كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مصطفي درويش يكتب:

هزائم النساء على الشاشة عـرض مستـمـر

السينما المصرية في عيدها المئوي

   
 
 
 
 

للنساء وضع خاص يتميزن به عن سائر الفئات الاجتماعية، وذلك بحكم أنهن لا ينتسبن إلى وحدات قابلة للعزل والاستبعاد. فكما هو معروف، هن نصف لكل شامل الجنس البشرى. إذن، فوجودهن أمر جوهرى، إن لم يكن لازما، وحتى الآن ليس له بديل. وتبعا لذلك فاستغلالهن لا يمكن أن يتماثل مع استغلال غيرهن من الفئات الاجتماعية، ومن ثم فلابد أن تختلف الطرق والوسائل. وعن ذلك، قالت بحق «جولييت ميتشل» فى مقال لها تحت عنوان «النساء.. أطول ثورة»: «إن الوجود الإنسانى يرتهن بهن، ولا يتصور بدونهن.. ومع ذلك، فهن أضعف الخلق، مجرد كائنات هامشية، فيما يسند إليهن من أدوار اقتصادية واجتماعية وسياسية».

أياً ما كان الأمر، فذلك الجمع بين اللزوم والهامشية فى آن، هو الذى أدى - مع عوامل أخرى - إلى كارثة فقدان النساء الحرية، وما كان بين جنسهن وجنس الرجال من مساواة فى زمان موغل فى القدم. ومما يؤيد وضعهن الهامشى ويؤكده تاريخهن فى عالم السينما، منذ البداية، قبل أكثر من قرن من عمر الزمان، وحتى يومنا هذا. فرغم أن أول فيلم روائى كان من إخراج امرأة «إليس جى» «1896»، فالإبداع السينمائى على امتداد تاريخ الفن السابع، كان فى معظمه، ولايزال، من صنع الرجال، ومن هنا غلب الفكر الجانح إلى القول بأن النساء أقل من الرجال عقلا، ومن الحق عليهن أن يخضعن لسيادة الرجال وتحكمهم، غلب على ما ينتجه مصنع الأحلام فى هوليوود وغيره من المصانع فى مشارق الأرض ومغاربها. وبطبيعة الحال، كان وضع النساء فى مصر مماثلا لوضعهن عالميا. فرغم أن العلامة رفاعة رافع الطهطاوى طالب، قبل مائة وأربعة وثلاثين عاما، بمساواة المرأة بالرجل، حتى إنه قال: «فإذا أمعن العاقل النظر الدقيق فى هيئة الرجل والمرأة فى أى وجه من الوجوه، فى أية نسبة من النسب، لم يجد إلا فرقا يسيرا، يظهر فى الذكورة والأنوثة، وما يتعلق بهما، فالذكورة والأنوثة هما موضع التباين والتضاد». ورغم أنه بدءا من قول الطهطاوى هذا، وحتى 16 من نوفمبر لعام ,1927 تاريخ عرض أول فيلم مصرى روائى طويل، وقعت أحداث جسام، عملت على تغيير الهيكلين السياسى والاجتماعى تغييرا جوهريا.

