كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان الاسماعيلية ينطلق الليلة بافلام

تعكس هموم وقضايا الابداع السينمائي

الاسماعيلية - ناجح حسن

مهرجان الإسماعيلية السينمائي

   
 
 
 
 

تفتتح السبت الدورة الثامنة من مهرجان الاسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة التي تنظمها سنوياً وزارة الثقافة المصرية / المركز القومي للسينما ومحافظة مدينة الاسماعيلية، وتشارك فيها مجموعة من الافلام الروائية القصيرة والتسجيلية وافلام الرسوم المتحركة من سائر بلدان العالم.

ويعتبر المهرجان واحداً من الاحتفاليات السينمائية القليلة المتخصصة في موضوعات الافلام التسجيلية، وافلام الديجتال ويلتقي فيها اجيال من السينمائيين المخضرمين والشباب، ويمنح جوائز نقدية للأعمال الفائزة تقدمها لجنة تحكيمية مكونة من مخرجين وتقنيين قادمين من البلد المضيف مصر والدول العربية والعالمية، مما مكن المهرجان ان يمتلك حضوره القوي والرصين وهويته الخاصة ويزداد الالتفات حوله عاماً بعد عام وعدا هذا كله، فالمهرجان الذي يشتمل على مجموعة من البرامج والاقسام يمنح الفرصة لصناع السينما المختلفة من النوع التسجيلي والروائي والتجريبي والرسوم المتحركة لأن يلتقوا ويعرضوا اعمالهم موزعة حسب خطة المهرجان وقواعده التنظيمية.

وتحمل الدورة الحالية موضوعات عديدة ابرزها الاحداث التي تعصف بفلسطين والعراق وهناك معالجات لمختلف قضايا المجتمعات الانسانية القادمة من بلدان العالم الثالث في افريقيا واسيا واميركا اللاتينية بالتجاور مع افلام فرنسية والمانية وروسية وصينية واميركية، وبلدان أخرى.

وتشارك في المهرجان افلام عربية من بينها الاردن انجزت في العامين الاخيرين تبرز نظرة صائغها الى هموم وقضايا تشغل بال العالم.

وستعرض ايضاً افلام تسجيلية وروائية قصيرة لمخرجين مكرسين سبق وان حققوها في بداياتهم السينمائية الاولى حيث سيكرم المهرجان لهذه السنة السينما السورية التي مضى على نشوئها 75 عاماً بعرض ثلاثة عشر فيلماً من النوع التسجيلي والتجريبي والرسوم المتحركة والروائي القصير للمخرجين محمد ملص وعمر اميرالاي، ونبيل المالح، وعبداللطيف عبدالحميد، وريمون بطرس، واسامة محمد.

كما سيتم تكريم الناقد السينمائي الالماني رونالد تريش رئيس مهرجان لايبزغ بألمانيا المخصص للأفلام القصيرة سابقاً بالاضافة الى عرض الافلام العربية الفائزة بالمهرجان المذكور من بينها الفيلم السوري «بعيداً عن الوطن» .. اخراج العراقي المقيم بالمانيا قيس الزبيدي والذي يحكي عن مظاهر الحياة داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وهناك ايضاً فيلم العراقي سمير نمر المعنون والمخرجة الالمانية مونيكا ماورر والذي يحمل عنوان «اطفال فلسطين» وفي المهرجان احتفاء خاص باسماء مصرية رحلت عن عالمنا حيث يعرض فيلمان «ثلاثية رفح» للراحل حسام علي وفيلم «اربعة ايام مجيدة» للفقيد صلاح التهامي.

وكان رئيس المهرجان علي ابو شادي قد اوضح لـ «الرأي» ان (62) فيلماً سوف تتنافس على جوائز المهرجان البالغة (8) الاف دولار اميركي في اقسام المسابقة الاربعة بالمهرجان عدا عن 128 فيلماً يمثل 45 بلداً عربياً وعالمياً ستشارك في سائر فعالياته العديدة.

ووقع الاختيار هذا العام على عدة اسماء شهيرة في السينما العربية والعالمية لتكون لجنة تحكيم المهرجان في دورته الجديدة وهم: الجزائري احمد راشدي رئيساً للجنة، والناقد السينمائي المصري كمال رمزي، والتونسي نجيب عياد، والفنلندي انتي سيلكو كاري، والسنغالي ماكينا ديوب، والهندية لاتيكا بادجاتكار، اضافة الى رونالد تريش من المانيا اعضاء.

وتدخل البلد المضيف المهرجان بكمّ وفير من الاعمال فقد تقرر ان تشارك بسبعة افلام داخل المسابقة هي: «الحاسة السابعة» لاحمد مكي، «ارض السماء» لسمير عوف، «يعيشون بيننا» لمحمود سليمان، «اطياف» لزينب سمير، «الوان من الحب» لأحمد غانم، «المرجيحة» لايهاب زكي، وفيلم «مش عاجب» لاسلام السيد.

اما الافلام المشاركة في قسم البانوراما وعددها (12) فيلماً فهي: «بيروت اول مرة» لاحمد رشوان، «اناشيد الجرنة» لعلي الغزولي، «آخر الدنيا» لاحمد فهمي، «التشريفة» لشادي جورج، «الوقت» لاسامة العبد، «دردشة نسائية» لهالة جلال، «كل شيء يبقى تمام» لتامر عزت، «هويدا» لعلاء عزام، «مبدعون» لعداء الاتربي، و«دنيا النحل» لمنال عبدالعليم، «ولها لسان» لياف الجويلي، وفيلم «الى» لحسن عبدالغني.

يذكر ان الفيلم الاردني «القدس ثمن باهظ للبقاء» .. لمخرجه حازم البيطار قد ادرج ضمن البانوراما وهو من انتاج تعاونية عمان لصناعة الافلام، اضافة الى مشاركات عربية اخرى من قطر، والسعودية، والامارات، وسوريا وجميعها من نوعية افلام التجريب والروائية والتسجيلية القصيرة والرسوم المتحركة.

وستتخلل فعاليات المهرجان ندوات ومعارض صور واصدارات كتب ودورية يومية لرصد فعاليات المهرجان وورش عمل وتدريب لتشجيع الشباب والطلبة في المعاهد والاكاديميات السمعية والبصرية والسينمائية الذين ستتاح لهم امكانية المشاركة في المهرجان من نقاشات واقامة عروض لاعمالهم وستقوم مجلة «سينما» الصادرة بباريس ويرأس تحريرها الناقد والصحفي قصي صالح الدرويش بتقديم جائزة باسمها الى افضل فيلم في المسابقة الرسمية وقيمتها (1000) يورو.

الرأي الأردنية في

11.09.2004

 
 

مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة

الجيد قليل والنقاش غير سوي

نديم جرجورة

لا تزال مدينة الإسماعيلية، القابعة على ضفّة قناة السويس، تستقبل ضيوفا عربا وأجانب ومصريين في احتفالها السنوي بالسينما التسجيلية والروائية القصيرة وبأفلام التحريك المُقبلة إليها من عواصم شتّى. لا تزال القرية الأولمبية، المترامية على مشهد الرمل والصحراء والسفن المتهادية ببطء في القناة، تفتح أبوابها أمام مدعوين جاءوا إلى هذه المدينة المصرية لمعاينة جديد الصُوَر والأفكار. لا يزال عدد كبير من السينمائيين يثابر على تكبّد مشقّات السفر من أجل فنّ سينمائيّ محتاج إلى مزيد من تفعيل علاقته الثقافية والفنية بالجمهور العربيّ تحديدا. لا تزال شوارع المدينة كما هي من عام إلى آخر، تزخر بالحكايات والتفاصيل الإنسانية، وبطيبة وعفوية جميلتين يُمكن للزائر أن يكتشفهما سريعا في نفوس أناس لا يتردّدون في إعلان شيء من الحبّ الخفي، فيشيعون بذلك مناخا من ألفة محبّبة وارتياح بسيط. لا تزال السينما التسجيلية والروائية القصيرة وأفلام التحريك تعثر على حيّز عربيّ ما لتقديم جديدها، ولطرح أسئلتها الإبداعية على مدعوين شكّلوا جمهور المهرجان في غياب واضح ومستمر لأبناء المدينة المنصرفين إلى شؤونهم الخاصة بعيدا عن <<كماليات>> لا يرون فيها أي فائدة تُذكر. لا تزال وجوه كثيرة حاضرة طوال أيام ستة، هي فترة <<مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة>>، كأن شيئا لم يتغيّر في ملامحها وتعاطيها <<التقليدي>> مع السينما والأفكار المطروحة والجماليات.

