كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

يوميات أيام قرطاج السينمائية

بقلم:

الناقد السينمائي المصري أمير العمري

أيام قرطاج السينمائية

الدورة الثانية والعشرون

   
 
 
 
 

مهرجان قرطاج السينمائي: ما له وما عليه 

الدورة الثانية والعشرون من أيام قرطاج السينمائية انقضت بعد ان استمرت اسبوعا شهد خلاله الجمهور نحو 150 فيلما من خلال برامج واقسام عديدة.

هذه الدورة حققت الكثير من النجاحات كما عانت من بعض الاخفاقات. ولكي نكون موضوعيين، وإذا كانت هناك رغبة حقيقية في تطوير هذا المهرجان العريق يجب الالتفات إلى السلبيات ومعالجتها حفاظا على تاريخ المهرجان ومصداقيته على الساحة العربية والعالمية.

تمثل نجاح المهرجان في النقاط التالية:

1- تنظيم جيد في عرض الأفلام واستقبال الضيوف وتوزيع المهام واصدار نشرة يومية منتظمة تغطي اخبار المهرجان، وإن تأخرت قليلا في التوزيع عن موعجها المفترض في التاسعة صباحا.

2- نجاح واضح في استقطاب عدد من الأسماء المهمة من خبراء السينما في العالم العربي والعالم وعلى رأسهم بالطبع كاتب السيناريو الفرنسي الكبير جان كلود كاريير، رفيق درب الراحل العظيم لوي بونويل الذي ألقى محاضرة مهمة في كتابة السيناريو.

3- تنظيم واقامة ورشتين لدعم انتاج الأفلام القصيرة والطويلة في العالم العربي وافريقيا وتخصيص دعم مناسب للأفلام الفائزة.

4- النجاح في حصر التكريم الذي يقام عادة للشخصيات السينمائية في ثلاث شخصيات فقط منها واحدة تونسية (المنتج احمد عطية) وعربية (يوسف شاهين) ودولية (أومبير بالزان) والابتعاد عن ظاهرة تكريم الذات بفرض عدد من الأسماء التونسية مثلا على غرار ما يحدث في مهرجانات أخرى لا تزال تعاني من "النرجسية" وتكريم من لا يمكن تكريمه.

5- النجاح الكبير والمشرف في الوصول إلى الجمهور الحقيقي للسينما في تونس، فقد استقطب المهرجاتن اهتمام عشرات الآلاف من الأشخاص من محبي السينما من الشباب، وهم من جمهور العاصمة ومن خارجها أيضا، وهذا جانب على درجة كبيرة من الأهمية لأن الاصل في المهرجان السينمائي أنه يتوجه إلى جمهور المدينة التي يقام فيها، ولا معنى لمهرجان بدون جمهور، ومعظم ما يقام من مهرجانات في العالم العربي حاليا يقام من أجل حفنة من الضيوف والمدعوين أساسا إضافة إلى نخبة محلية مهتمة.

أما النقاط السلبية فقد تمثلت فيما يلي:

1- عدم التوفيق في اختيار فيلم الافتتاح (هي فوضى) ليوسف شاهين، وهو فيلم عرض عروضا عامة لمدة عام كامل في الكثير من المهرجانات كما عرض عروضا عامة في كل مكان، وكان الأجدر أن يكتفى بعرض فيلم قصير عن شاهين مثلا (ظهر أنه موجود بالفعل) والافتتاح بفيلم تونسي أو افريقي جديد.

2- غياب منطق اختيار أفلام المسابقة الـ18. فليس من المفهوم أن تضم المسابقة أفلاما "قديمة" نسبيا مثل "القلوب المحترقة" المغربي، و"جنينة الأسماك" المصري، و"البيت الأصفر" الجزائري، بينما تغيب السينما السورية بالكامل رغم امكانية عرض "خارج التغطية" وهو ليس اكثر قدما من الأفلام السابق ذكرها، إن لم يكن الفيلم السوري الجديد "حسيبة" لريمون بطرس. ولا نعرف أيضا لماذا لم يعرض فيلم "في انتظار بازوليني" المغربي. وهنا يطرح السؤال: لماذا 18 فيلما فقط، ولم لا تضم المسابقة 24 فيلما مثلا، ولماذا لم تمثل السينما الافريقية إلا بأربعة أفلام فقط، ولماذا لم ينضم للمسابقة فيلم "بصرة" لأحمد رشوان من مصر أو "خلطة فوزية" لمجدي أحمد علي من مصر أيضا رغم انهما فيلمان جديدان تماما!

3- سوء اختيار الأفلام التونسية المشاركة في المسابقة (وهي ثلاثة أفلام) منها اثنان من الإنتاج الفرنسي وناطقة في معظمها باللغة الفرنسية وأحدها وهو فيلم "خمسة" فيلم فرنسي بالكامل باستثناء أن مخرجه من أصل تونسي. ومفهوم بالطبع أن الدولة المنظمة للمهرجان كان لابد أن تشارك في المسابقة، ولأن الأفلام التونسية الجيدة الأخرى لم تكن قد أصبحت جائزة للعرض بعد فقد اضطرت الادارة إلى قبول هذه الافلام وهو خطأ غير مبرر. والغريب أيضا أن المهرجان أعلن منذ اليوم الأول أنه سيعرض في الختام الفيلم الفائز بالتانيت الذهبي لكنه عرض بدلا من ذلك وبشكل مفاجئ فيلما تونسيا جديدا كان قد انتهى اعداده للعرض هو فيلم "ثلاثون" للفاضل الجزيري ولم يتمكن كثيرون من مشاهدته بسبب تأخر حفل الختام كثيرا عن موعده المحدد وامتداده طويلا بسبب تعدد اعلان الجوائز على نحو يصيب بالارتباك، وهي مشكلة أخرى.

4- من غير المفهوم أن يستمر مهرجان قرطاج كما بدأ أي يظل مهرجانا فرانكفونيا تغلب عليه اللغة الفرنسية، فليس من المعقول أن يتم تقديم الأفلام باللغة الفرنسية فقط كما شاهدنا مثلا عند عرض الفيلم المغربي "لولا"، ولا أن تتم مناقشة الأفلام في قصر ابن خلدون باللغة الفرنسية دون ترجمة، وباللغة العربية لمن يتكلمها دون ترجمة إلى الفرنسية والانجليزية.

5- ليس مفهوما أن تحصر مناقشات الأفلام في قصر ابن خلدون وليس في احدى قاعات فندق افريقيا الفسيحة القريبة التي تتوفر على مساحة أكبر وامكانيات أفضل من القصر الذي لا يصلح إلا لاستقبال عدد محدود من الصحفيين.