وكان من بين آثار ذلك أن انفتح أمام المرأة طريق التحرر من التخلف الفكرى الذى أرخى بسواده لسنوات طويلة من الانحطاط. فعلى امتداد العقود المنحدرة على مسار الحقبة التاريخية بدءا من قول «الطهطاوى»، وحتى عرض فيلم «ليلى»، نشر المفكر «قاسم أمين»، كتابه الشهير «تحرير المرأة». وكتب الشيخ الإمام «محمد عبده» مفتى الديار المصرية ما مفاده أن «تعدد الزوجات» نظام عفى عليه الزمان، وفتحت وزارة المعارف أول مدرسة لتعليم البنات. ومع رجة ثورة ,1919 بدأت المرأة تعى دورها فى المجتمع شيئا فشيئا. فكان أن اشتدت بها الرغبة فى المشاركة بقسطها العادل فى الحركة الوطنية، وفى تشييد البناء الحضارى الجديد، فأقامت الاتحاد النسائى المصرى تحت رئاسة «هدى هانم شعراوى»، التى ما إن عادت من المؤتمر النسائى العالمى المنعقد فى روما «1923»، حتى خلعت «اليشمك»، الحجاب، منادية بالسفور. وفى هذه الأثناء صدر تحت تأثير ثورة 1919 قانون جعل التعليم الأولى إجباريا بالنسبة للبنات. رغم كل ذلك كان تأثير التقدم فى الحركة النسائية على السينما، أقل من القليل. ومن عجب أن هذا التأثير لم يكن واضحا إلا فى حالتين: إحداهما إسناد الأدوار النسائية، منذ البداية، لا إلى ممثلين رجال متنكرين فى شكل نسائى، وإنما إلى ممثلات حقيقيات، وذلك عكس الحال فى أفلام بلاد أخرى، بدأت الإنتاج السينمائى فى تاريخ مواكب لبدئه فى مصر، والأخرى انفراد المرأة، والسينما لاتزال تحبو، بإنتاج عدد من الأفلام، وأحيانا بإنتاجها، وإخراجها وتمثيلها فى آن معا. فمثلا «عزيزة أمير» هى التى أنتجت فيلم «ليلى»، وفضلا عن ذلك قامت بأداء الدور الرئيسى فيه، و«فاطمة رشدى» هى التى أخرجت فيلم «الزواج» «1933»، هذا إلى جانب التمثيل، و«أمينة محمد» لم تكتف بإنتاج وإخراج فيلم «تيتا وونج» «1937»، وكان الدور الرئيسى فيه هو الآخر من حظها. وفيما عدا هاتين الحالتين الاستثنائيتين، فالسينما المصرية طوال الفترة الصامتة من حياتها، وهى فترة قصيرة، عدد أفلامها حتى أول فيلم نصف ناطق «أولاد الذوات» «1932» لم يزد على أربعة عشر فيلما، بل طوال عقدى الثلاثينيات والأربعينيات، بعد أن تكلمت لم تعرض المرأة فى أفلامها إلا فى صورة كائن ساذج.

وكأنه وقت إنتاج تلك الأفلام، لم يكن ثمة حركة نسائية صامدة، جوهرها قضية كبرى قسمت المجتمع نصفين، أو بمعنى أصح ضدين، يمزق إمكانية التعاون بينهما، ولا أقول ضرورته، خلاف حاد، كثيرا ما كان ينحدر إلى عداء سافر. ولنضرب لذلك التصوير الساذج مثلا مأخوذا من «ليلى»، أول فيلم روائى طويل، فهذا الفيلم يتناول قصة بطلته على الوجه الآتى: فتاة جميلة يتيمة، يكفلها عمدة قرية صغيرة، على مشارف الصحراء، يزور القرية ثرى معروف «رءوف بك»، ما أن يراها حتى يراودها عن نفسها، ولكنها تعرض عنه، لأنها وهبت قلبها لجارها الشاب البدوى الشهم «أحمد»، الذى يعمل دليلا للسياح، وتشاء الأقدار أن تزور القرية سائحة متحررة تهيم بأحمد فتغريه بالرحيل معها إلى حيث تقيم فى البرازيل، عندئذ يفتضح أمر «ليلى»، عندما يعرف أهل القرية أنها حامل من «أحمد» فى الحرام فتطرد منها، وبينما هى فى الطريق هائمة منبوذة من الجميع، يقف لها «رءوف بك» بسيارته الفارهة منتظرا، وبها يذهب إلى قصره المنيف، حيث النهاية السعيدة بالزفاف. وقد يكون من الصعوبة بمكان تصور قصة بمثل هذا القدر من التفاهة، والبعد عن الواقع، فضلا عن الحط من شأن المرأة.

