الدورة الـ14 للمهرجان بددت غيوم السياسة
دمشـق تنتصـر لفن الحيـاة بـالسينمـا
رسالة دمشق ــ علا الشافعي
السينما لا تحيا إلا بأناس أحياء, هكذا علق محمد الأحمد, مدير مهرجان
دمشق السينمائي الدولي, والذي أكد علي أن الظرف السياسي الصعب,
والأوضاع المعقدة التي تخيم بظلالها علي المنطقة أبدا لم تقف عائقا أمام
إقامة مهرجان دمشق ولن تكون كذلك في المستقبل, فستظل الدنيا في سوريا
مزاجا لإقامة المهرجان, ومشاهدة الجديد من الأفلام وسماع الموسيقي
والأغاني وقراءة الروايات لأننا بالأمل والثقافة نقهر الموت, وننتصر علي
كل أشكال الظلم والظلمات, وكلامي لا يأتي من فراغ, فمعظم التيارات
الفنية والأدبية ولدت بعد حروب وأزمات عاصفة, مثلما حدث وظهرت الواقعية
الإيطالية والموجة الجديدة الفرنسية والتيارات الحداثية التي عرفتها روسيا
بعد حربين عالميتين, لذلك فالسينما هي فن الحياة, وتنتصر لكل المعاني
والقيم النبيلة, وترصد كل مآسي الواقع.
أنت سني أم شيعي, مسلم أم مسيحي, توتسي أم هوتو, هل تبحث عن حريتك
المفقودة؟! هل وجدت الحب؟! هل اكتشفت زيف الحياة التي تحياها؟!
وأصبحت تبحث عن حلول بديلة؟ تلك هي التيمات الرئيسية التي دارت حولها أفلام
المسابقة الرسمية المميزة لمهرجان دمشق والذي عقدت فعالياته تحت شعار تحيا
السينما في الفترة من20 وحتي29 من شهر نوفمبر وتستمر عروضه للجمهور
السوري حتي الآن.
وعلي الرغم من الظروف السياسية التي تعيشها سوريا. لكن المتابع لنشاطات
المهرجان سيجد نفس الحضور الجماهيري المكثف وحالة اللهاث من دار عرض لأخري
لمتابعة نشاطات وفاعليات المهرجان, وهي الحالة التي يتميز بها الجمهور
السوري والذي يعد المهرجان فرصة مهمة بالنسبة له لمتابعة الجديد من إنتاج
السينما العالمية خاصة في ظل غياب العروض السينمائية عن دور العرض السورية
أو تأخر وصولها في معظم الوقت.
أفلام مميزة
نجح مهرجان دمشق السينمائي الدولي في دورته الـ14 في عرض مجموعة مميزة من
إنتاج السينما الأمريكية والآسيوية والأوروبية بدءا من فيلم الافتتاح الطفل
وهو الفيلم الحاصل علي السعفة الذهبية من مهرجان كان الدولي لهذا العام
والفيلم إخراج وإنتاج وسيناريو جان بيير داردين وتدور أحداثه في إطار
إنساني فائق النعومة ومليء بالتفاصيل عن جيريمي20 عاما وصديقته سونيا18
عاما اللذين يعانيان من ظروف عائلية صعبة ويعيشان معا علي إعانة البطالة
إلي جانب السرقات الصغيرة التي يقوم بها جيريمي, ويحدث التحول الدرامي في
حياته عندما تنجب صديقته طفلا صغيرا, لا يستطيع البطل التعامل معه أو مع
تفاصيل حياته, لذلك يقرر أن يبيعه وأن يستفيد من ثمنه وعلي الرغم من قصة
الحب بين الاثنين إلا أن سونيا, لم تتردد في الإبلاغ عنه.
وتتطور الأمور بينهما ولكن في النهاية ينتصر الفيلم للحب وللحياة,
والفيلم يشبه أفلام الواقعية الإيطالية خاصة أن المخرج اختار أسلوب إخراجي
هاديء فائق النعومة والبساطة وإضاءة معبرة عن اللحظات الإنسانية التي أصبح
العالم المادي يفتقدها.
