كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

الفيلم السعوديّ طريقةٌ صعبة:

التأرجح بين فكرة (الثأر) ومفهوم القتل الاحترازي

باريس ـ صلاح سرميني

صلاح سرميني يكتب عن الأفلام العربية القصيرة

   
 
 
 
 

باريس ـ القدس العربي مع مشاهدة الدقائق الأولي من الفيلم الروائيّ القصير (طريقةٌ صعبة)، يتضح أنّ مخرجه السعوديّ (سمير عريف) يُتقن التعامل مع الكاميرا الرقمية، كما يستخدم إيقاعاً مونتاجياً يشدّ المتفرج، حتي وإن استعاره من هنا وهناك في خلطة من أفلام الحركة الأمريكية، والشرائط الإعلانية، والفيديو كليب، وأظنه عمل قبل ذلك (وما يزال) مخرج إعلانات محلية.

منذ العناوين الأولي للفيلم، يمنح أهميةً لشريط الصوت، باستخدامه مُؤثرات تضعنا فوراً في أجواء تشويقية، إنها أصوات حركة مرور سيارات فوق طريق سريع، تتقدم من بعيد، وتقترب، ومن ثمّ تبتعد،.. ومنها نتخيل أين وضع (سمير عريف) الكاميرا، إنها ليست في إحدي تلك السيارات العابرة بسرعة، ولكنها جاثمةٌ علي أحد جانبيّ الطريق، تنتظر، وتتربصّ، وكي تزداد جرعة الإثارة، نسمع بوحاً داخلياً للشخصية الرئيسية (ودائماً بمُصاحبة شاشة سوداء)، ومن ثمّ تتكشف الصورة.

من بعيد تقترب سيارات مُسرعة، سرعان ما تختفي خارج الكادر شمالاً، وفي تلك اللحظة بالذات، تنطلق موسيقي تزيد من حدة التوتر، بينما تواصل الشخصية الرئيسية بوحها المكشوف:

ـ يمكن يستغرب البعض ايش اللي خلاني أوصل إلي هذا، لا تبدا تحكم عليّ، لو تضحي بوقتك شويّ، ممكن تفهم اللي صاير، اللي صاير لازم يتغير، وإحنا ما نتغير إلا بالطريقة الصعبة، ولأنها صعبة أنا هنا، السؤال بسيط، مين بطل هادي الليلة؟.

علي لسان الشخصية الرئيسية، يتوجه المخرج إلي المتفرجين مباشرةً في محاولة شرح، وتفسير، وسوف نفهم لاحقاً بأنه (تبرير)، ويتوخي بأن يكونوا شهوداً صامتين،..

وبرغبته الصريحة: بأن لا نستغرب، ولا نحكم عليه، وأن نضحي بوقتنا قليلاً حتي نفهم، وضرورة تغيير الحال بـ(الطريقة الصعبة)،....فإنه، بكلّ صراحة، ووقاحة، لا يرغب في أن نتعاطف معه فحسب، ولكن، نتواطأ أيضاً مع ما حدثَ، أو سوف يحدث.

بمهارة تمتزج المؤثرات، مع الموسيقي، مع الحوار الداخلي (البوح)، بينما تقطع اللقطة المُسترسلة لحركة السيارة لقطات أخري (فلاشات سريعة جداً) لا يتمكن المشاهد من تحديد تفاصيلها، ولكنها تمنحه الرغبة بالمُتابعة.

يمكن اعتبار المشهد السابق مقدمةً، أو استباقاً درامياً، وبصرياً لحدث سوف يكشف عنه السيناريو بالعودة إلي الماضي القريب، لقطةٌ كبيرةٌ لساعة منبه تشير إلي السادسة، وعشر دقائق صباحاً، تبتعد الكاميرا عنها في (حركة زوم) لتُظهر محتويات غرفة نوم، ومن ثم شاب ينهض من سجوده منتهياً من الصلاة، حركةٌ متقنةٌ فعلاً تلخص، وتكثف،.. يستعد للخروج من المنزل، وما تزال الموسيقي تهيئ المتفرج لحدث علي قدر كبير من الأهمية، يدعمها مؤثرٌ غنائيّ لطفلة ينطلق حالما يلتقط حافظة نقوده، وتظهر فيها صورة ابنته، وترتسم علامات ألم علي وجه الشاب.

