كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

ممثلة «منطقة حرة» استحضرت فلسطين الى حفلة «كان» الختامية...

«الطفل» البلجيكي أغضب الجميع

كان - ابراهيم العريس

مهرجان كان السينمائي الدولي الثامن والخمسون

   
 
 
 
 

... مرة اخرى خابت كل التوقعات في الحفلة الختامية لمهرجان «كان» واختفت كل التنجيمات، إلا القليل منها. فلا لارسن فون تراير فاز - وسيغضب من جديد - ولا هوهيشاو هشيبين نال اية جائزة. كثر خرجوا غاضبين من الحفل. والبعض، حتى وإن ربح فإنه لم يكن راضياً: لذا رفض مصافحة رئيس لجنة التحكيم البوسني امير كوستوريتسا. منذ البداية كان كوستوريتسا معروفاً بغرابة اطواره... ومع هذا لم تكن الغرائب كثيرة باستثناء منح الفيلم البلجيكي «الطفل» للأخوين داردين السعفة الذهبية مع ان احداً ما كان يتوقعها له. أغضب الغاضبين كان النمسوي ميكائيل هانكه، الذي نال جائزة افضل مخرج. وكان يتوقع - ويتوقع له كثر - السعفة الذهبية عن فيلمه «خفي». كذلك غضب، كما يبدو، الممثل/ المخرج تومي لي جونز مع ان فيلمه «دفن ملكيادس ثلاث مرات» فاز بجائزتين: جائزة افضل ممثل له هو شخصياً، وجائزة افضل سيناريو لكاتبه غييرمو آرياغا الذي حين اعتلى المنصة قال انه اول سيناريو له، وكان يريده الاخير، لكنه الآن بعد الفوز سيحاول ثانية... ثم لوّح بعلم بلاده المكسيك ملتفتاً بحنان ناحية ابنة بلده عضو لجنة التحكيم سلمى حايك.

جيم جارموش نال عن حق الجائزة الكبرى عن فيلمه «زهور محطمة» وهي ثاني اكبر الجوائز، بعد السعفة الذهبية، وهو القى كعادته كلمة متواضعة حيا فيها السينما واساتذته والنساء عموماً.

النساء، كن ايضاً محل اهتمام الممثل رالف فينيس الذي قدم جائزة افضل ممثلة، فكانت المفاجأة ان الفائزة بها هي الاسرائيلية هانا لاسلو، احدى النساء الثلاث في فيلم «منطقة حرة» لعاموس غيتاي، التي لم تخف فرحتها... قبل ان تستحضر فلسطين الى الحفلة، أهدت الجائزة لأهلها الذين كانوا من ضحايا الهولوكوست، ثم قدمت الجائزة أيضاً الى ضحايا اليوم من الفلسطينيين العرب آملة بأن يجلسوا يوماً مع اليهود للتفاهم النهائي.

جائزة لجنة التحكيم الخاصة ذهبت الى فيلم «اصلاح شانغهاي» الدراما العائلية الصينية الكلاسيكية والمتميزة. بينما ذهبت السعفة الذهبية للفيلم القصير الى الاوكراني «بودو روجني». ونال جائزة الكاميرا الذهبية مناصفة، فيلم اميركي («انا وانت وكل الآخرين») وفيلم من سريلانكا («الارض المهجورة»). وكل هذا في حفلة لم تخل من طرائف وصراخ احتجاج وتصفيق اشتد حين تحدثت هانا لاسلو عن فلسطين وضرورة السلام فيها... وهو نفس ما كان حدث في العام الفائت، حين تحدثت اسرائيلية اخرى، ايضاً عن فلسطين... فكان السؤال: متى يعود الفلسطينيون الى «كان» للحديث عن قضيتهم، على غرار ما فعل ايليا سليمان قبل ثلاث سنوات حين حقق فوزاً كبيراً بـ«يد إلهية»؟

الحياة اللبنانية في

22.05.2005

 
 

الخليج في مهرجان "كان" السينمائي الدولي (10)

"الطفل" ينتزع السعفة الذهبية ولي جونز أفضل ممثل

العراق حاضر أيضاً في الختام

“كان”- محمّد رضا

فاز فيلم “الطفل” للاخوين البلجيكيين جان بيير ولوك داردن مساء أمس بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في ختام دورته الثامنة والخمسين. ومثلما كان موضوعاً مهماً في الافتتاح حضر العراق في الختام، إذ قدم الاخوان داردن جائزتهما الى الصحافية الفرنسية فلورانس اوبنا ومرافقها العراقي حسين حنون الرهينتين في العراق.

من ناحية ثانية، فاز الممثل الأمريكي تومي لي جونز بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم “المدافن الثلاثة” وهو من اخراجه. وحصل فيلم “طريق المسافرين” للأوكراني ايجور سترمبيتسكي على السعفة الذهبية للفيلم القصير. وقال مخرج الفيلم (31 عاماً): “أنا سعيد من أجل أوكرانيا”. وتبلغ مدة الفيلة عشر دقائق وهو بالأبيض والأسود ويتحدث عن “الطفولة التي لا تعود أبداً وعن الأحلام التي لا يمكن ان تتحقق وعن جنون السعادة والحزن”.

وكان مساء امس شهد التئام شمل الموجودين في المهرجان لآخر مرة وصعدوا السلم ذي البساط الأحمر وقد شاهدنا رئيس المهرجان جيل جاكوب وهو يستقبل الضيوف الكبار بنفسه. إنه عادة ما يقف وراءهم يدعوهم لمواصلة صعود السلم الطويل حين يستسلمون لطلبات مئات المصوّرين المحتشدين يمين ويسار السلم. ذلك لأن سيارات المهرجان التي تقل نجومه لا تتوقف عن الوصول وكل فوج فيها عليه أن يصعد بدوره من دون توقف طويل.

كان الاستعراض الأخير بعد أحد عشر يوما من الاستعراضات المماثلة التي سبقته منذ إطلاق الدورة. وهو أكبرها وأهمها. في داخل القاعة تم لنا الوقوف على مقررات لجنة التحكيم. هل ذهبت للأفضل فعلاً؟ أم أن موازين ومقاييس مختلفة غلبت ذلك الاختيار؟ من سيعود في الأعوام المقبلة ومن سيقول كفى؟ والجوائز هي أيضاً نوع من الفصل الحكم بالنسبة للقيمة الإجمالية للدورة. وأفلام هذا العام مثيرة للاهتمام بصرف النظر عن مستوى بعضها المتدني. بل ان هذا المستوى لا ريب موجود في معظم الدورات في معظم المهرجانات... والكل يحاول قدر استطاعته... أو هكذا يعتقد الكثير منا.

لم تكن دورة سيئة لكن كان يمكن لها أن تكون أفضل... الا إذا كانت الأفلام المعروضة هي بالفعل أفضل ما تم إنتاجه منذ نهاية سبتمبر الماضي عندما توقف زخم المهرجانات المنافسة مثل فانيسيا وتورنتو وسان سابستيان. أهناك ريب؟ بالطبع هناك ريب وسيبقى الى أن يخبرنا البعض عن السبب الذي من أجله تبدو كل الأفلام المقدّمة فرنسية حتى لو كانت صينية أو كورية أو يابانية؟ دائما هناك شعار شركة توزيع فرنسية اشترت العمل قبل عرضه في المهرجان. على عكس مهرجانات أخرى، مثل برلين وفانيسيا، تشعر بأن الفيلم الصيني وارد مباشرة الى الشاشة وليس عبر شريك أو وسيط فرنسي. حتى حين كانت السينما العربية تشهد بعض الاشتراكات في العروض الرسمية كانت من بين تلك التي إما ساهم فرنسيون بإنتاجها أو اشترت حقوقها شركة فرنسية. لماذا؟

الوداع القصير

لن يعطينا أحد جواباً شافياً. ليس قبل نهاية الدورة على أي حال. وإذا ما كانت هناك ميزة أو ميزتان لما شابها من أعمال فإنها في نجاح المهرجان في استحضار نتاجات عدد من المخرجين الذين سبق لهم أن أمّوا المهرجان وخرجوا منه بجوائز في أعوام خلت. هذا في مقابل عدد كبير من المخرجين الجدد الذين سادوا في الدورة السابقة. هذا لا يعني أن أفلاماً تابعة لمخرجين جدد لم تكن موجودة، لكن هذا الوجود مرّ غير محسوس وحين فعل استدعى المقارنة بين جيلين من المخرجين والتفضيل كان لجيل الثمانينات ديفيد كروننبيرغ، لارس فان تريير، أتوم إيغويان، فيم فندرز، ميشيل هاناكي وجيم يارموش.

والواضح أن هناك بعض التلميع حين يأتي الأمر الى ما يعلنه المهرجان من اختيارات قبيل وقوعه. هل تذكرون مثلاً كيف أنه في العام الماضي، ومع طغيان نسبة المخرجين الجدد الذين دخلوا المسابقة وجواراتها، وقف المدير الفني للمهرجان تييري فريمو ليؤكد أن المهرجان انطلاقا (من تلك الدورة) سيكون معيناً لا ينضب للتجارب الشابّة”؟ قال أيضا: “وداعا للسينما الفنية. لا أحد يريدها. الحياة تغيّرت من حولنا ويجب أن نوجه اهتماماتنا للجديد”. طبعاً مثل كلام السياسيين، برهن هذا الكلام على أنه ليس أكثر من بهارات الطبخة الحاضرة. كوني من الساخرين دوماً جعلني أشك في أن الرجل يعني ما يقوله. كان واضحاً لعدد منا أنه كلام استهلاكي فلو أن المهرجان حظى بأفلام لمخرجين معروفين لاستقطبها ولغيّر مديره كلامه. وهذا ما فعله هذا العام. فجأة انطلق الحديث قبل أقل من شهر على بدء الدورة من أن المهرجان فخور بمن يشترك في هذه الدورة من مخرجين برهنوا عن جدارتهم سابقاً وفي إطار “كان” ذاته. ما الذي حدث لكلمات الترحيب بالسينما الشابة وكلمات الوداع للسينما المخضرمة؟

إن ما افتقرت اليه الدورتان السابقة والحالية (وربما لأكثر السنوات السابقة) هو وجود الفيلم الذي وحده يستحق كل جهد لمشاهدته. الفيلم الذي يمكن بالتعبير الشعبي أو النقدي معاً وصفه ب “الفيلم العظيم”. والحق ليس على المهرجان هنا.

طارق بن عمّار

وودي ألن قدّم أفضل منه بخمس كلفته أو أقل عندما اختار الدورة لعرض نتاجه الأخير “بوينت ماتش”. لكن ألن لا يشترك في المسابقات. لا يتنافس. والبعض هنا ودّ لو فعل لأن فيلمه يستحق الجائزة الكبرى قياساً بمعظم ما شوهد من أفلام. طبعاً إذا ما كانت نوعيته من الأفلام تناسب ذوق رئيس لجنة التحكيم أمير كوستاريتزا أمر غير مضمون لكن الفيلم جيد والجميع أحبّه. ووجدت ضحكة صافية قليل وجودها هذه الأيام.