ومع ذلك فهذه النظرة لاتزال سائدة حتى الآن فى معظم الأفلام حتى ما كان من بينها متعاطفا مع قضية المرأة فى أحد جوانبها، مثل ضرورة مساواتها بالرجل فى إنهاء عقد الزواج، دون حاجة إلى استصدار حكم بذلك من القضاء. هذا والفيلم الذى تعرض بصراحة لذلك الجانب من قضية المرأة، هو «أريد حلا» «1975» لصاحبه المخرج «سعيد مرزوق»، غير أن تعرضه له جاء مشوبا بتلك النظرة المعيبة التى صاحبت السينما المصرية، منذ البدايات. وفى هذا الصدد، يبدو ذلك الإصرار على تكرار عرض المرأة فى تلك الصورة المشوهة لها فى أجلى مظاهره، إذا ما ألقينا نظرة طائرة على فيلمين، كلاهما بنفس الاسم «زينب» عن قصة بنفس الاسم تأليف الدكتور محمد حسين هيكل باشا، رئيس حزب الأحرار الدستوريين، ولنفس المخرج «محمد كريم» أحد الرواد الكبار. ففى الفيلم الأول «1930» وكان صامتا، رسمت شخصية بطلته «زينب» على وجه جعل منها ريفية ضعيفة، بلا همة، مستسلمة تماما للأقدار، حتى يجيئها الموت، وهى فى عمر الزهور. وتمر الأيام، أعواما بعد أعوام، يخرج «كريم» أثناءها، أفلاما أهمها انعقدت بطولته للمطرب الموسيقار «محمد عبدالوهاب» أمام كوكبة من مطربات الثلاثينيات «نجاة على»، و«ليلى مراد» و«رجاء عبده». وفى هذه الأفلام لم تختلف صورة المرأة كثيرا عن الصورة التى رسمت لها فى «زينب». وبعد عقدين أو يزيد، إذا به - أى كريم - يعود وكله شوق وحنين إلى «زينب» وقصتها ليترجمها إلى لغة السينما فى فيلم لم يختلف رسمه لبطلته فيه عن رسمه لها قبل اثنين وعشرين عاما، إلا فى أمر واحد، هو أن «زينب» الثانية لم تسكت عن الكلام، عكس «زينب» الأولى التى جرى إنتاجها فى وقت كانت السينما لاتزال خرساء. والغريب أنه فكر فى ترجمة قصتها إلى لغة السينما مرة ثالثة، فى فيلم بالألوان، كل ذلك حدث وكأن شيئا لم يتغير فى مصر، ولا فى العالم الفسيح. وكأن حربا عالمية ثانية لم تنشب، ولم تلق سلاحها، بانحدار الفاشية، فى منتصف عقد الأربعينيات، وكأن النساء لم يسهمن فى النصر بنصيب كبير، وكأن ثورة يوليو 1952 لم تعط المرأة فى مصر حق الترشيح والانتخاب. ولو شئنا أن نحدد أهم أسباب ذلك الجمود الذى يصل أحيانا إلى درجة معاداة التغيير، لوجدناها تنحصر فى:

أولا: الرقابة الموروثة عن الاستعمار البريطانى بقواعدها الصارمة، لا لسبب سوى الحيلولة بين المبدعين وحرية التعبير عن الواقع بحلوه ومره، دون خداع التجميل. ثانيا: غلبة الميلودراما التى بحكم طبيعتها تنحدر بالعمل الفنى إلى مجرد نصح وإرشاد فى بعض الأحيان، وتهديد ووعيد فى أحيان أخرى. ثالثا: هيمنة الثقافة التقليدية التى تعتبر الرجولة مرادفا للقوة والسلطة والسيطرة، والأنوثة، بالعكس، مرادفة للضعف والخنوع والخضوع لسيطرة الرجل. وعن هذا النوع من الثقافة، وما يتولد عنه من تفكير، كتب الدكتور «سيد عويس» فى مؤلفه «حديث عن المرأة المصرية المعاصرة» ما مفاده أنه: «إذا قرأ شخص من الأشخاص ما يكتبه الكثير من الأدباء المصريين عن المرأة المصرية، يقرأ عجبا، وإذا استمع شخص آخر لما يذيعه بعض المذيعين أو الإذاعيين المصريين عن المرأة المصرية، يستمع لأمور لا تتصل بالواقع الحى لمجتمعنا، بسبب أن المرأة المصرية فى آراء أولئك وهؤلاء، كما يقول «فرويد» لغز محير، وهى شخص لا يمكن أن يفهم، بل يجب ألا يفهم، وهى شخص يحاول هؤلاء المصريون الذكور أن يخلعوا عليه صفات الذكاء والبلاهة أحيانا، وصفات الكذب والبهتان والمراوغة وعدم الصراحة أحيانا أخرى. والسينما المصرية فى عرضها للمرأة ومشاكلها تكاد تكون مرآة لهذه الكتابات والإذاعات، فأدوارها وبغض النظر عن الموقع الذى تشغله فى الحياة الاجتماعية، تنحصر، أولا وقبل كل شىء، فى إطار علاقتها بالرجل. فهى فى عدد لا حصر له من الأفلام، أنثى لا غير، ينظر إليها باعتبارها تابعة للرجل، وليس نصفه الآخر، المكمل له فهى، والحق يقال، لا تعدو أن تكون كائنا يدور فى فلك الرجل، بغرض الإرضاء له، وذلك بحكم أنه المولى، والسيد المطاع فى الحق والباطل. والأمثلة على ذلك كثيرة، فالست «أصيلة» «أمينة رزق» فى فيلم «العار» «1982» لصاحبه المخرج «على عبدالخالق» - وهو واحد من أنجح الأفلام تجاريا - تبجل زوجها إلى درجة العبادة وتعمل على توفير الراحة له والسعادة. فإذا ما تبين بعد الممات أنه كان يتاجر فى المخدرات، فلا فرق عندها، ولا تمييز، فنراها تغضب من ابنها «كمال» - نور الشريف - إلى يوم القيامة، لأنه أعلن حقيقة مهنة أبيه، متطاولا بذلك على سمعة كبير العائلة، و«روقة» - نورا - زوجة «كمال» فى نفس الفيلم، لا تناقشه فيما يفعل، أهو حلال أم حرام. والمتعة عندها أن توفر له احتياجاته، وتدغدغ حواسه، كإعداد الأكلة الشهية، والقعدة «الطرية» وغسل القدم. وبصوت متكسر فيه من الذل والمسكنة الشىء الكثير، تقول له: «أنا ملك إيديك». ويصل بها الانحدار والانسحاق إلى بذل حياتها من أجل عملية تهريب! وتتكرر تلك الصورة فى «أريد حلا» و«لا عزاء للسيدات» ,1979 لصاحبهما المخرج «هنرى بركات»، فـ «درية» - فاتن حمامة - فى الفيلم الأول، ورغم حماقات شريك حياتها ومنغصاته، زوجة وديعة، مطيعة، متسامحة، وكذلك حال «راوية» - فاتن حمامة - فى الفيلم الثانى، حيث نراها تتحمل صابرة جميع نزوات زوجها، وثورات غضبه، ولا شغل ولا مشغلة لها سوى السهر على راحته.

