمكان تفسيره كرمز للاحتلال الإسرائيلي، ويهاجمه اليسار والكنيسة الكاثوليكية لأنه يمثل شعباً غير قادر على حماية نفسه إلا إذا جاءه «مخلّص أبيض»، اشارة الى شخصية الجندي الذي ينضم الى الذين أرسل للتجسس عليهم.

القارئ يستطيع أن يشاهد الفيلم ويختار لنفسه الرسالة الباطنة في قلب رمزية الفيلم.

khazen@alhayat.com

الحياة اللندنية في

20/01/2010

 

"أفاتار" وثقافة الخيال العلمي

خليل حسن*

من مفكرة سفير عربي في اليابان

لقد أثار فضول خيالي العلمي هذا الأسبوع فيلم، "أفاتار" للكاتب والمخرج السينمائي جيمس كاميرون، وكتاب، "فيزياء المستحيل" لعالم الفيزياء الياباني الأصل والأمريكي الجنسية، مشيو كاكو. وبقدر ما أعجبت بإبداعات الخيال العلمي لهذين الكاتبين، بقدر ما بهرت بنشأتهما وشخصيتهما. وقد دفعني ذلك للبحث عن الجواب للأسئلة التالية: كيف يطور الغرب ثقافة الخيال العلمي لأطفاله ليهيئهم للإبداع في تكنولوجياته المستقبلية؟ وهل ستصبح هذه الثقافة قوة اقتصادية فاعلة في الألفية الثالثة؟ وما تأثير عولمة تكنولوجيات المستقبل على هذه الثقافة؟

ولد جيمس كاميرون بولاية انتاريو الكندية في عام 1954، وأنتقل مع والديه، في عام 1971، إلى الولايات المتحدة لدراسة العلوم الفيزيائية واللغة الانجليزية، بجامعة كاليفورنيا. وأشتغل بعد تخرجه سائق شاحنة، وكتب في أوقات فراغه. وبعد أن شاهد فلم "حرب النجوم" في عام 1977، قرر العمل في صناعة السينما ليجمع بين خلفيته العلمية والأدبية. فبدأ نشاطه السينمائي بتأليف رواية لفيلم قصير، مدته عشر دقائق، أخرجه وأنتجه بالتعاون مع مجموعة من أصدقائه، وشارك بعدها، كمدير فني، لعدة أفلام خيال علمي. وقد كتب قصة "الترمنيتارو" في عام 1984 وحاول بيعها، لكي يستطيع إخرجها للسينما بنفسه. وبالرغم من إعجاب المنتجين بالقصة، ترددوا أن يخرجها فنان مبتدئ، فأضطر لبيع قصته بدولار واحد على أحد الشركات السينمائية، بشرط أن يخرجها بنفسه. وفعلا أخرج كاميرون الفيلم، ليكلف إنتاجه ستة ونصف مليون، وليحقق أرباح تتجاوز الثمانية وسبعين مليون دولار.

وقد كتب وأخرج كاميرون خلال العقدين الماضيين خيرة أفلام الخيال العلمي، لتسجل مجموع أفلامه مبيعات تتجاوز الخمسة مليار دولار. وقد كلف إنتاج فلمه الأخير "افاتار" ثلاثة مائة مليون، كما صرف على تسويقه مائة وخمسين مليون دولار، ليحقق خلال الأسابيع الأولى من عرضة مبيعات تقدر بالمليار دولار. وقد كتب كاميرون هذه القصة في التسعينيات، وأنتظر عقد ونصف من الزمن لكي تتطور تكنولوجية تصوير الأبعاد الثلاثية المندمجة، ليستطيع أخراج فيلمه الجديد. وتجري أحداث هذا الفيلم في عام 2154، وعلى سطح كوكب "البندورا". فقد غزا الأمريكيون هذا الكوكب في محاولة لسرقة معدن، الانبوتانيوم، والذي يقدر سعر الكيلوغرام منه بعشرين مليون دولار. وقد تميزت مخلوقات هذا الكوكب، "النافي" بالذكاء البشري والطول والنحافة والبشرة الزرقاء والذنب الطويل، ويحترمون الطبيعة، ويعبدون آلهة "الأيوا."