إذ تكوّنت أفلام المسابقة من أعمال امريكية وألمانية وفرنسية وإيطالية وقليل جاء من الشرق البعيد فإن زبائن المهرجان ليسوا فقط مخرجين مخضرمين بل بلداناً مخضرمة. والجائزة لواحد من هذه البلدان. وسيصرخ النقاد البريطانيون حين عودتهم في وجه المسؤولين عن تردي حال السينما البريطانية بحيث بات معتاداً الا تظهر الا في مناسبات متباعدة و-كما الحال هنا- خارج المسابقة. “كان” عرض منها فيلمين رئيسيين: “بوينت ماتش” والنقاد البريطانيون شعروا بأنه ليس فيلما بريطانيا حين يقدم امريكي على إخراج فيلمه في بريطانيا. و”كروموفوبيا” لمارتا فاينس الذي تم تمويله من قبل شركة فرنسية (كوينتا لطارق بن عمّار). المفارقة هنا هي أن وودي ألن كان سعى لطارق بن عمّار عارضاً عليه المساهمة في تمويل “بوينت ماتش” لكن طارق رفض وفضّل عليه “كروموفوبيا” الذي عرض، كفيلم وودي ألن خارج المسابقة (هو فيلم الاختتام). لا أعمل مستشاراً للمنتج التونسي- الفرنسي لكن حين ذكر لي أنه يفكر في عرض وودي ألن نصحته به. النتيجة هي أن فيلم وودي ألن هو الذي خطف الإعجاب. فيلم مارتا فاينس في أفضل حالاته “تخبيصة” من الشخصيات والأحداث التي تحاول أن تقول شيئاً ذا قيمة، لكني أشك في أن المخرجة كانت تعرف أصلاً ما الذي تريد قوله تحديداً. هذا سيكون فيلم الختام مساء اليوم بعد توزيع الجوائز، وكل ما نأمله ألا تأتي النتائج بنفس مستوى فيلم الختام.

زبائن المهرجان

إذ تكوّنت أفلام المسابقة من أعمال امريكية وألمانية وفرنسية وإيطالية وقليل جاء من الشرق البعيد فإن زبائن المهرجان ليسوا فقط مخرجين مخضرمين بل بلداناً مخضرمة. والجائزة لواحد من هذه البلدان.

الخليج الإماراتية في

22.05.2005

 
 

لماذا منحت لجنة التحكيم جوائزها لتلك الأفلام ؟

مهرجان كان "58" ينتصر لسينما الواقع ويعزز من قيم التواصل والحوار في فلسطين

كان. فرنسا. صلاح هاشم

اختارت لجنة تحكيم مهرجان " كان " 58 برئاسة أمير كوستوريتسا , علي عكس توقعاتنا وتقديراتنا, حيث رشحنا للسعفة الذهبية الأفلام: " مستور " لهانكه( حصل علي جائزة الإخراج ) و" الزهور المتكسرة " لجامروش ( فاز بالجائزة الكبري ) و" لاتأت لتطرق الباب" لفيم فندرز( لم يفز بشيء) و" ثلاث أوقات " لهو سياو سين( لم يفز بشيء )  , ولم نستبعد حصول فيلمي " الطفل " و" ماندرلي "  علي جائزة أخري غير السعفة , من جوائز المهرجان, واستبعدنا حصول " الطفل " علي السعفة, من منطلق أننا لم نعتبر انه قدم إنجازا فنيا مبهرا فائقا يستحق عليه تلك الجائزة, كما في الأفلام الأربعة المذكورة, وكنا نري انه كان يستحق مثلا جائزة لجنة التحكيم الخاصة فقط, ولا أكثر من ذلك, حيث ان فيلم " الطفل " في رأينا , كان امتدادا لنفس منهج الشقيقين البلجيكيين داردين السينمائي, في تقديم شريحة لواقع البؤساء الهامشيين المهمشين, كما فعلا في فيلمهما " روزيتا " ..

إلا أن اللجنة الموقرة, اختارت عن قناعة, أن تنحاز إلي سينما " الطفل " L ENFANT  البلجيكي, وتمنحها سعفتها الذهبية, وتنتصر هكذا لسينما الواقع, CINEMA DU REEL أو بالاحري للسينما الواقعية, التي تقترب كثيرا في أعمالها الروائية الاجتماعية من نبض الواقع المعاش, وتهزنا بمباشريتها وتصدمنا, حتى تصبح اقرب ما تكون الي أفلام السينما التسجيلية, كما في فيلم " بويلينج لكولومباين " للأمريكي مايكل مور, التي تصور أو تسجل بالكاميرا وقائع عصرنا, ومشاكل مجتمعاتنا الإنسانية تحت الشمس , وتنحاز إلي عالم  المهمشين, التائهين المعذبين, في المجتمعات الغربية الاستهلاكية, في ظل أزمات البطالة, التي تدفع الي الانحراف والسرقة والجريمة, مع اتساع الهوة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء, وإفلاس السياسة والسياسيين..

مشكلة الحدود

كما نوهت اللجنة أيضا من خلال جوائزها الاخري بمشكلة اللاجئين والحدود, كما في فيلم  " ثلاث جنازات " الذي يناقش قضية تسلل العمال المكسيكيين الي أمريكا, و فاز بجائزة احسن سيناريو, كما فاز أيضا بجائزة أحسن ممثل , التي ذهبت لمخرج الفيلم وبطله الممثل الامريكي الكبير تومي لي جونز , وأشارت اللجنة كذلك الي أهمية "الحوار" في الشرق الاوسط, من اجل ايجاد حل لمشكلة الفلسطينيين تحت الاحتلال , وهي القضية التي شكلت العامود الفقري, وجوهر فيلم " منطقة محررة " للاسرائيلي آموس جيتاي, بمشاركة الممثلة هيام عباس من فلسطين , فمنحت بطلته الاسرائيلية حنا لاسلو جائزة أحسن ممثلة, علي الرغم من أننا كنا نتوقع ان تذهب مثلا للامريكية جيسكا لانج, التي تألقت في فيلمين من افلام المسابقة , هما فيلم " لا تأت لتطرق الباب " وفيلم " الزهور المتكسرة " , أو للممثلة البلجيكية الشابة ديبورا فرانسوا بطلة فيلم " الطفل " التي بهرتنا حقا بتمثيلها, الا انها الجائزة ذهبت للممثلة الإسرائيلية في فيلم, او بالاحري لافيلم, اعتبرناه , بسبب  خطابه الإيديولوجي الذهني , صالحا للعرض في فصول الدراسة الثانوية , وغير مناسب بالمرة للدراما السينمائية..

السينما" فن  الصورة " أم" فن الواقع" ؟

وقد عكست هذه الخيارات للجنة التحكيم يقينا العديد من الدلالات, لعل أهمها التزامها بفكرة ان السينما ليست" فن الصورة",  بقدر ما هي" فن الواقع",  وعن جدارة, كما بينت انه من أجل أن تكون السينما فاعلة ومؤثرة, لابد وان يكون لها بعدها التاريخي. ذلك البعد الذي يجعل الأفلام مرتبطة بحركة زمننا وعصرنا, والتغيرات التي تطرأ علي مجتمعاتنا, وتعكسها أو تقدمها لنا السينما في أفلامها, وتحرضنا علي اتخاذ موقف.فالسينما, كما ارتأت اللجنة,  ليست ترفا, بل هي التزام بقضية , وتأصيل لنظرة , وابتكار ل" رؤية " , وإبداع ل" زاوية " جديدة, نطل من خلالها علي تعقيدات الواقع وتناقضاته , ونحن نتساءل ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تعاش. ولذلك كانت السينما التي اختارتها اللجنة ومنحتها جوائزها, لا تحكي في المحل الأول قصة, بل تؤسس ل" منهج ", وتحفر لسكة, وتشق طريقا جديدا للاعتبار والتأمل والتفكير, فليست قيمة الحكاية في الحكاية ذاتها , بل في ما يكمن خلف الحكاية, من درس وعبرة وموعظة,  ضد تلك الإيديولوجية التي تروج لها أفلام السينما الأمريكية, وتكون مهمتها زرع التفاؤل, كقيمة أساسية, من قيم أسلوب الحياة علي الطريقة الأمريكية بأي ثمن, وتروح تبروز, أي تضع في إطار, وتمجد  كل " النهايات " السعيدة, في أفلام السينما الهوليودية التجارية التافهة العاطلة, التي تلحس دماغك, بكل متبلات الإبهار, والهراء ,  من مطاردات وعنف وقتل ومؤثرات خاصة..

فيلم " الطفل " يذكّر ب" كليفتي " لمحمد خان

تعاطفت اللجنة مع فيلم " الطفل " لأنه يقدم سينما "الحد الادني" , في صنع صورة تشبه مجتمعاتنا, وبأقل التكاليف ( صور الفيلم بكاميرا 16 مم, ثم تم تكبيره الي 35 مم ) ومن دون بهرجة ومناظر كارت بوستال للزينة, ولانه يحكي عن مجرم شاب في العشرين من عمره عاطل عن العمل, ذكرنا ببطل فيلم " كليفتي" للمخرج المصري الكبير محمد خان, وعن ذلك" البؤس" المادي والخواء الروحاني الذي يعيشه مع حبيبته, وهو يتحايل علي البقاء علي قيد الحياة بأي ثمن, فيدير عصابة من الصغار, تنشل أجهزة الاستماع والتليفونات المحمولة, وتبيعها بثمن بخس, ثم تتقاسم في ما بينها الغنيمة..

ونتابع في الفيلم حياة ذلك ال" كليفتي " ألحرامي أو اللص الصغير الشقي في بلجيكا ويدعي " برونو" وتكون حبيبته " سونيا " في الثامنة عشرة من عمرها, خرجت لتوها من المستشفي, وهي تحمل مولودهما الصغير" جيمي " وتروح في بداية الفيلم تبحث عنه في المقاهي والحانات  والبارات التي يتردد عليها اللصوص والحرامية المجرمين من أمثاله, بعدما ذهبت الي شقته , فإذا بها تكتشف انه قام بتأجيرها لمدة يومين, اثناء غيابها في المستشفي , لأحد أصدقائه, الذي يرفض ان تدخل سونيا الشقة لتبحث عن بطارية تليفونها المحمول, ويطردها شر طردة , بعد ان قطعت عليه استمتاعه في الداخل بمضاجعة مومس لقيط, فتهبط الي الخارج, وهي تلعن برونو الضائع المستهتر واصحابه , واليوم الذي حملت منه ب" جيمي ". غير ان كل غضبها يتلاشي فجاة , حين تعثر علي الأب , حبيبها برونو, الصايع المشرد, الذي ترفض أمه المومس, ترفض ايضا أن تأويه, فيضطر الي النوم كل ليلة في مكان مختلف, فتعنفه سونيا لانه لم يزرها في المستشفي, وتدفع اليه بجيمي, ليشاهد بنفسه قطعة من دمه ولحمه وكيانه, ويضمها الي صدره في حنان, ثم يذهبان بعد ذلك الي حيث ينام برونو في احدي البيوتات المخصصة للمشردين, وبعد الحاح , يقبل حارس البيت, ان تصعد سونيا مع الطفل للنوم في الجناح المخصص للنساء, وعلي مضض..

ومن ريع صفقة سرقة , يستأجر برونو سيارة فارهة حمراء ويروح يستمتع بالحياة اللذيذة مع  سونيا الشقراء الجميلة, فيركضان سويا علي العشب في حديقة غناء, ثم يتبادلان القبل, ويشتري برونو عربة أطفال صغيرة لجيمي وسترة جلدية لسونيا, وفي غفلة من ألام يحمل الطفل, ويختفي. يذهب برونو بالطفل إلي منطقة مهجورة في ضواحي تلك المنطقة الصناعية التي تقع فيها أحداث الفيلم, علي حافة نهر كئيب بارد و ملوث بنفايات المصانع, ويبيع " جيمي " لعصابة تتاجر بالأطفال المواليد الصغار. وحين تكتشف سونيا الامر تروح تلطم, حيث لم يخطر علي بالها قط ان يكون هذا البرونو الذي تحبه , وتعرف انه مجرد ضحية وإفراز لبؤس مجتمعات البطالة الرأسمالية الصناعية الاستهلاكية في أوروبا, التي يتصور ويتوهم البعض في عالمنا الثالث المتخلف أنها جنة الخلاص الموعودة, يمكن ان يقدم علي هذه الفعلة الشنعاء, ويبيع قطعة من لحمهما ودمهما, ويسرق منها بهجة الحياة, وعرس حبهما جيمي , فتقوم بإبلاغ الأمر للشرطة..

