كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

ملفات خاصة

 
 
 

المظهر البراق للسينما الإيرانية

بقلم: أمير فرزنفار

ترجمة: علي مصباح

ملف السينما الإيرانية

   
 
 
 
 

هل تتصف السينما الإيرانية بالخصوصية والأصالة؟ يمكننا على الأقل أن نقول أن كيفية تلقي هذه السينما في الغرب تختلف اختلافا واضحا عن كيفية تلقيها في إيران. الناقد أمين فارزانفار يلقي الضوء على الأصداء المتباينة للسينما الإيرانية.

يعد بهرام بيضايي من المخرجين السينمائيين الأكثر شهرة في إيران اليوم، وقد حقق قبل ثلاث سنوات بشريطه الأخير "Killing Mad Dogs" (قتل الكلاب المسعورة) نجاحا فائقا، حيث كان من أكثر الأفلام تحقيقا للإيرادات في العقود الماضية، إلا أن هذا الفيلم، قد ظل غير معروف تقريبا في البلدان الغربية، تماما مثل "Pastry Girl" (عاملة المخبز) و"The Wind Carpet" (بساط الريح) و"Fire und Water" (نار وماء) والتي كانت أفلاما ناجحة.

المظهر البرّاق للفيلم الإيراني

إلى جانب صعوبة ترجمة محتوى الأفلام هناك سؤال آخر يطرح نفسه وهو هل تشكيلة الأفلام التي تعرض علينا هنا في أوروبا وفي الغرب تمثل فعلا السينما الإيرانية؟ لقد انبرى عدد من السينمائيين يرددون الاحتجاج بأن هذه المادة السينمائية المصدرة ليس لها دور سوى إرساء صورة غرائبية خاطئة عن إيران.

"أطفال السماء" و"الصمت" و"زمن الجياد السكرى" وغيرها من الأفلام غالبا ما تروي قصصا أسطورية عن مظاهر التضامن والصداقة. وهي تتخذ في أغلب الأحيان أحياء الضواحي الفقيرة أو مناطق قروية ذات ألوان بديعة كمسرح لأحداثها. أما شخصياتها فغالبا ما تكون من الأطفال.

هذا الرأي الذي يعيب على السينما الإيرانية طابعها المغترب عن الواقع، قد يكون فيه جانب من الصواب بحكم الواقع الحياتي الإيراني المحيّرفي تلوناته المترددة بين تقاليد القرون الوسطى والحداثة العمرانية، لكنه ليس صائبا كلية. إذ أن الكثير من تلك الأفلام الغنية بالصور الاستعارية والمحسنات البديعية، إنما تحيل إلى خصوصيات ذات طابع "إيراني مميز".

إنها تنبع كلها من خصوصية شعرية أصيلة، فالشعر الإيراني الكلاسيكي هو الذي يمدها بهذه الصور البسيطة الواضحة والمركبة مع ذلك، والتي يصوغ المخرجون من خلالها آراءهم النقدية – المشاغبة في بعض الأحيان– ويستعرضونها بأسلوب رمزي.

لكن هذا المنحى الجمالي يمكن أن يكون قد تحول إلى موضة: وهكذا غدت بعض الأعمال تنجز ضمن التطلع إلى إمكانية رواج في الخارج. ويمكن للمرء أن يشتمّ من وراء الحالات الشهيرة للوقوع تحت طائلة الرقابة نوعا من "زوابع" مستثارة عن قصد، إذ أن ذلك يمنح فرصة للنجاح في الغرب.

الرؤية الإيرانية للأشياء

إن البحث عن سينما إيرانية "أصيلة" تبدو مهمة صعبة. ربما يستطيع الجمهور أن يساعد أكثر في تقصي هذا الأمر: يصرح مرتادو السينما بطهران بأن قاعات العروض لم تعرض خلال السنوات الثمانية الأخيرة ولا فيلما عربيا واحدا. وكذلك هو الشأن بالنسبة للسينما الهندية التي تكاد تكون غائبة عن الساحة هي الأخرى.

ومن الواضح أن الغرب يبدو أكثر قربا للبلاد من الجيران: صحيح أنه لا يُكتب إلا لستة أو ثمانية أفلام هوليوودية الدخول إلى دور العرض السينمائية، وذلك بعد أن تجرى عليها عمليات التشذيب اللازمة، لكن إذا ما صرفنا النظر عن عامل الاعتزاز بالتقليد السينمائي الوطني الذي يمتدّ على ما يزيد عن المائة سنة، فإن جمهور السينما وبخاصة الشباب منه يبدي تعطشا كبيرا للصور التي تنتج في الغرب.

وكل إنتاج جديد من هوليوود تجده متوفرا لدى الجمهور في شكل أقراص CD و DVD وأشرطة الفيديو. أما على شاشات قاعات العروض بالمدن فتسيطر الأعمال المحلية من أفلام الإثارة وميلودراما عاطفية وأفلام الكوميديا العائلية، وهي في الغالب تنويع ملفّق عن أعمال هوليوودية قديمة شهيرة.

ومع ذلك لا يمكن التغافل عن أن بعضا من الأفلام الإيرانية التي لقيت نجاحا في الغرب تحظى في إيران أيضا بإعجاب كبير مثل ’’Taraneh,Age 15’’ (تارانيه، العمر 15 سنة) لرسول صدر آملي و’’Under the Skin of the City’’ (تحت جلد المدينة) و ’’The blue scarf’’ (الشال الأزرق) لراخشان بني- اعتماد، أو ’’The Womens prison’’ (سجن النساء) لمنيّه حكمت. وهؤلاء كلهم مخرجون استطاعوا أن يلاقوا نجاحات متكررة في الغرب.

مخرجون مشاهير في صورة فرسان أكاذيب وأنانيين

بالمقابل هناك آخرون من "مخرجي المهرجانات" الذين لا يحظون بنفس التقدير. ويصنف الناقد السينمائي مهدي عبد الله زاده بعض المخرجين المتوّجين بالجوائز مثل جليلي صاحب فيلم "Delbaran"، ومخملباف صاحب "رحلة إلى قندهار" أو مجيدي مخرج "باران" بوصفهم مسرحا للأكاذيب.

وقد خسر مخملباف، مثلا، الصورة البطولية التي كان قد اكتسبها في الماضي كمنتقد للنظام ومخرج لأفلام اجتماعية هادفة. وقد غدا البعض يرون فيه رجلا أنانيا أصبح هاجسه الأول في الآونة الأخيرة استجداء الشهرة في الغرب أكثر من التوجه إلى جمهور بلاده.

وحتى مجيدي الحائز على الأوسكار فإنه لا يتجاوز في نظر العديد كونه ناسخا موهوبا ليس أكثر. وفي مقابل هذه الظاهرة الفنية التجارية يستعرض عبد الله زاده أسماء مجموعة من المخرجين البارزين الآخرين من أمثال بهمان قبادي ("ضائع في العراق") أو عباس كياروستامي ("Ten")، وهؤلاء أيضا –رغم ذلك- مخرجون حائزون على النجاح والجوائز في أوروبا. في بلاد المفارقات والغموض التي تعيش علاوة على ذلك تقلبات اجتماعية حادة تغدو مسألة طرح الاختيار بين: "الفن أم التجارة " و "الأصالة أم التزوير" مسألة ذوق بالنهاية.

