كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

بالتأكيد «هي فوضى» يا «جو»!!

الموت يغيب آخر العظماء.. لكن يوسف شاهين سيبقى «كمان.. وكمان»

الوقت - خالد الرويعي

عن رحيل

يوسف شاهين

   
 
 
 
 
 

إذا كان الموت سيقسو على المقربين منه، فلا أقل من أن نتذكر قسوته على نفسه، هكذا سيبدو المشهد الأخير لحياة المخرج العالمي يوسف شاهين الذي غيبه الموت صباح أمس بعد صراع طويل مع المرض.

هكذا سيكون لنا أن نصف ما حدث. ففي حين تعرض دور العرض السينمائية آخر أفلامه بالتعاون مع أحد أبناءه البارين (خالد يوسف) نكون في الوقت نفسه نشيع أحد رموز السينما الذين أثاروا الجدل على الدوام.

''هي فوضى'' كانت آخر كلمات يوسف شاهين الصورية السينمائية.. ورغم ما قاله في سنوات أخرى، إلا أن مثل هذه الكلمات لم يكن ليقولها سوى ''جو''، وهذا اللقب هو أحب الأسماء إلى قلبه.

في فيلمه الأخير راهن شاهين على أن الشعب دائما هو الأمل الباقي في تصحيح أوضاعه، وربما كان ذلك حلمه على الدوام، لكن شاهين وتحديداً منذ فيلم (المهاجر) بدأ يرى بوضوح أكثر ربما، وربما بدا متخلياً عن أحلام (السينما) بمعناها لديه، وبدا في مخاطبة الواقع بشكل مباشر بعيداً عن المغلفات و''أوهام'' الفن.

يوسف شاهين مثير للجدل.. لكن الأمر ليس بهذه البساطة كما يحلو للصحافة أن تدون ذلك، لكن شاهين موسوعة معاصرة، فلم يحالف الحظ في أن يبقى مخرجاً غيره في الوطن العربي ليرى كل ذلك، ويرى كل هذه الهزائم والتحولات التي طرأت على العالم العربي، فشاهين بدأ صناعة السينما منذ 58 عاماً، وهذا يعني أن رأى ثورة الضباط الأحرار، وتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي وأيلول الأسود واستقالة عبدالناصر وموته، عاصر حرب أكتوبر وشهد توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل، شاهد غزو الكويت وتوقيع اتفاقيات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، شاهد سقوط العراق وتحول العالم إلى محموري الخير المزعوم والشر الملعون، رأى سقوط الجثث وزار غرف التعذيب، رأى كل شيء.. ورأى بالفعل ذلك.. فقال ''هي فوضى''.. ثم رحل.

 

اللحظات الأخيرة فـي حياة «الأستاذ»

الوقت - محرر الفنون:

* دخل يوسف شاهين المستشفى إثر إصابته بنزيف دماغي وأدخل أحد مستشفيات باريس.

* حنان ترك كانت آخر من شاهدته قبل أن يسافر إلى باريس للعلاج، وكانت تدعو الله أن يخرجه من مرضه.

* أكثر الفنانات زيارة له في بيته وفي المستشفى كانت يسرا وهالة فاخر، والمخرج خالد يوسف.

* أجرى يوسف شاهين عمليتي قلب مفتوح ورغم منعه من التدخين بأوامر من الاطباء، إلا أن السيجارة لم تكن تفارق يده، وكان يدخن نحو 160 سيجارة يوميا.

* قبل تكريمه من قناة ''ايه آر تي'' كأحسن مخرج العام 2007 عن فيلم ''هي فوضى''شعر بحالة إعياء شديدة، وطلب من خالد يوسف أن يستلم الجائزة بدلا منه، وتم نقله إلى مستشفى الشروق.

* استمرت الحالة في التدهور، فتقرر سفره إلى باريس للعلاج، وأمر الرئيس المصري بعلاجه على نفقة الدولة تقديرا لأعماله القيمة التي ساهمت في صناعة السينما المصرية.

* ماريان خوري ابنة اخته، والمنتج الشريك لجميع اعماله تتحدث عن عدم تجاوزه لمرحلة الخطر بعد، وإن كان الأطباء يرون أن العلاج قد يستغرق عدة أسابيع بسبب البطء الشديد الذي يشهده معدل تحسن حالته الصحية،

* عاد على القاهرة في 17 من يوليو/ تموز ولكن في غيبوبة.حتى توفي في 27 يوليو/ تموز عن 82 عاما.

 

الخـمـسـيـنـــــــــــات

- (1950) بابا أمين

- (1951) ابن النيل

- (1952) المهرج الكبير

- (1952) سيدة القطار

- (1953)نساء بلا رجال

- (1954) صراع في الوادي

- (1954) شيطان الصحراء

- (1956) صراع في الميناء

- (1956) ودعت حبك

- (1957) أنت حبيبي

- (1958) باب الحديد

- (1958) جميلة

- (1959)حب إلى الأبد

الستيــنات

- (1960) بين إيديك

- (1960) نداء العشاق

- (1961) رجل في حياتي

- (1963) الناصر صلاح الدين

- (1965) بياع الخواتم

- (1965) فجر يوم جديد

- (1966) رمال من ذهب

السبعينات

- (1970) الأرض

- (1970) الاختيار

- (1972) الناس والنيل

- (1974) العصفور

- (1976) عودة الابن الضال

- (1979) إسكندرية... ليه؟

الثمانينات

- (1982) حدوتة مصرية

- (1985) وداعاً بونابارت

- (1986) اليوم السادس

التسعينات

- (1990) إسكندرية كمان وكمان

- (1994) المهاجر

- (1997) المصير

- (1999) الآخر

الألفين

- (2001) سكوت ح نصور

- (2002) 11-9-01

- (2004) إسكندرية – نيويورك

- (2007) هي فوض

الوقت البحرينية في 28 يوليو 2008

 
 

يوسف شاهين...المتمرد...الثائر...«هاملت» العربي

قصة حياة شعب وأمة.. وليست مجرد مخرج

الوقت - الطاهر الجمل

مختلف، متفرد، مميز، مشاغب، عنيد، محتد برأيه ولا يقبل أن يغيره مهما كان، معارضا أحيانا عن حب وأحيانا أخرى بسبب الاختلاف الشديد في التفكير والآراء، همه الوحيد هو أن يعبر عن هموم المواطن المصري البسيط.

يبدو أن نشأته في الإسكندرية قد طبعت شخصيته، فهي مدينة شديدة التنوع والجمع بين مختلف الأجناس والأطياف والأفكار، ''فجو''نشأ فيها وهي تحتضن اليونانيين واليهود والأرمن والإنجليز والفرنسيين.

شاهين كان دائما حتى في آخر أيامه كطائر النورس يهوى دائما التحليق والطيران إلى أي مكان يستطيع أن يذهب إليه.كان يحلم بأن يكون الإنسان فقط إنسانا، لا يوجد اعتبار لأي شيء آخر، فقال على لسان محمد منير ''لا يهمني اسمك، لا يهمني عنوانك، لا يهمني لونك، ولا ميلادك، مكانك، يهمني الإنسان ولو ملهوش عنوان، هي دي الحدوتة، حدوتة مصرية''.

أجمع الكل على عبقريته المميزة، لكنه عندما سئل عن تعريفه للعبقرية قال ''إن تجعل نفسك مستعدا لالتقاط الفكرة من رأسك إذا جاءت، وألا تسأل كيف وأين يأتي الحب، وألا تجعل هناك وسيطا بينك وبين ربك، وعن نفسي أنا لدي حوار يومي بيني وبين ربي، أسأله كل ما أريد وأناقشه، هكذا أنا كل شيء ببساطة''.

يعتبر يوسف شاهين المخرج المؤلف الأول في تاريخ السينما العربية، كان يقتدي دائما بفلليني وبازوليني وبوب فوس، كان رغم ذاتيته المندفعة كثيرا في أفلامه، لم يتخل عن هموم العامة، والتعبير دائما عنها، كان ملتزما بالقضايا العربية، كان أول من صرخ ''هنحارب هنحارب''في فيلم ''العصفور''، بعد نكسة ,67 مواقفه كانت دائما واضحة ثابتة لا تتغير، سياسيا وفنيا، وكان يفاجئ المشاهد في كل فيلم بتفجيره تابوهات لم يكن حتى ممكنا الاقتراب منها.

تاريخ العالم العربي في أفلام الأستاذ

لو نظرنا إلى أفلام يوسف شاهين من ''بابا أمين'' وحتى فيلمه الأخير ''هي فوضى''، نجد تأريخا واضحا للمجتمع العربي عموما والمصري خصوصا، ففي ''بابا أمين'' الذي قام ببطولته ''حسين رياض''، كان عن نكبة 48 ذات فوائد، فهي أيقظت الوعي العربي والإسلامي بخطورة ما يجري على أرض فلسطين، وكيف ظهر ذلك في مصر بثورة 23 يوليو/تموز بقائدها وزعيمها جمال عبد الناصر، التي قضت على الإقطاع والملكية الفاسدة، وزرعت اعتزازا وكرامة لدى المواطن العربي من المحيط إلى الخليج بعروبته، وإنه لا مكان للاستعمار على الأرض العربية بعد اليوم.

''صراع في الوادي'' حلل الطبقات المجتمع قبل الثورة، وكيف هناك طبقة واحدة هي التي تتحكم في مصير سائر الطبقات، ولأول مرة هذا الفيلم رأينا إعدام شخص برئ، وكان يقصد براءة فلسطين من مؤامرات الاستعمار الغربي، والتأكيد على أن الملكيات العربية الإقطاعية في ذلك الوقت، لن يحل هذه القضية، ولن يحسم الصراع العربي-الإسرائيلي، وإنما يجب أن نلجأ إلى الشعب، إلى العمال والفلاحين، فهم أصحاب الحق، وهم من سيحررون الوطن.

ويرى الناقد المصري رفيق الصبان، أن أفلام شاهين بالفعل هي تأريخ لمصر وللعالم العربي، وقام بتقسيمها إلى مراحل، ما قبل الثورة وما بعد الثورة، فالمرحلة الأولى شملت الإقطاع الزراعي والاستعمار الإنجليزي، والقضية الفلسطينية، وفساد الملك وحاشيته، ونجدها في أفلام ''الناس، النيل، الأرض، إسكندرية ليه، وصراع في الوادي.

فجر يوم جديد

هي فعلا كانت فجرا جديدا فأفلام ما بعد الثورة، ركزت على التأميم والاشتراكية، ثم النكسة والقمع السياسي والفكري وزوار الفجر في ''العصفور، والاختيار وعودة الابن الضال''. وانهيار الطبقة الأرستقراطية في مصر ومرحلة الانفتاح في عهد السادات، وحتى التحولات وسيطرة رأس المال حاليا في ''الآخر''.

ووثق يوسف شاهين معركة الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي عبر فيلم ''جميلة بوحريد'' المناضلة الجزائرية الشهيرة، التي أصبحت رمزا لبلد المليون شهيد، وفي الوقت نفسه فإن هذا كان تعبيرا عما يحدث داخل مصر من مساندة لهذا الثورة حتى تستقل الجزائر.