مُغامرة وعصبيّات

بدت الدورة الثامنة (11/16 أيلول الجاري) للمهرجان، الذي يُشرف على إحيائه وتنظيمه سنويا <<المركز القومي للسينما>> في القاهرة برئاسة الناقد علي أبو شادي (أعيد تعيينه رئيسا للرقابة على المصنّفات الفنية منذ أسابيع قليلة، بعد أعوام على تركه هذا المنصب)، أشبه بمغامرة مُتعِبة في البحث عن الجيّد والأفضل، وفي التنقّل بين القرية وقصر الثقافة، حيث تُعرض الأفلام المشاركة في صالتين اثنتين، بباصات وضعتها إدارة المهرجان بتصرّف المدعوين. فالأفلام الجيّدة قليلة، والنقاش النقدي الموضوعي والسوي شبه غائب، والمنطق التقليدي في التعاطي مع هموم إنسانية وفنية وسياسية طاغ. ادّعاء وتصنّع لدى البعض يُقابله عجز مفضوح لدى آخرين عن الخروج من عزلة الثابت والمسبَق في حوار منقوص وتحليل مجتزأ.
لا يعني هذا أن المهرجان فَقَد مصداقيته، بل هو مؤشّر على وجود حالة غير سوية في علاقة البعض بالسينما والثقافة والمنطق السليم. اختارت إدارة المهرجان كَمّا هائلا من الأفلام، وزّعته على <<المسابقة الرسمية>> (القاعة الرئيسة) و<<بانوراما>> (الصالة الثانية) وتكريم رونالد تريش رئيس مهرجان لايبزيغ الدولي بين العامين 1973 و1990 (عُرضت بهذه المناسبة أفلام عربية حصلت على جوائز من هذا المهرجان) والاحتفاء بالعيد الخامس والسبعين للسينما السورية، فبدت (الإدارة) مسؤولة عن كثرة العاديّ، وليس عن فوضى النقاش المنسحق تحت وطأة خطاب تقليدي ضيّق، يتمسّك به أناس يُمكن وصفهم ب<<حرس قديم>> يصعب عليه التعاطي مع المتحوّل في الثقافة والحياة والفنّ والسياسة والمجتمع بروح منفتحة وثقة عالية بالموروث الثقافي والتاريخي القابل للاجتهاد والتطوير دائما. هناك، في هذا النقاش المنقوص، جانب عنصريّ ظهر في طريقة تعاطي البعض مع الآخر، لم يكن موجودا في الدورات السابقة، أو لعلّني لم أتبيّنه جيّدا قبل هذه الدورة. فمُشاركة فيلم إماراتيّ في المسابقة الرسمية (<<ما تبقّى>> لصالح كرامة) أدّت إلى نقاش عاب على المخرج عدم تناوله إحدى <<قضايانا>> العربية، كأن السينما العربية مرهونة لمثل هذا النوع من المواضيع فقط. لم توافق قلّة من المُشاهدين على هذا الرأي، فحاولت جعل النقاش جدّيا، بانتقادها غرائبية الفيلم وغوص مخرجه في ادّعاءات بصرية ودرامية منقوصة. وما زاد الطين بلّة أن المخرج نفسه تشاوف على الجمهور مدّعيا أن فيلمه <<فوق الوعي البشريّ>>. خارج الصالة، استمرّ النقاش بسخرية مزعجة، إذ رفض البعض التعاطي مع ما يحدث في دول الخليج من انفتاح على الثقافة والفنّ والعلوم وتواصل جدّي معها، مشيرا إلى أن الثقافة الوحيدة هناك هي <<بدوية>> أي عاجزة عن صنع ثقافة ما (تُرى، ما هو المقصود ب<<الثقافة>>؟). كأن <<البدوية>> لا تملك ثقافتها وفنونها، أو كأن ما يجري اليوم في هذا الجزء من <<الأمة العربية>> لا يستحقّ المتابعة. تجاهل هذا البعض ظهور الوعي لدى جيل من الشباب الخليجيين، الساعين إلى العلم والمعرفة، بأهمية الفنون البصرية والثقافة النقدية والإبداع الإنساني. قال إن الغرب يستهزئ بهم حين يلقّنهم دروسا <<عابرة>> في صناعة الأفلام. في المقابل، وجدت <<ناقدة>> في حضور مخرج إماراتي فرصة للتعرّف على <<هؤلاء>>، كأن <<هؤلاء>> هبطوا فجأة من الفضاء الخارجيّ. هذا ما فعلته <<ناقدة>> أخرى، حين سألت صديقا من دولة جزر القمر يتابع في القاهرة دراسات قانونية وسياسية عن كيفية عيشهم <<هناك>>.

لا بأس. هذا كلام يسيء إلى قائله. هذا تصرّف جاهل وغبي. فهل يجب التغاضي عنه، أم إن هناك واجبا إنسانيا وثقافيا يحتّم مواجهته؟ كيف يُمكن الخروج من قوقعة الجهل والسلفيّة الثقافية والادّعاء العلمي والمعرفي، في حين أن البعض متمسّك بجاهليّة عربية متجدّدة في مطلع القرن الواحد والعشرين؟ هل عليّ أن أتجاوز هذا كلّه في مهرجان يحاول منظّموه أن يصنعوا منه حيّزا للانفتاح والتواصل مع الآخر، أيا كان هذا الآخر، في حين أن البعض يُمعن، بتصرّفاته وسلوكه، في تفعيل جدار العزلة والتخلّف؟ أم عليّ أن أغتنم فرصة حضور المهرجان كي أمارس حقّي في إعلان رفضي منطقا مسطّحا وغبيا لن يؤدّي بالأمة العربية إلاّ إلى مزيد من الظلاميّة والفوضى؟

أعرف تماما أن <<مهرجان الإسماعيلية الدوليّ للأفلام التسجيلية والقصيرة>> فرصة حقيقية لثقافة جدّية، لكن بعض هؤلاء المُتصنّعين والجاهلين يسيئون إليه، ويعكسون تنامي هذه الحالة في المجتمعات العربية، وارتفاع مستوى التخلّف والعصبيّة والرجعية والانكسار.

جديد أكثر وجدّية أقلّ

لا أختصر المهرجان بتفاصيل جانبية كهذه، فهو أكبر من متطفّلين على السينما والثقافة، ومساحة تتيح الاطّلاع على ما تصنعه السينما التسجيلية والروائية القصيرة وأفلام التحريك من جديد، وفرصة للقاء أصدقاء وأحبّة. لكن هذا الجديد لم يُقدّم كثيرا من الإبداع والجماليات، مع أنه طرح أسئلة متنوّعة تناولت الفرد والذاكرة والوعي والحكايات، وقدّم صُورا عدّة عن أمراض جسدية وروحية واجتماعية وسياسية، والتزم همّا سينمائيا في تطوير لغة الصورة المتحرّكة في تعاطيها مع القضايا الإنسانية. افتُتحت الدورة الثامنة بفيلم سياسي أنجزه ويليام كاريل بعنوان <<العالم بحسب بوش>>، واختيرت أفلام سياسية عدّة تناولت الوضع الآنيّ واستعادت شيئا من الماضي: ففي الراهن السياسي الذي فرضته جريمة الحادي عشر من أيلول 2001، وممارسات الإدارة السياسية والقيادة العسكرية في الولايات المتحدة الأميركية، عُرض أحد أجزاء <<القرن العشرين>> بعنوان <<الفجر>> لغابريل زامبريني، الذي أمعن في تشريح الواقع الأميركي وأسلوب الإدارة والقيادة معا في إحكام قبضتها على العالم، بدءا من الأسباب التي جعلت انتخاب العام 2000 <<علامة فارقة ومهمة في التاريخ المعاصر>> ووصولا إلى وقائع العصبية والأخلاق الرجعية والمحافظة والتعنّت السياسي والفكري والتطرّف الديني المتحكّمة كلّها بقياديي البيت الأبيض. خارج الفلك الأميركي والجنون المسيطر على الولايات المتحدّة الأميركية والصراع العنيف في داخل مجتمعها بسبب الممارسات الحاصلة هناك، قدّم لوردان زافرانوفيتش <<سمفونية المدينة السماوية>> عن شنغهاي، مُقَدّما بعض الحقائق التاريخية المتعلّقة بالثورة الثقافية في الصين، ومتغاضيا عن أخرى، بإدانته العنف والقتل والديكتاتورية في ظلّ نظام ماو تسي تونغ، ومُصوّرا في الوقت نفسه الواقع الآنيّ المزدهر بالتقاطه مشاهد الجمال الباهر في شنغهاي، المتمثّل بالعمارة والطرقات وأنواع الحياة والسكينة والسلام. بدورها، عادت المخرجة الفرنسية ماري مونيك روبن، في <<فرق الموت، المدرسة الفرنسية>>، إلى حقبة تاريخية مزرية في ذاكرة بلدها، متعلّق بما عُرف ب<<فرق الموت الفرنسية>> التي شُكّلت من ضباط وجنود فرنسيين لممارسة تصفيات جسدية في أنحاء مختلفة من أميركا اللاتينية وآسيا وغيرهما. طاردت المخرجة من بقي حيّا من هؤلاء، والتقت بعضهم بينما رفض بعض آخر الجلوس إليها مكتفيا بالقول إن ما جرى بات من الماضي، كما أنها صوّرت آخرين بكاميرا مخفية، وكشفت وثائق وإثباتات أدانتهم جميعهم. إنه فيلم قاس وجريء عن ذاكرة مشبعة بالقتل والجريمة.
التاريخ والذاكرة أيضا ظهرا في فيلم بديع وحاد بدوره: <<هتلر، عرض مدوّش (هذه ترجمة معتمدة من قبل إدارة المهرجان للعنوان الأصلي:
Hitler's Hit Parade) لأوليفر أكسير وسوزان بينز. أثار الفيلم التباسا كبيرا بين تفسيرين متناقضين، قال الأول بجماله الإبداعي وانتقاده الحادّ مرحلة الحكم النازي لألمانيا، من خلال توليف مشاهد مختارة من أفلام ألمانية مُنتجة في تلك الحقبة، ومقاطع منتقاة من أغنيات وحفلات موسيقية تنتمي للفترة نفسها، ورأى الثاني تمجيدا لهذه الحقبة، بكشفه قوة الإرادة الإنسانية لدى المواطن الألماني، وفترة الرخاء والإبداع والسكينة التي عرفها الشعب الألماني حينها، منتقدا بعنف <<أنسنة>> أدولف هتلر. في السياسة أيضا، وإن من المدخل الثقافي، بدا <<كتّاب الحدود>> لسمير عبد الله وخوسي راينز مرآة صادقة وشفّافة للعلاقة الإنسانية القائمة بين الثقافة والسياسة والمجتمع والفرد والجماعة. رافق المخرجان عددا من كبار الكتّاب الأجانب المنتمين إلى <<البرلمان الدولي للكتّاب>> في زيارتهم فلسطين المحتلّة في مرحلة الحصار الإسرائيلي لرام الله. شهادات ولقاءات وقراءات متنوّعة، سمحت لهؤلاء (جوزيه ساراماغو وخوان غويتيسولو ووول سوينكا وآخرين) نقل صُوَر حيّة عن الواقع الفلسطيني وبشاعة الاحتلال وقسوته. في الإطار الإنساني، عُرض <<سُريدا، إمرأة من فلسطين>> لتهاني راشد، عن سيدة تُدعى سُريدا أضاءت المخرجة من خلالها جوانب عدّة من الحياة اليومية للفلسطينيين في رام الله أيضا.

