كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

يـوسـف شـاهـيـن (1926 ـــ 2008)

"مـنـاضـل" لـم يـنـتـه نـضـالـه بـعـد

هوفيك حبشيان

عن رحيل

يوسف شاهين

   
 
 
 
 
 

"السينما تقطع أنفاسي؛ انها حياتي، وأنا أعيش هذه الحالة منذ أكثر من 60 عاماً، ولا تغيير محتملاً... بل ربما تعزيز لهذا الميل الفطري"، قال لي يوسف شاهين ضاحكاً ضحكة طفولية في المرّة الاخيرة قابلته فيها في مناسبة اطلاق فيلمه "اسكندرية... نيويورك" في بيروت. هذا الشريط كان عن تجربة حياة تخللتها علاقة مرتبكة مع أميركا، لكنه كان قبل كل شيء آخر عمل في مديح السينما، وكأن لا فرق البتة عنده بين حياته على الشاشة وخلفها. كان السؤال آنذاك: "عندما تخرج فيلماً أوتوبيوغرافياً الى هذا الحدّ، كيف تحافظ على البُعد وتبقى على مسافة من الموضوع الذي تود تصويره؟". كان رده انه يجب علينا ان نعيشه مرّة أخرى وأن نكتبه عدداً لا متناهياً من المرات قبل ان تخلد على هذه البقعة المستطيلة. "اعيشه حين اكتب وحين اصور. هناك حنين الى تلك السنوات التي قدمتها في الفيلم. المشاهد كلها تحتوي على عواطف، كالعلاقة بيني وبين استاذتي. كانت تعشقني تلك الاستاذة، وهي الوحيدة لم تكن تفهم كيف أن بلداً مثل اميركا لا يستطيع مساعدة ولد صغير جاء من "آخر الدنيا"، وعلمت في ما بعد أنها بهدلت زملاءها وشتمتهم لأنها كانت تريد ان يساعدوني".

وصل يوسف شاهين الى حيث لم يصل مخرج عربي آخر من قبله وكرِّس عالمياً من خلال نيله الجائزة الخاصة لـ"مهرجان كانّ" في يوبيله الذهبي عام 1997. مضى بتيمات من صميم المجتمع المصري الى العالمية، مساهماً في اعلاء شأن السينما العربية بفضل موهبته وإصراره على المواصلة في تحقيق طموحه الفني وأفكاره النيرة. ولّدت أعماله سجالات واسعة لن تنتهي حتماً مع رحيله. ولن تكون التحليلات المعطاة لهذه الاعمال تحليلات نهائية غير قابلة لاعادة النظر، انما دائمة الخضوع لقراءات مستجدة. مع الزمن، بات شاهين الفنان الشامل الأكثر تطويراً لحركة السينما العربية، ولا سيما حين راح يستعين بتقنيين أجانب لكن بروح محض مصرية، لذلك بدت أفلامه أفضل بصرياً من مجمل الأفلام المصرية. هذا كله ساهم في صناعة مجده الذي تخطى حدود العالم العربي الجغرافية، ليكون ربما السينمائي العربي الوحيد الذي وجهه معروف لدى الجمهور الاوروبي المثقف، وخصوصاً في فرنسا التي ساندته دائماً.  

لبناني الجذور واسكندراني حتى الشرايين، ولد يوسف شاهين في المدينة المتوسطية الكوزموبوليتية الشهيرة عام 1926، وأخرج أول أفلامه عام 1950 وهو في الرابعة والعشرين. أي في العمر الذي انجز فيه عملاق آخر، هو أورسون ويلز، رائعته السينمائية "المواطن كاين". علاقة شاهين بالسينما تعود الى سن مبكرة، وكانت الصور السحرية المتحركة تذهله، في كلّ مرة يشاهد فيلماً في صالة مظلمة. وعبّر عن فهمه للحياة ونظرته الانفتاحية حيالها، المخالفة للسائد، من طريق السينما، وأصبحت الأفلام وسيلته للتعبير عن أفكاره واقتناعاته. في البدايات، درس شاهين مسرحيات شكسبير وأخرج بعضها، كما اشترك في تمثيلها على مسرح كلية فيكتوريا في الإسكندرية اثناء تلقيه العلم فيها، وأمضى سنة في جامعة الإسكندرية قبل أن يسافر عام 1946 الى أميركا حيث درس التمثيل والإخراج في جامعة باسادينا في لوس انجلس. وعلى رغم أنه شاء أن يكون ممثلاً، فقد أدرك أنه يجب ان يكون مخرجاً وليس ممثلاً عندما كان في الولايات المتحدة، فابتعد عن التمثيل، بعدما أدرك انه ليس في مقدوره أن يكون النجم الوسيم أو الـ"جون برومييه"، على غرار أنور وجدي ومحسن سرحان وعماد حمدي، قبل ان يلبس دوراً "اسطورياً" في "باب الحديد". مذذاك لم يتوقف عن البحث عن بديل منه، عن "اناه الاخرى"، ونستطيع القول إنه مثّل من خلال الآخرين، فاذا لم نجده شخصياً ممثلاً في فيلم من أفلامه نجد أنّ أحد الممثلين يؤدي دوره بالطريقة الشاهينية. هذه الطريقة كثيراً ما ارتكزت على اسلوب التعبير المتوتر والحركة السريعة...

بعد تخرجه عام 1950، عاد شاهين الى مصر وتحت ابطه نصّ "بابا أمين" وثانٍ عنوانه "ابن النيل". منذ هذا الفيلم الأخير، بدا اهتمام شاهين بتصوير حياة الناس في القرى المصرية كما كانت الحال في ذلك الوقت. وقدّم "ابن النيل" الذي التقطت معظم مشاهده خارج الاستديو الممثل شكري سرحان للمرة الاولى، وتقمص فيه الوجه المصري الحقيقي. حقق هذا الفيلم نجاحاً تجارياً مهماً بالنسبة الى تلك الحقبة وجلب الى جيوب الممولين 70 ألف جنيه، علماً أن تكاليفه بالكاد بلغت ربع تلك القيمة. واستند شاهين الى مسرحية أميركية اسمها "النهر الصغير"، لانجاز هذا الفيلم بعدما وضعها في قالب مصري ريفي. تجول "المعلم" بآلة التصوير وسط الحقول والمزارع والبراري والطبيعة الريفية الساحرة، مجسداً ما يمكن ان تكون حياة الفلاح البسيطة في زمن اجتياح الفيضان للقرى. أثبت هذا الفيلم ان المكان عند صاحب "الأرض" يكتسب دلالة نفسية تعبّر دائماً عن التمزّق بين "الأنا والآخر". هذا الجانب سيظل طاغياً على معظم أفلام شاهين التالية: القرية النائية في الصعيد المصري تجعل "ابن النيل" يشعر بالحصار، وهو يحلم بأن يحمله القطار الذي يتطلع اليه كل يوم في لهفة الى عالم القاهرة الصاخب المزدان بالأضواء.

لم تخلُ أفلام شاهين من النقد القاسي الموجه الى البورجوازية. تبين ذلك، للمرة الاولى، في "المهرج الكبير" (بطولة يوسف وهبي وفاتن حمامة) قبل أن ينكبّ على أعمال أقل أهمية على المستوى الفني مثل "سيرة القاهرة" (مع ليلى مراد) و"نساء بلا رجال". وكان ينبغي انتظار عام 1954 كي يصدر له "صراع في الوادي" وهو منعطف كبير في تاريخ شاهين الفني، وفيه جرى الكشف عن مهازل الإقطاع إبان العهد الملكي. مع هذا العمل الساحر، وجه شاهين رسالة حب الى مصر وفلاحيها. لقد صور الوجه الحقيقي للبلاد، متسلحاً بموقف سياسي صلب ضد الإقطاع والمنضوين تحت لوائه. كان هذا الموقف عاطفيا، وقد تمثّل في إدانة الظالم وتأليب الناس عليه. وتعاطف الناس مع الضحية - المظلوم، ذلك ان شاهين جعله يعدم ولم ينقذه في اللحظة الاخيرة كما كان رائجاً في الكثير من الافلام. فوصل تعاطف الجمهور له الى الذروة. مثّل في الفيلم كلّ من فريد شوقي وفاتن حمامة وزكي رستم وعبد الوراث عسر، مع بطولة أولى لعمر الشريف الذي ظهر انذاك للمرة الاولى على الشاشة.