يظل مستقبل السينما الإيرانية على العموم أمرا غير معلوم، والأمر الثابت الوحيد هو أن التحول الذي عرفته السياسة الثقافية تحت حكم الرئيس خاتمي ييسر التخلص من مركزية قطاع الانتاج السينمائي وإرساء إنتاج سينمائي مستقل. وهذا الأمر يقود من حين لآخر إلى تقلص الرقابة وإلى التمكن من تناول قضايا اجتماعية شائكة، وهو تطوّر فرض نفسه وسيحدث تغييرات هامة على محتوى وجماليات السينما الإيرانية بصورة أكثر جلاء ووضوحا عما كان عليه الوضع في السابق.

أمين فرزانفار ناقد سينمائي إيراني الأصل مقيم في كولونيا/ألمانيا

ينشر بالإتفاق مع قنطرة

http://www.qantara.del

الأيام البحرينية في

09.03.2004

 
 

السينما الإيرانية.. خرافة كونها "الإسلامية"؟!

د.أسامة القفاش

حينما فازت المخرجة الإيرانية الشابة »سميرة مخلمباف« بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في أعرق وأهم مهرجانات السينما في العالم، مهرجان »كان« الفرنسي، ولم تكن هذه المرة الأولى التي تفوز فيها سميرة في كان، ولم تكن تلك المرة الأولى أيضا في تاريخ السينما الإيرانية فقد تكرر فوز هذه السينما بـسسعفات ذهبية« )جائزة مهرجان كان( وسدببة من أصناف مختلفة« )جائزة مهرجان برلين( و(أسود متنوعة.. جائزة مهرجان فينيسيا( ناهيك عن الفوز في القاهرة وموسكو وغيرها من المهرجانات السينمائية، هذا المشهد الذي تكرر كثيرا منذ بداية التسعينيات في القرن الماضي استدعى مشاهد أخرى، وأثار تساؤلات كثيرة كلها تؤكد أن ثمة أغاليط بل وخرافات حول السينما الإيرانية تحتاج للتفنيد أو المناقشة على الأقل.

بين الإسلامية والعالمية!

أول مشهد أتى إلى ذهني كان منذ بضع سنين في مهرجان القاهرة الدولي لسينما الطفل، وكنا مجموعة من الأصدقاء نحضر ندوة إعلان نتائج المهرجان ولم يفز الفيلم الإيراني المشارك بالجائزة، وهنا قفز أحد الأشخاص صارخا: »هذا تحيز ضد السينما الإيرانية لأنها إسلامية!».

المشهد الثاني علق أحد القراء على مقال »الفرجة بين الرقابة والتقويم«، فأشار إلى السينما الإيرانية الإسلامية وقدمها بوصفها مثالا يحتذى.

تكرار استخدام صفة إسلامية هو ما أثار دهشتي: لماذا يعتبر المثقفون السينما الإيرانية إسلامية؟ ولماذا يجب النظر إليها باعتبارها النموذج الذي ينبغي اتباعه؟

محاولة الإجابة على هذا السؤال تؤدي بالضرورة لسؤال آخر حول خصائص السينما الإيرانية التي تجعلنا نراها إسلامية، ثم إلى أسئلة أخرى حول العلاقة بين السينما والدولة الإسلامية في إيران، وموقف السينما الإيرانية من السياسة٫ لماذا تفوز السينما الإيرانية في المهرجانات الدولية؟ وهل لهذا علاقة بالسياسة العالمية؟ والإجابة على كل هذه الأسئلة ستقود -بالضرورة- إلى رؤية مختلفة عن الرؤية السائدة لهذه السينما.

التزام أم خضوع للرقابة؟

يقول البعض ان »السينما الإيرانية وصلت للعالمية من دون أن تكشف المرأة حتى غطاء رأسها«٫ هذا القول يبدو صحيحا، لكنه يتجاهل أن الشادور الذي تستخدمه كل الممثلات الإيرانيات ليس من خصائص السينما الإيرانية، بل هو -ببساطة- فرض رقابي يمثل بعضا من المحاذير التي تفرضها الرقابة الإيرانية التي هي جزء من وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ومنها عدم ظهور المرأة دون تغطية شعر رأسها حتى لو كانت نائمة، وعدم تواجد رجل وامرأة في لقطة حميمة، وعدم تلامسهما طالما لم يكونا متزوجين في الواقع.

وكل ذلك ممنوعات رقابية يخضع لها السينمائيون الإيرانيون جميعا وبمختلف اتجاهاتهم وكلهم يرفضونها بالمناسبة.

وفي مقابلة مع المخرج أحمد رضا درويش وهو من المنتمين للتيار الإسلامي الإصلاحي، أي أنه لا يمثل المدرسة العلمانية مثل: داريوش مهرجوي أو بهرام بيضائي، قال: طلب مني مدير الرقابة حذف لقطة من فيلم أرض الشمس، حيث ترضع المرأة طفلها، وكانت من أهم لقطات الفيلم، فقلت له: هل رأيت أي خلاعة؟ قال: لا، ولكن وضعها الطفل في صدرها أمر مثير! فقلت له إذن إظهار امرأة حامل هو أمر مثير أيضا!

أحمد رضا درويش وهو إسلامي، وليس علمانيا يعتبر الرقباء مجموعة من المنتفعين وعديمي الموهبة، وهذا رأيه، وكذلك رأى محسن مخلمباف والد سميرة وصاحب مؤسسة مخلمباف للسينما وهو من السينمائيين الإسلاميين الكبار.

أما ابنته المخرجة الشابة سميرة فتعبر عن رفضها للحجاب الذي تفرضه عليها الرقابة بشكل عملي حين تتخلى عن الشادور خارج إيران، مثلما الحال في حفل تسليم جائزة مهرجان كان الأخير!

كيف يتحايلون على الرقابة؟

إذن نستطيع أن نقول: إن معظم السينمائيين الإيرانيين يرفضون تماما القواعد الرقابية٫ تلك التي ربما يعجب بها المثقفون الإسلاميون، ويرون فيها دليلا على إسلامية السينما الإيرانية ويعتقدون أنها التزام٫ فالسينمائيون الإيرانيون لا يلتزمون بها وكثيرا ما يتحايلون عليها؛ أحيانًا بصنع الأفلام خارج البلاد )تركيا مثلا، كما في حالة محسن مخلمباف(، أو بالاتجاه لصنع أفلام الأطفال كما في حالة جعفر بناهي )البالون الأبيض(، أو كياروستامي )أين صديقي؟(.. التي كثيرا ما تكون الحل السحري للالتفاف على الرقابة، حيث تتحول الواقعية المفرطة عند كياروستامي وتلميذه ومساعده بناهي إلى رمزية عميقة، وتصبح الصور واللقطات جملا محملة بالمعاني والأفكار التي ترفضها الرقابة، هذا الأسلوب الرمزي الواقعي يعود إلى ما يسمى بالموجة الجديدة في السينما الإيرانية التي بدأت مع فيلم »قيصر« إخراج مسعود كيميائي، وسالبقرة« إخراج داريوش مهرجواي في نهاية الستينيات والمخرجان كيميائي وبيضائي من أهم رموز السينما الإيرانية حاليًا أيضًا، وكلاهما من التيار العلماني.

في »البقرة« وبإمكانيات قليلة جدا يحكي مهرجوي قصة جنون فلاح فقير نتيجة موت بقرته أو مورد رزقه الوحيد، ويستخدم أسلوب السرد المباشر واللقطات الكبيرة للتعبير عن مأساة هذا الفلاح البسيط الذي يتحول إلى رمز عام للشعب الإيراني الفقير المقهور تحت حكم الشاه.