6- غياب قاعة مخصصة لعرض الأفلام للصحفيين والسينمائيين الضيوف وأعضاء لجان التحكيم، فقد ظل الجميع يتدافعون ويكافحون مع الجمهور من أجل دخول قاعات العرض التي كانت تمتلئ عن آخرها بالجمهور قبل نصف ساعة من موعد عرض الفيلم، مما خلق حالة من الفوضى والبلبلة وعدم تمكن الكثير من النقاد والسينمائيين من مشاهدة الكثير من الأفلام.

7- ازدحام البرنامج بطريقة تستعصي على الفهم، فليس من المفهوم مثلا أن يوجد قسم تحت عنوان "ميزانيات محدودة من أيرلندا وافريقيا" يشمل عرض عدد من الافلام التي انتجت بميزانيات محدودة في القارة الافريقية وايرلندا. ولا ندري أولا ما الذي يجمع بين الاثنين، وثانيا: هل هناك ملامح خاصة للأفلام المحدودة التكاليف، وهل تعد الميزانيات المحدودة ميزة في حد ذاتها، أو انها تخلق "مدرسة" جديدة في السينما مثلا.

كان يمكن في تصوري الاكتفاء بعرض 60 فيلما في كل الأقسام بحيث يكون الاختيار أكثر دقة وبعيدا عن العشوائية، فاذا كان قسم "فلسطين ضد النسيان" مفهوما فماذا عن السينما التركية، ولماذا عرض 14 فيلما من انتاج العامين الأخيرين وليس بانوراما شاملة، ولماذا شملت بانوراما السيتما التونسية افلاما قصيرة فقط.

8- تعدد المسابقات وتعدد لجان التحكيم حتى أننا فوجئنا بلجنة تحكيم من 9 اطفال لاختيار احسن فيلم من أفلام الكبار (اختير الفيلم الجزائري "مسخرة") بينما يجب فصل مهرجان الأطفال عن مهرجان الكبار فكل مهرجانات العالم لا تسمح أصلا بدخول الأطفال إلى عروضها إلا إذا كان الفيلم مناسبا للأطفال وتحدد ساعة صباحية لعرضه، والفيلم الجزائري المشار اليه ليس مناسبا على الاطلاق!

9- تعدد الجوائز بشكل يدعو للحيرة والدهشة بل والاستنكار، فقد سمحت لجان التحكيم لنفسها بابتكار عشرات الجوائز الأخرى (العشوائية) منها ما سمى بجوائز الأمل، وجوائز التصوير والموسيقى والمونتاج، وجائزتي التمثيل الثانوي، والتانيت الخاص، وجائزة راندة الشهال، وأخرى على اسم سينمائي تونسي متوفي، وهكذا، على نحو ربما فاق عدد جوائز الأوسكار (المسابقة الوحيدة التي تمنح جوائز فرعية متعددة). وهو ما يفقد الجوائز قيمتها ويجعل المهرجان يبدو متميعا.

لقد بات من الضروري اعادة النظر في لائحة المهرجان بحيث يحدد عدد الجوائز وتحدد شروط منحها أيضا، فليس من المعقول أن يصعد رئيس لجنة من لجان التحكيم إلى المنصة في حفل الختام لكي يقول لنا إن اللجنة ابتكرت وابتدعت عددا من الجوائز التي يفوق عددها العدد الأساسي (جوائز التانيت الثلاث) عشر مرات!!

10- باستثناء النشرة اليومية والدليل الرسمي غابت المطبوعات باللغة العربية تماما، وفي ظل ندرة المطبوعات السينمائية في تونس كان يجب أن يهتم المهرجان بالنقد السينمائي (باللغة العربية) ويمنحه الفرصة للتعبير عن نفسه من خلال مجموعة من الكتب والكتيبات. ولكن الغريب أن يصدر كتاب "مدونة السينما التونسية" للناقد والباحث التونسي الهادي خليل مثلا عن ناشر خاص وليس عن المهرجان نفسه.

وأخيرا لعل هذه الملاحظات وغيرها تدفع إلى إعادة النظر في مسار المهرجان وتكوينه وتشكيله بما ينهض به ويمنحه دفعة قوية إلى الأمام بدلا من الاستمرار في الاحتفال بالذات الذي هو آفة أي عمل من الأعمال. ولعل أول قرار يتعين أن يتخذ من أجل تصحيح مسار هذا المهرجان هو جعله مهرجانا سنويا، فقد مضى ذلك العهد الذي كان يجب ان يقام فيه كل سنتين.

عن مدونة الناقد "حياة في السينما" في 5 نوفمبر 2008

 

يوميات مهرجان قرطاج السينمائي 7

الجوائز وسيرة الجوائز

نتائج مسابقة الأفلام السينمائية في مهرجان قرطاج لا تحمل لي أي مفاجأة. الفيلم الفائز بالتانيت الذهبي أي الفيلم الاثيوبي "تيزا" أتوقع فوزه من قبل أن أتي إلى المهرجان، وكنت قد شاهدته في فينيسيا وأيقنت أنه العمل الكبير الذي سيهبط على تونس ليبتلع كل الأفلام. لكني لم أتوقع كل هذه الجوائز: التصوير والمونتاج والسيناريو.. فاذا كان الفيلم قد حصل على الجائزة الذهبية فلماذا منحه كل هذه الجوائز الفرعية التي لا تمنحها عادة المهرجانات الدولية المحترمة!

لا أفهم هذا كما لا أفهم منح جوائز فرعية في التمثيل مثل جائزة أحسن ممثل مساعد وأحسن ممثلة مساعدة فهذه من بدع الأوسكار الأمريكي وليست من تقاليد مهرجانات السينما التي تمنح جوتئزها عادة لجان تحكيم متخصصة.

أما فوز الفيلم الفلسطيني "عيد ميلاد ليلى" بالفضية فأكبر قليلا من الفيلم. وكان يكفي حصوله على جائزة لجنة التحكيم الخاصة لكن الأفلام الفلسطينية في قرطاج عادة ما تحصل على جوائز.. هذا تقليد راسخ قديم، وكان فيلم ميشيل خليفي "نشيد الحجر" قد فاز أيضا بجائزة كبرى هنا قبل سنوات عديدة مما أثار سخط الكثيرين فالفيلم هو أضعف أفلام مخرجه، لكنه كان فيلما عن الانتفاضة والشارع التونسي بالطبع إلى جانب الانتفاضة وكان لابد من حصول الفيلم على جائزة أساسية.

وكما توقعنا فاز فيلم تونسي ضعيف المستور بل هو أساسا فيلم فرنسي قلبا وقالبا وموضوعا بالجائزة البرونزية ونقصد فيلم "خمسة" لكريم دريدي. وواضح ان الجائزة جاءت ارضاء لتونس.