بؤس وسخرية وانكسار

من الأفلام التسجيلية القصيرة، عُرض <<يعيشون بيننا>> للمصري محمود سليمان، عن عائلة فقيرة للغاية مؤلّفة من أم مُطلّقة وثلاثة صبيان. تعمل الأم في سنّ الحديد كي تؤمّن لقمة العيش، بعد أن تخلّى كثيرون عنها. ترفض عروض شقيقتها للسفر إليها في إحدى دول الخليج، شرط أن تتخلّى عن أبنائها، وتصرّ على البقاء معهم في واقع إنساني مخيف وقاس. عن البؤس والشقاء الإنسانيين أيضا، وعن الأطفال المشرّدين وضحايا العنف في كولومبيا، أنجز إدواردو كاريلو <<أصوات صغيرة>> مُدخلا فيه تقنية الرسوم المتحرّكة المصنوعة بالكمبيوتر. أما شون غارّيتي فحقّق <<صُوَر من الداخل>>، محاولا فيه أن يستعيد تفاصيل وذكريات وحكايات مختلفة.

في الجانب الروائي، برز فيلم بلجيكي جميل بعنوان <<أليس وأنا>> لميكا والد، انتقد شيئا من سطوة الديني المتعصّب في الوعي الجماعي، من خلال قصة حبّ شارفت على نهايتها، من دون الوقوع في فجاجة الخطاب والسخرية المجانية. وافق سيمون على نقل عمّته مالا وصديقتيها الشقيقتين ليديا وكوليت إلى إحدى مدن الساحل لقاء مبلغ من المال قيمته 30 يورو عن كل واحدة منهنّ. في الطريق، يتلقّى الشاب اتصالا هاتفيا من صديقته أليس التي تخبره عن رغبتها في الانفصال عنه، فتبدأ بينهما سلسلة مكالمات محتدّة بحثا عن حلّ لهذه المشكلة، وفي الوقت نفسه لا تدعه النساء الثلاث مرتاحا، بل تتدخّلن في شؤونه الخاصة، وتسخرن من أليس بسبب كونها غير يهودية. في تسع عشرة دقيقة، صوّر ميكا والد شيئا من سيطرة النفوذ الديني على الوعي الجماعي اليهودي، ومن التعصّب ونبذ الآخر والتقوقع في ال<<غيتو>> اليهودي. كما أنه سخر من البخل اليهودي المشهور، إذ رفضت الصديقات الثلاث أن يدفعن له أكثر من ثلاثين يورو، بحجّة أنهنّ اتفقن معه على هذا، متناسيات الاتفاق الحقيقي، في حين أن إحداهنّ ادّعت أنها لا تحمل هذا المبلغ، مما دفعه إلى إعلان غضبه عليهنّ بترداده بصوت عال: <<الله أكبر>> و<<هلّلويا>>، مما أثار حنقهنّ وارتعاد فرائصهنّ، قبل أن تدفع كل واحدة منهنّ ما هو متوجب عليها.

عن قصة لأندره شديد، اقتُبس فيلم <<الوشاح>> لصافي نيبو: امرأة تنتظر عودة ابنها من غيابه الطويل عنها، ليشاركها الاحتفال بعيد الميلاد. تُدرك هي أن الابن لن يعود، لكنها لا تتردّد عن تهيئة الأجواء كلّها لاستقباله: تجهّز طاولة العشاء بمأكولات مختلفة، وترتدي أجمل ما لديها، وتشتري هدية. لكنه لم يعد (هل هو ميت والأم ترفض الواقع، أم ماذا؟ وفي حالة الوفاة، هل تعاطى الجميع معها على أنها مجنونة؟)، فتوهم الجميع بأنه جاء وأمضى الليل معها واضطرّ للعودة صباحا. ولتأكيد ذلك، ارتدت وشاحا قالت إنه أهداه لها، فإذا بالوشاح هو الهدية التي اشترتها. من إسبانيا أيضا، روائي قصير آخر بعنوان <<عشر دقائق>> لألبرتو روز روجو: أراد الشاب معرفة صاحب رقم هاتف جوّال اتصلت به صديقته من هاتفه الخاص، قبل أن تغادره نهائيا. لديه عشر دقائق فقط لمعرفة الحقيقة من موظّفة شابة تعمل في شركة الهاتف، ولا تستطيع إعطاءه الرقم، فيدور حوار بينهما حول الحبّ والانكسار والتشرذم الروحي.

عن المرض العضوي، شاهدت فيلمين، الأول تسجيلي بعنوان <<أن نعيش أفضل من أن نموت>> للصيني وايجين شين، وروائي قصير بعنوان <<فينوس النهائية>> للكندي ألكسندر فرانشي. تابع الأول تفاصيل الحياة اليومية في قرية صينية مشهورة بفقرها وبارتفاع نسبة المصابين فيها ب<<مرض فقدان المناعة المكتسبة>> من خلال عائلة (والدان وثلاثة أبناء) أصيب أفرادها جميعهم به بسبب الزوجة الأم التي أقامت علاقة جنسية برجل آخر، باستثناء الابنة الأولى التي نجت من <<العقاب الإلهي>> (كما ردّدت الأم) لأنها وُلدت قبل هذه الحادثة. يؤكّد الفيلم على البُعد الإنساني في العلاقة المستمرّة بين الزوجين. فعلى الرغم من أن الزوجة <<خانت>> زوجها وتسبّبت بإصابته بالمرض نفسه، إلاّ أنه ظلّ إلى جانبها وحافظ على وحدة عائلته ورفض إغراء الزواج من أخرى، مستعدّا لمواجهة الموت. بعض مشاهد الفيلم أمعنت في تصوير لقطات مقرفة، لكنه بقي عملا عاديا في بحثه عن المعنى الإنساني وبؤس المجتمع وفقره. روى الثاني حكاية صبيّة مصابة بمرض السرطان، ترفض الخضوع له وتسعى إلى عيش حياة طبيعية وتتباهى بأنوثتها. لكن المرض أعنف وأخطر.