خصوصية إيران

هذه الرمزية لها جذورها في التراث الفارسي للحكي سواء في قصص الحيوانات (وكلنا يتذكر عبد الله بن المقفع مترجم كليلة ودمنة) أو في شاه نامة الفردوسي، أيضًا تستمد الرمزية دعماً من فكرة »التقية« عند الشيعة والتي كان المأثور الشعبي الفارسي الديني يستدعيها في روايات »التعزية« أو قصص مصارع شهداء آل البيت وكان يؤديها رجال حتى في الأدوار النسائية.

السينمائي الإيراني يلجأ إلى الرمز البصري مثل البالون الأبيض المنطلق للتعبير عن الرغبة في الحرية كما في )البالون الأبيض( لجعفر بناهي، أو الرمز الدرامي مثل فيلم كياروستامي الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان )طعم الكرز( الذي يتحدث عن مثقف يريد الانتحار ويثنيه عن رغبته تلك سائق بسيط يعرف المثقف من خلال حواراتهما البسيطة أن الحياة جميلة وتستحق أن تعاش، الفيلم إدانة لمجتمع - هو يعني هنا المجتمع الإيراني! - يدفع الفرد إلى الجنون والرغبة في الانتحار ولكنه أيضًا تمجيد للحياة وانتصار للإنسان.

وربما لا ندرك نحن غير الإيرانيين هذه الإسقاطات والرموز لكونها خارجة عن نطاق معرفتنا وثقافتنا أو لكوننا -أحيانا- لا نريد أن نرى السينما الإيرانية إلا في إطار رومانسي أيديولوجي لا يرى فيها إلا نموذج لما يظنه سينما إسلامية تنجح وتصل للعالمية! لكن هذه الرموز بمثابة ألف باء عند الجمهور الإيراني.

مثال آخر على هذا، فيلم »ذات الحجاب الأزرق« للمخرجة راخشان بني اعتماد، فالفيلم ينتهج أسلوب الواقعية الشديدة ويقدم علاقة رجل أعمال غني، بفتاة عاملة متمردة، بعد موت زوجته وعلاقة بناته به بعد زواجه من الفتاة، وكان الرمز الأساسي في الفيلم هو »الحجاب الأزرقس أو بالأحرى اللون الأزرق الذي هو في الثقافة الإيرانية لون العثمانيين السنة وهم الأعداء التقليديين للشيعة بلونهم الأسود المعروف! والتمرد عند الفتاة يتحول إلى تمرد عام ورفض سياسي من خلال هذه الجزئية الصغيرة.

هذه الجزئيات والرموز والتحايل لا تمر على الرقيب الإيراني أو المسئولين، لذلك أحيانا ترفض الأفلام وأحيانا أخرى يتم تهميشها وتوضع في دور عرض صغيرة وهكذا٫ ولكن حاليا هناك انفتاح كبير خاصة بعد انتخاب الرئيس خاتمي والذي أيده كل السينمائيين، وتعرف هذه السينما باسم سينما الثاني من خرداد )مايو( أي سينما ما بعد انتخاب »خاتمي».

السينما الإيرانية بلا أدني شك سينما قومية مهمة وهناك العديد من المخرجين الكبار المتميزين في إيران٫ لكن دعونا لا نفرط في الكلام عن «الإسلامية» أو «العالمية».

الأيام البحرينية في

09.03.2004

 
 

إنعكاس واقع المجتمع في السينما

بقلم: بيرغت غلومبيتسا

ترجمة: علي مصباح

تلاقي السينما الإيرانية نجاحا في الغرب بأفلام تطغى عليها صور الفقر في الأرياف. لكن أين هي الأفلام التي تعكس واقع الحياة داخل المدن في هذه البلاد التي تعاني التمزقات؟ حول صورة المجتمع الإيراني في السينما الإيرانية تقرير بيرغيت غلومبيتسا.

قرية مسحورة. أطفال بوجوه شيوخ محمّلون مثل البغال. نساء محجبات يتسللن مذعورات عبر الطريق. وفي أسفل السلم البشري عمال أفغان من النازحين بطريقة غير شرعية أو لاجئون فارون من الحرب ملفوفون في أطمار بالية.

في العديد من الأفلام الإيرانية التي نجحت بعد خضوعها لتشذيب الرقابة في عبور الحدود لتصل إلى قاعات السينما لدينا، تظهر إيران كدولة لاهوتية قاتمة الوجه، وفي هيأة إقليم مهمل قد طردت منه الحكومة الدينية التي تحرّم التصوير كل أثر للون وكل صلة بالحضارة الحديثة.

وإن كل من يرتاد السينما في ألمانيا سيسلم بسهولة بالاعتقاد بأنه "لا يوجد في كامل البلاد الإيرانية لا كهرباء ولا خطوط هاتف"، يقول المخرج والمنتج السينمائي محمد فروغ منش. هذه الصورة السينمائية لا تعكس الواقع إلاّ بصفة محدودة.

جيل جديد من المخرجين

ولد فروغ منش سنة 1971 بشيراز. ومنذ السادسة عشر من عمره بدأ يتعلم تصوير الأفلام الوثائقية في معهد الشباب للسينما بإيران. وبعد قضاء الخدمة العسكرية في إيران انتقل إلى هامبورغ للدراسة بالمعهد العالي للفنون HfbK على يد هيلكا ساندر، ثم أسس سنة 1999 (مع Frank Geiger وArmin Hoffmann) شركة إنتاج سينمائي خاصة "brave new work".

يؤكد فروغ منش: "هناك العديد من المخرجين والمخرجات الموهوبين في إيران ومن المصورين السينمائيين أيضا. لكنه ليس من السهل تقديمهم هنا. فالجميع لا يريدون سوى كياروستامي أو مخملباف كما لو أن أعمالهما تكفي لوحدها لتمثيل السينما الإيرانية برمتها".

نادرا ما يرى المشاهدون في هذه السينما حياة مدن ومظاهر التأثير الغربي القوي على المعمار والمحلات التجارية والموسيقى والإشهار والبضاعة، أو نساء بجداول مواعيد مكتظة وأغطية رأس للزينة أكثر منها للتحجّب. نساء يضعن اللمسات الأخيرة لأحمر الشفاه على المرآة العاكسة لسياراتهنّ كما رأينا ذلك مؤخرا في شريط "Ten" لكياروستامي أو في أفلام المخرج رخشان بني اعتماد الذي ما يزال غير معروف لدينا هنا في ألمانيا.

عوضا عن هذا كله لا نشاهد غير هيآت متكوّرة تكدّ في الأرياف من أجل لقمة العيش: " أماكن منعزلة تعمّرها شخصيات تعيش في فقر مدقع وكما لوأنها تحيا خارج إطار الزمن. لعلّ ذلك يمثل اختيارا قصصيّا يعود "الفضل" فيه إلى عمل الرقابة. لكن لا بدّ أن لا نغفل أيضا أن هذا قد أصبح مع الزمن موضوعا سهل الترويج في الخارج، يعني أنها أفلام تنتج للخارج أكثر مما تشغلها سوق السينما الإيرانية "، حسبما يقول فروق مناش.

الأطفال كأبطال للسينما الإيرانية

كما أن الإقبال كبير جدا على الأفلام التي تكون شخصياتها من الأطفال. فالأطفال يعتبرون دوما كمحمل لرمزية دقيقة ومشاغبة، علاوة على كونهم في مأمن من شبهات التحيز الإيديولوجي، وبإمكانهم إذن إثارة أسئلة والتعبير عن إحباطات تؤدي بكل من يثيرها من الكهول إلى السجن. في هولندا وفرنسا وألمانيا وبصفة أخصّ في اليابان تلقى أفلام الأطفال الإيرانية رواجا هائلا.