وكما قلنا أيضا لم يحصل فيلم "عين شمس" المصري سوى على تنويه خاص.. كان الأجدر بمخرجه أن يعيده إلى لجنة التحكيم لأن فيلمه أكبر من أي تنويه.. لكن ابراهيم البطوط رجل شديد الأدب والتهذيب وجديد على المهرجانات السينمائية العربية والدولية. وكان الفيلم ق فاز بالجائزة الكبرى في مهرجان تاورمينا وجوائز أخرى عديدة.

وطبعا خرج فيلم "جنينة الأسماك" من المولد دون اي ذكر. وخرج طبعا الفيلم اللبناني "نار بلا دخان" دون أي ذكر رغم حضور أصحابه بكامل هيئيتهم باستثناء الحسناء جدا سيرين عبد النور لأنها طبعا "نجمة، وفنانة، وحلوة، ومطلوبة، ومشغولة جدا على هذا النوع من المهرجانات المتجهمة، وليس مثل مهرجان أوب ظبي الذي يغدق على ضيوفه".

وذهبت عدة جوائز (الجوائز هنا بالجملة في هذه الدورة) إلى الفيلم الجزائري "مسخرة"، كما فاز الفيلم الجزائري الآخر "المنزل الاصفر" بجائزة. وتقليديا أيضا لابد أن تحصل الجزائر على جوائز مهمة في قرطاج. وتقليديا أيضا لا تحصل السينما المغربية على أي جائزة فقد خرجت صفر اليدين رغم وصول رئيس تنظيم السينما المغربية المدعو نور الدين الصايل (أحيانا يكتبون اسمه السايل"!

يمضي مهرجان قرطاج.. وتبدأ عشرات التساؤلات حول تنظيم المهرجان ومدى فعالية انعقاده مرة كل سنتين وليس سنويا.. وإلى اللقاء.

عن مدونة الناقد "حياة في السينما" في 2 نوفمبر 2008

 

 

يوميات مهرجان قرطاج السينمائي 6

اليوم الأخير في المهرجان غدا. ولي ملاحظات كثيرة على اعداد وتنظيم وبرامج المهرجان وكيفية تطويره سأنشرها قريبا.

العمل للتليفزيون والراديو مهلك لأنه يقتضي التفكير في حل الكثير من المشاكل التقنية والفنية، وأصعب ما أواجهه ويواجهه معي كثيرون هنا البطء الشديد في سرعة الانترنت.

انتهيت من عمل مادة تسجيلية عن المهرجان: أفلامه وأحداثه وضيوفه في 10 دقائق لاذاعة بي بي سي، لكن الإرسال عبر الانترنت فشل عدة مرات، وفي المرة الأخيرة استغرق ارسال شريط الصوت بعد المونتاج والمسكاج أكثر من ساعة ونصف.

أنهيت أيضا قطعة للتليفزيون 3 دقائق ونصف بثت قبل يومين لم أشاهدها لأن الفندق لا يضم قناة البي بي سي العربية إلى قائمة قنواته بعد.

السينما المغربية يبدو أنا ستحصل على جائزة مهمة في المهرجان.. مدير المركز السينمائي المغربي وصل أمس فقط بشكل خاص جدا، رأيته يصل إلى الفندق في صحبة الصديق التونسي القديم نجيب العيادي. ربما يفوز فيلم "لولا" للمخرج نبيل عيوش (وهو فيلم أمريكي في كل شئ بالمناسبة) بالجائزة الكبرى. لكني من الآن أقول وأعلن: أنه إذا تم تجاهل فيلم بأهمية ومستوى فيلم "تيزا" الإثيوبي فستكون هذه نهاية مصداقية جوائز مهرجان قرطاج!

لا أتوقع حصول أي فيلم مصري على أي جائز، فيلم "جنينة الأسماك" ومخرجه الغائب يسري نصر الله لن يحصل على أي جوائز، وربما يفوز "عين شمس" بجائزة العمل الأول أو التحكيم الخاصة أو السيناريو، أي بجائزة فرعية، لكني أستبعد حصوله على احدى الجوائز الرئيسية. والسبب ليس لأنه لا يستحق فهو فيلم مهم ورائع ويفتح آفاقا جديدة للتعبير في السينما المصرية ويثبت أنها قادرة على أن تدهشنا بين الحين وآخر بأفلام خارج السائد والمألوف، تلعب في المساحة المخصصة للتأمل الإنساني، والرؤية الفلسفية لمعنى الوجود ليس على صعيد مذهبي، بل إنساني تماما، وفي الوقت نفسه تردنا طوال الوقت إلى الواقع وما يحدث فيه من اعتداءات مستمرة على الإنسان. لكن السبب أن السينما المصرية عادة ما تستبعد من مولد الجوائز الكبيرة في قرطاج.

أما السينما الجزائرية فلاشك أنها ستخرج بجائزة قد تكون الفضية و البرونزية. وربما يفوز فيلم "مسخرة" بجائزة أساسية، وربما يفوز "المنزل الأصفر" بهذه الجائزة.. وإن كان الجمهور التونسي أبدى حماسا شديدا لفيلم "مسخرة" الجديد في سخريته الاجتماعية وتصويره الحي وأداء ممثليه المتدفق الملئ بالحيوية والحركة، وسيطرة مخرجه على الإيقاع وتمكنه من استخراج أقصى ما يمكن من أداء الممثلين. وربما تكون أهمية الفيلم رغم تقليديته أنه يخرج عن نطاق الأفلام الجزائرية الحزينة أو الواقعية النقدية ذات البعد السياسي.

مسابقة أفلام الفيديو أيضا تدور فيها منافسة شديدة لكن أتوقع حصول الفيلم العراقي "الحياة بعد السقوط" لقاسم عبد على جائزة أساسية.

الأفلام التونسية رغم ضعفها لابد أن ينال أحدها جائزة ما أيضا لكني لا أتوقع أن تكون من الجوائز الأساسية، ربما جائزة تمثيل أو إخراج مثلا (لكلثوم بورناز مخرجة فيلم "شطر محبة").

ورغم كل هذه التوقعات أو الأفكار المفتوحة بمعنى أصح، إلا أن شعاري القديم والأبدي كان ولايزال: كذب المنجمون ولو صدقوا!

عن مدونة الناقد "حياة في السينما" في 1 نوفمبر 2008

 

يوميات مهرجان قرطاج السينمائي 5

شئ ما غامض في هذا المهرجان

أستوحي في هذا العنوان اسم فيلم شهير للمخرج الإسباني الراحل لوي بونويل الذي تعلمنا من أفلامه كيف نرى الدنيا بنظرة مختلفة عما هو سائد، نظرة فيها الكثير من السخرية والدعابة والمداعبة أيضا، فأنت تداعب الدنيا لكي تخفف من غلوائها عليك في الكثير من الأحيان.

