كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مقارنة بين الفيلم والنص (2-2)

طفلةُ السماء بين رواية الكاتبة السورية سمر يزبك وفيلم المخرج السعوديّ علي الأمير

باريس ـ صلاح سرميني

صلاح سرميني يكتب عن الأفلام العربية القصيرة

   
 
 
 
 

بتاريخ 12/4/2007نشرت صحيفة(القدس العربيّ) لكاتب هذه السطور قراءةً نقديةً بعنوان (طفلة السماء لمخرجه السعوديّ علي الأمير, صياغةٌ سينمائيةٌ متميّزة خذلها سيناريو مُتهالك). وفي تاريخ 3/5/2007 قرأتُ خبراً في نفس الصحيفة كتبه (أنور بدر) تحت عنوان (طفلة السماء تظهر في السعودية, والكاتبة لم تدرِ أنها شاركت في كتابة الفيلم), وفي الأيام التالية, وجدتُ كمّاً من المقالات, والتصريحات, والبيانات المُهاجمة, والمُتهمة للمخرج السعوديّ, والمُطالبة بإعادة الحقوق الأدبية, والمعنوية, والمادية للكاتبة السورية.

حتى ذلك الوقت, كنت أحفظُ لقطات الفيلم, وحواراته عن ظهر قلب, ولكنني لم أكن قد قرأتُ الرواية بعد, ورغبةً مني بإنصاف الطرفيّن (المُتضرّر أولاً), والكشف عن بعض المُلابسات المُحيطة, فقد بدأتُ الاهتمام بهذه الواقعة, ومتابعتها عن قربّ مع طرفيّ النزاع, المخرج السعوديّ (علي الأمير), والكاتبة السورية (سمر يزبك).

*****

بعد قراءة الاتهامات المُوجهة للمخرج, فإنّ أكثر الحيثيّات المُثيرة للفضول, مُلصق إعلاني قديمّ عثرت عليه الكاتبة في الموقع الشخصي للمخرج, وفيه تنويهٌ عن مُشاركتها في كتابة السيناريو, مع أنني لم أجد اسمها قبل ذلك, لا في عناوين الفيلم, ولا في أيّ خبر, أو تصريح, أو حوار, أو مقال سابق نُشر في أيّ صحيفة, أو موقع, منذ الانتهاء من إنجاز الفيلم (شهر سبتمبر 2006), وحتى اليوم, مما أثار في ذهني شكوكاً مُحتملة عن علاقة (مُستترة, ومُحرّمة) ما بين الفيلم, والرواية, زادَ منها حصولي على مراسلات مُتبادلة بين الكاتبة, والمخرج, يؤكد فيها بأنه قرأ الرواية, وألهمته(جانباً إبداعياً آخر).

في تلك الأثناء, كانت تصريحات, وبيانات الكاتبة, ومعها صورة المُلصق(القديم) للفيلم تنتشر في الصحف الورقية, والمواقع الإلكترونية, أما المخرج, فقد (تعمّد) الصمت منتظراً حسم الخلاف بالمُقارنة ما بين الفيلم, والرواية .

الحقيقة, وقبل أن ألصق اتهامات(الجريمة, والسرقة, والقرصنة, والسطوّ,..) جزافاً, ومجاناً بالمخرج السعوديّ, وأنساقُ (مغمضَ العينيّن) متعاطفاً مع (مشروعية) ردود أفعال الكاتبة السورية, وحنقها, وغضبها, ورغبتها بإعادة الأمور إلى نصابها, والحصول على حقوقها,.. فإنني وجهتُ اقتراحاً للطرفيّن بالهدوء, والتأنّي حتى قراءتي للرواية, وإبداء وجهة نظري حول نقاط التشابه, والاختلاف بينهما.

انتظرتُ أياماً كي تصلني من أحدهما نسخةً ورقية, أو إلكترونيةً, ولكنني كنت أسرع منهما, عندما عثرتُ على النسخة الوحيدة المُتبقية في المكتبة المُواجهة لمعهد العالم العربي بباريس.

قرأتها في نفس اليوم, وسجلتُ أحداثها, وشاهدتُ الفيلم للمرة الـ... , وكتبتُ تقريراً بعنوان (طفلةُ السماء بين رواية الكاتبة السورية سمر يزبك, وفيلم المخرج السعوديّ علي الأمير), نُشر في صحيفة (القدس العربي) بتاريخ 15/5/2007, ويتضمّن ملخصاً تقنياً (إشارات إلى أهمّ أحداث الرواية, وشخصياتها), وعرضاً تفصيلياً للفيلم (أقرب إلى الديكوباج/ السيناريو التقني الجاهز للتصوير), مع تفريغ كامل لحواراته, وتركتُ القارئ, وكلّ من يهمّه الأمر(بما فيهم المخرج, والكاتبة) يبحث بنفسه عن أوجه التقارب, والاختلاف بين الرواية, والفيلم.

اليوم, يأتي دوري في حسمّ (مُحتمل) لخلاف ما كان له أن يحدث في ظلّ انتشار ثقافة سينمائية تشمل كلّ تفاصيل الإبداع السينمائيّ .

*****

بدايةً, ولمن لم يتابع تطورات هذه الواقعة, فإنه من المفيد قراءة النصّ الكامل لبيان الكاتبة الذي وزعته على وسائل الإعلام المُختلفة, مصحوباً بالمُلصق الدعائيّ (القديم) للفيلم .