ويقول فروغ منش مقيّما: "إذا ما استثنينا شريطي "Lola rennt " (لولا تركض) و "Good bye Lenin!"، فإن الفيلم الإيراني أكثر رواجا في الخارج من الفيلم الألماني." منذ النجاح الذي حققه كلّ من عباس كياروستامي ومحسن مخملباف أصبحت الأفلام الإيرانية من ضمن العناوين الأساسية في برامج قاعات العروض والمهرجانات السينمائية العالمية.

وبحصول شريط "الخامسة مساء" للمخرجة سميرة مخملباف (23سنة) على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان، وتقديم شريط "Joy of Madness" (بهجة الجنون) الذي لعبت دوره الرئيسي أختها هناء البالغة 14 سنة من العمر مؤخرا في فينيسيا، غدا الجيل السينمائي الإيراني الجديد صاحب موقع ثابت على المستوى العالمي – حتّى وإن كان هؤلاء يظهرون ضمن تركيبات عائلية تذكّر بعائلة كوبولا.

ويعتبر فروغ منش أن الاهتمام العالمي بالسينما الإيرانية قد أيقظ في الآونة الأخيرة "موجة من الحنين إلى القيم المحافظة لدى بعض المخرجين. وأن البعض يراهن أيضا بكل تأكيد على اللعب على الممنوع كضمان للنجاح في الخارج."

أما أوندينه زماني التي نظمت بالاشتراك مع المخرجة بيترا ك. فاغنر سلسلة طويلة من العروض السينمائية الإيرانية بدار ثقافات العالم ببرلين، فإنها وإن كانت لا تذهب في حكمها على السينما الإيرانية إلى هذا الحد الذي يمضي إليه فروق مناش، إلا أنها تلاحظ أيضا وجود "الموضوة نحو إنتاج أفلام تسود فيها صور الفقر الريفي والعزلة."

مواضيع محرمة في قاعات العرض بطهران

وفي الحقيقة فإن الأفلام ذات الطابع الحضري الحديث لا ترقد في خزانة أثاث قيادة الثورة، بل تُعرض في قاعات العاصمة. وقد اندهشت أوندينه زماني خلال زيارتها لقاعات السينما في طهران مؤخرا "للعدد الكبير من الأفلام التي تتناول موضوعات المخدرات والبغاء والإضطهاد الرجالي ومواضيع أخرى من فصيلة الممنوعات." لكن، ولمدة طويلة من الزمن لم يفلح سوى جزء ضئيل فقط من بين هذه الأفلام في دخول المهرجانات العالمية مثل "فتاة الحذاء الرياضي".

يروي هذا الفيلم قصة ابنة من عائلة تنتمي إلى الفئات الوسطى تثور على عائلتها بسبب علاقة حب ثم تفر. وقد أثار هذا الشريط ضجة آنذاك مما جعل الحكومة تشرع في تأسيس مراكز لإيواء الفتيات الفارات وتولي اهتماما، ظاهريا على الأقل، بمسائل الممنوعات ذات الطابع القاسي واللاإنساني.

الواقع يتحايل على الصرامة الدينية

لقد استطاع واقع الحياة أن يرسم طرقه الملتوية التي تراوغ العقيدة الجامدة للملالي. والسوق تعج بنسخ القرصنة السينمائية. وكل الأفلام الأميركية ذات النجاح الباهر تجدها بعد أيام قليلة من عرضها الافتتاحي في أميركا توزع في السوق السوداء بإيران على أقراص الـDVD وبترجمات معنونة بطريقة ممتازة.

وليس نادرا أن يرى المرء غطاء "التشادور" لا على رؤوس النساء بل فوق صحون الالتقاط التلفزيزني الممنوعة التي تزود البيوت بقنوات RTL وMTV وبالبرامج الترفيهية الأميركية. لقد انتهت كل جهود الحكومة في استعمال آليات التشويش لخنق الهجمة الإعلامية الخارجية على البلاد إلى نتائج ضعيفة للغاية ونتيجة أضعف من ذلك في كسب المتعاطفين معها.

وعلى أية حال فإنّ ثلثي سكان إيران من مواليد ما بعد 1979: عام الثورة الإسلامية. وهؤلاء لم يعرفوا سوى الحياة تحت حكم جمهورية إسلامية، وقد ملّوا وضع وصاية الملتحين على حياتهم. إنهم يريدون محلات تجارية تعرض ملابس من الموضة، ولم يعد يرضيهم أن يظلوا يخفون اسطوانات موسيقى "الهيب هوب" التي يحبذونها كمن يخفي حقيبة مخدرات.

أما الحجاب فقد تحول إلى منديل صغير يترك مواقع وفيرة من الشعر تلوح من مقدمة الرأس ومن الخلف. أما الطبقات الاجتماعية العليا فقد استطاعت منذ زمن أن تجد طرقها الخاصة لمراوغة الترتيبات الأخلاقية واللباسيّة الصارمة وأن تمارس متعها بعيدا عنها في مواقع التزحلق على الثلوج أو في أوساط الحفلات الخاصة.

لقد غدت السلطة في إيران في حالة من التمزق تحاكي صورة الفساتين الصيفية الملونة التي كانت تم تمزيقها إربا في واجهات المحلات عندما عمدت الميليشيات المتطرفة لقيادة الثورة قبل بضعة أشهر إلى تدمير تلك الملابس في محلات الشارع التجاري الكبير بطهران.

الرقابة العشوائية

وفي وضع مشابه لهذه الحالة الشيزوفرينية (الفِصامية) يتصرف أيضًا المسؤولون عن قطاع السينما، فإلى جانب مؤسسة الفارابي للسينما التي تمثل الإدارة العليا لقطاع الانتاج السينمائي بوزارة الثقافة، فإن مجلس الشورى ذي الطابع الإيديولوجي الديني هو المسؤول بدرجة أولى عن مصير وعمل ما يقارب الـ300 مخرج سينمائي بإيران.

"وهذه المؤسسة هي التي تقف وراء أكبر مركب سينمائي في تاريخ السينما الإيرانية؛ "سينما الحرب الإيرانية العراقية" التي كانت تعرض صورة الجنود المتحمسين الذين يحظون بنعيم إتيان العمل الاستشهادي العظيم". يوضح فروق مناش مضيفا: "حتى السينمائي الشهير محسن مخملباف هو أيضا قادم أيضا من ذلك التقليد من الناحية الإيديولوجية. وبذلك تسنى له أن يغدو معروفا في إيران قبل أن يتجه إلى منحى السينما النقدية ذات البعد التفكيري."

وإلى حدود ما قبل أربع سنوات كان على أصحاب الأعمال السينمائية تقديم سيناريوهات أفلامهم، ثم من بعدها الفيلم الجاهز ليجرى عليها فحص الرقابة". وفي عهد وزير الثقافة الليبرالي مهاجراني الذي شغل منصب الوزارة من سنة 1997 إلى سنة 1999 أصبح بالإمكان التصوير دون تقديم سابق للسيناريو"، يذكّر فروغ منش، "أما اليوم وتحت إدارة أحمد مسجد جامعي فقد أصبح الأمر أكثر صعوبة."