•••

لم يكتف شاهين بتقديم نوع مضمون النتائج من الأفلام، بل مضى في محاولات لنفض الغبار عن السينما المصرية في مرحلتها الذهبية. وكثيراً ما كان يصدم المشاهدين ويجعلهم يتيهون في دهاليز اللغة البصرية. ولم يكن الجمهور مستعداً بعد لتقنياته السردية الحداثية عندما قدّم اعمالاً شبه تجريبية مثل "أنت حبيبي" و"دعت حبك"، وهما من بطولة شادية وفريد الأطرش وعبد السلام النابلسي وهند رستم. ثم كان "باب الحديد" الذي أقل ما يمكن القول عنه إنه شكل محطة اساسية في سينماه وأيضاً في تاريخ السينما العربية. نستطيع اليوم تسميته على جدول أفضل الأفلام العربية العشرة. دارت حوادث هذه التحفة في محطة مصرية خلال يوم واحد، يبدأ في الصباح وينتهي في المساء. ليس الفيلم الاّ فصلاً صغيراً من الحياة، ابطاله طائفة من الناس جمعهم مكان واحد هو المحطة. ومن خلال تمثيله دور بائع الصحف الأعرج قناوي المعقد نفسياً بسبب عاهته، ترك شاهين بصمة كبيرة في وجدان السينيفيليين في العالم. قناوي هذا يلجأ ذات يوم الى خطف هندوم (هند رستم) والتهديد بقتلها، ثم تجرى المفاوضات معه في مشهد مشحون بالتوتر والإثارة للإفراج عنها، بينما يتسلل أبو سريع (فريد شوقي) وينزع السلاح من يده. تمكن شاهين بالتعاون مع كاتب السيناريو عبد الحي أديب ومحمد أبو سيف من جعل المتفرج يتعاطف مع شخصية قناوي على رغم كل ما فعله.

أفلام شاهين عكست أيضاً الواقع الاجتماعي المصري والرغبة في التغيير بعد ثورة 23 تموز. تزامنت مرحلته السينمائية الأنضج مع نمو الوعي القومي عند المصريين والعرب. وانخرط شاهين في السياسة على نحو مباشر حين أخرج "جميلة" عام 1958، وكان هذا هديته الى الثورة الجزائرية من خلال شخصية المناضلة جميلة بوحيرد، علماً ان الجزائر لم تكن نالت بعد استقلالها عن المستعمر الفرنسي حين صدر هذا الفيلم في الصالات.

دخلت سينما شاهين في مرحلة جديدة عام 1963، أي مرحلة النضج الفني والبداية الفعلية لتطور اللغة السينمائية، عندما انجز "الناصر صلاح الدين"، حيث استطاع بإمكانات جد بسيطة ان يقدم عملاً فنياً متكامل العناصر الدرامية والتقنية والجمالية، ويضارع ابرز الانتاجات الهوليوودية، مؤكداً ان السينما العربية قد تنافس الغرب، مع بعض الجهد والارادة والوعي. تناول شاهين في "فجر يوم جديد" ملامح التحولات الاشتراكية التي كانت تطاول مصر، نتيجة للنهضة النصاعية التي شهدتها، وانعكاساً للتغيرات الاجتماعية بعد تطبيق قرارات التأمين وقيام مبادئ جديدة. وجراء ظروف معينة كانت تمر بها السينما، ترك شاهين مصر قاصداً بلده الثاني لبنان حيث أثمر التعاون مع الأخوين الرحباني، "بياع الخواتم" و"رمال من ذهب".

أعادت هزيمة 67 شاهين الى دياره ليواجه تداعيات تلك الكارثة، مهما كان الثمن باهظاً. فكانت تحفته الأخرى، "الأرض"، عن قصة لعبد الرحمن الشرقاوي وسيناريو الفنان التشكيلي حسن فؤاد. اهتم النقاد الكبار بشاهين من هذا الفيلم وصاعداً، اذ انه انطلق من قصة مصرية لكنه سرعان ما مضى بها الى العالمية مانحاً اياها ابعاداً انسانية شاملة. وكانت مشكلة الأرض والسلطة من أهم ما يعانيه الفلاحون في تلك الحقبة. ولكن كانت تلك أيضاً مشكلات كل الفلاحين في العالم. قامت الكاراكتيرات المختارة في الفيلم على مزيج من البلاغة والبساطة. وساهم فريق الممثلين في اضفاء صدقية عليه، يتقدمهم محمود المليجي. بيّن شاهين في "الارض" استمرار النضال على رغم الانكسار العربي الكبير. في رأيه، لم تكن هذه هزيمة الشعب انما هزيمة المشروع الحضاري للطبقة التي انفردت بالسلطة، وسمحت للفساد بأن ينتشر في مؤسساتها، ولم تتمكن من إيجاد حلول فعلية للحد من تسرب الثورات الى جيوب القامعين. وعلى رغم ان حوادث الفيلم دارت عام 1933، الا انه كان هناك اسقاطات مباشرة على هزيمة 67، ولم يتوان عن اظهار علاقة الفلاح المصري بأرضه وتمسكه بها واستعداده للمقاومة والموت في سبيلها.

•••

مع "الأرض"، انتهت المرحلة الأولى من مسيرة شاهين السينمائية، لتولد حقبة أخرى احدى سماتها الارتباط الزمني بما يحدث في المجتمع المصري سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي. كما كان الحال في كلّ من "الاختيار" و"العصفور" و"عودة الابن الضال"، وهي التي تمضي في التعبير عن الواقع الممزق. المرحلة الثانية ذات شكل سينمائي بعث في نفس المخرج رغبة في التمرد على هذا الواقع المتردي للعالم العربي. وجاء "الاختيار"، الذي وضع شاهين فكرته مع نجيب محفوظ، انطلاقاً من ابعاد انسانية متوغّلاً في أعماق النفس البشرية محاولاً كشف حقيقتها. اما ما يقوله شاهين في "الاختيار" فهو مهم جداً. اذ لا يتحدث عن صراع اجتماعي كما في "الأرض"، ولا عن فساد سياسي كما في "العصفور"، لكنه يتناول نظاماً اجتماعياً كاملاً بفكره وسلوكه وتركيبته الهشة، وهذا النظام السائد هو الذي يحدد شكل النظام السياسي والاقتصادي وليس العكس.

تطرق شاهين في "العصفور" الى الحوادث السياسية التي أدت الى هزيمة 67، محاولاً إلقاء الضوء على الفصل بين معركتين، واحدة تحصل على الحدود، وثانية مكانها الداخل. جاءت حوادث الفيلم سريعة ومتدفقة، وشخصياته الاساسية والثانوية تتحرك حية نابضة تقدم ما ترمز وتوحي به. في "مرحلته الثانية" عمل متماسكا وبالغ القيمة توج به رحلته الصادقة مع ذاته ووطنه. فكان "إسكندرية ليه" عام 1979، الذي قدم خلاله قصيدة شعرية موجهة الى مدينته الأم من خلال شخصيات متشابكة وتصوير غنائي لواقع سياسي واجتماعي سائد في الأربعينات، أي عندما كان شاهين في العشرين من عمره. لم يكن الفيلم ذاتياً، انما نوع من تقديم لواقع مدينة عاش فيها المعلم. يتجاوز فيه المفهوم العام ليحوّل الفيلم شحنة بالغة التأثير في المجتمع والناس. أما "حدوتة مصرية"، أحد أكثر أفلامه بلاغة سينمائية ولغة ابتكارية صلبة، فجاء كجزء ثان من مسيرة شاهين الذاتية، لتكتمل الثلاثية في ما بعد بفيلم "إسكندرية كمان وكمان". أما مع "المصير"، فأراد شاهين القول إن العرب أصل الحضارة، فبينما كان الغرب يغرق في بحار الجهل والظلم، كان العرب ينعمون بالعلم والنور والتقدم. وجاءت أفلامه الثلاثة الأخيرة تنويعات على تيمات تطرق اليها شاهين على مدار نصف قرن ونيف من النضال السينمائي. نضال لن ينتهي مع رحيله عن 82 عاماً.