كتبت (سمر يزبك) في بيانها :

(فوجئت بوجود اسمي كاتبة لسيناريو فيلم "طفلة السماء" من إخراج السعودي علي حسن الأمير، من دون علمي، علماً بأن هذا هو عنوان روايتي الأولى الصادرة في بيروت عام 2002.

وقد بدأ الأمر بمحض المصادفة عندما قرأت مقالاً في "القدس العربي" عن عرض نقدي لفيلم سعودي بعنوان "طفلة السماء", واعتبرت الأمر محض مصادفة، وتشابهاً في الأسماء.

بعد ذلك, بدأت تظهر على النت مجموعة من المقالات، تتحدث عن الفيلم، وظهر ملصق الفيلم، ويتضمن اسمي مشاركة في كتابة السيناريو، حيث تم وضع اسمي عليه، دون علمي، إلى جانب اسم مخرجه السعودي " علي حسن الأمير", ومما نشر عن الفيلم, اتضح أنه يتناول أحداث روايتي مع بعض التصرف, ومنه تحويل بيئة الساحل السوري السورية إلى البيئة السعودية!!  وعلمت بعد ذلك بمشاركة الفيلم في مسابقة "أفلام من الإمارات" بعد حذف اسمي من الأفيش فجأة, ومن المقرر أن يشارك الفيلم في مهرجان بسان فرانسيسكو بنفس الطريقة.

وباعتبار أني صاحبة رواية "طفلة السماء", ولم يتم أخذ موافقتي لصنع الفيلم أولا ً, ووضع اسمي عليه ثانياً، فإنني أدين هذا التصرف، وأعلن عدم مسؤوليتي عن مضمونه, ومحتواه، وأطالب الجهات المختصة بوقف عرضه، حفظاً لحقوقي الأدبية, والمادية التي سألجأ إلى القضاء بخصوصها في مواجهة المخرج, والشركة المنتجة, وحتى يفصل القضاء في القضية, أنبه قنوات البث, والمهرجانات إلى عدم قبول الفيلم باعتباره محل نزاع قانوني، وباعتبار قبوله في هذه المرحلة خرقاً لأبسط حقوق الملكية الفكرية).

أوجه الاختلاف بين الفيلم, والرواية

يبلغ عدد صفحات رواية (طفلة السماء) 184 صفحة من القطع المتوسط, وتُحيط ببطلتها أجيال مختلفة, ودزينةً من الشخصيات الرئيسية, والهامشية, وتمتدُّ  أحداثها زمنياً من مرحلة الطفولة, وحتى العشرينيات, وتتوزع جغرافياً ما بين طرقات, وحقول, ومزارع قرى ساحلية, وأزقة, وشوارع, وأسواق مدينتيّ اللاذقية, ودمشق,....

وبسؤال أيّ مخرج, أو ناقد سينمائيّ (مُتمرّس) عن إمكانية تحويل رواية كهذه إلى فيلم قصير بمدة (21دقيقة), سوف تكون الإجابة بالنفيّ فوراً.

فإذا كانت الرواية نفسها, بزخم أحداثها, وتعدد شخصياتها, تتطلب عملاً مُضنياً للوصول إلى صياغة سينمائية لا تقلّ عن ساعتيّن, وأيّ محاولة لضغطها سوف يؤدي إلى تشويهها تماماً, أو الوصول إلى نتيجة لا علاقة لها بالرواية الأصلية, ولكنها تذكرنا بها فقط .

في الرسالة التوضيحية التي أرسلها المخرج للكاتبة, يقول فيها :

(...عند بداية كتابتي للفيلم, قمتُ باستعراض جميع ما يتعلق بمسألة العنف ضدّ الأطفال من قصص, وحوادث حقيقية حصلت في المملكة, ومن أهمها قضية الطفلة "غصون", والتي قتلت تحت تعذيب والدها, وهي القصة التي اعتمدتُ عليها في كتابة الفيلم,...) .

بالنسبة لي, وبعد مشاهدة الفيلم مرات عديدة, وقراءة الرواية مرتيّن, وعلى الرغم من تشابه العنوان بينهما, فقد تبيّن لي المسافات الشاسعة التي تفصل بين الرواية, والفيلم, مما ينفي عن المخرج تهمة (تناول أحداث الرواية مع بعض التصرّف), و(تحويل بيئة الساحل السوري السورية إلى البيئة السعودية).

وكما الأخبار الصحفية التي رافقت تحضير الفيلم, وتصويره, والمُلخص الرسميّ, وتوضيحات المخرج, تقتصر أحداث الفيلم على تجسيد دراميّ لجريمة حقيقية حدثت في السعودية, وتناقلت أخبارها معظم وسائل الإعلام العربية وقتذاك, ويكفي قراءة أحدها للتحقق بأنّ الشرارة الأولى للفكرة انطلقت من الحادثة نفسها, وليست من الرواية (التي جاء دورها في مرحلة لاحقة), وليس من قبيّل الصدفة بأن يتوافق تاريخ انتشار تلك الأخبار مع الإرهاصات الأولى للسيناريو .

في تاريخ الأحد 9 أبريل 2006 نقرأ في موقع (دبي- العربية. نت)  :

(..أظهرت التحقيقات التي قام بها مركز شرطة المنصور بمدينة مكة المكرمة في قضية مقتل الطفلة "غصون" (9 أعوام)، عن تعرضها إلى حالة من الضرب المبرح من قبل والدها، مما أدى إلى إصاباتها, وتمّ نقلها على الفور إلى أحد المستشفيات، إلا أن روحها فاضت إلى بارئها.