(الإسماعيلية)

السفير اللبنانية في

17.09.2004

 
 

مهرجان الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة

الحروب والشعوب في الإسماعيلية

الإسماعيلية/ علا الشافعي

نستطيع أن نطلق علي الدورة الثامنة لـ مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة والتي انعقدت في الفترة من‏11‏ سبتمبر حتي‏16‏ من نفس الشهر‏,‏ الدورة الكاشفة‏,‏ وبمعني آخر دورة الحروب والمآسي الإنسانية والأزمات الاقتصادية‏,‏ فهذه هي السينما التسجيلية ترفع شعار سينما القضية وتعري وتناقش وتكشف أزمات العالم بدءا من الوجه القبيح للسياسة الأمريكية وتبنيها لسياسة الحرب الوقائية ضد الإرهاب وصولا لمحاربتها فلاحي العالم بفرض سياسات اقتصادية تجاه حقوق الفلاحين والعمال‏,‏ من خلال الشركات متعددة الجنسية‏.‏

لعلها مفارقة مثيرة أن يتم افتتاح المهرجان يوم‏11‏ من سبتمبر‏,‏ وهو نفس يوم الحدث العالمي بالهجوم علي أمريكا وتفجير برجي التجارة‏,‏ وشكل هذا اليوم محورا أساسيا لمعظم الأفلام التي عرضت بالمهرجان سواء بالنسبة لأفلام المسابقة أم البانوراما‏,‏ فالحرب حاضرة بقوة ورعونة بوش تفرض نفسها علي المنتج الفني العالمي‏,‏ فالصور تتحرك أمامنا لترصد أحداث‏11‏ سبتمبر وشهادات من تأثروا بها‏,‏ وناشطين متابعين للأحداث ومحللين سياسين وصحفين مهتمين بكل ما يجري‏,‏ وإذا كانت الأوساط الثقافية والإعلامية مشغولة حاليا بكتاب القصة الحقيقية لعائلة بوش الذي تم وصفه بالفضائحي لتناوله أسرار عائلة بوش‏,‏ بدءا من الجد السيناتور وصولا للأب والابن‏,‏ وهو الكتاب الذي استغرق أربع سنوات من التحضير وجمع المعلومات من العائلة وأبرز من تحدثت فيهم هي شارون بوش الزوجة السابقة لأخي الرئيس نيل بوش وفي هذا السياق جاءت الأفلام التي عرضت بالمهرجان مؤكدة ومتسقة مع ما جاء في كتابكاثي كيلي بدءا من فيلم الافتتاح العالم كما يراه بوش لوليم كاري‏,‏ إنتاج ـ فرنسي والفيلم تم وصفه بأنه مناهض لسياسة بوش‏,‏ ويفضح كيف أن بوش الأب والابن لا يكتفيا بتناول العشاء مع الشيطان‏,‏ بل كانا دوما شريكين له وجمعتهما المصالح وطالما أعتمد جورج دبليو بوش علي أسرة بن لادن في تمويل مسيرته السياسية لسنوات طويلة واستمر هذا التحالف غير العادي حتي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر‏,‏ فالطائرة الوحيدة التي سمح لها بالتحليق في الأجواء الأمريكية عشية الحادث هي الطائرة التي حملت عائلة بن لادن؟ ليس ذلك فقط‏,‏ فمازال بوش الأب يرأس قمة الهيكل الوظيفي لواحدة من أكبر الشركات الاستثمارية الخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ وهي مجموعة تذهب معظم استثماراتها إلي صناعة السلاح والدبابات والصواريخ التي استخدمت أخيرا في حرب العراق الأخيرة وصنعتها شركات تابعة لمجموعة كاريل الذي يعد بن لادن أحد المساهمين فيها‏.‏

كما كشف الفيلم معلومات مهمة جاءت مفاجئة لمتابعي فعاليات المهرجان كيف أن جد بوش كون ثروة كبيرة بسبب تعاونه مع النازيين وقيامه بغسيل أموالهم‏,‏ وقامت السلطات الأمريكية حينها بمصادرة هذه الثروة وقدمته للمحاكمة‏,‏ ليس ذلك فقط بل تحدث الفيلم بصراحة عن الدور الذي لعبه بعض المسئولين العرب لغزو العراق‏,‏ ومنهم مسئول أردني سابق صرح لأحد المسئولين الأمريكيين والذي قابله المخرج إذا لم تجدوا أسلحة الدمار الشامل فاخترعوها‏,‏ واتسمت لهجة الفيلم بالعدائية الشديدة تجاه آل بوش وكذلك المملكة العربية السعودية‏,‏ والتي وصفها المحللون والمتابعون للسياسة الأمريكية الذين أدلوا بشهاداتهم داخل الفيلم بأنها منذ فترة أصبحت تشكل قوة ضاغطة في القرار الأمريكي‏,‏ وإذا كان الفيلم قد خص المملكة العربية السعودية بالقاسم الأكبر من الهجوم والعدائية‏,‏ فإننا لا نعرف سر تجاهله لباقي الدول العربية الأخري‏,‏ المعروفة أيضا بعلاقات وطيدة مع واشنطن‏.‏

العالم كما يراه بوش هو تحقيق تليفزيوني‏,‏ قدم لنا صورة كاشفة من خلال جهد بحثي مضن لأسلوب ممارسة السلطة في أكبر دولة في العالم تدعي الديمقراطية‏.‏

‏(‏تنويعات علي‏11‏ سبتمبر‏)‏

وباسم الحرية‏,‏ الفجر القرن‏21,‏ وهي أفلام أخري تناولت بشكل مباشر وغير مباشر أحداث‏11‏ سبتمبر ومن أهمها فيلم الفجر للمخرج غابريل زامبرين‏,‏ حيث قدم للمشاهد الأسباب التي جعلت من انتخابات عام‏2000‏ في الولايات المتحدة‏,‏ علامة مهمة في تاريخها وصولا إلي الهجوم الإرهابي‏,(‏ الفجر هو فيلم مكون من سبعة أجزاء‏)‏ يتناول مخرجه الإعلام الأمريكي بشكل عام‏,‏ عرض منها جزء واحد في مهرجان الإسماعيلية‏,‏ والفيلم وصف سياسة بوش بالمضللة حيث تعمد هو ومستشاروه إخفاء الحقائق عن الشعب الأمريكي‏,‏ وأساسا اعتبروا فوزه مشكوكا فيه‏,‏ وهو ما دفع العديد من المشاهير للتظاهر والاعتراض علي الحرب وعلي ما سمته إدارة بوش بالإرهاب القادم من العراق ومنهم الممثلة سوزان ساراندون وتيم روبنز‏,‏ ويظهر الفيلم مفكرين أمريكيين معارضين للحرب علي العراق ومنهم المؤرخ جور فيدال‏,‏ الذي تحدث عن نهاية الإمبراطورية الأمريكية‏.‏

والملاحظة المهمة أنه بدون اتفاق بين عدد من مخرجي السينما التسجيلية حدث وتناولت أفلام عربية وأجنبية معاناة الشعوب بسبب إخفاء الحقائق والتضليل المتعمد من حكوماتها‏,‏ مثلا في فيلم سيدي الرئيس القائد ـ إماراتي ـ عرض خارج المسابقة للمخرج جاد أبي جميل والذي رصد حركة الشارع العراقي بعد سقوط نظام صدام حسين‏,‏ وألقي الفيلم الضوء علي الدور الذي لعبه بالإعلام في التكريس لنظرية القائد ولكن من الواضح أن مشاهد الكاميرا ومن التقاهم المخرج في الشارع أخذوا المخرج إلي اتجاه آخر‏,‏ إذ عبر العديد من العراقيين عن حبهم للرئيس صدام حسين وتمسكهم به كقائد استطاع أن يحقق لهم الأمان والخبز والكهرباء‏,‏ وتناقضت الأقوال بينهم‏,‏ فالبعض رصد الخوف من الكلام‏,‏ وحتي الخوف من التفكير إلا أن الأغلبية انتصرت لصدام‏,‏ حيث قالوا إن صدام حسين أغلي من عيوننا‏,‏ نحب رئيسنا والأمريكيون هم الذين اعتدوا علينا‏,‏ وتضمن الفيلم مشاهد تسجيلية من عراق صدام والعراق الآن حيث تحولت بغداد إلي بقايا مدينة‏.‏

وأنهي المخرج فيلمه ومن الحب ما قتل‏,‏ بمعني أن اعتياد السجن‏,‏ قد يجعلك أيضا تعتاد حب سجانك‏,‏ وكما أن الحياة تسير في بغداد بعد سقوط الرئيس إلا أنها تسير أيضا في شنغهاي التي ذهب إليها المخرج الصربي لوردان زافرنوفيتش‏,‏ ليخرج فيلمه سيمفونية المدينة السماوية‏,‏ والذي عرض ضمن المسابقة ويقدم الفيلم الذي أنتجه راديو وتليفزيون صربيا مقارنة بين الحرب والسلام في مدينة شنغهاي يعرضها مرة بالأبيض والأسود وأخري بالألوان‏,‏ ليقارن المتفرج بين الماضي والحاضر‏,‏ الحرب والسلام الغزو الأمريكي في مظاهر الحياة‏.‏