فيلموغرافيا إختيارية (1950 – 2007):

بابا أمين (1950)

صراع في الوادي (1954)

صراع في الميناء (1956)

باب الحديد (1958)

جميلة (1958)

بياع الخواتم (1965)

الناس والنيل (1968)

الأرض (1969)

الاختيار (1970)

العصفور (1973)

عودة الابن الضال (1976)

اسكندرية ليه؟ (1978)

حدوتة مصرية (1982)

وداعاً بونابرت (1984)

المهاجر (1994)

المصير (1997)

الآخر (1999)

هي فوضى؟ (2007)

  

قالوا في شاهين...

 

والآن الرحيل

بعيداً عما ينتشر عادة من كلام طنّان في مثل هذه المواقف، فإن سينما يوسف شاهين التي عرفت مؤيدين ومنتقدين، كانت العنوان الكبير للسينما العربية في أكثر من مناسبة دولية. أفلامه من "باب الحديد" في نهاية الخمسينات من القرن الفائت إما تعاملت مع رقع إنتاجية عالمية، وإما هدفت الى الانوجاد عالمياً على الساحة بإمكاناتها الذاتية أو، كما هي الحال منذ السبعينات، عرفت كيف تشق طريقها كانتاجات مشتركة وعلى الساحة العالمية كأفلام مصرية (أو عربية إذا أردت ــ تحديد ذلك ليس هنا). كناقد وهاوٍ للسينما تابعت أعمال هذا المخرج، وما فاتني منها مبكراً شاهدته لاحقاً في عروضه التكريمية أو في مناسبات خاصّة أخرى. وكانت علاقتي بسينماه تختلف عن علاقتي بسينما مبدعين آخرين سواء في العالم العربي أو حول العالم. سينما يوسف شاهين عرفت مراحل بالطبع، إذ بدأت كأعمال كوميدية وعاطفية خفيفة، ثم انتقلت الى صنف الإنتاجات الكبيرة، ثم الى سينما ذاتية مؤلّفة من الذكريات والملاحظات الشخصية حول نفسه وحول مجتمعه، وصولاً الى الحفاظ على تلك الذاتية بمقدار عال من التوتّر مع الإنتقال بها الى مراحل ومواقع زمنية وجغرافية مختلفة، من "وداعاً بونابرت" الى "المصير"، ومن "المهاجر" الى "اسكندرية... نيويورك".

أميل الى اعتبار أن شاهين كان مخرجاً ذاتياً منذ البداية. إذا أخذت بعض أفلامه الأولى مثالاً، فستجد أن فيها ما يؤلف عناصر أساسية في سلسلته الذاتية: الميول الجنسية، تأثير المرأة عليه، إغتراب ابطاله واختلافهم. حتى أفلامه التي تعاملت مع الواقع السياسي مثل "العصفور" و"حدّوتة مصرية" كانت ذاتية جداً، ما يجعل قراءة التاريخ فيها منفصلة ومختلفة. هي ليست مدعاة للثقة المطلقة بأنها وقعت كذلك، لكن ليس فيها ما يخرج عن الواقع وقراءة المثقّف للتاريخ مع اختلاف وجهات النظر فيها.   

ما أثّر في السنين العشر الأخيرة او نحوها في نصاعة تلك السينما، ليس ذاتيّة النظرة والتعامل، بل قدر كبير من الإعتقاد أن كل شيء يجب أن ينطلق من ذاتية القراءة ما أدّى الى سجال مفرط في تقدير المخرج لنفسه. في "اسكندرية... نيويورك"، لم يعد شاهين ذاتياً فقط، بل صار مؤلّفاً في السيرة الذاتية على النحو الذي يروق لرغبته في وضع صرحه بنفسه. في الواقع، تحدث فيلماه القصيران الواردان في "11/9" و"لكل سينماه"، عن نفسه أكثر مما تحدّثا عن موضوعهما، وهذا شكل برهاناً إضافياً لوجهته في تتويج نفسه بنفسه وعدم الإكتفاء بتتويج المشاهدين والمثقّفين والنقاد له. النتيجة، يا للأسف، كانت عكس ما تمنّى.

رحيل شاهين، مثل رحيل أبو سيف وكل مخرج نيّر عن عالمنا في أي مكان من هذا العالم، لن يُعوّض. لقد فتح ثغرة على الشاشة العريضة ستبقى ماثلة في هذا العالم المليء حزناً. الحزن هو ما تعامل شاهين وكل مبدع آخر معه كدافع داخلي. هو وعدم القدرة على التجاوب مع محيطه بالشكل الذي يعيشه ذلك المحيط. والحزن هو ما يلفّنا جميعاً الآن.

محمد رضا (ناقد لبناني ــ لوس أنجلس)

قناوي في مواجهة الظلم

في سنوات الدراسة التي لم تكن عجافاً تماماً، كان يحلو لنا نحن التلامذة المفطومين على روعة الفراغ ومن باب الدفاع التلقائي عن النفس أن نرفع موسوعة السينما الصادرة باللغة البلغارية، والمؤلفة من ثلاثة مجلدات ضخمة، في وجوه بعض الأساتذة الغاشمين الذين لم يعترفوا يوماً بسينما عربية وبسينمائيين عرب. وكانوا يعيروننا في بعض الأحيان بروعة الفراغ التي جئنا منه إليهم عراة وحفاة ومستنفدي القوة وربما المعرفة. كانت صفحات الموسوعة الضخمة، والمثلثة الضلع تحوي صورة قناوي، وهي الصورة التي كانت تفاجئ في وجودها الاستثنائي هؤلاء الغاشمين، وكانت تفاجئنا نحن أيضاً على الدوام، اذ كيف يمكن هذا "الأعرج" أن يقف وحده وهو نحيل وصاحب علة في مواجهة استعلاء مكتوم، فلم يكن يدور في أذهان أصحابه إلا تلك الصورة القاتمة عن عالمنا، أما أن تكون هناك صورة للسينمائي الذي يمكنه أن يقلب سواد هذه الصورة إلى بوزيتيف حر وطليق صالح للعرض، فهذه نسخة لم تكن متداولة في تلك الأوقات. ظلت الصورة تفاجئنا في أماكننا من دون انقطاع حتى عندما كان يعلن صاحبها في أوقات متأخرة "زهقه وقرفه" مما أخذ يحيط به من آثمين جدد لا يقلون في خطورتهم عن اولئك الغاشمين الجهلة، فصورهم قطوف من سلة واحدة، وقد أخذت المعركة من حوله تصبح أشد شراسة، وأصبح الظلم في المدارس الحياتية المختلفة تزداد رقعته، فلم يكن ليعاني أحد في التاريخ الحديث، كما عانى أهل قناوي في أمكنتهم، ولا ذنب لهم سوى أنهم جاؤوا من روعة الفراغ واليقين المسلوب للاحتفال بالصورة الوحيدة في تظاهرات صامتة ويائسة. فهذه هي صورة قناوي، وهذا هو  انتحار الطالب المسكين. الطالب لم يكن يعرف كيف يرفع الظلم عنه إلا برفع صورة "الأستاذ قناوي" عالياً في مواجهة استعلاء غير مضمون النتائج، فهذه الصورة على الرغم من انتحار الطالب المسكين كانت الحارس الأمين له في موته، وكانت فكرته عن السينما نفسها في روعة الفراغ التي جاء منها مكدوداً ومهزوماً... ومنتصراً في آن واحد، لأن السينما نفسها هي التي جعلت "باب الحديد" باباً كونياً تدخل منه الشعوب أفواجاً بهدف التعارف. "باب الحديد" في هذا المعنى سيظل يفتح مصراعيه على مستوى كوني... ولن يُغلق مع رحيل مَن فتحه يوماً وهو وحيد وأعزل وعلى درجة كبرى من التشاؤم والتفاؤل والغموض!   