 ... كما كشفت التحقيقات عن وجود إشارات إلى علاقة زوجة والد الطفلة, ومساعدتها لزوجها في عملية الضرب، إضافة إلى تأليبه على ابنته, وقامت الشرطة بإيقاف والد الطفلة, وزوجته رهن التحقيقات لمعرفة أسباب إقدامهما على ضرب الطفلة, وتعذيبها حتى فارقت الحياة.

... وقال عم الطفلة " إنه كانت هناك جريمة تتجدد يوميا بحق طفلة بريئة لا ذنب لها حيث تواجه الضرب المبرح, والتعذيب اليومي من سكب لمادة الكلوروكس, والضرب بالعصا, والركل, والرفس الذي كنت أشاهده في كافة أنحاء جسدها الغض, إضافة إلى ترويعها, وتنويمها عند مدخل الفيلا بعيداً عن أخيها من والدها الذي كان ينعم بكل وسائل الراحة داخل الفيلا, وفي حضن أبويه", ودافع والد غصون عن نفسه خلال التحقيقات قائلا: إن طفلته سقطت أثناء اللعب على المرجيحة داخل الفيلا، مشيراً إلى أن الضرب الذي تتلقاه الطفلة لم يكن سوى تهذيباً لها نظرا لشقاوتها كبقية الأطفال...).

وانطلاقاً من تلك الحادثة, جاء ملخص الفيلم كالتالي :

(ديما), طفلة التاسعة التي قُتلت تحت التعذيب على يدّ والدها الذي يعاني من حالة نفسية, تركت بعد موتها مذكراتها في كتابها المزهو بالألوان الذي يبعث على الأمل رغم الألم, والأسى الذي يحتوي صفحاته, تحكي (ديما) في مذكراتها عن مأساتها مع والدها الذي قتل والدتها بدافع الشكّ في علاقة عاطفية, تحكي لنا عن قضية تتعلق بأرواح الناس, ودمائهم, كقضية العنف الجسدي, أو الجنسي ضدّ الأطفال, ويترجم الفيلم هذه المذكرات في صورة درامية مؤلمة (من سيناريو الفيلم 12/3/2006).

ومن قرأ رواية (سمر يزبك), سوف يتذكر على الفور الفتاة (نور) العشرينيّة العمر, وأمها, وجدتها, وأخيها, وأعمامها, وابن عمها الأكبر, ومعاملة أبيها, وزوجته لها, وتعرضها لحالات من العنف المعنوي, والجسديّ مماثلة لما تعرضت له الطفلة السعودية (غصون).

الفارق الجوهري بين تلك الجريمة التي حدثت عام 2006 في مكة المكرمة, وما عاشته (نور) قبل ربع قرن من الزمان في ضيعة( عين الديب) بالقرب من مدينة اللاذقية السورية, بأنّ (غصون) المسكينة لم تمتلك الزمن الكافي لتكبر, وتحبّ (سالم), وتلتقي معه وراء بساتين الليمون, ومن ثمّ تتزوج من ابن عمها, ولم يُسعفها القدر القاسي بأن تتمرد, وتهرب إلى دمشق, وتعاني, وتستمتع بعلاقة حبّ مع (عادل), لأنها ببساطة انتقلت إلى باريها, وهي في سنّ التاسعة من عمرها, فأصبحت فعلاً (طفلة السماء).

وقد أطلق المخرج على بطلته الصغيرة اسم (ديما) بدلاً من (غصون), ولكنه حافظ على عمرها (9 سنوات بالضبط), وهو ما جعل المستوى اللغويّ للمُذكرات التي كتبتها أكبر من عمرها بكثير, ولو كانت في الثامنة عشرة تقريباً, لكنتُ صدقتُ, واقتنعتُ بتلك المُذكرات(الورطة), وحوار الفيلم (المُفتعل) .

وما يجعلني أقتنعُ أكثر بتوضيحات المخرج, تلك الصياغة السينمائية (التسجيلية) المُتعمّدة لمقدمة الفيلم, حيث يخصصّ لها ثلاث دقائق تقريباً من 21 دقيقة هي المدة الزمنية للفيلم, يقدم فيها شهادات جمعها من بعض النساء عن حالات عنف آباء, وأمهات ضدّ أطفالهم.

ـ حرام اللي بيصير في الأطفال فعلاً, حرام العنف بهذه الطريقة, وبهذا الأسلوب, نحنا مجتمع إسلامي, إذا كان الغير مسلمين بيتعاملوا بالرفق, شلون نحنا في المجتمع الإسلامي, وين الحكومات, ليش ما تتدخل, وين حقوق الإنسان في العالم العربي, صحّ ولا لأ أخ علي ؟

وللأسف, التعامل معاها بيكون بمنتهى البساطة, وكأنها موضوع عادي, ايش يعني موت طفل, وإيش يعني في موت امرأة بسبب عنف واحد سكران....

ـ كانت فتاة عانت من انو والدها كان مسلسلها لمدة ثلاث شهور, سلاسل, في غرفة, يُرمى لها الأكل كالقطة, والكلب, قالت انو هو كان بيضربها, ويقلها أنا لو قتلتك مالك ديّة..

ـ في يوم من الأيام استمعت بكاء طفل, يمكن عمرو خمس سنين, ففتحتلوا الشباك, واتفاجئ أنو الأب ماسك ولدو الصغير, ورابط ايدينو بالشباك, أنا أبكي, وما أعرف, الطفل يبكي, وهو شنو يقول لولدو الصغير, يقولو عشان مرة تانيه تبطل تتلفت في الصلاة.

