تتخطى الكتابة عن سعاد حسني كل المناسبات. فليس من زمن او تاريخ يحدد
الحديث عن الاستثنناء والتميز والتحرر والشغف. والكتابة عن سعاد حسني لا
يمكن إلا أن تمر من قنوات الأحاسيس الداخلية، التي أتقنت الممثلة مسها
بجنونها الخلاب. تقف سعاد حسني حالة استثنائية في السينما العربية ليس
لتفوقها وبراعتها وقدراتها الفنية فحسب، وانما لموقعها المرجعي بين
الممثلات العربيات. سواها حقق مكانة مرموقة في التمثيل بجهد دؤوب ومراكمة.
أما هي فخلقت حالة متكاملة قائمة على الوعي بذاتها وبجسدها وأحاسيسها، حالة
تتلاشى عندها الحدود بين الممثل والإنسان، حالة محكومة بالقلق الدائم،
بعيدة من التوصيف السطحي القائل بالتقمص او التشخيص. في تجسيدها الشخصيات
السينمائية الكثيرة، كانت سعاد حسني تعيد ابتكار الحالات الانسانية بحساسية
وتجريبية، وتختزل الوجوه والحالات على نحو يصعّب على غيرها اعادة تلوينها
بخصوصيته. في أدوارها، لعبت كل النساء فكانت المرجع. فإذا تخيلنا امرأة
متوسطة السن مستوحدة مكبوتة الأحاسيس، قفزت صورتها في "الراعي والنساء"
مرجعاً يصعب تقليده أو تخطيه، وتردد صدى رجائها لأحمد زكي "ما تسيبنيش"
مختزناً كل الضعف والقوة والشغف والعشق والقلق. وإذا بحثنا عن صورة الشابة
الطموحة والمتألقة والحالمة، وجدنا في "زوزو" الجواب. واذا قلنا امرأة
عالقة في حب رجل متزوج من صديقتها، يتنازعها حب جارف من جهة والتزام
الصداقة من جهة ثانية، عثرنا على ضالتنا في "الحب الضائع". وإذا تركنا
لخيالنا ان يرسم ملامح لامرأة تجمع المراهقة والنضج، البراءة والحسية،
العفوية والذكاء، الحيوية والعمق، المرح والحزن... قفز وجه سعاد حسني في كل
أدوارها كما في حياتها.
... واليوم بعد مرور نصف قرن على الإطلالة الأولى لذلك الوجه على
الشاشة، مازال كثيرون يبحثون في وجوه النجمات الصاعدات عن حركة او لفتة أو
تعبير يذكّر بسعاد حسني ليقولوا "هذي ممثلة واعدة" كما حدث مع حنان الترك
ومنى زكي في بداياتيهما، وتثيّت أكثر مع الأخيرة التي اختيرت لتلعب شخصية
سعاد حسني في مسلسل تلفزيوني روى سيرتها المنقحة قبل عامين.
[البداية
ليست سعاد حسني ممثلة وحسب؛ انها صورة مرحلة سياسية واجتماعية
وسينمائية اتسمت بالمد القومي والتغيرات الاجتماعية العميقة والأحلام
التقدمية. على الصعيد السينمائي، صعد نجم سعاد في محيط يشغله كبار المطربين
من امثال عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب والممثلات ذوات السمات
الارستقراطية (ليلى فوزي ومديحة يسري ومريم فخر الدين) أو المصرية التي تشي
بشيء من الضعف والإذعان (فاتن حمامة وماجدة). ولكنها كانت ايضاَ مرحلة
الايذان بصعود جيل جديد، بانت بوادره مع احمد مظهر وعمر الشريف وشكري سرحان
من الرجال ولبنى عبد العزيز ونادية لطفي وزبيدة ثروت وزيزي البدراوي من
الممثلات ذوات الملامح الغربية. وارتفعت في تلك المرحلة المناداة بالمساواة
ففتحت الجامعات ابوابها مجاناً للطبقات كافة وطرحت المرأة حجابها. في هذه
الأجواء الغنية والمشبعة قدم الشاعر عبد الرحمن الخميسي قبل نصف قرن نجمة
جديدة في السابعة عشرة اسمها سعاد حسني في فيلم "حسن ونعيمة" (1959)
المأخوذ عن قصته والذي اخرجه هنري بركات. كان الخميسي يبحث عن نموذج يختلف
عن ذاك الذي برع احسان عبد القدوس في تصويره. كان يبحث عن امرأة أخرى آتية
من صفوف الشعب وأحلامه العادية. فما كان من تلك المراهقة الا ان شغلت
المكان الشاغر لرمز الفتاة المصرية الجديدة في ظل المتغيرات الاجتماعية
والسياسية. والواقع ان الخميسي الذي كان صديقاً لزوج امها كان قد اختارها
وهي لما تزل في الرابعة عشرة لتشارك في الفرقة التي اراد تكوينها مع ثلة من
اصدقائه من امثال انور عبد العزيز وفايق اسماعيل وفاروق الدمرداش وجلال
الشرقاوي. وعلى الرغم من نشاطها ومواظبتها على حضور التمرينات اصطدم
الخميسي بعقبة كبيرة وهي جهلها للقراءة والكتابة. فما كان منه الا ان عهد
الى احد زملائه بتعليمها القراءة والكتابة اللذين اتقنتهما، وسط دهشة
استاذها والمحيطين بها، في اقل من ستة اشهر.