ضياع يأكل العمر وبؤس يقتل الروح في الأرض الخراب

وتتعاقب أحداث الفيلم, وينجح برونو, الذي يقوم بدوره في الفيلم جيرمي رينييهو ينجح في استرداد طفله بعد ان تكون العصابة باعته , وتعاقبه العصابة علي فعلته بعلقة ساخنة, ويضطر برونو بعد ان تورط في قضية خطف حقيبة نقود, يضطر الي تسليم نفسه للشرطة , لإنقاذ الطفل الصغير الذي تورط معه في الجريمة من الحبس,والاعتراف أمام الشرطة بأنه ارتكب الجريمة وحده , وتكون سونيا قبل ذلك, حملت جيمي ورحلت بعيدا عن هذا البرونو المستهتر الجبان, الذي لن يستطيع ابدا ان يصبح أبا مسئولا, لأن بؤسه لايجعله يفكر الا في إشباع حاجاته الوقتية العابرة, فهو دائما يصرخ في الفيلم أنا جوعان , ويبحث في كل لحظة عن مأوي ولقمة , ويتلهف الي صدر حنون يضمه في تلك الارض الصناعية الخواء الخراب, التي تفرض حضورها بقوة في الفيلم من خلال مشاهد الطرقات العالية المخصصة للسيارات والشاحنات التي تنهب الارض , حيث ينطلق برونو بدراجته النارية, في حلقة ذلك الضياع  الذي يأكل العمر, و البؤس الذي يقتل الروح, ويدلف الي متاهة العبث , وينتهي الفيلم في السجن , حيث تحضر سونيا لزيارة برونو, أجل بعد كل مافعله, فيأتي اليها ذليلا, ولا يعرف كيف يحادثها وبأي كلام , وفجأة عندما يبدأ برونو في احتساء المشروب الذي احضرته له سونيا , فجأة  ينفجر في بكاء صامت طويل جدا وحزين , تنفطر له قلوبنا, فندرك ان برونو اخيرا قد ثاب الي رشده وصار يندم علي كل مابدر منه في حق سونيا, التي وعلي الرغم من كل شييء, غفرت له, وتصالحت معه, والدليل علي ذلك زيارتها له في سجنه,  كما غفرت ميراندا في مسرحية " العاصفة " لشكسبير, آخر مسرحيات الكاتب المسرحي الانجليزي العظيم, غفرت لكل المجرمين, وجعلتنا نتصالح مع أنفسنا والعالم , ولاشك ان صلح سونيا وبرونو في نهاية الفيلم, يمهد الطريق لتربية جيمي الوليد, في عش الأسرة الجديد السعيد, بعد خروج برونو طبعا من الحبس, هكذا فكرنا,  ولا مانع, هكذا فكرت سونيا ايضا من دون شك, لامانع من إعطائه" فرصة" عمر جديدة..

هذه هي حكاية برونو, التي كتبها الشقيقان جان بيير( من مواليد 1951 ) ولوك داردين ( من مواليد 1954 ) علي الشاشة, بأسلوبهما السينمائي الواقعي المباشر, ومشاهد الكاميرا المحمولة علي الكتف, التي تقرب افلامهما , ببساطتها وواقعيتها ومصداقيتها, كما في فيلمهما الأثير " روزيتا " الذي خطف سعفة " كان " الذهبية عام 1999 , تقربها من أفلام السينما الواقعية التسجيلية, التي تطرح صورة " الواقع " من دون تزوير او تجميل. واقع الهامشيين البؤساء المعذبين, من ضحايا المجتمعات الصناعية الرأسمالية في الشمال الأوروبي الكئيب البارد , التي شرعت, في إطار قوانين العولمة الجديدة  في إغلاق مصانعها, وتسريح عمالها, او نقل تلك المصانع الي الدول النامية, حيث تدور عجلة الإنتاج هناك, بتكلفة أقل, وتدر ربحا مضاعفا,  ونشأ عن ذلك انهيار سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة,  وزيادة طوابير طلاب الضمان والتعويضات الاجتماعية والمتسولين..

ومبروك علي الشقيقين طفلهما الجميل, الذي حصد سعفة " كانت " الذهبية, وكانت لفتة  نبيلة منهما ان يمنحا سعفتهما الي  فلورانس اوبانا وحسين حنون الاسري في العراق, هذا " الطفل" الذي كشف بأصالة , رغم كآبته وسوداويته, كشف عن الأمل في الانعتاق من دوائر البؤس والضياع, وتلك السحابات المظلمة التي تحلق في سماء تلك الصحراء الصناعية الرأسمالية في الشمال الأوروبي البارد, وربما تذهب بعيدا,  وحتما ستذهب بعيدا..

وتحية الي لجنة تحكيم " كان " السينمائي 58 الموقرة علي اختياراتها الملهمة, وانحيازها الي سينما الواقع, وتلك الأعمال التي تكشف عن تناقضات مجتمعاتنا, وتوظف السينما كأداة تفكير, كي تقربنا أكثر من إنسانيتنا..ولنا وقفة مع أهم أفلام وأحداث المهرجان الكبير قريبا..

موقع "إيلاف" في

23.05.2005

 
 

"الطفل" البلجيكي.. فيلم السعفة الذهبية 2005

رسالة مهرجان كان من سمير فريد

يتاح لمهرجان كان أن يكون في ذروة التألق عندما ينتهي عدد من كبار مؤلفي السينما من صنع أفلامهم الجديدة في وقت مناسب للمهرجان. وعندما تنجح إدارة المهرجان في الحصول علي هذه الأفلام إلي جانب أفلام مواهب جديدة من مختلف أنحاء العالم. ويتم وضع البرنامج في هذه الحالة علي نحو أشبه بالتأليف الموسيقي- الدرامي. فالبرنامج له بداية وذروة ونهاية. وتتوزع أهم الأفلام من البداية إلي النهاية.

من دون إعلان كانت بداية الدورة ال58 لسيد مهرجانات السينما الدولية في العالم بداية عراقية بعرض الفيلم الفرنسي "نقطة الصفر" إخراج هينر سالم عن كردستان العراق. والفيلم الياباني "ضربات" إخراج ماساهيرو كوباباتش عن رهينة يابانية تعود من "الشرق الأوسط". ومن دون إعلان كان هناك يوم عن فلسطين وإسرائيل بعرض عدة أفلام داخل وخارج المسابقة.

يقظة الضمير

الأهم من ذلك أن أغلب أفلام المسابقة كانت حول موضوعين أساسيين من الواضح أنهما يشغلان صناع الأفلام الكبار والشباب معًا.. الموضوع الأول ما يمكن أن نطلق عليه "يقظة الضمير الغربي تجاه العالم الثالث" أو المسمي بالثالث في أربعة أفلام فرنسية: "المستور" إخراج ميشيل هانكي الذي فاز بجائزة الإخراج عن فرنسا والجزائر. و"نقطة الصفر" عن الأكراد ونظام صدام في العراق. و"منطقة حرة" إخراج أموس جتياي عن اليهود والعرب. و"جنازات ميلكوياديس ايستراد الثلاث" إخراج تومي لي جونز الذي فاز بجائزة أحسن سيناريو وأحسن ممثل لبطله ومخرجه في نفس الوقت عن الولايات المتحدة والمكسيك. والفيلم الأمريكي "تاريخ للعنف" إخراج دافيد كروتنبرج عن ميراث العنف في أمريكا. والفيلم الإيطالي "طالما أنك ولدت" إخراج ماركو توليو جوردانا عن المتسللين إلي أوروبا عبر المتوسط. والفيلم الدانماركي "ماندرلاي" عن التفرقة العنصرية في أمريكا. ويلاحظ التشابه بين فكرتي "نقطة الصفر" و"جنازات ميلكوياديس ايسترادا الثلاث".

رحلة شخصيتين علي طرفي نقيض مع جثة عبر العراق في الأول وعبر المكسيك في الفيلم الثاني.

التفكك الأسري

أما الموضوع الآخر فهو ما يمكن أن نطلق عليه "نقد التفكك الأسري والحرية الجنسية في الغرب" في الفيلم البلجيكي "الطفل" إخراج جان بيير ولوك دارديني الذي فاز بالسعفة الذهبية. والفيلم الأمريكي "زهور محطمة" إخراج جيم جارموش الذي فاز بالجائزة الكبري. والفيلم الألماني "لا تأتي وتقرع الباب" إخرج فييم فيندرز وإلي حد ما في الجزء الثالث من تحفة فنان السينما التايواني من هو هيساو هيسين "ثلاثة عصور". وفيلم كوريا الجنوبية المتواضع "حكاية سينما" إخراج هونج سانجسدو. ويلاحظ أيضا التشابه بين فكرتي "زهور محطمة" و"لا تأتي وتقرع الباب".
الشخصية الرئيسية تبحث عن ابن من علاقة عابرة منذ عشرين سنة ومنذ ثلاثين سنة.

تصاعد الفكر

واللافت في الموضوع الثاني أنه يعبر عن تصاعد الفكر المحافظ في مناطق العالم الأكثر قوة وتأثيرا "أمريكا وأوروبا وآسيا" مع تصاعد نفس الفكر في مناطق العالم الأكثر ضعفا والأقل تأثيرا "الشرق الأوسط والعالم العربي وأفريقيا والسوداء". كما أنه يرتبط بالمحافظين الجدد في أمريكا وبابا الفاتيكان الجديد المحافظ حتي بالنسبة لسلفه الراحل.. واللافت أيضا أن يتحول بعض من رموز سينما الحداثة في الربع الأخير من القرن الماضي. والذين طالما عبروا عن رفض القيم الأسرية والقيود الجنسية إلي فقد التفكك الأسري والحرية الجنسية مثل جارموش وفيندرز رغم التباين الكبير بين المستوي الفني الرفيع لفيلمه لأول والمستوي الفني الضعيف لفيلمه الثاني. بل إن كروننبرج ذاته صاحب "تصادم" يمجد محاولة بطله المجرم بدء حياة جديدة مع أسرة متماسكة. ويعود إلي قابيل وهابيل عندما قتل الأخ أخاه. وفي هذا الإطار أيضا يدخل انحياز لجنة التحكيم التي رأسها الحداثي الكبير أمير كورتويتش إلي فيلم "الطفل" و"زهور محطمة" ومنحهما أكبر جائزة والجائزة الكبري التي تليها مباشرة.

عبرت مسابقة مهرجان كان 2005 بغلبة الموضوعين المذكورين عما يشغل العالم اليوم بقدر ما عبر عنه صناع الأفلام الذين أكدوا بذلك أن فن السينما مع بداية مئويته الثانية يعبر عن العصر ربما أكثر من أي فن آخر. وكما لم تكن صدفة اجتماع هذه الأفلام في المهرجان. لم تكن صدفة أن يسلم السعفة الذهبية للأخوين دارديني الممثل الأمريكي مورجان فريمان والممثلة الأمريكية هيلاري سوانك اللذان فازا بالأوسكار في فبراير 2005. فاختيارهما لتسليم أكبر جوائز السينما الدولية. والتي تعادل الأوسكار. يعكس الرغبة المتزايدة في التقارب بين أمريكا وأوروبا "أدبية الولايات المتحدة الأمريكية والولايات المتحدة الأوروبية كما كان يريدها تشرشل عندما استخدم هذا التعبير عام 1946".