وقد واجه العلماء مشكلة عدم توفر الهواء المناسب لتنفس البشر على هذا الكوكب، فقاموا بتطوير مخلوق سمي "بالافاتار" يجمع مواصفات البشر ومخلوقات "النافي" وذلك باستخدام تكنولوجية هندسة الجينات الوراثية. ويصور الفيلم بشكل أبداعي جميل، وبدمج التصوير الفوتوغرافي مع تكنولوجية التصوير الكارتوني الثلاثي الأبعاد، قصة غزو الإنسان لهذا الكوكب وقتل مخلوقاته وحرق جمال طبيعته وتلويث بيئته طمعا في ثرواته. وقد حاول الفيلم أن يناقش أمكانية وجود مخلوقات ذكية في المجرات الأخرى، وتطوير تكنولوجية فضائية مستقبلية للوصول لكواكبها، بالإضافة لخلق كائنات بشرية بالهندسة الوراثية، تستطيع العيش على سطحها. كما ناقش الكاتب ظاهرة الطمع البشري، بمحاولتها لغزو الكواكب الأخرى وسرقة خيراتها وتدمير بنيتها التحتية وتلويث بيئتها، وكأنه يريد أن يعيد لذاكرة المشاهد ماسي الاستعمار القديم وحرب الفيتنام وغزو العراق.

وتحتاج أفلام الخيال العلمي، لمستشارين متخصصين في العلوم الفيزيائية والبيولوجية، لمراجعة الرواية والتأكد من تطابقها مع قوانين ونظريات هذه العلوم. ويعتبر العالم الفيزيائي، ميشو كاكو، من أشهر المختصين في هذا المجال. وقد شرح في كتابه الجديد، فيزياء المستحيل، دوره العلمي في هذه الأفلام الخيالية، وناقش التخيلات العلمية التي تبدو مستحيلة تكنولوجيا اليوم، ولكنها تتماشى مع قوانين العلوم الفيزيائية، وليطرح التساؤلات التالية: هل ممكن أن تتطور التكنولوجية بحيث أن يستطيع الإنسان أن يمشي من خلال جدران المستقبل؟ وهل سيسافر في سفينة فضائية سرعتها تزيد عن سرعة الضوء؟ وهل سيتمكن من قراءة أفكار الآخرين؟ وهل سيختفي عن عيون الناس وهو واقف أمامهم؟ وهل سيحرك الأشياء بقوة ذهنه؟ وكان جوابه بنعم على جميع هذه الأسئلة، لأن تطبيقاتها تتماشى مع قوانين العلوم الفيزيائية، ويبقى السؤال: كيف ومتى ستتحقق هذه الأحلام؟ وقد خصص المؤلف معظم بنود كتابه لشرح كيفية تحقيق هذه الأحلام، والتي من الصعب عرضها في مقال قصير.

وناقش الكاتب التربية الغربية والتي تلهم الأطفال للولع بتكنولوجيات المستقبل فقال: "لقد ألهمتني الأفلام الخيالية التي كنت أشاهدها على شاشات التلفزيون وأنا صغير. ولم أكن وحيدي في ذلك، فقد ترك ادوين هابل القانون، ودرس علوم الفيزياء، ليصبح أشهر عالم فلك في القرن العشرين. وأتذكر اليوم الذي توفى فيه العالم ألبرت اينشتين، حينها قرأت تعليق صحفي عن نظريته التي لم تكتمل، نظرية توحد جميع قوانين الفيزياء في نظرية فريدة. فحلمت منذ ذلك اليوم باكتشاف هذه النظرية، وفعلا ساعدني هذا الحلم لاكتشاف نظرية الأوتار الفيزيائية. وقد بدأت رحلتي العلمية، لتحقيق أحلامي المستحيلة، بإتقان علوم الفيزياء والرياضيات، فوضعت جهدي بالمدرسة في مسابقة مشروع بحث تصادم نووي، لأفوز وأحقق حلمي بالحصول على بعثة لدراسة الفيزياء بجامعة هارفارد."