انتمت سعاد حسني لعائلة فنية فقيرة، فوالدها هو الخطاط الشهير السوري
الاصل محمد حسني واشقاؤها الملحن والعازف عز الدين ونبيل قاووق ولها
شقيقتان كبراهما الفنانة التشكيلية سميرة والمطربة نجاة الصغيرة.
كانت قصة "حسن ونعيمة" التي اطلقت سعاد حسني تعيش في قلوب الملايين
كحدوتة مصرية اقرب الى روميو وجولييت. توافرت في الفيلم عناصر النجاح من
القصة الى رسم الشخصيات بحسب الوضع الاجتماعي السائد حيث نماذج الخير
والطيبة (حسن ونعيمة) يقابلها نموذج الجشع والقسوة (الوالد عطوة) وانطبعت
في ذهن المشاهد لقطات الممثلة الجديدة التي ساهمت في نجاحها كاختبائها
خائفة في ركن المطبخ تنصت الى والدها وقريبها يقرران مصيرها او رقودها
عليلة ذابلة العينين في الفراش، لا تعرف مصير حبيبها بينما يعلو في الخلفية
صوت محمد طه الحزين مردداً موال "ياللي زرعت الحب ليه تزرع في قلب مرار".
ولكن ثمة فكرة اشمل اعطت الدفع للوجه الجديد؛ انها ارتباط نعيمة بمصير
الارض، ذلك انها تملك ارضاً يطمع فيه "عطوة" بينما يحرص والدها على ان تظل
في دائرة ملكية العائلة. لذلك فان عراك حسن وعطوة قبيل النهاية حسن من اجل
حبه وعطوة من اجل الارض ينتهي الى انتصار حسن وبالتالي الى انتصار نعيمة
وحماية الارض من جشع عطوة. وفوق ذلك، أظهرت "نعيمة" نموذج الأنثى المكافحة
التي تناضل من أجل حقها في الحب والاختيار وتنجح في ذلك ليس بناءً على مبدأ
توافقي او تدخل قدري.
[فطرية
يصف النقاد العام 1959 بالشاهد على ثلاثة ابداعات في السينما العربية:
"انا حرة" لصلاح أبو سيف، "دعاء الكروان" لبركات ومولد النجمة سعاد حسني في
"حسن ونعيمة" الذي كسر قالب الميلودراما ليحل مكانه عهد الرومنسية وان لم
تكن سعاد حسني هي التي بدأت الثورة ولكنها جاءت في الوقت الصحيح واثبتت
جدارتها. فمنذ شخصية "نعيمة" ظهر في اداء سعاد حسني ذلك المزج الفطري
والحساس لميزتي الطيبة والشجاعة، على الأقل في الحدود التي يسمح بها
المجتمع المحافظ. ومنذ نجاح الفيلم وولادة النجمة، دأبت سعاد حسني في
افلامها على الجمع بين هاتين الميزتين في شخصياتها: الطيبة الساذجة
والجريئة الثابتة، فهي في معظم ادوارها تنقل صورة المرأة المهددة المعرضة
للانهيار ولكنها مع ذلك متينة؛ ليست امرأة فولاذية بل على العكس من ذلك
تماماً اذ تبدو عادية لا تختلف عن اية فتاة اخرى ما يعطي الانطباع بان
اختلافها نابع من داخلها من شخصيتها وجاذبيتها الفطرية غير المتعلقة
بالجمال او بالعلم او بالثقافة.