وكما كانتا حرب العراق وحرب فلسطين حاضرتين في دورة 2004 من خلال فوز الفيلم الأمريكي التسجيلي "فهرنهيت" بالسعفة الذهبية. وتصريح المخرجة الإسرائيلية التي فازت بالكاميرا الذهبية في تأييد السلام بين اليهود والعرب. كانت حرب العراق حاضرة في حفل ختام دورة 2005 من خلال إهداء الأخوين دارديني الجائزة إلي الصحفية الفرنسية فلورانس أوبينا الرهينة في العراق منذ 5 يناير ومرافقها العراقي حسين حانون. وكانت حرب فلسطين حاضرة في الحفل بدورها عندما صرحت الممثلة الإسرائيلية هانا لازك بعد تسلمها جائزة أحسن ممثلة عن دورها في "منطقة حرة" بأنها تؤيد السلام بين العرب واليهود وتتمني مواصلة الحوار والتفاوض بدلا من استمرار العنف المتبادل.

ثمانية أفلام

كان هناك ثمانية أفلام من ال21 فيلما التي عرضت في المسابقة جديرة بالفوز بالسعفة الذهبية. ومنها "الطفل" الفيلم الروائي السادس للأخوين دارديني اللذين أخرجا أكثر من 60 فيلما تسجيليا منذ 1975 إلي 1985 وأخرجا أفلامهما الستة الروائية الطويلة من 1986. وعرض مهرجان كان أفلامهما الثلاثة الأخيرة "روزيتا" عام 1999 الذي فاز بالسعفة الذهبية وجائزة أحسن ممثلة "إميلي دوكسون". و"الابن" عام 2002 الذي فاز بجائزة أحسن ممثلة "أوليفر جورميه" ثم "الطفل" الذي حقق لهما دخول نادي الفائزين بالسعفة مرتين مع كوبولا وأوجست وايمامورا وكوستوريتش.

من السهل القول إن "الطفل" وأفلام دارديني عموما من نوع "الدوكيو دراما" بحكم أفلامهما التسجيلية الكثيرة اللذين صنعاها في عشر سنوات. ومن السهل أيضا القول إنهما ينتميان إلي "سينما الحقيقة". فهما يتجاوزان التصنيف ويصلان إلي أسلوب خاص وشخصي ومركب ينتمي إلي "السينما الخالصة" حيث التعبير بمفردات لغة السينما دون غيرها من لغات الفنون الأخري. إنه أسلوب واقعي من دون أدني شك. يوحي بأن ما تراه علي الشاشة حقيقي. ولكن ليس بقصد "الايهام بالواقع". وإنما بقصد التفكير فيه فالفكرة مليودرامية "أب يبيع ابنه" ولكن المعالجة عقلية وباردة تؤكد أن المليودراما شكل وليست محتوي أسلوب لا يحرك العواطف وإنما يراقب. لا يصدر أحكاما. وإنما يعرض أحوالا بمونتاج حاذق وكاميرات حرة محمولة تتحرك دائما.

العنوان والموضوع

يبدو الفيلم من عنوانه وموضوعه عن الطفل جيمي الذي تحمله امه سونيا وتبحث عن ابيه برونو في الشوارع من أول لقطة. ولكنه دراميا عن ثلاثة اطفال: برونو "جيرمي ريز" في العشرين من عمره. وسونيا "ديبورا فرانسوا" في الثامنة عشرة وجيمي الذي ولد من عشرة ايام ولا نري وجهه ابدا طوال الفيلم. وانما نستمع فقط الي صراخه. ونصغي لمعني صمته. انهم ثلاثة اطفال في شوارع مدينة سيرينج الصناعية في شرق بلجيكا في الزمن الحاضر.

زمن إنتاج الفيلم وعرضه

برونو يعيش اللحظة الراهنة من دون ان يفكر في اللحظة التالية. وليس في المستقبل وهو يفعل أي شيء بما في ذلك استخدام تلاميذ المدارس الابتدائية للسرقة. ويبيع كل شيء بما في ذلك ابنه الذي ولد لتوه. كأنه انسان آلي يتحرك بأزرار خفية وللوهله الاولي يبدو برونو اقرب الي الوحش. ولكن اسلوب الاخراج علي العكس تماما يجعله جلادا وضحية في نفس الوقت. فهو وبنفس البساطة التي يبيع فيها ابنه لاحدي عصابات الاتجار بالاطفال. يسترده من العصابة عندما تنهار سونيا فور علمها بما حدث. وتقاطعه وترفض الحوار معه ولا حتي بكلمة واحدة انه وبمنتهي الصدق في حدود وعيه وثقافته يري انه لا توجد مشكلة في الامر. ويقول لها يمكنني انجاب غيره ويوضح الفيلم "حالة" برونو في مشهد واحد عندما يذهب الي بيت امه. فتكتشف ان له أما حتي تكذب علي الشرطة اذا سألت عنه. وعلي باب بيت الام. ومن ان تدعوه للدخول يخبرها انه اصبح ابا ويكون ردها تعال يوم السبت الساعة الثالثة بعد الظهر حتي اشاهده.

الموقف الصارم

علي النقيض من برونو. ورغم انها تعيش نفس ظروفه مابين شقتها الصغيرة التي وجدته يؤجرها لغرباء. وبين مأوي المدينة العام لمن ليس لهم قوي. نري سونيا وعلي نحو فطري تدافع عن طفلها وتحاول ان تجعل من برونو ابا ومسئولا ولو في الحد الادني. وتعبر موقفها الصارم ازاءه عندما ترفض الحوار معه عن رفضها المطلق لسلوكه. وهو الرفض الذي يدفعه الي أن يعترف للشرطة بجرائمه مدركا انه سوف يحكم عليه بالسجن. وبالفعل يسجن. وهنا فقط تستأنف سونيا الحوار معه عندما تزوره في السجن. وينتهي الفيلم وكلاهما يبكي بين ذراعي الآخر داخل السجن.

اننا لا نعرف طوال الفيلم هل برونو وسونيا متزوجان ام لا. ولكننا نري برونو يسجل الطفل باسمه ولا يناقش الفيلم مسألة الزواج من عدمه. وانما التفكك الاسري من العلاقة بين برونو وأمه الي العلاقة بينه وبين سونيا من ناحية وابنه جيمي من ناحية أخري.

ورغم ان الفيلم يراقب ويعرض ولا يصدر احكاما إلا انه في النهاية يدين التفكك الاسري عبر تعاسة اطفاله الثلاثة ويجعل برونو يكفر عن خطاياه بالاعتراف وهو من اصول المسيحية. والقبول بالسجن حتي يتطهر. بل ان بكاء بطليه في اللقطة الاخيرة ندم واضح عن كل مافات. واعلان واضح عن الرغبة في بدء حياة جديدة.

"الطفل" تحفة فنية متكاملة. ومن البديهي ان السعفة الذهبية للمخرجين اللذين ابدعا قصيدة واقعية في ساعة و35 دقيقة لا يمكن ان تحذف منها ثانية. ولا تشعر بالحاجة الي حذف ثانية. ولكنها ايضا للمصور الآن ماركوين وللممثل جيرمي ريز والممثلة ديبورا فرانسوا ولكل العاملين خلف وامام الكاميرا.

الجمهورية المصرية في

27.05.2005

 
 

في دورة «كان» التي كانت واحدة من افضل دورات سنواته الأخيرة:

لعبة الكراسي الموسيقية تبدأ مع وودي آلن من دون ان تنتهي ابداً

كان – ابراهيم العريس

هي، في اختصار شديد، احدى افضل دورات مهرجان "كان" منذ سنوات. اذ مند زمن طويل لم يجتمع في دورة واحدة كل هذا القدر من الأفلام الجيدة. وخصوصاً كل هذا القدر من افلام المخرجين – المؤلفين. وأكثر من هذا: منذ زمن لم تجمع دورة واحدة كل هذا العدد من ابرز المخرجين المحسوبين، اصلاً، على جيل "كان". ذلك ان هذا المهرجان الفرنسي – العالمي، العريق، صار له مع مرور الزمن، جيله من المخرجين، الذين يعتبر بعضهم اليوم من ابرز مبدعي السينما المستقلة وحتى السينما غير المستقلة وليس في اوروبا وآسيا فقط، بل كذلك في اميركا نفسها. فمخرجون من طينة وودي آلن ودافيد لينش وجيم جارموش وغيرهم ارتبط اسمهم بـ "كان" اكثر مما ارتبط بأي مهرجان آخر، ولا حتى – مثلاً – بمهرجان "ساندنس" المعتبر محطة السينما المستقلة في اميركا.

مفاجآت

طبعاً غاب دافيد لينش هذا العام, وكذلك غاب الأخوان كوين وألكسندر باين... لكي لا نذكر سوى الأميركيين، ولكن في المقابل حضر جيم جارموش ووودي آلن وروبرتو رودريغز... كما حضر اميركيون جدد، منهم من هو معروف كممثل فإذا به يجرب حظه في الإخراج: تومي لي جونز، ومنهم من هو جديد كلياً، مثل جيمس مارش ("الملك"). وميراندا جولي (بفيلمها الأول "انا وأنت وكل واحد نعرفه" الذي فاز بالكاميرا الذهبية مناصفة مع فيلم سريلانكي).

وفي المقابل، حضر طليعيو السينما الآسيوية بوفرة، ما يؤكد ازدهار هذه السينما التي من المؤكد انها تجنح اكثر وأكثر لتكون ظاهرة الربع الأول من القرن الحادي والعشرين... على ايدي كبار صانعيها الحاليين (من الصيني شن كيفي، ومواطنه دجانع ييمو، وصولاً الى وانغ جيناوشياو، الى الياباني كوبا باشي، والتايواني هو هسياو هسيين... وغيرهم من تايلندا وسنغافورة... والهند). بل ان واحداً من هؤلاء الطليعيين، وهو هوهسياو هسين، فاجأ المهرجان بتحفة جديدة (كان لها مفعول مفاجأة وونغ كارواي للعام الفائت بفيلمه "2046") حملت عنوان "ثلاث مرات" (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة). ولكن اذا كانت آسيا حضرت بهذه الوفرة، سواء عبر افلام عرضت، او عبر افلام مقبلة ملأ الإعلان عنها صفحات الصحف المتخصصة وواجهة الفنادق واللوحات الإعلانية (مثلما حدث لفيلم "الموعودة" لشن كيجي، الذي سيعرض في "البندقية" المقبل). فإن الغياب الأوروبي – الغربي والشرقي – كان لافتاً، إذ عدا فرنسا وبلجيكا وعمل ايطالي لم يقنع احداً (هو "طالما انك ولدت" لتوليو جوردانو) – غابت، ما عدا في عروض ثانوية، وخصوصاً اوروبا الشرقية التي لم يكن لديها هذا العام، ما تقدمه.

كبار المستقبل

بيد ان هذه الغيابات جميعاً، لم تحرم دورة "كان" من اعمال كبيرة، الأساسي فيها هو ما حمل تواقيع كبار ابناء "كان" ولا سيما منهم من سبق لهم ان فازوا بجائزة او بأخرى فيها، بدءاً, طبعاً، بالدنماركي لارس فون تراير، وصولاً الى الأميركي غاس فان سانت، مروراً بجيم جارموش والأخوين داردين، وطائفة الآسيويين. بل ان لجنة التحكيم كانت برئاسة واحد من الذين ضربوا رقماً قياسياً بالنسبة الى تاريخ فوزه في "كان": امير كوستوريتسا، صاحب السعفتين الذهبيتين والجائزة الكبرى.

فما الذي قدمه لنا هؤلاء جميعاً؟ وما الذي قدمه لنا غيرهم من اصحاب اسماء، بدت هذه المرة، جديدة على "كان"... ولكن منها من سيكون خلال السنوات المقبلة، من كبار السينمائيين؟

اولاً... وقبل أي شيء آخر، مواضيع قوية، وأساليب جديدة.