فقد جمع ميشو كاكو، وهو طالب في الثانوية، 22 ميلا من أسلاك النحاس، وأربعة مائة رطلا من المحولات الكهربائية القديمة، في وسط ساحة مدرسته، ليصمم جهاز تسارع جزيئات البيتاترون، بقوة 2.3 مليون الكترون فولت، لينتج حقل مغناطيسي يعادل عشرين ألف ضعفا للجاذبية الأرضية. وكان هدفه توليد أشعة الجاما ليستطيع خلق مضاد المادة، والتي تعتبر حتى اليوم من المهمات الصعبة أو الشبه مستحيلة. كما ناقش الكاتب تربيته العلمية، ودورها في تغير مفهوم المستحيل في مخيلته فقال: "وقد اكتشفت من واقع اختصاصي بان المستحيل هي عبارة نسبية. وأتذكر في المدرسة، حينما توجهت معلمتي لخارطة العالم، وهي مؤشرة على السواحل الشرقية لقارة جنوب أمريكا والسواحل الغربية لقارة أفريقيا، لتتساءل، أليس من الغرابة أن تتراكب هذه السواحل على بعضها، كأنها انفصلت عن بعضها بفعل قوة هائلة مستحيلة؟ وحينما درسنا الدينصورات تساءلت مرة أخرى، كيف يمكن أن تحتل الدينصورات الأرض طوال ملايين السنين، وتختفي فجأة؟ فهل أرتطم نيزك فضائي بالأرض، وقضى على هذه الديناصورات؟ ولترد مرة ثانية بكلمة، المستحيل.

وقد اكتشف العلماء بعد عقود طويلة، بان التحركات التكتونية للطبقات الأرضية، قبل خمسة وستين مليون سنة، سببت انجراف قاري، وترافقت بتصادم نيزك فضائي كبير بالأرض، أدى لانفصال قارتي جنوب أمريكا وأفريقيا وقضى على الدينصورات. ويعلق الكاتب بقوله: "ففي حياتي القصيرة وجدت كثيرا من المستحيلات تتحول لحقائق علمية. ويبقى السؤال: هل من المستحيل أن ننتقل يوما ما من كوكب لآخر؟ وقد يبدو ذلك مستحيلا اليوم، فهل سيصبح ممكنا بعد عدة قرون؟ ولنفترض بأن هناك حضارة فضائية متطورة بملايين السنين عن حضارتنا، هل من الممكن أن تملك تكنولوجيات تبدو مستحيلة في عالمنا؟"

فحينما نراجع التاريخ نجد، بأن التكنولوجيات التي اعتبرت بأنها مستحيلة قبل قرنين، أصبحت حقيقة اليوم. فقد كتب جوليس فيرن في عام 1863 روايته، باريس في القرن العشرين، محاولا تصور باريس في عام 1960، ليوصف فيها تكنولوجيات مستحيلة في ذلك الوقت، كالفاكس وشبكة الاتصالات وناطحات السحاب والقطارات المغناطيسية الفائقة السرعة. وقد صدقت استقراءاته لأنه كان يتقن علوم الفيزياء. بينما أخطأ أحد أعظم علماء بريطانيا، اللورد كليفن، حينما توقع بأن أي شيء أثقل من الهواء لا يمكن أن يطير، وذلك بسبب فهمه الخاطئ لقوانين فيزياء الذرة في ذلك الوقت. لذلك تعتمد مصداقية الخيال العلمي على الفهم الفيزيائي لقوانين الذرة والقوى الأربع المرافقة لها، وهي قوة الجاذبية الأرضية، والقوة الكهرومغناطيسية، والقوة الجاذبة والنافرة في الذرة. ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: هل سيتطور التعليم في وطننا العربي لكي تنافس ثقافة العلوم الفيزيائية ثقافة الميتافيزيقا؟ وهل ستدعم هذه الثقافة بفنون الخيال العلمي، لتلهم أطفالنا، وتهيئهم لتطوير إبداعات تكنولوجية مستقبلية، تطور صناعتنا وتنمي اقتصادنا، أم سننتظر حتى تمطر السماء ذهبا وفضة، بعد أن ينضب النفط أو يفقد قيمته؟

*سفير مملكة البحرين في اليابان

موقع "إيلاف" في

22/01/2010

 