ـ الإسلام لا يدعو إلى العنف........ أنا شفت حالات فتيات.. تشويه..... السجاير محروقة في جسمهم كلهم, هل هذه تربية, هادا انتقام.

مصادر الإلهام المُحتملة من الرواية

في الرسالة التوضيحية إلى الكاتبة, يعترف المخرج :

(بعد نهاية كتابتي للفيلم, والاستعداد للتصوير, اخترتُ اسم الفيلم " طفلة السماء " من بين مجموعة مقترحة للأسماء, و الذي اتضح بعد الانتهاء من التصوير, والمونتاج بأنه اسم لأحد الأفلام الأمريكية, في خلال فترة المونتاج, قرأتُ لك روايتك الرائعة "طفلة السماء ", والتي ألهمتني جانباً إبداعياً آخر, لكن لم أقتبس أيّ جزء من الرواية في الفيلم ..).

وأتوقع بأنّ المخرج قبل, أو أثناء إنجاز فيلمه القصير, قرأ الرواية, وأُعجب بها, وتأثر بأحداثها, فأبقى على عنوان اختاره مُسبقاً, أو استعاره لاحقاً, وهو الخطأ الأكبر الذي وقع فيه, لأنه سوف يُحيل دائماً إلى الرواية, ويُزيد التساؤلات, والشكوك عن العلاقة بينهما, وهو ما حدث فعلاً.

بدون (الإلهام, وما سوف نكتشفه لاحقاً), يحقّ للمخرج استخدام (طفلة السماء) عنواناً لفيلمه  طالما أنه يعيش في بلد آخر(غير سوريا), ولم تحتفظ الكاتبة لنفسها بحقوق استخدامه عالمياً, ومع ذلك, كان من المُستحسن البحث عن عنوان آخر .

ولنفترض بأنه قد أخطأ باختياره لهذا العنوان, وارتكب خطأ آخر بوضع اسم صاحبة الرواية في المُلصق (القديم) كمُشاركة في كتابة السيناريو, ومن ثمّ تركه في موقعه الشخصي يسرح, ويمرح, حتى اكتشفته الكاتبة, .......

بدون تلك الأخطاء, كان من المُمكن أن يتابع الفيلم مسيرته الاحترافية بدون ضجة, أكان ذلك بعد قراءة ما جاء في صحيفة (القدس العربي) عنه, أو حتى إن تسنى للكاتبة مشاهدته في مناسبة ما, وربما أشفقت على الطفلة الصغيرة (ديما), وتأكد لها بأنّ العنف الأبويّ قضية اجتماعية, تربوية لا تخصّ عائلةً بعينها, أو مجتمعاً محدداً, ولكنه ظاهرة عامة تشمل المجتمعات العربية, المحافظة.

ولأنّ تلك الافتراضات لم تحدث, فقد قرأت الكاتبة ما جاء في(القدس العربي), وعثرت على المُلصق الإعلاني(القديم) الذي يشير إلى مُشاركتها في كتابة السيناريو, ولكن, كان من الأجدى, وقبل الإسراع بنشر بيانات صحفية تتضمّن تهديدات قضائية, ومطالبات بإعادة الاعتبار, مشاهدة الفيلم أولاً, وتحديد أوجه التقارب, والاختلاف مع روايتها, وكنت أتصور بأنها سوف تسارع إلى الاتصال بالمخرج, لتطلب منه حذف اسمها فوراً من المُلصق الإعلانيّ المنسيّ (وهو ما فعله علي الأمير فوراً), لأنه لا علاقة للفيلم بالرواية, ومن مصلحة الكاتبة بأن تنتفي أيّ علاقة بينهما, لأنني في كتابتي عن الفيلم, كنت مؤدباً, ورحيماً بما يكفي, فقد تخيّرت توصيفه بسيناريو (متهالك), بدل (ساذج), ولكنني أثنيتُ على الموهبةً السينمائيةً للمخرج, والتي تحتاج إلى نصّ مُحكم, يجسّد أحداثاً مقنعة, وشخصيات من لحمّ, ودمّ, وأرواح.

وفيما يتعلق بـ(الإلهام), فإنّ أيّ فكرة تحتاج إلى وعاء يحتويها كي تتحول إلى عمل أدبيّ, أو فنيّ, وقد استوحى المخرج فكرته من حادثة حقيقية, وتخير تجسيدها في صيغة روائية, ومن أجل هذا الغرض, كان يحتاج إلى سيناريو كوسيط يحوّل الفكرة إلى فيلم, وكما الكثير من المخرجين, فقد بحث عن أيّ معلومة, أو خبر, أو قصة تفيده في الكتابة, و(ربما) وجد ضالته في رواية (طفلة السماء) لسمر يزبك, قرأها, وتبين له بأن أحداثها, وشخصياتها, وجرأتها, وهواجسها, وأبعادها الدينية, والسياسية, وتعرجاتها الزمانية, والمكانية تتجاوز بكثير ما يطمح إليه في فيلمه القصير المُمول ذاتياً, فتركها بعد أن ألهمته(جانباً إبداعياً آخر).

يتطلب العثور على هذا (الإلهام) مشاهدات عديدة للفيلم, ومعرفةً دقيقةً بتفاصيل الرواية, وما أكشفه اليوم هي اجتهادات شخصية تحتمل الخطأ, والصواب.

الإلهام الأول :

في الفيلم, يعود الأبّ إلى البيت ثملاً, يُعنّف الطفلة (ديما) لأنها تأخرت بفتح الباب, وقبل أن يجرّها إلى الحمام, ويضربها, يسألها .