بعض الأفلام يتم إيقاف تصويرها منذ البداية، بينما تتطرق بعض الأفلام الأخرى إلى موضوعات شائكة للغاية لكنها تجد نفسها تعرض في القاعات دون تشذيب تقريبا. وليس من النادر أيضا أن يسمح بتصوير أفلام، لكن لا يسمح لها بالعرض إلا في الخارج، أو لا يسمح لها بأن تعرض في أي مكان أيضا.

إن التعسف الاعتباطي يبدو هو القاعدة الثابتة الوحيدة التي تعتمدها سلطة الرقابة. هكذا فإن شريط "الحلقة"( إنتاج 2000) الحائز على العديد من الجوائز والذي أبرز جعفر بناهي من خلاله ظاهرة البغاء في بلاد الحجاب، يظل واقعا إلى حد الآن تحت طائلة المنع من العرض. كما أن تهمينه ميلاني وهي واحدة من مجمل 12 مخرجة سينمائية إيرانية قد تعرضت للإيقاف على إثر عرض فيلم "امرأتان" الذي كشفت فيه عن استراتيجيات الاضطهاد التي يمارسها رجال منافقون.

السينما الإيرانية والمستقبل

السينما وإيران، علاقة حب مفعم بالأحقاد لها تاريخ طويل. في بداية الخمسينات دعا الشاه بعثة من الأساتذة الأميركيين من ساراقوسا لتلقين الإيرانيين القواعد الأساسية للتقنية السينمائية وكتابة السيناريو والإخراج. و قد مثل ذلك وضع أساس ترك آثارا عميقة في ما بعد.

وعندما أغلقت قاعات السينما بعد 1979، وحرق البعض الآخر بينما حُولت قاعات أخرى إلى أماكن دينية، ظلّت الكواليس ترن برجع صدى صيحات: "Action!" و "Cut!" القادمة من بلاد العدوّ اللدود.

تلك مفارقة هامشية تقريبا بالنظر إلى "التناقضات العجيبة التي تسود قطاع الاقتصاد السينمائي الإيراني الذي ما زال إلى اليوم يواصل منع الأفلام وفي الوقت نفسه يجني الأرباح من نجاحاتها في المهرجانات العالمية." حسب تقييم فروغ منش.

إن السينما الإيرانية لا تخضع على ما يبدو للرقابة الدينية فحسب بل وأيضا إلى قوانين العرض والطلب الدنيوية البحتة. أما عن مصير براعة هؤلاء المخرجين المشهورين وإذا ما كانت ستنتهي إلى مجرد تقليدها من الجيل اللاحق، أو أنه سيبرز جيل جديد من مخرجين غير معروفين يغزون القاعات الأوروبية بمواضيع جديدة، فذلك ما سيكون في المستقبل رهين شجاعة المنتجين المشاركين من الأجانب والفضول الفني لمنظمي للمهرجانات.  

* بيرغت غلومبيتسا ناقدة سينمائية ألمانية

ينشر بالإتفاق مع قنطرة

http://www.qantara.del

الأيام البحرينية في

09.03.2004

 
 

إيران.. من الكافيار إلى السينما

خافير مارتن / نادر تكميل هامايون *

في الماضي كانت ايران تعني النفط والكافيار والسجاد والسافاك )شرطة الشاه السرية( اما اليوم فباتت السينما »انتاج« تفخر ايران بتصديره اكثر من اي شيء آخر٫ ففي اقل من عشرين عاما فرضت نفسها في المهرجانات الدولية كافة٫ سينما فريدة تملك مفاتيحها ومراجعها وجماليتها ومؤلفيها وتحولت الى حيز اساسي للتعبير في المجتمع المدني٫ على الارجح، ان ما تلقاه من تقدير غربي يعود الى الصورة شبه الوثائقية التي تقدمها عن بلد ليس معروفا بشكل جيد٫ والمفارقة ان السينما الايرانية عاشت فترة ازدهارها الحقيقية بعد الثورة الاسلامية في شباط/فبراير ٩٧٩١.

منذ نشأتها تقيم السينما الايرانية علاقات غريبة مع السلطة٫ وكان بدأ كل شيء في العام ٠٠٩١ خلال رحلة في اوروبا لمظفر الدين شاه، الخامس في سلالة الخجر، اشترى خلالها آلة للتصوير السينمائي٫ وقد قام مصوره المعتمد ميرزا ابراهيم خان اكاس باشي، بتصوير استعراض للزهور في مدينة اوستاند في ٨١ آب/اغسطس من العام ٠٠٩١. هكذا ولد اول عمل من تصوير ايراني، لكن السينما ستبقى لردح طويل من الزمن لعبة خاصة بين يدي الشاه.

فتحت اولى صالات العرض منذ العام ٤٠٩١ لكنها لن تزدهر في طهران والمناطق الا في العشرينات٫ وفي العام ٨٢٩١ فتحت صالة عرض مخصصة للنساء فقط، لكن هذه التجربة الجريئة باءت بالفشل المادي.

منذ ذلك التاريخ تتردد الطبقة الدينية المدركة لسلطة الصورة بين الخوف والانجذاب٫ نزعة التحريم قوية اذ يمكن للافلام الغربية ان تحمل معها قيما تتعارض مع الاسلام والثقافة الايرانية٫ لكن بدل مواجهة هذا الاختراع المليء بالمغريات، قررت إيران تشجيعه كي يتطور على الطريقة »الايرانية« ليكون في خدمة التربية والاخلاق والهوية الوطنية وسط شعب أمي في غالبيته.

بدأت السينما تكسب شرعيتها شيئا فشيئا داخل هذا المجتمع التقليدي٫ لكن لن يتم انتاج اول فيلم طويل الا في العام ٢٣٩١ وهو بعنوان »حجي آغا، ممثل سينمائي« للمخرج اوهانس اوهانيان وهو الفيلم الوحيد من فترة السينما الصامتة المحفوظ حتى اليوم٫ ويسخر المخرج بطريقة استشرافية لاواعية من العدائية التي ستواجه بها السينما في البلاد.

انتهى الامر بالانتاج السينمائي الايراني، الذي لم يكن يملك في سجله قبل ٠٥٩١ اكثر من ٣١ فيلما، بفرض نفسه من خلال الافلام »الفارسية« اي الترفيهية المستوحاة بقوة من الهنود والمصريين وهي ذات مستوى عادي لكنها تستقطب الرساميل الخاصة الضرورية لخلق الصناعة السينمائية وتطويرها٫ وقد احرز فيلم »كنز غارون« لسياماك ياسامي (1965) نجاحا باهرا.

استفادت السينما الشعبية من هذا الانتاج التجاري لتحقق ازدهارا كبيرا حيث كان يمكن احصاء ٠٠٣ صالة سينما في البلاد عام ٣٦٩١ وتسجيل مبيع ٣٣ مليون بطاقة دخول في طهران وحدها! في خلفية افلام الكوميديا والاشرطة البوليسية كافة كان يمكن مشاهدة وصف البيئات الاجتماعية وتصوير بعض النزاعات (الغني والفقير، الحداثة والتقليد).