ولكن اللافت للنظر حقا هو الطريقة التي يتعاطي بها المتابعون للمهرجان والجمهور الذي حضر الفعاليات فكل فيلم يقدم شيئا ضد أمريكا هو بالتبعية لصالح العرب‏,‏ وهذا هو المأزق الذي علينا أن نخرج منه‏,‏ فإذا كنا قد احتفينا بـ مايكل مور والعالم كما يراه بوش‏,‏ إلا أننا علينا أن نعيد قراءة هذه الأفلام في ضوء الصراع الانتخابي الأمريكي ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي‏,‏ خاصة مع وجود شخصيات داخل هذه الأفلام لتؤكد أنها ستغير انتماءاتها من الجمهوري إلي الديمقراطي منهم ضابط أمريكي الذي حارب في العراق وأصيب بعاهة‏,‏ يؤكد لمخرج فيلم العالم كما يراه بوش‏,‏ أنه فور خروجه من المستشفي غير انتماءاته الحزبية‏.‏

‏(‏فلسطين‏..‏ الحاضرة دوما‏)‏

وإذا كان بوش وقضية العراق حاضرين بقوة‏,‏ فإن فلسطين ستظل هي القضية الأزلية والمؤرقة دوما للعرب‏,‏ فهناك العديد من الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية من أهم هذه الأفلام هو الفيلم التسجيلي الطويل سريدا امرأة من فلسطين‏,‏ للمخرجة المصرية المقيمة بكندا‏,‏ تهاني راشد‏,‏ صاحبة أربع نساء من مصر‏,‏ وتدور أحداث الفيلم في‏119‏ دقيقة‏,‏ وأجمل مافي فيلم تهاني راشد‏,‏ هو أنها تجعلك تدخل معها اللعبة فهي تتعايش مع شخصياتها معايشة طويلة‏,‏ وتصبح أنت كمتفرج جزءا من هذه المعايشة‏,‏ فطوال الوقت تصبح في حالة ترقب لما ستقوله الشخصيات أو ما ستفعله‏,‏ فنحن مع سريدا‏,‏ المرأة الفلسطينية الشجاعة‏,‏ وتعيش داخل منزلها ومع جيرانها وأسرهم‏.‏

الجديد في فيلم تهاني أنه يقدم صورة لا نراها دوما للفلسطينيين الذين يسكنون المدن عندهم حياة تماثلنا لحظات إعداد الطعام التجمع النسائي لشرب القهوة وتبادل الأحاديث‏,‏ شخصيات من لحم ودم تبكي وتضحك معها‏,‏ فهناك إحدي جارات سريدا والتي تخبرنا يوميا بأحلامها وكوابيسها‏,‏ فهذا هو شارون يطاردها حتي في لحظات نومها مرة تاره وهو يعلق الفلسطينيين علي حبل غسيل الملابس قائلا‏:‏ خليهم كده‏,‏ بين السماء والأرض‏,‏ ومرة أخري تراه عملاقا ضخما يطاردها‏,‏ وفجأة يتقزم هذا العملاق‏,‏ ولا يتبقي منه سوي مسدسه‏,‏ الفيلم كان في حاجة لاختصار دقائق منه في المونتاج لشد إيقاعه أكثر‏,‏ إلا أن تعلقك بالشخصيات وتداخلك معها ينقذك أحيانا من لحظات الملل‏.‏

نستطيع أن نقول إن لجنة تحكيم مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية قد وفقت إلي حد كبير في منح الجوائز حيث تنوعت الأفلام الفائزة ما بين السياسي والإنساني و جاءت النتائج مرضية إلي حد كبير‏.‏

جوائز في محلها

فاز الفيلم التسجيلي الهولندي الطويل النصر الأخير لجون أبيل بالجائزة الكبري لمسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة في الدورة العاشرة لمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة‏.‏

والفيلم الهولندي الذي تبلغ مدته‏88‏ دقيقة وكتب السيناريو له المخرج يدور حول الأقلية الإيطالية في مدينة باليو المعتمدين في معيشتهم علي تربية الخيول‏,‏ ومحاولاتهم المتكررة عاما بعد عام للفوز في مهرجان خاص بالفروسية وجمال الخيل‏,‏ إلا أنهم يفشلون في كل مرة دون أن يفقدوا حلمهم في الفوز ليحافظون علي كبريائهم‏,‏ وقد التقطت كاميرا المخرج الحالة الإنسانية التي يعيشونها بمنتهي الشفافية إلي جانب اختيار موسيقي رائعة متوافقة مع الحدث الذي يعالجه الفيلم‏.‏

وأعلن رئيس لجنة التحكيم الدولية المخرج الجزائري أحمد راشدي‏,‏ كذلك فوز الفيلم الروسي التسجيلي الطويل مت في طفولتي لجورجي باراجوف يصور حياة المخرج الروسي المعروف سيرجي باراجانوف الذي يعتبر من أهم مخرجي القرن العشرين بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في هذا الفرع من المسابقة‏.‏

وحصل الفيلم المصري يعيشون بيننا لمحمود سليمان علي جائزة أفضل فيلم تسجيلي قصير يصور حياة مطلقة تعمل في سن السكاكين وتدور في الشوارع منادية علي مهنتها كي تعيل أبناءها الذين بقوا في رعايتها بعد طلاقها‏.‏

وشخصية المرأة درامية جدا كان يمكن للفيلم أن يذهب إلي أعماق أبعد مما ظهر فيه لو ترك المخرج الحوار يجري بتلقائية بدلا من تلقين الأطفال والمرأة حوارا جاهزا مما أفقده العفوية‏.‏

وكذلك فاز الفيلم القطري غير خدوني أسم الفيلم علي أسم أغنية تراثية مغرية للمصري تامر سعيد‏,‏ بجائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل والفيلم من إنتاج قناة الجزيرة القطرية يصور حياة‏9‏ معتقلين مغاربة لم يعرفوا يوما سبب اعتقالهم ولا سبب الإفراج عنهم‏.‏

ومنحت لجنة التحكيم جائزة خاصة للفيلم الكوري التسجيلي القصير الكيلو صفر لهو ميكايو لي وسيناريو هاينسوك يوه‏,‏ وهو يصور أحداث المؤتمر الخامس لمنظمة التجارة العالمية في مدينة كنكن المكسيكية والاحتجاجات المحلية والعالمية ضد السياسة الأمريكية والعولمة والشركات المتعددة الجنسية‏.‏

وأخذ الفيلم اسمه من خلال الموقع الذي حدده المشاركون في الاحتجاجات التي أعلنت ضد المؤتمر باسم الكيلو صفر ويصور الفيلم أيضا ضمن السياق حادثة انتحار الكوري كابونجي لي احتجاجا علي سياسة منظمة التجارة العالمية في سحق الفلاحين‏.‏

وفاز الروس بالجائزة الأولي في مسابقة أفلام الصور المتحركة‏(‏ الكارتون‏)‏ عن فيلم الجنوب من الشمال لأندريه سوكلوف الذي يصور الصراع بين صيادين اجتمعا علي قارب واحد ويسعي كل منهما للسيطرة عليه‏.‏

وحصد الأسباني جائزة أفضل فيلم روائي قصير عن فيلم عشر دقائق لألبرتو روز روجو ويصور إمكانية تعويض فقد شيء عزيز علي الإنسان بشيء أفضل منه عندما يحاول رجل إقناع عاملة شركة الاتصالات للهواتف المحمول أن تعطيه آخر عشرة أرقام اتصلت به إلا أنها ترفض بناء علي تعليمات العمل لينتهي الفيلم وأفق علاقة جديدة تبدأ بينهما‏.‏

وحصل الفيلم المصري ألوان من الحب لأحمد غانم ابن الروائي المعروف فتحي غانم علي جائزة تقديرية حصلت عليها الفنانة كارولين خليل عن دورها في الفيلم كأرملة تستعيد لحظات الفرح والمتعة مع زوجها الذي اختطفه الموت فجأة وكذلك لحظات البؤس التي عاشتها معه أيضا‏.‏

ومنحت لجنة التحكيم جائزتها الخاصة للمخرج البلجيكي جوناس جيرذات عن فيلمه حياة مسطحة وجائزة لجنة التحكيم الخاصة أيضا للفيلم السويسري البولط الأخضر لروكسندر زنيدي‏.‏

ومنحت اللجنة أيضا شهادات تقديرية للأفلام الأمريكي القرن‏21‏ الفجر والفرنسي رمادي رائع والبلجيكي ووترلو‏.‏