لقد ندر من بين كبار "كان" هذا العام، من سار على نهج لارس فون تراير، في التمسك بأسلوب فيلمه الأخير. اذ ان "ماندرلاي" جاء سائراً على نهج سابقه "دوغفيل" – فالاثنان على أي حال هما الجزء الأول والثاني من ثلاثية "يو اس إي"، التي يستعير فيها فون تراير من بريخت وثورنتون وايلدر، اسلوبياً وفي المعنى ايضاً... في مزج بين المسرح وفن السينما خلاق ومدهش -. ولننظر الى هذا الأمر، بادئين بوودي آلن. في فيلم "ضربة المباراة" آخر اعمال هذا الفنان الكبير، والذي عرض في "كان" ولكن خارج المسابقة الرسمية، لديناصورات من ابداع وودي آلن بالتأكيد، ولدينا الإطلالة نفسها على الشخصيات والمواقف بالتأكيد... لكن ما لدينا ايضاً هو فيلم يجدد فيه الفنان شبابه تماماً. وموضوع يبدو اقرب الى مسرح اوسكار وايلد، منظوراً إليه بعيني مخرج من جماعة "السينما الحرة"، اكثر مما لدينا وودي آلن صافياً ونقياً. بهذا يبدأ وودي آلن ما يشبه لعبة الكراسي الموسيقية، حيث يبدو كل مخرج وكأنه يستعير اسلوب زميله، جيم جارموش، في "زهور محطمة" يذكر بسينما ألكسندر باين (صاحب "عن شميت" و"دروب جانبية") اكثر مما يذكر بأفلام سابقة لجارموش نفسه (مثل "شبح كلب" و"الرجل الميت"). فنحن هنا امام سينما واقعية جديدة تسبر غور الإنسان الأميركي المعاصر من طريق التنقل في الأماكن، وزيارة الماضي عبر الحاضر... او توقع وصول الماضي إلينا بعدما كان خيل لنا انّا دفنّاه. بل يمكننا ان نقول ان وجود بيل موراي... وأسلوب ادائه في "زهور محطمة"، وضعنا مباشرة امام سينما صوفيا كوبولا (في "ضاع في الترجمة"). ما لدينا هنا جارموش كبير... لكنه جديد ومفاجئ يأتي اشبه بخلاصة وتطوير لكل السينما الأميركية المستقلة.

الثنائي يتفكك

والأخوان داردين، صاحبا "السعفة الذهبية" بفضل "الطفل" الذي لم ينل إجماعاً على أي حال (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة)، بديا هنا امينين لأسلوبهما البؤسوي الذي يعتمد حركة كاميرا عصبية دائمة التأرجح... لكن فيلمهما هذا – والقول نفسه ينطبق على السابق "روزيتا" الذي ايضاً فاز بسعفة ذهبية قبل سنوات – يبدو اقرب الى سينما الإنكليزي كين لوتش، الكلاسيكية في تعاطيها مع قضايا المهمشين والبائسين. اما النمسوي مايكل هاينكه، الذي اكسب فرنسا جائزة "افضل اخراج" عن فيلمه "خفيّ"، بعدما كان اكسبها ايضاً قبل سنوات عن فيلم "مدرسة البيانو" جائزتي افضل ممثل وممثلة، فإنه يبدو شديد البعد في فيلمه الجديد، عن رائعته التي اطلقته قبل اكثر من عقد "فيديو بيني" كما عن "الاسم السري". انه هنا اقرب الى سينما فرنسية يحققها دومينيك مول، الذي كان الافتتاح في هذه الدورة له، بفيلمه الجديد "ليمنغ" الذي حمل واحدة من اهم الموضوعات التي عولجت في سينما "كان" لهذا العام: "تفكك حياة الثنائي" بفعل عنصر خارجي. فحياة الثنائي كانت هذا العام موضوعاً اثيراً في "خفي" كما في "ليمنغ" ولكن ايضاً في "تاريخ من العنف" لدافيد كروننبرغ، ثم خاصة في "ثلاثة اشياء".

اما آتوم اغويان الذي اعتاد ان يكون ابناً مدللاً لـ "كان" فإنه هنا خرج تماماً عن كل ما عهدناه، وبدا اقرب الى الكلاسيكيين، من اوتو بريمنغر الى بيلي ويلدر (في "سانت بوليفار") مع إطلاله على عالم دافيد لينش في "مالهولاند درايف"، فموضوعه، وإن كان يطل على الماضي الذي لا يريد ان يمضي، يسير ضمن خط التحقيق الكلاسيكي مع التفاتة الى تطور "الميديا" وتأثيرها فينا. فيلم اغويان عنوانه "حيث تكمن الحقيقة"، ولكن من يراه بالكاد يصدق انه لصاحب "ارارات" او "رحلة فليتشيا" او حتى "اكزوتيكا". فماذا نقول، اذاً، في هذا السياق نفسه عن دافيد كروننبرغ، الذي بالكاد ايضاً يمكننا ان نخمن ان "تاريخ من العنف" هو فيلم له؟ اننا هنا بعيدون جداً عن سطوة الجسد ودماره (كما في "سبايدر" او "اكزستانس") او عن العنف الداخلي والميكانيكي (كما في "كراش") او لعبة التبدل (كما في "الذبابة")...ومع هذا، لو دققنا النظر سنجد كل هذا حاضراً... ولو في الباطن، من خلال قصة فرد يعيش حياته هادئاً مع اسرته، مبشراً بعالم لا عنف فيه. لكن العنف يطرق بابه. على شكل حكاية اجرامية عادية، لكن هذه الحكاية توقظ كل ماضيه.

رد الجميل

حسناً... في امكاننا طبعاً ان نسترسل في هذا حتى النهاية، ذلك ان ما لا يقل عن عشرين فيلماً في "كان" هذا العام تجبر على مثل هذا النوع من الملاحظات... لكننا نفضل ان نترك الكلام عنها في معالجة كل فيلم على حدة. اما هنا فحسبنا التأكيد مرة اخرى على اننا بالنسبة الى دورة "كان" الأخيرة، الدورة الثامنة والخمسين، عدنا لالتقاط انفاسنا امام سينما تجدد نفسها، بتواقيع كبار مبدعيها. تجدد نفسها الى الأفضل. وكان قد حان الوقت لذلك، حيث ان الدورتين السابقتين لـ "كان" كانتا احاطتا هذا المهرجان بالخطر الحقيقي، امام منافسة قوية برزت في "البندقية" مرة وفي "برلين" مرة. وكان من الطبيعي ان يتنطح لإنقاذ المهرجان الفرنسي العريق، كل اولئك الذين لطالما اعطاهم المهرجان مكانتهم... وها هم يردون الجميل اليوم... حتى ولو خرج معظمهم غاضباً ليلة الختام... كما يحدث في كل مرة طبعاً.

####

الجمال المطلق في فيلم النهايات المهرجانية المفاجئة...

«ثلاث مرات»: الحب والصمت والسينما والتاريخ

ابراهيم العريس 

كما فعل زميله الصيني وونغ كارواي في العام الفائت حين أبقى الغموض التام محيطاً بالفيلم الذي سيعرض خلال دورة ذلك العام في "كان" ما جعل المفاجأة التي حملها ذلك الفيلم حين عرض أخيراً، وهو طبعاً "2046" كبيرة، تعمد التايواني هو هسياو هسين في هذه الدورة الجديدة أن يبقي الغموض محيطاً بفيلمه المشارك في المسابقة الرسمية "ثلاثة أشياء" (أو بالصينية، "أفضل ما في أزماننا")، حتى الأيام الأخيرة، ليشكل عرضه مفاجأة حقيقية. وليكون هذا الفيلم، يوم اعلان النتائج، واحداً من الأفلام التي دهش معظم النقاد والسينمائيين لغيابها عن أي ذكر. وربما كان الأمر هذه المرة أيضاً – كما في العام الفائت مع "2046" – أن "ثلاث مرات" أعقد وأجمل وأكثر تجريبية من أن ينافَس أو ينافس. انه فيلم فريد طازج تماماً، في أسلوبه، أو أساليبه السينمائية الثلاثة بالأحرى. ذلك ان الفيلم هو فيلم ثلاثي، حبكة وزمناً وأسلوباً.

ولكنه فيلم واحد. عن موضوع واحد. عن "الثنائي"، أي الرجل والمرأة. وعن الحب. وعن علاقة هذين بالمجتمع وبالتاريخ الذي يصنعه المجتمع ويتصنع به. وهو أيضاً وخصوصاً، فيلم عن الصوت... وبالتالي عن الصمت. عن اللغة وسيلة للتواصل بين البشر. وماذا أيضاً؟ انه أيضاً فيلم عن السينما.

المرات الثلاث في الفيلم هي ثلاثة أزمان: الستينات أولاً، ومنها في جزء ثان الى بدايات القرن العشرين. قبل أن ينتقل الفيلم في الجزء الثالث الى العصر الحديث. وقد أطلق مخرج الفيلم هو هسياو هسين على كل جزء عنواناً يختصره. فجزء الستينات عنوانه "زمن الحب". وجزء بدايات القرن العشرين "زمن الحرية"، أما الجزء الأحدث فعنوانه "زمن الشباب".

وعبر الأزمان الثلاثة لدينا ثنائي لكل زمن (يلعب الدورين في كل مرة الممثلين: الفاتنة شوكي، والفنان تشانغ تشين). في الجزء الأول، على ايقاع أغانٍ انكليزية من الستينات، لدينا حكاية حب رومانسية يعيشها فنى مع فتاة تعمل في صالة بلياردو. وهو كان يحب سابقتها، أما الآن فإنه يحب الجديدة ويكتب لها رسالة. ثم يجند في الجيش، ليعود ويبدأ البحث عن حبيبته ودائماً في قالب رومانسي وعبر الرسائل المكتوبة.

جزء ما قبل الحرب العالمية الأولى يدور على خلفية الحرب للتخلص من الاحتلال الياباني. والثنائي هنا رجل وامرأة يتزوجان على الصورة التقليدية. وهو يتركها ليلتحق بالمعركة. هذا الجزء الذي يدور على ايقاع الغناء التقليدي ولا سيما ذاك الذي تنشده المرأة نفسها، تدور حواراته الكثيرة هذه المرة... ولكن مكتوبة على الشاشة على طريق السينما الصامتة، مع حرص على ألوان عتمة على رغم روعتها... ما يحيلنا حقاً الى الأزمان القديمة.

أما الجزء الثالث وهو الذي يدور في أيامنا هذه، فحكاية حب ثلاثية، لأن الثنائي لم يعد قادراً على أن يستقيم كما كان في الماضي. في زمن الفورة الجنسية والأخلاقية التي نعيش. ومن هنا تدخل الاطار فتاة أخرى، غير ان البطولة هنا ليست معقودة، مع هذا، لأي من هؤلاء بل لوسيلة التخاطب الجديدة: الهاتف المحمول، ذاك الذي ينقل الحوارات وينقل الرسائل أيضاً. ان الهاتف هذا – وسط مناخ الكتابة المخيم على هذا الجزء بأكمله في مقابل مناخ الرومنطيقية في الجزء الأول – الستينات -، ومناخ الحبور والرضى بالعيش وسط الاكسسوارات التقليدية وموضوعة بناء العائلة وغياب ذكر الثنائي وكأنه حضور، المسيطر على الجزء الأول – الهاتف هو العنصر الأساس في زمن يسيطر عليه ضجيج المدينة والآلات والسرعة، مع موسيقى التكنو التي تكاد لا تترك مجالاً للتنفس.

اذاً، فيلم عن الثنائي في أزمان ثلاثة. لكنه فيلم عن مرور الزمن، وفيلم عن الموسيقى وعن ايقاع الحياة. وقبل هذا وذاك فيلم عن "لا زمنية الحب" كما قال هو هسياو هسين، الذي – مرة أخرى – وللمرة السابعة يتحف دورة من دورات "كان" بأجمل فيلم في الدورة – من الناحية الجمالية البحتة – غير ان الجديد في هذه المرة هو أن هسياو هسين، يقدم لنا في "ثلاث مرات" ما يمكن اعتباره خلاصة سينماه كلها، من "بنت النيل" الذي قدمه العام 1988 في "اسبوعي النقاد" الى "مامبو الألفية" الذي عرض العام 2001 في "كان" مروراً بأفلام مثل "معلم فن الدمى" (1993)، و"رجال طيبون نساء طيبات" (1995)، وغيرها من أفلام جعلت من هذا المخرج سيداً من كبار سادة السينما الجميلة – بالمعنى الحرفي للكلمة – في عالم اليوم.