أغلى فيلم في التايخ:"أفاتار" يوتوبيا جيمس كاميرون

خليط من أساطير الاغريق وفلسفة الأخلاق والخلاص الهندوسي

أسامة صفار – القاهرة

"حياة تنتهي وأخري تبدأ".. كان جاك سولي ينظر من علي كرسيه المتحرك متأملا وقال جملته مزدوجة المعني تلك ليشير في المعني الاقرب إلى إدراك مشاهد فيلم "أفاتار " إلى مصرع أخيه قتيلا وترشيحه بدلا منه لخوض غمار رحلة مجهولة وغامضة إلى كوكب "باندورا " أما المعنى الذي تجلي في نهاية الفيلم وأصبح الاقرب فكان يشير إلى نهاية حياته كإنسان واقتراب موعد بدء حياته الابدية متوحدا مع الطبيعة ومخلصا شعب "النافي" من أزمته مع الكائن الاقل رقيا الذي يدعي الانسان ومن ثم ترتب على هذا المعني نهاية حياة الانسان كسيد للكون وبدء عهد الأفاتار باعتباره تجسيدا للاله من حيث كونه كلا متكاملا من حيث الرقي والتحضر ولاخلاق والقوة واحترام الطبيعة التي هي جوهر كل شيء ولعل غرام أفلام هوليوود بالنهايات الحتمية للعالم لا يقتصر على المخرج والمخترع والمنتج جيمس كاميرون بل يتجاوزه إلى نسبة لا بأس بها من الافلام والمخرجين وهو صدى ثقافي للفكرة نفسها في الأديان البشرية سماوية كانت أم أرضية  حيث تحمل في تعاليمها سيناريو ما لنهاية العالم. وفي الغالب لا يخلو السيناريو من أفكار أساسية مشتركة مثل فساد الأرض، وانهيارالأخلاق، والكوارث الطبيعية، وظهور المخلِّص، واندلاع الحرب الكبرى بين الأخيار والأشرار.

ولم تختلف  الأديان التي نشأت بعيداً عن العالم القديم، وفي معزل تام عن التأثر بالأديان السماوية فهي تحمل أفكاراً مشابهة. وفي ديانة (هوبي) التي يعتنقها الهنود الحمر قبل اكتشاف أمريكا تصورات لنهاية العالم لا تكاد تختلف عن الإسلام أوالمسيحية أوالهندوسية إلا في الأسماء فقط. الإنسان بطبيعته ميّال للإيمان بفكرة (الفساد التدريجي) ثم (الخلاص النهائي) وكل المؤمنين بدين ما يشتركون في يقينيّات متشائمة عندما يتعلق الأمر بنهاية العالم، وكلهم ينتظر مخلصاً ما يأتي في آخر الزمان، سواءً كان مسيحاً، أو مهدياً، أو ميتريا، أو كالكي آفاتار، أو ماسايا، أو باهانا، وقائمة طويلة من المخلِّصين المنتظرين.

المشكلة أن البعض ليسوا مؤمنين بسيناريوهات النهاية فقط، بل إنهم مهووسون بها إلى الحد الذي يسعون معه إلى استخدام نفوذهم السياسي والفكري والاجتماعي لخلق الظروف التي تعجّل بنهاية العالم، حتى يشهدوه بأنفسهم، ويسهموا في صناعة الحدث. وأهم أداة من أدوات تعجيل هذه النهاية هي تأجيج الصراع بين الأديان، وإقناع الأتباع بحتميّته ومن بين هؤلاء المهووسين من امتلك القوة فعلا وشرع بالتعجيل لانهاء الحياة البشرية ولعل تجمع اليهود الصهاينة في أرض الميعاد واحدا من الشواهد المعروفة لنهاية العالم ولعل تمتعها بحماية تامة من الانظمة الغربية يشير إلى نوع الساسة الذين يسيطرون على زمام الأمور في العالم  وهوسهم الخاص بنهاية الزمان وهي الفكرة الاولي التي تخطر علي البال عند مشاهة فيلم المبدع الكندي الأمريكي جيمس كاميرون والذي صنع حالة عالمية من الانبهار بالتقنية مخلفا وراء النقد السينمائي فكرا يستحق بناء نموذج تفسيري طبقا لدوائر التماس الكثيرة التي صنعها مع الفلسفة والاديان والتاريخ والحضارة.