مرحلة أفلام ما بعد النكسة، حاولت أن تبحث وتتساءل عن ما حدث، وذلك عبر 4 أفلام هي ''الأرض''، ''الاختيار''، ''العصفور'' و''عودة الابن الضال''، وحاول شاهين أن يبحث عن أسباب النكسة، وكان جليا تأثيرها الكبير عليه.وبالتأكيد فإن مشهد محمود المليجي وهو يسحل من قبل الشرطة هو لا يزال متمسكا بأرضه رغم ذلك على أن المصريين لن يفرطوا في أرضهم مهما حدث.

''الاختيار''، كان مواجهة الهزيمة بكل وضوح، ومسؤولية المثقفين خصوصا والمجتمع ككل عن هذه الهزيمة التي حدثت.

فيلم ''العصفور'' عرض الواقع المصري في تلك الفترة بكل جرأة، وعبر عن غضب الشعب من المؤسسات الحكومية الفاسدة المرتشية، وتم منع الفيلم من العرض إلى ما بعد حرب أكتوبر، مما جعل اليأس يتسرب إلى شاهين، وخرج إلى النور بعدها فيلمه ''عودة الابن الضال''، وحاول أن يقدم فيه الحل وذلك عبر ضرورة العلم والتعلم، والسعي إلى تحقيق الأحلام مهما حدث، والإيمان بدور الشباب، وأهمية البناء، والثورة على المغتصب، والأمل في المستقبل.

سيرته الذاتية وأميركا

وقدم لنا جو حياته وأبرز محطاتها من خلال ''إسكندرية ليه''، ''حدوتة مصرية''، ''إسكندرية كمان وكمان''، و''إسكندرية نيويورك''، وكل هذا الأفلام تناولت حياته من خلال تاريخ مصر، خصوصا علاقته بأميركا، فعلاقته بأميركا تشبه علاقة مصر بها، فقد صور أميركا كامرأة ساقطة عندما صبغ وجه تمثال الحرية بمساحيق التجميل الفجة، وصنع فلقة بين أسنان وجه التمثال، وألصق به ابتسامة سخرية بشعة، ووصف أميركا نفسها من قبل بأنها عاهرة.

ويجمع النقاد على أن شاهين لم يقدم أفلاما من أجل الترفيه، بل إننا سنجد تأريخا لمراحل مصر المختلفة من خلال أفلامه.

المحطة الأخيرة لشاهين ''هي فوضى''، طرح فيها خطورة السلطة المطلقة؛ لأنها مفسدة مطلقة، حيث أن الأزمة لا تكمن فحسب عند فساد الحاكم، فبتبعية سوف ينتج هذا الفساد فسادا أصغر في كل المستويات والطبقات.

أفلامه ليست مفهومه

هذه المقولة التي نجد الغالبية العظمى ترددها وهي التهمة الجاهزة لدى منتقدي شاهين، لكن بعد هذا السرد السريع لأبرز أفلامه نجد إنها ليست طلاسم لا يمكن فكها، بل هي تعبير عن المواطن البسيط، ويبدو أنه بسبب جرأة أفلامه، قامت بعض وسائل الإعلام الحكومية بالترويج لفكرة أن أفلامه غامضة.

ويرى البعض أن سبب هذا الغموض هو محاولة شاهين الدائمة في التعبير والحديث عن نفسه وهواجسه الذاتية، وخلط ذلك بهموم الوطن، ليؤلف خلطة فنية اجتماعية سياسية ذاتية.

''هاملت'' حلم لم يتحقق

من أكثر الشخصيات التي أحبها يوسف شاهين كانت شخصية هاملت لويليام شكسبير، وكان يحلم دوما بتجسيدها، بل إنها تحولت إلى ظل لمعظم شخصيات أبطاله، بل أنه كتب السيناريو عنه برؤية معاصرة، وأعاد كتابته أكثر من عشرين مرة، وكان يحلم بأن يجسدها محسن محي الدين نجمه المفضل، ومن بعده أحمد يحيى بطل ''إسكندرية نيويورك''، ورغم هذا الحب الكبير لهاملت إلا انه ظل يؤجل تنفيذ المشروع فهل كان يخشى مواجهة هاملت؟خصوصا وإنه فسر نفسه بأنه شخصية معقدة ''أنا 14 شخصية في بعض''.

مع جمال عبد الناصر

سافر شاهين متطوعا إلى احتفال جمع الرئيس جمال عبد الناصر والزعيم السوفيتي نيكيتا خورتشوف، وهما يضغطان على زر تفجير الجبل الجرانيتي في أسوان، إيذانا بتحويل مجرى النيل العام 1964 حين سمح له عبد الناصر بالتصوير الحي، وحين جاء موعد الضغط على الزر، اقتحم شاهين المنصة وهمس في أذن الرئيس، ''لو سمحت يا ريس، لا تضغط على الزر إلا بعد أن أقول لك أوكي'' فابتسم عبد الناصر موافقا، وبعدها بثوان قال أوكي يا ريس، فضغط عبد الناصر ليكلف بعدها بسنوات بإخراج فيلم ''الناس والنيل''.

يا حرية فينك فينك

كانت الحرية هي الهواء الذي يبحث عنه دائما، فقد خرج من بيته ليشارك في اعتصام نقابي العام 1988 يطالب بتغيير اللوائح النقابية، تضامن مع أهالي جزيرة دهب ضد تحويلها إلى منتجع سياحي والتصدي لقرار إخلائها، شارك في مظاهرات الطلاب والمثقفين أمام جامعة القاهرة ضد غزو العراق العام ,2003 ليظهر مدى الغضب العربي المتصاعد من الغطرسة الأميركية، وأثر ذلك على منع فيلمه ''أسكندرية نيويورك'' من العرض في مهرجانها السينمائي. ورغم بلوغه الثمانين، إلا أنه شارك في أحد مظاهرات حركة كفاية، وكاد يموت اختناقا من القنابل المسيلة للدموع، ووجه انتقادات حادة للرئيس مبارك والانتخابات الرئاسية، وأعلن أنه لن ينتخبه ولن ينتخب نجله، وأن هذه الانتخابات مزورة، منددا بالقبضة الحديدية للشرطة التي أرهبت الشعب المصري، وكان فيلم ''هي فوضى''معبرا عن هذه الحالة القمعية والفوضى التي يعيشها المجتمع المصري.

ابن بلد يأكل الكشري ويشتري الخضار

أما مع الناس فشاهين كان متواضعا كريما وطيبا، يأكل مع عمال النقل الكشري ويضحك ويسأل عن أحوالهم، وكان يحب أن ينزل بنفسه إلى السوق ويشتري الخضار والفواكه بيديه.

الوقت البحرينية في 28 يوليو 2008

 
 

الساعة 12 ظهراً.. والخبر لازال في الأفواه.. لكن وصل إلى البحرين:

يوســــف شاهــــين.. المؤثــــر فـي ثقافتنـــــــا..

الوقت - سكينة الطواش

الساعة 12 ظهراً.. خبر وفاة المخرج يوسف شاهين لم تتناقله الأخبار بعد.. لكنه وصل إلى البحرين فعلاً، فلقد فجع الشارع الفني بوفاة ''الأستاذ'' كما يلقبونه، الذي يعتبر أحد الأعمدة السينمائية التي أحدثت نقلة مهمة في المفاهيم السينمائية، ليكون مدرسة تخرج عددا من النجوم اللامعة في الوطن العربي حاليا، ومما لا شك فيه ستتشح مصر بالسواد حدادا على هذه الشخصية العظيمة، وبالأخص جيل من الفنانين الذين تعاونوا معه وكان له الفضل عليهم كبارا وصغارا منذ زمن الأبيض والأسود إلى الديجيتال، فأعماله الخالدة تجبرنا على تذكره. في البحرين كان لهذا الخبر وقع ملحوظ على نفوس فنانيها، فالبعض رفض التعليق على هذا الحدث ليغلبه البكاء، والبعض الآخر حاول إنصاف شاهين بآرائه.

الكاتب المسرحي يوسف الحمدان يجد بأن ''برحيله فقد رحل آخر عمالقة السينما في الوطن العربي، فنحن نحتاج لزمن طويل حتى نعوضه بمخرج يصل إلى مستوى عبقريته، وتلامذته كثر فهو رجل يتجسد في السينما ويحيا في السينما، لأنها قضيته الأولى''.

ويتابع ''كل تجربة له هي في حد ذاتها تحتاج إلى دراسات وبحوث، وكل من خرج من تحت معطف شاهين برأيي حصل على شهادة دولية وليست عربية، ومن ضمن تلامذته المخرج خالد يوسف الذي يعد استثمارا لنجاح أستاذه شاهين وهو يحصد نجاحاته السينمائية الان''.

وعن التنوع في تجاربه تحدث الحمدان عن انه '' يظهر جليا تمسك شاهين بالتجربة الواقعية كما في فيلمي ''باب الحديد'' و''الأرض''، واتضحت القراءة الذاتية ''إسكندرية ليه''، ''إسكندرية كمان وكمان''، ''المصير''، و''الاختيار''.

يوسف شاهين مخرج خرق كل الأنسجة، بهذه العبارة عبر الحمدان عن قوة هذا المخرج ليقول ''هو مخرج عالمي بكل المقاييس فلقد حاز على عدد من الجوائز العالمية في مهرجان فينيسيا والبندقية، فهو ابن مصر الحقيقي وهو العالمي الحقيقي فهو ينتمي لمصر والكون''.

ولا شك أن مخيلة يوسف شاهين كانت غريبة ومفاجأة لكل من يتتبعه وهكذا كان يرى الحمدان عندما قال ''حتى في أفلام السيرة الذاتية نجده يفترض المخيلة الجانحة، ليجعل جل أعماله حالة فنتازية، فكل عمل يقدمه يعتبر حالة خاصة تقوم على أثرها الدنيا ولا تقعد ونستذكر من ذلك ما حدث من رد فعل حول فيلمه ''المهاجر''، وكذلك فيلم ''المصير''، حيث واجه القوى السوداء في الوطن العربي من خلال هذا العمل''.

ويواصل ''ما يميزه أيضا لغته السينمائية مختلفة فهو يظهر بقلقه المعروف ويبحث عن زاوية مختلفة لم تستغل من قبل، وحتى في آخر أيام حياته وصراعه مع الغيبوبة كان الناس ينتظرون فيلما لن يستطيع احد غيره انجازه''.

رحلة عمر قصيرة لشاهين

كما لم يعلم المقلة عن خبر وفاة شاهين إلا من خلال اتصال هاتفي لـ''الوقت'' ليتحدث بدوره عن يوسف شاهين فوصفه بأنه ''مدرسة غير طبيعية فبشكل أو بآخر خرج مجموعة من السينمائيين والمبدعين العرب، فالخصوصية تسبق أفلامه، فكل مخرج عربي استفاد من تجربته الفريدة''، ويستدرك ''عاش طويلا ولكن قياسا بإنتاجه الضخم نستشعر أن عمره كان قصيرا جدا، وبفقدانه تخسر السينما العربية خسارة كبيرة''.

شاهين صنع الحياة على الشاشة

وتفاجأ الكاتب فريد رمضان بخبر وفاة المخرج يوسف شاهين ''قرأت في بعض الصحف منذ عدة أيام أنه قد عاد من فرنسا بعد رحلة للعلاج''.

ويكمل ''يعد يوسف شاهين رمزا من رموز صناعة السينما في الوطن العربي والذي شكل الحافز الأساسي في تلقي أفلام مختلفة الفكر والطرح، أصبح يستقطب كل المهتمين بالسينما في الوطن العربي الذين ينتظرون تجاربه على أحر من الجـــمر''.