ويمتد ذلك الهوان إلى صديقاتها حتى إن إحداهن تعبر عن انقيادها بقولها «هى الواحدة تساوى حاجة من غير جوزها»، وغنى عن البيان أن صورة المرأة ليست على ذلك النحو فى كل الأفلام. فرغم ازدياد عدد النساء العاملات، وتخرج بعضهن فى كليات جامعة القاهرة، جنحت السينما إلى إنتاج أنواع جديدة من الأفلام، أكثر بعداً عن الواقع، ومن بين تلك الأنواع، أذكر الفيلم الاستعراضى الذى تدور أحداثه فى الكباريهات، وأول إرهاصاته فيلم «لبديعة مصابنى» أسمته «ملكة المسارح» (1936)، كما أذكر ذلك النوع من الأفلام الذى أظهر المرأة فى صورة داعية، إباحية، مغرية، ذباحة للرجال. ولعل «تحية كاريوكا» خير مثل على ذلك النوع من النساء الخطرات، فالسينما عصرتها فى دور لا تحيد عنه فى معظم الأفلام، عندما اختارت لها دور امرأة سوء، مثيرة، فاجرة، ترمز بسلوكها المعوج إلى الرذيلة. وبذلك الحصر، أصبحت «كاريوكا» نموذجاً للمرأة الشيطان فى أفلام كثيرة، أشهرها «شباب امرأة» لصاحبه المخرج «صلاح أبوسيف»، حيث لعبت دور أرملة شهوانية صاحبة معصرة، تشترى فحولة ريفى جامعى، فى ريعان الشباب، فينصرف إلى إمتاع جسدها، لاهياً، ناسياً الدرس، والتحصيل، حتى يعتصر تماماً. فى ضوء هذا كله، يبدو واضحاً أنه لم تكن ثمة فرصة حقيقية لأفلام تعرض لمشاكل المرأة وقضاياها، من منطلق جاد، ومع ذلك، فهذه الفرصة جاءت باستحياء مع ثورة يولية. فبعد أربعة أعوام من حدوثها، ونتيجة لها أخرج «أحمد ضياء الدين» فيلمه «أرضنا الخضراء» (1956)، وفيه ظهرت لأول مرة المرأة الريفية «ماجدة» فى صورة إيجابية، قريبة من الواقع إلى حد كبير، وما أن مر عام على «أرضنا الخضراء» حتى كان «كمال الشيخ» قد أخرج فيلمه «أرض السلام» (1957)، وفيه تلعب «فاتن حمامة» دور فتاة مكافحة، تناضل على أرض فلسطين، إلى جانب فدائى مصرى «عمر الشريف»، وقد تكون هذه هى إحدى المرات القليلة التى تظهر فيها «فاتن» نجمة مصر الأولى، فى دور مغاير لدورها المتكرر كفتاة ملائكية، وديعة، ساذجة، ضعيفة، هاربة من الأيام، ففى «أرض السلام» تشترك إيجابياً فى الأحداث، بل تحركها فى بعض الأحيان، من خلال ارتباطها الحميم بالقضية الوطنية، ونضالها، بلا هوادة، ضد العدو المحتل لأرض الآباء. وبفضل ذلك أصبحت صورة «فاتن» مختلفة تماماً عن صورة المرأة فى السينما المصرية عموماً، وعن صورتها النمطية فى أغلب أفلامها السابقة على ذلك الفيلم. وهذا النوع الجديد من الأفلام الذى يمثل اتجاهاً جاداً، أخذ يزداد على مر أعوام ما بعد الثورة، رسوخاً وتوطداً، وآية ذلك الأعمال السينمائية التى أظهرت عمل المرأة بوصفه قيمة حقيقية فى حياتها، وفى حياة الآخرين. ومن تلك الأعمال أذكر «مراتى مدير عام» (1966) لصاحبه المخرج «فطين عبدالوهاب» و«إمبراطورية ميم» (1972) لصاحبه المخرج «حسين كمال»، و«الحكم آخر الجلسة» (1985) لصاحبه المخرج «محمد عبدالعزيز». وأحداث الفيلم الأول- وهو من نوع الملهاة الاجتماعية- تدور حول زوجين بلا أولاد، يعملان فى شركة واحدة، ويعيشان سعيدين