الأب : .... مين معاكي في البيت ها, فين مخبياه, طلعيه يلا

ديما : بابا أنا صغيرة ع هادي الحاجات.

الأب : صغيرة, الكلام هادا ما يمشي عليا أنا, أنا ما ينضحك عليا أنا, قدامي(كلمة غير مفهومة), وفي الليل(كلمة غير مفهومة), ومن وراياّ تسوّي البلاوي يا فاجرة.

في الرواية, وبعد أن التقت (نور) بحبيبها (سالم) ليلاً, تعود إلى البيت, وتجد والدها في انتظارها, فيضربها .

الإلهام الثاني :

في الفيلم, تتذكر الطفلة (ديما) موت أمها بعد أن ضربها الأبّ, وكانت حجته بأنه عاد إلى البيت, ولم يجدها, وهو يشكّ في سلوكها.

في الرواية, تتذكر (نور) كيف ضرب الأبّ أمها لأنها رفضت بأن يضاجعها, فيتسبب بموتها.

وفي الحالتين, تابعت (نور), و(ديما) ذلك المشهد من خلال ضلفة الباب المُنفرجة قليلاً.

الإلهام الثالث (المُحتمل) :

يمكن الإشارة إلى لقطة مستوحاة(ربما) من أجواء الرواية.

في الفيلم, وبعد أن ضرب الأبّ طفلته, تدخل (ديما) إلى غرفتها, وفي لقطة مدروسةٌ بعناية من حيث زاوية الكاميرا, تكوينها, حجمها, وارتفاعها, تظهر (ديما) في العمق جالسةً على سريرها, تكتب مذكراتها, وفي مقدمة الكادر شمالاً تتدلى بوضوح سلاسل, وقلادات فضية, أتخيل بأنها تخصّ الأمّ المُتوفاة, كما يتضمّن نفس المشهد لقطةً أخرى تظهر صورة (ديما) في شهورها الأولى.

في الرواية : تُحيل تلك اللقطة إلى الصفحة الأولى, حيث تهرب (نور) من البيت حاملةً حقيبة أمها المُنتفخة بأشياء صغيرة, صليباً ذهبياً, قلادةً فضية, صورتها وهي لم تتجاوز بضعة أشهر.

ومن الواضح بأنّ تلك الاستيحاءات (المُحتملة) قد استخدمت في سياقات مختلفة عن مصدرها الأصلي, ولعلنا نتذكر بأنّ عموم الإبداع البشري ما هو إلاّ حصيلة تقاطع, وتمازج, وانصهار, وتجسيد, وإعادة تجسيد للأفكار, ولم يفلت أحدٌ من هذه القدرية, ولا حتى أشهر المخرجين على وجه الأرض, بما فيهم الدانماركي(لارس فون ترير) الذي (استحضر) في فيلمه الأشهر(راقصة في الظلام), و(جلب) إلى درجة (الانتحال) مشاهد من أفلام سابقة, مثل (لحن السعادة), (أريد أن أعيش), و(قصة الحيّ الغربي) للمخرج (روبرت وايز).

الاستعارات الحقيقيّة من الرواية

ولكن, هل هي محاولةٌ خبيثة مني لتبرئة المخرج من أيّ عمل شائن, ومنحه صورةً ملائكية؟

أبداً, ...

وكما كتبت (سمر يزبك) روايتها على لسان (نور), فقد تخيّر (علي الأمير) بأن تكتب الطفلة (ديما) مذكراتها, والمُشاهدة المُدققة للفيلم, والقراءة المُنتبهة للرواية, تظهر بوضوح استعارة المخرج لعبارات نسمعها في مذكرات الطفلة (ديما).

في الدقيقة السادسة تقريباً من الفيلم, يستخدم المخرج بوحاً داخلياً (مونولوجاً) للتعبير عن معاناة الطفلة, وآلامها, هو بمثابة (مذكرات) أقرب إلى (التعليق الصوتيّ) على ما يحدث, كما حال الأفلام التسجيلية, ولم يتفطن بأنّها سوف تُضعف من السيناريو, وتجعله متهالكاً, خاصةً, وأنها لا تتناسب أبداً مع عمر الطفلة, وهي في تواليها (كولاج) لعبارات مُختارة, ومُستحضرة من عوالم ورقية(طفلة السماء لسمر يزبك), وافتراضية .

في الفيلم :

كنتُ أستغربُ الخوف أمام كائن واحد يختصر العالم بملامح وجهه المُخيفة.

ليست هذه المرة الأولى التي يضربني فيها.

كان نار كفه وهي تهوي على وجهي أبرزها.

إنه الخوف الذي دمّر روحي.

خياله كان كفيلاً بخلق الرعب في نفسي.

في الرواية :

كنتُ أستغربُ خوفي أمام أبي, ليس الخوف فقط, بل الرهبة, والشعور بالضآلة أمام كائن واحد, وفرد يختصر العالم بتقطيبة حاجبيه, ورغم الجرأة التي لم تنقصني يوماً, إلا أن خياله وحده كان كفيلاً بخلق الرعب في نفسي (صفحة 11).

الخوف الذي شعرت به كان فوق تصوراتي, الخوف الذي دمرّ روحي, .. تلك هي المرة الأولى التي يضربني فيها, .... ولكن التماس الأول كان نار كفه وهي تهوي على وجهي.

وفي لقاء المرح, والفضفضة بين الطفلة (ديما), وصديقتها (سارة), فإنني لا أستطيع الجزم باستعارة الجملة الحوارية التالية (بعد تحويلها إلى اللهجة السعودية) .