وبالحديث عن مصطلح تجربته السينمائية قال رمضان ''تجاربه تحرك الواقع العربي من منطلق فني وإبداعي عالي المستوى، فاستطاع عكس حياتنا الشخصية في تجاربه السينمائية، فكل ما يقدمه يعتبر خطوة جريئة لم يقدم عليها أحدا، فلقد صنع الحياة بمحيطها على الشاشة''.

الوقت البحرينية في 28 يوليو 2008

 
 

رحيل شاهين يفقد الفن العربي آخر عباقرة السينما

كتب(ت) »الوطن« - علي الستراوي

توفي أشهر المخرجين المصريين يوسف شاهين أمس الأحد عن عمر ناهز 82 عاماً، بعدما أمضى ستة أسابيع في غيبوبة إثر إصابته بنزيف في الدماغ.

وكان شاهين نُقل إلى مستشفى في فرنسا حيث بقي شهراً كاملاً جرّاء إصابته بنزيف في الدماغ في مصر دخل على إثره في غيبوبة في 16 يونيو (حزيران).

ويُعتبر الكثير من أفلام شاهين وعلى رأسها فيلم ''الأرض'' علامات شامخة في الإبداع السينمائي وكشف الحقيقة التي تعزز الكثير من جوانب ما يدور في كواليس تاريخ الأمة العربية. وفضحت أفلامه فساد الأنظمة العربية وأبرزت أصالة الإنسان العربي البسيط ووضعته في مكانه الحقيقي من مسيرة تاريخ الأمة العربية.

واستطاع شاهين أن يثبت استمرارية وعطاء الفنان العربي حتى ولو بلغ الثمانين من عمره، واقنع شركات الإنتاج السينمائية العالمية وخصوصاً في فرنسا التي وقفت بجانبه في إنجاز أفلامه الأخيرة، وذلك لقناعتها بجدية ما يطرح هذا الفنان القدير. وسيظل شاهين مثالاً ورمزاً وقدوة لكل جيل الشباب والسينمائيين العرب.

يقول الفنان والمخرج إبراهيم الدوسري: ''يوسف شاهين مدرسة سينمائية مستقلة نهل منها الكثيرون من السينمائيين العرب وغير العرب''.

ومن جهته، يرى الفنان الموسيقي محمد حداد أن شاهين ''عبّر عن واقع الإنسان العربي من خلال أفلامه المعاصرة بصدق، كونه فنان يمتلك الجرأة والتغيير بين فلم وآخر''.

ويضيف حداد: ''أعتقد بأن شاهين اهتم كثيراً بالموسيقى التي تقدم في أعماله، إذ دمج مرات عدة بين الموسيقى والأغنية العربية في الأفلام واستخدمها بشكل غير تقليدي، مؤسساً رؤية جديدة للفيلم العربي.. إن العلاقة الحميمة التي جمعته بطاقم العمل الذي يعمل معه أدت إلى تعميق التجربة.. ورحيله خسارة كبيرة للسينما العربية والعالمية معاً''.

أما الناقد يوسف الحمدان فاعتبر رحيل شاهين ''رحيل آخر العباقرة في السينما العربية''، وقال: ''بلاشك سوف يترك فراغاً كبيراً في السينما العربية، والسينما الدولية، فهو حالة فردية استثنائية تحتاج دراسة وباحثين كي يفككوا الشفرات البصرية الإبداعية التي وظفها في أكثر أعماله، ووجود أي ممثل في أي فيلم لشاهين، إضافة لرصيد الممثل''.

وأردف الحمدان: ''عالج شاهين الواقع الإنساني والواقع العربي في أفلامه، وفقده حدث محزن يحتاج فيه الناقد أزمنة طويلة لدراسة (ظاهرة شاهين السينمائية والإبداعية)''.

وقال الفنان عبدالله ملك: ''في كل سنة نخسر عمالقة في مجالات الفن، ولأن مصر هي الولاّدة فلها النصيب الأكبر من هذا الرحيل.. شاهين منذ بدايته حتى رحيله أسس ما لم يؤسسه الآخرون من مخرجي جيله، فهو رائد، كونه مجنون سينما، يفتخر كل ممثل أن يمثل معه، ورحيله خسارة للسينما العربية والعالمية، ونحن بحاجة لفنان مخرج في مستوى جرأته''. 

العملاق شاهين

حسن حداد

رغم أن رحيل الكبير يوسف شاهين لم يكن مفاجأة، إذ كان في غيبوبة ما يقارب الشهرين.. فإن هذا الرحيل يعد بالفعل خسارة فادحة للسينما والفن في كل مكان.. فهذا الفنان العملاق يشكل حالة خاصة ونادرة في السينما العربية، فهو الفنان الباحث دوماً عن أسلوب مختلف وصوغ جديد لأفكار ومفاهيم عادية ومتداولة.. فقد أعطى هذا الفنان الكثير للسينما المصرية والعربية، من خلال ما قدمه من أفلام تعد حتى الآن علامات مضيئة في سماء الفن العربي والعالمي.. أو بما علمه لأجيال كثيرة من تلاميذه..!!

هذا الفنان رغم عمره الطويل وصحته السيئة.. استمر في العطاء الفني حتى آخر حياته، ولازال آخر أعماله يعرض الآن في صالات السينما بالبحرين، ألا وهو (هي فوضى)..!!

شاهين إذن.. أقل ما يقال عنه إنه فنان مثير للجدل، مصطحباً ضجة مع كل فيلم جديد يقدمه.. بل لازالت أفلامه بعد كل هذه المشوار الطويل، تثير عند عرضها الكثير من الأسئلة وردود الأفعال الإيجابية والسلبية.. فهو من الفنانين المشاغبين.. أقصد القادرين على إعطاء شحنات صادمة للمتفرج.. وعدم اكتفائه بالتسلية والترفيه.. وباعتباره فناناً مشاغباً، فهو يحتاج متلقياً مشاغباً أيضاً.. يقدم له السينما كما تعلمها وعرفها وعلمها تلاميذه..!!

ومهما اختلف معه الآخرون فهم يجمعون بالطبع على أنه كان فناناً ملتزماً، قدم أفكاراً اجتماعية وسياسية جماهيرية، وناقش قضايا حياتية تهم غالبية الشعب المصري والعربي بشكل عام.. لكنه في الوقت نفسه قدمها بأسلوب مغاير وتكنيك وإبهار سينمائي جديد لم يسبقه إليه أحد، ولم تعتده عيونهم وأمزجتهم.. وشاهين بالتحديد لا يهتم إن كان هذا المتفرج قد يفهم أو لا يفهم ما يقدمه له.. فهو كفنان خلاق يرى أن الفنان لا يقف عند هذه الحدود الشكلية.. فهو يفهم السينما كرؤية وفكر وفن قبل أن تكون تسلية وإبهار.

الوطن البحرينية في 28 يوليو 2008

 

يوسف شاهين.. الغامض.. المنطلق.. الجريء

حسن حداد

نحن هنا أمام فنان كبير، مثير للنقاش وللجدل، مصطحباً ضجة مع كل فيلم جديد يقدمه.. مخرجنا هو يوسف شاهين.

والحديث عن يوسف شاهين يطول، فهو كفنان يشكل حالة خاصة ونادرة في السينما المصرية، بل والعربية بشكل عام.. وهو الفنان الباحث دوماً عن أسلوب جديد وصوغ مختلف لأفكار ومفاهيم تبدو عادية ومتداولة.

يوسف شاهين.. الذي قدم حتى الآن 30 فيلماً، بدأها بفيلم (بابا أمين ـ 1950) وذلك بعد عودته من أمريكا حيث درس السينما.. هذا الفنان، اختلف معه الكثيرون، ووجهت له الكثير من الاتهامات ـ وبالذات في أفلامه الأخيرة ـ أهمها بعده عن قضايا الجماهير، والاهتمام بتقديم تكنيك وإبهار سينمائي فقط، على حساب المضمون، متجهاً بذلك نحو الجمهور الغربي والأوروبي. وللتحقق من صحة هذه الاتهامات أو عدمها، سنقوم بمسح سريع لمسيرة هذا الفنان، والقيام برحلة في فكر وفن يوسف شاهين.

إن المتابع لمسيرة شاهين السينمائية، من خلال جميع أفلامه، يكتشف أنها تعكس ـ إلى حد كبير ـ ذلك التطور الفكري والفني، وذلك الوعي الاجتماعي والسياسي الذي تحمله شخصية هذا الفنان. ويمكننا تقسيم مشوار شاهين السينمائي إلى مرحلتين أساسيتين: مرحلة نمو الوعي الاجتماعي، ومرحلة تعمق الوعي السياسي، حيث إن شاهين عندما بدأ هذا المشوار، لم تكن القضايا الاجتماعية والاهتمامات السياسية تعني له الشيء الكثير، ولكنه ـ عفوياً وتلقائياً ـ وجد نفسه يدافع، ببساطة متناهية وصدق مؤثر، عن الفلاح المصري في فيلمه (ابن النيل ـ 1951).

لم يكن شاهين، في ذلك الوقت، يفهم مشكلة الفلاح المصري، ولا كان يعي الواقع الاجتماعي والمعيشي الذي فرض على هذا الفلاح أوضاعاً حياتية مزرية، وربما جاء ذلك نتيجة انتماء شاهين الطبقي إلى بيئة بورجوازية. ومع هذا، كان فيلم (صراع في الوادي ـ 1953) صرخة عنيفة ضد الإقطاع، عبّر فيه عن نظرته المليئة بالحنان والحنو للفلاحين. صحيح أن الفيلم يفتقر إلى التحليل الاجتماعي الجدي للواقع الذي يتناوله، إلا أنه طرح قضية الصراع الطبقي بين الإقطاع والفلاحين بشكل صارخ لم تشهده السينما المصرية من قبل.. وبالتالي يمكن اعتبار (صراع في الوادي) بمثابة الخطوة الحقيقية الأولى في مرحلة نمو الوعي الاجتماعي عند شاهين. وكانت الخطوة التالية في فيلم (صراع في الميناء ـ 1956)، الذي اهتم فيه شاهين ـ ولأول مرة ـ بأوساط العمال والبحث في مشكلاتهم.

أما في فيلم (باب الحديد ـ 1958)، فوصل شاهين إلى مرحلة فنية متقدمة، جعلته أهم شخصية سينمائية في مصر آنذاك، إذ كان هذا الفيلم متقدماً على السينما المصرية بسنوات، الأمر الذي يفسر فشله التجاري وإحجام الجمهور عنه. ففي فيلمه هذا، برع شاهين في تصوير قطاع من الحياة اليومية، بقدر ما برع في تجسيد شخصية ذلك الفقير المقعد ''قناوي''. وكان (باب الحديد) مفاجأة حقاً، ليس لصدقه المتناهي ومضمونه المتميز فحسب، وإنما ـ أيضاً ـ لأسلوبه الجديد ولغته السينمائية المتقدمة وجمالياته الخاصة.. وليس هناك شك في أن يوسف شاهين سجّل، بهذا الفيلم، خطوة متقدمة في مرحلة نمو الوعي الاجتماعي.