ويكشف النقد السينمائي الذي أخذ على عاتقه استقراء فيلم "أفاتار " عن أزمة عميقة في الوعي النقدي العربي  فالدال السهل يقود إلى المدلول الأسهل في عملية شديدة السطحية تقول" طالما أنه كان معدنا غاليا جدا يصبح القصد منه هو البترول وطالما كان الشعب مقاوما ومنزعجا من الاحتلال يصبح العراق او افغانستان او فلسطين وبما ان الشعب البدائي يعيش على شجرة يصبح جيمس كاميرون متعاطفا مع البيئة ويتلخص موضوع الفيلم في رسالة شبه ثورية من مخرجه ضد سياسات الامبريالية الأمريكية في نهب ثروات شعوب العالم الثالث " بجانب – طبعا – التقنية المرعبة التي تبشر بعهد جديد للسينما الامريكية العظيمة "

وقد فتح فيلم "أفاتار " شهية هذا النقد وعقد صلحا طال انتظاره بين كاميرون وبين النقاد العرب بعد فيلمه " أكاذيب حقيقية " والذي صور فيه المقاومة الفلسطينية باعتبارها إرهابا حاقدا يهدف ب إلى إبادة الشعب الأمريكي بنسائه وأطفاله .. والحقيقة أنه اذا كان الفيلم السابق يحمل وجهة نظر ورسالة ضد الفلسطينيين بشكل خاص فانه من التلفيق أن نعتبر "أفاتار" بمثابة اعلان توبة من قبل مبدعه بصناعة فيلم  يقر حق العالم الثالث في الدفاع عن وجوده وثرواته وحمايتها من الامبريالي  الأمريكي.

حكاية خيالية جدا..

وقصة الفيلم تدور في المستقبل، عام 2154 بالتحديد، حول شركة "إدارة تنمية الموارد" التي أقامت قاعدة عسكرية على كوكب "باندورا"، الذي يبعد 4،3 سنة ضوئية عن الأرض،  لاستخراج خامات معدن سيحل مشكلة الطاقة، بعد أن تم استنزاف الشركات لموارد الطاقة الأرضية حتى النهاية

وباندورا هو الاسم الذي يطلقه جيمس كاميرون في الفيلم على كوكب غني جداً بالحياة النباتية والحيوانية يعيش فيه شعب "النافي" الذي يتآلف مع الكوكب في حالة انسجام تام، وهو الشعب الذي يصبح مهدداً بالدمار الجسدي والبيئي بسبب أطماع الشركات الأرضية بثرواته واحتقارها لثقافته وهولاء النافي ليسوا بشراً مئة بالمئة، بل عرق أخر ذو صفات جسدية مختلفة نوعاً ما، فهم أكثر طولاً بكثير من البشر ويميل لون بشرتهم للأزرق ولكنه عرق عاقل ذو حس وإدراك متطور.

وكوكب باندورا لا يستطيع البشر أن يتنفسوا فيه بشكل طبيعي، ولذلك قامت شركة إدارة الموارد البشرية بتطوير بعض أجساد النافي من خلال الهندسة الوراثية ليحل فيها بشرٌ محددون عن طريق برنامج اسمه "أفاتار" Avatar، وهو اسم الفيلم.  وهو بالأساس مصطلح من الديانة الهندوسية ينم عن الحلول الإلهي، حسب معتقداتهم، في جسد إنسان أو حيوان وكان كاميرون قد استعان بأستاذ لغويات ليطور لغة خاصة لشعب النافي وهي في الواقع مزيج من اللغة الأمهرية المستخدمة في الحبشة، ولغة الماوري للسكان الأصليين في نيوزيلندا وكذلك تم استخدام علماء نبات وأحياء، و خبراء البرمجة، لتطوير الأنظمة البيولوجية لكوكب باندورا وقد صدر كتاب من 224 صفحة في 24/11/ 2009 عن التاريخ الاجتماعي والحياة البيولوجية لكوكب باندورا الخيإلى، أي قبل إطلاق الفيلم رسمياً في 18/12/2009 في الولايات المتحدة!