فجر يعقوب (ناقد ومخرج فلسطيني ـــ دمشق)

أضيئوا أجهزة البروجيكتور

موته سيمنح منجزه السينمائي نفسا متجددا وحياة جديدة، مجتذبا إليه شبانا عرب يكتشفونه، ويفككون شيفرته، ويفهمون تاليا أن رغبة الحرية وإرادة التحرر من طريق المعرفة الشعرية والعقلانية، هما خميرتا الحياة الفعلية (الى جانب الحب طبعا) وليس الركود أو تحجر الفكر عقائديا، الذي يخنق الجيل الشاب تحت نيره. في التضامن مع إنجازات العباقرة الكونيين الآخرين، تنجح كاميرا شاهين في بعث هذا الشعاع من نور مبشّر بنهضة جديدة للعبقرية العربية. أضيئوا أجهزة البروجيكتور، الفنان لا يموت أبدا.  

جوني كارليتش (مخرج وناقد لبناني ــ بيروت)

ذاكرة نرجسية

فرض يوسف شاهين نفسه كباكورة السينمائيين العرب الذين اقترحوا عملا متنه الذاكرة. على الرغم من تفضيلنا أفلامه الأولى، التي استلهمت الواقعية الجديدة ("صراع في الوادي" و"باب الحديد")، يستحيل نكران ان أعماله الأخيرة، على تفاوت نوعيتها، تمتعت بميزة قض مضاجع الرقباء وشتى أنواع المتعصبين في بلاده. ناهيك بأن أعماله التاريخية ("الناصر صلاح الدين") تجرأت على إقامة موازاة بين السلطان وعبد الناصر. شخصياً، أظن "العصفور" (1974) الذي يحكي حرب المصريين لاستعادة سيناء يشكل إنجازا ملموسا. في المقابل، تعاني بعض أفلامه المستنبطة الذات ("اسكندرية كمان وكمان" خصوصا) نرجسية وتراخياً على المستوى السردي قد يجعلان مشاهدتها متعثرة بالنسبة الى الهاوي السينمائي غير المتآلف مع عالم شاهين.

فؤاد صباغ (مؤرخ سينمائي لبناني ــ بيروت)

النهار اللبنانية في 28 يوليو 2008

 
 
 

السينما العربية تفقد مشاغبها ومشاكسها وأحد ابرز وجوهها في الإخراج

رحل يوسف شاهين والسيرة مازالت ناقصة

ريما المسمار

يترك الموت وجهاً أخيراً للحياة يختزل الميت وذكراه. وجه يوسف شاهين كان اول ما أستعدته بعيد نشر خبر وفاته ظهر أمس. ربما لأن لوجهه خصوصية في التركيب والملامح وبعض التفاصيل الذي لم يتبدل كثيراً خلال سنوات عمره. وربما لأنني غالباً ما التقيته ضاحكاً او متخمساً او ثائراً بما هي مشاعر حدية تبرز ملامح الوجه أكثر. ولكن أكثر ما أراه الآن في مخيلتي هو ذلك الوجه الساخر ربما لأنه يتسق مع لحظة الموت هذه. أستعيد وجهه إذ يسخر بود من مساعده الشاب الذي رافقه غير مرة الى بيروت في السنوات الأخيرة وكأن وظيفته الاولى كانت منعه من التدخين. يمسك ـ اي الشاب ـ بعلبة السجائر بين يديه كأنها قنبلة موقوتة لا يسمح لأحد لاسيما شاهين بلمسها لكأن سوء استخدامها قد يعرض الجميع الى خطر انفجارها. وحده يدرك بايقاعه الداخلي متى يسحب سيجارة ويعطيها لشاهين بصرف النظر عن الحاح الاخير الذي اتخيله ان أمسك بالعلبة فسيشعلها كاملة في فمه. أتخيل الآن ان سخرية شاهين واستسلامه لقرارات من حوله بتقنين عدد السجائر كانا نابعين من إحساس بأن ما من فائدة من كل ذلك. القلب كان دائماً نقطة ضعف شاهين ولكن الموت أصابه في الرأس. انها سخرية الحياة والموت إذ ما إن يتوصل الانسان الى فهم أحد وجوههما حتى يعيدا تشكيله من جديد ساخرين من كل محاولة لفهمهما او وضعهما في اطار المنطق.

قرابة الشهر ونصف الشهر قضاها يوسف شاهين في غيبوبة لا يستطيع انسان ان يتنبأ بما كان يراه خلالها او يشعر به. فتلك حالة عصية على الفهم على الرغم من كل التفسيرات الطبية التي تشرّحها بلغة ومفردات لا تقترب بأي حال من الاحوال من الحقيقة الانسانية. فالكلام على جسد مستغرق في سبات عميق يؤدي وظائفه الكاملة غير محسوس ولا يمكن ترجمته بفهم فعلي لمعانيه او الأحرى لمفاعيله. ولكننا نفهمه من خلال ما لا يعنيه. اي ان الكلام الذي نُقل عن مقربين منه قبل وفاته ظهر أمس من انه كان يُظهر في الايام الاخيرة اشارات تدل على قدرته على السمع يعني انه قبل ذلك لم يكن يرتبط بالعالم من حوله بحاسة السمع وبطبيعة الحال كان معزولاً عنه بعدم قدزته على الكلام. ولكن لهذه الحقيقة دلالات أخرى ربما لا تذهب أبعد من الاعتقادات الشعبية الموروثة او الماورائية من ان يقظة غالباً ما تسبق الموت. فماذا سمع شاهين في ايامه الاخيرة؟ وهل يمكن الذهاب الى حد قول ان سنواته الاخيرة كانت برمتها يقظة ما قبل الموت؟ لقد كان السينمائي ومن دون شك يعيش هاجس الموت منذ سنوات. مازالت كلمته ترن في أذني "الموت في أثري" قالها بعيد تكريمه وعرض فيلمه "سكوت حنصور" في مهرجان البندقية العام 2001 بعد ان كان قد تعرض لنكسة صحية ابان تصوير الفيلم. على أثرها، أعلن انه في صدد التحضير لثلاثية جديدة في عنوان "الرغبة في الحياة" لاعتقاده بأنه لولا تمسكه بالحياة لمات قبل ذلك عدة مرات. ولعل ذلك ما صالحه مع كثيرين من محاربيه ومنتقديه خلال العقد الاخير او أكثر بقليل ممن رموا أسلحة التشهير وحتى مع مقدسيه ممن وضعوا جانباً رايات التهليل لتطفو على السطح صورة شاهين الذي لا يتوقف عن العمل ويسابق الزمن ليدلو بدلوه في كل قضية عامة وان بخطاب شبه معروف. غير انه أثار إعجاب كثيرين بقدرته على العمل المتواصل وقد تجاوز العقد السابع وبحيويته وحماسته في ما لم تشهده السينما العربية من قبل.

بعيداً من الوقوع في قسوة التعبير او صلافته، تبدو لي ميتة شاهين تلك متأثراً بجلطة دماغية أصابته في الرابع عشر من حزيران/ يونيو الفائت ميتة تختصر ماهية حياته ومسيرته السينمائية في شكل رمزي عميق. العقل كان دوماً موضع القلق في حياة شاهين ومنبع سينماه التي لم تكن سوى مرآة لتقلباته الفكرية وتواتر حالاته الذهنية وتبدل مواقفه السياسية. ولعل تلك التحولات الفكرية والسياسية هي التي صنعت اشكالية شاهين بين النقاد والجمهور على مدى نحو ستة عقود من العمل السينمائي أكثر من مغامراته الاسلوبية في السينما. ذلك ان سيرة شاهين الحياتية تملك من التناقضات والغموض والتحولات ما يجعلها مثيرة من أكثر من زاوية وربما أحبها الى قلب المحللين تلك الزاوية التي يمكن من خلالها ان نطل على سينماه.