ينطلق الأب في سيارته، وما يزال المونتاج يزيدنا لهفة، وخاصةًً عندما يستقبل لقطات سريعة جداً (بالأبيض، والأسود) للطفلة تجلس في المقعد الخلفي مرحة، ومبتسمة، وتدريجياً نفهم بأنها انتقالات خاطفة إلي الماضي الأبعد، تجسّد ذكريات أليمة.

في نفس الوقت، وعلي نفس الطريق، شابّ آخر يقود سيارته بسرعة، يستمع إلي الموسيقي، ويتحدث تلفونياً مع صديق ما، وبدون مقدمات، يتخلق تحدٍ بتجاوز سيارة الأب، رغبةٌ صبيانيةٌ بالسباق، أو البقاء دائماً في المقدمة، أو إقصاء الآخر ربما.

ما بين لقطات الأبيض، والأسود، والألوان، نفهم بأن حادثةً ما قد وقعت، وفقد الأب طفلته، وزوجته التي كانت تجلس في المقعد الأمامي، أو الخلفي، لا يهمّ، المهم بأنها لم تظهر صورتها في الفيلم أكثر من ثوان قليلة، فالأب، ومنذ البداية، يتذكر طفلته (فقط)، ويغلبُ هذا الإقصاء الدائم للمرأة علي معظم الأفلام (الرجالية) القصيرة المُنجزة في الخليج، وتكثر في المقابل الأفلام التي يمثلها الأطفال من الجنسين، وربما تكون الأسباب صعوبة الاعتماد علي نساء للقيام بأدوارهن، وأمام هذا الأمر الواقع، يكتب المخرجون سيناريوهات أفلامهم بدون شخصيات نسائية، وإذا تطلّب الأمر، هناك دائماً رجلٌ يمثل دوراً نسائياً صامتاً، كما فعلت المخرجة السعودية (هيفاء المنصور) في فيلمها القصير (من؟) /2003 ، وفيه يدخل سفاحٌ بيوت ضحاياه بملابس امرأة، ويقتلهن.

في (طريقة صعبة)، وبعد مطاردة قصيرة، يوقف الرجلان سيارتيهما، ويتبادلان العتاب، ويبدو أن كلّ شيء قد مرّ بسلام، ولكن، ما أن يقود الأب سيارته، حتي يتذكر أكثر فأكثر الحادثة القديمة التي راحت ضحيتها طفلته، وزوجته، وفجأة يظهر شبح الطفلة، بالألوان هذه المرّة، الأب متلعثماً يبرر لها ما فعل:

ـ أنا كنت ناوي أكلمو بسّ، أنا عشانك يا بابا، غلطة..

ونفهم بأنه قتل الشاب المُسرع، وهي تطمئنه:

ـ بابا إنت ما سوّيت شي.

يعود إلي بيته منهكاً، فيظهر له هذه المرة شبح الشاب القتـــيل، ويبدو بأن الأب قد تعايش منذ تاريخ الحادثة مع شبح ابنته، وعليه منذ اليوم أن يتــعايش مع الضيف الجديد، وعندما تكرر الطفلة علي مسامع والدها بأنه لم يرتكب أيّ خطأ(إنت ماسويت شي حاجة غلط يا بابا)، تعود بنا الأحداث إلي اللحظات التي تلت حوار العتاب بين الأب، والشاب، ونشاهد كلّ واحد منهما ينطلق بسيارته، وهنا نفهم لماذا تُطمئن الطفلة والدها، وبأنّ الجريمة قد حدثت في خيال الأب فقط، لقد كانت حلم يقظة، أو رغبةً ضمنيةً بقتل الشاب ثأراً لمقتل طفلته في حادثة سابقة ارتكبها واحدٌ آخر.