الحياة اللبنانية في

27.05.2005

 
 

مهرجان <<كان>> ال 58 بغياب عربي معتاد

فاز الهم الإنساني على الهم السياسي

عصام قلاوون

...واسدل الستار على الدورة 58 لعميد المهرجانات السينمائية العالمية وعمادها، مهرجان <<كان>> الفرنسي، في 22 ايار ( (مايو) الجاري بعد 11 يوما من العروض المتواصلة التي ابهجت قلوب هواة السينما المتوافدين من مختلف المناطق الفرنسية جنبا الى جنب اقران لهم قدموا من جهات العالم الاربعة الى <<محجتهم>> الفنية السنوية ليمارسوا طقوس هوايتهم مهنتهم التي تتراوح بين مشاهدة افلام <<فن وتجربة>> (مصطلح سينمائي نفتقده في بيروت منذ اقفال صالة يتيمة، كليمنصو، متخصصة في هذا النوع اثر اندلاع الحرب المسماة اهلية)، وافلام اخرى تجارية في عرضها العالمي الاول وافلام قصيرة، وافلام قديمة من كلاسيكيات السينما واقسام عديدة غيرها، دون ان ننسى فعاليات <<سوق الفيلم>> الخاص بالمتعاطين بما يعرف بالبيزنس السينمائي.

ارقام

تنقسم عروض <<كان>> الى قسمين متوازيين: اللائحة الرسمية وسوق الفيلم.

تتوزع اللائحة الرسمية الى عدة فئات: المسابقة، نظرة ما، خارج المسابقة، اسبوعا المخرجين، اسبوع النقاد، التحيات التقديرية، مع قاسم مشترك بينهم هي جائزة <<الكاميرا الذهبية>> التي تكافئ عملا اول لمخرج، واضيف اليهم مؤخرا فئة الافلام القصيرة.

90 فيلما من 34 جنسية كانوا حصيلة لجنة الاختيار خلال سنة من البحث والغربلة من بين 1540 فيلما تنتمي الى كافة اقطار كوكب الارض.

اما سوق الفيلم، فالارقام مريخية بامتياز:

220 شركة عارضة من 74 جنسية و8800 بائع وشار، 2400 فيلم برسم البيع (لكافة وسائل العرض) من ضمنهم 545 عرضا اول. 35 صالة عرض صغيرة مخصصة للسوق بلغ عدد عروضها خلال مدة المهرجان 2500 عرض (ضعف السنة الماضية). معدل الاموال المتداولة في عقود البيع 500 مليون اورو .

ثمة تظاهرة استحدثت هذه السنة في السوق: ركن الافلام القصيرة الذي استقطب في دورته الاولى 420 فيلما قصيرا. (صدقوا او لا تصدقوا بل تأسفوا على بئس حال مبدعينا في هذا الشرق العربي ذو ال300 مليون نسمة والذي لا يكاد ينتج في دوله مجتمعة سوى صفر فاصلة من هذه الارقام الواردة اعلاه).

بما ان سيرة البعض تستذكر حسنات بعض آخر وسلبياته، لا غضاضة في القول ان المشاركة العربية في مهرجان هذه السنة كادت ان تكون معدومة لولا مشاركة فيلم <<دنيا>> للبنانية جوسلين صعب (ضمن فعاليات سوق الفيلم) الذي صورته في مصر مع محمد منير وحنان ترك في دوري البطولة، وما عداه فخواء في خواء ان في جناح مهرجان القاهرة السينمائي او زميله مهرجان دبي السينمائي (ما استطعت مقابلة اي من المسؤولين عنهما بالرغم من لجاجتي في محاولة لقائهم). اما لمن يشكك في تجاهلي المتعمد لمشاركة فيلم <<الكيلومتر صفر>> للمخرج العراقي هينر سليم، اجيبه بكل راحة ضمير بأن الاخير يجهر في كل مقابلاته الاعلامية بأن فيلمه يدافع عن الوان فرنسا وكردستان (هل اصبحت كردستان دولة مستقلة قائمة بذاتها اثناء تواجدي في <<كان>> وليس في <<خبرها>> ؟ انتظر الخبر اليقين من رئيس الجمهورية العراقية المهيب جلال الطالباني لكي اعترف بجهالتي عدا عن العداء السافر لكل ما هو عربي الذي ينضح به الفيلم. وسوف اتطرق تفصيلا لهذا الشأن في فقرة افلام المسابقة.

بالمقابل، ثمة حضور لافت لمؤسسة السينما الايرانية ومتفرعاتها من شركات انتاج خاصة او عامة، وكذلك الحال بالنسبة للسينما الاسرائيلية (مع فارق التشبيه والمقاربة). اعذروني ان تواقحت قولا بأن الممسكين بزمام تمويل انتاجاتنا الفنية في عالمنا العربي منشغلين في امور اهم كانتاج الفيديو كليب لحسناوات الغناء وممشوقات القوام وافتتاح القنوات الفضائية المتخصصة بالطقش والفقش و<<القروشة>> من دون طائل، واكتشاف النجوم المنطفئة وحبذا لو اشترينا من اسواق <<الميديا>> العالمية ما يسمن ويغني عن جوع علمي وثقافي، وتستغربون بعدئذ لماذا نحن مغيّبون عن ميادين الابداع في العالم ونظل نردد الى ما شاء الله اسطوانة المؤامرة التي تستهدف حضارتنا وقيمنا؟؟ وا خجلاه...

بالنسبة لأمن المهرجان (الامن، مرض العصر)، ثمة اكثر من الف شرطي ومئة كاميرا مراقبة انيط بهم مهمة الحفاظ على امن وسلامة نحو خمسين الف محترف ومئتي الف زائر، يمرون على اكثر من نقطة تفتيش وتدقيق قبيل ولوجهم الى قاعات قصر المؤتمرات وملاحقه.

انطباعات

في <<كان>>، المدينة الفرنسية الصغيرة المتناعسة على الشاطئ اللازوردي، كل شيء فيها يتنفس سينما طوال فترة المهرجان وكل شخص يلقى مبتغاه، من هواة السينما الاصوليين مرورا بهواة مشاهدة النجوم عن قرب والتقاط صورهم عن بعد الى المبهورين بالاستعراض غير الاعتيادي (قبيل عرض فيلم <<حروب النجمة انتقام السيث>> للمرة الاولى عالميا ليلة 15 ايار اي قبل اربعة ايام من انطلاق عروضه العالمية، انبهر الجمهور المتواجد قرب قصر المهرجانات بالاستعراض المصاحب: كومبارس بلباس جنود <<الامبراطورية>> واعدائهم يتبارزون بسيوف الليزر فوق السجادة الحمراء الذائعة الصيت امام قصر المهرجانات فيما اوركسترا شبه فيلهارمونية تعزف نغمات الموسيقى التصويرية للفيلم مترافقة مع صدوح همهمات التنفس الآلي التي تعلن قدومهم، اي الجنود، في كل اجزاء سلسلة <<حروب النجمة>>.)

هذه السنة، ثمة مئويتان استنحتا المناسبة للاحتفال: مئوية السينما الصينية ومئوية المجلة الاميركية المتخصصة بالبيزنس السينمائي <> هي ثابرت على توزيع مجاني لعدد يومي خاص طوال فترة المهرجان (دون ان اتحدث عن العدد الهائل من المطبوعات والدوريات المتخصصة اليومية والمجانية التي وضعت بتصرف المشاركين والصادرة بلغات متعددة ولا لزوم للتحسر فالعربية ليست من ضمنها). على سبيل التفكهة، اصر صديقي اللبناني ان يملأ جعبته بكل المطبوعات الصادرة ذات يوم، فبلغ وزنها بدون مبالغة 15 كلغ، اضنته في امتشاقها من مقر المهرجان الى الفندق، فبقي يومين بعدها لا يقوى على حمل حتى بطاقة التعريف حول عنقه!!! في مهرجاناتنا السينمائية العربية لا يتجاوز وزن المطبوعات الموزعة طيلة فترة المهرجان للشخص الواحد، عشر ما تنكبه صديقي المذكور في يوم واحد، طبعا لا اروم الاسترسال في المقارنة والا اصاب بالفالج. وفالج لا تعالج.

لجنة تحكيم المسابقة لهذه السنة ترأسها المخرج الصربي امير كوستوريتسا (احد النادرين ممن حازوا السعفة الذهبية مرتين) وضمت في عدادها المخرجان الفرنسيان بنوا جاكو وانييس فاردا والممثلة المكسيكية (اللبنانية الاصل) سلمى حايك والمخرج الصيني جون وو والروائية الاميركية توني موريسون والمخرج الالماني (التركي الاصل) فاتح اكين والممثلة الهندية نانديتا داس والممثل الاسباني خافيير بارديم. سوف تكون مهمتهم اكثر من شاقة لانتقاء الافضل من بين افلام المسابقة الواحد والعشرين (لا تنسوا التصفية السابقة من قبل لجنة الاختيار التمهيدي من بين 1540 فبلم).

اللا ئحة الرسمية: افلام المسابقة

? متى خلقت، علقت: (ايطاليا) اخراج: ماركو توليو جوردانا (تعريب امين لعنوان الفيلم الاصلي) حكاية مراهق ايطالي ينقلب مجرى حياته اثر مهمة انقاذ بحرية لمجموعة من المهاجرين خلسة.

? القارض: (فرنسا) اخراج: دومينيك مول تمثيل: لوران لوكاس وشارلوت غينسبورغ وشارلوت رامبلنغ. (فيلم الافتتاح) ثنائيان متزوجان يتبادلان الادوار و الشخصيات في تحدي لغرائز التملك و الخوف...

? حكاية العنف: (الولايات المتحدة) اخراج: دايفيد كروننبرغ، تمثيل: فيغو مورتنسن وماريا بيللو معاناة عائلة مع الاستغلال الاعلامي لجريمة قتل ارتكبت بحجة الدفاع عن النفس.

? مخفي: (فرنسا) اخراج: مايكل هانيكي، مع دانيال اوتوي و جولييت بينوش. اعلامي تلفزيوني مشهور يساوره هاجس الشعور بالذنب اثر تعرضه للابتزاز بفضحه امام عائلته. هل لاحظتم التطابق مع موضوع فيلم كروننبرغ؟!

? ارسم او مارس الحب: (فرنسا) اخراج: ارنو وجان ماري لاريو، مع دانيال اوتوي وسابين ازيما. (الفرنسي اوتوي في فيلمين ضمن المسابقة، حالة شبه نادرة) ثنائي يقع في حب ثنائي آخر في معالجة تنأى عن تصوير الجنس وتركز على شغف المغامرة والاخلاص. يكاد يكون موضوعه متشابها مع فيلم القارض!

? معركة في السماء: (المكسيك) اخراج: كارلوس ريغاداس قصة اختطاف طفل وتداعياتها السلبية على حياة انسان هامشي.

? اجمل اوقاتنا: (تايوان) اخراج: هو هسياو هسين، فيلم من 3 اقسام و3 ازمنة. المشاركة السادسة لهذا المخرج التايواني في المهرجان وغالبا ما تثير افلامه ردات فعل متناقضة لدى المشاهدين بين التصفيق المحبذ والتصفير المستهجن.

? ضربة قاضية: (اليابان) اخراج ماساهيرو كوباياشي دراما عائلية تدور احداثها في منطقة صقيعية.