أخيرا ومع انتهاء الفعاليات علينا أن نهمس في أذن الناقد علي أبوشادي‏,‏ رئيس المهرجان بأن المهرجان من المفترض أنه مخصص للتجارب الشابة والاحتفاء بها‏,‏ ولكن للأسف هذا لم يتوافر في هذه الدورة‏,‏ فعدد صناع الفيلم من الشباب الحاضرين كان قليلا جدا مقارنة بالأعوام الماضية‏,‏ كذلك شكل غياب السينمات العربية مثل السينما اللبنانية والتي تشهد حركة تسجيلية وروائية قصيرة نشطة تجعلنا نتساءل عن غيابها هذا العام‏*‏

الأهرام العربي في

25.09.2004

 
 

الفيلم التسجيلى القصير

يعيشون بيننا.. فعلا فى الفن والحياة 

نهاد إبراهيم 

من بين كم الأفلام الضخم الذى عرض فى فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة الذى أقيم من الحادى عشر وحتى السادس عشر من شهر سبتمبر هذا العام، نتوقف أمام الفيلم المصرى التسجيلى القصير " يعيشون بيننا " سيناريو وإخراج محمود سليمان إنتاج المركز القومى للسينما عام 2003، ويستغرق زمن عرضه على الشاشة 24 دقيقة، وهو من الأفلام المصرية التسجيلية التى حققت تواجدا مصريا بشكل ناجح على المستوى المحلى والدولى، ومع ذلك لا نستطيع اعتباره فيلما تسجيليا قصيرا بالمعنى المتكامل تماما بسبب هذه الثقوب الروائية الخفيفة، وكان واضحا تدخل السيناريست والمخرج فى بعض المشاهد ليضع بعض الأفعال والعبارات على لسان المشاركين فى العمل، وقد أصبح من الطبيعى الآن تداخل الحدود والفواصل بين متطلبات نوعيات وأجناس الأفلام المختلفة طالما أنها تخدم العمل.

بداية نتوقف أمام عنوان الفيلم " يعيشون بيننا " لنجده يحمل كماً من المدلولات المندسة كلها فى شبكة واحدة لا تنفصل فى نفس التوقيت بمنطق الحتمية الدرامية والاجتماعية، فالعمل كله يدور حول "نادية" وهى شخصية حقيقية بالفعل تعمل فى سنّ الأسلحة، تتجول فى الشوارع لتلبية احتياجات أطفالها بعد انفصالها عن والدهم الذى كان تجربتها الثانية الفاشلة مع الزواج، فالفيلم يتحدث عن مجموعة من البشر تمثل حيزا كميا من حيث المبدأ، لكن بعد مشاهدة الفيلم وتعاملنا مع البطلة نادية كشخصية مستقلة فى حد ذاتها تمتلك القوة والجلد وتكافح رغم كل شيء بصبر متواصل وتوكل إلهى، سنجد أن منظور التأويل يتسع ويتعمق شيئا فشيئا إذا اجتزنا الحدود الضيقة وتعاملنا مع نادية بوصفها نموذجا واستعارة مكثفة لطبقة كاملة تكافح من أجل لقمة العيش وتحارب ضد الفقر والحاجة بكل قوة من أجل نفسها وأولادها أى الأجيال التى تأتى بعدها، بعيدا عن الرثاء الذى يغيب العقول، هذه الدلالات المجتمعة جسدها المخرج على المستوى البصرى بالتعاون مع فريق عمله المكون من مدير التصوير رؤوف عبد العزيز والمونتير أحمد داود والمؤلف الموسيقى عمرو أبو ذكرى، كما استخدم المخرج صوت نادية نفسها كرواية لحكايتها ومعلقة على الأحداث بصدق متناه فى تعبيراتها الصوتية والحركية صمتا وكلاما وبتلقائية حقيقية لصنع حالة من التقارب.
بهدوء ووجهة نظر مدروسة انتظمت جهود طاقم العمل الفنى بقيادة المخرج منهج الاقتراب من حياة نادية على طبيعتها، بقطعات هادئة فى توقيتات منضبطة بعد تحقيق غرض اللقطة داخلا لسياق الخاص والعام على نغمات موسيقى شرقية خالصة، تستعرض لمحات من حياتها رغم مأزق تكرار المشاهد الضيقة فى حياتها لأنه روتين لا يتغير، مع اختيار زوايا وكادرات ليست فقط إنسانية هادئة وإنما تؤكد على سبب اختيار نادية بطلة هذا الفيلم، من خلال التركيز دائما على مراقبة تفاصيلها الصغيرة بمنطق المصداقية والقوة والمساواة، سواء فى بيتها وحدها أو مع أولادها أو وهى تتجول فى الشوارع حسب عملها أو وهى تتناول الطعام البسيط جدا مع أبنائها على رصيف الشارع بعد انتهائهم من المدرسة. ولولا المساحة المتاحة لاستفضنا على تحليل المشاهد بتفاصيل أكثر، لكن يهمنا كثيرا فى هذا الفيلم الوقوف على أهم سببين لنجاحه، أولا مصريته الشديدة وهويته الشعبية الأصيلة وحسه الوطنى الواضح دون صراخ ولا خطابة ولا رؤية مصطنعة مشوشة، مازجا خيوطا اجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية بهدوء فى شبكة منظومة واحدة ترمى الكثير من الشفرات للعديد من مستويات التأويل المختلفة، ثانيا قدرة المخرج ونضجه الفكرى الذى أهله لقيادة فريق عمله بمنهج متجانس خلاق ينساب فى بوتقة واحدة، مخططا دوافعه وأدواته وميزانيته وأهدافه بوضوح دون فلسفة متزايدة أو إقحام ذاته دون وجه حق، والجوائز فى النهاية وجهات نظر لها ظروف كثيرة وبالتالى فهى ليست دافعنا لتقديم هذه القراءة التحليلية القصيرة عن هذا الفيلم، وإنما كان دافعنا الوحيد أنه بالفعل عمل فنى ليس إعجازيا لكنه دقيق الإيقاع مدروس بوعى دون تعجل لم يقع فى دوامة الملل والتطويل، وبالتالى يستحق المشاهدة والتأمل وهذا يكفى.

العربي المصرية في

26.09.2004

 
 

مهرجان الإسماعيلية السينمائي:

السياسة حضرت بقوة وفيلمان تحدثا عن القضية الفلسطينية

محمد عبيدو

حصلت أفلام من روسيا ومصر وقطر على أفضل جوائز مهرجان الإسماعيلية الذي انتهت دورته الثامنة يوم 16/9، وذهبت جائزته الكبـرى للفيلم الهولندي (النصر الأخير) للمخرج جون ابيل وفيه قصة كفاح مجتمع إبطالي صغير للفوز بالحدث السنوي للمدينة (باليو) وأعلن المخرج الجزائري أحمد راشدي رئيس لجنة التحكيم الدولية فوز الفيلم القطري (غير خدوني) للمخرج المصري الشاب تامر السعيد بجائزة أفضل فيلم في مسابقة الفيلم التسجيلي الطويل.. كما حصل الفيلم نفسه على جائزة اتحاد السينمائيين التسجيليين المصريين. وذهبت جائزة لجنة التحكيم للفيلم الروسي (مت في طفولتي) للمخرج جورجي بارادجانوف الذي حصل أيضاً على جائزة مجلة (سينما) التي تصدر باللغة العربية في باريس ويدور حول واحد من أهم صانعي الأفلام في القرن العشرين هو المخرج سيرجي بارادجانوف. وحصل الفيلم المصري (يعيشون بيننا) للمخرج المصري محمود سليمان على جائزة أفضل فيلم في مسابقة الفيلم التسجيلي القصير ويتحدث عن عائلة فقيرة للغاية مؤلّفة من أم مُطلّقة وثلاثة صبيان. تعمل الأم في سنّ الحديد كي تؤمّن العيش، بعد تخلى كثيرين عنها. وتصرّ على الاهتمام بأولادها في واقع إنساني مخيف وقاس.. وفي مسابقة الرسوم المتحركة فاز الفيلم الروسي (الجنوب من الشمال) بجائزة أفضل فيلم وهو قصة اثنين من الصيادين وجدا أنفسهما في قارب واحد بعرض البحر عبـر مفارقات ساخرة أثناء محاولتهما النجاة من الغرق، وذهبت جائزة لجنة التحكيم إلى الفيلم البلجيكي (حياة مسطحة). ونال الفيلم الأسباني (عشر دقائق) لألبـرتو روز روجو جائزة أفضل فيلم في مسابقة الفيلم الروائي القصير في «عشر دقائق». في حين حصل الفيلم السويسري «البلوط الأخضر» على جائزة لجنة التحكيم. وفي الجوائز الموازية لجوائز لجنة التحكيم الدولية منحت الجمعية المصرية للرسوم المتحركة شهادة تقدير للمخرج المصري إسلام السيد عن فيلمه (مش عاجب) أما لجنة تحكيم جمعية نقاد السينما المصريين التي سلمتها الناقدة السينمائية ماجدة موريس فحصل عليها الفيلم الفرنسي (فرق الموت.. المدرسة الفرنسية) كما منحت الجمعية شهادة تقدير للفيلم الصيني (أن نعيش أفضل من أن نموت).الذي يؤكّد على البُعد الإنساني في العلاقة المستمرّة بين الزوجين. وعرض المهرجان 128 فيلماً من 45 دولة وتضمن أربع مسابقات هي الفيلم الروائي القصير والفيلم التسجيلي الطويل والقصير وأفلام الرسوم المتحركة وتنافس في المسابقات الأربع 61 فيلماً وإن كان الملاحظ هذا العام انخفاض عدد الأفلام العربية. افتتح المهرجان بفيلم «العالم كما يراه بوش» للفرنسي وليم كاريل المدعوم بأبحاث المساعد إيريك لوران وكان بداية قوية للمهرجان كشف زيف الديمقراطية الأميركية المزعومة. ونزع القناع عن الوجه الخفي لسياسة بوش ورجاله وادعائهم حماية الحريات في العالم. ويشرح المخرج بالتفصيل والوثائق هوية مستشاري الرئيس ومن هم رجاله الذين يديرهم على سجيته مثل الدمى المتحركة. واختيرت أفلام سياسية عدّة تناولت الوضع الآني واستعادت شيئاً من الماضي: ففي الراهن السياسي الذي فرضته أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وممارسات الإدارة السياسية والقيادة العسكرية في الولايات المتحدة الأميركية، عُرض أحد أجزاء «القرن العشرين» بعنوان «الفجر» لغابـريل زامبـريني، الذي أمعن في تشريح الواقع الأميركي وأسلوب الإدارة والقيادة معاً في إحكام قبضتها على العالم، ويوجه ديباك سوامي في فيلمه «باسم الحرية» نقداً لاذعاً للحرب على العراق ليضع بين أيدينا رسالة مليئة بالأمل ضد تداعيات اليأس والإحباط الذي يلف العرب وفي «الوشاح» لصافي تيبو من أسبانيا، المقتبس عن قصة لأندره شديد: امرأة تنتظر عودة ابنها من غيابه الطويل عنها، ليشاركها الاحتفال بعيد الميلاد. ومن سوريا فيلم «أبيض» لأنطوانيت عازرية الذي يقدم عبـر فانتازيا سينمائية مجموعة من الأطفال اختارت طريقة خاصة للتعبير. جوانب من القضية الفلسطينية أما الأفلام التسجيلية الطويلة فتنافس عليها 11 فيلماً منها «الموت في مضيق جبل طارق» للسويسري واكيم ديمر الذي يعرض من وجهة نظر أوروبية التدفق المستمر للمهاجرين غير الشرعين الباحثين عن حياة أفضل في أوروبا.. وقد نال الفيلم الفرنسي (كتاب على الحدود) للمخرجين سمير عبد اللـه وجوزيه رينيه إعجاب الجميع واستغرابهم لخروجه من المهرجان بدون أي جائزة وصوّر الفيلم رحلة مجموعة من الكتّاب العالميين إلى فلسطين من أجل زيارة الشاعر /محمود درويش/ أحد مؤسسي منظمة (البـرلمان العالمي للكتاب) بعد أن منعته الإدارة الإسرائيلية من الخروج للمشاركة في أحد ملتقيات المنظمة في الولايات المتحدة سنة 2002، وقال الكاتب/ كريستيان سالمون/ إن «فكرة الفيلم تولدت بعد منع درويش من الخروج فأردنا أن نقوم بزيارة تضامنية للشاعر» وأضاف: «كما أردنا من خلاله أن نعبـر عن دعمنا لكل المبدعين والكتاب في فلسطين، والوقوف على معاناة الشعب الفلسطيني اليومية في ظل الاحتلال». وينتمي جميع الكتّاب: الفرنسي / كريستيان سالمون/ والأميركي/ راسل باركز/ والنيجري حامل جائزة «نوبل» ويل سوينكا/ والبـرتغالي/ جوزيه ساراماغو/ والصيني/ بي داو/ والجنوب أفريقي/ بـريتن بـرانتباخ/ والاسباني/ خوان غوتيسيلو/ والإيطالي/ فانسين كونسولو/، إلى الاتحاد الدولي للكتاب الذي كان/ محمود درويش/ من أعضائه المؤسسين عام 1993. ويتناوب الكتّاب الثمانية في الفيلم الوثائقي على التعليق، كل بلغته على ما يشاهدونه من مظاهر التنكيل بشعب بأكمله والتي تجلت أكثر في عمليات الوقوف الطويل عند نقاط التفتيش للعبور من منطقة إلى أخرى في الضفة الغربية، كما في / قطاع غزة/ وهو ما دفع المشاركين في هذه الرحلة لتسمية هذا الفيلم الوثائقي بـ «كتاب الحدود» ووقف هؤلاء الكتّاب على عمليات قطع أشجار الزيتون التي تعود إلى الفلسطينيين من أجل ضم الأراضي إلى داخل الجدار العازل. وكذلك عملية هدم البيوت على محتوياتها من أثاث ومؤونة في رفح ومختلف القرى الفلسطينية معلقين في الختام بأن «الاحتلال الإسرائيلي عبارة عن جرافة ومؤسسة هدم، يقابله شعب صامد يملك كل مقومات البقاء». خيط متوتر يرافق الفيلم رغم بساطته المغرقة لنسمع الكاتب الاسباني/ غويتسلو/ يقول بحزم: «لم يفت الوقت بعد للوقوف مع العدالة» كما ظهرت وجوه فلسطينية أدبية في الشريط الوثائقي الذي دام عرضه ما يقارب الساعة والنصف، منها/ محمود درويش/ وقد رافقت مقاطع من قصائده معظم المشاهد إضافةً إلى الشاعر/ أحمد دحبور/ وبعض ناشطي السلام... وسلط فيلم (سريدا امرأة في فلسطين) الضوء على جانب من القضية الفلسطينية وعرض فيلم (خطيئة مريم) لأوضاع المرأة في إيران من خلال قصة مريم التي قتلها والدها وقدم فيلم (الكيلو صفر) مظاهرات الرفض الحاشدة ضد العولمة ومنظمة التجارة العالمية التي تجمع فيها ملايين المناهضين للعولمة من شتى أنحاء العالم في سيول عام 2001، وقدم فيلم (هتلر عرض مدو) بانوراما متكاملة للعصر الذي ارتكب فيه هتلر مجازره. وذلك في فيديو كليب مطول على شكل فيلم زاوج فيه بين الأغنية والمشاهد الفلمية. وفي مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة تنافس 10 أفلام، أما أفلام التحريك فتصل إلى 25 فيلماً وأعطت طابعاً مميزاً للمهرجان لجودتها العالمية. وتم تكريم السينما السورية بمناسبة يبوبيلها الماسي عبـر عرض عدد من الأفلام. وشكلت إدارة المهرجان هذا العام لجنة تحكيم على رأسها المخرج الجزائري أحمد راشدي ويشارك في لجنة التحكيم المخرج السنغالي ماكيناديوب والناقدة السينمائية لاتيكا بادجا وتكار من الهند بالإضافة لرونالدثريش الناقد الألماني رئيس مهرجان «ليبزج» وقد كرمه المهرجان لدوره في دعم السينما التسجيلية العربية والناقد المصري كمال رمزي.

الحرية المصرية في

29.09.2004

 
 

الطغاة يخطفون الأضواء دائما

بوش وبن لادن وهتلر وصدام نجوم الدورة الثانية لمهرجان الإسماعيلية السينمائي

نهلة عيسى

صاخبة هذا العام أحداث الدورة الثامنة لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، وساخنة سخونة ما يجري علي مسرح العالم من ممارسات وتداعيات جعلت الخط الفاصل بين العالم الحي ودول العالم الثالث خطأ وهميا خاصة فيما يتعلق بالأداء السياسي بهذه الدول وهي رؤية سينمائية اشترك فيها مبدعو الأفلام التسجيلية والقصيرة من دول شتي لا رابط بينها في أي شيء سوي رغبة هؤلاء المبدعين في الانتصار لقيم الحرية والديمقراطية.