بعدها، قدم يوسف شاهين (جميلة الجزائرية ـ 1958) معبراً فيه عن ذلك الشعور القومي والتضامن العربي مع الجزائر في حربها التحررية ضد الفرنسيين.. لم يتضمن الفيلم أي تحليل سياسي لقضية الشعب الجزائري، وإنما جاء فيلماً حماسياً صادقاً، هذا رغم أنه يعد نقطة تحول عند يوسف شاهين، إذ يقول: ''...دخل الوعي الاجتماعي أفلامي بعد فيلم جميلة.. في جميلة كنت وطنياً بالفطرة، كانت الأمور بالنسبة إليّ أشبه بالعسكر والحرامية، الناس في الفيلم كانوا إما جيدين أو سيئين، وعندما خرجت الجماهير من قاعة العرض وأحرقت السفارة الفرنسية، أدركت أني فجرت شيئاً لا أعرفه، هناك صراعات أبعد من قصة العسكر والحرامية. بدأت أقرأ عن مذاهب فلسفية واجتماعية، وتعرفت على عدد من السياسيين، بدأت أكتشف تدريجياً بعض القوانين ولغة الصراع، فأخذت تتكون عندي عموميات فكر سياسي...''.

وفي فيلم (الناصر صلاح الدين ـ 1963) يؤكد شاهين قدراته السينمائية والتقنية، حيث يقدم من خلاله ملحمة على طريقة أفلام هوليوود الضخمة، عن الحروب الصليبية التي قادها صلاح الدين الأيوبي ضد أوروبا، مشيراً ـ بشكل واضح ـ إلى عبد الناصر، الذي قاوم أوروبا ـ أيضاً ـ إبان العدوان الثلاثي على مصر.  قدم شاهين بعدها، فيلم (فجر يوم جديد ـ 1964) متناولاً فيه وضع الطبقة البورجوازية في مصر بعد ثورة يوليو .1952 ويعلق شاهين على هذا الفيلم، فيقول: ''... كنت لازلت مثالياً، فتصورت أن الأمل يأتي من داخل البورجوازية ذاتها، وربما يعود هذا التصور إلى طبيعة انتمائي الطبقي...''.

وفي عام ,1967 بدأ شاهين العمل في فيلم (الناس والنيل) وهو إنتاج مشترك مصري/سوفياتي، عن تعاون البلدين في بناء السد العالي، إلا أن النسخة الأولى من الفيلم لم تعجب المسئولين المصريين، ما اضطره إلى إجراء تعديلات انتهت إلى نسخة جديدة منه لم تعجبه هو. وكان هذا الفيلم خاتمة مرحلة نمو الوعي الاجتماعي؛ وبداية تعمق الوعي السياسي عند شاهين، مرحلة جديدة أعقبت هزيمة ,1967 بدأها بفيلم (الأرض ـ 1968)، حيث لم تكن هذه المرحلة هامة وحاسمة بالنسبة لشاهين فقط، وإنما كان صدى الهزيمة وتأثيرها قد أصاب غالبية المثقفين العرب، إن لم نقل غالبية الشعب العربي.

كانت الهزيمة بمثابة الصفعة القوية والحدث الأفجع، بل كانت مرحلة انتهت فيها العفوية والتعاطف مع الطبقات الشعبية، وجاءت لحظة الالتزام الحقيقي والوعي السياسي والاجتماعي الجاد. وقد بدا ذلك واضحاً بالنسبة ليوسف شاهين، حيث ذلك الفرق ما بين فيلمي صراع في الوادي، الأرض، على الرغم من طرحهما لموضوع متشابه، ألا وهو صراع الفلاحين ضد الإقطاع. فقد عبر شاهين بصدق عن هذا الصراع في فيلمه (الأرض)، وأكد مقدرته على النفاذ إلى أعماق الفلاح وتصوير حياته البسيطة التي تمتزج فيها المأساة بلحظات الفرح، وكان الفيلم بمثابة التحفة الفنية الرائعة، ومن أهم ما أنتج في السينما المصرية عن الأرض والفلاح.

بعد (الأرض)، أصبحت الرؤية الفكرية والوعي السياسي لدى شاهين واضحين، بل أخذا يتأكدان من فيلم إلى آخر. ففي فيلم (الاختيار ـ 1970) يتأمل شاهين أوضاع المثقفين وينتقد مواقفهم، وكأنه بذلك يمارس نقداً ذاتياً، حيث يناقش قضية ازدواجية المثقف ودوره في التفاعل مع قضايا الجماهير. أما في فيلم (العصفور ـ 1973) فيناقش، وبتحليل فكري ناضج، الأسباب الحقيقية للهزيمة، ويطرح وجهة نظر جريئة جداً، بل ويعلن صراحة بأن الشعب لم يهزم، وإن القيادة هي التي انهزمت. إن (العصفور) هو أكثر أفلام شاهين وعياً وجرأة، فيه يسجل اكتمال مرحلة تعمق الوعي السياسي والاجتماعي، ويصل به إلى خط اللارجعة، فلم يعد بإمكانه أن يرجع خطوة واحدة إلى الوراء.

أما أفلامه الأخرى، والتي تلت (العصفور)، فقد حاول فيها ـ ونجح إلى حد كبير ـ يتابع ويقدم كل ما هو جديد ومتطور في الأوساط السينمائية العالمية، كأسلوب وأدوات وحتى تقنية، هذا مع استمراره في تناول قضايا سياسية واجتماعية تهم الجماهير وتهمه هو بالذات، خصوصاً في ثلاثيته (إسكندرية ليه ـ 1978 ، حدوتة مصرية ـ 1982 ، إسكندرية كمان وكمان ـ 1990)، ففي أفلامه هذه قدم يوسف شاهين أسلوباً جديداً تميز بحركة كاميرا خاصة وسريعة، وزوايا تصوير استثنائية، وحوار سريع ومركز، إضافة إلى المونتاج الحاد السريع والنابض بالحركة.. وهذا بالطبع شيء مربك لعين المتفرج، هذا المتفرج الذي أصر على عدم الفهم.

وفي مرحلته الأخيرة، أو في أفلامه الأخيرة على أصح تعبير قرر يوسف شاهين أن يقدم ما يريده هو، دون اهتمام قصدي إن كان جمهوره سيعي أو سيتواصل مع ما يقدمه، وهذا بالطبع حق مشروع لأي فنان، حيث إن ارتفاع مستوى الجمهور الثقافي والفني أو عدمه، يُفترض أن لا يكون عائقاً أمام أي فنان يسعى إلى التجديد، وبالتالي ليس على الفنان أن يتوقف عن إطلاق الحرية لخياله وأفكاره، لمجرد أن هناك متفرجاً/متلقياً لم يتطور أو حتى لم يحاول الارتقاء بفهمه واستيعابه للفن المتجدد. وهذه بالفعل معضلة اختلف حولها الكثيرون، ومن بينهم مَنْ اختلف مع يوسف شاهين واتهمه بالتعالي وعدم الاهتمام بقضايا الجماهير.

ولم يكن رصدنا السابق، لمسيرة يوسف شاهين، إلا رداً وتذكيراً لهؤلاء، إذ إن هذا المخرج لم يتناسَ قط قضايا المجتمع، سياسية كانت أو اجتماعية، بل قدمها بشكل جريء وصارخ لم يسبقه إليه أحد. ثم هل الفنان مطالب بالرضوخ لرغبات الجمهور، وتقديم ما يريده هذا الجمهور؟ أم إن العكس هو الصحيح؟ شخصياً، أعتقد بأن هذا إجحاف بحق الفن والفنانين بشكل عام.

الوطن البحرينية في 28 يوليو 2008

 
 

بعد ستة أسابيع أمضاها في غيبوبة

السينما العربية تودع أشهر مخرجيها... يوسف شاهين

الوسط - المحرر الفني 

أعلن مكتب المخرج السينمائي المصري يوسف شاهين أمس (الأحد) خبر وفاته عن 82 عاما بعد ستة أسابيع أمضاها في غيبوبة. وكان شاهين الذي يشتهر بسلسلة أفلامه المرتبطة بمدينة الإسكندرية أصيب بنزيف في المخ في يونيو/ حزيران وأمضى عدة أسابيع في مستشفى في باريس قبل عودته إلى القاهرة قبل عشرة أيام.

وكانت آخر أفلام شاهين فيلم «هي فوضى» والذي عرض في دور السينما في وقت سابق من العام الجاري إلا أن تلميذه المخرج السينمائي خالد يوسف أكمل إخراج الفيلم لمرض شاهين.

وأخرج شاهين الذي يتحدث الفرنسية أكثر من 25 فيلما أولها في العام 1950. وفي العام 1997 حصل على جائزة عن مجمل أعماله في مهرجان كان السينمائي.

يذكر أن مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي قد أعلن وقبل نبأ الوفاة عن تخصيص ندوته الرئيسية للاحتفاء بالمخرج المصري الكبير يوسف شاهين.

ولد يوسف جبريل شاهين بالإسكندرية وحصل على الابتدائية من مدارس الفرير ثم انتقل إلى مدرسة فيكتوريا وحصل منها على شهادة الثانوية العامة وسافر إلى الولايات المتحدة حيث درس فنون المسرح والسينما في معهد باسادينا بلايهاوس لمدة عامين وأعطاه رائد التصوير ألفيس أورفانيللي الفرصة الأولى لدخول عالم السينما وأخرج شاهين فيلمه الأول «بابا أمين» في العام 1949 وعمره 23 عاما.

وقدم شاهين للسينما المصرية كل أنواع الأفلام، فقدم سيرته الذاتية في أفلام «إسكندرية ليه» و»إسكندرية كمان وكمان» و»حدوتة مصرية» و»إسكندرية نيويورك»، كما قدم أفلاما تاريخية هي «الناصر صلاح الدين» و»وداعا بونابرت» و»المهاجر» و»المصير»، بالإضافة إلى أفلام غنائية واستعراضية لفريد الأطرش وشادية وليلي مراد وفيروز وماجدة الرومي ولطيفة، كما اجتذب النجمة العالمية داليدا إلى السينما المصرية في فيلم «اليوم السادس».

وقدم المخرج الكبير عددا كبيرا من علامات السينما المصرية بينها «باب الحديد» و»صراع في الوادي» وكانت له رؤية سياسية واضحة في أفلام الأرض» و»العصفور» و»الاختيار» و»عودة الابن الضال» و»جميلة بوحريد» وآخر أعماله «هي فوضى» الذي أثار جدلا كبيرا. وحصد شاهين العديد من الجوائز المحلية والعالمية منها التانيت الذهبي في مهرجان قرطاج 1970 عن مجمل أعماله وجائزة الدب الفضي لمهرجان برلين 1979 وفي عام 1994 حصل على جائزة الدولة التقديرية وفي عام 1997 حصل على جائزة مهرجان كان في عيده الخمسين عن مجمل أعماله.

نحن هنا أمام فنان كبير، مثير للنقاش وللجدل، مصطحبا ضجة مع كل فيلم جديد يقدمه... والحديث عن يوسف شاهين يطول، فهو كفنان يشكل حالة خاصة ونادرة في السينما المصرية، بل والعربية بشكل عام... وهو الفنان الباحث دوما عن أسلوب جديد وصياغة مختلفة لأفكار ومفاهيم يبدو عادية ومتداولة.

الوسط البحرينية في 28 يوليو 2008

 

نيكولا ساركوزي - الرئيس الفرنسي

إنّ موهبة يوسف شاهين سمحت له بتطوير أشكال مختلفة للتعبير الفني وولوج كلّ أنواع الأفلام، الأفلام التي تتناول السير الذاتية واستعادة التاريخ وأيضاً الاستعراضية. فكان مفكراً وصاحب استقلالية كبيرة وهو مدافع كبير عن تزاوج الثقافات.