وتدير أستاذة علم النبات غريس أوغسطين (الممثلة سغورني ويفر) برنامج أفاتار في شركة إدارة الموارد البشرية التي تسعى لاستعمار كوكب باندورا ولكنها تسعى للتفاهم مع النافي، حتى أنها أسست لهم مدرسة لتعليم اللغة الإنكليزية، كما أنها مسحورة بالبيئة الطبيعية لباندورا التي يبدو أنها تهمها أكثر بكثير من تعدين موارد الطاقة فيه.  وهنا تنشأ أجندات مختلفة ما بين المشاركين ببرنامج "أفاتار"، الذين يحلون على كوكب باندورا وشعب النافي بأجساد نافيين، وعلى رأسهم بطل الفيلم جيك سلي (الممثل سام ويزينغتون)، وما بين القائمين على شركة إدارة الموارد البشرية بشقيها العسكري والاقتصادي.

صندوق باندورا..

الرموز في الفيلم تنتمي إلى عوالم متنوعة مابين الاغريقية من جهة والاستلهام الثقافي (فكرة المخلص ) من جهة أخري مرورا بالترجمة الحرفية والاصطلاحية لمعني الاسم (افاتار) وهي الكلمة ذات الأصل السنسكريتي وتعني حلول الاله او تجسيده في العقيدة الهندوسية.. كل هذا يسوقنا إلى بناء نموذج تفسيري لرسالة العمل و"صندوق باندورا "في الميثولوجيا الإغريقية، يحوي كل شرور البشرية من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن، ورجاء كان قد أودع لدى امرأة تدعي باندورا وأمرت الا تفتحه غير أنها فعلت وخرجت كل شرور البشر منه، فأسرعت باغلاقه، ولم يبق فيه إلا قيمة واحدة لم تخرج هي الرجاء أو الامل وكان خلق بندورا المرأة جزء من عقوبة (زيوس) كبير الآلهة إلى ونانيين لبرومثيوس الجبار الذي سرق النار وأعطاها للبشر.

"وباندورا" طبقا للأسطورة الإغريقية يحمل الأمل في الخلاص من باقي الشرور التي تسببت فيها المرأة بعد خروجها منه وانتشارها بين البشر بينما ظلت خطيئة برومثيوس في سرقة النار وإعطائها للبشر بلا علاج محتمل بل ويستطيع هؤلاء (الامريكيين- البشر) في الفيلم تطويرها لتكون سلاحا يمنحهم الكثير من القوة والغرور والجبروت وبالتالي فان اختيار المخرج الامريكي جيمس كاميرون لاسم الكوكب الذي يطمع في نهب ثرواته الجيش الامريكي لم يقع تحت بند المصادفة أو الاختيار العشوائي بل يحمل معني مزدوجا للأمل في عالم مختلف يشبه "باندورا " ان لم يكن هو نفسه كما يحمل الامل الامريكي في معدن ثمين جدا يمنحهم المزيد من القوة وبهذا المعني أيضا فان "باندورا" الصندوق أو العقوبة الالهية لبرومثيوس بعد سرقة النار هو استدراك من زيوس (كبير الالهة) انقلب على البشرية في بدايته وبقي الامل فيه وفي التراث الاغريقي الميثولوجي والفلسفي الذي أسس لفكرة الحكمة والبحث عن المعني وراء كل شيء و يكاد يجمع مؤرخو الفلسفة على أنها قد نشأت في بلاد اليونان منذ القرن السادس قبل الميلاد وتعتبر الفلسفة الإغريقية من أعظم ما تركه الإغريق للفكر الإنساني فقد أعملوا عقولهم في تحليل المشكلات الهامة في الحياة وفي التعرف على أسرار الكون وحاولوا الإجابة عن أسئلة صعبة مثل : ما هو الحق؟ وما هو الجمال؟ وما معنى الحياة الفاضلة ... إلخ، ويكفي ذكر اسم سقراط أكبر فلاسفتهم والذي أثر تاثيرا كبيرا على فلسفة الشرق والغرب وقد توصل الإغريق إلى معرفة أن المخ هو مركز الحس والتذوق وهو المتحكم في الأعضاء الأخرى.

أفاتارات...