شاهين اليوم، او الأحرى الذي غاب في الامس، الذي سيسيل الحبر في استذكار مسيرته ومراجعة محطاتها هو اشهر مخرج مصري وعربي. تحول مخرجاً/نجماً عندما حقق نقلة نوعية فى التعامل مع السينما حيث بدأت تنسب الى المخرج وليس الى النجم وحاز"العالمية" كما يحلو لكثيرين القول من خلال اعتراف المهرجانات الكبرى به وآخرها التكريم الذي حازه العام 1998 في خمسينية مهرجان كان السينمائي. ولعل من مفارقات ذلك ان الذين يعرفونه في العالم العربي يفوق عددهم الذين شاهدوا أفلامه. وأولئك يعرفونه من خلال "الصورة" التي تم اختصاره بها وهي صورة تقوم على حدين: إما التهليل وإما "التكفير" وفي حدها الوسطي تختزله بالمخرج "المتحذلق". واذا كانت علاقة شاهين بالسينما قامت على كل تلك التحولات فإنها ايضاً خرجت من علاقة جدلية مع نشأته ومحيطه وانتقلت الى السينما في شكل تجاذبات حادة في بداياته تحت راية صفات من نوع "المتمرد" و"المشاكس" والقادر دوماً على إثارة المفاجآت.

الحياة الاولى

ولد يوسف شاهين في السادس والعشرين من كانون الثاني/يناير العام 1926 في مدينة الاسكندرية من عائلة مهاجرة، ترك أجدادها بلدة "زحلة" اللبنانية وابحروا الى الاسكندرية الكوزموبوليتية في ذلك الحين. طغى على سكان الاسكندرية وقتذاك وجود "الخواجات" فامتزجت الثقافات والافكار وتصارعت الرغبات في ملعب الطموح السياسي والمالي.. بينهم عاش يوسف، نصف خواجة بامكانات مالية شحيحة وعناد شخصى لا حدود له. كان والده محامياً يحلم بأن يحذو ابنه حذوه ويرتقي درجة في سلم البورجوازية.

كان الشاب مرتبكاً دائما ويتكلم بسرعة لكى لا يلحظ احد توتراته الداخلية. ظل اسير رغبات العائلة واحلامها بالصعود جاهداً في محاولات اقناع المحيط الغريب من حوله بقبوله. هو الفقير بين ارستقراطية الاسكندرية فى مدرسة فيكتوريا كوليدج ( تخرج منها ملوك وتجار و نجوم، من الملك حسين الى ادوارد سعيد مرورا بعمر الشريف). احلامه كبيرة. متعثرة. لايقدر على شراء بدلة على الموضة ولا حذاء ابيض. يملك فقط خفة الدم ومهارة الرقص. تلك كانت ادواته فى لفت الانتباه وسط محيط الاغنياء المتعجرفين. والحكايات كثيرة عن المواقف التي تعرض لها في محيطه الطبقي ذاك، تذكر بأفلام عبد الحليم حافظ التي لعب فيها غالباً دور الشاب الفقير الذي يريد ولوج مجتمع الاثرياء ومنها انه في احدى المرات كان مدعواً الى حفلة ولكنه لم يستطع الذهاب لان الاختيار كان اما ان يشترى بدلة او أن تشترى اخته فستانا جديدا.

تركت تلك الحكايات أثرها في شاهين وبدا واضحاً انه بذكائه الاجتماعي كان جاهزاً ليتلقف فرصة الصعود البديلة. وتلك تمثلت في الفن والحادثة الشهيرة تروي انه وقف امام صفٍّ من ثلاثين طالباً والقى مونولوغ الملك "ريتشارد الثانى"احد ابطال تراجيديا شكسبير فى لحظة حُكم على الملك فيها بالتنازل عن كل شىء. لعب الشاب بكل اعصابه للسيطرة على المشاعر الهائجة والساخطة وانهى المشهد بدموع ساخنة فاستقبله زملاءه بتصفيق حاد وهو المشهد الذي سيجسده بشكل او بآخر في فيلم السيرة الذاتية الاخير "اسكندرية نيويورك".

يومها اكتشف الفن وسيلة لاثبات الوجود و اكتشف تأثير المسرح الذي سيظهر في سينماه الاولى خلال الخمسينات. كما اكتشف شكسبير. هكذا تحول الحلم من الارتقاء البطيء في الطبقة البورجوازية عن طريق الوظيفة الثابتة الى التمثيل والنجومية. وهنا استنفرت العائلة كل طاقاتها المالية فباعوا قطعاً من الاثاث والبيانو لكي يركب الشاب الطموح السفينة الى "باسادينا" الاميركية.

الحياة الثانية

في باسادينا، اكتشف انه لا يصلح للتمثيل. ولكنه درس الاخراج وعاد الى مصر التي يحب ان يشبه عودته اليها بعودة بطل فيلمه "ابن النيل" المغامر الذى اكتشف وجه المدينة الشرير وعاد ليبحث عن تحقق فى الريف. هو عاد ليكون مخرجا مصرياً. بعيد عودته، قابل المصور الايطالى الفيزى اورفانيللى الذى فتح الباب امام اول تجربة له :""بابا امين" ليصبح مخرجاً وهو لما يتجاوز الثالثة والعشرين. بعد الفيلم الاول في العام 1950، توالت افلام عقد الخمسينات كالتالي: "ابن النيل" (1951)، "المهرج الكبير" و"سيدة القطار" (1952)، "نساء بلا رجال" (1953)، "صراع في الوادي" و"شيطان الصحراء" (1954)، "صراع في الميناء" (1956)، "انت حبيبي" و"ودعت حبك" (1957). عن تلك المرحلة وافلامها يقول في حوار خاص (نُشر في جريدة المستقبل): "بابا امين" فيلم عن والدي الذي لم يعرف كيف يتصرف بالمال برغم انه كان محامياً. مع فريد الاطرش "انت حبيبي" اقول انه كان عملاً من اجل المال ولكن ذلك لا يمنعني من القول ان فريد كان شخصاً كريماً بالفعل وان المرحلة التي اخرج فيها الفيلم كانت مؤاتية. انا لم أخف من التنويع ابداً ابن النيل هو الفيلم الذي كنت أود ان ابدأ به مسيرتي السينمائية وقد كتبته اقتباساً عن مسرحية شاهدتها في اميركا. ولكنه بالنسبة الى المصور الايطالي الفيزي اورفانيللي الذي ساندني بعد عودتي من دراستي كان صعباً كبداية. لذلك بدأت ببابا امين الاكثر خفة. علي القول بأن افلام تلك المرحلة، اي الخمسينات، كانت اكثر براءة لأن الوعي السياسي لم يكن قد ظهر بعد. لذلك يعثر المشاهد في هذه الافلام على التكوين العائلي وشخصيات الام والاب لأن ذاك كان محيطي ولم اكن قد تشجعت بعد للكلام على الحب والعلاقات والجنس. ذلك استلزم السيرة الذاتية. انما التنوع اللاحق هو نتيجة التماشي مع الحداثة التي تقود المرء احياناً الى حكايات مختلفة وجانبية وذلك حصّنني الى حد بعيد ضد التأثيرات السلبية الكثيرة من حولي. كما ان الخمسينات كانت مثالاً على تأثري بالسينما الاميركية والمسرح. "

كان الصراع سمة تلك الافلام الاولى التي تحدثت دائماً عن شر داهم مصدره خارج الانسان. فهو اما المدينة واما الاقطاع وامام الاحتلال وغالباً ما كان في مقدمة الحبكة قصة حب من النوع العاطفي او الرومنسي وغالباً ايضاً ما قامت تلك الافلام على النجوم فكان نجاحها مرتبطاً بهم الى حد بعيد. ولا ننسى ان معظم تلك الافلام جاء في أعقاب ثورة يوليو التي قامت على فكرة الغاء الطبقية او بشكل ألطف التصالح الطبقي. جاء العام 1958 ليقلب الموازين اذ حقق شاهين خلاله فيلمه الكلاسيكي الواقعي "باب الحديد" الذي وان حافظ على موضوعة الصراع والظلم الواقع على الفقراء الا انه قدم عناصر جديدة على تركيبة السينما المصرية. فقد طرح موضوع الاستلاب الجنسي في شكل اساسي ومباشر وقدم فيه شاهين نفسه ممثلاً للمرة الاولى والاخيرة في دور "قناوي" بائع الصحف المشوه الذي يعاني من مشكلات نفسية. وفضلاً عن ذلك، لم تكن معادلة النجوم هي السائدة اذ ظهر فيه فريد شوقي "ملك الترسو" في ذلك الوقت في دور لا يشبه كثيراً بطولاته المعهودة بينما بقي حضور هند رستم نجومي بامتياز. المهم ان الفيلم استثار الجمهور، جمهور "ملك الترسو" فكسروا السينما ولفظوا الفيلم الذي ظل خارج التداول والاعتراف لسنوات طويلة غير انه كان البداية الحقيقية لمسيرة يوسف شاهين السينمائية.