سارة :..., إنت إيش عملتي عشان يسووا فيكي كدة ؟

والتي نجد ما يشبهها في الصفحة 45 من الرواية, حيث تتساءل (نور) :

ـ ما الذي فعلته للبشر كي يعاملوني بهذه الطريقة ؟

وكما حال الموسيقى المُستخدمة في أعمال سينمائية كثيرةّ, ومهما كانت مدتها الزمنية, فإنّ تلك الاستعارات تخضع لحقوق الملكية الفكرية, تماماً مثل الرواية نفسها, وكان على المخرج, احتياطاً, الإشارة إليها في عناوين الفيلم, والكتابة مثلاً :

بعض الجُمل الحوارية للفيلم مأخوذة من رواية (طفلة السماء) للكاتبة السورية (سمر يزبك), مع التذكير بدار النشر, وتاريخ إصدارها.

ومن أجل فيلم روائيّ قصير(بدون ميزانية), لا يتطلّب الأمر أكثر من موافقة المؤلفة, وهذا بالضبط ما يفعله المخرجون في الغرب, ما يجعل قائمة الأسماء في أفلامهم طويلة جداً (هل لاحظتم ذلك مقارنةً مع الأفلام العربية ؟ ).

ولكن, يبدو بأنّ المخرج وقف حائراً في مواجهة حالة من هذا النوع, و(بدل من أن يُكحلها, عماها), فقد لجأ إلى طريقة(مُبتكرة) يشكر فيها (سمر يزبك), فوضع اسمها في المُلصق مُشاركة في كتابة السيناريو, وبعد الانتهاء من الفيلم, تبين له كرمه الزائد معها, وبأنّ المهمة التي ألصقها بها (بدون علمها, وموافقتها) تتخطى بكثير حجم (الإلهام, والاستعارات) التي حصل عليها من الرواية, فاستغنى عن ذاك المُلصق الذي لم يستخدمه أبداً كمادة إعلانية, وتركه مركوناً في موقعه الشخصي, وهو لم يحذف الاسم فجأةً (كما تذكر الكاتبة في بيانها) ليُشارك في (مسابقة أفلام من الإمارات), ولكنه, وببساطة شديدة, استخدم ملصقاً آخر, هو الذي رافق الفيلم رسمياً منذ إنجازه, وحتى اليوم (هل لاحظتم بأنّ المُلصق القديم سيئٌ بما يكفي للاستغناء عنه؟).

أخطاءٌ من هذا النوع يرتكبها المخرجون المبتدئون, والمُستعجلون لإنجاز أفلامهم, وعرضها, والافتخار بها, وأحياناً, أشاهد ملصقات أفلام قبل مدة طويلة من إنجازها(ويكفي متابعة منتدى المدرسة العربية للسينما, والتلفزيون للإطلاع على حالات كثيرة من هذا النوع).

نفس الطريقة المُتسرّعة في الإعلان عن مشاريعهم, والإيحاء بأنها قد حدثت فعلاً, مثل الرغبة بالعمل مع هذا, أو تلك في كتابة السيناريو, أو الإعلان عن مشاركة الفيلم في مهرجان ما, قبل أن تصلهم النتائج القطعية للاختيارات.

ولهذا صدقت (سمر يزبك) حكاية (مهرجان سان فرانسيسكو) هذه, والقصة, وما فيها, بأنّ (علي الأمير), تصرّف مثل أيّ مخرج شابّ متحمّس يصرّح يوماً بأنه يستعدّ للمُشاركة في مهرجان ما, وعملية الاستعداد الشاقة هذه تعني :

تعبئة استمارة المهرجان, دعمها بوثائق, وصور, تحضير نسخة من الفيلم, ترجمتها إلى الإنكليزية, أو الفرنسية, وضع كلّ هذه المواد في مغلف, الذهاب إلى أقرب مكتب بريد, أو شركة خاصة لإرساله, العودة إلى البيت, انتظار نتائج لجان الاختيار, والتصريح عن هذا (الاستعداد) يميناً, وشمالاً.

وتتوالى الأيام, والشهور, خلالها, يتصل المخرج مراراً, وتكراراً بإدارة ذاك المهرجان, حتى تصله النتائج النهائية, وفي حالة رفض الفيلم, يصبح تصريح المخرج, واستعداده خبراً منسياً في الصحف, والمواقع.

والحقيقة, بأنّ كلّ مخرجي الوطن العربي في حالة تأهب, واستعداد للمُشاركة في مهرجان, أو أكثر, وكم من الفنانين, وكتاب السيناريو, والقصص, والروايات,. استعجلوا, وأعلنوا عن مشاركات مُحتملة, ولم تتحقق تصريحاتهم أبداً.

وكم من شركة إنتاج عربية أعلنت عن اشتراك فيلم لها في مهرجان كان, برلين, فينيسيا, لوكارنو, وترشيحات الأوسكار, ... ولم يتعدى الأمر أكثر من اقتراح الفيلم .

وكم سمعنا عن أفلام عربية مشهورة لمخرجين معروفين, وشركات إنتاج كبيرة, تبجحت في يوم من الأيام باشتراكها في مهرجان كان, واتضح بأنها مبالغات لترويج الفيلم إعلامياً, ولم يكن الأمر أكثر من عرضها في إحدى الصالات التي يمكن أن تستأجرها أيّ شركة قادرة على الدفع, ودعوة السينمائيين, والإعلاميين المتواجدين أصلاً في كان.