الشئ الغامض في المهرجان يتمثل في اختفاء الكثير من ضيوفه اذين اعتادوا التردد عليه طوال الدورات الخمس الأخيرة (التي غبت أنا عنها).. هذا طبعا حسبما سمعت من صديق مقرب مني يحضر الدورة الحالية كما حضر إلى قرطاج بانتظام طوال 20 عاما.

السبب لا يمكن أن يكون كما يشيع البعض، أن مهرجان دمشق السينمائي "ملتحم" في مهرجان قرطاج، فسيبدأ يوم 1 نوفمبر أي في نفس يوم اختتام قرطاج!

كثيرون من الذين سيذهبون إلى المهرجان السوري موجودون هنا، لكن كثيرين أيضا غائبون خصوصا من الذين اعتادوا ان يلقوا معاملة "خاصة" هنا.

صديق روى لي أيضا الكثير عن تلك المعاملة الخاصة وأسرارها وقيام بعض الكهنة بتقديم القرابين وحمل الشموع، لا أعرف لماذا إلا إذا كانت هناك منافع متبادلة سرية لا نعرف عنها شيئا!

أما غياب أنصاف الحاكمين بأمرهم فلا يزال غامضا حتى إشعار آخر، فسوف تتضح كل الحقائق لاحقا.

الناقد المصري صبحي شفيق الذي كان مفترضا أن يكون هنا ممثلا لجمعية نقاد السينما لم يحضر، وقيل في تبرير ذلك أنه ذهب إلى مهرجان الاسماعيلية (رايح جاي.. حسب تعبير الناقد مصطفى درويش- خارج السجل طبعا!) وهناك نسى صبحي أن هناك مهرجانا آخر في قرطاج يفترض أن يحضر إليه للمشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية لاتحاد النقاد الدولي (الفيبريسي) الذي يستضيفه قرطاج بكرم حقيقي كما يستضيف لجنة تحكيم من الاتحاد. وكان مهرجان الاسماعيلية أيضا قد قرر الالتحام مع قرطاج والاتصال مع أبو ظبي أو ما يسمى بمهرجان الشرق الأوسط الذي تديره مذيعة برامج المنوعات التليفزيونية نشوى الرويني.

السينما التونسية أو بالأحرى الأفلام التونسية الثلاثة في المشابقة خذلوا الجميع هنا بقوة، فهناك ضعف واضح في سيناريوهات الأفلام الثلاثة، وبؤس في الصورة وتشتت في الإخراج وفقدان للسيطرة على الموضوع وعلى الممثلين. والأفلام الثلاثة تقليدية تماما، لا توجد فيها أي اكتشافات جديدة من أي نوع، أقصد اكتشافات فنية طبعا. والمشكلة أنها ترتد إلى ما كانت عليه السينما التونسية في الماضي، أي منذ 20 عاما، أي إلى سيطرة اللغة الفرنسية، وفيلمان من الثلاثة هما في الحقيقة من الانتاج الفرنسي. ويستنكر كثيرون هنا أن يكون المخرج مقيما في فرنسا ويصنع فيلما من الانتاج الفرنسي ومكتوبا باللغة الفرنسية ويدور شطر من أحداثه عند "ماما فرنسا"، ويأتي مخرجه ليحصل على دعم مالي من الدولة في تونس!

السسينمائيون الأفارقة كالعادة يشعرون بنوع من الغربة هنا وأنا شخصيا متعاطف معهم كثيرا، فالعرب يبدون كعادتهم أكثر اهتماما بأنفسهم من اهتمامهم بالآخرين. ولاشك أن أحد أهم الأفلام المعروضة في المهرجان الفيلم الاثيوبي "تيزا" لهايلا جيريميا وربما يفوز بجائزة أساسية، يستبعد كثيرون أن تكون التانيت الذهبي.. لا أعرف لماذا.. هل لأنه أفريقي، أو لأن العرف جرى أن يكون الذهب من نصيب العرب، والفضة من نصيب الأفارقة!

أود تصحيح خطأ فادح ارتكبته هو أن عزت العلايلي ليس ريس لجنة التحكيم للأفلام الروائية السينمائية الطويلة بل مجرد عضو في لجة يرأسها الكاتب الجزائري محمد مولسهول الذي عرف باسم ياسمينة خضرا أي باسم امرأة كان يستخدمه فترة طويلة ككاتب كنوع من تكريم كل نساء الجزائر كما علمنا.. وهو مصر على استخدامه حتى الآن بشكل رسمي، وللناس فيما يعشقون مذاهب. ياسمينة إذن ليست كاتبة جزائرية بل كاتب، والعلايلي عضو في اللجنة وليس رئيسا لها. ولذا وجب التنويه والاعتذار عن الخطأ.

خطأ آخر ورد في اسم الفيلم الجزائري الذؤي اطلق عليه مخرجه مسخرة كما على شريط الفيلم نفسه بينما ذكرت كل المطبوعات أن اسمه مسخرات، وبالفرنسية ماسكاراد Mascarade.. ولا نفهم السبب في كل هذا التناقضات.. وكنت أظن أنه يقصد لابسي الأقنعة أو المشاركين في حفل تنكري لكن اتضح أنه يقصد مسخرة ووضعها باللغة العربية على شريطه فلماذا يتم توزيع اسم آخر لا علاقة له باسم الفيلم بالعربية.. ولاعجب إذا عرفنا أن اسم الصديق المخرج العراقي قاسم عبد كتب في برنامج المهرجان بالعربية المترجمة عن الفرنسية "كسيم عبيد"!

عن مدونة الناقد "حياة في السينما" في 31 أكتوبر 2008

 

يوميات مهرجان قرطاج السينمائي 4  

* كل النقاد والصحفيين والسينمائيين يختلفون عادة حول الأفلام، أيها أفضل وأيها أسوا، ولكل رأيه الخاص فيما يتعلق بتنظيم المهرجان ومستوى المسابقة ومصداقية لجان التحكيم، غير أن الجميع يتفقون على أن الميزة الأساسية للمهرجانات السينمائية العربية أنها تجمع الناس، وتقرب بين السينمائيين والنقاد، وتعيد تجديد الصداقات القديمة، وقد تساهم في تصفية "العداوات" القديمة أيضا.

كان الشاعر العراقي السيريالي عبد القادر الجنابي يصدر مجلة جريئة في باريس في أوائل التسعينيات بعنوان "الرغبة الإباحية" أو النقطة الممنوعة، كانت مجلة جادة تماما بالمناسبة وليست من نوع مجلات الاثارة الرخيصة. وكان يتخذ لها شعارا يبدو أيضا سيرياليا لكنه يعكس "موقفا" تشاؤميا قليلا من الحياة وإن لم يكن بعيدا تماما عن الواقع. وكان الشعار يقول ببساطة وبحسم "نحن لا نريد أصدقاء، فلدينا من الأعداء ما يكفي"!