هنا ايضا تمكن السينمائيون من التعبير عن انفسهم بصعوبة طبعا لكن بالتسلل عبر شبكة الرقابة٫ فالاستنكار الصارخ احيانا يمرر بنعومة من خلال الاكثار من مستويات التأويل واللعب الدائم بين مستويي الواقع والخيال٫ امثال امير نادري الذي ينتقد بطريقة غير مباشرة في فيلم »الهرمونيكا« (1973) استغلال الملاكين للفلاحين واستغلال الشاه للبلاد ـ او بهروز فوسوغي نجم السينما الايرانية الكبير الذي يلعب في فيلم »رضا، قائد الدراجة النارية« دور المجنون الهارب من المصح والذي يتلبس دور مثقف يشبهه في الهيئة ليبرز قلق المجتمع وعجزه عن الاستمرار في بلد يفترض بالحداثة ان تولد فيه من رماد الماضي.

لكن يوم سقطت تماثيل الشاه عام ٩٧٩١ هوجمت المصارف (رموز الامبريالية الاقتصادية والمضاربات المالية) بالحجارة وتم اجتياح المقاهي واحراق صالات السينما...

يبدو منطقيا للوهلة الاولى هجوم الثورة الاسلامية على السينما، ففي الصالات المعتمة تظهر النساء العاريات٫ وباتت الدلائل تشير الى انتهاء عصر السينما٫ بيد انه غداة انتصار ١١ فبراير ٩٧٩١ اطلق آية الله الخميني تصريحا مفاجئا: فهو ليس فقط لم يتخذ موقفا ضد السينما بل دعا الى تشجيعها٫٫٫ مع رسم الاطر الجمالية والايديولوجية لسينما منسجمة مع التعاليم الاسلامية.

في غضون اشهر قليلة فرض النظام الجديد مجموعة من القواعد غير المكتوبة: يجب الاّ يتعاطف المشاهد مع المجرم او مرتكب الخطيئة، عدم تصوير تهريب المخدرات اطلاقا، احترام الزواج والعائلة، عدم التطرق الى الخيانة الزوجية، تحريم الحركات الملتبسة، لا تلامس بين الرجل والمرأة (حتى بين الزوجين)، تفادي المواضيع »المبتذلة« او »المزعجة«، منع الشتائم منعا باتا، عدم تصوير رجال الدين بصورة مضحكة او غير مستقيمة٫٫٫ لا تفرض الشروط فقط على السيناريو بل ايضا على تنظيم التصوير٫ يجب توظيف اختصاصيين في الماكياج من الجنسين تفاديا لاي احتكاك غير شرعي...

بدأ النجاح خارج الحدود مع فيلم »العداء« (1985) لامير نادري الذي جال حول العالم حاصدا الجوائز في المهرجانات الدولية٫ ولحقه حوالى العشرين فيلما خلال عامين فقط٫ والمفارقة المعتادة هي ان هذه الافلام لا تقدم صورة زاهية عن البلاد لكن الدولة تدعم توزيعها في سعي منها لتحسين صورة الجمهورية الاسلامية وصولا في مجال التناقضات الى منع بعض الافلام داخل ايران والسماح بتوزيعها في الخارج٫ ويتم اخراج ما بين ٠٦ و٠٧ فيلم سنويا٫ وفي العام ٧٩٩١ بلغت السينما الايرانية القمة بحصول فيلم »طعم الكرز« على السعفة الذهبية في مهرجان كان والجوائز المتلاحقة فيما بعد في كافة المهرجانات.

لكن هذا النجاح ليس احادي الجانب ويرتكز في جزء منه على قواعد غير آمنة تماما٫ وهو يعود الى نوعية الاعمال كما الى موجة الموضة التي تستفيد منها السينما الايرانية والى الظروف السياسية والجيوستراتيجية في الشرق الاوسط٫ فغوبادي لاقى اعجاب الجمهور الاوروبي لانه كردي ايضا، وحصل »اللوحة السودا« على جائزة لانه ايضا صور في كردستان على يد ايرانية شابة وجميلة هي سميرة مخملباف٫ يُطرح التساؤل اذا حول ارتباط هذا النجاح بالوضع الايراني مباشرة، فهل يستمر اهتمام الجمهور والنقاد الغربيين يومَ يستقيم الوضع هناك؟ 

 * مبرمجا حلقة (بورتريهات من طهران) ضمن منتدى الصور في باريس.

ينشر بالإتفاق مع قنطرة

http://www.qantara.del

الأيام البحرينية في

09.03.2004

 
 

المخرج مجيد مجيدي:

لا يمكننا التغافل عما يحرك البشر في العالم

أجرى الحوار: شهرم آحادي

ترجمة عن الألمانية: علي مصباح

يحذر الكاتب والمخرج السينمائي الإيراني مجد مجيدي من الحكم المضلل الذي يقول بأن السينما الإيرانية قد تحولت إلى عنوان جودة عالمية، بإمكان المرء الإقبال عليها بثقة مطلقة. شهرم أحادي المحرر في القسم الفارسي في إذاعة دويتشه فيلله أجرى معه هذا الحوار، وترجمه عن الألمانية علي مصباح.

  • ما هو تفسيرك للنجاح الكبير للسينما الإيرانية في الخارج على وجه الخصوص؟

مجيدي: لهذا الأمر أسباب عديدة، في السينما الإيرانية تلعب عناصر مثل الأخلاق والإنسانية والعلاقات بين الناس دورا كبيرا، وهي أشياء لها جذورها في الثقافة الإيرانية. كما أنه بإمكان المرء أن يستشف الكثير من علامات وبصمات الهندسة المعمارية في نجاح السينما الإيرانية. لقد لاحظت أثناء تحقيقاتي أن الكثير من البيوت لها حدائق وباحات فسيحة جدا، لكن الشوارع والأزقة في العديد من الأحياء وبخاصة الفقيرة منها ضيقة جدا. ويقال إن ذلك يضفي عليها بعدا جماليا.

كما أنه لا مفر للناس من التلاقي داخل هذا الفضاء –طال الزمن أم قصر-، وكل واحد يحس بأنفاس الآخر قريبا منه، ولا يسعه بصفة ما سوى أن يتلافى الخصام. ونجاح السينما الإيرانية يكمن بطبيعة الحال أيضا في كونها تقدم للمشاهد أوجها أخرى من الحياة والثقافة في إيران، أعني صورا أخرى غير تلك التي يعرفها المرء من خلال وسائل الإعلام الغربية.

  • هل تلاقي السينما الإيرانية في إيران نفس النجاح الذي تلاقيه في الخارج ؟

مجيدي: بكل تأكيد. في إيران يتم إنتاج ما بين 70 و 80 شريطا سينمائيا في السنة. ويمكن تصنيفها حسب أنواع متنوعة. هناك الأفلام التجارية البحتة من جهة، وهناك من جهة أخرى تلك الأفلام التي يتم إنتاجها وفقا لما يرتجى أو يطلب من طرف مراكز ومؤسسات معينة أو للتلفزيون، حول شخصية تاريخية مثلا. والأعمال السينمائية الفنية تمثل بدورها صنفا مستقلا.

وهي بالرغم من طموحاتها الفنية العالية تجد صدى لدى جمهور واسع. وبودي أن أشير إلى أمر وهو أن الأفلام التجارية حاليا تتطرق هي أيضا إلى مواضيع هامة، وأنها مقارنة بالسينما التجارية لما قبل الثورة تعتبر أكثر جودة وإتقانا. لقد غدا بإمكان المرء أن يشاهد بعد الثورة الإسلامية لسنة 1979 وجود احتياطي هائل من المواهب والمواضيع. ويلاحظ المرء أن السينما الإيرانية قد حققت قفزة عملاقة بعد الثورة بثمان سنوات تقريبا.