الهاجس الوطني

بعد سنوات من العمل على أفلام تصدت للصراع الاجتماعي بملامحه الطبقية وبعيد الانتصارات التي أعقبت العام 1958 (عدوان السويس وتأميم القناة واشتداد الحرب الجزائرية...) بدا المناخ ملائماً للانتقال الى الموضوعات الوطنية فكان فيلم "جميلة" عام 1958 الذي تناول النضال الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي من خلال شخصية المناضلة جميلة بوحيرد. على الرغم من النجاح الجماهيري الذي حازه الفيلم، لم يكن عملاً ينتمي تماماً الى شاهين لاسيما في اعقاب التحول الذي أرساه "باب الحديد". ولكنه مهد لعمل ثانٍ من النسق الوطني عينه هو "الناصر صلاح الدين" الذي اوكل به الى شاهين المخرج عز الدين ذوالفقار قبيل وفاته. لم يكن الفيلم عن صلاح الدين تماماً بقدر ما كان يرمي الى رسم تماثل بين شخصية صلاح الدين وجمال عبد الناصر. على الرغم من الانتاج الضخم والمدة الطويلة التي استغرقها انجاز الفيلم، لم يحقق اي نجاح يذكر. فعاد بعده الى فيلم اجتماعي ذي ملامح سياسية هو "فجر يوم جديد" عام 1964 والذي لن يحقق لمخرجه اية اضافة كما هي حال افلامه التالية حتى العام 1970 وفيلم "الارض" الذي أعاده الى رحلة الصعود بعيد نكسة 1967 التي يصفها بانها اكثر التحولات السياسية تأثيراً فيه وبوعيه. كان "الارض" فاتحة لمرحلة انجز فيها ما يمكن ان نسميه افلام الهزيمة وهي: "الاختيار" و"العصفور" و"عودة الابن الضال". اتسمت تلك الافلام بالقلق والتساؤلات الكثيرة والحدة والادانة لاسيما لدور المثقف وهو ما سيعود الى التصالح معه في مرحلة لاحقة مع افلام مثل "المصير " و"الآخر". اتسمت افلام الهزيمة، الى حدة النقد والادانة، بلغة سينمائية معقدة اصبح شاهين بعدها من عدة المثقف ووصفت سينماه بسينما المثقفين. تكرست التسمية مع المرحلة التالية مرحلة الافلام الذاتية التي اتسمت بشخصية الفنان القلق الذي يعري ذاته ويحاكمها كما في ثلاثيته: "اسكندريه ليه" (1979)، "حدوتة مصرية" (1982 و"اسكندرية كمان وكمان" (1990). (ستكون لنا لاحقاً وقفة تحليلية مفصلة في مقالة منفصلة). منذ افلام النكسة ومروراً بالافلام الذاتية، ظلت افلام شاهين بعيدة من التداول العام، محاصرة فى قاعات خاصة وحكايات منقولة عن نخبة من المشاهدين لأفلام تُختصر بتعبير "سينما المثقفين" الفضفاض. ويقصد بها سينما مختلفة لا تفهمها سوى شريحة مميزة تختلف بقدرتها على ممارسة "المتعة الذهنية" عن "الجمهور العادي" الباحث عن متعة حسية أو تسلية أو حكاية لا تقض استقراره بل تطمئنه. وذلك الفرز وضع أفلام شاهين في خانة التبعية اما للسياسة او للفكر وصنع صورته الندية والضدية في مرحلة ما لمخرج مثل حسن الامام مثلاً ملك الميلودراما الجماهيرية. هكذا أصبح شاهين من عدة المثقف بأفلامه التي تلعب على خطي النقد السياسي والنقد الذاتي القائم على الرموز.

المعلم والحقيقة

لاحقاً، تحول شاهين مرشداً ومعلماً ينوء تحت ثقل "الحقيقة" و"واجب" ايصالها الى الناس في اسلوب ممسرح ثقيل تجلى في "المصير" و"الآخر" و"سكوت حنصور"، عاد الى المجرى العام وصار نجماً عمومياً وترافق ذلك مع مشاركة التلفزيون المصري (الحكومي) فى الانتاج ورفع قرارات المنع غير المعلنة عن أفلامه وعرضها للجمهور.

فأفلام شاهين الأخيرة وتحديداً منذ "المصير" (1997) او ربما "المهاجر" (1994)، نزعت الى الخطابة التي انعكست على الشاشة في مشاهد مسرحية ومونولوغات طويلة واستعراضات ذهنية للشخصيات. كل ذلك جعل النقد والتفكير والالعاب الذهنية خطاً منفصلاً في الافلام بخلاف أفلامه الاولى ـ "بابا أمين" مثلاً ـ التي حملت النقد وان مخففاً في سياق الفيلم. لقد بدا شاهين في أفلامه الأخيرة وكأنه يعود الى الرسائل الفكرية او ما تبقى منها ليصبح "كيتش". فكان خطاب "المصير" رسالة دعائية ضد سيطرة الاصوليين انما بالطريقة الشائعة: رمز من التراث "ابن رشد" في مواجهة رمز مضاد من نفس التراث. أسلحة قديمة في معركة جاهزة تحمل رسالة كبرى الى الجمهور. انه شاهين المعلم هنا وليس القلق، الفصيح وليس المتأتئ. واذا كانت أفلامه السياسية الاولى قامت على جهود "مهندسين" في الخلفية مثل لطفي الخولي في "العصفور" وصلاح جاهين في "عودة الابن الضال" ويوسف ادريس صاحب فكرة "حدوتة مصرية"، فإن المرحلة السياسية الاخيرة اقترنت باسم خالد يوسف مساعداً بدايةً ومن ثم صانع أفلامه الخاصة (العاصفة كان فيلمه الاول على خلفية حرب الخليج الاولى) وأخيراً مشاركاً في إخراج آخر أفلامه "هي فوضى". لعله من المبالغة القول ان يوسف أخذ مكان الخولي او جاهين على الأقل ليس في "الآخر" و"سكوت حنصور" كصانع الخلفية السياسية ولكن دوره كان كبيراً حتماً في تظهير الخطاب السياسي للفيلم الأخير.

وبعد... يل يمكن القول ان السيرة اكتملت؟ هل ختم الموت سيرة شاهين؟ المؤكد وبصرف النظر عن اي تقويم او حكم، فإن سيرة شاهين الحياتية والمهنية لن تركن الى الماضي او التاريخ في وقت قريب لأنها ستظل مسيرة أكثر السينمائيين العرب انتاجاً واشكالية واثارة للفضول والاعجاب والنقد على حد سواء. فلتبدأ سيرة جديدة الآن مبنية على النهاية وليس البداية وقائمة قبل اي شيء على علاقة أفلامه بالزمن المقبل. انه الموت يعيد الاشياء الى اصولها في رحلة بحث واستكشاف هادئة لاشك في ان يوسف شاهين يستحقها.