وبالمُصادفة البحتة, عثرتُ على رأيّ كتبه الناقد السينمائيّ المصريّ (سمير فريد) بتاريخ 13/5/2007 في جريدة (المصري اليوم) :

(نشرت أكثر من صحيفة, ومجلة عن عرض أفلام مصرية في مهرجان كان الذي يبدأ الأربعاء المُقبل, مثل فيلم «ما فيش غير كده», وغيره، ولكن, بينما كانت العناوين « فيلم كذا في مهرجان كان»، فإنّ المتن يقول «إن العرض سيكون في السوق»!

هذا عبثٌ لا يليق بصناعة السينما, ولا صناعة الصحافة، لأنّ برامج أيّ مهرجان هي المهرجان، والأسواق شيء آخر تماماً, يقام أثناء المهرجان لمن يدفع إيجار الصالة دون أيّ شروط, حتى لو كان الفيلم من أسوأ الأفلام, ولا أحد في العالم يقول عندما يؤجر صالة لعرض فيلمه, إنه يشترك في المهرجان إلاّ في مصر، وربما في بعض الدول العربية الأخرى، وفي هذا العام لا يوجد فيلم مصري واحد في مهرجان كان، بل لا يوجد فيلم واحد من كل قارة أفريقيا !..).

*****

من جهة أخرى, وانطلاقاً من مناصرة الكاتبة, والتعاطف معها, وباسم الدفاع عن حقوق الملكية الفكرية, فإنّ الآراء المُتسرّعة لبعض الصحفيين تناقضت تماماً مع القضية التي يدافعون عنها, فإذا وصل الحال بمجلة إلكترونية تُسمي نفسها (الحقيقة) إلى اتهام (مسابقة أفلام من الإمارات) بالمُشاركة في القرصنة, فماذا نتوقع منها لو كان اسمها (الكذب)؟

ففي تاريخ 28/4/2007 تستخدم عنواناً فرعياً(... ومسابقة أفلام الإمارات تشارك في القرصنة  على طريقتها), وفي إحدى الفقرات تكتب حرفياً :

(الفيلم شارك في الدورة السادسة التي تنظمها مسابقة أفلام الإمارات إلى جانب العديد من الأفلام الروائية, والتسجيلية السعودية، وفاز بإحدى جوائز التقدير, والغريب في الأمر أن المؤسسة، ورغم أن اسم الكاتبة موجود على أفيش الفيلم ككاتبة سيناريو مشاركة، حسب زعم المخرج، فإنها شطبت اسم الروائية السورية, وحرمتها حتى من هذا الحقّ البسيط الذي منحه المخرج لها دون إرادتها, ودون علمها) .

ما نُشر في (الحقيقة) لا علاقة له بالكذب إطلاقاً, إنه التسرّع, والتهوّر, والتكاسل, والتقصير في البحث عن المعلومات الصحيحة, ويكفي الدخول إلى موقع (مُسابقة أفلام من الإمارات) لمعرفة تاريخ انعقاد دورتها الأخيرة من 7 وحتى 13 مارس2007, أيّ قبل شهرين تقريباً من نشر قراءتي المُتمهلة, والمُتبصرّة, والمُتمعنة عن الفيلم, وفي هامشها بطاقته التقنية, والفنية المأخوذة من الفيلم نفسه, والمُتوافقة تماماً مع المعلومات المنشورة في موقع (المُسابقة), وكتيبّها الإعلاميّ الرسميّ.

من المفيد بأن تعرف (الحقيقة) بأنّ (مسابقة أفلام من الإمارات), ليست الجهة المُنتجة للفيلم, ولا أيّ فيلم تقدمه في برامجها, كي تضيف, وتحذف أسماءَ على هواها, هي مهرجانٌ محليّ يُنظمه المُجمّع الثقافيّ في أبو ظبي(الإمارات العربية المتحدة), ويستقبل(مثل كلّ مهرجانات الدنيا) معلومات الفيلم, وصوره, ومواده الدعائية وُفق استمارة تسجيل يرسلها المخرج بنفسه قبل وقت طويل من انعقاد المُسابقة, كي يتسنى معالجة المعلومات, وتوثيقها في موقعها, وكتيّبها الدعائي(الكتالوغ), وتتمّ هذه الخطوات التقنية قبل انعقاد المهرجان, ومن العبث (وهي ليست استعارة من سمير فريد) الاعتقاد بأنّ مهرجاناً ما, ولأسباب غامضة, وعلاقة مشبوهة, ومثيرة للريبة, يمكن أن يتضامن مع مخرج لا تمّت به أيّ صلة, ويحذف اسماً من الموقع.

كان على (الحقيقة) أن تتساءل فيما إذا تمّ حذف الاسم من كتالوغ المهرجان ؟.

وربما حذفَ المخرج الاسم أيضاً من النسخة التي سلمني إياها في ليلة 13 مارس 2007, وقبل عودته في الصباح الباكر إلى بلده, وبما أنني نشرتُ قراءةً عن الفيلم, فربما حذفتُ بدوري اسم الكاتبة من البطاقة التعريفية للفيلم, وفي هذه الحالة, لا أفهم لماذا لم تتهمني (الحقيقة) بالقرصنة أيضاً, وبالمرّة, تشمل اتهاماتها كلّ الصحف, والمواقع التي كتبت عن الفيلم قبل, وبعد إنجازه .

يكفي بأن تمتلك (الحقيقة) القليل من المعلومات عن المهرجانات المحلية, والدولية, كي تعرف بأنها ليست طرفاً في نزاعات من هذا النوع, ولا أحد يستطيع مطالبتها بالامتناع عن عرض هذا الفيلم, أو ذاك, بحجة خلاف ما بين مخرج, ومؤلف.