قدمت سعاد حسني نموذج البطلة الجديدة التي هي اقرب الى حقيقة المرأة
كانسان، يجمع التناقضات، وبعيداً من الرمز الطاهر والكامل الذي جسدته فاتن
حمامة وكان شديد الوقع في الخمسينات، حيث كانت للمرأة صور عديدة كل منها
يعمل على حدة وله ممثلة خاصة. فكانت مديحة يسري مثلاً رمز العصامية وفاتن
حمامة المتزنة الكاملة وشادية الدلوعة وماجدة الباكية ومريم فخر الدين
المغلوبة على امرها... مع سعاد حسني تغير الوضع اذ اصبحت المرأة واحدة تجمع
القوة والضعف والخير والشر ويختلف مصيرها في كل فيلم فهي ليست منتصرة
دائماً او مغلوبة على امرها. فهي انتصرت في "الزوجة الثانية" و"خلي بالك من
زوزو" وكان نصرها مراً في "على من نطلق الرصاص" او مميتاً في "موعد على
العشاء". وربما وجدت العانس سعادتها بعد يأس طويل "أهل القمة" اما "بهية"
فلقيت مصرعها في "المتوحشة" ولم تستسلم "زينب" في "الكرنك" ولكن مها في
"الحب الذي كان" لم تجد بداً من الاستسلام، في حين تضع "فايزة" مولودها في
السجن في "حب في الزنزانة" ولكن ينتهي الفيلم بنظرات حزينة تؤكد ان المعركة
لم تنته بعه.
كانت العائلة برموزها الثابتة محور الفيلم العربي قبل الستينيات حيث
تغيرت تلك الرموز مع تغير دور المرأة التي اصبحت زميلة في العمل وطالبة في
الجامعة وتملك طموحاً مهنياً. ولكن سعاد حسني اختلفت عن ممثلات جيلها من
امثال نادية لطفي ولبنى عبد العزيز وزبيدة ثروت في كونها اصبحت رمزاً
للفتاة والمرأة المصريتين ولا سيما من اللواتي انتمين الى الطبقة المتوسطة.
فهي لم تسع الى ازاحة الرجل ولكنها لم تتخل عن حقها من دون ان تلجأ الى
استخدام غوايتها وانما كان سلاحها العزيمة والقوة النفسية. فهي تقف وحدها
في مواجهة العمدة الفاسد (الزوجة الثانية 1967) والمجتمع الذي لا يرحم
(الحب الذي كان 1973) واستبداد الحاكم باسم الثورة (الكرنك 1975). ورافق
افلام سعاد حسني تغييراً في التعبير عن مشكلات المجتمع فلم يعد الصراع بين
الخير والشر والفساد والفضيلة والعدل والظلم، وانما بين حق وحق. على هذا
النحو انتقل محور القصة في "الأشقياء الثلاثة" (1962) و"شقاوة بنات" (1963)
و"أول حب" (1964) و"الزواج على الطريقة الحديثة" (1986) الى الشباب بينما
باتت الاسرة على الهامش وفي بعض الاحيان لم يعد لها وجود كما في "للرجال
فقط" (1964).
لعل زوجة الخمسينات الخاضعة للرجل لم تختلف عن الزوجة في الستينات
ولكن تقديم صورة الرجل اختلفت. فصورة الرجل الفحل التي قدمها حسين صدقي في
"آدم وحواء" (1950) حل مكانها صورة الرجل الذي يشعر بالنقص والغيرة ازاء
المرأة الثائرة لحقوقها وكرامتها في "غصن الزيتون" (1962). على ان هذا
التغيير في صورة البطلة كان بدأ تدريجياً مع فاتن حمامة في "لا أنام"
(1957) وهند رستم في "باب الحديد" (1958) من دون ان يأخذ شكلاً مكتملاً قبل
ادوار سعاد حسني.
ومن المفارقات الحقيقية ان سعاد حسني التي ساهمت في القضاء على عهد
التراجيديا والبكاء والحزن على الشاشة، هي التي اعادته بصورة مغايرة في
السبعينات مع فارق ان القصة اصبحت اقرب الى الواقع والبطلة ليست مكسورة
الجناح.