المستقبل اللبنانية في 28 يوليو 2008

 
 

وداعاً يوسف شاهين

شريف صالح

ودعت السينما العربية آخر فرسانها الكبار، آخر عمالقة الاخراج، يوسف شاهين، «الاسكندراني» الفذ، أغلق أخيراً عين الكاميرا واستراح، الطفل المشاغب أسلم الروح الى بارئها عن اثنين وثمانين عاماً، قضى منها ستين عاماً مؤرخاً بالصور لـ «مصير» وطن رآه في مفترق طرق، غنى من القلب «حدوتة مصرية» تركها أمانة في أعناق تلاميذه، آن للابن «الضال» ان يريح جسده المتعب بعد اغتراب السنين ويصغي الى انشودة «العصفور»، ها هو «المهاجر» الباحث عن الخير والحق والجمال يتوقف عن التحليق، وها هو الفارس النبيل الذي حارب بالفن جميع أشكال الفوضى والارهاب والاستعمار، يترجل أخيراً. كان قلبه على الدوام معلقاً بهموم أمته العربية فاستلهم لها من الماضي المجيد «الناصر صلاح الدين» ومن الحاضر الزاهر «جميلة بوحيرد»، وظل حتى آخر لحظة من عمره مناضلاً في الواقع كما هو على الشاشة، متشبثاً بـ«الأرض» وناسها البسطاء الشرفاء. وفي كل عمل جديد يدعوهم الى تحطيم «باب الحديد» والانطلاق في فضاء الحرية والعدالة.

أكثر من أربعين فيلماً، أصبح معظمها علامة مضيئة في تاريخ السينما العربية، مزج فيها بين الخيال والتوثيق، واستلهم فيها الماضي والحاضر مستشرفا مستقبلا أفضل، راصدا بكاميرا شجاعة هموم الريف والمدينة، وصراع الانسان والسلطة، الاستقلال والتبعية. وفي كل جديد له كان مثيراً للجدل، الى درجة رفع قضايا ضده لمنع عرض أفلامه، لكن المشوار استمر بالحماس نفسه، وبالصدق ذاته.

قدم السينما بجميع أشكالها من الفيلم الغنائي والاستعراضي، مروراً بالواقعي والاجتماعي والتاريخي والوثائقي، وانتهاء بالأفلام ذات الحس التجريبي والتي تسجل سيرته الخاصة. وفي كل تجربة كان الجمهور على وعد بجيل جديد من الممثلين البارعين، فهو مكتشف بارع لعشرات النجوم ابتداء من عمر الشريف وانتهاء بــ خالد صالح، وحتى من كانت لهم تجارب قبله أعاد اكتشافهم بطريقته الخاصة. ولد يوسف جبريل شاهين لأبوين مسيحيين مصريين من الطبقة الوسطى، في 25 يناير 1926، ونشأ في الاسكندرية و كمعظم الأسر التي عاشت في الاسكندرية في تلك الفترة كان هناك خمس لغات يتم التحدث بها في بيت يوسف شاهين. وعلى الرغم من انتمائه للطبقة المتوسطة كانت دراسته في مدارس خاصة منها مدرسة كلية فيكتوريا Victoria College حتى حصل على الشهادة المدرسية الثانوية. بعد سنة في جامعة الاسكندرية، انتقل الى الولايات المتحدة وأمضى سنتين في دار پاسادينا Pasadena Play House يدرس صناعة الأفلام والفنون الدرامية. بعد عودته الى مصر، ساعده المصور الشهير أل?يز أورفانيللي بالدخول في العمل بصناعة الأفلام ليقدم أول أفلامه «بابا أمين» مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة. وبعده بعام قدم «ابن النيل» مع شكري سرحان وهو أول عمل له يشارك في مهرجان كان السينمائي الدولي.

وخلال مشواره الثري حصد شاهين عشرات الجوائز أبرزها جائزة الدب الفضي من مهرجان برلين عن «اسكندرية ليه» الذي يعد الجزء الأول من رباعية تروي سيرته الشخصية الى جانب «حدوتة مصرية»، «اسكندرية كمان وكمان»، «اسكندرية نيويورك». ثم كان التكريم الأهم بحصوله جائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان كان في عيده الـ50 عن فيلمه المصير (1997)، ومنحه رتبة ضابط من فرنسا عام 2006. ومن مصر حصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 1994 وعلى جائزة مهرجان قرطاج عام 1970 عن مجمل أعماله.

الى جانب عمله الأساسي كمخرج شارك شاهين في جميع مجالات صناعة السينما وأبرزها الانتاج، سواء كشريك في أعماله أو كمنتج لأعمال غيره مثل «سرقات صيفية» لتلميذه يسري نصر الله، والمشاركة في كتابة حوالي 20 فيلما. لكن التجربة الأهم كانت ظهوره كممثل أو ضيف شرف في العديد من الأعمال، أهمها تجسيده لشخصية «قناوي» في فيلمه الشهير «باب الحديد».

وفي معظم ظهوره كان بشخصيته الحقيقية كمخرج يوجه بعفوية الممثلين والفنيين، وآخر ظهور له أمام الكاميرا كان في فيلم «ويجا» لتلميذه الوفي خالد يوسف الذي شاركه اخراج آخر أفلامه «هي فوضى» حيث أصر شاهين ان يكتب الاسمان معاً كمخرجين للعمل، رغم ان خالد اعتاد على ان يكون مخرجا مساعدا له لسنوات عدة. لكنه الأستاذ الذي يدرك سنة الحياة ولا يريد ان يبخس تلميذه حقه وجهده.

وسجلت كاميرا «جو» تاريخاً مهماً لنجوم أضاءوا أمام كاميرا يوسف شاهين نذكر منهم: سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، النجم العالمي عمر الشريف، العملاق محمود المليجي، شكري سرحان، حمدي غيث، زكي رستم، يوسف وهبي، زكي طليمات، ليلى مراد، هند رستم، تحية كاريوكا، شادية، فريد الأطرش، يحيى شاهين، أحمد مظهر، صلاح ذو الفقار، هدى سلطان، فيروز، ماجدة، محسنة توفيق، فريد شوقي، سعاد حسني، نور الشريف، ماجدة الخطيب، محمود ياسين، عزت العلايلي، أحمد زكي، أحمد بدير، لطيفة، محمود حميدة، داليدا، رجاء حسين، سهير المرشدي، يسرا، ماجدة الرومي، هشام سليم، محسن محيي الدين، خالد النبوي، حنان ترك، منة شلبي، وخالد صالح. ورغم حرصه على ضخ دماء جديدة في أعماله واكتشاف الشباب لكن من المعروف عنه وفاؤه لفريقه الفني من ممثلين وفنيين، لذلك رأينا نجما مخضرما مثل محمود المليجي في العديد من أفلامه، وفي المرحلة الأخيرة كان نور الشريف ويسرا ومحمود حميدة الأكثر حضوراً في أعماله.

كما تتلمذ على يديه العديد من المخرجين المتميزين أمثال داود عبد السيد، يسري نصر الله، الراحل رضوان الكاشف، علي بدرخان، خالد الحجر، خالد يوسف، مجدي احمد علي وعماد البهات.

ورغم تأسيسه لشركة «أفلام مصر العالمية» لكنه لم يسع أبدا للربح على حساب القيمة الفنية، بل أعطى مثالاً حياً للمنتج الملتزم بقضايا وطنه ودوره كمخرج رائد، واستفاد في ذلك من نظام الانتاج المشترك مع شركات عالمية خصوصا الفرنسية، حيث تربطه بفرنسا الدولة والثقافة روابط وطيدة، فهو يتحدث الفرنسية بطلاقة، وزوجته فرنسية، بل وكانت له تجربة في اخراج مسرحية «كاليغولا» على واحد من أعرق مسارح باريس. ويأتي لجوء شاهين الى الانتاج كحل وحيد للبقاء في الساحة بعد ان حاربته المؤسسة الرسمية في مصر اثر اتهامه للسلطة السياسية في مصر بالمسؤولية المباشرة عن النكسة في فيلم «العصفور». وفي تلك الفترة آثر مغادرة القاهرة الى بيروت حيث قضى حوالي أربع سنوات أثمرت عن فيلم «بياع الخواتم» للسيدة فيروز، قبل ان يعود الى القاهرة بقرار من الرئيس السادات. ورغم ذلك لم يهادن وظل معارضاً صلبا للعديد من السياسات الحكومية، ليس في أعماله الفنية فقط، بل حتى في مواقفه الشخصية وحواراته المختلفة. ولعله المخرج الوحيد بين أبناء جيله الذي استبسل كي يبقى متوهجا وراء الكاميرا، دون ان يستسلم للضغوط الانتاجية أو السياسية أو حتى الظروف الصحية، وفي الخامس عشر من الشهر الماضي أُصيب شاهين بنزيف متكرر بالمخ، ودخل على اثره في غيبوبة كاملة اقتضت نقله الى باريس، دون ان تتحسن حالته، ليعود الى وطنه ليقضي أيامه الأخيرة في مستشفى المعادي للقوات المسلحة حيث لفظ انفاسه الأخيرة.