بدأ المهرجان الذي يكرس تميزه عاما بعد عام في التنظيم والإدارة والاحتفاء بالفن الشهيد «السينما التسجيلية» بعرض فيلم «العالم كما يراه بوش» للمخرج الفرنسي وليم كاريل وهو فيلم له طابع التحقيق التليفزيوني المستمد من كتابين للفرنسي إريك لوران عن حرب بوش وعالم بوش السري والذي تحدثت فيه مجموعة من  الشخصيات الأمريكية ذات الثقل عن أن بوش رئيس غير شرعي يكاد يكون رئيسا بالتعيين لا بالانتخاب كما أن أداءه السياسي ليس اعتباطا بل هو انعكاس طبيعي لخلفياته العائلية التي طالما تحالفت مع الشيطان، وهو هنا وآل بن لادن خدمة لمصالحها وقد ركز الفيلم علي حقيقة أن قرار بوش بالحرب علي العراق لم يكن سوي ستارة للتغطية علي الدوافع الحقيقية التي تتلخص في عبارة واحدة هي المصلحة الشخصية لبوش وأركان حكمه وهي التي دفعت رئيس كتلة الجمهوريين أمام مجلس الشيوخ لأتهام الجميع بالتحالف مع بوش ورجاله لإخفاء الأسباب الحقيقية في الحرب علي العراق.

وقد عكس الفيلم عبر الوثائق التي قدمها حقيقة التحالف الأسود بين السلطة والشركات الاستثمارية خاصة المنتجة منها للسلاح، هذا السلاح الذي جرب واستخدم في حروب بوش سواء في افغانستان  أو العراق تحت مظلة دينية قدم فيها بوش نفسه علي أنه رسول التعاليم الألهية ضد الإرهاب، وهو منطق لا يستخف فقط بعقول الأمريكيين ويضللهم بل يخفي وراءه أهدافا أوسع وأعمق تعني مزيدا من الحروب في مناطق متفرقة من العالم  يري بوش مصلحة له ولرجاله في تأديبها ويبدو كما يري الفيلم أن القادم أسوأ.

فرق الموت

في فيلم «فرق الموت» المدرسة الفرنسية أبحرت بنا المخرجة الفرنسية ماري مويك روبن في دول أمريكا اللاتينية التي استلهمت أساليب التعذيب والقهر التي أسسها الحكم الفرنسي إبان احتلاله للجزائر في قمع خصومها ومعارضيها وتصفيتهم جسديا مما يعني أن هناك مدارس للقهر تتلمذ فيها الطغاة الجدد ويبدو أن المخرجة متخصصة في مجاهل أمريكا اللاتينية إذ سبق لها إخراج عدة أفلام عن كوبا التي تبدو متحمسة لتجربتها الثورية وعن تشي جيفارا الثوري الأشهر في العالم كله يقابله عن الضفة الأخري الديكتاتور الأشهر هتلر الذي كان مع تاريخه السياسي محور فيلم «هتلره عرض» للمخرجين أوليغير أكسير وسوزان بنز حيث استعرض المخرجان تاريخ الرايخ الثالث منذ بداية الثلاثينيات مع تولي هتلر الحكم في ألمانيا وحتي نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك من خلال استعراض مقتطفات من الأفلام السينمائية الألمانية في تلك الحقبة الزاهية للشخصية الألمانية التي كان يطمح لها هتلر التي آلت بها السياسات النازية إلي نهاية مأساوية.

بعض النقاد اعتبروا الفيلم نوعا من الحنين إلي زمن هتلر وعنفوانه وانتقاداته بينما أظن أن الفيلم هو إدانة وثائقية لعصر هتلر الذي امتطي الحكم وألمانيا تستعيد عافيتها في آثار الحرب العالمية الأولي وتنتفض لتصبح قوة علمية واقتصادية كبيرة ليقودها بعد الصحة إلي الهلاك والدمار والتقسيم استجابة لعقله المريض الراغب بالسيطرة علي العالم كله، وهو ذات العالم الذي دفع ثمن هذا الجنون ملايين القتلي وعشرات المشاكل السياسية التي ما نزال نعاني منها حتي الآن ولذلك ففيلم هتلر عرض بدوي صرخة ضد الديكتاتوريات والحروب وهو فيلم ذو مستوي فني مرتفع علي مستوي الصورة والصوت يعيبه فقط الإطالة التي لم يكن هناك داع لها أبدا.

بوش كان بطل مهرجان الإسماعيلية هذا العام بلا منازع وعنه وعن سياساته دارت أفلام عدة منها الفيلم الأمريكي «القرن الـ21 الفجر» للمخرج جابريل زامبريني الذي تناول ما جري في انتخابات عام 2000 في الولايات المتحدة والتي دفعت ببوش ليصبح رئيسا بحكم محكمة للمرة الأولي في تاريخ البلاد، ثم تأتي أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتطلق يده في تنفيذ سياسات اليمين المحافظ الذي يمثله والتي كانت أحداث سبتمبر بمثابة هدية له لتحقيق حلمه في بناء الامبراطورية الأمريكية وأعادة صياغة العالم وفق مصالح هذه الإمبراطورية وتحالفاتها وهو نفس المعني الذي حمله الفيلم الأمريكي الآخر «باسم الحرية» للمخرج ديباك سوامي الذي وجه نقدا حادا للحرب علي العراق باعتبارها حربا غير شرعية لا مصلحة للشعب الأمريكي فيها حيث وحده يدفع ثمنها في دماء ابنائه بينما رجال السلطة يقبضون الثمن.

وهو الثمن ذاته الذي دفعه الكوري الجنوبي كايونجي لي في المكسيك عندما هتف ضد منظمة التجارة العالمية متهما إياها بقتل الفلاحين، فقتلته هروات الشرطة التي تحمي أصحاب المال المجتمعين في المكسيك عام 2003 لإعادة توزيع الثروة فيما بينهم علي حساب قوت ملايين البشر كافة أنحاء الأرض وهي القضية التي تناولها الفيلم الكوري «الكيلو صفر» للمخرج هونكايولي والذي استحق عنه جائزة لجنة التحكيم الدولية للفيلم التسجيلي القصير وهي جائزة أظن أنها كانت يجب أن تمنح لفيلم بديع علي المستوي الإنساني والسينمائي هو «لاعب البرميل» للفلندي ارتو هالونين ويحكي قصة يسوع الكوبي الذي حول برميل إلي مصدر عيش عبر تقديمه فقرات اكروباتية في شوارع هافانا لينتزع تصفيق الناس ونقود قليلة تحية لفنه غير النمطي ولروحه الإنسانية التي تحتفي بالبسطاء من الناس وتجزع لألمهم رغم كل ما تعانيه هي من فقر وعوز مادي يعوضه غني روحي لا مثيل له.

وهو ذات الغني الذي ميز فيلم محمود سليمان «يعيشون بيننا» والحائز علي جائزة أحسن فيلم تسجيلي قصير في لجنة التحكيم الدولية وشهادة تقدير في لجنة تحكيم جماعة التسجيليين، فنادية أم الأولاد الثلاث والمتعلمة حتي نهاية المرحلة الثانوية دون الحصول علي شهادتها لم تجد بعد انفصالها عن زوجها مهنة للعيش سوي سن السكاكين والمقصات، ولذلك فهي تحمل منها علي كتفها وفي يدها طفلها الصغير لتجوب شوارع القاهرة بحثا عن لقمة العيش وحفاظا علي وحدة عائلتها من التشرذم والتفرق وهي التي تملك حلولا الأخري للنجاة الفردية بمعزل عن الأبناء وعن البيت الخانق البائس وعن الاخصائية الاجتماعية التي تعنف الأم لتراجع مستوي تحصيل الأبناء دون النظر إلي ظروفهم لتحسينها.

وأجمل ما في الفيلم أنه لم يجعلنا نشفق علي نادية ولم يسع لانتزاع دموعنا بل اعجابنا بهذه السيدة وبقدرتها علي الصمود والاستمرار رغم كل المصاعب والحقيقة أن محمود صاغ فيلمه بشفافية شديدة وبفهم عميق للشخصية التي أمامه فلم يحملها فكره ولذلك صدقناها واحترمناها وإن كان يعيب الفيلم موسيقاه الأوركسترالية التي لا تتناسب وأجواء الفيلم البسيطة والشديدة الفقر إلا أنه عيب في أحمر الخدين لمخرج شاب يتلمس خطواته الأولي بثقة مبهرة.

وجده مهرجان الإسماعيلية يمنحنا هذه المشاعر ولذلك فهو يستحق وقوفنا جميعا خلف نجاحه الذي يتأكد عاما بعد عام ويحق لمؤسسه الفنان فاروق حسني ولرئيسه علي أبو شادي وكافة طاقم تنظيمه الإحساس بالفخر الشديد أنهم يصنعون مهرجانا ناجحا بميزانية مضحكة، وأرجوا أن لا يكون هذا النجاح مرتبطا بشخوصهم وأن يتحول إلي عمل مؤسساتي قادر علي الاستمرار عشرات السنين.

في  28 سبتمبر

جريدة القاهرة في

28.09.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)