من أمريكا عرض فيلم البلاد الجميلة والذي تدور أحداثه علي خلفية الحرب
الأمريكية علي فيتنام, وما خلفه الوجود الأمريكي من شروخ في المجتمع ليس
علي صعيد الأرض, ولكن علي البشر والتركيبة الاجتماعية, فشاهد بن
المنبوذ من جانب عائلته لأنه ينتمي لأب أمريكي ويطالبونه بالرحيل إلي
العاصمة ليعيش مع أمه التي تركته للبحث عن فرصة عمل, بن منفصل تماما عن
واقعه, وتربطه بأمريكا صورة الأب معه وهو طفل رضيع, وهناك حلم دائم
بالأب, ورغبة في البحث عنه!! ويحدث التحول الدرامي عندما تعطيه الأم
وثيقة زواجها وتطالبه بالسفر إلي أبيه, ويرصد لنا المخرج رحلة السفر
كمأساة إنسانية شديدة الميلودرامية لما يتعرض له المهاجرون غير الشرعيين,
والذين لا يعدون سوي تجارة وبيزنس لقبطان أمريكي وشريكه الصيني ويصل بن بعد
رحلة مليئة بكل أشكال الإهانة للآدمية وفقدانه لشقيقه الصغير, وجثث كثيرة
تلقي في مياه المحيط.
المخرج بذكاء شديد نقل كل تأثيرات الحرب دون أن نراها علي الجانبين
الأمريكي والفيتنامي, ويدهشك النجم الأمريكي نيك نولتي الذي جسد دور الأب
وهو صاحب حضور طاغ علي الرغم من مشاهده القليلة, في إيقاع محكم ومتدفق
وحوار مكثف وحركة كاميرا محسوبة وموسيقي تصويرية آسرة, والفيلم في
النهاية ينتصر للتصالح مع الذات وتقبل الآخر.
فندق رواندا, هو الفيلم الحاصل علي الأوسكار وهو من أهم الأفلام التي
عرضت في المسابقة الرسمية, الفيلم قدم بصدق أكيد وحساسية عالية لدرجة أن
إحدي الضيفات من الأفارقة لم تتمالك نفسها من البكاء, وعلا صوت نحيبها في
قاعة العرض ولم تستطع استكمال مشاهدة الفيلم فندق رواندا فيلم عن التطرف
والإرهاب الذي أصبح يحكم حياتنا, ومخرج العمل, يقف ضد العنصرية والتطرف
أيا كان نوعه, لأن الشعوب ومصائرها تحركها مصالح الدول الكبري, التي
تحركهم كعرائس الماريونت, وفي هذا الفيلم حضر نيك نولتي بقوة أيضا حيث
جسد دور الجنرال المنوط من الأمم المتحدة بحفظ السلام والذي يقف مكتوف
الأيدي أمام الجرائم والمجازر البشرية التي ارتكبها سكان الهوتو المتشددون
ضد التوتسي الذين يشكلون الأقلية والذين كانوا يملكون زمام الأمور أثناء
الاستعمار البلجيكي, ولكن بعد حصول رواندا علي الاستقلال تم منح الهوتو
السلطة وجاء الانتقام من التوتسي وبطل الفيلم دون شيدل هو شخصية حقيقية
يعمل بأحد الأوتيلات وزوجته تنتمي للتوتسي وهو يقدم نموذجا للشخصية
الدرامية التي تبدأ في ساعة الخطر في الدفاع عن نفسها, ثم عائلتها إلي أن
يكتشف معني الوطن وأنه وعائلته لن ينجو بمفرده لذلك يحول الفندق الذي يديره
إلي قلعة يلجأ إليها التوتسي والهوتو من المتعاطفين إلي أن يتم ترحيلهم
خارج البلاد, الفيلم مليء بالشحنات الانفعالية مع موسيقي تصويرية موظفة
دراميا, وأداء تمثيلي عال لفريق العمل حتي الأطفال.
ومن إيطاليا عرض فيلم لا تتحركي إخراج وسيناريو سيرجيو كاستيليتو مع زوجته
مارجريت ما تساتنيتي ومن بطولة النجمة بينلوب كروز, والمخرج, والفيلم
عن الحب والحياة والألم ونسبية الأشياء ولحظات ضعف تمر بها النفس
البشرية, وقصة حب تحاكي قصص الحب المتعارف عليها في الأدب, من خلال أب
طبيب متسامح تعرضت ابنته لحادث دراجة نارية وتصبح بين الحياة والموت ومع
دخولها غرفة العمليات يبدأ الأب في استرجاع شريط حياته وعلاقة الحب
الحقيقية التي جمعته بامرأة بسيطة تعمل في خدمة الفنادق جسدت دورها بينلوب
كروز والتي تعرف إليها عن طريق الصدفة.
وعرض أيضا فيلم مذكرات دراجة نارية والفيلم مأخوذ عن مذكرات تشي جيفارا
ورحلته هو وصديقته بالدراجة النارية في دول أمريكا اللاتينية.