بهذا المعنى، تشكل الأدوار التي جسدتها سعاد حسني على الشاشة ما يشبه
التأريخ للتحولات الاجتماعية لاسيما في ما يخص دور المرأة العربية. كأن
سعاد كانت تتلون في شخصياتها وتكبر وتنضج وتعيش التجارب في الاطار الزمني
السياسي والاجتماعي. فإذا كانت "نعيمة" قد تمكنت من تحقيق إرادتها بالزواج
من حبيبها "حسن"، فإن "سهام" (أهل القمة 1981) حققت هي الأخرى إرادتها
بالزواج من حبيبها (نور الشريف) انما في أجواء مختلفة تماماً. وما الاختلاف
بين "نعيمة" و"سهام" سوى تعبير عن التحولات التي عصفت بمصر بين 1959 ومطلع
الثمانينات، اي بين الحلم والاعتراف بالهزيمة. وبين الإثنتين، تأتي "زينب"
(الكرنك 1975) التي تعيش تجربة مرة تبرر تحول "نعيمة" الى "سهام". وإذا
أردنا ان نمضي في ذلك التصور الذي برى الى مسيرة سعاد حسني السينمائية
مشوار امرأة بعدة وجوه وأقنعة، أمكنننا البدء بفيلمها الثالث ربما "إشاعة
حب" (1960) الذي تنازل فيه بشكل مجازي أيقونة الاغراء هند رستم التي تجسد
شخصيتها الحقيقية على الشاشة. كأن ذلك التحدي بينهما على قلب عمر الشريف
كان في الواقع مبارزة بين نجمتين ونموذجين وامرأتين ايذاناً بملء سعاد حسني
الشاشة من دون منازع خلال العقود التالية. بهذا المعنى أيضاً، يمكن ان نقرأ
ادوارها في "نادية" (1969) و"بئر الحرمان" (1969) و"أين عقلي" (1974) على
انها التمهيد للتحول الكبير، أو الانفصام والازدواجية بين مرحلتين.
[نضج
شاركت سعاد حسني في افلام وصفها بعضهم بأنها خارج مسيرتها ونسب اليها
بعضهم الآخر تمنيها بأن يطويها النسيان. ولكن الواقع ان تلك الأفلام على
اختلاف مستوياتها، كانت شديدة التعبير عن طبيعة سعاد حسني المنطلقة
والمتفلتة التي كانت تتعجل النضج الفني. فخلال عقد الستينات وحده، وصل عدد
أفلامها الى خمسة وخمسين فيلماً. يُحسب لتلك الأفلام، على سذاجة بعضها،
انها التقطت روح سعاد حسني فقدمتها غالباً في شخصية الفتاة المختلفة عن
كينونتها الاجتماعية داخل العائلة او بين الصديقات كما هي الحال في "إشاعة
حب" و"السبع بنات" و"السفيرة عزيزة" و"الضوء الخافت" و"غصن الزيتون"
وبالطبع "صغيرة على الحب" (1966) الذي بين قدراتها الاستعراضية في الرقص
والغناء وميزها يشكل قاطع عن كل ممثلات جيلها.
لأسباب كثيرة، ترتبط بداية مرحلة النضج الفني عند سعاد حسني بسنوات
السبعينيات. شكلياً، يوحي عدد الأفلام السبغعينات الذي لم يتجاوز الخمسة
عشر فيلماً بأن ثمة اختيار وغربلة للأدوار. ثم هناك موضوعات الأفلام التي
مالت الى الجدية. والعامل الثالث خلف هذا الاعتقاد قد يكون غير مباشر ولكنه
مؤثر حتماً وهو ارتباطها بالمخرج علي بدرخان الذي قدمها في أفلام وأدوار
مختلفة وما الاعتقاد الماثل لدى بعضهم بأن بدرخان قدمها في أدوار ثانية خلف
الرجل البطل الا واهية أمام حقيقة ان سعاد حسني تكاد تكون بطلة بدرخان
الوحيدة. فهو لم يستغنِ عنها سوى مرة واحدة في "شيلني واشيلك" (1977)
وعندما ابتعدت عن السينما في النصف الثاني من التسعينات، استعان بليلى علوي
في "الرجل الثالث" ويسرا في "نزوة" قبل أن يبتعد هو الآخر عن السينما.