? زهور متكسرة (الولايات المتحدة) اخراج: جيم جارموش (حائز <<الكاميرا الذهبية>> سابقا) تمثيل: بيل موراي وشارون ستون. بعد هجر صديقته الصغيرة له، يكتشف كهل خمسيني انه اب لمراهق في التاسعة عشرة. فيقرر زيارة كل عشيقاته السابقات سعيا وراء تفسير لابوته وبالتالي العثور على معنى لوجوده...

? لا تقرع بابي: (المانيا) اخراج: فيم فندرز (حائز <<السعفة الذهبية>> عام 1984 عن فيلمه <<باريس تكساس <<ورئيس لجنة التحكيم عام 1989) ممثل سينمائي خمسيني يهجس بتقهقره الجسدي والمعنوي، يترك الفيلم الذي يصوره فجأة ويعود الى مسقط رأسه حيث يتصالح مع والدته بعد طول خلاف، ويكتشف ان لديه طفل ربما في مكان ما... يبدو جليا ان فندرز وجارموش قد انطلقا من نفس المنطلق الدرامي (الذاكرة، الزمن الهارب، معنى الوجود، العودة للجذور...) وليس ما يعيب في ذلك طالما المعالجة السينمائية مختلفة علما ان فندرز وجارموش تربطهما صداقة وطيدة.

? الطفل: (بلجيكا) اخراج: لوك وجان بيار داردين (حازا <<السعفة الذهبية>> عام 1999 عن فيلم <<روزيتا>>) ثنائي هامشي يعتمد في معيشته على الاعانات الحكومية فحسب، تتعرض هشاشة وضعه للخطر عندما يعلم انه بانتظار طفل.... لا ادري هل هي مصادفة بحت ام سابق تصور وتصميم من قبل لجنة الاختيار ان تدرج في المسابقة 3 افلام في آن واحد تحكي عن الابوة ومعنى الوجود والمشاعر الانسانية. ان كان الامر هكذا فنعم ما اختارت خاصة في ظل طوفان افلام العنف والاغتصاب والانتحار والقتل بدم بارد وحار على السواء والرعب الدامي والخيال العلمي الذي لم يعد يحّده خيال، ولعلي لم اخطئ التصويب اذ انتابتني بهجة عارمة لدى سماعي قرار لجنة التحكيم بمنح <<السعفة الذهبية>> لهذا الفيلم الرائع. لكنني ادرك جيدا ان الايحاءات السياسية غالبا ما تركت اثارها، سلبا او ايجابا، على قرارات لجان التحكيم في معظم المهرجانات العالمية و<<كان>> تحديدا كونه الاعرق و ليس ادلّ على ذلك من << <<سعفة>> السنة الفائتة عندما اعطيت لفيلم وثائقي (نوع سينمائي ندر ان ادرج في لائحة المسابقة الرسمية) هو>> <<فهرنهايت 911>> للمخرج مايكل مور المناهض لسياسات الرئيس الاميركي جورج بوش، في ظل احتدام التباين الاميركي الفرنسي من قضية اجتياح العراق. اذن، ثمة ما يبشر بالخير فيما لو كان <<الوحي >> هذه السنة قد حضّ على تشجيع الافلام التي تتطرق الى القيم الانسانية النبيلة عوضا عن التي تمجد العنف المقزز والارهاب المتطاير تفجيرا واشلاء بشرية... بهذه <<السعفة الذهبية>> الثانية، سوف ينضم الاخوان داردين الى قائمة لا تتجاوز الثلاثة اسماء ممن نالوا هذه الجائزة مرتين.

? انتخاب: (هونغ كونغ) اخراج: جوني تو كيف تجري العملية الديموقراطية داخل مجتمع الجريمة المنظمة في اطار تداول السلطة. يكاد يكون موضوعه مستوحى من تداعيات المرحلة الراهنة في لبنان في ما نشهده من تناهم على التهام البيض وقشوره على موائد الانتخابات النيابية العتيدة، وقد راودتني فكرة شراء حقوق عرض الفيلم في لبنان خلال هذا الموسم الزاهر اذ كنت استفدت ماديا وافدت غيري تكتيكيا، لكن مسعاي احبط حينما علمت بالعدد المرتفع للمرشحين الفائزين بالتزكية وهؤلاء كنت احسبهم في عداد المشاهدين المفترضين و لا بد انني خسرتهم، فكبحت لجام <<جشعي>> و احجمت...

? منطقة حرة: (اسرائيل) اخراج: عاموس غيتاي، تمثيل: الاميركية ناتالي بورتمان (بطلة الاجزاء الثلاثة الاخيرة من <<حروب النجمة>> لجورج لوكاس) والاسرائيلية هانا لازلو والفلسطينية هيام عباس. مسيرة ثلاث نساء من مجتمعات مختلفة اثر التقائهم صدفة في سيارة تاكسي متجهة الى الحدود الاسرائيلية الاردنية، وعزمهم على تولي شؤون حياتهن بأنفسهن. يشكل الفيلم الجزء الثاني من ثلاثية <<الحدود>> (بعد جزء اول بعنوان <<ارض الميعاد>>) يتطرق المخرج الاسرائيلي اليساري والمناهض لسياسات حكومته تجاه الشعب الفلسطيني من خلالها الى قضايا التعايش بين الشعبين مرّوجا لمقولة ان العلاقات الانسانية اليومية والهموم المشتركة هي انجع من المبادرات السياسية في تقارب الشعوب. لا يراودني ادنى ريب بأن السياسة اقحمت نفسها عمدا في مسألة انتخاب افضل تمثيل نسائي لدى لجنة التحكيم <<الموقرة>> عندما قررت الاستجابة <<للوحي>> ومنح الجائزة للممثلة الاسرائيلية هانا لازلو، وهذه بدورها اغتنمت المناسبة لدى تسلمها سعفة التمثيل للترحم على ضحايا المحرقة النازية استهلالا قبل ان تترحم على الضحايا الفلسطينيين والاسرائيليين في حروبهم المتواصلة داعية اياهم الى التلاقي والحوار لحل مشاكلهم المستعصية. هل هناك اجدى من هكذا سانحة دولية لتسويق خطاب سياسي ما للتأثير على عقول وافئدة ملايين الاشخاص المتابعين عن كثب وقائع احتفال باهر كمثل الحفل الختامي لمهرجان <<كان>>. ونحن العرب لاهون ومنشغلون بالتصويت للسوبر ستار وستار اكاديمي والتشدق باننا نحن ارباب الحضارات الاولى ومصدري الحروف الابجدية والهيروغليفية الى العالم، لكننا نحصر استعمالنا لها حاليا في تدبيج رسائل ال SMS السخيفة التي نلحظها قرفين على فضائياتنا <<الحضارية>>.

? احلام شانغهاي: (الصين) اخراج: وانغ كساو شواي خلال حقبة الستينيات الماوية، تتعارض طموحات فتاة ريفية مع مخططات والدها.

? الايام الاخيرة: (الولايات المتحدة) اخراج: غاس فان سانت، مع مايكل بيت واسيا ارجنتو سيرة المغني <<كورت كوبان>> قائد فريق الهارد روك الشهير>> نيرفانا <<في اواخر حياته>>.

? مدينة الرذيلة: (الولايات المتحدة) اخراج: روبيرت رودريغيز وفرنك ميللر، تمثيل: روزاريو داوسون، بروس ويلليس، ميكي رورك. مأخوذ عن سلسلة الشرائط المرسومة الشهيرة لمؤلفها فرنك ميللرالذي شارك في الاخراج. عن زعيمة عصابة تفرض الامن والنظام في مجتمع خال من رجال الشرطة. يسجل الفيلم عودة قوية بعد احتجاب طوعي وقسري على السواء <<للابن الضال>> الممثل ميكي رورك، الذي كانت له سنوات مجد في ثمانينات القرن الفائت قبل ان يتخذ قرارات شخصية متهورة اثرت سلبا على حياته العائلية والمهنية (احتراف الملاكمة وادمان المخدرات). في مؤتمر صحفي عشية عرض فيلمه، اقر <<رورك>> بعبث خياراته معاهدا معجبيه الكثر (وانا منهم بكل تواضع) بأنه عاد الى الصراط المستقيم. عساه يصدق ليتحفنا مستقبلا بتجليات موهبته النادرة حقا، ولا اجامل حين اقول ويوافقني الرأي كثيرون انه تفوق على <<العملاق>> روبيرت دو نيرو اداء في الفيلم الذي جمعهما معا في منتصف الثمانينات الفائتة <<قلب ملاك>>، باعتراف دو نيرو شخصيا. فيلم <<مدينة الرذيلة>> لم يحصد اي جائزة مما يبرر عنوان المقال.

? حيث تكذب الحقيقة: (كندا) اخراج: اتوم آغويان، مع كيفن بايكون وكولن فيرث صحافية شابة تحقق في جريمة قتل غامضة بعد 15 سنة من حدوثها، واصابع الاتهام تشير الى نجمين كوميديين كانا آخر من شوهد برفقة الضحية.

? الجنازات الثلاث: (الولايات المتحدة) اخراج وبطولة تومي لي جونز محاولات مزارع من تكساس للوفاء بعهد قطعه لصديقه المكسيكي قبل وفاته بأن يدفنه في مسقط رأسه. يصنف الفيلم في فئة <<الرود موفي>> او افلام الطرقات، ومن المستحب ان يدشن الممثل تومي لي جونز (بطل افلام الاكشن) مسيرته الاخراجية بفيلم درامي مؤثر يعتمد على قيم انسانية نبيلة (الصداقة والوفاء) تظهر صدقيتها على المحك عندما يتدخل القدر... كما سبق وذكرت في تبرير ما عنونت به، كافأت لجنة التحكيم تومي لي جونز بمنحه سعفة افضل ممثل عن دوره في الفيلم وهو استحقها عن جدارة، بتقديري قد يكون جونز وهب نفسه، كونه المخرج ايضا، دور عمره واثبت عمى المخرجين المحترفين عن التنبه لمدى تنوع موهبته.

? ماندرلاي: (الدانمارك) اخراج: لارس فون تراير (حائز السعفة الذهبية عام 2000 عن فيلم <<راقصة في الظلام>>)، مع ويلم دافو وبلايث دالاس هوارد. الجزء الثاني من ثلاثية (كما الاسرائيلي غيتاي) عن تاريخ الولايات المتحدة، وهو مخصص لتجارة الرقيق، بعد جزء اول بعنوان <<دوغفيل>> في عام 2003. يسجل فيلم ماندرلاي الاشتراك السابع لمخرجه فون تراير في مهرجان << كان>>، فيكون المخرج الوحيد الذي حقق انجازا غير مسبوق بعرض كل افلامه في تظاهرة <<كان>>. الطريف ان فون تراير (الاب الشرعي لطريقة <<الدوغما>> السينمائي) انجز فيلميه الاخيرين دون ان تطأ قدميه التراب الاميركي، لسبب بسيط كونه يخشى السفر بالطائرة !!