سينما عربية.. فقيرة
وأمام هذه الأفلام التي جاءت متكاملة السيناريو, وبناء الشخصيات,
والتمييز الإخراجي وتنوعت الموضوعات والأفكار والخيال الفني المتدفق,
يكون الحديث عن السينما العربية شديد الصعوبة حيث إن المقارنة كشفت الكثير
من عورات السينما العربية, التي شاركت في المهرجان, فيما عدا تجربة
المخرج التونسي المميز, ناصر خمير, صاحب الهائمون وطوق الحمامة
المفقودة, حيث شارك بفيلمه بابا عزيز وفيه واصل رصده للعالم الذي يعشقه
وهو عالم المتصوفة والدراويش, والفيلم شديد الثراء علي مستوي الصورة
وكذلك شريط الصوت, ويأخذك إلي حالة روحانية عالية وذلك من خلال قصة شيخ
ضرير, يصطحب حفيدته في رحلة إلي الصحراء لتكتشف معه عوالم الدراويش
وتتداخل خيوط الحقيقة بالأسطورة.
أما المشاركة المصرية, فلقد اقتصرت علي فيلم لخان بنات وسط البلد وفرحان
ملازم آدم للمخرج عمر عبدالعزيز, الفيلمان استقبلا من قبل الجمهور السوري
بشيء من الترحيب, فيلم فرحان ملازم آدم قيل إنه أعاد السينما المصرية إلي
الحارة التي أصبحت غائبة عن السينما المصرية التي لم نعد نري فيها سوي
الشواطيء والفلل والحياة المرفهة بعيدا عن حياة المهمشين, أما فيلم خان
فعلي الرغم من أنه يحمل رائحة سينما خان, ولكن كل من شاهد الفيلم لم
يستطع أن يبعد نفسه عن مقارنة الفيلم بسينما خان وإبداعاته السابقة,
فالفيلم جاء بسيطا وخفيفا ويخلو من العمق الإنساني الذي يميز سينما خان,
فهناك خفة شديدة قللت من تأثير الفيلم لذلك جاءت الجائزة الخاصة والتي منحت
لبطلتي الفيلم كنوع من الترضية للسينما المصرية التي يحتفي المهرجان بها
وبنجومها الذين يعطون المهرجان طابعا مميزا.
أما السينما السورية, والتي هي صاحبة إنتاج قليل لا يتجاوز عادة الثلاثة
أفلام سنويا وكان يغلب عليها الطابع الفني والتقني المميز, إلا أن دورة
هذا العام من مهرجان دمشق كشفت عن أزمة جديدة أصبحت تعاني منها السينما
السورية وهي غلبة الإيقاع التليفزيوني علي الأفلام المشاركة العشاق لحاتم
علي, وعلاقات عامة لسمير ذكري وتحت السقف لنضال الدبس.
وحاتم علي, هو مخرج شديد التميز للدراما التليفزيونية وسيقوم بإخراج فيلم
يحيي الفخراني الجديد عن محمد علي والمفارقة أن فيلم حاتم علي العشاق كان
عبارة عن مسلسل تليفزيوني30 حلقة, حقق نجاحا وجماهيرية كبيرة حين عرض
بالتليفزيون السوري وتم تحويله إلي فيلم سينمائي فقد الكثير من رونقة
وإيقاعه, والفيلم عرض تحت شعار تشجيع القطاع الخاص علي خوض تجربة الإنتاج
السينمائي, وهو الأمر الذي يضع العديد من علامات الاسفهام حول أزمة
السينما السورية, فمادامت الشركة المنتجة للفيلم لديها نية الإنتاج
السينمائي, فلماذا لم يتم ذلك عن طريق نص سينمائي يكتب خصيصا للسينما,
الفيلم بطولة باسل خياط وسلاف فوخراجي.
أما الفيلم الثاني علاقات عامة الحائز علي برونزية المهرجان, الفيلم
إخراج سمير ذكري, فغلب عليه الإيقاع التليفزيوني في منطق دراما الفيلم
والذي وصلت مدته الزمنية إلي ساعتين وربع الساعة وهو ما يتنافي مع لغة
السينما والتي هي مرادف للتكثيف, وأهدر ذلك فكرة الفيلم الشديدة
الجاذبية, والتي تناولت الفساد في السلطة والتواطؤ بين السلطة
والمستفيدين وبين الأشخاص في حياتهم الاجتماعية, وذلك من خلال مرشدة
سياحية سلافة معمار متزوجة في السر من رجل أعمال وصاحب نفوذ, وفي نفس
الوقت تتعرف إلي مهندس خفيف الروح يقع في غرامها إلا أنه يتواطأ مع صاحب
النفوذ لأجل صالحه.