ولكن أفلاماً مثل "مبكى العشاق" و"غصن الزيتون" و"الضوء الخافت"
و"القاهرة 30" و"شيء من العذاب" تنتمي الى عقد الستينات ليست الا محاولات
مبكرة تعبر عن نضج فني كلن موجوداً قبل السبعينات ما يترك الباب مفتوحاً
أمام الاعتقاد بأن السعينات ولا حقاً الثمانينات تميزت عن سابقاتها بانها
قدمت سعاد حسني في الأدوار التراجيدية في أفلام حملت روح المأساة. هنا
التقت الشخصيات السينمائية بروح الانسانة التائهة الباحثة والقلقة حتى في
الأدوار التي تشبهت ببداياتها مثل "خلي بالك من زوزو" (1972) الذي يحلو
لكثيرين تناسيه او اسقاطه على الرغم من انه قدم سعاد في أجمل أدوارها
مبيناً مواهبها الاستعراضية باسلوب مختلف عما ظهرت عليه في "صغيرة على
الحب" و"شباب مجنون جداً" و"حواء والقرد". مع صلاح جاهين وكمال الطويل،
كانت سعاد هي الملهمة وليست المؤدية كما في تجاربها الاستعراضية السابقة.
حتى في فيلم "أميرة حبي أنا" الذي لم يتمكن من استثمار نجاح "زوزو"، نجد ان
الثنائي جاهين والطويل يأخذان من سعاد ضحكتها المميزة لتكون بداية أغنية
"الدنيا الربيع".
في هذه المرحلة أيضاً، كانت صورة سعاد الانسانة قد بدأت تطغى على كل
ما عداها. المنطلقة بلا قيود، عاشقة الحياة بلا حسابات. امتلكت هوساً
بالتمثيل وفطرية متوحشة. وتركيبة نفسية متطرفة تعتصر ذاتها في لحظة حسية
مشحونة لتصل إلى ذروة النشوة. باستثناء علي بدرخان، ارتبط اسم سعاد حسني
بعيد الحليم حافظ. حكاية الغرام التي لفها الغموض خلال حياتيهما باتت اليوم
في متناول الجميع. نعم تزوجا عرفياً. هي سعاد حسني على أول عتبة في عالم
الفن. وهو عبد الحليم الخائف على صورة المطرب الرومنسي عشيق المعجبات. لعله
وجد في سعاد حبيبة صغيرة يمكنه ان يعلمها المشي على جسر النجوم. عرّفها
بالصحافة ولقنها الدروس الأولى في العلاقة بين الفنان و الجمهور. سيطرت على
عبد الحليم فكرة الامتلاك. كان من نوع النجوم الذي يخاف الزواج لكي لا يخسر
المعجبات. أقصاها عنه فانطلقت كالسهم لتبني عالمها الخاص. لم يكن حليم هو
الحبيب الخالد لـ "سوسو" كما كان يناديها.. لم يستطع هو ان يقف أمامها في
فيلم "الاختيار" (إخراج يوسف شاهين ). كان عبد الحليم يريد الغناء.. وخاف
من صدمة الجمهور حين يراه في شخصيتين متناقضتين. وكذلك رفضت سعاد حسني ان
تلعب دور البنت المغلوبة على أمرها المنتظرة ببراءة حبيبها المهاجر إلى
أحضان الراقصة في "ابي فوق الشجرة".. ارادت سعاد ان تكون الراقصة ولم يتحمل
حليم صدقها واحساسها العفوى بقوة الراقصة و تفاهة المحبوبة الساذجة.
بعيداً من التأويلات، ثمة حقيقة واضحة هي ان عقدي السبعينات
والثمانينات خبأا أجمل أفلام سعاد حسني: "غروب وشروق" (1970)، "الاختيار"
(1971)، "الكرنك" (1975)، "شفيقة ومتولي" (1978)، "أهل القمة" (1981)، ""حب
على العشاء" (1981)، "الراعي والنساء" (1991) وغيرها. أما التسعينات، فكانت
المنفى الاختياري. على الرغم من تفلت النجمة من قيود الجماهيرية ومعايير
النجومية، الا انها لم تتمكن من مواجهة جمهورها في العقد الأخير من حياتها.
كان التبدل الكبير الذي أصاب قسمات وجهها وليونة جسدها كفيلاً باخضاعها هذه
المرة للتيار السائد. توارت عن الأنظار حتى سقوطها عن شرفة منزلها اللندني
في 21 حزيران 2001 في ذكرى ولادة حليم..
[تلون
امتلكت سعاد حسني قدرة فائقة على التاثير في المتلقي لم تختلف بين دور
وآخر مهما صغر حجمه او كبر. فقد استطاعت ان تلون في ادائها الشخصيات بحيث
لا نستطيع ان نتذكر شخصيتين متشابهتين. وكذلك استطاعت سعاد حسني ان تحتوي
بعض الشخصيات بحيث لا نستطيع ان نتخيلها الا متصلة بها مثل شخصيات "نادية"
في "نادية" وبهية" في "المتوحشة" و"زوزو" في "خلي بالك من زوزو" وغيرها.