  • بعض النقاد الإيرانيين والغربيين يزعمون أن هناك مبالغة في ذلك التقدير الذي تلاقيه السينما الإيرانية في الخارج. ما هو موقفك من هذا الرأي ؟

مجيدي: أعتقد أن السينما الإيرانية قد بلغت مرحلة حرجة. وهي تعطي انطباعا بأن الفيلم الإيراني قد شهد دفعة مصطنعة عن طريق المهرجانات السينمائية. هذه الملاحظة ليست دون أساس. هناك انطباع بأن السينما الإيرانية قد تحولت إلى عنوان جودة بإمكان المرء الإقبال عليها بثقة عمياء. لكن لا ينبغي أن ننسى أن السينما الإيرانية قد دخلت الحلبة باحتياطي هائل من الطاقات.

ومع ذلك فأنا أعتقد أن سر هذا النجاح المتواصل للفيلم الإيراني يكمن بالنهاية في مستوى الجودة. ذلك أنه لا يسع حتى أية ماركة شهيرة إلا أن تفقد سمعتها ويطويها النسيان، إذا لم تحرص على البرهنة دوما على حيازة الجودة الضرورية. إن السينما الإيرانية متجهة أكثر مما ينبغي إلى المهرجانات، ويتعلق الأمر بالأساس بجيل الشباب من السينمائيين، بأولئك الوافدين الجدد على الميدان.

إنه لأمر طبيعي أن ينبهر الشباب ببريق وجاذبية مثل هذه المهرجانات العالمية. لكننا قد عاينا من قبل كيف أن حركات سينمائية مهمة من نوع موجة الواقعية الجديدة في إيطاليا قد فقدت إشعاعها وأهميتها عن طريق السأم الذي تحدثه تخمة المهرجانات.

صحيح أن المهرجانات تحدد الذوق أو الاتجاه، لكن الفن لا يستطيع أن يضمن لنفسه البقاء على مدى بعيد إلا إذا ما كان موافقا حقا لتوقعات الجمهور.

  • هنا يطرح السؤال نفسه طبعا، لمن تنجز الأفلام، أو بعبارة أخرى: هل يعد اقتناص الجوائز العالمية هو الهدف الحقيقي للسينمائيين الإيرانيين، أم التوجه إلى الجمهور الإيراني في إيران ذاتها؟

مجيدي: أعتبر المهرجانات السينمائية جسرا وبوابة من أجل تقديم العمل، لا أكثر ولا أقل. إن شريطا سينمائيا لا يمكنه أن يكون عالميا إلا إذا ما استطاع أن يخاطب جمهورا واسعا ويجذبه. والأمر كذلك بالنسبة للأدب أو الرياضة. لماذا تمثل كرة القدم رياضة عالمية وليس الغولف ؟ لأنها تخاطب الجمهور العريض وتشده إليها. لا ينبغي علينا أن نتغافل عما يحرك البشر في العالم كله.  

*شهرم آحادي محرر في القسم الفارسي في إذاعة دويتشه فيلله 

 

مجيد مجيدي من مواليد سنة 1959 بطهران. بدأ منذ الطفولة بتقمص أدوار على خشبة المسرح. وفي السينما بدأ أيضا كممثل. بعد إنجاز العديد من الأفلام استطاع أن يظهر على الساحة العالمية بشريط "أبناء السماء"، الذي حاز به على الجائزة الأولى لمهرجان "فجر" السينمائي ومهرجان مونتريال لسنة 1997. كما تُوج بجائزة "دوغلاس زيرك" لسنة 2001 بهامبورغ عن شريط "باران". ينتمي مجيدي إلى جانب جعفر وفرهاد مهرنفار إلى الجيل الثالث من السينمائيين الإيرانيين، الذين غدت لهم شهرة في التسعينات على المستوى العالمي.

ينشر بالإتفاق مع قنطرة

http://www.qantara.del

الأيام البحرينية في

09.03.2004

 
 

"سميرة مخبلباف"

أيقونة المرأة في السينما الإيرانية

رانية خلاف

بحصول السينما الإيرانية ممثلة في المخرجة الشابة سميرة مخملباف على جائزة لجنة التحكيم الخاصة لمهرجان »كان« السينمائي الدولي عن فيلم»الخامسة عصرا« رأى النقاد أن الجائزة الخاصة التي منحتها لجنة التحكيم جاءت على خلفية سياسية، حيث رأت اللجنة أن »الفيلم« يعيد للمرأة الأفغانية اعتبارها بعد أن كانت محرومة من حقوق كثيرة في فترة حكم طالبانس٫ إلا أن ذلك لا ينفي أن اللجنة عبرت عن تقديرها لتميز العناصر الفنية في الفيلم وللمجهود الكبير الذي بذلته المخرجة في تصوير الفيلم في أفغانستان في أعقاب الحرب الأمريكية على هذا البلد في عام ١٠٠٢؛ حيث جاءت أغلب مشاهد الفيلم في الصحراء، وبين أطلال المباني والمنازل التي دمرها القصف الأمريكي خلال الحرب.

تطور رغم الصعوبات

وعلى الرغم من الصعوبات المادية وسلطة الرقابة؛ فقد استطاعت إيران أن تطور وبشكل مذهل نفسها كمركز لصناعة السينما، ويواصل صناع السينما الإيرانيون إبهار العالم بسينما تُعد تأريخًا للحياة اليومية هناك، ومحاولة لالتقاط تفاصيل الخبرة الإنسانية بطريقة أمينة وتأملية٫ وانعكاسا لذلك حصلت الأفلام الإيرانية على العديد من الجوائز الدولية في السنوات الأخيرة.

»التفاحة« هو أول فيلم روائي تخرجه سميرة مخملباف حين كان عمرها ٠٢ عاما، وهي من أصغر الشخصيات السينمائية في الساحة الإيرانية، وحاز»التفاحة« The Apple على العديد من الجوائز، أهمها جائزة الفيلم الأول في مهرجان»كانس السينمائي عام ٨٩٩١.

تدور قصة الفيلم حول فتاتين توءمتين منعزلتين عن العالم؛ حيث يقوم أبوهما بسجنهما في غرفة أثناء غيابه عن المنزل، ويمنحهما قدرًا من حرية التجول في المنزل أثناء وجوده٫ يسعى الفيلم الذي يراه النقاد يأخذ أسلوبًا تسجيليا لاكتشاف دوافع الأبوين وهما يعملان كحارسي سجن لأبنائهما٫ وتقول سميرة مخملباف عن الفيلم: إنها أرادت أن تكتشف من خلال الفيلم»كيف أن الناس الذين يقطنون في الحي ذاته يمكن ألا يكونوا على علم بهذا السجن الأخلاقي، أو كيف يظلون غير مبالين إذا ما علموا بوجوده بالفعل«.

تجربة ثرية

ولدت سميرة في طهران عام ٩٧٩١، وهي ابنة المخرج العالمي الشهير محسن مخملباف، الذي شارك في كتابة فيلم السبورة أو Blackboards الذي كان بمثابة المدخل الحقيقي لها على الساحة العالمية.

كانت سميرة في الثامنة من عمرها حينما دخلت عالم السينما للمرة الأولى؛ حيث قامت بأداء دور بارز، وهو دور فتاة غجرية صغيرة في فيلم والدها »سائق الدراجة« The Cyclis في عام ٧٨٩١. بعدها تركت المدرسة في عمر الخامسة عشرة؛ لأنها ارتأت أن أساتذتها غير أكفاء، وبدأت تتعلم صناعة الفيلم بشكل كبير عن طريق مشاهدة ومساعدة والدها، وفي النهاية حضور محاضراته في مدرسته السينمائية التي تسمى بيت فيلم مخملباف Makhmalbaf Film House.