أستخدم أنا هذا القول أحيانا في سياق التعبير عن المرارة بسبب الصدمات واللطمات الكثيرة التي تعرضت لها صداقات كانت فيما مضى تبشر ببعض الأمل في ظروف عالم مختلف. لكن الصداقات القديمة الحقيقية بين البشر الأسوياء الذين لا تربطهم مصالح مؤقتة أو منافع عابرة، تبقى عادة وتقوى وتتواصل رغم الغياب والبعد.

ورغم أنني لم ألتق بالصديق العزيز القديم (ربع قرن من الصداقة) المخرج العراقي قاسم عبد منذ 7 سنوات إلا أنه في الذهن وزالخاطر، وعندما التقينا مجددا في تونس حيث يشارك فيلمه التسجيلي الطويل "الحياة بعد السقوط" في مسابقة أفلام الفيديو، بدا أن الحوار بيننا كان متصلا، وكنا ببساطة نكمل ما بدأناه من حوارات وتبادل آراء منذ أن بدأت علاقتنا في لندن عام 1984.

قاسم يقضي معظم وقته حاليا في العراق حيث أسس مدرسة لتعليم السينما والتليفزيون، وهو مشروع طموح وإن كنت أشفق عليه كثيرا من "خطورة" التجربة. وقد فقد شقيقا وتعرضت أسرته لأزمات عديدة إلا أنه صامد ويواصل مهمته ببسالة حقيقية. وفيلمه يروي قصة معاناة أسرته فيما بعد سقوط نظام كان ينظر إليه على أنه أس البلاء وسبب الاضطهاد والمعاناة، فماذا جلب النظام التالي الذي خلفه!

* تجولت مع قاسم والمخرج العراقي الصديق محمد توفيق الذي يقيم في كوبنهاجن منذ سنوات طويلة في الشتات مثلنا، وقابلنا في طريقنا الممثل الفلسطيني الكبير محمد بكري بشحمه ولحمه وسط جموع الناس في شارع الحبيب بورقيبة. شئ جميل بالمناسبة، أن يحافظ النظام التونسي الحالي، الذي جاء بعد نوع من الانقلاب على بورقيبة، على اسمه مرفوعا على أهم شارع في العاصمة التونسية أو "شانزليزيه" تونس.

* سألت المخرج التونسي رضا الباهي عن سبب غيابه عن الساحة فقال إنه أخرج 12 فيلما كل منها 26 دقيقة عن الشخصيات السينمائية العربية، وإنه بصدد الاستعداد لتصوير فيلم سينمائي جديد بطولة عمر الشريف.

* راودتني فكرة تأسيس معهد للسينما في جزيرة مالطا وأنا في تونس، على أن يستقبل المعهد طلابا من بلدان المغرب العربي الثلاثة ومن دول أخرى إذا أمكن مثل "الجماهيرية- بعد التغيير".. ولكن رغم براءة الفكرة واعتمادها على فكرة الحرية وإدخال أفلام العالم بعيدا عن سيوف الرقابة وسيوف قطع الرقاب وتأديب العباد، إلا أنها بدت لي مثل الذي قرر أن يذهب لكي يؤذن في مالطة!

عن مدونة الناقد "حياة في السينما" في 30 أكتوبر 2008

   

يوميات مهرجان قرطاج السينمائي 3

* السينما التونسية في أزمة لاريب في ذلك. الفيلمان اللذن عرضا في المسابقة الرسمية حتى الآن متواضعا المستوى لدرجة كبيرة. ما الذي جرى لكي تصبح الأفلام التونسية ضعيفة وخاوية بهذا الشكل (دون الدخول في تفاصيل نقدية علمية لأن لكل مقام مقال). كان يجلس بجواري وأنا أشاهد فيلم "شطر محبة" للمخرجة كلثوم بورناز المخرج التونسي المخضرم محمود بن محمود الذي صنع عددا من أفضل الأفلام التونسية مثل "عبور" و"شيشخان". وقد أخذ طيلة الوقت يتنهد بألم وتحسر بل ويصيح أحيانا صيحات استنكار ولم يتمكن من اخفاء رفضه للفيلم وضعفه وتهافت مستواه الفني. كان محمود يشاهد الفيلم بعين مخرج، لكنه مخرج يعرف أيضا الواقع التونسي الذي تدور فيه الأحداث على العكس مني، فقد كنت حريصا كالعادة، على اخفاء المشاعر والانفعالات السلبية تجاه الفيلم لأن المسألة بالنسبة لي ليست "تصحيح" الفيلم بل التأمل في تفاصيله ثم التعامل معه نقديا إذا استطعت أو إذا وجدت مدخلا ييضف جديدا في الموضوع. أما إذا كانت الكتابة لمجرد أن يثبت المرء أنه شاهد هذا وذاك من الأفلام، فليس له محل في قاموسي الشخصي. وأحيانا يصبح تجاهل الكتابة عن عمل ما موقفا مقصودا مرادفا للتجاهل السلبي بالطبع، وهو ما يمكن أن يكون أكثر إيلاما لدى المخرج الحساس من النقد السلبي التفصيلي.

* في مهرجان قرطاج تحدث أشياء غريبة بمقاييس المهرجانات الدولية التي أحضرها، وقد حضرت منها هذا العام 4 مهرجانات. إلا أنها ليست غريبة أو لم تعد كذلك في عرف المهرجانات العربية أو التي تقام في العالم العربي (الذي يعيش بلاشك أزهى عصوره لكننا لانريد الاعتراف بهذا لأغراض "شخصية" شريرة بالطبع!).

أنت مثلا يمكن أن تتوجه هنا كما حدث بالفعل، في الموعد المحدد تماما لمشاهدة فيلم ما حسب البرنامج لكنك تفاجأ بأن عرض الفيلم بدأ بالفعل قبل موعد عرضه الأصلي، وأن القاعة ممتلئة عن آخرها. وقد تذهب لمشاهدة فيلم آخر كما حدث معي اليوم، قبل الموعد بنصف ساعة كاملة حتى تضمن مقعدا وسط الجمهور الغفير الذي يتجمع أمام دار السينما بحماس شديد لمشاهدة كل الأفلام، بما فيها الأفلام الوثائقية التي تناول موضوعات غريبة وهو أمر يجعلك أحيانا تتساءل: هل هذا الاقبال اختبار حقيقي لشعبية هذا النوع من الأفلام؟ أم أنه زحام المحتفلين بالعيد.. عيد السينما الذي يحل كل سنتين في تونس، أي أنه مجرد تعبير عن الحرمان، وأن هذه الأفلام نفسها في حالة توزيعها لن تجد جمهورا يدفع ثمن استيرادها وتكاليف عرضها!