الوسط البحرينية في 28 يوليو 2008

 
 

شجاعة نادرة ورؤية عميقة أثرت في السينما العربية

يوسف شاهين.. من الإسكندرية إلى العالمية

القاهرة - وكالات الانباء:  عن عمر جاوز الثانية والثمانين عاما، رحل عن دنيانا المخرج المصري الكبير يوسف شاهين بعد صراع لم يطل مع المرض. وأعلن مستشفى المعادي للقوات المسلحة في القاهرة صباح أمس وفاة شاهين الذي أثرى السينما المصرية بعشرات الأعمال الفنية المتميزة. ولد يوسف شاهين يوم 25 يناير 1926 في منزل المحامي جبريل شاهين الذي لم يكن محاميا كبيرا لكنه كان يعمل بصورة جدية على توفير الحياة الكريمة لأسرته والذي كان بيته محفلا متواصلا من تعايش الثقافات وصراعها على مفترق الحياة الشعبية المصرية وأحياء الإيطاليين واليونانيين في الإسكندرية. وأثرت حصة التعليم الفرنسية التي حصل عليها شاهين الابن في مدرسة «الفرير« وبعد ذلك الإنجليزية في مدرسة «كلية فكتوريا« الأرقى في الشرق الأوسط بأسره على تفكير والتكوين الثقافي للمخرج الكبير في تلك السنوات.

وبدأ وعي شاهين بالتفتح وبالتناقض في الوقت ذاته في سن الثالثة عشرة فبينما يلقنه المدرسون الإنجليز في «كلية فكتوريا« دروسا حول الصراع بين قوى الخير والشر ودفاع بريطانيا والولايات المتحدة عن الحضارة والمدنية وبين أحاديث الشارع المتلهفة لرؤية المستعمر في أنياب الجيش النازي وحوارات الأب الذي يتحدث عن الاقتصاد وحقوق الانسان والأقليات بدأ موقفه في التشكل بين متحمس لكل هذه الأفكار ولا مبال بها كلها. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 حصل شاهين على منحة للسفر إلى الولايات المتحدة لدراسة السينما وكانت أمريكا هي جنة شاهين في الأرض وجحيمه ولكن التجربة لم تكن كافية لجعله ينضج بالدرجة التي تجعله أكثر اتزانا مع نفسه ومع ذاكرته. ولدى عودته وجد شاهين الفرصة منذ البداية ربما لأنه هبط بالمظلة الأمريكية على صناعة السينما في مصر التي كانت تعتمد على عقلية الهواية وروح المغامرة بينما أتى يوسف شاهين بكثير من المعرفة منحته فرصة تقديم أول أفلامه «بابا أمين« سنة .1950 لم يكن الفيلم مميزا لكنه قياسا بتلك المرحلة اعتبر جيدا إلى حد ما وأرضى المنتجين لكن روح شاهين المندفعة جعلته يقتحم عالما غريبا عليه في تجربته مع الريف المصري في فيلم «ابن النيل« سنة 1951 ولولا أن الفيلم اختير للمشاركة في بعض المهرجانات لما صمد في ذاكرة السينما. لكن الريف حضر بقوة في فيلمه «صراع في الوادي« الذي يعد البداية الحقيقية لشاهين المخرج المتفوق في مهنيته ومعرفته. وبعد ذلك بدأ مسيرته كفنان مجنون مع فيلم «صراع في الميناء« في مجال إدارة الممثلين فمن كان يتصور أن تظهر فاتن حمامة البريئة في عيون الملايين بتلك الصورة اللعوب وأن يظهر في المقابل عمر الشريف في دور الساذج الشعبي الممتلئ بالحيوية. وكان التمثيل الحلم المعلن ليوسف شاهين الذي بدأ بقوة على المستوى الفني مع فيلم «باب الحديد« الذي سقط جماهيريا لان شاهين لم يكن يمتلك مقومات الفتى الأول في حين تراجع دور فريد شوقي أمامه وبالتالي لم يقتنع الناس ولكن الجمهور الأوروبي اقتنع تماما لدرجة أنه لم يصدق أن شاهين ليس أعرج وفقد شاهين جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان لهذا السبب لأن لجنة التحكيم شككت في أنه ليس أعرج. وبعد «باب الحديد« بدأ الوسط الفني ينظر إلى شاهين بمثابة الخارج على المألوف في صناعة السينما كلها وبقي شاهين يسير داخل حقل ألغام يتمثل في مؤسسة السينما والرقابة المفروضة عليها ليجد نفسه في مواجهة تصاعدت فيلما بعد آخر حتى وصلت الى فيلم «الناصر صلاح الدين« سنة 1963 الذي تدخلت الرقابة في اسمه لتربط بينه وبين جمال عبد الناصر. ومع فيلم «فجر يوم جديد« وصل شاهين إلى نقطة اللاعودة مع المؤسسة فمعالجته لفكرة التسلط جعلت الجمهور يربط بين العمل وسياسات عبد الناصر مما دفعه للمغادرة إلى لبنان عام 1954 ليس هربا من الحرب كما فعل كثيرون ولكن ليتمكن من الاحتفاظ بشروطه في العمل.

وفي بيروت وجد فرصة نادرة ليصنع أهم أفلام فيروز «بياع الخواتم« ومع أن فيروز ونصري شمس الدين كانا ممثلين متواضعين إلا أن كاميرا شاهين قالت كل شيء في فيلم طالما اعتقده الناس فيلما غنائيا فقط، وإن كان في رأي فريق من النقاد أهم فيلم غنائي في تاريخ السينما العربية. عاد شاهين إلى مصر في الوقت الذي كان عشرات الممثلين والمخرجين والفنيين يسافرون إلى لبنان وسوريا ليقدم مجموعة من أهم أفلامه مثل «الاختيار« و«الأرض« و«العصفور« قبل حرب 1973 ليغادر على خلفية فيلم أسيء تأويله من قبل الرقابة أيضا للمرة الثانية حتى يصادف الرئيس الراحل أنور السادات في واحدة من الحفلات ليطلب منه شخصيا العودة إلى مصر. وسجل شاهين هذه العودة مع فيلم «عودة الابن الضال« الذي اعتمد على قصة إنجيلية تعمد شاهين أن يضيف عليها أجواء شكسبير وهاملت تحديدا فالعودة كانت مشروطة بفجر يوم جديد وإن تطلب ذلك الخراب والفوضى والتخلص من الرجس والتطهر. في عام 1978 بدأ شاهين تجربة سيرته الذاتية من خلال «حدوتة مصرية« وما تلاها من أفلام وحصل بعدها عام 1984 على منحة فرنسية لتقديم فيلم عن الحملة الفرنسية على مصر «وداعا بونابرت« ورغم ما أثاره الفيلم من جدل حول استسلام شاهين لشروط التمويل ورؤيته المختلفة للحملة الفرنسية ، فإن ما بقي من كل ذلك الجدل هو عبقرية شاهين في إدارة المشاهد. وتمكن الراحل في الفيلم من تصوير بعض دقائق سينمائية لثورة القاهرة ضد بونابرت في ستة أماكن مختلفة وأثناء يوم واحد وظهرت كل هذه المشاهد كمشهد واحد متصل ومتتابع من دون أي اضطراب وهو ما يعد معجزة بمقاييس تلك المرحلة. وتواصلت أعمال شاهين ولكن مع فترات توقف كبيرة يستغرقها التحضير لكل فيلم وفي كل فيلم حضرت قضية خاصة وإشكالية جديدة ففي «اليوم السادس« 1986 حضر سؤال الوعي الاجتماعي وقبول الآخر الذي يظهر في محنة الكوليرا عن رواية رائعة للفرنسية من أصل مصري أندريه شديد وسط حضور للمطربة العالمية داليدا ليكون الفيلم بمثابة أغنيتها الأخيرة. ومع نهاية الثمانينيات قدم شاهين فيلم «اسكندرية كمان وكمان« الذي عاد فيه إلى مدينته وناقش قضية الأصالة والمعاصرة من خلال سيرة المدينة التي كانت تتأرجح بين التاريخ والمستقبل كما أثيرت جدليات واسعة حول أفلام «المهاجر« و«المصير« و«الآخر« و«سكوت ح نصور« التي ركزت بصور مختلفة على التسامح والانفتاح في مواجهة الإرهاب والتطرف.

وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 تغيرت رؤية شاهين وامتلك الشجاعة ليعترف بذلك وهو في الخامسة والسبعين من العمر حيث بدأ يعيد تقييم رؤيته لأمريكا ويحاكمها في فيلم «اسكندرية نيويورك« الذي يعد الجزء الرابع من سيرته الذاتية وكما تغيرت رؤيته لأمريكا تغيرت أيضا لمصر وأتى فيلم «هي فوضى« ليعلن جولة جديدة من الصراع بينه وبين السلطة بعد استشرافه لتحولات اجتماعية وثورة قادمة وفق رؤيته الشخصية. ولاشك أن يوسف شاهين المخرج العربي الأوسع شهرة والأكثر تواجدا وواحد من أهم مخرجي العالم. وحصل الراحل على الجائزة الذهبية في الدورة الخمسين لمهرجا كان السينمائي الدولي ووقف كل الحضور في تصفيق متواصل اقترب من الثماني دقائق وهو ما لم يحدث أبدا في مهرجان كان.

أخبار الخليج البحرينية في 28 يوليو 2008

 