قامت سميرة بإخراج فيلمي فيديو: الأول درامي ويدعى الصحراء، والثاني وثائقي ويدعى الأسلوب في الرسم، وبعد إخراجها لهذين الفيلمين عملت مساعدة مخرج في فيلم الصمت The Silence الذي أخرجه مخملباف عام ٨٩٩١. كانت سميرة أصغر أعضاء لجنة التحكيم في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي عام ٨٩٩١. وبين جوائز أخرى حصل فيلم السبورة جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان السينمائي عام ٠٠٠٢ ، وهو الفيلم الذي دخلت به سميرة التاريخ؛ حيث إنها كانت أصغر المخرجين المتنافسين على هذه الجائزة.

تدور أحداث هذا الفيلم الذي تبلغ مدته ٢٨ دقيقة في أرض طبيعية خراب في المنطقة الحدودية بين العراق وإيران٫ ويدور حول مدرسَيْن يحمل كل منهما سبورته على ظهره، ويتجولان في الريف في الجزء الكردي من إيران؛ لكي يقوما بتعليم التلاميذ هناك٫ وعلى طول هذا الطريق يقابلان أناسا من أعمار ومستويات مختلفة، ويقومان بمحاورة وتبادل الآراء مع كل من له رغبة في التعلم٫ ونجحت سميرة في هذا الفيلم في تصوير أنماط مختلفة من البشر في الريف والمجتمع الإيراني.

أسرة متواضعة

وينتمي محسن مخملباف لأسرة فقيرة في الأحياء الجنوبية من طهران؛ حيث ولد عام ٧٥٩١. وبعدما قام بتكوين جماعة سرية إسلامية وهو في سن الخامسة عشرة تم القبض عليه بعدها بعامين، حينما كان يحاول نزع سلاح أحد ضباط الشرطة وكان هذا الحدث هو موضوع فيلمه »لحظة البراءة« Moment of Innocence الذي أخرجه عام ٦٩٩١٫ وقد ساعدته سنوات الاحتجاز الأربعة على تثقيف نفسه أدبيا وسينمائيا٫ إن مخملباف قام أيضا -وهو ما لا يعرفه الكثيرون- بكتابة ٨١ قصة قصيرة، و٣ روايات، ٠١ مسرحيات، بالإضافة إلى ٨٢ سيناريو٫ وفي عام ٦٩٩١ قام بتأسيس بيت مخملباف للفيلم لتدريس السينما لنخبة منتقاة من الطلبة، بالإضافة إلى أبنائه الثلاثة.

وتقول سميرة عن علاقتها بأبيها: إنها عملت في أفلام أبيها في سن صغيرة للغاية٫ ولكنها لم تكن تريد التمثيل٫ لقد أرادت أن تشارك بأي شكل في السينما، وكانت تلح على أبيها أن تشاركه في العمل كمساعدة بأي شكل.

وتضيف »في فيلم السبورة استفدت بهذه الخبرة، ولكني أدركت ذلك فقط حينما شرعت في إخراج الفيلم٫ لقد مرّ والدي بالشعور ذاته في بداية أول يوم في التصوير؛ حيث يقول: إنه في بعض الأحيان يشعر وكأنه لا يعرف شيئا عن السينما٫ إن هذا الشعور جيد في بعض الأحيان٫ فمن الجميل أن يكون المرء أحيانا مثل الطفل الوليد، يرى الأشياء للمرة الأولي«.

وتقول حول صعوبات العمل كمخرجة في إيران: »إن لدينا العديد من القيود فيما يتعلق بالقانون المكتوب أو القانون المتفق عليه٫ إنه أمر صعب أن أكون مخرجة؛ فهناك قناعة في عقول الناس جميعاً هنا أن المرأة لا يمكنها أن تكون مخرجة٫ إن هذا يمثل تحديا، ولكن هذه الحالة تتغير الآن ببطء في عقول الناس٫ فحينما تقوم بكسر أحد الأكليشيهات فإن الناس يبدءون في الاقتناع بك بعد ذلك«.

بعد فيلم التفاحة أخذت سميرة مخملباف تبحث عن موضوع يعطيها قدراً أكبر من الطاقة، وقد حدث لها ذلك أثناء رحلتها إلى كردستان مع أبيها، الذي ساعدها في كتابة السيناريو لفيلم السبورة٫ وتقول: »كنت أعتقد أن الموضوع قد يكون سرياليا وواقعيا جدا في ذات الوقت بما يتضمنه من معانٍ إنسانية واجتماعية٫ من المهم جدا الرؤية التي ينظر بها المخرج للأشياء؛ فهناك العديد من المشاكل الاجتماعية والإنسانية التي تحدث بسبب الظروف السياسية٫ إني بشكل واضح أتحدث عن الحرب، ولا يهم أي حرب تلك التي أتحدث عنها تحديدا٫ أحب أن أرى الأشياء من منظور إنساني، وأنا واعية تماما بهذا الأمر«.

وترى سميرة أنها بذلك تتماس مع السينما الإيرانية الحديثة التي تعالج أكثر الأشياء أهمية بأسلوب شاعري وروحاني، وهو ما يجعل تلك الأفكار أسهل في التلقي؛ إذ تنفذ إلى القلب مباشرة٫ وتأسف أن الأفلام التي أنتجتها إيران في الماضي لم تعرض بالخارج رغم جودتها العالية٫ وفي المقابل وبسبب الرقابة فإن الكثير من الأفلام التي وزعت في أوروبا وأمريكا -مثل تلك التي أخرجها عباس كياروستامي- لم تعرض في إيران، ولهذا فقد أدركت مدى تأثيرها الكبير فقط حينما سافرت إلى الخارج.

وبشكل تاريخي تضيف سميرة: »إن السينما الإيرانية التي يمتد تاريخها عبر الأعوام المائة الماضية قد قدمت دوما أعمالا على قدر عالٍ من الإتقان«٫

طموحات وحماس

وتقول عن تجربتها العملية في فيلم السبورة: إن تجربتي في فيلم السبورة كانت شاقة ومجهدة؛ حيث قمت بزيارة العديد من القرى المحلية، وتحدثت مع أناس كثيرين كل على حدة حتى استطعت أن أجد من توفرت لديه الطاقة المناسبة للمشاهد البالغة الصعوبة في الفيلم«٫ وتضيف أنه بالرغم من صغر سنها؛ فإنها تعتبر قدرتها على التعامل مع أجيال مختلفة من الناس مهارة خاصة.

وتتابع »لقد قمت بتطوير هذه المهارة من خلال عملي كمخرجة٫ عندها يصبح قلبك كالمرآة، وتكون قادراً على التعبير عن تجارب ومشاعر الآلاف من الناس٫ إن عليك أن تفتح قلبك وأذنيك وعقلك٫ إن هذا يمثل تحدياً خاصا«.

وتقول عما تأمل عمله مستقبلا: »أريد أن أخرج المزيد من الأفلام، ولكني أريد أيضاً أن أعيش وأن أستمر في التعلم٫ لقد تعلمت أنه على الرغم من أنه أمر رائع أن تبدع؛ فإنه من الرائع أيضاً ألا تقهر نفسك على فعل ذلك؛ فمن المهم في بعض الأحيان أن تتوقف عن الإبداع لتكتشف المزيد من أسرار الحياة«.

الأيام البحرينية في

09.03.2004

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2016)