لم تقع سعاد حسني ضحية الألقاب والأشكال التي حصرها فيها البعض
وابرزها "سندريللا الشاشة" وامتلكت من التلقائية ما حول الشخصيات التي
ادتها شخصيات واقعية. في محاولة لرسم صورة موجزة عن حياة سعاد حسني، نستطيع
ان نشبهها بسيمفونية موسيقية حيث تلعب افلام الستينات دور المقدمة الصاخبة
والجاذبة للانتباه، ثم تأتي افلام السبعينات وحتى منتصف الثمانينات قلقة
تحمل هواجس كثيرة وبوادر خفوت ايقاع مع مقتل "بهية" في "المتوحشة" وانتحار
نوال في "موعد على العشاء" الى ان تقترب السيمفونية من نهايتها مع نظرات "فايزة"
في السجن تبادلها المتفرج في "حب في الزنزانة" وتقترب السيمفونية من حركتها
الأخيرة مع عالم "هو وهي" المسلسل التلفزيوني الذي ظهرت فيه سندريللا
الشاشة في ذروة تلقائيتها، ملكة كل مشهد ونجمة كل استعراض.
المستقبل اللبنانية في
31/07/2009
يغربل الأفلام استعداداً لدورته الثامنة بين 12 و24 آب
"مهرجان السينما اللبنانية" يكشف عن عشرة أفلام
لايزال منظمو مهرجان السينما اللبنانية مكبين على إنجاز برنامج الدورة
الثامنة الذي سينطلق في العشرين من آب/أغسطس الجاري ويستمر حتى الرابع
والعشرين منه في سينما أمبير-صوفيل. وتعتمد إدارة المهرجان هذا العام كشف
عناوين الأفلام المشاركة تباعاً، حيث تم الإعلان عن عشرة أفلام حتى لحظة
كتابة هذه السطور، تتوزع على فئات البرنامج الاساسية: الروائي القصير
والوثائقي والتجريبي والتحريك. في فئة الفيلم القصير، سيشارك كلود الخال
بجديده
Ecce Hommos (2009) الذي يدور حول مخرج لبناني شاب، يقوم بتقديم فكرة فيلم عن مدينته
بيروت لمنتج "عالمي". أمام جاد عيد فيتناول في "رغوة" (2008) حكاية متخيلة
تفترض ان بلدة "حولا" الجنوبية ستتعرض للاجتياح في غضون ثلاثة أيام، مما
يضع سيف أمام ضرورة شراء آخر معجون حلاقة في الدكان المجاور. في إطار
الأفلام القصيرة أيضاً، ستعرض كاتيا جرجورة فيلمها "بالدم" (2009) الذي
يدور حول أب يحاول تجنيب ابنه تجربة الانخراط في الميليشيات التي جربها
خلال الحرب وان تطلب ذلك اتخاذ اجراءات قصوى. "نزهة" هو عنوان فيلم سابين
الشمعة المزيج من الروائي والتحريك بحكايته عن الحرب والذكريات والأحلام.
في فئة الافلام الوثائقية، تم الاعلام عن أربعة أفلام. "ما هتفت
لغيرها" (2008) هو عنوان شريط محمد سويد الوثائقي الذي يرصد ثلاث مدن هي
بيروت، هانوي ودبي من خلال علاقاتها بالحرب والثورة والنمو؛ "درس في
التاريخ" لهادي زكاك يستكشف كيفية تعليم التاريخ اللبناني في خمس مدارس
مختلفة في بيروت على خلفية عدم وجود كتاب تاريخ موحد؛ "أربعة عائدين من
الحرب الأهلية اللبنانية" لمونيكا بورغمن ولقمان سليم اللذين يعودان الى
موضوعة الحرب الاهلية بعد فيلمهما الاول "مقاتل" من خلال مقابلات هنا مع
أربعة مقاتلين؛ "هيدا لبنان" لإيليان راهب يرصد التحولات السياسية في لبنان
منذ 2005.
أما الفيلمان المتبقيان فتجريبيان: "حدث ذات رصيف" لغيث الأمين الذي
يحاول اعادة خلق تجربة عاشها قبل سنوات في شارع مونو؛ "إعادة" لسيرين فتوح.
الى ذلك، استحدث المهرجان لهذه الدورة جائزة لأفضل فيلم لبناني تقدمة
بنك عودة وتبلغ قيمتها الفي دولار أميركي.
المستقبل اللبنانية في
31/07/2009 |