أعود إلى لب الموضوع وهو ذهابك قبل نصف ساعة من العرض وتنتظر طويلا طويلا، لكي تفاجأ بأنه لا يمكنك الدخول حتى قبل عشر دقائق من الموعد ولا قبل خمس دقائق، ويحل موعد عرض الفيلم دون أن يسمح لك بالدخول لأن هناك جمهور مازال داخل السينما.. إلى أن تضج من الزحام والتدافع والحرارة والعرق والتصاق الأجساد والثرثرة وعمال السينما والمهرجان كله والذين أتوا بك إلى هنا، فتحاول أن تشق طريقك بصعوبة وسط الكتلفة البشرية لكي تهرب إلى حيث الهواء النقي وتتنفس الحرية.. بعيدا عن أي فيلم، فرأيي أن "الكفاح والنضال" من أجل مشاهدة فيلم، أي فيلم، أصبح أمرا منتهيا، فلا يوجد ما يستوجب التوتر والصداع والارهاق الجسماني، وإلا لأصبح الاستمتاع بالفن والجمال والإبداع والفكر مرادفا للأشغال الشاقة مثلا والعياذ بالله.. أليس كذلك؟

* الممثل الفلسطيني محمد بكري بطل فيلم "عيد ميلاد ليلى" لرشيد مشهراوي وصل إلى تونس لحضور عرض فيلمه في المهرجان.

* يسري نصر الله غائب عن المهرجان، وآخر ما سمعته أنه يستعد لاخراج فيلم عن سيناريو لوحيد حامد.. وضع مائة علامة تعجب أمام هذا الخبر وبدون تعليق.

* أخبرني براهيم البطوط اليوم أن الأخ علي أبو شادي المسؤول عن جهاز الرقابة على السينما والفنون والفكر في مصر (وهذا هو الإسم الصحيح) توصل أخيرا وبعد الكثير من الإحراج، إلى تسوية نهائية بشأن فيلم "عين شمس" وقرر معاملته كفيلم مصري.. ما الذي حدث بالضبط لكي تغير الرقابة رأيها؟ ربما رفض المغرب اعتبار الفيلم منتجا مصريا!

* صورة لا تنسى ولا يمكن أن تنسى بل ولا يجب أن تنسى: لفتت نظري ونظر الناقد الليبي رمضان سليم والمخرج المصري ابراهيم البطوط، ولابد أنها لفتت نظر كل الناس، فالمقصود أن تلفت أنظار كل الناس على وجه التحديد. هي صورة "الزعيم" موضوعة في أعلى منصة عرض الأفلام والمنصة المسرحية في قاعة المسرح البلدي في تونس حيث نشاهد بعض العروض وحيث تم الافتتاح. الصورة موضوعة في مكان واضح تماما يفرض نفسه عليك، والأكثر إثارة ومتعة للعين والنظر أن العبقري، مدير المسرح، أمر بتسليط إضاءة خاصة عليها مصدرها مصباحان من أعلى اليمين الخلفي واليسار الخلفي، وهما مصدران مخفيان يصعب رصدهما، فهي تبدو وقد أضيئت بقبس من النور، تشد أنظار الجميع وهم يتابعون أي عرض، سينمائيا كان أم مسرحيا، وتجعل الزعيم يبدو رسولا وأميرا للمؤمنين.. إذا آمنوا بالطبع!

عن مدونة الناقد "حياة في السينما" في 29 أكتوبر 2008

  

يوميات مهرجان قرطاج السينمائي 2

اليوم الثالث في المهرجان الاثنين 27 اكتوبر. ذهبنا إلى قصر ثقافة ابن خلدون الذي يعد المقر الصحفي الرسمي للمهرجان. وهو وضع لم يتغير منذ 1980 أي منذ أن وعيت على هذا المهرجان وبدأت أتردد عليه. وهناك تجري المناقشات حول الأفلام المعروضة. كانت هناك عند وصولي وأصدقائي مناقشة للفيلم اللبناني "دخان بلا نار" لسمير حبشي في حضور المخرج وخالد النبوي وممثلة لبنانية لا أتذكر اسمها.

لا أفهم كيف يستمر قصر الثقافة بامكانياته الفقيرة المحدودة وجفافه وسلالمه العالية وقاعته الضيقة التي يرن فيها الصوت ويتردد صداه، يستضيف مناقشات الأفلام، في حين أن لدى المهرجان قاعات فخمة وفسيحة ومناسبة أكثر بكل تأكيد سواء في فندق افريقيا أو فندق الانترناشيونال. لقد كنت أحضر المناقشات في قصر ابن خلدون في الثمانينيات عندما كان الجو العام يسيطر عليه النشطاء الطلابيون أصحاب الخطاب السياسي المباشر الذين يرجمون الأفلام بالحجارة، أو يحولونها إلى نماذج لتطبيق نظرية الثورة من عدمه!

وقد انقضت هذه الأيام، وآن الأوان في رأيي أن يتغير مهرجان قرطاج قليلا ويعدل في اتجاهاته وبنيانه نفسه. لازلت مثلا لا أفهم كيف يترك أعضاء لجان التحكيم المختلفة يتصارعون مع الصحفيين وضيوف المهرجان وجمهوره على "اقتحام" قاعات العرض التي تعرض أفلام المسابقات. وفي كل مرة نسمع كلة "كومبليه"!

لقد شاهدت عزت العلايلي يشق طريقه بصعوبة من أعضاء لجنته لكي يتمكن الجميع من الدخول بصعوبة بالغة وبعد تدخل درة أبو شوشة مديرة المهرجان، إلى قاعة المونديال لمشاهدة الفيلم الجزائري "مسخرة".

أول من التقيت داخل قصر الثقافة كان صديقي الناقد التونسي الكبير خميس الخياطي الذي لم أره منذ سنوات. وقد حكي لي خميس كيف أنه كان يدير المكتب الصحفي في دورات سابقة وكيف تم استبعاده هذا العام بدون أي سبب. لكنه سعيد بما يصدره من كتب جيدة تثير الكثير من القضايا والنقا.

جذبني خميس من يدي إلى ركن مهمل تماما من أركان القصر لكي يريني كيف أن المسؤولين أهملوا تماما عشرات اللوحات التشكيلية لفنانين تونسيين مرموقين. هذه اللوحات من مقتنيات الدولة لكنها أصبحت مركونة في الركن المهمل يعلوها التراب وفي حالة بالغة السوء!

التقيت الناقد التونسي الهادي خليل واشتريت كتابه المهم "من مدونة السينما التونسية: رؤى وتحاليل" الصادر حديثا في اكثر من 400 صفحة وفي طباعة أنيقة.