إلى أن تصدر حركة ترقيات، بموجبها تحصل الزوجة «شادية» على درجة مدير عام. ولأنها أصبحت نتيجة ترقيتها إلى تلك الدرجة، رئيسة لزوجها «صلاح ذو الفقار» تبدأ مشاكل، وتتعقد الأمور، فهو لا يرتضى هذا الهوان، وهى لا ترى فى رئاستها له ما يهين. ومن خلال هذا الاختلاف فى وجهتى النظر، يفضح الفيلم مفاهيم بالية، مخالفة لروح العصر. أما فيلم «إمبراطورية ميم»، فتلعب فيه «فاتن حمامة» دور سيدة عاملة تهتم بعملها أشد اهتمام، تحاول بث روح النشاط، والسهر على الصالح العام، فيمن تحت رئاستها من العاملين، وهى وإن كانت تعتبر العمل جزءاً لا يتجزأ من كيانها، إلا أنه لا يطغى على مسئولياتها الأخرى، لاسيما ما كان منها متصلاً بتربية أولادها. فإذا ما انتقلنا إلى «الحكم آخر الجلسة» فسنجد أنفسنا أمام واحد من أغرب الأفلام فى تاريخ السينما المصرية، وأكثرها جرأة، وذلك لأنه يطرح قضية الصراع بين العلم والدين، من خلال قصة تدور حول دور الوراثة فى الإصابة بالجنون، وحاصلها أن الزوجة «نورا»، متخصصة فى علم الوراثة، تكتشف وهى حامل وجود أفراد فى أسرة زوجها «نور الشريف»، يعانون من مرض عضوى، وراثى فى المخ، يؤدى إلى العتة، فتعمل مضطرة إلى إجهاض نفسها. ولأن الإجهاض يعتبر فى نظر المجتمع قتلاً لإنسان، حتى ولو كان جنيناً، تجرى محاكمتها عن تلك الجريمة أمام القضاء، حيث دافعت عنها أخت زوجها المحامية «إيمان الطوخى»، وينتهى الفيلم بانتصار المرأتين، عندما يصدر الحكم ببراءة الزوجة. وثمة فيلم آخر ظفرت به السينما المصرية قبل أربعة عشر عاماً، إنه «أرض الأحلام» لصاحبه المخرج «داود عبدالسيد»، والفيلم يعرض لحياة أم «فاتن حمامة» من خلال آخر يوم لها فى مصر، قبل مغادرتها إلى الولايات المتحدة، فبفضل أحداث ذلك اليوم تكتشف الأم حقيقة نفسها، من هى، ماذا كسبت، وماذا خسرت. فمع اقتراب اليوم من نهايته، تكتشف، ونحن معها، أنها لم تعش بإرادتها، وإنما بإرادة الغير، مسيرة بها ليس لها حق الخيار، ولا حتى الحق فى أن تستشار، فى البدء تزوجت، لأن الزواج لازم لكل البنات، وأنجبت لأن «الخلفة» واجب على كل الزوجات، ثم ربّت الأولاد لأن هذا حق على كل الأمهات. والآن، مطلوب منها أن تترك مصر أرض الآباء والأجداد، وترحل إلى أمريكا، كى تعيش مع ابنها الأكبر الذى غادر مصر، مهاجراً، قبل بضع سنين.. ولماذا؟ كى تتيح لبقية أولادها فرصة الهجرة إلى بلاد العم سام.

أى عليها، حتى وهى تدنو من ختام رحلة العمر، ألا تفكر إلا بفكر الغير، وألا تكون لها أحلام مستقلة عن أحلام ذلك الغير. ومع هذا الاكتشاف، تتحرر من أسر الأوهام، فتقرر فى فجر يوم جديد، البقاء فى مصر، مفضلة بذلك الخيار أرض أحلامها، على أرض أحلام الأبناء، ونادراً ما تطرح قضية استقلال المرأة بمثل هذا الوضوح فى أفلامنا. والأكيد أن «أرض الأحلام» شق لتصوير المرأة فى السينما المصرية طريقاً أكثر وعياً، وصدقاً، وأعظم خطراً، وأبعد أثراً.؟

روز اليوسف المصرية في 5 يناير 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)