تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

فيلم يستعيد ذكريات حميمة «مجنون جميلة» وقصة الحب الأول

* أحمد طمليه

من منا ينسى "الحب الأول" ، تلك المشاعر التي باغتتنا قبل أن يشتد عودنا ، ففرحنا بالوجه الأول ، وبالحديث الأول ، وبالرغبة الأولى ، وباندفاعنا نحو أمر سلبنا عقولنا ، وجعل القلب يخفق في الصدر وهو يستشعر إحساسا يعيشه لأول مرة؟ وبدافع من ذلك الأحاسيس اعتقد كثيرون أن حياتهم ستتشكل على النحو الذي تمليه عليهم قصة حبهم الأولى ، ولكنها قصة حب في المهد خرجت إلى النور قبل أن نرى نحن النور وتتفتح آفاقنا على الحياة. لذا كثيرون أخفقوا في محاولة الحبو الأولى على مصطبة الحب الأول ، رغم إحساسهم الهائل بمتعة ذلك الحبو.

في الفيلم الأمريكي "عرض بذيء" يساوم رجل أعمال كبير زوجا وزوجته ، ومضمون المساومة أن يختلي الرجل الثري بالزوجة ليلة واحدة مقابل مليون دولار. وتجري الأحداث باتجاه إتمام المساومة غير أن ذلك يتسبب بخلل في علاقة الزوجين يفضي إلى انفصالهما عن بعضهما ، وحين سئل الرجل الثري: لماذا فعلت ذلك؟ قال انه في سنوات مراهقته الأولى التقى فتاة تمنى أن يتواصل معها ، ولكن الظرف في ذلك الحين لم يسنح ، فقرر أن لا يفوت فرصة أخرى إذا التقى مجددا بفتاة تعجبه مهما كلف الأمر.

هذه التداعيات وغيرها تثار في المخيلـة عنـد مشاهـدة فيلم مجنون جميلة (Crazy beautifull) بطولة كيرستين دونست وجاي هيرنانديز إخراج جون ستوكويل ، فهو يعيدنا إلى قصة حب نشأت بين شاب وفتاة في السابعة عشرة من عمرهما ولكل منهما ظروفه المختلفة تماما عن الآخر ، فالفتاة ابنة عضو في الكونغرس الأمريكي ، غير أن وفاة أمها المبكرة واضطرارها للعيش مع زوجة أب قاسية القلب دفعها نحو الكحول والمخدرات والعيش على النحو الذي يسرع في إفساد الذات. أما الشاب فإنه ابن أسرة مكسيكية الأصل فقيرة لا يملك سوى طموحه الخاص في أن ينجح في الثانوية ويلتحق بأكاديمية طيران.

في ظل هذا التناقض في البيئة والظروف يلتقي الشابان من خلال تعارفهما في المدرسة التي تجمعهما وتبدأ تتشكل بينهما معالم قصة حبهما الأولى التي تبدأ بالنظرات ، ثم افتعال اللقاءات أو التواجد في أماكن واحدة ، ثم الحوارات السريعة التي يغلب عليها روح النكتة فلا يوجد شيء مهم يمكن أن يقولاه ولكن ثمة إحساسا بالفرح عندما يتحدثان إلى بعضهما البعض.