* أصدقاؤنا أعضاء لجنة تحكيم الاتحاد الدولي للنقاد (الفيبريسي) أو الأعضاء الذين يشاركون في حضور الجمعية العمومية للاتحاد يبدون في غاية الحركة والنشاط. لكني لم ألتق حتى الآن بالناقد صبحي شفيق رئيس جمعية نقاد السينما المصريين الذي يفترض أنه يحضر الجمعية العمومية. لا أعرف ماذا جرى لصبحي؟ لكني التقيت أكثر من مرة بالمخرج السينمائي التسجيلي محمود سامي عطا الله، وتمنيت أن يتمكن من الحركة في وسط المدينة الذي يعج الزحام والحركة في حين أن سامي أصبح في سن لا يسمح، وفي حالة مرضية لا تيسر له السير في الشوارع وتسلق السلالم.

* عرفني المخرج المصري ابراهيم البطوط على الناقدة السينمائية من مونتنجرو مايا بوجونيتش وهي شخصية تتمتع باللباقة والفهم والثقافة العالية لما يحدث في العالم. تحدثنا عن فيلم "حلم كاليفورنيا" المعروض في المهرجان في قسم بانوراما العالم، وهو فيلم رائع في سخريته السوداء، وفي لغته وأسلوبه وطاقة الخيال الكامنة فيه. وقد توفي مخرجه ومصوره قبل الانتهاء تماما من تصويره لكنه استكمل بشكل ما وظلت نهايته مفتوحة. وتحدثنا أيضا عن الفيبريسي وما يجري فيه وضحكنا عندما تذكرنا كيف أن كلاوس ايدير الأمين العام للفيبريسي استقال قبل 8 سنوات ثم أخذ يمدد وجوده بشكل مؤقت إلى أن اصبحت الحكاية أقرب إلى النكتة. مايا علقت قائلة: إن كلاوس مستمر في استقالته طول الوقت لكنه لا يختفي بل موجود ويمارس سلطاته.

* في المساء تبادلت حديثا وديا مع مدير مهرجان روتردام العربي خالد شوكات في بهو الفندق مع عدد من أصدقائه منهم المخرج سعد الوسلاتي مخرج الفيلم الوثائقي "ذاكرة امرأة" الذي سأشاهده اليوم.، وقد عاد لتوه من مهرجان سان فرنسيسكو.

خالد يبدو مهتما كثيرا بالقسم العربي في بي بي سي وما يجري فيه من تحديث بعد انطلاق الخدمة التليفزيونية. الصحفي المصري اشرف البيومي شعلة نشاط كالعادة. موجود في كل مكان، ويلتقي بأناس كثيرين.

* مرة أخرى التقي عزت العلايلي واقول له انني نشرت ما دار بيننا من حديث قصير دون أن انشر انتقاداته الشديدة للمسؤولين عن الثقافة والسينما في مصر وبألفاظ حادة. قال بدهشة: ولماذا لم تنشر.. إنشرها ولايهمك. قلت له إنه عظيم كما كان دائما.

عن مدونة الناقد "حياة في السينما" في 28 أكتوبر 2008

 

  

يوميات مهرجان قرطاج السينمائي 1

* وصلت ليلة أمس في وقت متأخر، لم ألحق حفل الافتتاح، وهو أمر لم أكن أصلا أتوق إليه، فهو لا يخرج عادة عن بعض المراسم والكلمات ثم عرض فيلم كان هذا العام فيلم يوسف شاهين وخالد يوسف "هي فوضى" الذي سبق بالطبع أن شاهدته ونشرت موضوعا تفصيليا عنه عندما عرض في مهرجان لندن العام الماضي.صباح الأحد 26 اكتوبر، التقيت بالصديق القديم الناقد الليبي رمضان سليم الذي لا يخلع أبدا قبعته الصغيرة التي أصبحت مثل العلامة المسجلة. ولم ألتق رمضان منذ سنوات طويلة بعد أن توقفت عن الذهاب إلى المهرجانات العربية لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن.

جلست مع رمضان والمنصف بن عامر الكاتب العام للمهرجان سابقا من أيام الزمن الرائع في الثمانينيات. المنصف رجل شديد الأدب والتهذيب ودماثة الخلق. وهو محب حقيقي للسينما وليس مجرد موظف "يستفيد من، ويتعيش على السينما مثل بعض النقاد الميديوكر- آسف لا أجد كلمة أخرى في العربية أكثر مناسبة لوصف المعنيين!".

في المكتب الصحفي للمهرجان الأمور سارت سيرا جيدا بالنسبة لي وليس بالنسبة لرمضان الذي تعين عليه الانتظار عدة ساعات إلى أن تمكن أخيرا من الحصول على البطاقة الصحفية، والسبب أنهم لم يكونوا قد "أنتجوا" البطاقة البلاستيكية بعد ويبدو أن هناك أيضا عددا كبيرا من الصحفيين لم تصنع بطاقاتهم واضطروا للانتظار!

* في المكتب الصحفي التقيت بالكاتب والناشط في مجال حقوق الإنسان خالد شوكات، وهو تونسي يقيم في هولندا وأراه بشكل عابر أحيانا عندما أزور روتردام لحضور مهرجانها السينمائي الدولي (وليس العربي الذي يديره خالد).. خالد كعادته مجامل ولبق، وهو طبعا أكثر مجاملة في حديثه لأننا في تونس بلده.

* جاء رشيد مشهراوي العائد من اليابان مع فيلمه "عيد ميلاد ليلى" حيث كرمه مهرجان طوكيو السينمائي. مشهراوي صديق قديم رائع ومتألق دائما ورجل بمعنى الكلمة فقد قرر توزيع مبلغ 75 الف دولار (جائزة حصل عليها من مهرجان الشرق الاوسط) على كل العاملين بفيلمه وعددهم 40 شخصا.

* بحثت عن الصديق المخرج ابراهيم البطوط الذي شاهدت قضيت معه أمسية جميلة في لندن قبل أيام عندما كان يحضر بفيلمه البديع "عين شمس" المهرجان. وقد لقي الفيلم استقبالا جيدا جدا من جانب جمهور مهرجان لندن، كما نوقش بعد عرضه مرتين، مناقشة ممتازة. وقد قمت بإنتاج قطعة تليفزيونية (أكثر قليلا من 3 دقائق) عن الفيلم وأصدائه وما أثاره من جدل عرضت على شاشة تليفزيون بي بي سي العربي يوم 22 اكتوبر كما ظهرت بعد بثها للحديث عن الفيلم وما واجهه من مشاكل في مصر لمدة 5 دقائق على الهواء مباشرة.

ابراهيم غير موجود في غرفته بالفندق. سأعود للاتصال به فيما بعد إن لم نلتق الليلة.