ينتظر الهندوس طبقا لعقيدتهم "كالكي أفاتار " والذي يمكن اعتباره بالنسبة للمسلمين خاتم الانبياء أو المهدي المنتظر وللمسيحيين هو (المخلص) ومن الشخصيات الدينيه المهمة فى الهندوسيه ال(أفاتارات) وهي جمع أفاتار ومعناها القادمون من السماء ويعتقد الهندوس أن الالهة تنزل من السماء لتجدد الدين وتأتي معها بالخير للبشروحين ينزلون إلى الأرض يتجسدون في صورة بشرية أو حيوانية او حتى نباتية و يقال عنهم الافاتارات وآلهة "فيشنو" هي من أكثر الآلهة التي حظيت بافاتارات وعددها عشرة و ويؤمن الهندوس بعدد كبير من الافاتارات مثل راما و كريشنا و بوذا .

ويطرح كاميرون مرة أخري باختياره للأفاتار الذي عبر عنه بشكل يمزج بين طول الاشجار وأذن الحيوان وهيئة الانسان نوعا من التوحد بين الكائنات الحية كنموذج لتجسد الاله باعتباره والطبيعة كلا واحدا بل ويجعل من شجرة النفوس التي تحمل تاريخ وأرواح شعب النافي رمزا للاله الذي لا يتخذ موقفا مع احد ضد الاخر ولكنه صاحب القانون الطبيعي الذي تعيد من خلاله المعادلة ضبط نفسها فهو ببساطة اله يصنع التوازن للحفاظ علي الكل ويدعم الفيلم الفكرة ذاتها بالتواصل بين البشر والطيور الاسطورية وشجرة النفوس نفسها عبر اتصال مادي روحي مزدوج يصل فرد النافي خلاله أطراف شعره باطراف ما يشبه الشعر من الطائر أو الشجرة أو حتي ما يشبه (كابل الداتا) في الكمبيوتر وفي هذه الحالة لا حاجة للكلام فالبطل جاك سولي يتلقي نصيحته الاهم في كيفية السيطرة علي طائره في اختبار الرجولة الاخير تبعا لاعراف النافي وهو ان يختار طائره الاسطوري ويسيطر عليه وليطير به. أما النصيحة فهي أن يفكر فقط فيما يريد والطائر عليه التنفيذ.

 والمعلومة الفارقة والدالة هنا هي أن الطائر الاسطوري سوف يختار صاحبه كما يختاره صاحبه وكان الرشد وفكرة امتلاك الخيارات لا يتعلقان بالبشر وحدهما و(جاك سولي ) أو البطل المخلص لشعب النافي أو كالكي أفاتار حمل معه علامات كونه مخلصا منذ ولهه الأول بالبطلة أو ابنة زعيم النافي اذ اقتربت منه كائنات الاضواء او الارواح النقية وحاصرته فيما يشبه العناق ثم انسحبت بهدوء وهنا يسير كاميرون علي نهج النبوءات المعروف في الاديان حيث تحمل الكتب المقدسة نبوءات باشخاص ومخلصين تظهر لهم كرامات او علامات تدل عليهم قبل الرسالة أما جاك سولي الانسان فكان عبارة عن جندي بحرية مقعد (محبوس في كرسي متحرك) ومحدود الحركة تماما وهي فكرة تبرر نشاطه المبالغ فيه حين اكتسب الشكل الجديد والجسد الجديد ذي القدمين العاديتين ولكنها في البنية الاعمق لرؤية الفيلم تؤكد علي أن (الانسان – الكائن الجديد – الافاتار )روح وعقل أما الجسد فحالة نسبية تماما يمكن تغييرها حتي انه في نهاية الفيلم يبدأ في هجرة جسده العاجز إلى الجسد الجديد (التجسيد
ان "أفاتار" في مستواه الاعمق يحمل يقينا ميتافيزيقيا ويحلم بعالم تتوحد فيه الكائنات الحية مع الاله بشكل ومضمون جديدين في طفرة كونية تتجاوز المادي إلى الروحي وتعتمد الفيلسوف الهولندي سبينوزا ملهما لها ومنظرا وحكيما وترث الله والانسان معا بعد فناء الحدود بين الكائنات وتوحدها جميعا ففي نظر سبينوزا أن الله والكون، أي مجموع الأشياء كلها شيء واحد غير منفصل.