ما يجعل الفيلم مرشحا للكتابة عنه هي تلك التلقائية المتناهية في أداء الممثلين ، والرصد الدقيق من قبل المخرج لتنامي قصة حبهما الأولى ، فلا يوجد افتعال أو استعجال بل ثمة حب على نار هادئة وهو الذي يجعل الحديث عن سياق تطور هذه العلاقة أهم بكثير من الحديث عن قصة الفيلم ، فالمدهش في هذا الفيلم ليس في علاقة الحب والظروف التي واجهتها وكيف تم التغلب عليها ، بل الشكل الذي ظهرت عليه تلك العلاقة وهذا ما جعلها منعشة للخيال ولسنوات الحبو الأولى في قصة الحب الأول. فعلى خلاف ما تظهر عليه قصص الحب في الأفلام العاطفية الدارجة من حيث المبالغة في المشاعر والبكاء على الأطلال واقتصار الحبكة على الوصول إلى نهاية سعيدة أو حزينة لقصة الحب هذه ، فإن قصة الحب في هذا الفيلم أخذت منحى آخر وهو الكيفية التي راحت تتشكل بها ، فقد عبر الشابان عن انجذابهما لبعضهما البعض من خلال الإمعان في اللهو معا ، فالأصل في الحب هو الانسجام وعيش العلاقة وليس الحديث عن العلاقة. ونتابع في هذا السياق حين أقلت الفتاة الشاب المغرمة به في سيارتها إلى حيه الفقير في الجانب الآخر من المدينة ، وما تخلل ذلك من فرح غمرهما ودفعهما للرقص في الشارع العام مع عابري سبيل وكأن الفيلم يريد أن يقول أن الحب يفرض نفسه على محيطه ، وأن عاشقين صغيرين يمكن أن يشعلا فرحا وفيرا بين جموع غفيرة.

إذاً ، البداية كانت التعبير عن الانجذاب من خلال اللهو والانسجام معا وشيئا فشيئا يتدرج الإحساس ، فتوشك الفتاة أن تبكي حين تدرك أنها تحب (جاي) بل أنها من هول إحساسها بمسؤولية ما تشعر به أعربت عن مشاعرها بكثير من الأسف والخشية ، قالت أخشى أنني أحبك ، وحتى يعبر لها هو عن مشاعره اضطر أن يتحلى بقدر كبير من المسؤولية ليقول لها احبك. الحب مسؤولية: ماذا تفعل ليبقى من تحب قربك ، الأمر ليس صبيانيا بل يحتاج إلى فروسية ما ، حتى يستحق الحبيب من يحب. ولهذا ربما تتعثر قصص الحب الأولى أو تتشظى تلك المشاعر التي تباغتنا ونحن في ذروة مراهقتنا وذلك عندما تفتقد المشاعر النضج أو المسؤولية أو بمعنى أدق الفروسية الكفيلة بالنهوض بها. فالحب هو الذي جعل (كيرستين) تقلع عن شرب الكحول وتناول المخدرات وتواجه والدها عضو الكونغرس لتسوية علاقتها معه ، والحب هو الذي جعل (جاي) يحقق طموحه والالتحاق بأكاديمية الطيران.

هذا ما يتصل بالجانب الذي استوقفني في الفيلم واقصد التدرج المقنع في صياغة العلاقة الأولى ، حيث البراءة هي الغالبة فلا يوجد تخطيط مسبق طالما إن العلاقة هي الأولى والمشاعر التي يعيشها الحبيبان جديدة عليهما فلم يسبق لأحدهما أن أحب من قبل وكأنها خطوات أولى في عالم جديد ، فالتعثر وارد وفرص الوصول إلى بر الأمان محدودة.

لقد أصيبت الام بالهلع في الفيلم الصيني "العودة إلى البيت" للمخرج زانغ بيمو حين علمت أن ابنتها اليافعة وقعت في حب المعلم الجديد الذي جاء إلى القرية ، وكان مبعث خوف الام الخشية أن "ينكسر" قلب ابنتها فتعيش حياتها متكئة على جراحها ، تماما كما حدث مع الملياردير روبرت ردفورد في فيلم "عرض بذيء" حين عرض مليون دولار مقابل ليلة مع امرأة متزوجة استوقفته ، حسرة أو ردا على خذلانه لنفسه حين افتقد الفروسية في مطلع عمره فخسر فتاة ظلت ابتسامتها عالقة في ذهنه.

كل منا لديه قصة حب أولى ، هو حب جميل ولكنه حب لذلك الزمان وفي ذاك المكان ، وفي الغالب هو حب غير قابل للاستئناف. وإذا كان فيلم "مجنون جميلة" قد أخذ بيد بطليه وأوصلهما إلى نهاية سعيدة فإن كثيرين لا تعنيهم النهاية التي آلت إليها قصص حبهم الأولى ولكنهم حين يتذكرونها ترتسم على وجوههم ابتسامه دافئة.

ناقد سينمائي أردني

الدستور الأردنية في

24/07/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)