* ذهبت إلى المسرح البلدي في الثالثة بعد الظهر لمشاهدة فيلم تسجيلي عن "محمود درويش" شاعر العرب الراحل الكبير، ولدهشتي الشديدة وجدت القاعة ممتلئة عن آخرها وقد بدأ عرض الفيلم بالفعل. وقد تمكن المشرفون على المسرح الكلاسيكي الجميل من العثور على مقعد لي بصعوبة.

الفيلم من اخراج سيمون بيتون الاسرائيلية الفرنسية الأصل التي غادرت اسرائيل واستقرت في فرنسا منذ سنوات لأنها لن تكق العيش في دولة عنصرية، واتخذت مواقف مؤيدة للفلسطينيين وصنعت بعض الأفلام الوثائقية المهمة عن الموضوع ولها في قرطاج أكث من فيلم.

الفيلم بديع ورقيق ومخلص تماما لموضوعه، ويعكس صورة انسانية حقيقية لمحمود درويش، الشاعر الفذ الذي كان انطباعي عنه دائما أنه لا يجيد الظهور الإعلامي، وأنه رغم شهرته الكبيرة ووقوفه مئات المرات أمام الجمهور لإلقاء شعره، إلا أنني كنت أشعر أن هناك حانبا "خجولا" في تكوينه الشخصي، وحزن خاص دفين يغلفه بكبرياء قد لا تمنحه صورة المتحدث الجذاب كثيرا أمام عدسات التليفزيون. لكنه في هذا الفيلم يتحدث ببساطة وبشاعرية عن كل شئ. أعجبني محمود كثيرا وهو يروي كيف كان يشعر عندما انتقل من حيفا إلى القاهرة، وكانت تلك المرة الأولى في حياته التي ينتقل فيها من مدينته الفلسطينية إلى عاصمة عربية كبرى. ويقول محمود إنه فتح النافذة في الليل لكي يتأكد من أنه في القاهرة حقا، ووجد نفسه يشعر شعورا غريبا: إنها المرة ىالأولى التي يرى نفسه في مدينة عربية تماما، كل من فيها عرب يتكلمون العربية، هنا أدرك مسألة اللغة، وكتب قصيدة شهيرة عن اللغة العربية باعتبارها مرادفا للهوية العربية. وهل أصبح لنا غيرها يامحمود.. عليك ألف رحمة.

* في مطعم فندق افريقيا العتيد ألتقي عزت العلايلي رئيس لجنة التحكيم. عزت شديد الغضب على ما يجري في مصر من "تسلط" ثقافي أدى إلى نوع من التدهور. أتذكر معه بصعوبة يوم أن ذهبنا قبل 21 عاما مع المخرج الصديق خيري بشارة إلى منزل علي رستم، الذي كان يرغب في الاقدام على الانتاج السينمائي، وكان لدى خيري وقتها مشروع طموح لكن الفيلم لم ينتج ابدا.

الغريب أن عزت يسألني بدهشة عما أفعله في لندن؟ وكأنه لا يوجد في لندن ما يمكن لرجل مثلي أن يفعله، وكأن عزت لايزال يفكر بعقلية الفلاح المصري القديم (ربما من دوره في فيلم الأرض مثلا) كيف يمكن أن يستقر المصري في بلد مثل لندن، وكأن عزت أيضا لا يعرف كيف أصبحنا غرباء في بلادنا منذ دهور طويلة، آبل وكيف أصبحت لندن وغيرها أكثر قدرة على احتواء وفهم غضبنا وثورتنا وتمردنا وقلقنا!

وهذا على أي حال، موضوع طويل طويل.. بطول الرحلة الطويلة المستمرة التي يبدو أنه لن يقطعها سوى الموت.. والموت، لو تعرفون، يقف على ناصية الطريق!

زميلة عزت العلايلي في لجنة التحكيم الممثلة الفرنسية ايمانويل بير تبدو أقل جمالا بكثير جدا من صورتها السينمائية بل أقصر كثيرا عما تخيلتها من قبل. أما نوري بوزيد عضو اللجنة أيضا فقد بدا عليه تأثير الزمن.

* التقي أيضا بالصديق القديم المخرد التونسي رضا الباهي. رضا كعادتي به دوما، رجل باسم مرحب حميمي، قال وهو يقدمني للمخرجة المصرية نادية كامل (مخرجة فيلم "سلطة بلدي" الذي أثار ضجة في كل مكان لكني لم أشاهده حتى الآن): إننا نرتبط بصداقة عمر.

وحقا صدق، فقد التقيت رضا الباهي للمرة الأولى مع فتحي فرج عندما جاذ إلى القاهرة لعرض فيلمه الأول البديع "العتبات الممنوعة" أظن عام 1974 أو 1975 لا أتذكر بالضبط الآن. وقد عرض الفيلم وقتذاك في نادي القاهرة للسينما. وكان قد واجه المنع في تونس لأنه صور اغتصاب سائحة أجنبية في مسجد بتونس. رضا أخرج بعد ذلك أفلاما كثيرة، وكان دوما مشغولا بفكرة تقديم أفلام ناطقة بالانجليزية من بطولة ممثلين وممثلات من العالم العربي وأمريكا وأوروبا. وقد عملت معه جولي كريستي وعزت العلايلي ومحمود مرسي وبن جازارا وربما شون كونري أيضا.

* فجأة يظهر صديقنا القديم المخرج التونسي فريد بوغدير.. بشحمه ولحمه: أقول له إنه لم يتغير على الاطلاق بل ظل بنفس شبابه الدائم وابتسامته الرائعة. نتذكر بحزن زمن التألق: تألقه الشخصي ونشاطي الكبير في أوائل التسعينيات. وكنا نلتقي كثيرا في المهرجانات الدولية.

وقد قضينا معا يوما مجنونا بكل ما تعنيه الكلمة من جنون في مهرجان فالنثيا الاسباني، وخرجنا إلى الشوارع وكنا نعبر أثناء سير السيارات، ونضحك ولا يهمنا ما يحدث. كنا سعداء باحتضان العالم. وكان فيلمه "عصفور السطح" أو الحلفاوين قد حقق نجاحا كبيرا ودار على عدد من المهرجانات وحصل على الكثير من الجوائز. أين أفلامك الآن يافريد؟ لا أتلقى اجابة واضحة.. أعلق بأن العالم أصبح كئيبا بعد 11 سبتمبر. يوافقني تماما. ولكن ما سر السعادة؟ يقول فريد إن السبب أنه يعيش دائما مثل "عصفور السطح"!

أتوجه في الموعد تماما إلى قاعة المونديال لمشاهدة الفيلم التونسي في المسابقة "سفرة يامحلاها" لخالد غربال. المقاعد كلها امتلأت عن آخرها. لا توجد أماكن مخصصة للصحفيين والنقاد.. آسفون.. لا يمكنك الدخول!

عن مدونة الناقد "حياة في السينما" في 27 أكتوبر 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2017)