رحيل يوسف شاهين الثوري الواعي

بقلم: رياض ابوعواد

منذ بداياته عمل المخرج المصري العالمي يوسف شاهين الذي توفي عن 82 عاما أمس على سينما مختلفة عن السينما السائدة مانحا ذاته الإبداعية لهموم المواطن والوطن. ورغم اختلاف وجهات نظر النقاد والمخرجين حول السينما التي قدمها في سنواته الأخيرة فان الجميع يتفق على ان شاهين هو الذي أوصل السينما المصرية الى العالمية واحتفاء مهرجان كان به ومنحه جائزته في الذكرى الخمسين لتأسيسه دليل على ذلك. يقول الفنان نور الشريف الذي عمل معه في «حدوته مصرية« و«المصير« و«11 سبتمبر« ان «أفضل ما يمكن قوله لوصف تجربة شاهين قبل أفلامه (العصفور) و«الأرض« بأنه ثوري شيطاني كما عبرت عنه أفلامه الأولى من دون اية إبعاد تنظيرية (..) لديه احساس مبكر بتلمس هموم الوطن والمواطنين«. ويضيف نور الشريف «كان وعيه المبكر بهذه الهموم مدهشا فمثلا فيلم (نداء العشاق) كان يحمل دعوة مبكرة للحفاظ على عمال المصانع وتوفير التامين الصناعي الذي لم يكن مطروحا في تلك الفترة في الواقع المصري«. وكان شاهين كذلك مهتما «بالصراع العربي الصهيوني من خلال الاسترجاع التاريخي للحروب الصليبية في فيلم «الناصر صلاح الدين« والصراع ضد الاستعمار كما في «جميلة بوحيرد« الا ان وعيه حقق قفزه جديدة بعد «الأرض« و«العصفور« اثر احتكاكه وتعامله مع قادة الفكر الاشتراكي في مصر مثل عبدالرحمن الشرقاوي ولطفي الخولي«. وشاهين لا يمكن ان تراه باي شكل من الإشكال مواليا للنظام السياسي الحاكم او للرأسمالية او الإقطاع او ظلم الإنسان للإنسان وهو ما عبرت عنه أفلامه الـ 33 بدءا من عام 1949 مع فيلم «بابا أمين«. فهو «حارب الإقطاع في + صراع في الوادي + والراسماليه في + صراع في الميناء + وكان التزامه نابعا من موقف أخلاقي أنساني أكثر منه بعد إيديولوجي«، كما يؤكد المخرج داود عبدالسيد الذي عمل معه مساعدا في فيلم «الأرض« احد علامات السينما المصرية المميزة واحد 12 فيلما ليوسف شاهين اختيرت من بين أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية. ويرى داود عبدالسيد ان «شاهين لم يدخل في صراع مباشر مع الدولة لكنه كان يتطرق إلى ملامح إنسانية مفقودة بسبب الظلم الواقع على الإنسان وهذا نابع من تجربته كرجل جاء اهله من لبنان وولد وعاش في مدينة كوزموبوليتية شهدت بدايات وعيه وسط جاليات اوروبية ودرس في مدرسة مختلطة وأتقن الفرنسية والانكليزية«. ويضيف «رغم سقف الحرية المنخفض وأجواء الرقابة المتشددة استطاع شاهين اختيار اللحظة التي توافق فيها الدولة على تصوير أفلام متميزة مثل «الأرض« لأنها كانت تستجيب في تلك الفترة لرغبة الدولة التي بدأت مشروع الإصلاح الزراعي ومواجهة الإقطاع«. ويعتبر داود السيد ان ذلك «ينطبق أيضا على فيلمه الرائع +النيل والناس+ الذي يصور انتصار الإنسان على النهر بتشييد السد العالي والعلاقات الروسية المصرية وهو توجه كانت توافق عليه الدولة«. والى جانب الموقف السياسي والاجتماعي والاقتصادي حارب شاهين بشجاعة التطرف الديني ورفضه في أكثر من فيلم. وتشير الناقدة علا الشافعي الى ان «شاهين اخذ على عاتقه بصورة مبكرة مواجهة التطرف الديني وكشف الدور العالمي في تشجيع هذه الظاهرة في عدد من أفلامه مثل «المصير« و«الأخرس«. هذه الاهتمامات الإنسانية والاجتماعية والسياسية مزجها شاهين في أفلام سيرته الذاتية الأربعة خصوصا فيلم «إسكندرية ليه« الذي صور أوضاع مصر قبل ثورة 23 يوليو .1952 فقام بتصوير الحراك الاجتماعي فيها ودور الحركة الشيوعية في المجتمع وتأثيرها إلى جانب تأثير الحرب العالمية الثانية ودور النازية وتأثير ذلك على اليهود المصريين وهجرة إعداد كبيرة منهم تخوفا من وصول النازيين إلى مصر. واستكمل ذلك في فيلم «إسكندرية كمان وكمان« الذي صور مقاومة الاحتلال البريطاني مرورا بفيلم «حدوته مصرية« وصولا إلى إدانته للسياسة الأمريكية وقطيعته معها في آخر هذه الأفلام «إسكندرية نيويورك«. وجاء آخر أفلامه الذي أخرجه تلميذه خالد يوسف «هي فوضى« ليعبر عن رفضه لما يجري في الواقع المصري من خلال تصويره للفساد والقمع البوليسي وتحيزه لصالح الجمهور وسيادة القانون الذي يراعي الإنسان وحقوقه. وهو الفيلم الذي قال شاهين في لقاء مع فرانس برس انه «يسعى من خلاله لتأكيد حق الإنسان بالعيش بكرامة في بلاده ورفض انتشار رجال الأمن في كل مكان رغبة من النظام ببث حالة من الرعب والخوف حيث يقوم مئات من الأمن المركزي بمحاصرة بضع عشرات من المتظاهرين الواقفين على باب نقابة الصحافيين«. واستطاع صاحب أهم مدرسة سينمائية عربية خرجت العديد من المخرجين اللامعين مثل داود عبدالسيد ويسري نصر الله وعلي خان ومجدي احمد علي وخالد يوسف، ومن الممثلين مثل عمر الشريف وخالد نبوي ومحسن محي الدين وهاني سلامة وروبي واخرين ان يعلم جيلا قدم أفضل ما أنتجته السينما المصرية. وهو كما تصفه يسرا التي عملت معه في خمسة أفلام أولها «حدوته مصرية« في عام 1982 ثم «المهاجر« وصولا الى «إسكندرية نيويورك«، «أسطورة غير متكررة في السينما العربية والعالمية«. وتقول يسرا لفرانس برس ان «تاثيراته لا يستطيع احد ان ينكرها محليا وعالميا«، مشيرة إلى «القيمة الإنسانية التي يمثلها شاهين الذي يؤسس لعلاقات عائلية بين العاملين معه ويخلق أجواءا تدفع الجميع الى التعامل كاسرة واحدة يحبون بعضهم بعضا ويحملون همومهم المشتركة«. وتؤكد الفنانة ليلى علوى ذلك بقولها «استفدت منه ليس على الصعيد العملي فقط في فيلم المصير بل من الناحية الإنسانية فهو من القلائل الذين يفهمون العمق الداخلي للإنسان والفنان وقدم لي إجابات على أسئلة كثيرة تجول في داخلي كنت بحاجة الى التأكيد عليها«.

"العصفور" أوقف عنه دعم الدولة

يوسف شاهين صاحب المدرسة السينمائية الأهم عربيا

ترك المخرج السينمائي المصري يوسف شاهين صاحب المدرسة السينمائية الأهم في العالم العربي الذي توفي أمس عن 82 عاما أعمالا ملتزمة سياسيا واجتماعيا اتخذت من مصر خلفية عامة لها. ولد يوسف جبريل شاهين عام 1926 في الإسكندرية (شمال مصر) وهو من عائلة لبنانية انتقلت للعيش في مصر في نهاية القرن التاسع عشر. وبعد دراسته الابتدائية والثانوية في الاسكندرية انتقل الى كاليفورنيا في الولايات المتحدة حيث درس صناعة الأفلام والفنون المسرحية. عاد شاهين إلى مصر منارة السينما العربية حينها وعمل مساعدا للمصور السينمائي الفيز اورفانالي الذي مهد لفرصته الأولى في الإخراج مع فيلمه الأول «بابا امين«. وبدأ تصوير الفيلم عام 1949 وعرض في العام التالي 1950 ولم يكن شاهين قد تجاوز الثالثة والعشرين. وبعد عام على ذلك استطاع ان يشارك بفيلمه الثاني «ابن النيل« في مهرجان كان للسينما مطلقا شهرته كمخرج يفارق اللغة السينمائية المصرية المعروفة في حينها. عندها بدأت انطلاقته التجريبية التي لم تتوقف طوال حياته الفنية التي امتدت ما يقارب 60 عاما. ويرى نقاد ان استمرار تجربة يوسف شاهين السينمائية لم تتوقف بسبب مواقفه الاجتماعية والسياسية الواضحة التي عبرت عنها أفلامه. ويقول الناقد السينمائي كمال رمزي «استطاع شاهين خلال ذلك ان يشكل أهم وأوسع مدرسة سينمائية في مصر، كانت مدرسة تعليمية حقيقية أثرت في عدد كبير من المخرجين الذين عملوا معه في أفلامه واستفادوا منه كل بطريقته«. وقد تتلمذ على يديه العديد من المخرجين مثل يسري نصرالله والراحل رضوان الكاشف وعلي بدرخان وخالد الحجر وخالد يوسف ومجدي احمد علي وعماد البهات. ويعتبر المخرج داود عبدالسيد الذي عمل مع شاهين مساعد مخرج في فيلم «الأرض« وهو من العلامات المميزة في السينما المصرية ان «أهمية شاهين تنبع من انه شكل مدرسة حقيقية مباشرة وله تلامذته الذين تعلموا منه« موضحا «شكل أهم مدرسة إنتاجية حيث خرج أهم المنتجين في السينما المصرية«. وكذلك قدم شاهين وجوها هامة في السينما المصرية أهمها الفنان الذي وصل إلى العالمية عمر الشريف عندما اختاره للمرة الأولى للوقوف إمام فاتن حمامة في فيلم «صراع في الوادي«. وقدم عدد كبير من نجوم السينما المصرية أفضل إبداعاتهم في أفلامه وأصبح عدد منهم من أبطال الأفلام التي اختيرت من ضمن أهم مائة فيلم مصري خلال مائة عام. ومن أبرزهم الفنان محمود المليجي الذي قدم أفضل أدواره في السينما المصرية في فيلم «الأرض« وكذلك فاتن حمامة التي قدمت أفضل أدوارها معه في فيلم «صراع الوادي« ويسرا في فيلم «المهاجر« و«حدوتة مصرية« والراحل احمد زكي في فيلم «إسكندرية ليه« إلى جانب محسن محي الدين ونور الشريف في «المصير« و«عودة الابن الضال«. هذه المسيرة والرحلة الطويلة التي أمضاها في السينما المصرية قرابة ستين عاما استطاع شاهين خلالها ان يفرض ثقله الفني والإبداعي بشكل لا لبس فيه فلا يمكن لأحد محليا أو عالميا ان يتطرق للسينما العربية من دون ان تكون تجربة شاهين في مقدمتها. وظهر ذلك بشكل واضح عندما قام النقاد السينمائيون المصريون باختيار عشرة من أفلامه من بين أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية بمناسبة مرور مائة عام على انطلاقتها. وهو احد السينمائيين القلائل الذين اعتمدوا على أنفسهم في تمويل أفلامهم خصوصا بعد توقف دعم الدولة له اثر فيلم «العصفور« الذي هاجم فيه الدولة متهما إياها بالتسبب بهزيمة يونيو .1967 فأسس شركته وعمل على الإنتاج المشترك لتمويل أفلامه خصوصا مع منتجين فرنسيين. وحصل شاهين خلال رحلته الفنية على العديد من الجوائز من أهمها ذهبية مهرجان قرطاج السينمائي التونسي عام 1970 وجائزة الدب الفضي في برلين عن فيلمه «إسكندرية ليه« عام 1978 وهذا الفيلم هو أول أفلام سيرته الذاتية التي قدمها بأربعة أفلام إلى جانبه أفلام «حدوتة مصرية« و«إسكندرية كمان وكمان« و«إسكندرية نيويورك«. وتوج عمله بفوزه بجائزة اليوبيل الذهبي لمهرجان كان للسينما في عام 1997 عن مجمل اعماله. ومنحته الحكومة الفرنسية وسام شرف من رتبة فارس عام .2006