الجزيرة الوثائقية في

17/01/2010

 

كل جمعة 

«أفتار».. وأوباما

باسل رفايعة

تدور أحداث فيلم «أفتار» المثير للمتعة والجدل والإيرادات القياسية في العام ،2154 وهو يشكل فتحاً جديداً في الصورة السينمائية، وربما يكون إنتاجه حداً فاصلاً في التأريخ لصناعة الأفلام، وفيه تجليات تقنية لا سابق لها على صعيد العرض البصري. وأقتبس هنا من الناقد السينمائي زياد عبدالله بأن مخرج الفيلم جيمس كاميرون «أنشأ كوناً آخر له نباتاته وحيواناته وكائناته العملاقة التي تتحدث بثلاث لغات، بينها لغة الهنود الحُمر».

في هذا السياق تماماً، فإن حكاية الفيلم وحدها واقعية جداً، وتفتح شهية مشاهديه على تحليلها واكتشاف دوافع الحروب الحديثة، خصوصاً الأميركية، وما قد يمثله الفيلم من إدانة شديدة للحرب التي لا يمكن استيعاب فظاعتها في واقعها، إلا ضمن رؤية خيالية بحتة.

في «أفتار» يغزو الأميركيون كوكب «باندورا» المسالم من أجل ثرواته المعدنية، ويستخدمون أنواعاً عدة من التقنيات العلمية للسيطرة عليه. بما يذكّر المشاهد بالعام 2003 حين كان العراق مسرحاً لتجريب الصناعات العسكرية الأميركية، وحين كان جورج بوش يتذرع بأسلحة الدمار الشامل لاحتلال العراق ونهبه، والسيطرة على آبار النفط فيه.

العرب، مثل غيرهم، عاشوا كثيراً من أحداث «أفتار». والفرق أن سحنهم مثل البشر، وليست مثل كائنات الفيلم «النافية» الزرقاء والعملاقة، وفلسطين والعراق شهدا أحداثاً تشبه ما لحق بكوكب «باندورا» المتخيل- الواقعي جداً، من دمار ودماء. وكذلك الهنود الحمر وبشر آخرون عاشوا هذه الحكاية السينمائية. فهل تدور أحداث الفيلم في الماضي، وليس فيه من العام 2154 سوى التقنية؟

لا أعرف الإجابة بالضبط، فنحن إزاء عمل فني متعدد القراءات، ولكنني أتوقع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما شاهد «أفتار» قبل أن يبدأ عامه الثاني في الحكم، وبما أنه ينتمي جينياً إلى نوع مقهور من البشر، فلا أقلّ من أن يعالج ولو قليلاً من الكوارث والمصائب التي اقترفها سلفه جورج بوش، ويضع حداً لحروبه المتواصلة في العالم، وحداً لبقايا إدارته الإسرائيلية في الكونغرس والبنتاغون، فليس أمامه سوى ثلاث سنوات لإطفاء الحرائق المشتعلة في أكثر من «باندورا» على الأرض، حيث تركت أميركا بوش وحليفتها إسرائيل بشراً مشوهين بالقنابل العمياء والفسفور الأبيض والأسلحة المحرمة، حتى مال لونهم إلى الأزرق، مثل كائنات كاميرون المتخيلة في كوكب «باندورا».

أوباما لم يفعل شيئاً للقضية الفلسطينية، ولم ينجح في عام كامل في لجم اندفاع الإرهابي الشهير بنيامين نتنياهو، بل إن الأمور باتت أكثر تعقيداً في ظل تمسكه بمنع أي ظرف جغرافي لقيام دولة فلسطينية في المستقبل، ولم ينجح الرئيس الأميركي في وقف سُعار اللوبي اليهودي في واشنطن. على الأقل في ما يخص ربط الدعم السياسي والاقتصادي الأميركي اللامحدود لإسرائيل بإنجاز سياسي ملموس يعترف بأبسط حقوق الفلسطينيين في كيان ومصير وسلام. على أوباما أن يتخفف من ثقل الميراث الدموي لأسلافه، وأن ينبذ حروبهم كافة، وأن يبحث للأميركي عن صورة أخرى غير جندي البحرية الأميركية المحترف في القتل والاحتلال. وعليه أن يؤكد أن الغزو ثقافة بدائية، ولم يعد ممكناً أن يسجلها التاريخ الحديث شاهداً على القوة والتحضر.

baselraf@gmail.com  

الإمارات اليوم في

22/01/2010

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)