? الكيلومتر صفر (فرنسا كردستان) اخراج: هينر سليم اثناء الحرب العراقية الايرانية في ثمانينات القرن الفائت، يكلف جنديان عراقيان، كردي وعربي، بمهمة اصطحاب جثمان شهيد وتسليمه الى ذويه في منطقة تبعد 700 كلم عن جبهة القتال. تتفجر مشاعر الكراهية المتبادلة بينهما خلال مسيرهما الليلي تحديدا كون النظام العراقي الحاكم آنذاك كان يحرص على طمس اعداد قتلاه في الحرب عن شعبه كيلا تحبط معنوياته (و كأن هذه المعنويات كانت مرتفعة على الدوام في ظل حكم صدام حسين البائد !) نقطة ضعف الفيلم التي عابها عليه كثير من النقاد العرب والاجانب انه لم يطّور التصاعد الدرامي في بناء شخصيتيه الرئيسيتين وتفاعلهما مع بعضهما البعض باتجاه تقريب وجهتي نظرهما من القضايا ذاتها التي يعاني منها العرب و الاكراد العراقيون على السواء، فكلنا <<في الهم شرق>> كما قال احد ادبائنا. بالرغم من ان المخرج سليم كان قد لقي ترحيبا حارا من الجمهور وثناء مشجعا من النقاد لدى عرض باكورة افلامه <<فودكا ليمون>> في مهرجان <<البندقية>> عام 2003، فان فيلمه الحالي لم يرض الجمهور ولم يحز تقدير النقاد الذين اعتبروه، بغالبيتهم، اقل من عادي. من وجهة نظري، وجدت <<الكيلومتر صفر>> استنساخا مشوها عن فيلم <<اورغا>> البديع (1990) للمخرج الروسي نيكيتا ميخالكوف عن رفقة طريق بين عدوين مفترضين ايضا، روسي ومونغولي، وتعّرف كل منهما على عادات وتقاليد الآخر ليصبحا في النهاية صديقين. بالنتيجة، التقارب والحوار وتقبل الآخر بكل اختلافاته هي الرسالة الحقيقية للسينما بمعناها الانساني الشامل، وليس الحقد وعدم التسامح والضغينة المقيمة ابدا كما يحاول ان يروج لها المخرج <<سليم>>، علما انه لا تشوب شائبة تعاطفنا الصادق مع معاناة الشعب الكردي التاريخية وهو ليس وحده من عاناها. ثمة اشكالية لم استطع سبر كنهها حتى اليوم، كيف يتأتى لدولة ديموقراطية كفرنسا تعترف بوحدة العراق بتنوع اتنياته ومذاهبه ان تقحم نفسها انتاجيا مع دولة غير موجودة، رسميا على الاقل؟؟ هل نتوقع مستقبلا ان نفاجأ بأفلام انتاج مشترك بين فرنسا وشمال لبنان او جنوب موريتانيا او شرق بنغلادش مثلا؟؟ انها اشكالية برسم المعالجة من قبل الحكومة الفرنسية سريعا قبل انتشار العدوى التي ستكون مخيفة بدون ادنى شك.

كما كل سنة، يقاس نجاح المهرجان وفشله اعلاميا، بعدد النجوم العالميين الذين يتعاقبوا على دوس البساط الاحمر الشهير الذي يفترش مدخل قصر المؤتمرات. هذه السنة ايضا كان عديدهم وافرا، من حيث الكمية ومقدار الشهرة: ميكي رورك، وودي الن، سكارليت جوهانسون، جورج لوكاس، ايوان ماك غريغور، صمويل جاكسون، ناتالي بورتمان، كاترين دونوف (كرّمها المهرجان عن مجمل اعمالها)، دانيال اوتوي، كريستين سكوت توماس، بروس ويليس، فال كيلمر، كوبا غودينغ....
الجناح اللبناني في <<كان>>

ما يستحق التنويه والاشادة به، ما اقدمت عليه الحكومة الفرنسية هذه السنة من اضافة جناحين جديدين الى اجنحة <<القرية العالمية>> هما الجناح الايراني والجناح اللبناني. يعتبر الجناح بمثابة سفارة ثقافية للبلد الضيف، يتم من خلاله تعريف الزوار <<الفضوليين>> على ميزات البلد وتراثه السياحي والثقافي والفني عبر تقديم منشورات واقراص مدمجة وتعريف مباشر من متطوعين محليين. بالنسبة للجناح اللبناني وتواجده للمرة الاولى على <<الكروازيت>>، فكان تتويجا لمبادرة مشتركة تنكب عناء اخراجها الى النور وزارة الفرنكوفونية الفرنسية ومكتب السياحة اللبناني في باريس ومؤسسة سينما لبنان في بيروت. ولا بد لي في هذا السياق من التنويه بالجهد وحسن اللياقة الذي امتاز بهم القيمون على الجناح اللبناني وعلى رأسهم السيدة ايميه بولس رئيسة مؤسسة <<سينما لبنان>> فكانت اكثر من سفيرة لبلدها في الاهتمام بكل شاردة وواردة وبكل تفصيل مهما كبر او صغر سعيا وراء ارواء ظمأ معرفي لدى كل من عرّج على <<البافيون>> اللبناني من لبنانيين و عرب واجانب. هل من تعّلق لهم الاوسمة في هذه الجمهورية <<الفاضلة>> اجدر منها ؟

السفير اللبنانية في

27.05.2005

 
 

من الفني إلى التوازنات السياسية

مشاركة عربية أقل في " كان " السينمائي

عدنان مدانات

تم الإعلان عن تأسيس مهرجان “كان” من قبل الحكومة الفرنسية لأول مرة في العام 1939. وفي حينه تم تعيين لويس لوميير رئيساً فخريا للمهرجان. ولوميير هو رائد السينما في العالم وهو الذي أقام مع شقيقه في العام 1896 أول عرض سينمائي عام على الجمهور تضمن مجموعة أفلام تسجيلية قصيرة أشهرها فيلم “وصول القطار إلى المحطة” وفيلم روائي كوميدي قصير بعنوان “البستاني يرش نفسه بالماء”، معلنين بذلك ولادة فن السينما. غير أن الحرب العالمية الثانية استبقت موعد افتتاح المهرجان مما أدى إلى تأجيله لأجل غير مسمى. أما الافتتاح الرسمي للمهرجان فكان في العام 1946مباشرة بعد انتهاء الحرب. وقيل في حينه أنه جاء ليقف في وجه مهرجان فينيسيا الدولي الذي اعتبر في حينه من مخلفات السلطة الفاشية. ومنذ ذلك الحين استمر مهرجان “كان” سنويا باستثناء عامي 1948 و،1950 مشكلا أهم تظاهرة سينمائية دولية.

لكن الحيادية السياسية التي اشتهر بها مهرجان “كان” بسبب تركيزه على السينمائي الفني دون السياسي الدعائي وبسبب ولائه للسينمائيين وليس لشركات الإنتاج أو الدول، تراجعت نوعا ما منذ تسعينات القرن العشرين، حيث بدأ المهرجان ينحو في بعض الحالات نحو المساومات التي أثرت في حياديته في منح الجوائز، وقد كان من أسباب ذلك الضغوط الأمريكية على المهرجان التي كانت تتهمه بالعداء للسينما الأمريكية، حيث يلاحظ أن السينما الأمريكية لم تحصل خلال تاريخ المهرجان إلا على إحدى عشرة جائزة ذهبية من بينها جائزتان مناصفة مع فيلمين من دول أخرى، وهذا لا يتناسب مع الحجم الكبير لصناعة السينما الأمريكية.

وفيما يخص مشاركة السينما العربية في مهرجان “كان” السينمائي فقد بدأت في وقت مبكر نسبيا وتحديدا في ستينات القرن العشرين، وكان ذلك عندما شارك المخرج يوسف شاهين في فعاليات المهرجان بفيلم “صراع في الوادي” وكذلك المخرج هنري بركات بفيلم “الحرام”. والفيلمان أثارا الانتباه لواقعيتهما وأعطيا صورة مختلفة عن السينما العربية في ذلك الوقت. أما أهم المشاركات العربية في “كان” في الستينات فكانت بالفيلم الجزائري الشهير “رياح الأوراس” للمخرج محمد الخضر حامينا والذي استحق في حينه جائزة أفضل إخراج. وهو نفسه سيشارك في العام 1975 في المهرجان بفيلمه الملحمي “وقائع سنوات الجمر” وسيحصل الفيلم على الجائزة الكبرى للمهرجان. كما عرض يوسف شاهين في العام 1968 فيلمه الشهير “الأرض”.

هذا وستشهد سنوات السبعينات زخما في المشاركة العربية في المهرجان. ومع أن الأفلام العربية المشاركة لم تدخل ضمن المسابقات الرسمية إلا ان مجرد قبول عرض الأفلام في المهرجان وإدراجها ضمن برامجه لتقدير مهم بحد ذاته، خاصة أن العديد من هذه الأفلام كانت لمخرجين جدد يصنعون فيلمهم الأول. ونذكر من الأفلام العربية التي عرضت في “كان” في تلك السنوات فيلم المخرج التونسي رضا الباهي “شمس الضباع” وكذلك فيلم “عرائس من قصب” للمخرج المغربي جيلالي فرحاتي وفيلم “الفحام” للمخرج الجزائري محمد بوعماري، الفيلم الجزائري المميز “عمر قتلته الرجولة” للمخرج مرزاق علواش. كما احتفل المهرجان بفيلم المخرج المصري الكبير توفيق صالح “المخدوعون” الذي أخرجه في العام 1972 لمصلحة المؤسسة العامة للسينما بدمشق. وستشارك السينما السورية ثانية في المهرجان في العام 1984 من خلال فيلم “احلام المدينة” للمخرج محمد ملص.

لهذه الأسباب وغيرها ظل الحصول على جائزة من مهرجان كان السينمائي حلما من احلام المخرج يوسف شاهين الذي ظل طوال سنوات عمره يسعى لإشراك أفلامه في مسابقته. وقد قيل إن هذا الحلم كاد يتحقق عندما عرض فيلمه “الأرض”. اعترف يوسف شاهين بهذا الحلم حتى من خلال أفلامه وبالذات من خلال فيلمه “حدوتة مصرية” الذي هو في جزء منه تلخيص لسيرة المخرج السينمائية ومنها مشاركته في المهرجانات الدولية. ولن يتاح لحلم يوسف شاهين فوز احد أفلامه بجائزة المهرجان أن يتحقق، لكن يوسف شاهين شخصيا سيحصل قبل نحو بضع سنوات على جائزة من المهرجان عن مجمل أعماله السينمائية، ومنها أساسا أفلامه الأخيرة التي تم إنتاجها بالتعاون مع الشركاء الفرنسيين.

ما فشل في تحقيقه يوسف شاهين نجح في تحقيقه مخرج شاب من أبناء الناصرة في فلسطين المحتلة. كان هذا في العام 2002 حيث حصل الفيلم الفلسطيني/ الفرنسي “يد إلهية” للمخرج إيليا سليمان على جائزة لجنة التحكيم الخاصة والتي تعادل، من الناحية المعنوية، الجائزة الكبرى. وكان أكثر من مراقب عربي وأوروبي ممن حضروا الفيلم أثناء المهرجان قد توقعوا فوزه بالجائزة الذهبية. غير أن الجائزة الذهبية أعطيت لفيلم آخر لم ير فيه الكثيرون ما يستحق الجائزة، لكنه من توقيع مخرج بولندي شهير هو رومان بولانسكي والأهم من ذلك أن موضوعه يدور من خلال قصص اضطهاد اليهود من قبل ألمانيا النازية. وأعتقد شخصيا أن الجائزة الكبرى التي منحت لفيلم عن اضطهاد اليهود بدلا عن منحها لفيلم عن اضطهاد الفلسطينيين من قبل اليهود، تعكس هذا التحول في سياسة مهرجان “كان” التي صارت تحاول أن تراعي التوازنات السياسية. وفي العام ذاته كان للسينما الفلسطينية حضور مميز في مهرجان كان، حيث ضم في برامجه فيلمين آخرين من إنتاج فلسطيني، أحدهما “القدس في يوم آخر” للمخرج هاني أبو اسعد الذي تم إنتاجه بدعم من وزارة الثقافة الفلسطينية، وثانيهما “تذكرة إلى القدس” للمخرج رشيد مشهراوي. وعرض في المهرجان أيضا فيلم المخرج السوري أسامة محمد المعنون “صندوق الدنيا”، وهو إنتاج مشترك سوري فرنسي. وفي العام التالي شارك المخرج اللبناني غسان سلهب بفيلمه “الأرض المجهولة” الذي تم إنتاجه بدعم فرنسي أيضا.

الخليج الإماراتية في

30.05.2005

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)