عمالقة السينما تخرجوا من مدرسة شاهين

قال مكتب المخرج السينمائي المصري يوسف شاهين أمس إن شاهين توفي عن 82 عاما بعد ستة أسابيع أمضاها في غيبوبة. وكان شاهين الذي يشتهر بسلسلة أفلامه المرتبطة بمدينة الاسكندرية قد أصيب بنزيف في المخ في يونيو وأمضى عدة أسابيع في مستشفى في باريس قبل عودته إلى القاهرة قبل عشرة أيام. وكانت آخر أفلام شاهين فيلم (هي فوضى) الذي عرض في دور السينما في وقت سابق من العام الحالي إلا أن تلميذه المخرج السينمائي خالد يوسف أكمل إخراج الفيلم لمرض شاهين. وقال الناقد السينمائي طارق الشناوي إن شاهين وضع نهجا يسير عليها المخرجون المصريون. وأضاف «كان الأستاذ. عندما ترى أسماء أولئك الذين عملوا معه.. يمكنك القول إن عمالقة السينما المصرية تخرجوا من أكاديمية يوسف شاهين.. طيلة 60 عاما كان أضخم عنوان في السينما المصرية وظل يتنفس السينما حتى آخر لحظة.. عاش يوسف شاهين من أجل السينما فقط«. وقال الناقد أحمد يوسف إن السينما المصرية من دون يوسف شاهين فقدت الكثير من اللمسات الخاصة وفقدت إسهامها في السينما العالمية. وأشار إلى أنه كان جزءا من سياق كانت السينما المصرية تبحث فيه عن ذاتها. وأشادت المخرجة المصرية أسماء البكري بشاهين بوصفه مخرجا نشطا. وقالت «لقد لعب دورا كبيرا في السينما وحقق انتشارا للسينما المصرية في الخارج«. وأضافت «نحن تلاميذه.. أحببناه لأننا أيدنا مواقفه دوما«. في إشارة إلى تعاطف شاهين مع الحركات المعارضة. وفي الأعوام الأخيرة أبدى شاهين تأييده لحركة كفاية التي عارضت إعادة انتخاب الرئيس حسني مبارك في عام .2005 وأخرج شاهين الذي يتحدث الفرنسية أكثر من 25 فيلما أولها عام .1950 وفي عام 1997 حصل على جائزة عن مجمل أعماله في مهرجان كان السينمائي. وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إن السينما «فقدت واحدا من أشهر خدامها«. وأضاف «إنه مرتبط كثيرا بمصره.. ولكنه منفتح على العالم.. سعى يوسف شاهين من خلال عمله وحياته - عبر أفلامه - للتنديد بالرقابة والتشدد والأصولية«. وينتمي شاهين لطائفة الروم الكاثوليك. وولد يوم 25 يناير 1926 ودرس بكلية فيكتوريا بمدينة الاسكندرية قبل أن يتوجه إلى الولايات المتحدة لدراسة الإخراج السينمائي بكاليفورنيا ثم عاد إلى مصر عام 1950 حيث أخرج مباشرة أول أفلامه (بابا أمين) من دون أن يعمل مساعدا كما جرت العادة في كثير من الأحيان. ويشيع جثمان يوسف شاهين غدا في كاتدرائية الروم الكاثوليك بحي الضاهر في القاهرة.

أخبار الخليج البحرينية في 28 يوليو 2008

 
 

... ورحل يوسف شاهين... راهب السينما العربية

ابن النيل ينقطع عن الفيضان

القاهرة – الجريدة

رحل يوسف شاهين المخرج العربي الذي صار واحدا من أهم مئة فنان سينمائي عرفهم العالم خلال نصف قرن، والذي أثارت شخصيته وأفلامه براكين من الجدل الذي لم تتوقف حممه عن التصاعد إلى عنان السماء على مدى أكثر من نصف قرن.

كان شاهين أول من تجرأ على مناقشة قضايا الاقطاع والبيروقراطية الاشتراكية وهزيمة يونيو، وصاحب أول أسبوع أفلام يقام لمخرج مصري وكان ذلك بباريس، وأول مخرج مصري يحصل على جائزة دولية وكانت الجائزة الذهبية الكبرى للمهرجان الدولي الثالث للأفلام التسجيلية والسينمائية بقرطاج عام 70 عن فيلمه «الاختيار». واشتهر في العالم الشرقي عندما قدم فيلمه «جميلة» واعترف العالم به كمخرج عالمي بعد فيلمه «الأرض» عام 1970.

قالوا عنه «فنان... غامض... متهور... عصبي... يتعارك مع الهواء الذي يستنشقه ويعذب من يعمل معه.

وقالوا أيضا: فنان متمكن يدرك ما يقوله وما يفعله، و يعرف جيدا كيف يصنع سينما.

أفلامه هل كانت لغزا؟ وهل عجز فعلا عن حل المعادلة الصعبة بتقديم أفلام تجمع بين الرؤية الفنية العالية المستوى المختلفة عن السائد والمتداول، وأن تكون جماهيرية في الوقت ذاته.

أضواء

ولد شاهين في الإسكندرية في يناير من عام 1926 لعائلة متوسطة، كان والده محاميا لم يلتفت إليه أحد إلا عندما كرمه في أول أفلامه «بابا أمين» ثم في أعماله التي تناول فيها سيرته الذاتية.

كان قد درس في كلية فيكتوريا بالإسكندرية والتي تعلم فيها اللغة الإنكليزية وأتقنها مع لغات عديدة كما جاء على لسانه بفيلمه «إسكندرية كمان وكمان».

تمنى والده أن يكون مهندسا، لكنه بعد أقل من عام ترك دراسته وسافر إلى أميركا لدراسة السينما في كاليفورنيا، وقدم أول أفلامه وعمره 24 عاما.

الإسكندرية لم تكن بالنسبة له موطنا نشأ فيه فقط ولم تكن عشقه الخاص فحسب، ولكنها كانت «البوتقة» التي ساهمت في تشكيل فكره ووجدانه أيضا، ففيها عاش وسط تعددية طائفية ودينية، مما أكسب روحه ووجدانه قدرا من التفهم للآخر، الإسكندرية بكل ما فيها علمته التسامح الاجتماعي والعرقي، وذلك أكثر ما ميز هذه المدينة الساحرة حتى الأربعينيات من القرن الماضي.

وقد تنقلت أفلامه بين اللوحات التاريخية والدراما النفسية، وكان للسياسة نصيب الأسد، لذا كانت إبداعاته وستظل مثيرة للجدل والاختلاف، المعرفة لديه ليس لها حدود ولا قومية ولا جغرافية ولا دين، كان يؤمن بأن أي حضارة لا تستطيع أن تحتكر المعرفة لأنها تتجاوز كل شيء، وهذا هو سر الجملة الختامية في فيلم «المصير»... «للفكر أجنحة لا أحد يستطيع أن يوقف طيران الأفكار».

شخوص أفلامه معظمها نماذج من فقراء المدينة، وعينات من القاع، وقد اهتم دوما برصد أوجاعهم وأحلامهم أيضا ويقول شاهين في أحد حواراته: «لقد درست أحاسيس الناس في تلك الفترة، ووجدت القصة مناسبة لما أريد أن أقوله، فأفلامي ليست من فراغ فأنا أسأل الناس وأستخدم إجاباتهم في التعبير عن أفلامي، ليس مهما أن تحكي السينما حكاية مسلية للناس، المهم أن تغير في واقع حياتهم وأن تعبر عنهم بقدر استطاعتك».

الراقص على جمر الفن

الرقص بالنسبة ليوسف شاهين كان فلسفة وحياة مثل زوربا اليوناني وكان اهتمامه بوجود رقصات في أفلام يوسف شاهين تعبيرا عن الحالة الدرامية لأبطاله، وشاهين منذ أن كان طالبا في فيكتوريا كوليدج بالإسكندرية، عاشق للرقص، وهو ما شاهدناه في سيرته الذاتية في فيلم «إسكندرية ليه»، فالرقص بالنسبة للمخرج العالمي عشقه الحقيقي.

مصمم الرقصات وليد عوني، يقول: «عملت مع شاهين في فيلمي «المهاجر» و«المصير»، والرقص لدى شاهين يحمل العديد من الدلالات والمعاني وهو ضرورة وليس تكميليا أو ديكورا أو على طريقة الفوازير غير مرغوب فيه، مثلما يحدث في أفلام أخرى»، ويقول عوني: إن «الأصل لدى شاهين ليس احترافا للرقص، بل امتلاكه أذنا موسيقية شديدة الحساسية، تمتلك أدوات النوتة الموسيقية، لذلك فهو يستطيع تصميم الرقصات بعبقرية فريدة، إضافة إلى توجيهاته للراقصين، وامتلاكه كمخرج لأدوات تجعله يحدد جيدا الهدف والطريقة لأداء الرقصة».

ويضيف «عندما عملت معه لم يتدخل في عملي، إلا في حدود توظيف الرقصة مع كادرات السينما، وتغيير الحركات حسب الكاميرا، ولن أنسى أبدا أن أذنه الموسيقية، جعلته يوجه محمد منير في فيلم «المصير» كيف يكون إحساسه بأغنيته، وكيف تخرج من حنجرته، وكلنا يعلم أن منير فنان قدير، ودائماً ما يوجه شاهين كل من يعمل معه، سواء مطربين أو ملحنين مثل محمد نوح وعمر خيرت ولطيفة».

«هاملت»... اللغز الأكبر في حياة شاهين

«هاملت» لوليام شكسبير من أكثر الشخصيات التي عشقها يوسف شاهين وكان يحلم بتجسيدها وتحولت إلى ظل لمعظم شخصيات أبطاله، ليس ذلك فقط بل إنه كتب سيناريو عنه برؤية معاصرة وهو السيناريو الذي أعاد شاهين كتابته أكثر من 20 مرة وكان يحلم أن يجسدها محسن محيى الدين نجمه المفضل ومن بعده أحمد يحيى الذي جسد دور البطولة في «إسكندرية - نيويورك» والمفارقة أنه رغم كل هذا العشق لهاملت فإن شاهين كان يؤجل تنفيذ المشروع، فهل كان يخشى مواجهة هاملت؟ خصوصاً أنه يملك نفس التركيبة النفسية المعقدة.

في أحد حواراته السابقة قال شاهين: «أنا 14 شخصية في بعض».

الناقد المسرحي الدكتور أحمد سخسوخ أكد أن شاهين كان مغرما بشخصية «هاملت»، وتجلى ذلك في بعض أفلامه مثل «إسكندرية ليه» و«إسكندرية كمان»، لأنه بدأ حياته ممثلاً وعشق التمثيل خصوصا أداء دور هاملت، الذي كان يؤديه دائما في «جامعة فيكتوريا» في الإسكندرية، والتشابه بين شخصية هاملت وشاهين أن الاثنين يتميزان بالعقلانية، لذلك حفرت شخصية هاملت داخل وجدان شاهين، وظل يجسدها سنوات طويلة.

استشاري علم النفس أحمد عبدالله، يقول إن وجه التشابه بين شخصية يوسف شاهين و«هاملت» هي العلاقة المركبة والصراع الدائم مع رمز الأب والأم، وهذا ما قدمه في أفلامه «حدوتة مصرية» و«إسكندرية ليه» و«إسكندرية كمان وكمان» وهذا الصراع موجود في شخصية «هاملت» وأعتقد أن هذا هو السبب في اهتمام شاهين بهاملت، إذ كان دائم الصراع مع شخصية والده التي كانت متمثلة في جميع أفلامه عن السيرة الذاتية في شخصية محمود المليجي، فهو كان دائماً الأب الذي ينتقده أحياناً ويفتقده أحياناً أخرى.

نبوءة

يوسف شاهين حالة خاصة في السينما المصرية، فهو من القلائل الذين لديهم وجهة نظر منذ الخمسينيات حتى النكسة، وفي السبعينيات أخذ ينفتح على عالم السياسة كما في فيلم «الأرض» الذي يعتبر بمنزلة علامة فارقة بين مرحلتين، ثم توالت أعماله التي اتسمت بالرحابة وكانت أكثر فهما للواقع واستشرافا للمستقبل.

أفلامه حملت وجهات نظر سياسية أثارت الكثير من الجدل كما في «المصير» و«المهاجر»، أما فيلمه «عودة الابن الضال» فقد كان أقرب إلى النبوءة عن الحرب الأهلية في لبنان، كما نجح في الاحتفاظ بهويته وأسلوبه الخاص في إدارة الممثل وحركة الكاميرا.