فيلموغرافيا

-1 بابا أمين (1950).

2 - ابن النيل (1951).

3 - المهرج الكبير (1952).

4 - سيدة القطار (1953).

5 - نساء بل رجال (1953)

6 - صراع في الوادي (1954).

7 - شيطان الصحراء (1954)

8 - صراع في الميناء (1956).

9 - ودعت حبك (1957).

10 - أنت حبيبي (1957).

11 - جميلة (1958).

12 - باب الحديد (1959).

13 - بين إيديك (1960).

14 - رجل في حياتي (1961).

15 - نداء العشاق (1961).

16 - الناصر صلاح الدين (1963).

17 - فجر يوم جديد (1964).

18 - بياع الخواتم (1965).

19 - الناس والنيل (1968).

20 - الأرض (1969).

21 - الاختيار (1970).

22 - رمال من ذهب (1971).

23 - سلوى (1972).

24 - العصفور (1972).

25 - انطلاق (1974).

26 - عودة الابن الضال (1976).

27 - إسكندرية ليه (1978).

28 - حدوتة مصرية (1982).

29 - وداعاً بونابرت (1985).

30 - اليوم السادس (1986).

31 - إسكندرية كمان وكمان (1990).

32 - القاهرة في عيون شاهين (1991).

33 - القاهرة منورة بأهلها (1991).

34 - المهاجر (1994).

35 - المصير (1997).

36 - الآخر (1999).

37 - سكوت ح نصور (2001).

38 - 11 سبتمبر (2002).

39 - إسكندرية - نيويورك (2004).

40 - هي فوضى (2007).

النهار الكويتية في 28 يوليو 2008

 
 

سينمائيون أردنيون:

وفاة يوسف شاهين خسارة حقيقية للسينما العربية

الدستور - خالد سامح

عبر عدد من الفنانين والنقاد السينمائيين الاردنيين عن بالغ حزنهم لوفاة المخرج العربي الكبير يوسف شاهين مؤكدين انه احد عباقرة السينما ومن المخرجين العرب القلائل الذين اوصلوا السينما العربية للعالمية كما طوروا من اساليبها ومناهجها وقدموا افكارا جريئة من خلالها.

ونشير الى ان المخرج العالمي توفي امس بعد صراع مع المرض وغيبوبة استمرت ما يقارب شهرا ولم يسعفه منها العلاج في افضل مستشفيات القاهرة وباريس. وقد ولد يوسف شاهين عام 1926 في مدينة الاسكندرية وتعلم الاخراج السينمائي في دار باسادينا في الولايات المتحدة الامريكية وشق حياته الفنية بداية الخمسينيات اي في الفترة التي سيطر فيها الخطاب الرومانسي التقليدي على السينما المصرية فاستطاع ان يثبت ذاته من خلال العديد من الافلام التي اصبحت فيما بعد علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية والعالمية وذلك لعمقها وتناولها الكثير من القضايا الانسانية الوجودية وحوادث تاريخية وسياسية مهمة مبتدئا تلك الافلام بـ"بابا امين"عام 1950 ثم"ابن النيل"و"صراع في الوادي"ثم"صراع في الميناء"وصولا الى فيلمه الاشهر وربما الاهم وهو"باب الحديد"الذي شارك هو شخصيا بتمثيله وبرع بأداء دور الفتى الاعرج ذي الرغبات الجنسية المكبوتة وفي العام 1965 أخرج فيلم"بياع الخواتم"للسيدة الكبيرة فيروز الذي يتناول علاقة السلطة بالافراد وبعد هزيمة عام 1967 اتجه شاهين نحو مزيد من الافلام السياسية ومنها"العصفور"و"الارض"وفي السنوات الاخيرة الماضية قدم شاهين"المصير"الذي يروي فيه سيرة حياة الفيلسوف العربي ابن رشد وتعرضه للاضطهاد والقمع في الاندلس وفيلم"المهاجر" و" الآخر"و"سكوت حنصور"واخيرا"هي فوضى"الذي شاركه في اخراجه تلميذه خالد يوسف وقد أثارت معظم افلامه سجالا حادا ورفع البعض قضايا ضده بتهمة التطاول على المقدسات والمعتقدات الدينية .

انحاز شاهين في جميع افلامه للحرية كخلاص للفرد والمجتمع كما ناصر حركات التحرر العربية فاستحق الجائزة الاولى في مهرجان موسكو السينمائي عن فيلمه"جميلة بوحيرد"الذي يقدم فيه سيرة حياة المناضلة الجزائرية وجوانب من نضالها ضد الاستعمار الفرنسي كما كرم عام 1997 عن مجمل اعماله في مهرجان كان السينمائي الذي عرض له فيه فيلم"المصير".

مدانات : مخرج اشكالي شكل ظاهرة

الناقد السينمائي عدنان مدانات اكد ان المخرج يوسف شاهين شكل ظاهرة تفاوتت الآراء حولها ورغم كل ما تعرض له من اشكالات لاسيما بعد افلامه الاخيرة التي تمس بعض المحرمات بقي متمسكا بحقه في حرية الرأي والتعبير عن افكاره. واضاف مدانات"برز اسم شاهين بصورة واضحة بعد فيلمه الشهير"باب الحديد" الذي اعتبر بعده احد المخرجين الذين يمثلون الوجه الجديد للسينما الواقعية في العالم العربي ومنذ ذلك الفيلم بدا شاهين بتقديم افلام يشكل كل منها ظاهرة سينمائية جديدة ومنها"الناصر صلاح الدين"و"جميلة بوحيرد" و"الارض"ثم"العصفور" ثم خوضه لافلام السيرة الذاتية التي شكلت نمطا جديدا في السينما العربية واخيرا مرحلة الافلام التي اعتمد في الكثير منها على التمويل الاجنبي والتي تطرح افكارا جريئة لها علاقة بالموروث الديني مما عرض حياته للخطر والتهديد بالاغتيال "

واشار مدانات الى ان يوسف شاهين يبقى في الذاكرة السينمائية العربية احد ابرز المشاكسين والمتحدين لاعراف المجتمع وقيوده.

الزعبي : مخرج عالمي بامتياز

كما رأى المخرج فيصل الزعبي ان يوسف شاهين لاينتمي الى فكرة السينما المصرية او العربية بل هو مخرج عالمي وصاحب طريقة لافتة وحرفية خاصة. وتابع"سيتذكر المخرجون العرب بغياب يوسف شاهين الخطر الذي تواجهه السينما العربية فشاهين منذ بداياته شكل مدرسة وكان ينتمي الى لغة سينمائية عالمية من خلال اساليبه الفنية المستحدثة وتناوله الاشكالي للدراما والسيناريو السينمائي".

واكد الزعبي ان الثقافة العربية فقدت علما مميزا استطاع ومنذ 60 عاما ان يضع السينما العربية مقابل سينمات العالم .

حسن : صاحب السينما الناضجة

الناقد السينمائي ناجح حسن نوه بأهمية يوسف شاهين وقال"هو احد المخرجين القلائل الذين استطاعوا ايصال السينما العربية الى مدى عالمي نتيجة لقدرته وبراعته في تقديم جماليات ناضجة مدعمة بفكر جريء حيث استطاع من خلال كل ذلك ان يصل الى قطاع واسع من عشاق السينما في العالم وان يشارك في اهم المهرجانات العالمية ويقطف الجوائز ومنها مهرجان كان الذي كرم فيه على مجمل اعماله ومهرجان موسكو وبرلين وقرطاج والبندقية والقاهرة والاسكندرية ودمشق وغيرها من المهرجانات".

الدستور الأردنية في 28 يوليو 2008

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)