(14) دقيقة تقريباً تجسّد حالةً تطهيرية لجريمة مُتخيلة، وبالتوازي مع المهارة الحرفية، وأجواء التشويق التي وضعنا فيها المخرج، وبالتساهل مع الظهور المُتكرر لشبح الطفلة، ومن ثمّ الشاب المقتول، (يجدر القول بأن المخرجين الخليجيين يحبون قصص الأشباح، ويقدمونها بشراهة في أفلامهم)، وبالتمعن قليلاً في تسلسل الحدث، وتصاعده، ومن ثم هبوطه، وبالتأكيد علي غياب الزوجة تماماً، حيةً، وميتة (إلاّ من لقطة تستغرق أقلّ من ثانية)، فقد خرج الرجل من بيته، وقطع بسيارته مسافات طويلة استغرقت حوالي (13) دقيقة زمناً سينمائياً، وفي الدقيقة الأخيرة عاد إلي بيته، وفي يده بعض الجرائد، واقتصر نشاطه اليومي علي قيادة سيارته، ولولا صدفة اللقاء مع الشاب الآخر(والحقيقة بأنها ليست صدفة)، وتجاوزه بسيارته، لما حدث أيّ شيء يُذكر، لقد خرج الأب من بيته إذاً بدون هدف، أو نسي السيناريو، أو تناسي بأن يوصله إلي هدف ما، أبسطها العمل.

لقد شاهدتُ الفيلم مرةً في مُسابقة أفلام من الإمارات/2007، وثلاث مرات متيقظاً أمام شاشة الفيديو، ولم أتمكن من تحديد فيما إذا كانت الجريمة قد حدثت فعلاً، أو كانت مجرد خيالات، وأوهام، وإن تجاوزتُ هذا الغموض، والتشوش، وافترضتُ بأنها قد حدثت فعلاً، وطفلته تبررها لأكثر من مرة، فالجريمة هنا مُضاعفة: الإقدام عليها، وتبريرها سينمائياً.

في نهاية الفيلم نسمع بوحاً جديداً:

ـ أكيد مو غلط، والأرواح البريئة لزم أحرسها بأيّ طريقة.

وكي أتوخي الموضوعية ما أمكن، وأنصف مخرجاً سعودياً شاباً، فقد شاهدتُ الفيلم للمرة الرابعة، وفيها فهمت السبب الذي جعل المخرج يضع الكاميرا علي أحد جوانب الطريق، (تنتظر، وتتربص)، كما توضح لي لغز الخروج من البيت بدون غاية إلاّ مطاردة السائقين المُسرعين، كما تأكد لي بأن الأب قد جعل نفسه قاضياًَ يحكم بالقتل علي أيّ سائق يقود سيارته بسرعة.

اللقطة الأخيرة تشير بدون مواربة إلي هذه القصدية، لقد أصبحت مهنته الوقوف بسيارته في جانب من الطريق، ينتظر، ويتربص أيّ سيارة مُسرعة، كي يتبعها(مُسرعاً أيضاً)، ليقتل السائق، ويخلص العالم من حادثة مُحتملة.

ألا يتأرجح هذا المنطق الإجراميّ ما بين فكرة (الثأر) المُتأصلة في التجمعات القبلية مع مفهوم القتل الاحترازي الذي كرسته المجتمعات الما بعد صناعية؟

طريقة صعبة:

·         إنتاج، إخراج، تصوير، صوت، مونتاج: سمير إبراهيم عارف

·         سيناريو: طارق الخواجي

·         منتج مشارك، وموسيقي: يوسف السالم

·         تمثيل: طارق الحسيني، عبد الله الدعفس، ميّ الرفاعي.

·         إنتاج الوسائط الذكية، عام 2006، 18 دقيقة.

سمير إبراهيم عارف:

·     خريج جامعة الملك سعود، بكالوريوس علوم الحاسوب، بدأ حياته المهنية في المونتاج، والتصميم ثلاثي الأبعاد للقنوات الفضائية، والإعلانات الدعائية للبرامج.

·         قام بتأسيس أقسام الإنتاج، والغرافيك بالتلفزيون السعودي لقنواتها الإخبارية، والثانية.

·     انتقل لاحقاً إلي مرحلة الإخراج، وإدارة الإنتاج، حيث أخرج العديد من الإعلانات التجارية، والأفلام الوثائقية لشركات مختلفة، إضافة إلي تصميم إعلانات دعائية لبرامج تلفزيونية.

·         يشغل حالياً منصب مدير إدارة الإنتاج بمؤسسة الوسائط الذكية.

·         حاصل علي جائزة (مبدع السنة) في المسابقة الوطنية علي مستوي المملكة عن إخراجه لفيلم بعنوان التحدي عام 2003.

القدس العربي اللندنية في

02.05.2007

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)