 

قالوا في شاهين

أسطورة

يوسف شاهين هو أسطورة السينما المصرية والعربية وسيظل كذلك على الدوام، وعلى المستوى الشخصي لا يمكنني إنكار دوره وبصمته فهو الذي وضعني على أول طريق النجومية عبر فيلمي «المهاجر» و«المصير» وهما أبرز العلامات في مشواري الفني.

الفنان خالد النبوي

إصرار

المخرج الكبير يوسف شاهين جزء مهم من تاريخ السينما المصرية، بل هو جزء جوهري بها، بجنونه وعظمته، بأفكاره وإصراره على العمل حتى وهن جسده ووصل إلى سن الثمانين، مما يؤكد عشقه للسينما ورغبته في تقديم ما يؤمن به فقط مهما كان مثارا للجدل.

الناقد والسيناريست رؤوف توفيق

الدرس الأول

متابعة أعمال المخرج الرائع يوسف شاهين هي الدرس الأول لأي سينمائي سواء كان في بداية حياته السينمائية أو كان لديه بعض من الخبرة، لأن كل مشهد أو كادر نتعلم منه الكثير والكثير، لأنه مخرج عالمي يمتلك لغة سينمائية عالمية وشديدة الخصوصية.

المخرج سعيد حامد

الهرم الرابع

صعد المخرج العالمي يوسف شاهين للعالمية لأنه شديد المحلية، ولولا ارتباطه بقضايا وهموم بلده عبر أفلامه لما نجح في الوصول إلى العالمية.

مصر ستظل تفخر بيوسف شاهين بوصفه واحدا من أبرز رجالها وفنانيها، فهو مثله مثل الأهرامات سيظل علامة ورمزاً من رموز مصر العظيمة.

الكاتبة فتحية العسال

مدرسة سينمائية

لولا يوسف شاهين لما أصبحت مخرجاً الآن، فهو ساعدني كثيراً وعلمني كثيرا ولم يبخل عليَّ، ساعدني بخبرته وبماله عندما أنتج لي أول أفلامي.

فيوسف شاهين ليس فقط واحداً من أهم المخرجين المصريين، ولكنه مدرسة سينمائية خاصة تخرج فيها العديد، وتعلموا فيها كيف يصنعون سينما صادقة شكلا ومضمونا وبكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.

المخرج خالد الحجر

خسارة كبيرة

على الرغم من أنه لم يسعدني الحظ بالتعاون مع هذا المخرج الرائع فنيا وإنسانيا، فإننا جمعتنا علاقة وطيدة أثناء فيلم «زواج بقرار جمهوري»، فلقد كان من المفترض أن يشارك في الفيلم تمثيلا في دور المخرج مجاملة لتلميذه المخرج خالد يوسف، غير أن ظروفه الصحية حالت دون مشاركته وقام بالدور خالد، غير أنه بعدما شاهد الفيلم نال إعجابه وأكد لي أنه بصدد الإعداد لفيلم كوميدي سيكون من بطولتي ولكن ظروفه الصحية منعته من ذلك، غير أنني اعتبرت كلامه هذا وساما على صدري وشهادة أعتز بها من سينمائي محترف وطاقة خلاقة.

الفنان هاني رمزي

والدي الروحي

يوسف شاهين أستاذي وكاتم أسراري وهو أقرب شخص ألجأ إليه في أي محنة تواجهني أو مشكلة تحيرني سواء فنية أو شخصية، ودائما ما يفيدني ويرشدني، فالعلاقة بيننا ليست فقط علاقة ولكنني أعتبره بالفعل والدي الروحي، وعلى المستوى الفني أعتبر نفسي محظوظا لأنني خريج مدرسة يوسف شاهين.

الفنان مصطفى شعبان

روشتة النجاح

أنت حنجرتي... هكذا أطلق عليَّ العبقري يوسف شاهين منذ أول تعاون جمعنا في «حدوتة مصرية»، ومنذ ذلك الحين كنت دوما حنجرته التي تعبر عن أفكاره وأحلامه السينمائية، وعلى الجانب الآخر تعلمت منه الكثير وأن أغني ما أشعر بالتوافق الكامل معه، وأن الصدق والبساطة هما وسيلة الفنان للنجاح دائما وأبدا.

الفنان محمد منير

صدارة

السينما لدى يوسف شاهين هي لغته وأداته لفهم العالم، لذا فهو أحد أبرز الأسماء المشرقة والمضيئة في تاريخ السينما المصرية، بل أهم مخرجي الواقعية في السينما المصرية، امتلك لغة سينمائية خاصة، وجمع في أفلامه بين المستوى الفني الرفيع واللغة البصرية والرؤية السياسية، إنه مخرج الروائع والجوائز المحلية والعالمية، أفلامه كانت وستظل ساطعة وفي موقع الصدارة بذاكرة السينما المصرية.

شاهين كان أستاذي بالمعهد وفي الحياة تعلمت منه السينما وكل شيء.

المخرج علي بدرخان

رؤية سينمائية

استطاع شاهين في كل الفترات وفي كل أفلامه أن يطرح معطيات بصرية على المستوى التقني جديدة على السينما المصرية سواء في المرحلة الأولى التي ضمت: «بابا أمين - باب الحديد - الأرض - صراع في الوادي - الاختيار». أو في المرحلة الثانية مع «عودة الابن الضال - العصفور - وإسكندرية ليه»، فما طرحه شاهين في تلك الأفلام على المستوى التقني لم يكن له وجود إلا في السينما العالمية فقط ولم نكن نعرفه في مصر قبل شاهين، لذا نجح عبر رؤيته الفنية الثاقبة أن يقدم كل ما هو جديد ومبتكر عبر رؤية سينمائية وتقنيات جديدة.

الفنان هشام عبد الحميد

باحث عن الجمال

أهم ما يميز الفنان القدير يوسف شاهين أنه إنسان موهوب يعشق البشر ويحترمهم ودائم البحث عن الجمال الذي يعد جزءاً رئيسياً من تكوينه الفني، وهو ما نراه بوضوح في أعماله الفنية، فلقد كان دائم البحث عن الحقيقة بداخله وفى قلب البشر، لذلك استطاع أن يغوص في أعماقهم وإحساسهم، ونجح ببراعة في التعبير عنهم.

يوسف شاهين لم يقدم إلا ما كان يشعر به ويتواءم معه فنيا وفكريا، وفنه يحوي على درجة رفيعة من الحب والنضج والوعي بآلام البشر، وفي كل مرحلة من حياته نجده يزداد نضجا واقترابا من الواقع، فهو عاشق للسينما منذ نعومة أظفاره، ولقد أسعدني الحظ بالعمل معه في ثلاثة من أهم أفلامه هي «العصفور» و«إسكندرية ليه»، و«وداعا بونابرت»، وأعترف أنني من تلاميذ شاهين الذين نالوا من إلهامه وإبداعه الذي لا ينضب، علمني كيف أقتحم اللحظة وأكتشفها وأمسك بها، فضلا عن الجرأة التي اكتسبتها من خلاله، وسأظل نادمة لعدم مشاركتي في فيلمه «الآخر» الذي رشحني له وقامت به لبلبة.

لقد كان طموحا لصنع سينما عظيمة وقد فعل وأثرى حياتنا الثقافية، وأثرى السينما وأضاء مصر بفنه البديع في كل المراحل التي مر بها.

الفنانة محسنة توفيق

لغة سينمائية

شاهين أحد أهم الأعمدة الأساسية في صناعة السينما المصرية، فهو قيمة فنية لا مثيل لها وصاحب لغة بصرية خاصة ومميزة، لذا امتلك القدرة على امتاع العين والعقل عبر لغته السينمائية الرفيعة التي كانت أقرب إلى اللغة العالمية. شاهين قيمة كبرى في مجال الإخراج وله تلاميذ أجلاء تعلموا منه الكثير أبرزهم الفنان خالد يوسف.

الفنان يوسف شعبان

نموذج للرقي والعطاء

امتلك شاهين أسلوبا خاصا ومتفردا على مستوى الإخراج والتصوير منذ أفلامه الأولى، بذل جهدا خارقا كي ينهض بالسينما عبر أسلوبه المتميز الذي تعلمه في أميركا، كما امتلك أسلوبا خاصا في كتابة السيناريو ولا يوجد كثيرون وصلوا إلى مستوى نضجه الفني والفكري كي يستوعبوا ما يقدمه.

من أهم أعماله من وجهة نظري فيلم «صلاح الدين الأيوبي» وقد شاركت فيه، كذلك فيلم «ابن النيل»، فقد عرفت شاهين قبل ستين عاما عندما قدم فيلم «بابا أمين» ومنذ ذلك التاريخ ربطت بيننا الصداقة فهو إنسان وفنان في غاية الرقي والاحترام والعطاء.

الفنان عمر الحريري

 

ببليوغرافيا

الأفلام الروائية الطويلة:

أول أفلامه بابا أمين 1950

ابن النيل 1951

المهرج الكبير، سيدة القطار 1952

نساء بلا رجال 1953

صراع في الوادي وشيطان الصحراء 1954

صراع في الميناء 1956

أنت حبيبي وودعت حبك 1957

باب الحديد وجميلة الجزائرية 1958

حب إلى الأبد 1959

بين أيديك 1960

نداء العشاق ورجل في حياتي 1961

الناصر صلاح الدين 1963

فجر يوم جديد 1964

بياع الخواتم 1965

رمال من ذهب 1966

الأرض 1970

الناس والنيل 1972

العصفور 1974

عودة الابن الضال 1976

إسكندرية ليه 1979

حدوتة مصرية 1982

الوداع يابونابرت 1984

اليوم السادس 1986

إسكندرية كمان وكمان 1990

المهاجر 1994

المصير 1997

الآخر 1999

سكوت حنصور 2001

إسكندرية نيويورك 2003

هي فوضى 2007 (بمشاركة خالد يوسف)

الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة والمسرحيات

عيد الميرون 1967

سلوى 1972

الانطلاق 1974

القاهرة منورة بأهلها 1991

• 11 دقيقة و9 ثوان وكادر 2002

مسرحية كاليجولا... مع فرقة الكوميديا الفرنسية 1992  

مشاريع لم تكتمل

• «الشارع لنا» مع السيناريست ناصر عبد الرحمن

المطران كابوتشي

فيلم عن الأحداث السياسية الأخيرة بمصر ونشاط جماعة كفاية وتوقف عن العمل فيه لإنجاز آخر أفلامه «هي فوضى» الذي شاركه في إخراجه مساعده وتلميذه النجيب خالد يوسف.

الجوائز

التانيت الذهبية مهرجان قرطاج السينمائي عن فيلم الاختيار عام 1970

الدب الفضي مهرجان برلين السينمائي عن فيلم إسكندرية... ليه؟ عام 1979

أفضل تصوير مهرجان القاهرة السينمائي عن فيلم إسكندرية كمان وكمان عام 1989

مهرجان أميان السينمائي الدولي عن فيلم المصير عام 1997

الإنجاز العام مهرجان كان السينمائي عن فيلم المصير عام 1997

فرنسوا كالية مهرجان كان السينمائي عن فيلم الآخر عام 1999

اليونيسكو مهرجان فينيسيا السينمائي عن فيلم 11 – 9 - 01 عام 2003

صحيفة الجريدة  في 28 يوليو 2008

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)