ودعونا نتكئ على مثال لم يُحسم بعد في السينما السورية, وعلى الرغم من النزاع القائم حالياً حول سيناريو (باب المقام) بين مخرجه (محمد ملص), والكاتب السوري (خالد خليفة), إلاّ أن أحداً لم يستطع منع مشاركته في مهرجانات كثيرة, ولا حتى من عرضه التجاري في فرنسا.

كما لم يقف أحدٌ حائلاً دون عرض الفيلم المصري (قصّ, ولزق), على الرغم من خلاف حول السيناريو بين المخرجة (خالة خليل), والصحفي(هشام أبو المكارم).

تتضمّن عقود البيع, والشراء التي تعتمدها التلفزيونات الغربية, والقوانين الداخلية للمهرجانات السينمائية بنوداً تحميها بوضوح لا لبسَ فيه من مسؤولياتها عن أيّ نزاعات قانونية تتعلق بحقوق المؤلف, والملكية الفكرية(الفكرة, النصّ, السيناريو, والموسيقى,.....), والمنتج هو المسؤول الوحيد قانونياً عن انتهاكات مُحتملة, ويتمحور اهتمام المهرجانات السينمائية تحديداً بالحصول على موافقة لعرض الفيلم, وهو ما تحرصُ عليه (مسابقة أفلام من الإمارات), فلا يوجد فيلم يُعرض في أقسامها المُختلفة بدون إذنّ صريح, وواضح من الجهة الإنتاجية, أو المخرج/المنتج, وهو المهرجان العربيّ الوحيد (ربما) الذي يهتمّ بدفع حقوق مادية عندما يتطلب الأمر ذلك.

والطريف في الأمر أيضاً, كان للمخرج نفسه نصيبٌ وافرٌ من التسرّع, عندما تحدث مع الصحفي (علي فقندش) في صحيفة عكاظ بتاريخ 3/5/2007, ومنحه معلومةً متهورة :

ـ أعتقد أنّ الذي أشعل القضية أحد, أو بعض أصدقائها, ومعارفها من النقاد الذين حضروا فيلمي في المسابقة السينمائية في أبو ظبي, والذي نشر رؤيته عن الفيلم في (القدس العربي).

وهكذا, أصبحتُ (مخبراً سينمائياً) أكتبُ رؤى نقدية (تقرير وفقاً لكلمات الكاتبة) أشعل عن طريقها خلافات بين المخرجين, والمؤلفين.

لعلّ المخرج يتذكر بأنه أعطاني نسخةً من فيلمه في ليلة مغادرته أبو ظبي, كما فعل بعض المخرجين الآخرين, ولو كنتُ قد شاهدت الفيلم خلال الدورة الأخيرة لمُسابقة أفلام من الإمارات, وراودتني أيّ شكوك عن العلاقة بينه, والرواية (بافتراض قراءتي لها مسبقاً), لما انتظرتُ ثانيةً واحدة لإثارة الموضوع وقتذاك, ولما ترددت لحظةً من الإشارة إلى هذا الأمر في قراءتي النقدية عن الفيلم .

*****

في سطوري السابقة, أظهرتُ الفرق الشاسع بين الفيلم, والرواية, وكشفتُ عن بعض استعارات المخرج منها, والنقاط التي ألهمته, ولم أغفل الخطأ الذي ارتكبه بوضع اسم الكاتبة في ملصقه القديم,..

السؤال المُحرج الآن :

هل نتضامن مع الفنانة السورية (واحة الراهب), في تصريحها لوكالة سيريا نيوز بأنّ (ما حصل يستدعيّ استنفار القضاء, والثقافة, والرأيّ العام, لأنه ليس اعتداءً على حقّ ماديّ, بل اعتداء على القيم الروحية) ؟.

والسؤال الأكثر إحراجاً :

هل يحقّ لنا إدانة المخرج, ووصمه بالتهم التالية :

السرقة, القرصنة, السطوّ من العيار الثقيل, الضرب بعرض الحائط للقوانين, والأعراف الدولية, الانقلاب على كلّ المفاهيم, والقيم الأخلاقية, والمهنية، التسلق على أمجاد الغير, الخروج عن أدبيات, وماهية الإبداع, الإقدام على أمرّ خطير, وغير مسبوق في تاريخ السرقات,.. تنفيذ جريمة أدبية موصوفة بكلّ المقاييس الأخلاقية, ...

ارتكاب جريمة سطوّ بالإكراه...

وهل ما فعله جريمةٌ تستحق العقاب,..  ؟

هناك جهلٌ عامّ, ومفاهيم قاصرة, ومُبتسرة عن حقوق الملكية الفكرية في وطننا العربي, ولو امتلك الجميع الحزم, والجرأة لإثارة هذه القضية في شكلها القانونيّ الصحيح, لانقلب المشهد الفنيّ في بلادنا رأساً على عقب, واتخذ مساراً إيجابياً مختلفاً تماماً عن وضعه القائم, لأنّ ما يحدث اليوم, والبارحة في الوسط الصحفي, والإعلامي, والأدبي, والفني, والسينمائي, هو إغفالٌ علنيّ لهذه القوانين, وبرضى الجميع, بدون استثناء, بما فيهم أصحاب الحقوق نفسها.

وربما يحين الوقت للكتابة عن طبيعة الحقوق المعمول بها في الغرب(الأعمال السمعية/البصرية خاصةً), كي نعرف إلى أيّ حدّ نحن مساكين .

خاص بـ"سينماتك" في

17.05.2007

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)