أما فيلم نضال الدبس وتحت السقف المشارك حاليا في مهرجان القاهرة, وعلي
الرغم من الثراء البصري المميز للفيلم إلا أن غلبة الرمزية في الكثير من
تفاصيل الفيلم حالت دون التواصل الجماهيري معه.
ومن المغرب شارك فيلم أجنحة متكسرة للمخرج عبدالله همودش, والذي أكد
الناقد المغربي مصطفي المسناوي, أنه أقل الأفلام المغربية في مستواه
الفني والفيلم ينتمي إلي نوعية الميلودراما, عن أسرة تفقد ابنها صاحب
الأربعة أعوام, يوم عيد ميلاده ويعيش الابن مع أطفال الشوارع, حتي تجده
أسرته بعد أكثر من17 عاما, بحلول درامية شديدة السذاجة إلا أن ذلك لا
ينفي وجود أجواء خاصة علي مستوي الصورة حققها المخرج.
التكريم
أجمل ما في رحلة الإبداع هو التكريم الذي يأتي في وقته, وهذا العام احتفي
مهرجان دمشق السينمائي الدولي بالعديد من الوجوه الفنية في مجال التمثيل
والإنتاج ودور العرض ومن بينهم الفنانة نادين, والفنانة نبيلة النابلس,
والمنتج إبراهيم نجمة وأسماء تخطت الـ15 اسما, مما أفقد بهجة التكريم
نظرا لكثرة الأسماء التي تم الاحتفاء بها, وتساءل الكثيرون عن جدوي تكريم
الفنانة المصرية نبيلة عبيد للمرة الثانية من قبل المهرجان, كما أن
الاحتفاء بالراحل مصطفي العقاد, وتكريم اسمه جاء وسط الكثير من الأسماء
في حفل الافتتاح وهو الذي كان يجب أن يكتفي بتكريم اسمه مع الفنان محمود
مرسي, مثلا في حفل الافتتاح بعيدا عن هوجة التكريم والغريب أن أحدا لم
يحضر من أسرته سوي شقيقه, ولكن من الأشياء الآسرة قيام مدير المهرجان
بتكريم محمود أبو حديد, أحد عمال آلة العرض السينمائية وصاحب أندر مجموعة
من آلات العرض*
كواليس
* دارت الكثير من النقاشات حول معركة الدراما التليفزيونية السورية
والمصرية والهجوم الذي شنته الصحافة المصرية علي الدراما المصرية.
* الكاتب عبدالحي أديب, أصابته أزمة قلبية نقل علي إثرها إلي المستشفي
حتي استقرت حالته الصحية.علي هامش المهرجان* علي هامش المهرجان تم عمل
معرض لأندر الآلات السينمائية.
* قد تكون هناك هنات في مهرجان دمشق السينمائي وتساؤلات حول ضرورة تجديد
دور العرض السينمائي.
* وتساؤل حول الطفرات الإنتاجية التي تشهدها الدراما السورية
التليفزيونية في حين أن السينما تعاني من مشاكل كثيرة, إلا أن ذلك لا
يقلل من حجم الجهد المبذول في استقطاب العديد من الأفلام المميزة والكثير
من المطبوعات السينمائية المهمة ولكن تبقي أحلام السينمائيين السوريين
كبيرة, وكذلك الجمهور السوري صاحب الذائقة الرفيعة والباحث عن السينما
طوال العام.
* ومن ضمن المعروضات آلة نادرة وهي أول آلة صامتة دخلت سوريا عام1912,
وهي إيرلمن وان والتي بقيت تعمل حتي عام1928, وعرض عليها أول فيلم سوري
المتهم البريء.
* وأول آلة عرض ناطقة دخلت سوريا.
* أقيمت تظاهرة لسينما الأطفال ورعاة البقر.
* وتظاهرة السينما المصرية2005 ضمت معظم الأفلام التجارية.
* ونظمت تظاهرة لأفلام السير الذاتية ضمت مجموعة من أهم الأفلام عن
شخصيات زعماء وقادة آلام المسيح ومملكة الجنة, عيدي أمين, عمر
المختار, نيكسون, الطيار, الإسكندر.
* نظم فنان الكاريكاتير حسن أدلبي معرض رسوم ضم أبرز نجوم الفن العربي.
* حضرت الصين بقوة في مهرجان دمشق حيث نظمت احتفالية تحت عنوان السينما
ماضيا وحاضرا.
|